الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين

تحيَّة إلى الموحِّدين في شمال سوريا

قلوبنا اليوم هناك، في كفتين وفي معرَّة الإخوان وفي قلب لوزة وفي كلّ القرى الأبيَّة التي طالما عرفها الموحِّدون عبر تاريخهم المشرِّف جدًّا في ذلك الجبل المشرف على انطاكيا. قلوبنا مع أهلنا وأحبَّائنا الذين حملوا مثلنا تسمية خاطئة (دروز حلب) أصحاب النخوة والشَّرف والكرم والضيافة والإيثار الَّذين حوَّلوا بيوتهم وصدورهم إلى مضافات حضنوا فيها عشرات الآلاف من النَّازحين من جيرانهم، ولا غرو في ذلك، فلطالما عاش الموحِّدون هناك وفي كلِّ مكان في ظلّ مبادئ العروبة الأصيلة والإسلام السَّمح الحنيف الَّذي يتجلَّى في الأرض بتحقُّق إنساني أمثل، وبأخلاقٍ روحيَّة تقتدي بها الأمم، وبفضائل شريفة لا يقبلون عنها انزياحا.

قلوبنا معكم يا أهلنا في جبلٍ يعني لنا ولكم الكثير. يا من تتشبَّثون بالأرض التي تعرفون. فمن هناك حيث أقامت قبائل عربيَّة أصيلة قبل الفتح، وحين لبَّتْ نداء الإيمان، صقلوا أشرافُها وصناديدُها قلوبَهُم بمعاني الكتاب، ونفوسَهُم بالأعمال الطيِّبات التي تُرضي الله عزَّ وجلَّ، وسيوفَهُم دفاعًا عن الأمَّة وعزَّتها، فارتحل منهُم الكثير ليقيموا في ثغور ساحل بلاد الشَّام، ويقدِّموا التضحيات عبر مئات السنين دون انفكاك عن جذورهم ذودًا عن عزَّة الجمـــاعة والأمّـــَة.

اقـــرأوا التاريــــــخ، اقــــــرأوه جيـــِّدًا، اقــــــرأوه بإخــــــلاص فــــــي ضـــوء كلمـــة الحقّ ورسوله. هؤلاء في ألف عام لم يعتدوا على حرمةِ أخ لهُم في “الجماعة” أو في غيرها. هؤلاء أهـــل عفَّة ودِين وفضل وشهامة وتواضع، ما خانوا عهدًا، ولا طعـــنوا ظهـــرًا، ولا تواطأوا إلا مـــع الكـــرامة والـــمروءة.
اقرؤا التاريخ. اقرأوه عيانًا حاضرا أمام أعينكم. شاهدوا كم حملوا فوق طاقاتهم المادّيَّة المتواضعة من أحمال عجز عنها بلدٌ بأسره. انظروا في ضمائركم قبل بصائركم في ثمرات أخلاقهم، وولائهم للحقّ، وحفظهم الذِّمم، والتزامهم الإنساني الشَّريف بحدِّ تحريم الاعتداء على أحد، وامتثالهم مقاصد رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم في ما أودعه المسلمين من وصايا أثيلة بها قام الاسلامُ، وبها يبقى على مثاله النقيّ إلى يوم الدِّين، قال ص: “إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَليكُم دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم كَحُرمَةِ بَلَدِكُم هَذا.. اتَّقُوا اللهَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم.. الـمُسلمَ أخو الـمُسلم ، لا يَغُشُّهُ، ولا يَخُونُه ، ولا يَغْتَابُه ، ولا يَحُلُّ لَهُ دَمُهُ ، ولا شَيءٌ من مَالِهِ إِلاَّ بِطِيبِ نَفسِه…”

هؤلاء صامدون، صابرون، لا يريدون لبلدهم سوريا العزيزة إلا الخير، و لا لشعبها-وهم من صلبه- إلا الكرامة، ولا للأمَّة إلا أن يكفيها الله سبحانه وتعالى شرّ الاقتتال والتناحُر والعودة بإخلاص القلوب إلى نعمة التآلُف والوحدة. هؤلاء كانوا، كما أسلافهم، أوفياء، أنقياء القلب واليد والضمير والسَّريرة، ولا يستحقُّون من كلِّ مؤمن، ومن كلِّ أحد، إلا الاحترام والوفاء عينه.

يا أهلنا الأعزَّاء، أنتم في محلّ الاهتمام البالغ، والمتابعة الدقيقة، لكلِّ ما يستجدُّ في أوضاعكُم من أمور. إنَّنا في المجلس المذهبي لطائفة الموحِّدين الدّروز ومشيخة العقل ، بكلّ ما يمثِّلون، مقدِّرين عاليًا صبركم وحكمتكم وحِلمكُم ، نحن نعلم أنّكم على خطى السلف الصالح سائرون، وبالمحافظة على حرمة الجار متمسكون، وبحبل الله نحن واياكم معتصمون، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يسدِّد تدبيركُم، ويثبِّت قلوبكم، ويكفّ عنكُم كلّ ضيْم، ويفرِّج عنكم كلّ همّ، ونسأله أن يجمعنا في طاعته ورضوانه ورحمته، إنَّه هو الحكيم الخبير.

الإعتدال الخلقي

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

الإعتدال الخلقي

الأخلاق هي القاعدة الأساسية الضرورية التي يجب ان يوطِّدَ الإنسانُ معانيها في قلبه إنْ أراد سلوكَ السَّبيل الصَّحيح إلى التَّوحيد، عِلماً وعملاً. إنه، من دون ترسيخ تلك القاعدة، تبقى حركةُ المرء في هذا الاتِّجاه دون فائدة تُذكَر.

لقد جعل الحكماءُ الأقدمون من الأخلاق شرطاً أوَّلياً أساسياً من شُروط صَّحة الدِّين، أي التَّوحيد، بموازاة شرطٍ آخَر هو «استشعار وجود الخلاّق». لكنَّهُم عقدوا المفهومَ الأخلاقيّ بفِعل التَّهذيب ، وذلك لأسبابٍ جوهريَّةٍ ينبغي التوقُّف عندها مليّاً.

فالأخلاق منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم. وأوضح الأقدمون ما يُمكن أن نسمّيه «قانون الوسط الأخلاقي». قال إنَّ الفضيلةَ الأخلاقيَّة هي وسطٌ بين رذيلتيْن هما الإفراط والتَّفريط. مثال ذلك أنَّ الشجاعة فضيلة، فإن أفرط فيها المرءُ باتت تهوُّراً، والتهوُّر مذموم. وإنْ فرَّط فيها المرءُ كانت جُبناً، والجُبن مذموم. ايضاً، الكرمُ فضيلة، والإفراط فيها هو التبذير، والتفريطُ فيها هو البُخل. ايضاً، الحِلم فضيلة، والإفراطُ فيه هو البلادة والجهل، والتفريطُ فيه هو النَّزَق والطيش إلخ.

لذلك، يجبُ التنبُّه إلى أخلاقَ الموحِدِ هي اعتدالُ الميزانِ في عقله وقلبه، وهذا ينعكس حُكماً على أقواله وأفعاله وخياراته السّلوكيَّة في الحياة. والتوحيدُ إمَّا أن يكونَ ثمرةَ الاعتدال، وإمَّا أنّه لن يتحقَّقَ بالطّريقة التي يستشعرُ فيها الإنسانُ غبطةَ الداخل التي سمَّاها السَّلف الصَّالح «فضيلة الذَّات».

السؤال الدَّقيق في عالمنا المعاصر، من وجهة الموقف التوحيديّ، متعلِق بكيفيَّة الوصول الى هذا «الاعتدال الخُلُقيّ»، والإستفادة من ثمراته الروحيّة الضروريَّة لفهم لطائف معاني العقل الأرفع، في حين أنَّ الحياة الحديثة تتطلَّبُ إيقاعاً متسارعاً، وتضعُنا تحت سيْلٍ جارف من صوَر الرَّغبات والحاجات والمتطلّبات الماديَّة التي تتجاوز حدود الاعتدال، ولا تساعدنا بالتالي، على قطف ثمارٍ روحيَّة؟

بمعنى آخَر، الحياة الحديثة مركَّبة، بمعنى أنَّها توهم الإنسانَ بأنَّ سعادتَه كامنة بشكلٍ أساسيّ في اكتساب الثروة من دون قيود أو شروط، وعدم كبح جموح النَّفس نحو إشباع حاجاتها الطبيعيَّة بقطع النظر عن موانع العقل الحكيم، وامتلاك وسائل الراحة والرفاهيَّة إلى أقصى حدّ ممكن إلخ… في حين أنَّ التوحيد، بالمعنى الجوهريّ، هو علمُ البسيط، والبسيطُ من شأنه أن يضعَ النفسَ أمام المرآة الحقيقية التي بها تعرفُ ذاتها، والمركَّبُ هو الذي من شأنه طمس الصفحة المجلوَّة لمرآة الذات، وتكثيفها إلى الحّدِ الذي لا تصحّ معه رؤية صحيحة ونقية وصادقة للحقيقة. إن الذاكرة البصرية تختزن ما تتلقفه عيونُنا من صوَر، التي تكوِّنها مرآة العصر هي ذاكرة مليئة بالأوهام، يعني فارغة من كلِّ سندٍ حقيقيّ للعقل. كان الكتابُ يزوِّدنا بذاكرةِ ذهنيّة، أما اليوم فقد طغت عليه – من حيث هو وسيلة – الشاشة الباثة للصوَر تحيطُ بنا من كلِّ صوب.

