الخميس, تشرين الثاني 21, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, تشرين الثاني 21, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

القضاء العشائري في جبل الدروز

“الأمير حسين الأطرش أحد أركان الوجاهة والقضاء العشائري في الجبل
الرّحّالة الأميركي ويليام ب. سيبروك

 

كان الفرنسيّون يعتبرونه “لِصّاً فظّاً قاطع طريق” لأنّه كان مع سورية حرّة مستقلّة، وكان أحد قادة الثّورة العربيّة من بني معروف ضدّ العثمانيّين، فاوضَ وقاتل من أجل دولة عربيّة كبرى؛ غدر الإنكليز والفرنسيّون بمشروعها، وتخاذل العرب وملوكهم وحكّامهم دون ذلك الحلم العربيّ، ومن الجدير ذكره أنّ الأمير حسين الأطرش كان كريماً ــ طعّام عيش ــ وقاضياً يأتي النّاس إليه ليفضّ مابينهم من خلافات دون اللّجوء إلى المحاكم، وهو من مواليد 1880م وتوفّي عام 1962.

فيما يلي توثيق لبعض من حياة ذلك الرجل ولنموذجين من قضاء بني معروف العشائري قبل نحو قرن من الزّمان، ذلك القضاء الذي رغم صرامته وقسوته ساعد على تثبيت الأمن والاستقرار في منطقة لم تكن لتعرف العمران والأمن؛ لو لم يتّخذها الدّروز موطناً قَسْريّاً لهم، بديلاً عن مواطنهم السابقة في لبنان وشمال سورية وشمال فلسطين…

الرّحّالة الأميركي ويليام ب. سيبروك وزوجته كاتي William Buehler Seabrook, زارا جبل العرب عام 1925(1)، توجّه سيبروك وكاتي إلى عَنْز ليقصدا على حدّ تعبيره: “زعيماً كبيراً من زعماء الحرب الدّروز من العائلة ذاتها (آل الأطرش)، وهو حسين باشا الأطرش، زعيم قرية عَنْز، يقول: “كان علينا أن نتخلّى عن الكاديلاك ونلجأ إلى الجِمال، كانت دار حسين باشا التي وصلناها بعد الغروب مَعْقِلاً حصيناً ضخماً على سفح تلّ، وقد تراكمت تحتها على المُنْحدر مئات المنازل ذات السّقوف المُسْتوية والجُدران الحجريّة السّميكة.

ضِيافة مُترَفة

 

استقبَلَنا الخدم عند مدخل الدّار، وتبعونا قائدِيْنَ جِمالنا إلى الباحة حيث الزّرائب ومخازن الحبوب. كانت درجات ضيّقة ومُنحدِرة ومُستقيمة طولها أكثر من مئة قدم تؤدّي إلى مصطبة مُعَمّدة ( أي ذات أعمدة) تشرف على الوادي، دخلنا من المصطبة إلى غرفة الاستقبال وكانت غرفة عالية السّقف ومُتْرَفة الفرش على النّمط الشّرقيّ إضافة إلى أثاث أوروبي مُنَجّد ومُزخْرف جُلِب خِصّيصاً على ظهور الجمال من دِمشق، ففي إحدى زوايا الغرفة وُضِعَ سرير أوروبيّ كبير فخم عالي القوائم تعلوه ظُلّةٌ مُتْقَنة الصّنع.

دخل حسين باشا إلى غرفة الاستقبال بعد لحظة من وصولنا. انحنى لنا معيداً لكلّ واحد منّا: “أهلاً وسهلاً، شرّفْتم بيتنا”. كان رجلاً بديناً وقصيراً في منتصف العمر، ووجهه ينمّ عن قوّة عظيمة، وكان يلبس على رأسه لباس أمير عربيّ: كوفِيَّة حريريّة بيضاء ثبّتها في موضعها عصابة مُزْدوجة مذهّبة، وعباءة سوداء مُطرّزة بالخيوط الذّهبيّة والفضّيّة وعلى كلّ حال اتّضح لنا فيما بعد أنّه قد ارتدى هذه الحُلّة الفاخرة كرامةً لنا ليس غير، إذْ إنّه لبس في الأيّام التّالية لباس العربيّ العاديّ.
خرجنا بعد غروب الشّمس وجلسنا على المصطبة الأكثر اعتدالاً، في حين كانت المصابيح والقناديل تُعَلّق، وما لبث أنْ أتى أولاد حسين باشا مُضطَرِبِيْن من الحَياء لاستقبال الضّيوف الغرباء، كان الابن الأكبر ــ في السابعة عشرة ــ مضفور الشّعر، ولباسه مثل لباسه ( أي مثل لباس الأب الأمير)، والابن الثاني صَبيّاً في الثّانية عشرة شعره مُنْسَدل على كتفيه مثل شَعر غُلام الفارس في العصر الوسيط وكان لابساً ثياباً مُخملة حمراء، والثّالث في الخامسة، وكان يرتدي زِيَّ الجيش البَرِيطانيّ، وقد فُصِّل على قَدِّه في القُدس، والرّابع كانت طفلة في الثّانية أُحضرت للجلوس على ركبة حسين باشا قبل العشاء، وكانت مثل دُمْيَة- أو أميرة في حكاية من حكايات الجِنّ ثمّ إنّ عينيها كانتا مُكَحَّلتين ووجهها مصبوغاً صبغاً دقيقاً، وفنّياً وشعرها مجدولاً مع قِطَع ذهبيّة، وجواهر لامعة، وأطراف أصابعها مُخَضّبة بحنّاء أكسبتها لون الفجر الورديّ وبالأصابع تلك كانت تشدّ شاربيّ والدها العاتي التي كانت تعبده.

المدرج الروماني الأثري في مدينة السويداء
الأمير على حقيقته

 

قدّم لنا العشاء على المصطبة خادمان كأنّهما قد خرجا من كتاب “ألف ليلة وليلة” بثوبيهما الواسِعَين، وخِنْجرَيهما المُرصّعين بالجواهر. ولكن مع أنّهما شكّلا خلفيّة تاريخيّة ترجِع إلى عصر هارون الرّشيد، فإنّ الوجبة كانت “حديثة” حتى اللّمسة الأخيرة. كان على المائدة الطويلة غِطاء نظيف وكثير من الأواني الفضّيّة وأكواب طويلة السّوق وخَزَف سيفر Sevres.

أخذ حسين باشا يعيد مرّة بعد أُخرى بالإنكليزيّة والفرنسيّة معاً من أجل مساعدة كاتي على فهم حكاية مهذّبة كان قد حكاها بالعربيّة حول يهودي واثنتي عشرة بذرة بطيخ، قاطع الحكاية مؤقّتاً طبق حجل. وبما أنّ حسين باشا من أهل الدّار، فقد قبض وهو شارد الذّهن أحد الطّيور بيد المُحارب القويّة. وقضم قطعة ملكيّة منه بكلّ لحمها وعظمها وغضاريفها.

لقد أحببته من تلك اللحظة، فبعد الارتباك الذي انتابه، وفكّاه يمضغان تلك القضمة الكبيرة أخذ يبتسم معتذراً، وقال: ” مُلتفتاً إلى كاتي: “أرجو ألّا تلوميني ياسيّدتي، لقد تعوّدت ذلك من طول مرافقتي للإنكليز الذي يأكلون الطّيور بالأيدي”.
إنّ الأيّام التي قضيناها في عَنز هي من أجمل ذكرياتنا عن بلاد العرب لقد أُتيحت لنا الفرصة خلالها أن نحتكّ أكثر بالحياة التي لم يطرأ عليها أيُّ تغيير في قرى الجبل النائية.

نموذجان من القضاء الدّرزيّ

 

وفي عصر أحد الأيّام صَحِبني حسين باشا إلى اللّجاة لأحضر محكمة قرويّة يُقام فيها العدل الدّرزيّ، جرى ذلك في مقعد شيخ القرية الذي كان هو نفسه القاضي، جلس معه شيوخ ووجهاء آخرون، والمدّعي الذي كان فلاّحاً مسيحيّاً من حوران وقف أمامه يندب حمولة أربعة جمال من الحبوب كانت قد سُلبت منه في اللّيلة السّابقة، سُمِح له بأن يقدّم شهوداً من الدّروز ليدعمَ أقواله، وبعد التّباحث، أصدر الشّيخ الكبير الحكم: “حتى لو لم يكن الذي سلبك قمحك دُرْزيّاً وحتى لو كان الجاني بَدويّاً أو أيّ رجل غريب آخر، فإنّ العيبَ يُنْسَب لنا، والمسؤوليّة تقع علينا، بما أنّك كنت ضيفاً في قريتنا. فمن مخازن القرية العامّة سيُعاد إليك قدر ما فقدت من الحبوب في الحال ونحن الآن نطلب منك رسميّاً أن تقبل اعتذارنا”.
وفيما بعد حاول الشّيوخ أن يعثروا على اللّص، وكان واضحاً أنّ ذلك تفصيل لا أهميّة له.
سألت حسين باشا عن العقوبات التي تُنزَل بالجناة في آخر الأمر.
قال: ” يوجد في السّويداء سجون تخضع للقانون الفرنسيّ أمّا نحن فليس عندنا سجون، فإذا كان الجاني غريباً يُغَرّم ويُمْنّع من الدّخول إلى جبل الدّروز مرّةً أُخرى، وإذا كان درزيّاً يُغَرّم أيضاً ويُعفى عنه إذا كان ذنبه بسيطاً. أمّا إذا كان الذّنب يتعلّق بالشّرف، فإنّ الخِزي والعار الدّائمين هما عقوبته الأشدّ.
قلت له: “ولكن هناك بالتّأكيد جرائم لا يشكّل العار عقوبة كافية عليها”.
فأجاب: “عقوبة ذلك هي الموت طبعاً”.
وفي طريق العودة روى لي هذه القصّة.
قال: “نحن الدّروز لانُحْسِنُ التّجارة. إنّ أكثرَنا لايُحْسِن إلّا القتال، ومن أجل بناء منازلنا نستقدم بنّائين من لبنان. منذ عامين قدم من الشّوير بنّاء مسيحيّ إلى قرية الشّيخ عامر ليبني منزلاً جديداً لأحد الأغنياء. أحضر هذا البنّاء معه زوجته الشابّة الجميلة التي لاتلبس الحجاب، شأن النّساء المسيحيّات جميعاً، ولمّا أوشك بناء المنزل أن ينتهي، ذهب شقيق الشّيخ عامر الأصغر ذات يوم إلى بيت البنّاء واغتصب زوجته.
أخبرت المرأة زوجها في الحال فخاف الرّجل، وحزم أمتعته كلّها وحمّلها على حمارين، ورحل مع زوجته ليلاً. وفي صباح اليوم التّالي لحقه صاحب المنزل على حصانه، وسأله عمّا دعاه إلى الرّحيل قبل إنجاز العمل. فأجاب المسيحيّ: لقد خسرت شرفي، وإذا قلت لك السّبب خسرت حياتي أيضاً، والرّجل الذي أساء لي درزيّ يخشاه حتى الدّروز فما الذي في وسعي أنا المسيحيّ أن أفعله ردّاً على ذلك؟ فأرغم صاحب المنزل المسيحيَّ على إخباره بما حدث، ثمَّ عادا معاً إلى القرية.

قوس النصر في مدينة السويداء

مضى رأساً إلى الشّيخ عامر وقال: أنت وأنا والقرية خَسرنا شرفنا، ولايمكن أن نستردّه إلاّ بسفك الدّم. وأعقب ذلك اجتماع كبير للزّعماء والمحاربين، وحضر الاجتماع الشّقيق المذنب نفسه، وكان شاكي السّلاح مثل الآخرين. وقف الفرسان مشكّلين حلقة كبيرة. في حين جلس في حلقة أصغر نحو أربعين شيخاً وزعيماً. قدّم لهم القهوة خدم الشّيخ عامر الذي كان المُضيف. كان الاجتماع عُقِد خارج القرية.

وقف بعد ذلك الدّرزيّ الغنيّ الذي لم يُنْجَز بناءُ منزله، وقال: “ياشيخ عامر! افترض أنّك فقير، وقصدت قريةً أنت وزوجتك للعمل بين الغرباء، وافترض أنّ رجلاً من القرية دخل، وأنت تعمل إلى مسكنك، واغتصب زوجتك!”.
هبّ الشّيخ عامر واقفاً واستلّ سيفه بغية قتل المتكلّم ــ لا لأنّه ظنّ أنّ الأمر يخصّ شقيقه، بل لأنّ الإشارة إلى زوجته في سياق قبيح أغضبه. غير أنّ الشّيوخ الآخرين انقضّوا عليه، وأوقفوه، وقد فَهِموا معنىً خَفِيّاً في كلمات صاحب المنزل.

استأنف صاحب المنزل كلامه: “اقتلني فيما بعد إذا شئت. ولكن أجب الآن عن سؤالي: إذا وقعت هذه الكارثة، فما العقوبة التي يجب أن تنزل بالجاني؟”.
أجاب الشّيخ عامر: “يجب أن يموت بلا رَيب”.
ــ افترض أنّ دُرزيّاً فعل فعلة مُماثلة؟
ــ يجب أن يموت حتّى لو كان ابني.
ــ هل تؤيّد هذا الحُكم؟
ــ أعيد: يجب أن يموت حتى لو كان من لحمي ودمي.
صاح المتكلّم: هل هذا هو حكم الجميع؟
فأجاب الشيوخ: أجل إنّه حُكْمُنا.
أُحْضِرَ المسيحيُّ وقد أُرتِج عليه من الخوف. فقال صا حب المنزل بعد أن روى الحكاية نيابة عنه: آمرُك أن تُشير إلى الفاعل”.
فأشار إليه البنّاء وهو يرتجف. وانجلت الحقيقة. وبحسب التقاليد، فإنّ أسرة الجاني هي التي تُنزل به عقوبة الموت. لذلك قَتَل الشيخ عامر شقيقه هناك، وبذلك تحقّق العدل.

الأمير الحضاري

 

هذا الرّجل الذي روى لي هذه الحكاية الدّامية عن عدالتهم الفظّة، جلس بعد ساعة في بستانه، وعلى ركبتيه طفلان يتجاذبان عباءته. كان أحد الخدم قد تسلّق شجرة توت، وملأ بثمارها وعاء فِضّيّاً، وكان حسين باشا يلقّم الطفلين قوتاً من ذلك الوعاء، كان على إحدى ركبتيه ابنته الصغيرة، وعلى الأخرى طفل زنجيّ، هو ابن خادمه.
لقد ملأ فَمَيهما المُتَلهّفَين من غير تمييز، ومَسَح وجهيْهما المُلَطّخين بطرف ردائه. ولمّا رجَعنا من البستان بعد غروب الشّمس، كانت الطّفلة نائمة على ذراعيّ كاتي، والطّفل الأسود جاثماً على كتف حسين باشا.

