شكلت زيارة سيّد صرح بكركي نيافة الكاردينال الراعي إلى الجبل نهار الجمعة في 8 أيلول 2023، إحياء للذكرى الثانية والعشرين لـ «مصالحة الجبل» التي رعاها مثلث الرحمات البطريرك صفير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق، الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط، حدثاً أيجابياً استثنائياً وسط لوحة غرائبية (محزنة) سوداء تحيط بلبنان، منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
زيارة غبطة البطريرك تلك، من ألفها إلى يائها، في تفاصيلها كافة، (من استقبال سماحة شيخ العقل له في شانيه، إلى الباروك، فبيت الدين فبعقلين، ثم المختارة، والتي غطّتها «الضحى» بالتفصيل في عدده الأخير) تستحق أن نعتبرها الذروة في تطور العلاقة البينية بين مكوّنين رئيسيين في جبل لبنان التاريخي، ومؤسسين، بين آخرين، للكيان اللبناني الحديث. الزيارة هي كذلك، في رأينا، لأسباب عدّة باتت معروفة ومكرورة.
ما هو أكثر أهمية استخلاص الدروس الضرورية، المرّة قبل الحلوة، في العلاقة «الدرامية» المتقلّبة بين مكوّني الجبل الأساسيين. ما الذي جعلهما ينخرطان من غير هوادة في دورات عنف متبادلة المرّة تلو المرّة، طوال 150 سنة؟ وما الذي يجعلهما في آن يكتبان معاً في أحايين أخرى صفحات مضيئة من الوحدة في الجبل والوطن، وبخاصة حين يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية؟ فسلام الوطن، إلى حد كبير، من السلام بين مكوّني الجبل الأساسيين؛ تماماً كما أن سلام الجبل وازدهاره، من سلام لبنان بأسره، ووحدة بنيه، وازدهار اقتصاده...