الصورة واقعنا اليومي لا مناص منه. مجتمعنا أسيرها، بل المجتمعات المعاصرة كلها. تأتينا واضحة، مصنوعة، ساخرة، مشحونة بالتمرد على التراث الوعظي الذي ما برح متجذراً في الكنف العائلي والمدرسي، وخصوصاً، الديني.لذلك، فإن الجيل الجديد يقع تحت سطوة الصورة لأنه يراها واقعية معاصرة طبيعية بمعنى انها تستحث فيه كل رغبة، في حين ان وقع الكلام الوعظي عليه يأتي قاسياً ثقيلاً بعيداً مشبعاً بالمرارة.وأيّة صورة تأتي من إنفلات أخلاقي بلا حدود أو صورة قتال بغيض أين منه عصر الجاهلية؟

شاشة الإنهيار الاخلاقي سهلة تدغدغ الرغبات، تتوِّجُ لنا ملوكاً على الدوام في مملكة الشكل والحضور الجسدي والمظهر. تستفزّ أجسادنا ساخرةً من كلِّ تأمل عقليّ. تقودُنا إلى سوق الاستهلاك. والنتيجة؟ نزوع النفس الى السهولة، الى الإسترخاء في حالة تلقي الصوَر المسكونة بالأوهام، الى الإمتثال لتيار الغواية، وفي الوقت عينه، نفورها من كلِّ حِلم، يعني من كلِّ انضباط داخليٍّ من شأنه أن يُحيي فيها التوازنَ الضروري لاستقامتها وجعلها أساساً جوهرياً لبناء الشخصيَّة الإنسانية. لذلك، فإن الفجوة تتسع بالتواتر مع مضيّ الزمن.

علينا ان نبدّل كلّ ما في استطاعتنا لكي نفهم ما يصلنا بالوجود، المسؤولية تقع على كافة المستويات وخاصةً الدينية والثقافية والاجتماعية. فالجذور العربية والإسلامية هي جذورنا، واولادنا امانة في اعناقنا، وسفور النساء ليس من تقاليدنا، والأم إذا اعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.

الإخلاص للأصول الجامعة

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

الإخلاص للأصول الجامعة

يتطلَّبُ الارتقاءُ إلى المستوى اللائق، الّذي يجبُ أن نتطلَّعَ إليه جميعاً، لمقاربة أسئلة كبرى مطروحة في زمننا الراهن حول تراث الموحِّدين الدروز التاريخي والعقائدي، حداً أدنى من احترام العقل، وما ينبغي أن يكون مقاربة موضوعيَّة غير واقعة تحت سيْل ما يمكن أن نسمّيه اليوم «الهرج الاعلامي».

إنَّ الانطباع العام المتولِّد من قراءة سطحيَّة للأمور لا يُمكن أن يكوِّن عِلماً ولا معرفة. ونحنُ، إذ نرى ونتابع، أو نُبلَّغ عمَّا يردُ هنا وهناك من مداخلات في هذا الشأن الدَّقيق الواسع، لا يسعنا إلا أن نعبِّر عن بالغ الأسَف إزاء هذا الكمّ المخيف من المغالطات والتلفيقات والادِّعاءات التي تقدِّمُ لنا مشهداً مُزيَّفاً وملتبساً وغريباً ليس له مع الحقيقة أيّ صلة سوى طابع الاستهتار بها، والخفَّة الممقوتة في التلاعُب بقشورها، ناهيك عن إمكان الخبث في استخدام أدواتٍ فارغة من حقائق المعاني، بل ومشحونة بسفاسف التعابير والمقاصد، لا ثمرة لها سوى تعميق فجوة الباطل، والاسهام الأثيم في بلبلة خواطر الكثير من الناس ممَّن لا يملكون القدرة الكافية على التَّمييز والتمحيص.

لا بدَّ في هذا السِّياق من التَّذكير بالأصُول التوثيقيَّة التي هي أكثر عُمقاً في الجذور من المفاهيم الشعبيَّة السَّائدة التي يجبُ، في كلّ حال، التعامل معها باحترام وفقاً لمعيار التّدقيق بين الأثيل منها والدَّخيل. ثمَّة نصوص تاريخيَّة كتبها مُوحِّدون في القرنين الثامن والتاسع الهجريَّين (الرابع عشر والخامس عشر ميلادي) ترقى إلى مصاف مصادر تاريخ لبنان في تلك الحقبة التي يصفُها العديدُ من المؤرِّخين المختصِّين بـ»العصور المظلمة»، ويشيرون إلى أهميَّة تلك المدوّنات التي من شأنها الإضاءة على ذاكرة بلدنا، والتي «لولاها، لبقيت هذه الحوادث نسياً منسياً».

الحوادث المقصودة يُمكن وضعها في إطار مشاركة أسلاف المعروفيّين في الذّبّ عن لواء «الأمَّة» بمعناها الجامع، والتي كانت تُمثَّل برمز الخلافة العبَّاسيَّة وما يبرز في ظلِّها من «إمارات» و«سلطنات» سلجوقيَّة وأيُّوبيَّة ومملوكيَّة أقرَّت على التتابع للأمراء البحتريّين والتنوخيّين ولايتهم على إقطاعاتهم على مرِّ قرون من الزَّمان. ولا نقرأ في تلك الآثار النفيسة ما يشي بأبعادٍ طائفيَّة أو فئويَّة أو رهابٍ أقلويّ، بل نقرأ عن فرسان ضحُّوا بالغالي والرَّخيص في سبيل كرامةٍ جامعَة تحت لواءٍ عزيز واحد هو لواء «الأمَّة» مهما اختلفَ ولاةُ الأمر و الحِمى.

ما يهمّ ايضاً هو استقراء ثقافة القوم وعاداتهم وتقاليدهم وآداب لسانهم إلى ما هنالك من ضروب البحث و التنقيب، فكأنَّه حجر الماس كيفما أصبته وجدته مشعّاً صلباً ومن معدِن الشَّهامة ذاتها والإباء عينه والمروءة إيَّاها. وجدتَ الأصالةَ لا تزعزعُها عن ركنها الرَّكين عواصفُ الدَّهر و لا نوائبُ القدَر ولا سفسطة العابثين.

إنَّه معين الماء تتلألأُ في صفائه صوَرُ باطن النّفوس واعتقاداتها. اقرأوا بإمعانٍ سيَر حياة الأفاضل التي يُمكن أن تُستشفّ من النصّ التاريخي، وما نهَجُوه من مسلك يرقى إلى ذروة التَّحقُّق الإنساني الأمثل، وما نصح به بعضُهُم من قواعد راسخة في متن الإرث الإسلاميّ الخالي من شوائب الاعتباط والتَّركيب. اقرأوا من دون رأي وقياس، ومن دون تفصيل الثَّوب على الوقائع الراهنة وفقاً لنـزوات ادِّعاء التَّحديث (وهذا ما نجده عند بعض الكتبة الّذين يخوضون في موضوع التراث وقوفاً فوق رمال الشاطئ العقيمة دون إبحار صوب آفاق المعنى اللطيف). وليكن الذِّهنُ صافياً مخلصاً في طلب الحقيقة بحيثُ تكونُ قراءةُ سيَر الحياة تلك في غايتها قراءةً للنَّهج وللمسلك الّذي يفرضُ قواعدَهُ وشروطه قبل استخدام الجزئيَّات ذريعةً للتملُّص من النَّهج عينه.

إنَّ أيَّ تأويلٍ يُنظرُ فيه بمعزل عن المرتكزات الأساسيَّة التي شاءها الله تعالى قاعدةً للرِّسالةِ السَّماويَّة بشكل عام، والحُجَّة القرآنيَّة بشكل خاص، هو تأويل يفتقدُ الرأسَ فاتحاً البابَ نحو شطحٍ حذَّروا الثقات من تبعاتِه. فالمسألةُ لا تحتملُ الخفَّة والسَّطحيَّة ولجاجة اللسان
و«الهرج» الّذي ولَّدته مداخلات المتطفّلين، وسهولة اللعب عبر وسائل الاتِّصال الاجتماعي في هذا المجال خصوصاً.