 

صَفحات من تاريخ بني معروف في الأردن

نشأت في القرن السابع الميلادي منطقة إداريّة عسكرية في بلاد الشام تضمّنت اسم نهر الأردن، هي جُند الأردن، قاعدته العُظمى طبريّة، وذلك عند تقسيم العرب بلاد الشام بعد فتحهم لها إلى خمسة أجناد. وفي العصر الحديث نشأ في سنة 1921 كيان سياسي تضمَّن أيضًا اسم نهر الأردن، هو شرق الأردن، لأنّه قام في الأراضي الواقعة إلى الشرق من هذا النهر.

كان للموحِّدين (الدروز) وخصوصًا منذ عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني، وتَوطُّن الدروز في جبل حوران (جبل الدروز أو جبل العرب أو محافظة السويداء) علاقات مع أبناء المناطق التي تَشكَّل منها الكيان الأردني، ثم قُيِّض لهم المساهمة في تأسيس هذا الكيان، وتأسيس حكومته الأولى، من خلال نُصرة مؤسِّسه الأمير عبد الله بن الحسين، ليكون منطلَقًا لمتابعة الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي لسورية.

وعند تخطيط الحدود بين منطقتَي الانتداب الفرنسي والانتداب البريطاني، ضُمَّت بعض أراضي جبل الدروز إلى الكيان الأردني. وأصبح هذا الكيان البلد الملجأ لوطنيِّيهم عند اضطرارهم إلى تجنُّب ملاحقة السُّلطة الفرنسيّة لهم في سورية ولبنان. ثم صار الوطنَ الذي يقيم الآلاف منهم في العديد من مدنه وقراه حيث ساهموا في نهضته وعمرانه، وحيث عُرفوا بِاسْم “بني معروف”، وعُرفت عائلاتهم بِاسْم “عشائر بني معروف” عند ذِكر العشائر الأردنية، ذلك أنَّ هذا الاسم هو، كاسْم “الموحِّدين” الاسم المفضَّل عندهم على اسم “الدروز”.

وفيما يلي تفصيل لهذه الأمور، مع الإشارة إلى أنَّ صفحات تاريخ الموحِّدين في الأردن، ترتبط بتاريخهم في جبل الدروز أكثر من أيّة منطقة أخرى مأهولة بهم، بسبب العامل الجغرافي.

المساهمة في إنشاء الإمارة الأردنية وترَؤُّس رشيد طليع أُولَى حكوماتها

إنَّ دَور الموحِّدين (الدُّروز) في تأسيس إمارة الأردن وحكومته هو تتمَّة لدورهم في المساهمة بالثورة العربية، وفي قيام الحكومة العربية ونصرتها. لقد الْتَحق بعض مجاهديهم بالثورة حين كانت لا تزال في الحجاز، وزاد الالتحاق بها عند وصول قوّاتها إلى العقبة وخلال تقدُّمها في الأراضي الأردنية ووصولها إلى درعا في حوران. ولعلّ أبرز ما يُذكر في هذا المجال هو قضاؤهم بقيادة سلطان باشا الأطرش على القوة العسكرية التركيّة المدعومة من الضبّاط الألمان، والمرابطة جنوب دمشق للدِّفاع عنها، ثم أسبقيّة سلطان في دخول دمشق ورفع العلم العربي فيها في 30 أيلول 1918.

أيَّد العديد من النُّخب الدُّرزية في سورية ولبنان الحكومة العربية بالنِّيابة عن جماعاتهم، وبايعوا فيصل ملكًا على سورية، واشترك بعض قادتهم في هذه الحكومة، وتَسلَّموا المناصب فيها(1). وحين أنهاها الفرنسيُّون، وطلبوا من الملك فيصل مغادرة سورية، أرسل إليه سلطان من يعرضون عليه نقلها إلى السويداء في جبل الدروز، لكن هؤلاء لم يلحقوا به في درعا وهو في طريقه إلى حيفا ومنها إلى أوروبا.

تلا ذلك لجوء العديد من الوطنيِّين السوريِّين واللبنانيِّين إلى الأردن، ليتّخذوا منه منطلقًا للنِّضال ضد الفرنسيِّين، ومِن هؤلاء الوطنيِّين الذين ابتعدوا، أو أبعدهم الفرنسيون، مجاهدون دروز بينهم رشيد طليع الذي عمل بِاسْم الأمير عبد الله في السويداء، وأرسل منشورًا إلى قرى جبل الدروز يطلب إلى رجالها الاشتراك في الهجوم الذي سيقوم به الأمير على الفرنسيِّين، الذين طلبوا بدورهم إلى زعماء دروز الجبل طرْد رشيد طليع وإلّا فإنهم سيدمّرون السويداء، ثم الْتَحق بالأمير في جَمع كبير من الفرسان بحسب ما تَذكر الوثائق البريطانية. وقد كان الْتِحاقه هذا بناءً على طلب الأمير عبد الله لكي يؤسِّس أوّل حكومة أردنيّة.

ويَرِدُ في الوثائق البريطانية أيضًا الْتِحاق حسيب ذبيان بالأمير عبد الله خلال وجود الأخير في معان، والْتِحاق شيخ قرية الهيت (تركي عامر) مع عدد من رجاله، وسلمان وأسد الأطرش مع عَشَرة من رجال كلِّ واحد منهما. ويرِدُ فيها كذلك أنَّ حسيب ذبيان أُرسل من قِبَل الأمير عبد الله للدعوة له في “المقرن الشرقي” من جبل الدُّروز، وأنّ رُسل الأمير كانوا يَعِدُون السكان بإعفاء تامّ من دفع الضرائب طوال ستّ سنوات.

وممّن التحقوا بالأمير عبد الله وهو في معان فؤاد سليم ومعه المجاهد المسيحي من دير القمر سعيد عمّون، وقد طلب منه الأمير مراسلة زعماء الأردن ورؤساء الحكومات المحليّة، فقام بهذه المهمة. تَشكَّلت الحكومة الأردنية الأولى من سبعة أعضاء جميعهم، باستثناء واحد، من خارج الأردن؛ واستعان الأمير عبد الله أيضًا، لتسيير شؤون الإدارة وبناء الجيش، بالسوريين واللبنانيِّين المُبعدين عن بلادهم، والمحكوم على بعضهم بالإعدام أو بالسجن من قبل الفرنسيِّين، ذلك لأنّهم يمتلكون الخبرة الإدارية والتجربة الوظيفية والكفاءة العلمية، وعندهم قدر واسع من الحركة ومن الحياد إزاء شيوخ العشائر الأردنية ومنازعاتهم وإزاء المواضيع الخلافيّة، وجميع هذه الأمور غير متوافرة إلّا عند القليل من أبناء الأردن. وممَّن استعان بهم الأمير عبد الله رجالات الموحِّدين (الدُّروز) الآتي ذكرهم، مع ذكر المناصب التي تسلّموها في الحكومة الأردنية وقبل ذلك.

– رشيد طليع (1876- 1926)، إنّه لبناني من جدَيْدة الشوف ومن أعضاء حزب الاستقلال. تَسلَّم رئاسة أوّل حكومة أردنية في 11 نيسان 1921 وسُمّي “الكاتب الإداري” و”رئيس مجلس المُشاورين”. ثم عاد وأَلَّف حكومة ثانية في 5 تمّوز 1921. وقد استعان الأمير عبد الله به نظرًا لخبرته في الشؤون الإدارية، وكفاءته، وتَقلُّبه في مناصب عدة، منها في العهد العثماني: وكيل قائمّقام بعلبك، وقائمَّقام كلٍّ من المناطق التالية: الزبداني وراشيّا وحاصبيّا، وعاهرة في جبل الدروز، وعضو مجلس المبعوثان عن لواء حوران، ومتصرِّف كلٍّ من المناطق التالية: حوران وطرابلس والاسكندرونة. ومن المناصب في عهد الحكومة العربية: مدير الداخليّة، ومتصرِّف كلٍّ من اللاذقيّة وحماه وحلب(2).

الأمير عادل أرسلان

– الأمير عادل أرسلان (1887- 1954)، هو لبناني من بلدة الشويفات، ومن أعضاء حزب الاستقلال. حكم الفرنسيون عليه بالإعدام عدّة مرات، عاد من أوروبا والْتَحق بالأمير عبد الله وغدَا مستشارًا له نظرًا لخبرته ومعارفه وماضيه الجهادي، فقد كان في العهد العثماني مديرًا للشويفات، وقائمَّقام الشوف، والنائب عن جبل لبنان في مجلس المبعوثان، وكان بعد جلاء الأتراك أحدَ عُضوَيْ حكومة جبل لبنان التي تأسَّست في بعبدا لبضعة أيام، وصار في عهد الحكومة العربية سكرتير الأمير فيصل.

– فؤاد سليم وأخَواه عارف ونصري، إنّ فؤاد سليم (1893- 1925) لبناني من جباع الشوف، كان من مجاهدي الثورة العربية، وقد أتى مع الأمير فيصل إلى دمشق حيث تَسلَّم قيادة فرقة من سلاح الفرسان والمشاة في الحكومة العربية، ثم قاد العصابات الوطنية العاملة ضد الفرنسيِّين إبّان لجوء هذه الحكومة إلى مقاومتهم. وبعد نهايتها كان من أوائل الملتحقين بالأمير عبد الله الذي عهد اليه مساعدة الكابتن البريطاني بيك في قيادة قوة من الجند تحافظ على الأمن غدَا اسمُها الجيش وغدَا فؤاد سليم رئيس أركانه، وسيكون له دور بارز في حفظ وتوطيد الأمن الضروري لنجاح انطلاقة مسيرة الإمارة الأردنية. وممّا يُؤْثَر عنه إيواؤُه للمجاهد أدهم خنجر في بيته ليحميه من ملاحقة السلطة له والقبض عليه وتسليمه للفرنسيِّين، لأنّه من المتَّهمين بمحاولة اغتيال المفوَّض السامي الفرنسي الجنرال غورو على طريق القنيطرة.

أمّا عارف سليم شفيق فؤاد، فقد الْتَحَق في سنة 1922 بالجيش العربي في الأردن برتبة ملازم، وكانت باكورة أعماله القتالية مشاركته في صدِّ الحملة الوهّابيّة التي وصلت إلى الأردن في هذه السنة. وعُيِّن بعد ذلك قائدًا لمخفر وادي موسى لإتقانه اللغة الإنكليزية التي تؤهِّله للتخاطب مع السُّيّاح الأجانب، وخصوصًا البريطانيِّين منهم، الذين يزورون مدينة البتراء. وحلَّ مكانه في قيادة المخفر المذكور أخوه الأصغر نصري.

– حسيب ذبيان (1885- 1969)، إنَّه لبناني من مزرعة الشوف كان أحد الضُّبّاط في عهد المتصرفيّة، ثم غدا أحد ضبّاط الحكومة العربية ومساعدًا لفؤاد سليم في حرب العصابات الوطنية ضد الفرنسيين، ثم أصبح ضابطًا في الجيش الأردني. وكان معه أيضًا المجاهد حمد صعب (1891 – 1941) وهو لبناني من الكحلونية الشوف الْتَحق بالحكومة العربية، وكان مع المجاهدين الذين اشتركوا في حرب العصابات ضد الفرنسيِّين بقيادة فؤاد سليم.

– أسد الأطرش، هو أحد شيوخ جبل الدُّروز. الْتَحق مع رشيد طليع بالأمير عبد الله كما وردت الإشارة إلى ذلك، وعاد من الأردن في 12 آب 1921 مبعوثًا من الأمير إلى جبل الدروز. وكان قصد الأمير من ذلك مدَّ نفوذه إلى الجبل الذي كان بعض أهله يرغبون في الانضمام إلى شرق الأردن وإلى منطقة الانتداب البريطاني، ويرفضون الانتداب الفرنسي. لكن مظاهرة أسد الأطرش الشريفيّة جوبهت بالرفض الشديد من أعيان جبل الدروز وحكومته، وتهديد الفرنسيِّين باعتماد القوة وقصف الجبل لإنهاء حركته، فانتهت بتسليم نفسه إلى الفرنسيين(3).

استقالة رشيد طليع من رئاسة الحكومة الأردنيّ

كان رشيد طليع رئيس حزب الاستقلال الذي تَأسَّس في 5 شباط 1919 كمظهر علني لجمعية “العربية الفتاة” التي تأسَّست سنة 1909 وعملت لاستقلال البلاد العربية عن الأتراك. رمَى هذا الحزب إلى توحيد البلاد العربية واستقلالها وبلوغها مَصافَّ الأمم الراقية. انضمّ العديد من أعضائه إلى الأمير عبد الله، وساهموا في تأسيس الحكومة الأردنية في عمّان بعد أن خدموا الحكومة العربية في دمشق. لكن أطروحات الحزب تراجعت بسبب التطوُّرات واعتماده الواقعيّة حتى باتت تشمل فقط وحدة البلاد السورية وتحريرها. أنشأ أعضاؤه في الأردن لجنة مركزية مؤلَّفة من زعمائه، وهم: رشيد طليع، عادل أرسلان، أحمد مريود، عادل العظمة، أحمد حلمي، نبيه العظمة، ابراهيم هاشم، عوض القضماني، صبحي العُمري، سعيد عمُّون، سامي السّراج، مُسلم العطّار، عثمان قاسم. وشارك في هذه اللّجنة من الأردنيِّين أحمد أبو راس ومحمّد علي العجلوني وغيرهما(4).

سبق لرئيس حزب الاستقلال رشيد طليع أن اجتمع بالأمير عبد الله، وباحثَه في شأن استئناف الحزب نشاطه في الأردن، فوافق الأمير على ذلك “شرط إلّا يتدخّل الحزب في شؤون المنطقة الإدارية”. وحين عرض رشيد طليع الأمر على رفاقه الاستقلاليِّين جرى بينهم نقاش صاخب وافقوا بعده على براغماتيّة رشيد طليع بقبوله شرط الأمير عبد الله، وذلك لثقتهم به، وبأنه، وهو رئيسهم، سيصبح مرجع الحكومة(5). لكن التضارب في المواقف سيحصل بين الفريقَين ذلك أن الأمير انتهج الواقعيّة والمرونة السياسيّة ومُماشاة البريطانيِّين، بل الرُّضوخ أحيانًا لإملاءاتهم لتجنُّب الاصطدام بهم، لأنهم قادرون على التلاعب بمصيره وبأمن الإمارة، وعلى توجيه دفّة الأمور حسب رؤيتهم ومصالحهم. ومقابل هذا كان الاستقلاليُّون، وعلى رأسهم رشيد طليع، يركِّزون على استقلاليّة القرار ما أمكن، ويرَون ضرورة استمرار النِّضال ضد الفرنسيِّين وتشجيع الثائرين عليهم ودعمهم، وتأمين الحماية لهم في الأردن، مخالفين بذلك توجُّه السلطة البريطانيّة.

