شكّلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد معركة طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول (اوكتوبر) من العام 2023 محطة مهمة في فهم ومعرفة السياسات الإعلامية الغربية تجاه القضية الفلسطينية وما يعانيه الشعب الفلسطيني من قبل العدو الصهيوني من جرائم انسانية وحرب ابادة تنتهك كل معايير حقوق الانسان والمعاهدات العالمية حول الحروب وكذلك كل المعايير الانسانية والاجتماعية، ان من خلال قتل واستهداف العدد الكبير من السكان الفلسطينيين والذي تجاوز عشرات الالاف ومن ضمنهم الاف النساء والاطفال او من خلال تدمير واستهداف المستشفيات والكنائس والمساجد وسيارات الاسعاف، وكذلك فرض الحصار لفترة طويلة على سكان القطاع ومنع وصول الماء والطعام والادوية والوقود.
لكن الخطير في هذه الحرب اللانسانية والمدمرة والتي وصلت الى ما يمكن وصفه «بحرب ابادة» بكل ما تعنية الكلمة، ان العديد من وسائل الاعلام الغربية ساندت العدو الصهيوني في هذه الحرب وبررّت جرائمه وعدوانه وعمدت الى شيطنة قوى المقاومة والشعب الفلسطيني وخصوصا حركة حماس.
وسنحاول في هذه المقالة تقديم بعض النماذج عن كيفية التزوير في السردية الاعلامية الغربية لحرب غزة وكيفية شيطنة قوى المقاومة وكيفية تبرير جرائم العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
وسنتطرق في هذه المقالة الى عدة نقاط ومنها:
أولاً: من يتحمل مسؤولية ما قامت به حركة حماس في معركة طوفان الاقصى وكيف تعاطت بعض وسائل الاعلام الغربية في هذا المجال .
ثانياً: كيفية مقاربات وسائل الاعلام الغربية للجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد قطاع غزة .
ثالثاً: الحلول التي كانت تعرضها بعض وسائل الاعلام الغربية لانهاء الحرب والدعوة لانهاء حركة حماس وعدم الاخذ بالاعتبار لكل حقوق الشعب الفلسطيني .
أولاً: من يتحمل مسؤولية معركة طوفان الاقصى
من يتحمل مسؤولية ما قامت به حركة حماس في معركة طوفان الاقصى وكيف تعاطت بعض وسائل الاعلام الغربية في هذا المجال؟
منذ أن أطلقت المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها (كتائب عز الدين القسام – الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) – في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عملية طوفان الأقصى، أصبحت كثير من وسائل الإعلام الغربية تعتمد رواية الاحتلال الإسرائيلي على ما سواه متجاوزة في كثير من الأحيان الضوابط المهنية والحياد وقد ظهر ذلك في أكثر من مناسبة.
وعندما يتبني الاعلام الغربي والمسؤولون الغربيون كل الأخبار الواردة من الكيان الاسرائيلي دون استثناء، مثل خبر «قطع حماس رؤوس أطفال إسرائيليين»، والذي تحدث عنها الرئيس الامريكي جو بايدن، وتناقلته وسائل إعلامية غربية معروفة، وبقيت تكرره على انه حقيقة، رغم انه تم تكذيب الخبر لاحقا، بعد ان تبين ان مصدره جندي اسمه ديفيد بن زيون، وهو من عتاة المستوطنين المؤيدين لقتل الفلسطينيين، تناقلته قناة «إسرائيلية»، وتبناه الاعلام الغربي دون تردد او تحفظ.