نحن، في مشيخة العقل، ندعو إلى استيعاب الأصُول استيعاباً لائقاً بتراثنا العريق محذِّرين من الاستسهال الرَّخيص لشؤون الرُّوح، بل والمتاجرة في شؤونها من أبوابٍ شتَّى ، فمن دون التحقُّق القلبيّ الصَّادق في السجايا الرَّفيعة للصدق والمعرفة والإخلاص والأمانة والمروءة والوفاء ، فأيّ ثمرة يمكن أن تُرتجى؟ر

ملتزمون بثوابت التوحيد

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن.

ملتزمون بثوابت التوحيد

ما أحوجنا هذه الأيّام إلى التطلُّع بعين ثاقبة و نيِّرة نحو الثوابت التاريخيَّة التي التزمها أسلافُ الموحَّدين الدروز منذ البدايات التي برزوا فيها قبائل عربيّة أصيلة، تحفظ في روحها وفي مسالكها الحياتيَّة القيَم العالية، والمبادئ السامية، سواء أكان ذلك في المنحى السياسي، أم في المنحى الأخلاقي والاجتماعي. كان الأمراء التنوخيُّون خيرَ من تولّى حكم إمارة الجبل اللبناني العتيق عبر مئات السنين، ذلك أنَّهم حفظوا لبلدهم دورًا عزيزًا سَنيًّا في محيطهم الكبير، عبر علاقة حكيمة ومتواصلة مع الخلفاء الذين توالوا عبر الحقب المختلفة من دون تسجيل بوادر نزوع إلى التقوقع المذهبيّ، أو إلى عصبيَّاتٍ خارجة عن المسار العام للأمَّة”.

الملاحظةُ ذاتها تنطبقُ على الأمراء المعنيّين الذين خلفوا التنوخيّين، مع العلم بأنّه يتوجَّبُ النّظر إلى مرحلة الأمير فخر الدّين الكبير لا من منظور التمرُّد على السلطنة، وكتاب الخالدي الصفدي معاصره ومرافقه إلى توسكانا آنذاك يضع الحقائق في نصابها، إذ يردُ في تاريخه ما يؤكِّدُ مدى التزام الأمير بثوابت التاريخ، وإنّما أراد تحاشي ظلم الواشين والمفترين، وفي الوقت نفسه، أراد لبلده أن يجمع مكوِّناته الاجتماعية في بوتقة فكرية وطنيَّة جامعة، ممّا أدّى إلى اعتبار المؤرّخين له رائدًا في تجسيد الفكرة الجامعة للعيش المشترك التي منها كان لبنان.

نريد من هذا المدخل القول بأن المقاربة الموضوعيَّة لتاريخ الموحِّدين الدّروز بمجمله، لا يمكن أن تضعهم في حيِّز منفصل عن “أمَّتهم”، لا بالمعنى السياسي للتعبير، و لا بالمعنى السّلوكي الديني.

ومع ذلك، لا بدَّ من الاعتراف بأنَّ فصول الحرب اللبنانيّة التي بدأت منذ العام 1975، شهدت خلال فترة الفوضى حركة تشويش خبيث لم توفِّر فيه أيّا من المعالم و المذاهب الاسلاميَّة بغرض ضرب الساحة الوطنية وتفتيتها. وتفشَّى هذا “الفيروس” في سوق رخيصة شعبيّة تُستثار دون أيّ حسّ نقدي عقلانيّ مستنير، ودون تمييز ضروريّ في هذه المواضيع بين ما هو جدّي رصين و ما هو مبتذل رخيص. ثم رُوجّت هذه الأفكارُ الهزيلة المغلوطة في عالَمٍ صاخب تقتحمُ حواسه وضمائره الصورةُ و الخبر العاجل من دون الوقوف على حقائق الأمور وطبائعها الصحيحة ولا تزال مع الاسف حتى اليوم.
إزاء كلّ هذا الالتباس المولود في العتمة، نقف نحن في وضح النهار – مع محافظتنا على نظرتنا الوطنية والتاريخية – لنذكِّر الجميع بالتقاليد المعروفيَّة الأصيلة، و بأنَّ مذهب الموحِّدين الدروز هو ثمرة طيّبة من دوحة الاسلام العظيم، تبدَّت مناحِيه السلوكيَّة و لطائفه الرّوحيَّة في بيئةٍ شهدت أرقى مستويات الحضارة الاسلاميَّة الزاهية التي أنارت العالم في عصوره المظلمة، وحفظت له ينابيع المعرفة بإخلاص وصدق مجسِّدة بما هو عليه الاسلام السّمح من عمق إنسانيّ مستنير يفتقرُ إلى مضامينه الأخلاقيَّة الرّفيعة عالمنا المعاصر. وهذا ما يعمل على تثبيته المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز.

لقد سبق لـ”الضحى” أن نشرت منذ حوالي السنتين كتابنا “السبيل إلى التوحيد”، الذي يشكِّل مدخلا إلى المسلك التوحيدي. و قد كان الحرص شديدًا على أن تكون نصوصُه مستقاة من ينابيع معرفيَّة تراثية صافية. أردناه خصوصًا أن يكون أداة تعليميَّة لأبنائنا من الجيل المعاصر المقيم و المغترب، والذي نأمل منهم الحصول عليه والتعمق بمضمونه بحيث يقفون على معالم تربويّة تكون لهم نبراسًا مفيدًا يوجّههم إلى الباب الصحيح لتراثهم الأصيل. و هذا هو سبيلنا الواضح لتراه الناسُ في النور، نُكمّله بـكتاب آخر ذي أغراض تعليمية أيضا وضعنا له عنوان “علامة المؤمن”. وهذه هي طريق الحق مفتوحة ومضيئة لكل ذي بصيرة، أما الذين يندفعون بطيش إلى أقبية الظلام “فهم لا يتبعون إلا الظن”وما تهوى الأنفس” ويعمون عن الحقيقة الساطعة التي نرجو الله تعالى أن تشمل بنعمتها جميع المخلصين من أهل التقوى والدين.

المؤسف حقاً ان كثيرين يجهلون تاريخ الموحدين الدروز بمعناه التراثي الأثيل العميق، ويحلّون محل المعرفة الحقيقية والموضوعية كل أنواع الظنون والأباطيل، لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وهو لا يؤخذ من أقبية الظلام والظلاميّة ولكن من فسحة النّور. وإنَّ إحدى المهمّات الأساسيَّة لمجلة”الضحى” هي السعي قدر الإمكان لسد بعض النقص في فهم حقيقة تراث الموحِّدين وقيمهم وسيَر رجالاتهم المشهود لهم، والإضاءة على صفحات تاريخهم النضالي والفكري والمسلكيّ البالغ الثراء، وهو إرث مستمر بثوابته المعرفيَّة والإسلاميَّة والوطنيَّة، نحافظ عليه برغم كل المتغيرات وبعض محاولات البلبلة وخلط المفاهيم بشكل مضلّ تمامًا. فقدرنا هو أن نبقى أوفياء لفضيلة الصدق التي بها تصحّ كلّ معرفة، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

.

التوحيد مسلك تطهُّر

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

التوحيد مسلك تطهُّر

قال أرسطو في كتاب “النفس”: “يبدو أن جميعَ أحوال الـنَّـفس توجد مع الجسم: كالغضب والوداعة والخوف والشفقة والإقدام، وأيضًاً الفرح والحبّ والبغض؛ لأنه عندما تحدث هذه الأحوال يتغيَّر الجسم”. وجسمُ الإنسان بات معرَّضًاً في الزّمن الحديث لشتّى أنواع الضغوط بشكل متصاعد، بل وخطير أيضًاً، حيث أنّ الصّورةَ تستبيحُ داخله، وتدعوه بقوَّة الجذب والإغواء إلى إشباع الحاجات من دون أيّ تحفُّظٍ أو التزام بأيّ قاعدة حكيمة. فما من جارحة جسمانيَّة إلاّ ولها في السُّوق نصيبها الوافر من هذه البضاعة المحرِّضة التي تُشغِل الأبصار والأسماع، وتُلهِبُ المشاعر والأذواق، ممّا ولَّد طابعاً صاخباً للحياة الحديثة مرتبطاً بالهوَس اللامحدود بجَمع المال، فضلاً عن الميل المُستـثار إلى أنواع الرغبات خارج أيّ حدّ معقول.

الإنسانُ موصوفٌ بالضّعفِ والاستعجال والنّكران والميل إلى الجدلِ العقيم، ذلك كلّه في حال ابتعادِهِ عن المسالِك الحميدة، وارتهان نفسه الأمّارة بهواها ونوازعها وميولِها التوّاقةِ إلى الرّغبات المفرطة، والعلائق الدّنيويَّة الباذخة. فإذا ما راوحَ في الغفلةِ والتّقصير والمعاندة، انطمستْ قواه الرّوحانيَّة، وتكاثفت لطائفُ مواهبه الرّبّانيَّة، وبات لا يأنسُ إلاَّ بنداء الغريزةِ، وما أدمنَت عليه حواسّه خارج ميزان العقل وبرهان الحقّ. ومخيف ما نشهده اليوم على كافة الصعد.