بعد تشكيله حكومة شرق الأردن الثانية، استقال رشيد طليع منها في أواسط آب 1921، وانتقل إلى فلسطين ومنها إلى مصر، لأنه لم يجد عند الأمير عبد الله الدعم الكافي الذي يمَكِّنه من الصمود أمام تدخُّل البريطانيِّين المفرط في شؤون الأردن، وإجراءاتهم الرامية إلى فرض هيمنتهم المُطلقة، وضغْطِهم لإخراج رجالات حزب الاستقلال وسائر الوطنيِّين من الحكومة. وقد اختلف معهم في الأمور التالية:

  • إصراره على الاطِّلاع المُسبق على خطاب المندوب السامي البريطاني لدى زيارة الأخير إلى الأردن في 17 نيسان 1921، إذ قد يكون في الخطاب ما يضرُّ بالأردن، وكان له ما أراد.
  • احتجاجه الشديد على نصب خيام الجنود البريطانيِّين قرب خيام الأمير عبد الله وكانت لديهم طائرتان بقصد إظهار حمايتهم للأمير، وطلبه إبعادهم. وكان له أيضًا ما أراد.
  • إلحاحه على المندوب السامي البريطاني ليُفْرِج عن حِصّة الأردن من العائدات الجمركيّة، إذ كان المندوب يريد من وقْفِها الضغط على الحكومة الأردنية وإظهارها بمَظهر العاجزة عن دفع رواتب موظفيها والقيام بالمتطلّبات.
  • جاء السبب المباشر الذي أدَّى لاستقالة رشيد طليع، وهو رفضه تسليم المُتَّهمين بمحاولة اغتيال المفوَّض السامي الفرنسي، الجنرال غورو، على طريق القنيطرة بتاريخ 23 حزيران 1921، وهم متهمون إضافة إلى ذلك بأنهم انطلقوا من الأردن وعادوا إليه بعد تنفيذ العملية(6). ففي هذا مخالفة لتوجُّه السُّلطة البريطانية ومصلحتها التي تقضي بالتفاهم والتنسيق مع السلطة الفرنسية المُنتدَبة في سورية ولبنان، ومخالفة صريحة للاتِّفاق بين الأمير عبد الله ووزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل على ضرورة تفاهُم الأمير مع الفرنسيِّين والسير بالناس سيرة بعيدة عن تحدِّيهم، وقد وردت الإشارة إلى هذا الاتِّفاق.

    رئيس وزراء شرق الأردن رشيد طليع عام 1921
إخراج الاستقلاليِّين من الأردن

كان البريطانيُّون يتعاطَوْن مع العاملين ضد الفرنسيِّين انطلاقًا من الأردن وفْقًا لمصالحهم، فلا يتشدَّدون في حال تَعارُض مصالحهم مع مصالح الفرنسيِّين، ويتشدَّدون في حال توافُقها، ويضغطون على الأمير عبد الله والحكومة الأردنية لِحَذْو حذْوهم، لذا طلبوا في سنة 1924 إخراج الاستقلاليِّين من الأردن، لأنّ مجموعة من المجاهدين بقيادة أحمد مريود انتقلت منه إلى سورية واشتبكت مع الجند الفرنسي في حوران ومن ثمّ في العاصمة دمشق(7).

آنذاك كان الأمير عبد الله في الحجاز لأداء فريضة الحجّ، وعندما عاد في 19-8-1924 قدَّمت إليه سلطة الانتداب البريطاني إنذارًا من ستة بنود مُفادُها تحقيق الإشراف البريطاني الفعَّال والكامل على الحكومة الأردنية، ومن بينها قبول اتِّفاق تسليم المجرمين المعقود مع الحكومة السورية الخاضعة للسلطة المنتدبة الفرنسية، وإخراج المتَّهمين بالتحريض على الحوادث الأخيرة من الأردن، وذلك نزولًا عند طلب الفرنسيِّين. فألقى الأمير خطابًا في اليوم التالي أعلن فيه استجابته للإنذار، وأدَان كلَّ من يعبث بالأمن في سورية وفلسطين “لأننا –والقول له – لا نريد أن تجني هذه البلاد ذُلًّا بسبب تصرُّف أولئك العابثين” وأضاف قائلًا: “لا أريد، أن أضحِّي بنفسي من غير رويّة وأُؤَلِّب على العرب دولتَين عُظمَيَين”(8).

نزلت الحكومة الأردنية عند الطلب البريطاني، وأذاعت بتاريخ 21-8-1924 بلاغًا تُبرِّر فيه عملها بضرورة تلافِي تشويش الأفكار في البلاد المجاورة وتسكينها بإظهار حُسن النَّوايا والرغبة في إثبات الخطّة القويمة السالمة من كلِّ شائبة نحو المناطق المجاورة، على ألّا يُفهم من ذلك أنّ الذين تطلب خروجهم من الأردن لهم أدنى علاقة بالحوادث المذكورة(9). أمّا الذين طلبت خروجهم، فهم: عادل أرسلان، وفؤاد سليم، وأحمد مريود، ونبيه العظمة، وأحمد حلمي، وعثمان قاسم، وسامي السرّاج، ومحمود الهندي. ولمّا كان هؤلاء المُبْعَدون لا يستطيعون الانتقال إلى فلسطين الموضوعة تحت الانتداب البريطاني، فقد انتقلوا أوّلًا إلى العقبة التي كانت لا تزال آنذاك تابعة للحجاز، ومنها تَفرَّقوا إلى مصر والحجاز والعراق، وقد انتقل فؤاد سليم إلى مصر، وعادل أرسلان إلى الحجاز حيث شهد هجوم الوهّابيِّين عليه، وسقوطه بيدهم، فانتقل إلى مصر.

يبدو أنَّ الأمير عبد الله كان مضطرًّا إلى قبول بنود الإنذار البريطاني، والعمل بها كي لا يخسر إمارته، وكي لا يوضع الأردن تحت الحكم البريطاني المباشر. وكان آنذاك أضعف من أن يواجه السلطة البريطانية، كما كان والده في الحجاز مهدَّدًا في الوقت نفسه من قِبَل الوهَّابيِّين. وهنا تجدر الإشارة إلى عِظَم مخاطر وضع الأردن تحت الحكم البريطاني المباشر، لأنّه يقضي كلِّيًّا على الآمال التي يعلِّقها وطنيُّو بلاد الشام عليه، وفي هذا المجال يقول عجاج نويهض في رسالته المُرسَلة من القدس إلى نبيه العظَمة بتاريخ 9-7-1924: “إنَّنا أصبحنا لا نرى لنا مأملًا في المستقبل إلّا في هذه الرُّقعة الصغيرة [الأردن] التي إذا ما اغتُصبت اغتصابًا تامًّا فقدْنا كلَّ شيء نملكه في هذه الدنيا”(10).

لجوء سلطان باشا الأطرش إلى الأردن سنة 1922

سبقت الإشارة إلى أنّ الأردن كان ملجأ الوطنيِّين والثائرين، كإبراهيم هنانو الذي لجأ إليه عبْر جبل الدُّروز، وبمساعدة سلطان باشا الأطرش، بعد إخماد الفرنسيِّين لثورته. بيْد أنّ أكثريّة اللاجئين كانت من جبل الدُّروز بحُكم مجاورته للأردن وتعدُّد ثوراته بقيادة القائد العامّ للثورات السورية، سلطان باشا الأطرش(11). وفيما يلي الحديث عن ثورته الأولى على الفرنسيِّين، ولجوئه إلى الأردن.

بدأ سلطان انتفاضته الأولى على الفرنسيِّين في 21 تموز 1922 لسبب مباشر هو اعتقالهم لضيفه أدهم خنجر. وحين لم يَلْقَ الدَّعم المطلوب من أهالي جبل الدُّروز، وشُنَّت عليه حملة عسكريّة فرنسيّة قويّة مقرونة بحملة إعلاميّة معادية من جبل الدروز، لجأ إلى الأردن بعد أن وافقت حكومته على الإقامة في أراضيه. ونزل في ديار بني حسن، ورحّب به الأمير عبد الله وحكومة الأردن ورجال حزب الاستقلال، وبعض شيوخ العشائر ومنهم مثقال الفايز الذي قال له: يا باشا إذا فقدتَ منزلك في القريّا جرَّاء تدميره بالطائرات الفرنسية فإنّ منازل ومضارب الأهالي في الأردن كلَّها مفتوحة لك ولجماعتك فاختَرْ ما تريده ونحن لها.

أراد سلطان أكثر من الترحيب به في الأردن، وأملَ بمساعدة من الأمير عبد الله ووالده الشريف حسين، وبقيام ثورة عامّة تُخرج الفرنسيِّين من سورية. وقد قابل مُرافقه شكيب وهّاب رئيس وزراء الأردن رضا باشا الركابي، وشجَّعه على اغتنام الاضطراب الحاصل، ومهاجمة الفرنسيِّين ودخول سورية، إلّا أنَّ الركابي لم يتحمَّس للفكرة، كما أنَّ الشريف حسين لم يكن بإمكانه مساعدة الثّورة العامة التي اقترحها ولده الأمير عبد الله، بسبب انشغاله بالصِّراع مع الأمير عبد العزيز بن سعود.

احتجَّ الفرنسيُّون لدى السُّلطة البريطانية على وجود سلطان في الأردن، وطلب المندوب السامي الفرنسي من المندوب السامي البريطاني إخراجه منه، أو السماح للفرنسيِّين بقصف معسكره بالطائرات، فنزل المندوب السامي البريطاني عند طلبه، وسمح لقوَّة فرنسية بملاحقة سلطان، وحمل الأمير عبد الله على القبول بذلك، وأعطى كلَّ منهما الأمر بوقف تمرُّد سلطان بحسب ما جاء في وثائق وزارة الحربية البريطانية. وعن هذا الموضوع يَذكر الأمير عادل أرسلان أن بعض الاستقلاليِّين الموجودين في حكومة الأردن عارضوا ذلك، وأنّه، أي الأمير عادل، أرسل إلى سلطان الذخائر وثلاثين فارسًا لبنانيًّا لاجئين إلى الأردن ومقيمين في الرصيفة، وأن محمود الهندي وسعيد عمّون وصبحي العمري حرّضوا جنود الأردن، “فأخذوا يتوعَّدون بذبح القوّة الفرنسية عن بكرة أبيها، فابتعد الفرنسيون عن المكان، وعاد بك وجيشه إلى عمان”(12). وظل سلطان في الأردن تسعة أشهر وعاد منه إلى الجبل في 5 نيسان 1923 بعد صدور العفو عنه.

لجوء سلطان باشا الأطرش ومجاهدي الثورة السورية الكبرى إلى الأردن

أعلن سلطان باشا الثورة على الفرنسيِّين في 21 تموز 1925، وتحوَّلَت بقيادته إلى ثورة سورية كبرى رَمَت إلى وحدة سورية وتحريرها واستقلالها وقيام حكومة شعبيّة فيها على مبدأ سيادة الأمّة سيادة مطْلَقة، وشملت، بالإضافة إلى مهدها (جبل الدُّروز)، معظم المناطق السورية وبعض اللبنانيّة. وبعد تَوسُّعها وتحقيقها أروع الانتصارات، مُنِيت بالهزائم، وتراجعت عن المناطق التي امتدّت إليها، وأخيرًا تراجعت عن الجبل، وأخذ الثُّوّار يتركون ميادين القتال فيه ويتجمّعون في الأزرق، وبعضهم نزح إليه مع عياله.

كان شرق الأردن ممرَّ السِّلاح والذَّخيرة والأدوية والأموال إلى الثُّوّار، وغدا بوجودهم في مناطقه الشمالية، وخصوصًا في الأزرق مُنْطَلق عمليّاتهم ضد الفرنسيِّين الذين أيقنوا أن الثورة لن تنتهي إلّا بإخراجهم منه. تَوصَّل المندوب السامي الفرنسي دو جوفنيل إلى اتِّفاق مع البريطانيِّين في لندن على المسائل المُختلف عليها، وأُولاها قضية الموصل وأنابيب النِّفط منه إلى البحر المتوسِّط، وثانيتها إنشاء خطّ سكّة حديد بين حيفا وطرابلس، وثالثتها الحدود بين منطقتَي الانتداب الفرنسي والانتداب البريطاني، وقد حلَّها دو جوفنيل فيما يتعلّق بجبل الدُّروز والأردن بالتنازل عن بعض قرى الجبل وأراضيه للأردن، ومنها الأزرق.
تلا ذلك اتِّفاق فرنسي بريطاني سرِّي في القُدس، يقضي بالتعاون المشترك ضد الثُّوّار، واتِّفاق في درعا بتاريخ 23 أيلول 1926 نُظِّم هذا التعاون، وتُرجِم بإعلان القائد البريطاني للجيش الأردني الأحكام العُرفيّة في منطقة الأزرق بمنشور وقَّعه الأمير عبد الله مُجبَرًا، وبناءً على ذلك أرسل البريطانيُّون أربعة آلاف جندي إلى الأزرق حيث حاصروا الثُّوّار وقصفوا مخيّماتهم وضايقوهم في أيام قليلة أكثر ممّا ضايقهم الفرنسيون في سنتين ممّا اضطَرّ أكثرهم إلى الاستسلام والعودة إلى جبل الدُّروز، وعددهم 2000 نسمة، فيما فضَّل 1200 نسمة عدم الاستسلام والخروج من الأزرق، وعلى رأسهم سلطان الذي اصابت شظايا قنابل الطائرات البريطانيّة عباءته التي أهداها بما فيها من ثقوب إلى صبحي الخضرا في فلسطين(13).

تَرك سلطان ورفاقه المجاهدون الأردن إلى النبك في وادي السرحان من أراضي المملكة العربية السعودية حيث أقاموا بضع سنوات حافلة بالمشقّات وصعوبة العيش، وبتضييق عمّال الملك عبد العزيز آل سعود عليهم ومحاولتهم نزع سلاحهم، وإسكانهم في داخل نجد بعيدًا عن أراضي الأردن، لأنّهم كانوا يحذرون استمرار علاقة بعضهم مع الأمير عبد الله الذي كان في صراع مع الملك عبد العزيز وفي تنافُس معه على عرش سورية؛ والذي اجتمع بسلطان وأخيه زيد في الموقّر في تشرين الأول 1927، “ربّما ليوضح أنه كان مرغمًا بالموافقة على إخراج الثُّوّار من الأزرق”(14).

ظَلَّ الأردن المكان الأفضل والمنشود لإقامة المجاهدين في منفاهم لمجاورته جبل الدُّروز. ولمّا كان انتقالهم إليه يتطلّب موافقة السُّلطة البريطانية والسلطة الفرنسية والأمير عبد الله، عرض المجاهدون هذا الأمر على الأمير عبد الله، فاتّصل بالمسؤولين البريطانيِّين، ثم أرسل في النصف الثاني من كانون الأول 1929 رسالة إلى سلطان للاجتماع به في مرج الضّبعي والاطِّلاع على البرنامج الذي سلّمه البريطانيّون له بحالة وجود المجاهدين في الأردن. ثم جدَّد سلطان الاتِّصال بالأمير وطلب منه العمل للاستحصال على موافقة البريطانيِّين وتعيين المكان المقترح مع تفضيل الأزرق الذي كان الفرنسيون يمانعون وجود المجاهدين فيه. وبعد اتِّصالات عدَّة بين سنتَي 1930 و1931 وافقت السُّلطة البريطانية على إقامة سلطان والمجاهدين في الأردن، فانتقل إليه في تموز 1932 مع معظم الموجودين في وادي السرحان، وتَوزَّعوا في الكرك والسلط والحُمّر وعمّان والزرقاء والأزرق، فيما ظلَّ القليل منهم في النبك.