كما تبنى الإعلام الغربي تحميل «حركة حماس» مسؤولية ما جرى في معركة طوفان الاقصى دون العودة الى ما كان يجري قبل السابع من تشرين الأول (أوكتوبر) من ممارسات عدوانية صهيونية ضد الشعب الفلسطيني، سواء من خلال محاصرة قطاع غزة لاكثر من 17 سنة او الاقتحامات المستمرة للمسجد الاقصى او وجود الاف السجناء الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية وعدد كبير منهم دون محاكمة وفي ظل معاناة كبيرة داخل السجون، وكذلك قتل الفلسطينيين من قبل الجنود الصهاينة او ممارسات المستوطنين الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وكل الممارسات اللانسانية طيلة عشرات السنين من قبل العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
في حوار تلفزيوني اجراه الصحافي ادم شمس الدين عبر قناة نيو تي في مع المسؤول الاميركي السابق دايفيد ساترفيلد حول ممارسات اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، اعتبر ساترفيلد انه من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها حتى لو ادى ذلك لقتل مائة الف فلسطيني او اكثر. وهناك مقابلة كاملة حول هذا الموضوع على موقع قناة نيو تي في.
ثانياً: الاعلام الغربي وجرائم العدو الصهيوني
كيفية مقاربات وسائل الاعلام الغربية للجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد قطاع غزة.
رغم فظاعة ووضوح الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، سواء من خلال العدد الكبير من الشهداء والجرحى ومعظمهم من النساء والاطفال، او عبر استهداف المستشفيات وسيارات الاسعاف واخراج المرضى والاطباء بالقوة من المستشفيات واستهداف المدارس، فان بعض وسائل الاعلام الغربية حاولت تبرير جرائم العدو الصهيوني من خلال تبني الرواية الاسرائيليية بان المستشفيات هي ماركز عسكرية لحركة حماس او تحميل حركة الجهاد الاسلامي مسؤولية قصف المستشفى المعمداني، كذلك اللافت أن «بي بي سي» نشرت، قبل يوم واحد من قصف المستشفى تقريرا يتساءل: «هل تقوم حماس ببناء الأنفاق تحت المستشفيات والمدارس؟.»
ويضيف التقرير أنه «من المرجح أن تتدفق شبكة الأنفاق تحت أحياء مكتظة بالمنازل والمستشفيات والمدارس، مما يمنح الاحتلال الإسرائيلي ميزة الشك عندما يتعلق الأمر بقصف مثل هذه الأهداف».
وجاء الجواب من الاحتلال في اليوم التالي بارتكاب مجزرة المستشفى وقتل المئات من المرضى وذويهم من النساء والأطفال، في مجزرة ربما لم يشهد التاريخ مثيلا لها.
وكررت مراسلة «سي إن إن» الأميركية ما قاله جيش الاحتلال، وقالت إن «حماس ربما أخطأت في إطلاق الصواريخ لتسقط على المستشفى في غزة، وفقا للجيش الإسرائيلي» ويمكن مراجعة تقرير حول هذا الجانب على موقع قناة الجزيرة.
ومن الواضح ان الاعلام الغربي عمد مرارا الى تبني الروايات الاسرائيلية والى منع وجود اصوات داعمة للقضية الفلسطينية وأحد أهم النماذج لقمع الاعلام الغربي لأي صوت عربي مؤيد للفلسطينييين طرد الإعلاميين العرب أو إيقافهم عن عملهم والتحقيق معهم كما حصل مع مراسة البي بي سي في بيروت ندى عبد الصمد وكذلك مع صحافيين عرب آخرين في مؤسسات إعلامية غربية في المانيا وكندا.
ثالثاً: حول الحلول المطروحة القضية الفلسطينية والدعوة لانهاء حركة حماس
الحلول التي كانت تعرضها بعض وسائل الاعلام الغربية لانهاء الحرب والدعوة لانهاء حركة حماس وعدم الاخذ بالاعتبار لكل حقوق الشعب الفلسطيني.