إنَّ غايةَ التَّوحيد مرتبطةٌ بتحقيق الكمال الإنسانيّ، ولا يمكن الوصول الى ذلك الاّ بفهم قواعد الأمر والنَّهي في الدِّين الصَّحيح من حيث أنـَّها نصائح نورانيَّة اقتبسها العقلُ من نور الله. وهي في حقيقتها في موضِع الحاجة الضّروريَّة للإنسانِ العاقِل ليأنسَ بها، ويتنبَّه إلى مخاطر الطّريق، ويتعلَّم العِلمَ الَّذي يُعينُه على معرفة نفسِه وصُولاً إلى معرفةِ الرِّسالة الإلهيَّة الموصِلة بدورها إلى معرفةِ الله عزَّ وجلّ ، بموازاة العلوم التي يحتاجها المرء لإكتساب مهنة توفر له الرزق الحلال.

ويرتبطُ العِلمُ التّوحيديّ بواجباتِ ومفترضاتِ العمل بما يوجبُه حتماً. وما من عِلمٍ مثمِر من دون العمَل به. المسلكُ الرّوحيّ هو ارتباطٌ جوهريّ بين المعرفة والسّلوك. ويُبنى على قاعدةِ الإقرار بالحقِّ، الّذي يستتبعُ بالضّرورة التزاماً مسلكيًّا بكثير من الخلال الحميدة التي يعبِّر بها الموحِّدُ عن صدقِه وإخلاصِه ومنزلتِه في مدارج الكرامة الإنسانيَّة. ويُحسِنُ الموحِّدُ ظنَّه بالعاقبة المترتّبة عن اتّباع الخير والعدل وصالح الأعمال. فإذا ما غلبته النّفسُ مرَّة، رأى حالَه في مرآةِ إخوانه المخلِصين، فيستدركُ أمرَه بالتّوبةِ والإنابةِ والإصلاح.

يُعلِّمُ التّوحيدُ ما لمزايا الصّبر والثّبات من فوائد حيويَّة للنّفس حين ينبِّه إلى أنَّ الفضلَ والشَّرف هما ثمرتان لهما، والموحِّدُ حين يصبرُ، فإنّهُ يُحيي سجيّة الحِلم الجامعة لمزايا الصّبر والأناة والسّكون مع القدرة والقوّة، فيتجنَّب جموح الانفعال، ومخاطر الاستعجال والنّزق. لذلك، فإنّ السّكينةَ تثبِّت قلبَ الموحِّد في حبِّه لله ولرسُلِه العظام، فيتمسَّكُ بـ”العروة الوثقى” – لأنّها سببُ النّجاة وحبلُ الخلاص – أي الإيمان واستبصار الحكمة العظيمة من قواعد الأمر والنَّهي وما تتضمن من سلامة السريرة بحيث تكون اقوال الموحد مطابقة لافعاله، أي التبرؤ من الكذب والغيبة، والنميمة، وتحريف الكلام واللغو، فإن تكلم، فيكون كلامه مستنيراً بنور العقل وتكون أفعال الموحد مقرونة بالوفاء والإخلاص، فاذا وعد التزم بوعده في سريرة القلب واخلص لما قاله بلسانه، فلا يخلف، ولا يماطل، ولا يُؤَوّل كلامه في غير قصد النية الواضحة عبر منطوق الفم.

وتُعتبر مسألة الوفاء بالوعود والعهود على الوجه الأكمل فعلاً من افعال التقوى. فإذا قويت هذه الفضائل، تمكّنت نفسُه من المحافظة على اتّزانها الّذي هو آية جـمال إنسانيٍّ فريد، وتطهَّرت من عِلل المناظرة والمكائد والرياسة والجهل. هذا الأمر يولِّدُ في الذّات القدرة على صوابيّة الخِيارات واتّخاذ جادة الصّواب عند اتّخاذ القرارات، بل ينوِّر بصيرتها، ويسدِّدُ خطاها إلى ما فيه مكامن سعادتها الحقيقيَّة، ولطائف حياتها الرّوحيَّة.

نؤكد للجميع ان التّوحيد دعوة إلى الحقيقةِ من حيث هي مرآة النّور الّتي يعرفُ الإنسانُ فيها نفسَه من غير التباسٍ وانخداع. ولا يصحُّ نظرٌ في هذا الانعكاسِ الرّوحيّ اللطيف إلاّ بقوَّةِ ما يكتنزُهُ الكائنُ العاقلُ في باطنه من طبائع خير، وسجايا فاضلة، آنذاك، تصير المواجهةُ مع النّفس، بنور الحقّ، قوّةَ تطهُّر لا تضاهى.

كثيرون كثيرون الذين بحاجة الى التطهُّر!

سماحة الشيخ

سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

القيَم والأخلاق تعيدُنا إلى طريق الخلاص

يستحضرُ حلولُ شهر رمضان المبارك في ذِهننا التقاليدَ العريقة التي عرفتها المجتمعات الإسلاميَّة في طرائق أدآئها لآداب الصَّوم، وامتثالها في وجدانها ومسالكها المعاني الخيِّرة المرتبطة أصلاً بالدَّلالة الأولى التي شرَّفت هذا الشهر الفضيل ألا وهي نزول القرآن الكريم بالدَّعوةِ إلى رحاب الله الممَهَّدة بالرَّحمةِ والفضلِ والخير.

ويُدركُ المؤمنُ بفطرتِه السَّليمة – والإسلام دينُ الفطرة – أنَّ التَّقوى هي غاية الأمر الإلهيّ الجليل الّذي به كُتِبَ عَلَيكُم الصَّوم. فالجوعُ «غذاءٌ للقَلب» ذلك أنَّه يُخضِع الجسد لامتحان افتقاره إلى الطعام والشراب، فإن امتلأت النفسُ آنذاك بالذِّكر الحميد ومقاصده، أشرقت فسحةُ القلب والرُّوح، فامتثلت لطافة المعنى، واستشعرَت واجبَ الحضور الإنسانيّ في الجماعة، وما يعنيه من حِسّ المشاركةِ في الإيمان والمسلكِ الّذي يجدُ تعبيره المحسوس في المشاركة بالمال والرِّزق ومائدة الخيرات، وهذا أصل أصول العدالة الإجتماعيّة، واللبنة الأولى في بناء مجتمعٍ قويّ ومتماسِكٍ ومتعاضِد، الأمر الَّذي من شأنه أن ينير سُبلَه نحو عوامل النهضة والرقيّ والفلاح.

إنَّ الشّعورَ ببَرَكة هذه المشاركة يدفع المرء نحو جمع شمل الأسرة، وما تضمّه من أحبَّةٍ تجمعهُم أواصرُ القربى، ليس فقط في البيت الواحد، وإنَّما في الحيّ والبلدة والاجتماع العام، فتصفو أجواؤهم بقدر ما تنقى قلوبُهُم ونواياهُم في الخير، وهذا سرُّ الزَّكاة التي تعني، بأثر المبادرة إليها وما تعكسه في الرُّوح العميقة، تطهُّر الذات ونموّ قواها الجوهريَّة في «حضور الله» لأنَّ خفقات القلب المختلجة بالخير هي سببٌ لاستكناه ذلك الحضور وفق الطاقة البشريَّة، وهذا، إن تحقَّق للفرد وللأسرة وللمجتمع، هو الجمال الأرفع للحياة التي وهبنا إيّاها القديرُ الحكيم.

يَطيبُ لنا في هذه الأيّام العصيبة من زمننا الرّاهن، أن نتمعَّنَ في هذه الحقائق الفاضلة التي مَنَّ بها الحكيمُ القادر على عِباده ليهديهم سواء السَّبيل، ليس فقط إلى خلاص الذّات، ولكن من أجل إخراج الفرد من أنانيته ودائرة رغباته المغلقة إلى فسحة مشاركة الآخَر في بُعده الإنسانيّ تأسيساً للمجتمع والمدنيَّة وصولاً إلى تحقيق مفهوم «ألأمَّة» بمعناه الأرحب.