رحَّب الأمير عبد الله بالمجاهدين، وقدَّم لهم التسهيلات المُمكنة، وزارهم بعد استقرارهم، فازدادت العلاقات تعمُّقًا بينه وبينهم، وخصوصًا سلطان الذي أقام في الكرك. وبقي المجاهدون في الأردن، وفي النبك منفيِّين عن البلاد حتى صدور العفو عنهم بموجب المعاهدة السورية الفرنسية الموقَّعة في سنة 1936، حيث عادوا بعدها مُعزَّزِين مكرَّمين. إلّا أنَّ بعضهم ظلُّوا مقيمين مع عيالهم في عمّان والزرقاء والأزرق.

لجوء سلطان باشا الأطرش إلى الأردن سنة 1954

قاد سلطان باشا الأطرش انتفاضة الشعب السوري سنة 1954 على رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي الذي شبَّه معارضيه بالأفعى: رأسها في جبل العرب (جبل الدُّروز) ومعدتها في حمص، وذنَبها في حلب. فإذا سُحِق الرأس ماتت الأفعى. لذا أرسل الحملات العسكرية إلى الجبل للقضاء على انتفاضته، وللقبض على سلطان. لكنَّ سلطان تجنَّب سفك دماء السوريِّين العزيزة، وآثَر ترك الجبل إلى الأردن على الصدام مع الجُند.

مكث سلطان يومَين على حدود الأردن ينتظر سماح حكومته بدخول أراضيه. وبمسعًى من القائد كمال جنبلاط وافقت الأردن على ذلك، وقال سلطان في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الأردن إنّه “قصد هذا الحيّ الهاشمي الذي به تعتزُّ تقاليد العرب، وإنّه لم يخرج من الجبل إثر هزيمة أو انكسار، ولكنه آثَر حجب دماء العرب في جبل العرب”. وانتقل إلى قلعة المدوّرة في أقصى جنوب الأردن، ورحّب به شيوخ الأردن ومنهم محمّد بن عودة أبو تاية الذي دعاه إلى معان وأكرمه بالرغم من حصول حادثة مؤسفة بين سلطان ووالده عودة الذي كان وسلطان من قادة الثورة العربية(15).

تَمكَّن وزير الداخلية السورية من إثارة الدمشقيِّين، المستوطِنين في عمَّان، ضد سلطان، فتظاهروا وطالبوا بتسليمه للحكومة السورية. وكادت الحكومة الأردنية تفعل ذلك لولا معارضة النائب الأردني وصفي ميرزا، والملكة زين والدة الملك حسين بن طلال، الذي كان آنذاك خارج البلاد. لقد كانت الملكة تُدرك أهميّة سلطان ودوره النِّضالي في الثورة العربية والثورة السورية الكبرى، وتَعلم منزلته السامية عند الهاشميِّين. ولم يَطُل الأمر سوى أيام حتى استقال الشيشكلي ليل 25- 26 شباط 1954 تحت ضغط النِّقمة الشعبية وتمرُّد قوّات الجيش ضده، فعاد سلطان بعد ذلك إلى سورية، وللمرة الثالثة يعود بطلًا قوميًّا ووطنيًّا.

التَّوطُّن في الأردن

كان عدد سكّان الأردن سنة 1922، 225380 نسمة، موزَّعين على الشكل التالي: 122430 نسمة (حضر) و102950 نسمة (بدو)، وعدد سكّان العاصمة عمَّان فكان فقط 6400 نسمة(16). لكن عدد السكان زاد كثيرًا بعد تأسيس كيانه السياسي جرّاء النمو الطبيعي، ولتحوُّله إلى منطقة جذب لأبناء المشرق العربي، إذ قصده عشرات الآلاف للعمل والارتزاق في مرحلة نموّه ونهضته وإعماره، ومن هؤلاء الموحِّدون (الدُّروز) الذين كانوا قلائل في البداية، لكنهم ازدادوا حتى بلغ عددهم مؤخّرًا بحدود 14000 نسمة يقيمون في العديد من المدن والقرى، وأبرزُها عمّان والأزرق والزرقاء والرصيفة وأمّ القطين، أي إنَّهم مقيمون في المنطقة الشمالية الممتدّة من الأزرق وأمّ القطين شمالًا حتى عمّان جنوبًا.

قَدَّرَت دراسة صادرة في سنة 2004 عدد الموحِّدين في الأردن بـ12750 نسمة موزَّعين على الشكل التالي: الأزرق (5200) عمّان (5000) الزرقاء (1100) أم القطين (450) الرّصيفة (400) العقبة (100) المفرق (100)(17).

كان المُتوطِّنون الدُّروز الأوائل من اللاجئين إلى الأردن، مبعدين من لبنان وسورية، وقد توطَّنوه على دفعتَين، الأولى وهي القليلة عند تأسيس كيانه السياسي، والثانية وهي الأكبر وأكثريّتها الساحقة من جبل الدُّروز، بعد تراجع الثورة السورية الكبرى كما وردت الإشارة إلى ذلك. وتلا هاتَين الدفعتَين نزوحٌ من جبل الدروز بعد سنة 1929 بسبب تفاقُم الأزمة الاقتصادية فيه كنتيجة طبيعية لخسائره البشرية والمادية في الثورة، ولكساد مواسمه بتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية. وإضافة إلى هذه الدفعات قَدِم إلى الأردن مئات الأشخاص للعمل في البناء والمقاولات والتجارة، وغير ذلك من الأعمال الحرَّة، علاوة على دخول الجنديّة وقوى الأمن والوظائف المدنيّة المُتاحة للمتعلِّمين وأصحاب الخبرة والكفاءة.

شكّل الأزرق عبْر عقود أكبرَ تجمُّع لبَني معروف (الدُّروز)، وكانت النُّزوحات تتمُّ منه أو عبْرَه إلى سائر الأماكن الأردنية، وإلى الأماكن الفلسطينية، لأنّه قريب جدًّا من جبل الدُّروز، وكان من أراضيه قبل ضمِّه إلى الأردن، وقد توفّرت وسائل العيش فيه أوّلًا من استخراج المِلْح وتصديره، ثم من زراعة الحبوب والأشجار المثمرة، ولتحوُّله إلى عقدة مواصلات بين الأردن والعراق والسعودية وسورية. إلّا أنّ عمَّان صارت تضمُّ حاليًّا تجمُّعًا معروفيًّا (درزيًّا) يوازي تجمُّع الأزرق نظرًا لكَونها العاصمة، ولكثرة مجالات العمل فيها.

اكتسب بنو معروف (الدُّروز) الجنسية الأردنية مع احتفاظ بعضهم بالجنسية الأساسية. وحملوا الهُويّة الأردنية وعليها فقط الهُويّة الدينية الإسلامية بوضع كلمة “مسلم” دون ذكر المذهب، بحيث لا يمكن تمييزهم عن سائر المسلمين في الأردن. وتسلَّموا الوظائف والمناصب المختلفة في إدارات الدولة وسلطاتها والمجالس المحلّية على أساس أنهم مواطنون أردنيُّون لا على أساس مذهبيّ. وصار أحدهم الأستاذ فيصل الأعور (من مواليد الأزرق) نائبًا في مجلس الأمّة حاليًّا، كما تَسلَّم الأستاذ أيمن الصفدي (من مواليد الزرقاء) منصب وزير دولة ونائب رئيس الوزراء في السابق، وهو حاليًّا وزير الخارجية وشؤون المغتربين. وهناك موظَّفان إداريّان كبيران، هما سامر سويد (من مواليد الأزرق) مدير قضاء، وسلطان حسّان من مواليد الزرقاء (مدير قضاء).

قدَّرَت الحكومات الأردنية والسلطات المحلِّيّة دور نُخب بني معروف في تأسيس الكيان الأردني وتطوُّره، وذلك بتسمية المباني والشوارع بأسماء بعض أعلامهم العاملين لمصلحة الأردن، كمدرسة رشيد طليع في عمّان، وشارع حسن حسيب ذبيان في الرّصيفة.

تمسَّك بنو معروف بمعتقدهم وإيمانهم بمسلك التوحيد الذي هو أحد المذاهب الإسلامية، وتمَشَّوْا في شؤون أحوالهم الشخصية على أعرافهم وتقاليدهم المتوارَثة على أن تتمَّ المعاملات الرسمية الأردنية بشأنها في المحاكم الشرعية. كما تَمشَّوا في حياتهم المُجتمعيّة على عاداتهم التي حملوها من مواطنهم الأصليّة، والتي يشبه معظمها عادات موطنهم الجديد. واستمرُّوا في التواصل مع الجذور ومع قراهم وعائلاتهم في سورية ولبنان، حتى إنّ بعضهم عادوا إلى هذَين البلدَين بعد تَوطُّن الأردن لعقود.

تأسيس الجمعيّات والنَّوادي

توفَّر لبني معروف، كما لغيرهم من الأردنيِّين، ظروف العمل في القطاع الخاصّ، والتوظُّف في الإدارات الرسميّة، فحقَّقوا طموحاتهم، وحسَّنُوا مستواهم، وخدموا الوطن الذي يتفيَّؤُون ظلاله. وتَوفَّرت لهم كذلك حرِّيّة تأسيس هيئات تُعنى بشؤونهم وتخدم مصالحهم وتتكامل تقديماتها مع ما تُقدِّمه الدولة. وقد أسَّسوا جمعيّات خيرية ونوادي ثقافية ورياضيّة، من أسمائها ما يدلُّ على عروبتهم، ومنها ما يدلُّ على المكان المأهول بهم، ومنها ما يحمل اسمهم: بنو معروف. وهذا هو موجز عنها.
• الجمعية الخيريّة. تأسَّست في عمَّان في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، واستمرّت في عملها حتى سنة 1962.
• الجمعية الخيرية العربية. تأسَّست سنة 1968، وشمل نشاطها أبناء معروف في مدن عمَّان والزرقاء والرّصيفة.
• جمعية الحكمة الخيرية. تأسَّست سنة 1972.
• جمعية الأزرق التعاونية الزراعية. تأسَّست سنة 1951، وعُنيت بصناعة الملح وتصدير الفائض منه إلى العراق.
• جمعية سيِّدات الأزرق التعاونية. تأسَّست سنة 1992. ومن أبرز نشاطاتها تشجيع أعمال الخياطة والأشغال اليدويّة.
• نادي الأزرق. تأسَّس سنة 1971. نشاطاته رياضية وثقافية واجتماعية وفنِّيّة.
• منتدى الأزرق الثقافي. تَأسَّس سنة 1992 باسم “فرقة الأزرق للفنون”.
• تَجمُّع أبناء بني معروف. تشكَّلت لجنته التنفيذيّة من 17 عضوًا يمثِّلون المدن المأهولة بالموحِّدين (الدُّروز) أو ببني معروف: 5 (عمّان) 5 (الأزرق) 4 (الزرقاء) 2 (الرّصيفة) 1 (أمّ القطين). وقد وجَّه التجمُّع كتابًا إلى وليِّ العهد الأمير حسن بن عبد الله، أظهر فيه أن بني معروف في الأردن ينالون حقوقهم كأفراد، إلّا أنهم كمجموعة أقل التجمعات الأردنية حظًّا وأكثرهم حرمانًا. وهذا ما أدَّى إلى زيارة الأمير لبني معروف في الأزرق، وإلى إظهار تقديره لهم وتَفهُّمه لمطالبهم(18). فكان ما قام به تَجمُّع أبناء بني معروف إحدى المحاولات التي ترمي إلى إنصاف بني معروف كمجموعة وإنصاف مُثقَّفِيهم والكُفوئِين بتَسلُّم مناصب هم جديرون بها.


المراجع

  1.  انظر عن المناصب التي تَسلَّمها أعيان الدروز، يوسف الحكيم: سورية والعهد الفيصلي، ص92- 93.
  2. للمزيد من المعلومات عن رشيد طليع، انظر الكتيِّب الذي ألَّفَه أمين طليع بعنوان: “الشهيد رشيد طليع”. ومنذر جابر: سجّل أنا رشيد طليع: سيرة ومصير، ص39- 130.
  3. انظر كتابنا: دروز سورية ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي، ص156- 157.
  4. محمود عبيدات: أحمد مريود، ص265، والهامش رقم 7.
  5. خير الدين الزركلي: عامان في عمّان، ص 108 – 112.
  6. خيرية قاسمية: الرعيل العربي الأوّل، ص35 وهامشها الرقم 12.
  7. انظر عن المجموعة وأعمالها، محمود عبيدات: أحمد مريود، ص266- 267.
  8. حقبة من تاريخ الأردن، مصدر مذكور سابقًا، ص177- 179.
  9. مُنيب الماضي وسليمان موسى: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ص242- 243.
  10. خيرية قاسمية: الرعيل العربي الأول، ص180- 181.
  11. انظر عن هذه الثورات فصولًا عديدة من كتبنا التالية: جبل العرب- سلطان باشا الأطرش. مسيرة قائد في تاريخ أمّة- دروز سورية ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي- سلطان باشا الأطرش والثورة السوية الكبرى.
  12. مذكِّرات الأمير عادل أرسلان، الجزء الثالث، ص1367.
  13. مذكِّرات صياح الأطرش عن يوم 25 آب 1928.
  14. مقابلة شخصية مع زيد الأطرش في 8 أيلول 1984.
  15. انظر عن الحادثة كتابنا: سلطان باشا الأطرش والثورة السورية الكبرى، ص86- 87.
  16. للمزيد من المعلومات عن تَوزُّع السكّان على المدن والقرى، وعلى مضارب البدو، انظر سليمان موسى: دراسات في تاريخ الأردن الحديث، ص350-362.
  17. انظر مقالة عاهد قنطار في كتاب: تعريف بالجماعة الدرزية في الأردن، ص132 وهو كتاب نشرته مؤسسة التراث الدرزي بعنوان: الدروز. الواقع والتصوّرات.
  18. للمزيد من المعلومات عن توطُّن الدُّروز في الأردن وجمعيّاتهم، انظر تيسير أبو حمدان: بنو معروف في واحة بني هاشم، ص262- 271، وص389-415 .

القولون العصبي

كيف يمكن الوقاية من القولون العصبي؟

القولون العصبي تلك المعاناة المنتشرة لدى الكثير من الناس، والتي طالما نبحث جميعاً عن طرق لتخفيفها وعلاجها، حيث يؤثر القولون العصبي على العديد من الأنشطة اليومية التي نقوم بها، وتكون الآلام أحياناً غير محتملة، ومن الممكن أن تمنعنا من مزاولة يومنا بشكل طبيعي.