معظم المقالات في وسائل الاعلام الغربية التي كانت تطرح حلولا للقضية الفلسطينية بعد معركة طوفان الاقصى والحرب على قطاع غزة كانت تركز على كيفية انهاء حركة حماس وقوى المقاومة ومواجهة الجهات الداعمة لها، وتعتبر انه لا يمكن التوصّل الى حلول نهائية للقضية الفلسطينية دون القضاء على حركة حماس، وحتى عنكما كانت بعض الاوساط الغربية، سواء من مسؤولين رسميين او وسائل اعلام، من اجل تبني حل الدولتين واقامة دولة فلسطينية كانت تشترط ضرورة انهاء حكم حماس لقطاع غزة وصولا الى انهاء وجودها كليا، ويعتبر هذا الطرح اساءة للشعب الفلسطيني ومقاومته، ومن ابرز الصحافيين الغربيين الذين دعوا الى هزيمة حركة حماس ومن يدعمها الصحافي الاميركي توماس فيردمان والذي أشار في مقال له في صحيفة «نيويورك تايمز»: إلى أنّ هناك صيغة واحدة تعزّز فرص انتصار قوى الاعتدال والتعايش في الحروب الثلاث، وهي: هزيمة حماس، طرد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحلفائه المتطرّفين، ردع إيران، وإعادة تنشيط السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بالشراكة مع الدول العربية المعتدلة، وإحياء خيار الدولتين. (عن مقال فيردمان المترجم في موقع اساس ميديا).
وهناك مقالات اخرى في الصحف الغربية تدعو لانهاء قوى المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان لان ذلك هو الطريق الوحيد لضمان أمن الكيان الصهيوني .
طبعا لا يعني ذلك انه لم يحصل تغير في مواقف وسائل الاعلام الغربية تجاه القضية الفلسطينية بعد الحرب على غزة وما ارتكبه العدو الصهيوني من ممارسات اجرامية، فقد برزت مقالات ومواقف غربية تدعو لوقف الحرب على قطاع غزة والعمل للوصول الى حلول سياسية، وكان لمواقع التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في نشر صور ما يجري في غزة وهذا انعكس ايجابا على الاوساط الشعبية والطلابية في الدول الغربية وتغيير موقفها من القضية الفلسطينية والمشاركة في المسيرات الشعبية الكبرى في معظم مدن العالم لنصرة للشعب الفلسطيني.
وقد قامت العديد من المؤسسات العربية المختصة بالشأن الفلسطيني ومنها مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز الزيتونة للدراسات والابحاث بنشر مقالات ودراسات تشرح حقيقة القضية الفلسطينية باللغات العربية والانجليزية والفرنسية وكان لها دور مهم في هذا المجال، اضافة لما قام به العديد من القنوات العربية والتي نجخت في الوصول الى الجمهور الغربي وخصوصا قناة الجزيرة، وهناك قنوات اخرى وصلت الى اميركا اللاتينية مثل قناة الميادين، اضافة الى دور اعلام المقاومة وما اعتمدته حركة حماس من اطلالات اعلامية وكيفية اطلاق الاسرى عندها، وبعض المواقف التي اطلقها عدد من الاطباء والدبلوماسيين العرب والغربيين والذين شرحوا حقيقة ما يجري في قطاع غزة، وهذا كله ساهم بالرد على السردية الاسرائيلية ولو بشكل محدود.
وفي الخلاصة نحن أمام معركة اعلامية وثقافية وفكرية إلى جانب المعركة العسكرية والنضالية من أجل شرح حقيقة ما يجري في فلسطين المحتلة ومواجهة الرواية الإسرائيلية في الإعلام الغربي، وقد تكون معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة قد أتاحت للعرب والفلسطينيين إعادة طرح القضية الفلسطينية مجدداً على الصعيد العالمي، وهناك حاجة كبيرة لمواصلة الجهد في هذا المجال لان المعركة مستمرة ولن تنتهي بأسابيع او أشهر، وسيكون العالم في المرحلة المقبلة، وبغض النظر عما ستنتهي اليه الحرب العسكرية أمام تحديات كبيرة في كيفية مواجهة الجرائم الصهيونية ومحاكمة المجرمين الصهاينة وتوثيق ما جرى وإعادة كتابة تاريخ القضية الفلسطينية من وجهة نظر أصحابها الحقيقيين ولإعادة الحقوق الى أصحابها.