نتأمَّل ذلك كأن لنشفي القلبَ ممّا يعتريه من هواجس وعوامل قلق، حين يستشعرُ الأخطار الدّاهمة، ويرى مشاهد المآسي الضاربة في عمق مجتمعاتنا التي لم تُعطَ عبر أزمان مديدة فرصة العيش في نِعمة حُكمٍ عادل ودولةٍ مستقرَّةٍ ومزدهرة وقادرة على توفير فرص الحياة والعدل والكرامة. ولنا أن نتساءل، كما يتساءلُ أيّ مُواطِن «مسكين»: كيف يُمكنُ لنا، بما يجمعنا تحت فيئه من نور الكتاب، أن نصلَ بواقعنا إلى هذه المدارك الوخيمة؟ كيف لنا، بما يوجبُ علينا التزامه من مقوِّمات الإسلام العظيم السّمح الجامع، أن نحوِّلَ مفهومَ الدِّين إلى أداةٍ لخوض الصّراعات والنزاعات والانقسامات؟ بل كيف لنا أن لا نبذلَ أقصى الهمم وأشدّ العزائم كي نعودَ إلى «مرآة الله»، أي إلى تجريد المعاني من الرِّسالة الإلهيَّة كي نتشبَّهَ بها من جديد، أوّابِين إلى الصّراط المستقيم، ولائذين بطلب الصَّفح والمغفرة، وسائلين أن يقدِّرنا برحمته وعفوه على أن نسلكَ المسلكَ السَّليم مبتعدِين عن كلِّ مظاهر الإساءةِ والمعاندةِ لِما أراده الله لنا أن نكون.

إنَّنا لا نرى في خضمِّ هذه العاصفة الـمُقبِضة إلا أن ندعوَ أنفسَنا وأبناءَنا وبني قومنا في أمَّتنا إلى التنبُّه والتيقُّظ من حبائل الضّدّية السّائقة للنفوس إلى النّفور من منظومة القيَم والأخلاق والعدل، واتِّباع الأهواء انبهاراً بغواية الرَّغبات ونوازع الهوى التي تدفعُ إلى الابتعاد عن أمانة الدِّين السَّامية والمنزَّهة بحقيقتها عن كلِّ سُوءٍ من الأعمال التي يرتكبُها الغافلون العصاة.

كما لا يسعنا إلا أن نطلقَ الصَّوت عالياً للتّذكير على الدّوام ببركات التآلُف والاجتماع والوحدة حول منابع الخير. إنَّ الله سبحانه وتعالى يحبّ الّذين آمنوا أن يكونوا بالتقوى والمروءةِ والشّجاعة الخُلقيَّة ملتحمين كالبنيان المرصُوص تحقيقاً لصلاح النّفس، ومن ثمَّ ذوداً عن الحمى، ورداً لمطامع الطغاة أعداء الحقّ والدّين.

هذه المبادئ هي الثّوابت عندنا، ننادي بها، وندعو إليها، ونطالبُ أبناءَنا بالتزامها انطلاقاً من الاحترام العميق للكينونة الأخلاقيَّة التي هي النّواة المباركة لبناء الشخصيَّة الإنسانيَّة والمجتمع الإنساني الّذي نتوق إلى تحقيقه.

رسالة شيخ العقل

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

تعزيز المؤسسات وروح الفريــق ونبـــذ الفرديـــة طريقنـــــا إلى الفـلاح

تشكّلَ المجلس المذهبي في دورته الحاليّة وفقاً لأحكام قانون تنظيم شؤون طائفة الموحّدين الدّروز الصّادر سنة 2006. وهو قانون تضمّن في شق منه وضع آليّات شفافة لانتخاب المجلس المذهبي بمشاركة من مختلف فئات المجتمع وشرائحه المهنيّة والاجتماعيّة والثقافية والدينيَّة، وجاء القانون بذلك ليستكمل آليات التمثيل السياسي والشعبي التي ينظمها قانون الانتخابات النيابيَّة.

استهدف التطور التشريعيّ في أحكام القانون المذكور توفير الأطر اللازمة لاحتواء الطاقات المتوثبة لنخبة الطائفة، وتوجيه تلك الطاقات باتجاه النهوض بالمجتمع من المراوحةِ العـقيمة في مستنقع المصالح الأنانيّة النفعيّة التسلّطيَّة إلى المفهوم الفسيح الراقي للمصلحة العامَّة العليا، وهذه المصلحة الجماعية لا يمكن تحقيقها إلا بنتيجة تضافر الجهود، وتعزيز مؤسسات وأطر العمل الاجتماعيّ والتـنمويّ والفكريّ، وإرساء حسّ المشاركة والتحرك المتناغم بروح الفريق العامل بدل النزوع الفرديّ نحو الارتجال والاستئثار والتمسّك بواقع الفوضى تحقيقاً لمآرب صغيرة لم تؤتِ في يوم من الأيّام ثمراً خيِّراً للجماعة بقدر ما أضعفت صفوفها وأدت إلى تأخّرها اقتصادياً وسياسياً.

إنَّ شؤون طائفة الموحّدين شاملة لمختلف وجوه الحياة، وهي تمسّ المجتمع بكافَّة أفراده وشرائحه. لكنّ المجلسَ ليس بديلاً عن أيّ فعاليَّة سياسيَّة عامَّة أو مهنيَّة أو (خصوصاً) دينيَّة. إنَّه واسطة من وسائط التنظيم الفاعل للواقع الذي نعيشه بكلّ ما يكتنف هذا الواقع وما يخالطه من أزمات ومشاكل وصعوبات وتحدّيات، بل ومحن في بعض الأوقات العصيبة. أتطرَّقُ إلى هذا التَّوضيح لشعوري بضرورة تعميم هذا المفهوم الشامل على دور المجلس وغاياته، وتصحيح النظرة الضيّقة المحدودة بل والعصبيَّة التي تحكم عقول البعض هنا وهناك من الّذين يرون في هذا الصَّرح الكبير والأساسي لنهضتنا مضرباً من مضارب العشائر، وحاشا لنا ولغيرنا أن يرضى بهذا، لأنَّ النوايا من دون شكّ متوجِّهة، وهكذا يُفترضُ أن يكون، نحو خير المجتمع بكليّته ومصالحه العليا ونهضته المتوخّاة.

بهذه الرؤية الموضوعيَّة الدقيقة قبلنا شرف العمل والخدمة في هذين الصرحيْن اللذين يتمتّعان بتمثيل مجتمع الموحّدين الدّروز: مشيخة العقل والمجلس المذهبيّ. هذا المجتمع الذي يحمل في ذاكرته التاريخيّة ووعيه الحاضر، العنفوان المعنويّ لهذه الطائفة بما فيه من إمكانات ومؤهّلات وصفات مثالية اكتسبها عبر تاريخ الموحدين السياسي المجيد وإرثهم الروحي الكبير وتقاليدهم الحميدة.

إنَّ من أول أهدافنا، مع ثقتنا بالقيادة السياسية الحكيمة، أن يبقى المجتمع عزيز الجانب، موفور الكرامة، عامراً بالإيمان، مستبشراً بالخير في كلّ وجهٍ ومعنى. تتآزر فيه القوى لوحدة الصَّف، واجتماع الشمل، بمشاركة جميع أبنائه وفقاً لإمكانياتهم، وعلى اختلاف مشاربهم في تبنّي رسالة مشتركة تكون الهدف الّذي يُسعى إليه بالتكاتف والتضامن والتعاضد لأجل مستقبلٍ زاهر يتجاوز مرحلة القلق والتجاذب والمخاطر الكبرى التي تتهدَّده في هذه المرحلة.
والمشايخ الأجلاء هم بمكانة القدوة الصالحة لمجتمع كريم أمام وجه الحقّ، بذلوا ويبذلون في الله مهجهم، وتعمّ في البرايا بركتُهم، وتعلو بالحق كلمتُهم، ولذلك، فإنّنا نربأ بقدْرِهم أن تمتدَّ في أوساطهم يدُ التفرقة البغيضة، أو يتسرَّب إلى صفوفهم ذوو الأغراض المضلِّلة، فتتسرَّب إلى صفاء القلب غرضيّات وعصبيّات ليس لها في صفحة الحقّ مكان، بل هي مشوِّشة لمرآة البصيرة، وملوِّثة لفسحة القلب والجنان.

اليوم، وفي هذا العصر الذي تُــشرّع فيه أبوابُ العِلم والمعرفة على مصاريعها، نرى أنفسنا بحاجة ماسّة إلى فئة من أهل الثقافة الصَّحيحة، والمنهجيَّة الدقيقة الصّادقة، من الّذين حباهم الله نعمة العقل ونعمة التواضع الروحيّ الأثيل، ليتولوا مهمّة الارشاد والتوجيه في وجه أوبئة الانحلال الخلُـــقيّ وتفشّي العادات الرديئة في المجتمع، وأشدّها خطراً الإباحة وإدمان المخدِّر على أنواعه المقيتة، وغيرهما من الآفات الخطيرة التي تفتـك بأبنائنا وبالكثير من مواطني بلدنا عموماً.