ما هو القولون العصبي؟

إنّ القولون العصبي هو اضطراب شائع للغاية يؤثر على الأمعاء الغليظة، ويسبب آلاماً وأعراضاً قد تكون حادّة في بعض الأوقات، وعادة ما تشمل الأعراض آلام وتشنّجات البطن، والانتفاخ والغازات، واضطرابات الهضم من حيث الإمساك أو الإسهال أو كليهما معاً.
وفي العموم، يمكن إدارة أعراض القولون العصبي في الكثير من الحالات، والجدير بالذكر أنّ القولون العصبي لا يرتبط بالإصابة بسرطان القولون.

أسباب القولون العصبي

إنّ السبب الرئيس الدقيق للقولون العصبي غير معروف، ولكن يبدو أنّ هناك بعض العوامل التي تلعب دوراً هامّاً، ومن هذه العوامل ما يلي:
تقلّصات العضلات في الأمعاء، حيث تصطف جدران الأمعاء بطبقات من العضلات، تتقلّص هذه العضلات أثناء نقل الطعام عبر الجهاز الهضمي، ويمكن أن تؤدي التقلصات عندما تكون قوية ومستمرة لفترة طويلة إلى الغازات والانتفاخ، والإسهال، كما أن ضعف وبطء هذه التقلّصات يؤدي إلى الإمساك.

  • الجهاز العصبي
    من المُمكن أن تكون هناك تشوّهات في الأعصاب الموجودة في الجهاز الهضمي، ويمكن أن تسبّب هذه التشوّهات تجارب مؤلمة مع آلام القولون العصبي والانتفاخ.
  • التهاب الأمعاء
    بعض الأشخاص المصابين بالقولون العصبي لديهم عدد متزايد من خلايا الجهاز المناعي في الأمعاء الخاصة بهم، وترتبط استجابة النظام المناعي هذا بالألم والإسهال، ممّا يسبب المعاناة من القولون العصبي.
  • الإصابة بعدوى حادة
    يمكن أن يتطوّر القولون العصبي بعد نوبة حادة من الإسهال الذي تسببه البكتيريا أو الفيروسات، قد يرتبط أيضاً بفائض من البكتيريا في الأمعاء، والذي يُعرف بفرط نمو البكتيريا.
  • تغيُّرات البكتيريا في الأمعاء
    هناك نوع من البكتيريا المفيدة في الأمعاء يُسمى الميكروفلورا، وتشير الأبحاث أنّ الميكروفلورا في الأشخاص الذين لديهم قولون عصبي قد تختلف عنها في الأشخاص الأصحّاء.

عدوى الجيارديا Giardiainfection، التهاب المثانة الخلالي Interstitialcystitis،
الشرخ الشرجي Analfissure، إسهال المسافرين Traveler s diarrhea.

أعراض سرطان المعدة وانتبه لتلك العلامات الخطيرة وأعراض القولون العصبي.
قد تختلف أعراض القولون العصبي وفقاً للسبب وشدّة الحالة، ولكن هناك بعض الأعراض التي تُعتبر الأكثر شيوعاً في معظم الحالات، وهي:
الإسهال أو الإمساك، أو المناوبة بين الاثنين معاً.
يجب زيارة الطبيب لطلب علاج القولون العصبي عند وجود الأعراض الآتية، والتي تُعتبر علامة على وجود الإصابة بالقولون العصبي:
فقر الدم بسبب نقص الحديد.
الألم المستمر الذي لا يزول بتمرير الغاز أو حركة الأمعاء.

علاج القولون العصبي.

ينطوي علاج القولون العصبي بشكل كبير على إدارة وعلاج الأعراض، جزء كبير من ذلك يتوقّف على تغييرات نمط الحياة والعادات، ولكن هناك طرق علاج كثيرة للقولون العصبي منها ما هو طبيعي ومنها علاج بالأدوية، وسنتحدث عن تلك الطرق في الفقرات الآتية.

علاج القولون العصبي بالأدوية.

هناك بعض الأدوية المعتمدة خصيصاً للأشخاص المصابين بالقولون العصبي، والتي قد يصفها لك الطبيب، ومن هذه الأدوية ما يلي:

ألوسيترون: هذه الأدوية تساعد على تخفيف القولون وإبطاء حركة الفضلات من خلال الأمعاء السفليّة، ولكن لا يمكن وصف هذه الأدوية إلّا من قِبل المُختصين، ولا يتم تناولها إلّا بعد فشل العلاجات الأخرى، لأنّها قد تسبب بعض الآثار الجانبيّة الهامة.
كما يُعتبر هذا الدواء مخصّص لحالات الإسهال الشديدة عند النساء اللاتي لم يستجبن للعلاجات الأخرى، لكن لم يتم الموافقة عليه لاستخدامه للرجال.

الوكسادولين Eluxadoline: يوصف دواء الوكسادولين لتخفيف الإسهال عن طريق الحد من تقلصات العضلات وإفراز السوائل في الأمعاء، وزيادة قوة العضلات في المستقيم، ولكن قد تشمل الآثار الجانبية للدواء الغثيان، وآلام البطن، والإمساك الخفيف، وقد ارتبط أيضاً مع التهاب البنكرياس، والذي يمكن أن يكون خطيراً وأكثر شيوعاً في بعض الأفراد.

ريفا كسيمين: هذا الدواء عبارة عن مضاد حيوي، حيث يمكن أن يقلّل من فرط نمو البكتيريا في الأمعاء، كما أنّه يساعد في علاج الإسهال.

لوبيبروستون: هذا الدواء يمكن أن يعمل على زيادة إفراز السائل في الأمعاء الدقيقة للمساعدة في مرور البراز، ويتم اعتماده للنساء اللواتي يعانين من الإمساك، وعادة ما يتم وصفه فقط للنساء ذوات الأعراض الشديدة التي لم تستجب للعلاجات الأخرى.

لينا كلوتيد: يمكن لدواء ليناكلوتيد أيضاً زيادة إفراز السوائل في الأمعاء الدقيقة للمساعدة على تمرير البراز، ويمكن أن يسبب الإسهال، ولكن تناول الدواء من 30 إلى 60 دقيقة قبل الأكل قد يساعد في العلاج بشكل جيد.

علاج القولون العصبي بالعسل.

بالنسبة إلى الطرق الطبيعية في علاج القولون العصبي، فإنّه توجد بعض التجارب والآراء الشخصية التي تؤكد إمكانية علاج القولون العصبي بالعسل وبعض المكوّنات الطبيعية.
ولكن حتى الآن لم تؤكد الأبحاث العلمية مدى فاعلية العسل في هذا العلاج تحديداً، وليس معنى ذلك أن العسل لا يقدم الكثير من الفوائد لصحة الجهاز الهضمي بشكل عام.
فلا شك أنّ العسل من أفضل الأطعمة لصحة الجسم عموماً، وصحة الجهاز الهضمي بشكل خاص، فهو علاج منزلي شائع لمشكلة الإمساك، كما يمكن خلطه مع قطرات عصير الليمون وصنع مشروب دافئ يساعد على تهدئة الكثير من أعراض الجهاز الهضمي المزعجة، هذا المشروب شائع الاستخدام أيضاً أثناء أنظمة فقدان الوزن.

علاج القولون العصبي بالأعشاب.

باهناك بعض الأعشاب التي يمكن أن تخفّف من آلام القولون العصبي، والتي تشمل:
علاج القولون العصبي بالنعناع: يساعد النعناع على التقليل من أعراض القولون العصبي مثل التقلّصات، والانتفاخ، والإسهال، حيث يحتوي النعناع على زيت المنثول، الذي يخفف ألم عضلات الجهاز الهضمي والأمعاء، ويطرد الغازات.
يمكنك إضافة زيت النعناع إلى كوب من الماء الدافئ، وشربه من ثلاثة إلى أربع مرات يومياً حتى تشعر بالتحسن.
يمكن أيضاً إضافة أوراق النعناع المجففة إلى الماء المغلي لمدة 10 دقائق ثم تناوله، ولكن يجب عدم الإفراط في تناول النعناع بكميات كثيرة لأنه يمكن أن يسبب الغثيان وفقدان للشهية، واضطرابات في الجهاز العصبي.

علاج القولون العصبي ببذور الشمر.

بذور الشمر تساعد على تخفيف تقلّصات الأمعاء والانتفاخات المُصاحبة للقولون العصبي.
أضف ملعقة إلى اثنين من بذور الشّمر المطحونة إلى الماء، وقم بغليها لمدة 10 دقائق حتى تحصل على شاي الشمر العشبي. يمكن أيضاً تناول ملعقة من بذور الشمر مباشرة مرتين في اليوم، يساعد ذلك أيضاً على التخفيف من أعراض القولون العصبي.

علاج القولون العصبي بالزنجبيل.

يساعد الزنجبيل على التخلص من الغازات وعلاج الانتفاخ، كما أنه يعمل كمضاد لالتهابات الأمعاء، ويساعد على ارتخاء عضلاتها.
يمكن تناول الزنجبيل إمّا بإضافته إلى الماء المغلي ثم شربه كمشروب دافئ لعلاج آلام التقلّصات، أو بإضافته إلى العسل وتناوله قبل الوجبات لتحسين عملية الهضم، ولكن يُنصح من يعانون من ارتفاع ضغط الدم بتجنّب الزنجبيل.

علاج القولون العصبي بالبابونج.

إن شاي البابونج يساعد علي منع التقلّصات، والإسهال، والتهابات القولون العصبي، وما يصاحبه من أعراض، قم بإضافة ثلاث ملاعق من البابونج المجفّف إلى الماء، مع غليهما لمدة 15 دقيقة، قُم بتصفيته، وأضف قليل من اللّيمون، يمكن تناوله ثلاث مرات يومياً.

علاج القولون العصبي بعنب الثعلب الهندي.

يُعرف عنب الثعلب الهندي أيضاً باسم Amla، وهناك اعتقاد أنّ محتوى فيتامين C في العشبة هو ما يساهم في خصائص العشبة المُسهلة، ويمكن العثور على العشبة نفسها في شكل مسحوق، أو على شكل كبسولات.

علاج القولون العصبي بأوراق التوت الأسود (العُلَّيق).

تعمل أوراق نبات العُلّيق كمادة قابضة أو مُمسكة، للمساعدة على تخفيف الإسهال، ورغم أن تناولها يكون أكثر شيوعًا على شكل الشاي العُشبي، ولكن يمكن أيضًا العثور على خلاصة أوراق توت العلّيق في شكل سائل.

علاج القولون العصبي بالأوريجانو.

الأوريجانو يحتوي على مجموعة من الفوائد الصحية، وغالبًا ما يتم تناوله على هيئة زيت، والذي يمكن وضعه في كبسولات لتقليل مشكلة عسر الهضم، كما أنه قد يخفف من الإسهال، وعدّة أعراض أخرى في الجهاز الهضمي.

علاج القولون العصبي بصبار الألوفيرا.

ترغم أنّه يُستخدم أكثر لأغراض تجميلية، ولكن الألوفيرا قد يساعد أيضاً في تخفيف أعراض القولون العصبي، يمكن العثور على عصير الألوفيرا، وهو أحد الأشكال الأكثر شيوعًا لمكمّلات الصبار، في معظم متاجر الأغذية الصحيّة، وتُظهر بعض الأبحاث أنّه يقلل من الألم، والغازات وتقلّصات البطن.

علاج القولون العصبي بخلاصة أوراق الخرشوف.

مكملات الخرشوف الموجودة في شكل سائل، أو كبسولات من مُستخلص أوراق الخرشوف، قد تحسن أعراض بكتيريا القولون العصبي.
في دراسة أجريت في عام 2001، صنف 96% من المشاركين خلاصة أوراق الخرشوف بأنّها كانت الأفضل، أو على الأقل قابلة للمقارنة مع العلاجات التي كانوا يستخدمونها في السابق لعلاج القولون العصبي.

علاج القولون العصبي بالكمّون.

أغلبنا يعلم بأنّ الكمون فعال للغاية في تحسين مشكلات الجهاز الهضمي لدرجة أنّ الباحثين يأملون أن يكون الكمّون بديلاً فعالاً للأشخاص الذين لا يستطيعون شراء أدوية مكلفة لعلاج أعراض القولون العصبي المزعجة.
يساعد الكمون أيضاً على تحسين عمليّة الهضم عن طريق زيادة نشاط البروتينات في الجهاز الهضمي، ممّا قد يقلّل أيضًا من أعراض متلازمة القولون العصبي المزعجة.

كيف يمكن الوقاية من القولون العصبي؟

قد لا يفيد علاج القولون العصبي في بعض الحالات، وذلك عندما يكون نمط الحياة والنظام الغذائي متعارضاً مع العلاج، ولكن يمكن التحكّم في كثير من الأحيان في الأعراض والعلامات الخفيفة، عن طريق إدارة الإجهاد، وإجراء تغييرات في النظام الغذائي الخاص بك ونمط الحياة، ومن النصائح التي يمكن اتباعها لتخفيف أعراض القولون العصبي ما يلي:

  1. تجنّب الأطعمة التي تسبّب لك الأعراض المزعجة، مثل الأطعمة الحارة، والأطعمة المليئة بالدهون، والأطعمة التي تحتوي على كثير من الثوم والبصل والتوابل، حيث يمكن أن تسبب انتفاخ القولون.
  2. تناول الأطعمة الغنية بـ الألياف للمساعدة على الهضم.
  3. شرب الكثير من الماء والسوائل.
  4. ممارسة التمارين المنتظمة، لتحريك الدورة الدموية والمساعدة في الحركة المنتظمة للأمعاء.
  5. الحصول على قسط كافٍ من النوم.
  6. البُعد قدر الإمكان عن مصادر الضغط العصبي والتوتر.

الفيتامينات

هناك 13 نوعاً من الفيتامينات المشهورة، والتي يحتاج إليها الجسم للحفاظ على صحته ويجب أن تكون نسب هذه الفيتامينات مناسبة في الجسم.
الفيتامينات هي مركّبات عضوية مطلوبة بكميات صغيرة للحفاظ على الحياة، ويجب أن تأتي معظم الفيتامينات من الطعام لأنّ الجسم البشري لا ينتج ما يكفي منها أو قد لا ينتجها على الإطلاق، وللفيتامينات المختلفة أدوار مختلفة، وهناك حاجة إليها بكميات مختلفة، تابع المقال التالي لمعرفة أنواع الفيتامينات المختلفة ووظيفتها في الجسم.

الفيتامينات هي مركّبات عضويّة مطلوبة بكميات صغيرة للحفاظ على الحياة، ويجب أن تأتي معظم الفيتامينات من الطعام لأنَّ الجسم البشري لا ينتج ما يكفي منها أو قد لا ينتجها على الإطلاق، وللفيتامينات المختلفة أدوار مختلفة، وهناك حاجة إليها بكميات مختلفة.
أنواع الفيتامينات وحقائق عنها: هناك 13 نوعاً من أنواع الفيتامينات المعروفة.
الفيتامينات إمّا قابلة للذوبان في الماء أو للذّوبان في الدهون.

الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون تخزينها في الجسم أسهل مقارنًة بالفيتامينات القابلة للذوبان في الماء.
تحتوي الفيتامينات دائمًا على الكربون، لذلك يتمّ وصفها بأنّها عضويّة.
الغذاء هو أفضل مصدر للفيتامينات، ولكن قد ينصح بعض الأطباء باستخدام المكمّلات الغذائية

أنواع الفيتامينات التي تذوب في الدهون.
يتم تخزين الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون في الأنسجة الدهنيّة في الجسم والكبد، والفيتامينات التي تذوب في الدهون تخزينها في الجسم أسهل من الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء، ويمكن أن تبقى في الجسم كاحتياطي لأيام، وأحياناً أشهر، ويتم امتصاص الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون عبر الأمعاء بمساعدة الدهون.

أنواع الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء.

لا تبقى الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء في الجسم لفترة طويلة، ولا يستطيع الجسم تخزينها، ويتم إفرازها بسرعة في البول، وبسبب هذا يجب تعويض الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء أكثر من تلك التي تذوب في الدهون، وتشمل: فيتامين C، وجميع فيتامينات B.

1- فيتامين أ أو A، ويسمّى أيضًا بالريتينول، وهو من ومن الفيتامينات التي تذوب في الدهون وقد يتسبب نقصه في العمى الليلي، وتليُّن القرنية keratomalacia وهو اضطراب في العين ينتج عن القرنية الجافة.

مصادر فيتامين أ تتواجد في الكبد، وزيت كبد السمك، والجزر، والقرنبيط، والبطاطا الحلوة، والزبدة، واللفت، والسبانخ، واليقطين، والكرنب، وبعض الجبن، والبيض، والمشمش، والبطيخ والشمّام.

2- فيتامين ب1، ويسمّى أيضًا الثيامين، وهو من أنواع الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء وقد يسبب نقص فيتامين ب1 مرض البري بري، ومتلازمة فيرنيك كورساكوف Wernicke-Korsakoffsyndrome،

وتشمل مصادر فيتامين ب1 الجيدة: الخميرة، واللّحم، والحبوب، وبذور عبّاد الشمس، والأرز البنّي، والجاودار الكامل الحبة، والهليون، واللّفت، والقرنبيط، والبطاطس، والبرتقال، والكبد، والبيض.

3- فيتامين ب2، ويسمّى أيضًا الريبو فلافين، وهو فيتامين قابل للذوبان في الماء وقد يسبب نقص فيتامين ب2 ariboflavinosis أو عوَز الريبوفلافين،

تشمل المصادر الجيدة: الهليون، والموز، وفاكهة الكاكا، والبامية، والسلق، والحليب، واللبن، واللحم، والبيض، والأسماك، والفاصوليا الخضراء.

4- فيتامين ب3، أيضًا النياسين، وهو من أنواع الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء وقد يتسبب نقصه في الإصابة بالبلاجرا، مع أعراض الإسهال، والتهاب الجلد، والاضطراب العقلي،

وتشمل المصادر الجيدة: الكبد، والقلب، والكلى، والدجاج، ولحم البقر، والأسماك (سمك التونا وسمك السلمون)، والحليب، والبيض، والأفوكادو، والتمر، والطماطم، والخضروات الورقية، والبروكلي، والجزر، والبطاطا الحلوة، والهليون، والمكسّرات، والحبوب الكاملة، والبقوليات، وعش الغراب، وخميرة البيرة. ونقصه يسبب مرض البلاجر.

5- فيتامين ب5، ويسمى أيضًا حمض البانتوثنيك، وهو من أنواع الفيتامينات قابلة الذوبان في الماء وقد يسبب نقص فيتامين ب5 التنميل والشعور بالحكّة،

وتشمل المصادر الجيدة: اللّحوم، والحبوب الكاملة، والقرنبيط، والأفوكادو، والجبن، ومبايض الأسماك. وهو يرتبط بالعناية بالبشرة.

6- فيتامين ب6، ويسمى أيضًا بيريدوكسين، وهو فيتامين قابل للذوبان في الماء وقد يسبب النقص فقر الدم، أو الاعتلال العصبي المحيطي، أو تلف أجزاء من الجهاز العصبي غير الدماغ والحبل الشوكي،

وتشمل المصادر الجيدة: اللحوم، والموز، والحبوب الكاملة، والخضروات، والمكسرات.
انتبه؛ عندما يجفّف الحليب، فإنه يخسر حوالي نصف محتوى فيتامين B6، ويمكن أن يؤدي التجمد والتعليب أيضًا إلى تقليل المحتوى أو القيمة الغذائية له. والبيريدوكسين فيتامين هام لصحة الأعصاب.

7- فيتامين ب7، ويسمى أيضًا البيوتين، وهو من أنواع الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء وقد يسبب النقص التهاب الجلد أو التهاب الأمعاء،

وتشمل المصادر الجيّدة: صفار البيض والكبد وبعض الخضار.والبيوتين من الفيتامينات الهامة للحفاظ على الشعر والجلد.

8- فيتامين ب9، ويسمّى أيضًا حمض الفوليك، وهو فيتامين قابل للذّوبان في الماء ويرتبط نقص فيتامين ب9 أثناء الحمل بالعيوب الخلقية، ويتم تشجيع النساء الحوامل على تناول مكملات حمض الفوليك طوال العام قبل الحمل،

المصادر الجيدة تشمل: الخضروات الورقية، والبقوليات، والكبد، والخميرة، وبعض منتجات الحبوب المقوَّاة، وبذور دوار الشمس، كما أن العديد من الفواكه لديها كميات معتدلة من حمض الفوليك.

9- فيتامين ب12، ويسمّى أيضًا السيانو كوبالامين Cyanocobalamin، وهو من أنواع الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء وقد يسبّب نقصه فقر الدم الضّخم الأرومات megaloblastic anemia وهو حالة ينتج فيها نخاع العظم خلايا دم حمراء كبيرة غير طبيعية،

وتشمل المصادر الجيدة: الأسماك، والمحار، واللحوم، والدواجن، والبيض، والحليب ومنتجات الألبان، وبعض الحبوب المحصنة، ومنتجات الصّويا، وكذلك الخميرة الغذائية المدعَّمة.

10- فيتامين سي، ويسمّى أيضًا حمض الأسكوربيك، وهو فيتامين قابل للذوبان في الماء وقد يسبب نقص فيتامين سي فقر الدم الضخم الأرومات،

المصادر الجيدة تشمل: الفواكه والخضروات، كما يحتوي الكبد أيضًا مستويات عالية، كما أن الطهي يدمر فيتامين سي. و لديه فوائد مذهلة لتعزيز الصحة وتقوية المناعة.

11- فيتامين د، أو cholecalciferol، من الفيتامينات التي تذوب في الدهون وقد يسبب نقص فيتامين د الكساح ولين العظام، أو تليين العظام.

يؤدي التعرّض للأشعة فوق البنفسجية من خلال أشعة الشمس أو مصادر أخرى إلى إنتاج فيتامين (د) في الجلد، كما يوجد في الأسماك الدهنية والبيض ولحم البقر والكبد والفطر.

12- فيتامين ه أو E، فيتامين هـ أو E يسمى أيضًا التوكوفيرول، وهو من أنواع الفيتامينات التي تذوب في الدهون.
نقص فيتامين هـ غير شائع، لكنه قد يسبّب فقر الدم الانحلالي في الأطفال حديثي الولادة، وهذه حالة يتم فيها تدمير خلايا الدم وإزالتها من الدم في وقت مبكر جداً،

تشمل المصادر الجيدة: فاكهة الكيوي، واللوز، والأفوكادو، والبيض، والحليب، والمكسرات، والخضروات الورقية، والزيوت النباتية، وجنين القمح، والحبوب الكاملة.

13- فيتامين ك، من الفيتامينات التي تذوب في الدهون قد يسبب نقص فيتامين ك الاستعداد النّزفي، وهو قابلية غير عادية للنزيف،

المصادر الجيدة تشمل: الخضروات الورقية الخضراء، والأفوكادو، وفاكهة الكيوي، كما أنّ البقدونس يحتوي على الكثير من فيتامين ك.

كيفية الحصول على أنواع الفيتامينات المختلفة.

تركز الإرشادات الغذائية على النظام الغذائي العام باعتباره أفضل طريقة للحصول على ما يكفي من المواد الغذائية من أجل صحّة جيدة، حيث يجب أن تأتي الفيتامينات أوّلاً من نظام غذائي متوازن ومتنوّع مع الكثير من الفواكه والخضروات.
ومع ذلك في بعض الحالات، قد تكون هناك حاجة للمكمّلات المدعمة بالفيتامينات، فقد يوصي الأطباء بفيتامينات مكملة للأشخاص الذين يعانون من ظروف معينة مثل: أثناء الحمل أو لأولئك الذين يتبعون نظامًا غذائيًا محدودًا.

جرعات تناول أنواع الفيتامينات المختلفة يجب أن يأخذ الأشخاص الذين يتناولون المكملات الغذائية حذرهم لتجنب تجاوز الجرعة القصوى، حيث يمكن أن تحدث مشاكل صحية، حيث يمكن أن تتفاعل بعض الأدوية مع مكملات الفيتامينات أيضًا، لذا من المهم التحدث إلى الطبيب قبل استخدام المكملات الغذائية.

 

نقص السيلينيوم

 

قد يكون السيلينيوم من المعادن التي لا يعرفها الكثيرون، فاسمه ليس دارجاً مثل الحديد والكالسيوم وغيرهم، ولكنّه معدن مهم بشكل خاص لأنّه يدعم وظيفة العديد من الأنظمة، وتشمل الغدد الصماء والجهاز المناعي والأوعية الدموية وغيرها، مما يعني أنه إذا حدث نقص في هذا العنصر تتعطّل هذه الوظائف.

إنّ تساقط الشعر وضعف العضلات من أعراض نقص السيلينيوم

ما هو نقص السيلينيوم؟

 

يشير نقص السيلينيوم إلى عدم وجود ما يكفي من السيلينيوم في نظامك الغذائي، هذا يمكن أن يسبب العديد من المشاكل الصحية، يتم تحديد كمية السيلينيوم في مصادر الطعام إلى حد كبير من خلال التربة المستخدمة لزراعتها، وطريقة الرّي، ومستويات الأسّ الهيدروجيني، حيث تؤثر هذه العوامل على تركيز السيلينيوم في التربة.
أشارت مراجعة أُجريت في عام 2011 إلى أنّه قد يكون هناك علاقة بين نقص السيلينيوم وأنواع معينة من السرطان، كما قد يؤثر نقص السيلينيوم أيضاً على الأداء المعرفي، ولكن مازالت هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات والأبحاث للحصول على استنتاجات مؤكّدة.

أعراض نقص السيلينيوم.

 

يمكن أن يسبب نقص السيلينيوم مجموعة من الأعراض، وتشمل الأعراض الأكثر شيوعاً ما يلي:

  1. العقم عند الرجال والنساء، وتعتبر عوامل الخطر الخاصة بنقص السيلينيوم ما يلي:

أ- العيش في مناطق ذات تُربة منخفضة في السيلينيوم.
ب- وجود فيروس نقص المناعة البشرية.
ج- الإصابة باضطراب في الجهاز الهضمي مثل داء كرون.

إنّ وجود ما يكفي من السيلينيوم مهم بشكل خاص في الحالات الآتية:

  1. وجود أمراض الغدّة الدرقية مثل مرض جريفز.
  2. وجود عُقيدات الغدّة الدرقيّة.
  3. الإصابة بنقص السيلينيوم بالفعل.
كيف يتم علاج نقص السيلينيوم؟

إنّ العلاج الأولي لنقص السيلينيوم يشمل محاولة تناول المزيد من الأطعمة الغنية بالسيلينيوم، وتشمل: عندما لا تكون الأطعمة الغنية بالسيلينيوم خياراً، يمكن أن تساعد مكمّلات السيلينيوم أيضاً في العلاج، تحتوي العديد من الفيتامينات على السيلينيوم، ولكن يمكن الحصول عليه كمنتج مستقل، ولكن يجب التحدث إلى الطبيب أولاً قبل البدء في تناول المكملات.

كم تحتاج يومياً من السيلينيوم؟

توصي المعاهد القوميّة للصحة بأن يحصل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 14 عاماً على 55 ميكروجرام من السيلينيوم.
يرتفع المعدَّل لدى النساء الحوامل أو المرضعات إلى 70 ميكرو جراماً، وزيادة المعدّل عن 900 ميكرو جرام في اليوم يسبب التسمّم.

كما تعد علامة زيادة السيلينيوم في الجسم وجود رائحة تشبه الثُّوم في الأنفاس، مع طعم معدني في الفم.

ثورة 17 تشرين

لم يحدث منذ زمن بعيد حراكٌ اجتماعيّ جماهيريّ بالاتّساع الذي شهدته الساحات اللبنانية منذ 17 تشرين أوّل، 2019. سواءٌ أكان الحراك ذاك ثورة أم لا، إلّا أنّ ما هو أكيد أنّها “انتفاضةٌ” شعبيّة، جماهيريّة ونوعيّة في آن، تميّزت بِسِمات مهمَّة عدَّة، منها:

  1. إنّها شديدة الاتّساع على نحو غير مسبوق، فملأت ساحات بيروت وجبل لبنان والشمال وعكّار والبقاع والجنوب والنَّبَطيّة.
  2. كانت نسبة المشاركة الشعبية عالية نسبيّاً، إذ كان تعداد الحشود يصل إلى نصف المليون أيام السبت والأحد لينخفض إلى أقل من ذلك في سائر أيام الأسبوع.
  3. اتّسمت فعاليات الانتفاضة في ساحاتها المختلفة بمشاركة واسعة من الشباب والنساء، وشكّل ذلك علامة فارقة للانتفاضة فقد غلب على الشعارات المرفوعة الطابع المطلبي والاجتماعي لا السياسي، وبخاصة ما اتّصل منها بالفساد المُسْتَشري وبحقوق الفئات المهمَّشة والبطَّالة وما شابه.
  4. لجهة المطالب، شكلّ مطلب التصدي للفساد في بعض إدارات الدولة ومجالسها وصناديقها، كما لدى بعض السياسيين، الشعار الأساسي للمنتفضين. فأخبار الفساد في بعض الإدارات والمصالح تلك كانت قد بلغت حداً علنياً صادماً وأثارت غضباً شعبياً عارماً.
  5. وإلى محاربة الفساد، تدحرجت تدريجاً سلسلة طويلة من المطالب الاقتصاديّة والاجتماعية، ومنها استعادة الأموال المنهوبة وتحقيق إصلاحات هيكليّة في الإدارات والمؤسَّسات وفي البلاد كَكُل.
  6. غلب على الانتفاضة _ حتى الآن على الأقل _ غياب الحضور الحزبي الصّريح فيها. لقد بدا أنها من خارج الأحزاب السياسية وكان ذلك سبباً إضافياً لمنحها القوة والاتساع والقبول لدى أوسع الفئات الشعبية كما خارج البلاد.
  7. شكّل استشهاد عدد من المنتفضين الأبرياء على الطرقات العامة (5 شهداء من بينهم الشهيد علاء أبو فخر من الشويفات) صدمة واسعة لعموم الشعب اللبناني ومَدّ الانتفاضة بوقود إضافي تفاعل في كل الساحات، فرُفِعت صور الشهداء، وبخاصة صورة علاء أبو فخر، في مناطق لبنان قاطبة، من عكار شمالاً إلى صور جنوباً.