كذلك، فإنّ روّاد الخير العام، هم في الواقع مسؤولون عن التوجيه الممكن في محيطهم الاجتماعي، وحمايته من الانقياد وراء دعوات الباطل والتخريب التي يقف وراءها نفعيُّون يحاولون تكريس واقع خرب من أجل إثبات مصالحهم الذاتيَّة بإسم المصلحة العامة، كما يحاولون تضليل بعض المواطنين بالشعارات الزائفة في سبيل منافعهم الضيّقة. إنّ من واجبات الفرد الصالح نحو المجتمع أن يتبنَّى مصلحة الجماعة التي تنتظم فيها المصلحة الخاصّة وفقاً لمكوِّنات الحقّ. ومن تتوفّر فيه هذه المزايا والارادات الطيبة فلا بدّ حتماً من أن يتخلى عن الأنانية الجامحة العمياء. إنّ تـنمية أوقاف طائفة الموحدين الدروز اليوم ومستقبلاً تدخل في صلب الرسالة المشتركة للموحِّدين بعد أن تمَّ إحصاء هذه الأوقاف، فتوضَّحت معالمُها توثيقــاً، حيث تبيَّن واقعيّاً أنَّ معظم ملفَّاتها رازحة تحت وطأة تركة ثقيلة وقديمة (عقود ووقائع) تجعلها شحيحة الإيرادات، ضئيلة المنافع. وبعيداً عن الغوغائيّة، وبمنأى عن الاستنقاع في مياه آسنة، تعمل لجنة الأوقاف على ترسيخ أسُس خطّة متكاملة لوضع اقتراحات المشاريع للنهوض بها من مرحلة العوائق والإشكاليات، إلى مرحلة جديدة من التطوّر والنّهوض نحو ما يجب أن يكون خدمة للصالح العام، كما تتبنّى مديرية الاوقاف اتّباع أساليب المحاسبة والتدقيق الحديثة.

إنّنا في هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة، وحتى تتمكن الاوقاف من زيادة وارداتها، ومن مواقع مسؤوليّاتنا جميعاً تجاه أسَر الشهداء والمعوّقين والمنقطعين من الأرامل والأيتام وذوي الحاجات الخاصة، لا بدَّ من أن نتوجَّه الى الموسرين والمحسنين من أهلنا لدعم اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي التي تتحمَّل أعباء مواجهة كافَّة المشاكل الطارئة التي يواجهُها الكثيرُ من أفراد مجتمعنا وعوائله صحّياً وتعليميّاً واجتماعيّاً. وإنّنا، من موقع الاحترام للكثير منهم، خصوصاً من الّذين نجحوا وتمكّنوا بفضل الله من تحقيق الكثير بكدِّهم وسعيهم ومثابرتهم، نهيب بهم بأن يكون لهم زكاة في ما حباهم الله تعالى لهم من نِعم، لتكون تلك الزّكاة برَكة لهُم في محلّ الرِّضا والمحبَّة كما جاء في المأثور: “إنَّ الله يحبّ أن يرى آثار نعمه على عبيده”، طالبين لهم ولنا أن يأخذ الله سبحانه وتعالى بنواصينا إلى الحقّ، وإلى ما فيه نعيم رضاه، برحمته وعفوه.

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن
بمناسبة عيد الفطر السعيد

بســـــــم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصّلاة والسّلام على سيِّد المرسَلين، وآله وصَحبه أجمعين.
ينقضي الشهر المبارَك ولا تنقضي بركاتُه، فليس أيّام الصّومِ بميعاد زمني، لكنَّها، كما قال تعالى، سبيل إلى التّقوى يَا أيُّها الَّذين آمَنوا كُتِب عليكُمُ الصِّيامُ كمَا كُتِب على الَّذين من قبلِكُم لَعلَّكُم تَتَّقُون (البقرة 183). إنَّها إرادة الله سبحانَه وتعالى أن يُقبِل الفطر والنّاس المؤمِنُون الطّائعون في سكينة التّقوى، مليئة قلوبُهُم بفائض الذِّكر، خاضعة جوارحُهُم لهيبَة الحقّ، ومؤتلفة نواياهُم على كلمة التّوحيد، وفي هذا كلِّه صلاح النَّفس الّذي هوَ باب إلى صلاح المجتمع والأمَّة.
إنَّ الفوز العظِيم أن يظفَر الموحِّد بنعمة التَّحقُّق بمقاصِد المعاني الشّريفَة المودُوعة في الذِّكر الحكيم، فيُشرِق في الأفئدة أثر الصِّدق في الطّاعة، ويستنير عقل المرء بلطائف الإشارات، وغاية التَّوفيق أن تُسلِّم النَّفس حينذاك قيادَها للحقيقة، وتسلك في كلِّ حركاتِها سلوكًا إنسانيًّا فاضِلاً، وهذا هو ثمر التَّوحيد الَّذي فيه الخلاص.
إنَّ خلاص المرء هو أن يسلم من نفسِه بإلزامِها الأمر بالمعروف والنَّهي عن المـُنكَر، فيكون الفِطر إذنًا لها من الله سبحانَه وتعالى لتنهَل من خَيراتِه الظّاهرة فيما يُقيمُ الأَوَد، والباطِنة فيما يُحيي لطائف الرُّوح، وهذه هي غاية العِيد. وفي الحقيقة، فإنّ عمل الإنسان مَوضع نظر الباري تعالى الذي قالَ في كتابِه العزيز ثمَّ جعلناكُم خَلائفَ في الأرضِ مِن بعدِهِم لِنَنظُرَ كيفَ تعمَلُون (يونس 14)، ورضاه عزَّ وجلّ مُوجِب للخيِّر منها ما تنزّه عن الجهل والمعصية، وللطيِّب منها ما سلِم من الخُبث، وللصالِح منها ما نأى عن الشّرور.
هنيئًا لمن سلَك سبيل الحقّ فحظي بتوفيق من الله تعالى، وصارَ بين النّاس دلالة على الفضيلة وحُجّة لها. وإنّ المرء العامِل العالِم في هذا النهج في زمننا الحاضِر لهو نعمة جاد بها الله تعالى على خَلقِه، إذ هو في موقِع اقتباس النّور للشهادة على عبث الظّلام. إنّ مجتمعَنا اليوم بأشدّ الحاجَة إلى مثل هذا الشّاهد العدل الّذي يشهد للحقيقة، ليس فقط بلِسانِه ومظهره، وإنّما أوّلاً بأعماله وسلوكِه وتجرّدِه عن كلّ المصالِح العرَضيّة.
فليكن معنى العيد حاضرًا في القلوب، هكذا يتنبَّه المرء إلى عائلتِه فيرعاها بحسن التّدبير، ويرسِّخ في حماها التشبّثَ بالأخلاقِ الحميدة، والعادات المفيدة، ويردّ عنها مخاطر الجنوح في مزالقِ الهوى الرّخيص، والتشبُّه بالطرائق المذمومة، والظواهر المغايرة لشيَمِنا ومألوفاتِنا الأثيلة. إنَّه، بالمروءة والغيرة على إرثنا الحضاريّ، ننهضُ من كبوةِ التغرُّبِ بعيداً عن أصالتنا وعراقةِ قِيَمِنا السَّديدة. نضع اليدَ في اليدِ لنحمي مجتمعَنا، ولا سيّما الجيل الصّاعد، من آفات البطالة والتسكّع والإدمان، والقلق على المستقبل، وفقدان الطّموح والأمل، والتّطلّع بيأس إلى أبواب الهجرة وأوهام الهروب من الواقع.
إنَّ جيلاً صاعداً ملتزماً بالشفافية الأخلاقيَّة، والمسؤوليَّة الأدبيَّة، والصُّدقيَّة المهنيَّة، والكفاءة وتحقيق الذّات بالسُّبُل الشَّريفة النقيَّة هو الامل الَّذي سوف يعبر بمجتمعنا إلى فجر جديد واعِد بعيداً عن العصبيَّات والفئويّات.
وتيمّناً بمعاني عيد الفطر السعيد، فإننا في هذه الأيام الدقيقة من عمر لبنان بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، نرفع الدعاء الخالص إلى الله تعالى ليُلهِم اللبنانيين والعرب والمسلمين كافة، اتّباع الحكمة وترجيح العقل في كل ما يُقدِمون عليه، وتثبيت الوحدة في ما بينهم، وترسيخ الهدوء والاستقرار والأمن في ربوعهم، وأن لا يفطُروا إلاّ على غذاء المحبة وأن لا يرتووا إلاّ بماء التعاضد والتلاقي والتآخي، وأن يُشهروا كلمة الحق، وأن ينصرفوا إلى الحوار سبيلاً وحيداً لحلّ قضاياهم، وأن يعتمدوا خيار التكاتف الذي يُولّد القوة في وجه المُعتدين والطامعين، وفي طليعة هؤلاء كيان إسرائيل الغاصب، وأن لا يضيّعوا بوصلة فلسطين، وأن يحصّنوا ساحتنا الداخلية بلغة التفاهم وبتعزيز الحرية والديمقراطية وحفظ الكرامات وتحريم الاقتتال بين الأخوة ونبذ التعصب والأحقاد والفتن، عسى أن يُسرعوا إلى ذلك قبل فوات الأوان، والله لدعوانا سميعٌ وهو خير مُجيبٍ للمؤمنين.