…. وبعد، وإلى حين دفع هذا العدد (العدد 30) إلى المطبعة، ففعاليات الانتفاضة مستمرّة، وكذلك الأزمة السياسية، (الحكومية وغير الحكومية)، والأزمة الاقتصادية (إقفال المؤسسات وتراجع الانتاج وخسارة العاملين لمصدر رزقهم)، والأزمة المالية _ النقدية حيث بلغ سعر الدولار الأمريكي في التداول اليومي الفعلي مستويات عالية تجاوزت عتبة ال 2000 ليرة، مع ما ترتب على ذلك من صعوبات وتعقيدات وغلاء إضافي بل واستحالة تمويل استيراد الحاجيات الأساسية من الخارج.

إنَّ مصلحة اللبنانيين جميعاً هي في الخروج السريع من الأزمة السياسية أوّلاً، ثم الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية. أمّا من دون ذلك فَكُرَةُ الثلج (غير البيضاء) بدأت بوضوح تتدحرج أكثر وتكبر أكثر وربّما تصل مستويات غير مسبوقة…. لا قدّر الله.

الملتقى السادس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة

“لقد آن لقادة الديانات أن يبرهنوا على فعالية أفضل وانخراط أكبر لهموم المجتمعات البشرية لإعادة الرشد وإبعاد شبح الحروب والفتن المهلكة، فإذا كان البعض ينظر إلى الدين كعامل تفرقة وتمزيق لنسيج الشعوب؛ فإن حلف الفضول الجديد يريد أن يبرهن عمليا على أن الدين يمكن ويجب أن يكون قوة بناء ونماء ووئام وإطفاء للحريق، يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرّق، ويعمّر ولا يدمّر… تلك هي العبرة والدعوة والرسالة التي نوجهها من خلال هذا الحلف… بحيث يمكن أن يقوم رجال الدين بمبادرات لتشجيع الحلول السلمية في بعض المناطق التي تشكو من داء البغضاء وتنازع البقاء إذا وجدوا مكانا أو صدورا تتسع لتدخلهم. لا نحمل سلاحا بل نحمل سلاما وكلاما، نحن إطفائيون بالحكمة والكلمة الطيبة”.

انطلاقاً من هذا الكلام في الكلمة الافتتاحية للعلَّامة الشيخ عبدالله بن بيَّة في الملتقى الخامس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في أبو ظبي، 2018، وبعد دراساتٍ ونقاشاتٍ معمَّقة، توجَّتها أعمال الملتقى السادس المنعقد في الفترة بين 9 و11 ديسمبر/ كانون الأول 2019 في أبوظبي بعنوان: “دور الأديان في تعزيز التسامح.. من الإمكان إلى الإلزام”، وقّع قادة وزعماء دينيون في أبوظبي “ميثاق حلف الفضول الجديد”.

شارك في الملتقى عددٌ كبيرٌ من ممثلي الديانات الإبراهيمية؛ الإسلام والمسيحية واليهودية، إضافةً إلى ممثلي ديانات أخرى من العالم، وقادة دولٍ ورؤساء مؤسسات وهيئات دينية وثقافية وممثلي معاهد ومراكز بحثية وجامعية من الدول العربية والآسيوية والإفريقية، كما من أوروبا وأميركا، وذلك على مدى ثلاثة أيامٍ متتالية، باستضافة كريمة من إمارة أبو ظبي وبرعاية من وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وحضور وزير التسامح الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وبرئاسة رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة العلَّامة الشيخ عبدالله بن بيّه رئيس مجلس الإفتاء في الإمارات.

شاركتُ في هذا الملتقى السنوي للمرّة الثانية (2018 و2019)، بناء على دعوةٍ خاصّة، حيث تُوجَّه معظم الدعوات لشخصيات دينية وثقافية لها صفة تمثيلية وصفة أكاديمية أو اختصاص في موضوع الملتقى، إلى جانب بعض الوجوه اللبنانية المشاركة، ومنها: الأستاذ محمد السمّاك والدكتور رضوان السيِّد والسيِّد علي الأمين والشيخ فايز سيف من المجلس الشرعي الإسلامي والأب فادي ضو، وقد وقَّعتُ على الإعلان على منبر المؤتمر أسوةً بمعظم الممثلين لطوائفهم ومؤسساتهم الدينية والحوارية.

الصداع وأنواعه

ما هي أنواع الصداع؟

هناك أنواع متعدّدة من الصداع، في الحقيقة يوجد 150 فئة من الصّداع تم تحديدها، هذه قائمة بأشهر أنواع الصداع:

  • صداع التوتر:
    يُطلق عليه أيضاً الصّداع اليومي المزمن أو الصداع المزمن الغير تقدّمي ( غير تقدّمي بمعنى أنه لا يسوء يوما بعد يوم أي إنّه ثابت في شدّته). هذا النوع هو أكثر الأنواع شيوعاً بين الكبار والمراهقين، حيث إنّ تقلصات العضلات تسبب آلاماً بسيطة تأتي وتذهب على مدى فترات طويلة.
  • الصداع النّصفي:
    السبب الحقيقي للصداع النصفي هو حتى الآن غير معلوم، و لكنّه له علاقة بانقباضات الأوعية الدموية وبعض التغيرات في المخ مثل بعض العيوب الوراثية في مناطق معينة في المخ.
    آلام الصداع النصفي تكون من خفيفة إلى متوسطة، وتوصف عادة بأنّها مثل الخفقان الشديد أو القصف، وقد تستمر من 4 ساعات و حتى 3 أيام، وعادة يحدث من مرة إلى 3 مرات في الشهر، وتكون هناك أعراض مصاحبة مثل حساسية تجاه الضوء والضوضاء وبعض الروائح، وفقدان الشهيّة، ودوخة وترجيع، آلام في البطن، عندما يحدث للأطفال غالباً يكون مصاحباً أيضا ببهتان في الوجه، عدم وضوح الرؤية، آلام في المعدة بالإضافة للأعراض السابقة.
    نسبة صغيرة من الأطفال الذين يعانون من الصداع النصفي يصاحبه أعراض متكرّرة في الجهاز الهضمي ويكون القيء هو الأكثر شيوعا، القيء الدوري: معناه أنّه يحدث بانتظام تقريبا مرة في الشهر، أحياناً يُطلق على هذا النوع الصداع النصفي البطني لأنّه مصاحب بأعراض في البطن.
  • صداع الكتلة أو الصداع الكتلي:
    وهو الأقل شيوعاً ولكنّه الأكثر شدة، يكون الألم شديداً وعادة يوصف على أنّه إحساس بالحرقان أو إحساس بالاختراق و يكون نوبات أو مستمرّاً، من شدة الألم لا يستطيع المصابون بهذا النوع من الجلوس ثابتين وعادة ما يتحركون أثناء إصابتهم بالنّوبة ، يكون الألم متمركزاً وراء عين واحدة أو حول العين ولا يتغير مكانه ، سبب التسمية هو أنّ هذا الصداع يتميّز بأنّ نوباته تكون في مجموعات محددة في الشهر، عادة يحدث من مرة إلى 3 مرات في اليوم خلال فترته و التي تكون من أسبوعين و حتى 3 أشهر، أحياناً يشفى تماما هذا النوع من أنواع الصداع لمدة أشهر أو سنوات ولكنه يعود مرة أخرى.
  • صداع التجويف:
    يكون مصحوباً بألم عميق و ثابت في عظام الخدّ و مقدَّمة الرأس و عند جسر الأنف ، يشتد الألم عن تحريك الرأس فجأة و عند الإجهاد و الضغط، و عادة يحدث مع أعراض أخرى من متلازمة التجويف: مثل إفرازات الأنف، والإحساس بالامتلاء في الأذن، والحُمَّى وتورّم في الوجه.
  • صداع حاد:
    هذا النوع من أنواع الصداع يحدث للأطفال، يحدث فجأة و للمرة الأولى و تقل أعراضه تدريجيا بعد فترة قصيرة من الوقت، عادةً ينتج هذا الصداع بعد زيارة الطبيب أو غرفة الإسعاف، بعد الفحص إذا لم يوجد سبب عصبي لهذا النوع فغالبا يكون السبب تنفّسي أو التهاب في الجيوب الأنفيّة.
  • صداع الهرمونات:
    يحدث للنساء و يكون غالباً مصحوباً بتغيُّرات في الهرمونات التي تحدث أثناء الدّورة الشهرية والحمل وعند الوصول لِسِنِّ اليأس، أحياناً يكون السَّبب كيميائي مثل استخدام أدوية مانعة للحمل أو أي أدوية تحتوي على هرمونات.
  • صداع مُزمن تقدّمي:
    يُطلق عليه أيضاً صداع الشّد أو صداع الالتهابات ، هذا النوع يزداد سوءاً مع الوقت، و يُعدُّ الأقل شيوعاً بين أنواع الصداع حيث تبلغ نسبته 5% من المصابين بالصداع في البالغين و 2% في الأطفال يكون غالباً السبب هو خلل أو مرض في المخ.

هل الصداع وراثي؟

نعم، و خاصّة الصداع النّصفي تجده عادة يجري في العائلة 90% من الأطفال والمراهقين الذين يعانون من الصّداع النصفي يكون هناك أشخاص آخرين في العائلة مصابين به.
عندما يكون الوالدان مصابين بالصداع النصفي فإنّه بنسبة 70% سوف يصاب به الأطفال ولكن عندما يكون أحدهم فقط فإنّ هذه النسبة تنخفض إلى 25% 50%.

ما هي أسباب الصّداع؟

ينتج الصداع عن تفاعل الإشارات في المخ و الأوعية الدمويّة و الأعصاب المحيطة بالمخ، أثناء الصداع تنشط الأعصاب و تبعث إشارات بالألم إلى المخ، و لكن عامة فإنّ سبب نشاطها غير واضح حتى الآن.
يوجد مركز الألم في منتصف المخ، عندما تبعث الأعصاب النشطة إشارات إليه فيبعث بدوره إشارات إلى الأوعية الدموية فتضيق ثم تتّسع مرة أخرى و يؤدي إلى إفراز مواد تسبب الالتهاب مثل سيريتنين و بروستاجلاندين و هي التي تسبب في جعل نبض الأوعية الدموية مؤلماً.
الصداع الحاد الذي يحدث فجأة عادة يكون سببه مرض أو التهاب الجيوب الأنفية و الحلق والأذن أو ارتفاع في درجة الحرارة. أحياناً يكون الصداع مصاحباً لخبطة في الرأس, نادراً ما يكون سبب الصداع وحده بدون أعراض مصاحبة مرضاً خطيراً.

أمّا صداع التوتر عادة يكون سببه عاطفيّاً أو نفسيّاً أو شرب الكحوليّات أو تجاهل تناول الوجبات أو تغيير مواعيد النوم أو الاستخدام المفرط للأدوية أو الاكتئاب.

أحياناً يكون الصداع ناتجاً من التعرّض لبعض العوامل البيئية مثل أن يكون أحد أفراد العائلة مدخناً أو بعض الروائح الكيميائية أو بعض أنواع الطعام، والتلوث والضوضاء و الطقس أيضاً هي أسباب بيئيّة قد تسبب الصداع.
الإجهاد الجسدي الزائد قد يسبّب الصداع النصفي للبالغين والأطفال.

هل يتحسّن الصّداع في الأطفال مع الوقت؟

قد يتحسن الصداع في الأطفال مع مرور الوقت و أحياناً يختفي تماما ثم يعود مرة أخرى مع التقدّم في العمر، فمثلاً الصداع النصفي في الذكور غالباً ما يتحسّن مع التقدُّم في السنّ أمّا بالنسبة للإناث فإنّه يزداد و ذلك لما يصاحب مرحلة البلوغ من تغيرات في الهرمونات ولذلك فإنّ نسبة الصداع النصفي في البنات هي ثلاثة أضعاف الأولاد.

كيف يتم تقييم و تشخيص الصداع؟

هالخبر الجيّد هنا للمصابين بالصداع هو أنّه إذا عرف شخص سبب الصداع ، فإنّ العلاج يكون سريعاً وفعّالاً.
عندما تشتكي من الصداع أو خطره عليك فعليك استشارة طبيب العائلة وسيقوم هو بعمل فحوصات جسديّة و اختبارات تقييم للصداع وسيأخد منك تاريخ الصّداع ومتى تُصاب به وكيفية الألم وسيطلب منك شرح جميع الأعراض التي تشعر بها.
ومن المحتمل أن يطلب منك أشعّة مقطعية أو أشعة رنين مغناطيسي إذا شكّ في أن هنالك خلل عصبي أو خلل في المخ، لكنّ الأشعة العادية تكون غير مفيدة في تحديد نوع الصداع، إذا كان يصاحب الصداع فقدان للوعي، فعلى الأرجح سوف يطلب منك رسم مخّ، وإذا استمر الصداع ولم يستجب للعلاج فعليك أن تطلب من الطبيب الفيزيائي أن يحوّلك إلى طبيب متخصّص.

كيف يتم علاج الصداع؟

قد يجرّب الطبيب أكثر من علاج لمعرفة أكثرها فاعليّة أو قد يحولك إلى طبيب متخصص.
يجب أن تضع مع طبيب جدولاً زمنيّاً لمراقبة التحسّن واختفاء الأعراض.
يعتمد اختيار العلاج الملائم على عدّة عوامل تتضمّن نوع وسبب وشدة الصداع.
ليس كل أنواع الصّداع تحتاج إلى علاج.