كلمة سماحة شيخ العقل

بقلم سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

انطلقت «الضحى» بحرِّيــَّة مسؤولة في آفاق نهضويّة. ونحن نفهم دوافع النهضة من منطلق حرّية الحركة التي لا يقيِّدها إلاَّ ثوابت الفضيلة، والإخلاص لآداب القيَم الإنسانيّة السامية، والالتزام العاقل بالمصالح الحقيقيّة لشعبنا الوفي. إنّه من خلال تحمّل مسؤوليّة الخدمة، والتصدّي اليومي انكبابًا في البحث عن حلول صادقة وواقعيَّة للعديد من مشاكلنا المتراكمة، تترسّخُ قناعتنا بضرورة المضيّ قدُمًا في تعزيز مسيرة العمل المؤسّساتي وآليّاته المحكومة بالقانون، والمرهونة بشفافيّة نريدها بقوّة بأكثر ممّا يتخيّله المغرضون.

إنّه من السهولة بمكان أن نتربَّع في كنف العصبيّات والغرضيّات، مُطلقِين الكلام من دون قيد الموضوعيّة، ومتعمِّدين إثارة غبار الشكّ والالتباس، من دون أن نخطو خطوة واحدة في سياق التآلف والقاسم المشترك. أمثال هؤلاء يضيرهم نجاح عقليّة المؤسّسة وتفعيل مسارها الديموقراطي الفالح. هؤلاء ينتمون إلى الجانب العقيم من الماضي. يؤلمنا أن يُفهم تمسّكنا بخطاب الدعوة إلى التوحّد والمشاركة وقبول الآخر وكأنه متولِّد عن الضعف. لا، على الإطلاق، إذ أنّ حرصنا على نبذ عوامل التفرقة يحصّننا ويحول بيننا وبين الانزلاق في متاهة المناكفة والجدل السلبي الذي يريد عن عمدٍ مزيدًا من الغرق في عنصريّة فئويّة تأباها الأخلاق التوحيديَّة الأصيلة. نحنُ تُشغلنا هموم البناء، لا من أجل أشخاصنا، بل من أجل مجتمعنا، إذ أننا كلنا إلى زوال، لا يبقى إلاّ ما نفع الناس بحقّ وصدق.

هذه هي «الضحى» في أفق الحرّية «المضاءة بالعقل»، المستنيرة بشعور أداءِ واجبٍ نهضويّ، من غير ادّعاء الاستئثار بالرأي، ومن غير قيود لعبة التحكّم الإعلامي الموجّه لخدمة مصالح أنانية، بل هي توجّه النداء إلى كلّ مُستشعرٍ بروح المشاركة، وإلى كلِّ غيور على المصلحة العامة، وإلى كلِّ مؤمن بأن «إضاءة شمعة أفضل من المكوث في العتمة وإطلاق اللعنة على دياجي الظلام». نحن نسمح لأنفسنا بأن نوجِّه، من موقع الخدمة والمسؤوليَّة، حفاظاً على ما يتطلّبه التوحيد من آداب، وما يليق بالمعرفة من دقَّةٍ موضوعيَّة، ومنهجيَّة صادقة، هذه المعايير التي نلتزمها تضعنا حتمًا في موقع المواجهة مع «السفسطة»، أي كلّ كلام يفتقد الأسُس المنطقيَّة، ويتوخّى تعميم الشكّ والالتباس، فقط لخدمة نوازع النّفس والطّبع.

هذه أحد تطلعاتنا التي نفهمُ من خلالها دور «مشيخة العقل» الذي لا بدّ له من أن يكون جامعًا وموحِّدًا. إنّ الهمَّ الفكري والثقافي والنهضويّ يلحّ علينا من أجل العمل على دعم ما من شأنه تعزيز مفاهيم المشاركة وتبادل الرأي وتلقّي المبادرات برحابة صدر، وذلك في كلِّ حقلٍ من حقول العمل الإنمائيّ القائم على فهمٍ عميق وموضوعيّ وموزون لمشاكل مجتمعنا المعروفيّ وقضاياه الملحَّة. إنّ فهمَنا للمسؤوليّة ولمتطلّبات الخدمة لا ينفصم عن إيماننا الراسخ بالقيَم السامية التي ميّزت أخلاق الموحِّدين وشيمهم عبر التاريخ، لذلك، فإننا نسعى مخلصين، والله من وراء القصد، للمضيّ قدُمًا في بناء مسيرة العمل الجاد والدؤوب الذي يعود بنفعه على مجتمعنا ووطننا، مخلّفين وراءنا، بمعونته، كل نوازع النفس إلى المنافرة والشقاق. لقد تعلمنا من مشايخنا الحكماء الأجلاء الحكمة القائلة: إنّ التآلف باب إلى الخير، والخلاف منحدر خطر نحو الخيبة والخراب.

بدعوة من سماحة شيخ العقل والمجلس المذهبي

حفل‭ ‬وتوزيع‭ ‬دروع‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الطائفـــة تكريمــــــاً‭ ‬لمجلــــس‭ ‬أمنـــاء‭ ‬” الضحى “
الشيخ‭ ‬نعيم‭ ‬حسن

نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬استقطاب‭ ‬المجلة‭ ‬لمفكّرين‭ ‬وعلماء‭ ‬بارزين ليــس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬طائفتنا‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬والعالم‭ ‬الاسلامي

رئيس‭ ‬التحرير

نجاح‭ ‬‮«‬الضحى‮»‬‭ ‬ترك‭ ‬آثاره‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬فحسب بل‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وفلسطين‭ ‬ولدى‭ ‬جمهور‭ ‬المثقفين

د‭. ‬منير‭ ‬يحيى

‮«‬الضحى‮»‬‭ ‬حالة‭ ‬فكرية‭ ‬حوارية‭ ‬وسط‭ ‬التأزم‭ ‬الطائفي‭ ‬والمذهبي وأدعو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬شبكي‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الجميع

الشيخ‭ ‬سامي‭ ‬أبي‭ ‬المنى

«‬الضحى‮»‬‭ ‬واحةٌ‭ ‬للتفاعل‭ ‬والعطاء‭ ‬وجسرٌ‭ ‬للتواصل مع‭ ‬المجتمع‭ ‬والبيئة‭ ‬اللبنانية‭ ‬والعربية‭ ‬والمشرقية

بمناسبة مرور ثلاث سنوات على إعادة إصدار مجلة الضحى بصيغتها الجديدة، نظّم  المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في حضور رئيسه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سماحة الشيخ نعيم حسن واعضاء مجلس الادارة وجمهور واسع من أعضاء المجلس المذهبي للطائفة وعدد من الشخصيات حفلاً عاماً خصص لتكريم مجلس أمناء مجلة الضحى وجرى الحفل في الصالونات الرسمية لدارالطائفة الدرزية في شارع فردان. وبعد إلقاء الكلمات من المحتفين والمحتفى بهم قدّم سماحة شيخ العقل الدروع التكريمية لأعضاء مجلس أمناء المجلة ودُعي الجميع بعد ذلك إلى حفل قدمت فيه المرطبات والمأكولات والحلوى.

وعلى أثر حفل التكريم دعا سماحة شيخ العقل مجلس إدارة المجلس المذهبي ومجلس أمناء الضحىبإلى عقد لقاء تشاوري، وتمّ الاجتماع في صالون المشيخة في الدار في جو أخوي، وجرى خلاله التداول في تعزيز التنسيق والتعاون، كما جرى الإستماع لملاحظات قيّمة بشأن تطوير المجلة وتعزيز دورها الثقافي والحواري والوطني.

الإفتتاح

رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي أبي المنى افتتح المناسبة مبدياً سعادة المجلس بتكريم مجلسِ أمناء الضحى الذين  ساندوا وواكبوا بعطائهم الماديّ والمعنويّ إنطلاقةَ المجلّة مضيفاً القول بأن المجلة  سلّطت الضوءَ على محطاتٍ تاريخية وقيمٍ توحيدية واجتماعية ووطنية وتحدثت عن أعلامٍ وشخصياتٍ لم يكن يظنُّ كثيرون أنها ستطالُهم، وعن مواقعَ ومناطقَ ومشاهدَ وتقاليدَ وحكاياتٍ مع الأرض والناس، امتدّت على مساحة الجبل ووصلت إلى راشيا وحاصبيا والوطن كلِّه وجبل العرب. واعتبر أن المجلة هي جسرٌ للتواصل مع المجتمع والبيئة اللبنانية والعربية والمشرقية، وواحةٌ للتفاعل والعطاء، هي صورةٌ عنّا، ولهذا علينا أن نمنحَها من ذاتِنا لتكونَ هكذا، وأن ندفعَ دائماً باتّجاه بلورةِ فلسفتِها التوحيدية الإسلامية العربية الإنسانية، وأن نشدَّ على أيدي محرّريها، ونعملَ ورئاسةَ التحرير الواثقة، ومجلسَ الأمناء الأفاضل، على إنتاجِ مجلةٍ فكريةٍ، غنيةٍ، متنوّعة،ٍ ورصينة، وهو ما عوّدتْنا عليه المجلةُ في أعدادِها الثمانية الصادرة، وهذا ما نرجوه في أعدادها القادمة، وما نأملُه من تعاونٍ وتفاهمٍ وسعةِ انتشارٍ في الداخل والخارج، مقدّرين النجاحَ والانطلاقةَ المبارَكةَ.

وقال إن في هذا التكريم تكريمٌ لأنفسِنا، كأسرةٍ متكاملة، وكفريقٍ واحدٍ، لا كفريقَين وختم  بأبيات شعرية جاء فيها:

ولائي للضحــــى قولٌ وفعـــــلُ على أملٍ مع الأحبـــاب  يَحلــو

أُؤمّلُ أن أرى صفحـاتِ مجدٍ يخُطُّ فصولَــها بالحقِّ نَصــلُ

وخيرُ معالمِ الصفحاتِ قولٌ يُفيـدُ وحكمــةٌ بالخيـر تجلـــــو

ونورُ مكارمِ الأخــــلاقِ بــــــادٍ وليــــلٌ ينقضي أبداً وجهْـــــــــلُ

لنهضةِ أمّةٍ، للأرضِ كانــــت لمعرفةٍ، ويحدو الركبَ فضـــلُ

ألا يا ربُّ باركْهـا لترقـــــــــــى ودربُ رُقيِّـها صعـبٌ  وسهـــــــلُ

بمجلسها الأمينِ تفوحُ طيبــاً يُحرِّرُ شهــدَهُ  المـأمولَ نحـــــــل

نُكرّمُهم وفي التكــريم حــــبُّ ونحـــنُ لديه بالتوحـيدِ أهــــلُ

 

سماحة‭ ‬شيخ‭ ‬العقل

بعد كلمة الإفتتاح ألقى سماحة شيخ عقل الطائفة الشيخ نعيم حسن خطاباً تكريمياً جاء فيها: نرحِّبُ بكم في داركُم التي نسأل الله تعالى أن تبقى عزيزة، أبيَّة، شامخة بالحقّ، وحاملة على الدّوام لواء الكلمة الجامعة، والكلمة الطيّبة التي تستمدُّ معناها من توحيدنا الأثيل، وتراثنا الأصيل، لتكونَ دعوةً لجمع الشَّمل، ووحدة الصّفّ، بهَدْي العقل، وإشراق نيَّة الخير في الأفئدة، والتّطلّع إلى ما فيه المصالح الحيويَّة لعشيرتنا المعروفيَّة العريقة.

وأضاف الزَّكاةُ عند الموحِّدين أمرٌ واجب، ويُخطئُ البعضُ كثيراً حين يتناسون أنَّ معناها الأرحب والأشمل ترسَّخ في الأصول تحت خصلة: حفظ الاخوان. ولا يكونُ حفظٌ إلا ببذل المال والعِلم والقُدرة وما ملكت اليد، وما استفاض به القلبُ والعقل، إلى أخيه بكلّ معاني الأخوَّة واشتمالها العام. ومَن يعي هذا الأمر مبادِراً إليه، فهو مكرَّم ومُثاب، وليس لنا نحنُ أن نكرِّمه إلا بالشّكر والتقدير، ولكنَّ التكريم الحقيقي هو في خزائن الله المصانة في المحلّ الّذي لا يُبلى. ومَن يفتح الله تعالى قلبه على البذل والعطاء في مسالك الخَير، يكونُ هو السائر بتوفيق الله وبركتِه ورعايته ونِعم أجر العاملين.

وقال: أحيِّي أعضاء مجلس أمناء الضحى من هذا الباب وأشكر لهمُ مبادرتَهم وتضحياتِهم وسعةَ أفُق رؤياهم. حفلتالضحى بالكثير من المواضيع الدينيَّة والتاريخيَّة والأدبيّة والاجتماعيَّة بما يمكّنها أن تكون في بعض المواضيع توثيقيّة، خصوصاً في غياب نشرة تضاهيها في مجتمعنا. ولكن لا بدّ من قول ما لا بدَّ من قوله، إنّنا نتطلَّع إلى أن تخصِّصَ المجلة من صفحاتها ما يقارب عصرنا الحالي فكرياً وثقافياً عبر مفكّرين وعلماء وأساتذة جامعيّين لهم شأنهم، ليس فقط في طائفتنا، بل في لبنان والعالم الاسلامي.

 

كلمة‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير

الأستاذ رشيد حسن ألقى بعد ذلك كلمة نوّه فيها بالتعاون المستمر منذ إنطلاقة الضحى بين رئاسة التحرير وبين سماحة شيخ العقل الذي محضنا الثقة وكان على الدوام ناصحاً عن قرب وقارئاً حصيفاً مؤكداً أن تعاون سماحته وقبوله بالصيغة الجديدة التي اتفقنا أن تكون صيغة المجلة الثقافية وليس مجلة للعلاقات العامة كان أحد أهم شروط نجاح المجلة، وهو يدل على سعة أفق وعلى إدراك من قبله لدقة الظرف ولأهمية دعم المجلة وفقاً لخطة العمل التي قدمناها في نيسان 2010“.

وأضاف رئيس التحرير القول: لقد كان لنجاح الضحى آثاره ليس في لبنان فحسب بل في سوريا وفلسطين ولدى العديد من المثقفين من خارج الطائفة الذين قدروا المجلة وانفتاحها فحرصوا على قراءتها أو حتى الاشتراك بها.  وأودّ التذكير بأنالضحى تباع في جميع مكتبات لبنان من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ المجلة التي تكون متوافرة للقارئ العام ولا يقتصر توزيعها على أبناء الطائفة.

وتابع: لقد إخترنا الطريق الصعب وهو طريق التطوير التدريجي والسير بخطى متأنية في تنفيذ رؤيتنا الأصلية وهي رؤية الرقي في المادة وفي رسالة المجلة التنويرية وانفتاحها على الإرث الروحي والحضاري الغني والواسع لعالم التوحيد والإسلام والرقي السلوكي والقيمي.

 

كلمة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمناء‭ ‬

الدكتور منير يحيى القى كلمة باسم مجلس أمناء المجلة أبدى فيها أمله في أن تشكل مجلة الضحى في خضم الواقع العربي المحكوم بالعصبية المذهبية والطائفية حالة فكرية حوارية في الداخل الدرزي دينياً ودنيوياً وفي علاقة الدروز مع المحيط الإسلامي والمسيحي.  ونوّه الدكتور يحيى بجهود المجلس المذهبي وعمل اللجان المتواصل الاجتماعية والفكرية والدينية وغيرها وكذلك بإنطلاقة مجلة الضحى ثم طرح السؤال: ما هو المطلوب من أجل تكامل كل تلك الجهود وإحداث صدمة إيجابية في واقع طائفة الموحدين الدروز خاصة وأننا أمام التجربة الثانية لمجلس مذهبي منتخب؟

ودعا إلى أهمية التطور بـ الضحى لتصبح موقعاً شبكياً متكاملاً يمكن للجميع الدخول إليه والتفاعل معه في كل الأقطار، مشيراً إلى التراجع المستمر لدور الصحف والمجلات أمام التطور غير المسبوق لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت في نقل الخبر والفكرة والمعلومة. وختم بالقول: كيف نستطيع أن نحول الضحى من مجلة إلى موقع تواصل ما بين أبناء الطائفة في ما بينهم مع اختلاف أجيالهم ومناطقهم ومواقعهم الاجتماعية وإمكاناتهم الاقتصادية وكذلك إلى موقع تواصل ثقافي يطال بآثاره التنويرية جميع المهتمين بالثقافة وبالقيم الروحية.

 

مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬المجلس‭ ‬المذهبي‭ ‬للطائفة

رئيس المجلس سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن

أمين السر الاستاذ نزار البراضعي

أمين الصندوق الاستاذ فاروق الجردي

رئيس اللجنة الإدارية الاستاذ رامي الريس

رئيس اللجنة المالية الدكتور عماد الغصيني

رئيس اللجنة الثقافية الشيخ سامي ابي المنى

رئيس لجنة الأوقاف الاستاذ عباس الحلبي

رئيس اللجنة الاجتماعية الاستاذة غادة جنبلاط

رئيس اللجنة القانونية الاستاذ نشأت هلال

رئيس اللجنة الدينية الشيخ هادي العريضي

رئيس لجنة الاغتراب الاستاذ كميل سري الدين

مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬مجلة‭ ‬الضحى

(مع حفظ الألقاب ووفق التسلسل الأبجدي)

ماجد أبو مطـــر – جمــال الجوهــري – رشيد حسن – محمود دلال – كميل سري الدين – سميح ضو – سليم عابد – دانيل عبد الخالق – علي عبد اللطيف – فريد فخر الدين – نديم مكارم – منير يحيى

كلمة سماحة شيخ العقل