مراجعات كتب

«مُظفَّر باشا في لبنان»:

لأمير البيان شكيب أرسلان

كتابٌ أصدرته الدّار التقدميّة، للأمير شكيب أرسلان، أميرُ البيان، فيما ذُكِرَ على غلاف الكتاب أَنَّه طُبِعَ في الإسكندرية – مصر. عام 1907، وهذا ربّما تمويه لطبعه في لبنان. وهو يتألّف من 252 صفحةً من القطع الوسط. قدَّم له السّفير اللبناني السابق حسّان أبو عكر. وبه يذكر أنَّ المتصرف مظفَّر باشا عُيِّن في مقام مُتَصرفية جبل لبنان. عام 1902، خلفًا للمُتَصرّف نَعّوم باشا، المُمَدّدة ولايتُه. ونظام المُتَصرِّفيَّة هذا أتى عَقِبَ نظام القائمقاميّتين في سياق تاريخ جبل لبنان الطويل الأمد، وهو صيغة حُكْمٍ تَقرَّر أن يكون على رأسه ما يسمَّى بالمُتصرّف، تابع للسلطنة العثمانية، وبالتنسيق مع الدول الضامنة لهذا النظام (دول أوروبية ستّ) معروفة في ذلك التاريخ، ويستمد هذا الكتاب أهميّته من أنّ وقائعه في عهد مظفر باشا، ومَنْ قبْلَهُ من المُتصرّفين، قد تساوقت وتراكمت بمفاعيلها السلبيّة والإيجابيّة لِتُفضي في عهد الانتداب الفرنسي إلى دولة لبنان الكبير ذي النظام الطائفي. فكيف حكَم مظفر باشا جبل لبنان؟ وهل وُفِّقَ في ذلك؟

الجواب في بداية الأمر، أنّ هذا العهد كما يُصوِّرُهُ المؤلِّف الأمير شكيب أرسلان في مئةٍ واثنتين وخمسين صفحة، تشملُ مقدَّمةً واثني عشر فصلًا، ترصد يوميّات الأحداث التي طبعت حكم هذا المتصرف ذي الماضي العسكري، والاعتداد الشديد بنفسه وبسلطاته غير القابلة، كما يقول، للمساومة، أكانت في مجلس إدارة المتصرّفية أو من قبل قناصل الدول الأوروبية، ولكن إدارته وتصرّفاته في الواقع كانت على عكس ذلك، فاتسم حكمُهُ بِخَرقهِ القوانين، والرِّشوة، والاحتيال، والاستدانة، والتّزوير، ومخالفة نظام الجبل، والاستبداد في الانتخابات الإداريّة، وكثرة الجنايات في أيّامه، وتعطيل سلك الجندرية، وتناقض حركاته وسكناته، واستسلامه لعائلته، وتلاعبهم بالأحكام، وفي غرائب أطواره ما بَثَّ المبادئ الفوضويّة في طول المتصرفيّة وعرضها.

ويقول الأمير شكيب في مُقدَّمة الكتاب: إنَّه قد راجت في تلك الفترة سياسة المعاريض، والغاية الأساسيّة منها، تحريك الفئات المعارضة لسياسة المتصرّف عبر التركيز على أخطائه، وممارساته الغاشمة، ونشرها في الصحافة المتنوِّرة آنذاك، لكنَّ الغاية الأهم منها إيصال الاعتراض إلى القناصل ممثِّلي الدول الأوروبية الستّ ولرؤسائهم السفراء لدى الباب العالي في استنبول.

وتمثّل إضافة كتاب “مُظفّر باشا في لبنان” لتراث الأمير شكيب قيمة إضافيةً لمجموعة كتبه التي نشرتها الدار التقدميّة، أكانت من الناحية التاريخية أو السياسية، وكذلك الاجتماعية والاقتصادية. فقد كان الأمير حينذاك ناشطًا في ربوع المتصرّفية، وركنًا من أركان الحزب الأرسلاني. فجاء قسم من الكتاب سجلًّا للتنافس السياسي، الجنبلاطي – الأرسلاني أو للتهاون والتقارب في قائمقاميّتي الشوف والمتن، وبخاصةٍ في الوظائف الإدارية والقضائية، والأمنية، ولم يترك الأمير شكيب مادّة تفصيلية لهذه المرحلة، إلّا وأتى عليها بما في ذلك معارضته الشديدة والمُحقّة لهذا المُتَصرّف الذي لجأ في بداية حكمه إلى إقالة الأمير من قائمقاميّة الشوف. هذا باستثناء ما أضافه لاحقًا في كتابه “سيرة ذاتية” قبل أن ينطلق إلى استنبول وإلى المدى العثماني الواسع… ومُجْمَل القول أخيرًا في هذا الكتاب، أنّه كان في أحداثه ووقائعه جزءًا حيًّا من تاريخ لبنان الحديث، وإحدى الخلفيّات الموروثة التي يشكو منها لبنان اليوم. وما أشبه اليوم بالبارحة.


الشَّيخ أبو يوسف حسين شبلي البعيني (1915-1991م) شيخُ الحكمةِ، والحِنْكَة، والمواقف.

أ. صقر محمّد البعيني.

يضمّ “تمهيداً” يتحدث عن أنّ تكريم الرجال الأعلام حقّ وواجب لما قدّموه وعملوه لخير المجتمع والوطن. ففي التكريم درس في الوفاء وعبرة في استذكار المواقف والتعلّم منها، فكيف إذا كان التكريم لرجل مُسْتَحقّ كالمرحوم أبو يوسف حسين البعيني الذي تميّز طوال حياته بعطاءاته الاجتماعيّة، والدينيّة، والإنسانيّة،
والوطنيّة، فضلاً عن صرفه الشّطر الأكبر من عمره في خدمة مشيخة العقل، مُساهماّ في مسيرتها الاجتماعيّة، والدينيّة بعزمٍ وإخلاص، وثبات، ما أكسبه ثقة سماحة شيخ العقل الشيخ محمّد أبو شقرا، فقرّبه منه، وعيّنه في ملاك المحاكم المذهبيّة الدرزيّة بالمرسوم رقم 3631 في 18-3-1960 بوظيفة كاتبٍ ثانٍ في محكمة الاستئناف وقد انتقل بعد ذلك إلى المحكمة المذهبيّة في بعقلين، حيث كان يحرّر الوصايا، ويكتب عقود الزواج، كما كان الذراع اليمنى لسماحة شيخ العقل، ومستشاراً له، يُسند إليه أصعب المهمات التي تتطلّب مواقف رجوليّة وحِنكة في حلّها. بقي في وظيفته حتى بلوغه السنّ القانونيّة عام 1969. كما أوكل إليه سماحته الإشراف على بناء المقام الحديث للنبي أيّوب في بلدة نيحا الشوف، وائتمنه على صندوقه.

أمّا ما كان يتزيّن به من صفات، رحمه الله، فما ذكره عنه فضيلة قاضي المذهب الشيخ شريف أبو حمدان يوم وفاته بالقول: علَّمْتَنا الكثير ممّا هداك الله إليه فكنتَ دوماً تؤْثِر أن يكون الصمت حليف القيام بالواجب، ولكنّ شعور الوفاء فينا وعِرفان الجميل يأبى أن نبقى ساكتين عن تذكُّر ونشر بعض الفضائل التي كنت تتميّز بها، والمزايا الحسنة والصفات الحميدة التي كانت تُزيّنك، ومن أكبر الزينة، كما كنت تقول، رياضة النفس بالحكمة، وقمع الشهوة بالعفّة، وإماتة الجسد بالقناعة، وتمييز العقل بحسن الأدب وتسكين الغضب، إنّ هذه الفضائل والأوصاف الحسنة كانت من بعض مزاياك الطّيّبة.

وحَسْبُ هذا الكتاب قيمة مُضافة الشهادات العديدة التي أجمع عليها رجالات من وجوه الجبل وأعيانه، من داخل بلدته مزرعة الشوف وخارجها، أجمعوا على أنّه كان نسيجاً مميّزاً وفريداً بين رجال الدين؛ تقيًّا بِلا مُكاشفة، على صلة وثيقة بين الخالق والمخلوق، ينمّيها مسلكٌ عِرفاني جُوَّاني صافٍ، وإخلاصٌ في حُسن العقيدة وحسنِ اليقين، إنَّه كان المَثَلُ والمِثال.


«حقوق الأقليات في ضوء القانون الدولي»:

العميد الدكتور رياض شفيق شـيّا

لمّا كانت مسألة الأقليات الإثنية، اللغوية، والدينية واحدة من المسائل التي أرّقت ضمير الإنسانية قروناً طويلة، فقد مثّل ظهور الدولة القومية (الدولة-الأمة) على المسرح العالمي في القرن التاسع عشر، كتنظيم جديد للتجمعات البشرية، محطةً بارزة عرفت معها الأقليات أقسى أشكال التعامل. فمركزية السلطة ووحدة اللغة والثقافة والدين، التي كانت تمثّل قيم الدولة القومية، لم تكن سوى تلك التي تعود لجزء من مواطني الدولة وليس لجميع مواطنيها، ولو كانوا يمثّلون في كثير من الأحيان الأكثرية. يضاف الى ذلك أنّ تمثُّل تلك القيم قد ترافق مع ممارسات فيها الكثير من الاضطهاد وعدم التسامح مع كل من يختلف عن النموذج، والذين بات يُنظر اليهم بأنّهم “الغير”، ولو كانوا مواطنين. ولما كان لكثير من الأقليات علاقات وامتدادات تتعدى النطاق الداخلي للدولة، بحكم ارتباطهم بدولٍ أخرى تماثلهم نفس الصفات الإثنية أو اللغوية أو الدينية، فقد أدى هذا الواقع الى اشتداد النزاعات الدولية وتفاقمها، والتي وصلت غير مرة الى مستوى الحروب الشاملة، كما في الحربين الكونيتين الأولى والثانية. وهكذا بدا لزاماً على القانون الدولي الإحاطة بمسألة الأقليات بوجهها الإنساني من جهة، ونتائجها وتداعياتها على الاستقرار والأمن في العالم من جهة ثانية.

لى هذه الخلفية، سيعرض المؤلف الدكتور رياض شـيّا في كتابه هذا لكيفية تطور حقوق الأقليات في القانون الدولي، سواء في تكرسها في نظام عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أو في أعقاب الحرب العالمية الثانية في التشريعات الصادرة عن الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان وما تضمنته من نصوص تتناول حقوق الأقليات، كالمادة 27 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” للعام 1966، أو بالمواثيق التي تخص الأقليات فقط ك “إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص المنتمين لأقليات قومية أو إثنية، دينية أو لغوية ” في العام 1992، وغير ذلك من التشريعات. يضاف الى ذلك إلقاء الضوء على النشاط الفعّال الذي لعبته “مجموعة العمل الخاصة بالأقليات” التابعة للأمم المتحدة (التي أصبحت تسمى “منبر قضايا الأقليات” منذ العام 2007 وتتبع لمجلس حقوق الإنسان التابع بدوره للأمم المتحدة).

يسدّ الكتاب ثغرة كبيرة تتمثّل في النقص الهائل في الكتابات والمراجع العربية التي تناولت موضوع الأقليات وحقوقها من الناحية القانونية، وبالأخص موقف القانون الدولي منها. وسيلحظ القارئ هذا النقص في ندرة المصادر الحقوقية العربية مقارنة بالكم الكبير من المصادر الإنكليزية والفرنسية التي استند اليها الكتاب، مما يجعله مرجعاً لموضوع حقوق الأقليات لا بد منه.
الكتاب صادر عن دار النهار للنشر، ويقع في 360 صفحة من القطع الكبير.


«المبادئُ العامّةُ للتّحكيم»:

منشورات مؤسّسة دَهْر

مُؤلِّفه المهندس محمّد عارف أبو زكي، حامل بكالوريوس في الهندسة المدنيّة من الجامعة الأميركيّة في بيروت، ودبلوم دراسات عليا في هندسة النقل من جامعة ملبورن، أستراليا، وشهادة عضويّة من معهد المُحكّمين الدولييّن، لندن، وشهادة مُحكّم مُعتمَد، وخبير معتمد، من معهد التحكيم التجاري لمجلس التعاون الخليجي العربي، البحرين، إلى شهادات أكاديمية أُخرى.

يقع الكتاب في تسعة فصول وخمسة ملاحق، تتضمّن المبادئ والأسس العامة للتحكيم وصار مُعتَمداً على نطاق واسع في معالجة الخلافات بين القطاع العام والمؤسّسات والشركات والأفراد. حَظي الكتاب بمقدمتين على مستوى عال، الأولى من سفير لبنان في سلطنة عُمان الأستاذ عفيف أيوب، والثانية من المؤرّخ المعروف الدكتور حسن البعيني. يشتمل هذا المؤلّف بشكل أساسي على تعريف التحكيم والمحكم والحُكم، وعلى إجراءات التّحكيم، وإصدار حُكم التحكيم مع ملاحق لأمثلة من التحكيم المحلِّي، والإقليمي، والدولي، وقانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية، ونظام مركز التحكيم التجاري، ولائحة إجراءات التحكيم، ولائحة تنظيم نفقات التحكيم، وقانون الأوسترال النّموذجي للتحكيم التجاري الدَّوْلي – الأمم المتحدة، وقواعد محكمة لندن للتحكيم الدّولي. إنّ التوسع في قطاع الأعمال وما يعنيه ذلك من تنامي حجم العقود وتزايد تعقيد بنودها، وتشابك أدوار الشّركات والمؤسسات حتى في المشروع الواحد، جعل التحكيم مَطلباً أكثر أهمية وأكثر احتياجاً، فضلاً عن أن أهمية قضاء التحكيم كما يقول المؤلف، تعود بشكل أساسي لتقديمه عدالة سريعة، لأنَّ المحكّم يلتزم بزمن معيّن للفصل في المنازعة المُكلَّف بها ولكون التحكيم نظاماً للتقاضي في درجة واحدة.

هذا مُختصر لكتاب مُهمٍّ جداً، جديرٍ بالقراءة والاقتناء والاستعانة به، بالنَّظر إلى أهمية وثائقه ومحتوياته الأثيرة في بابها.

أثَرُ التّهديد والتَّوتُّر في العمليّة التَّربويّة

تحتاجُ العمليَّة التعليميَّة التعلُّميَّة إلى توفير الأمان والاستقرار للمُتعلِّم؛ أمّا التوتُّر المُفرط والتهديد في البيئة المدرسيّة، فيشكِّلان المساهم الأكبر في إضعاف التعلُّم الأكاديمي. إذ إنّ التوتُّر الذي يتمثّل بالعصبية والقلق والتشتُّت والنِّسيان، ليس سوى جزء صغير من الحقيقة، حيث إنّه ومع مرور الوقت، يمكن للمستويات المرتفعة من هرمون الكورتيزول Cortisol (هرمون الإجهاد)، أن تؤدي إلى تدهور الصحّة الجسدية والعقليّة والعاطفية. وهو الذي يجعلنا أكثر عُرضةً لخطر الاكتئاب.

لكنْ، ما هو التوتُّر؟

هو ردُّ فعل طبيعي للجسم البشري، على وجود أحداث ومُتغيّرات وصعوبات مختلفة، تستدعي من الإنسان التكيّف معها، إذ يجري تسجيل هذا التكيُّف في المُخ على شكل تهديد، تنعكس آثاره على أعضاء الجسم ووظائفه المختلفة. وتَكمن المشكلة في عدم القدرة على التكيّف مع تلك المتغيِّرات أو الأخطار بشكل صحيح، ليُصبح ردُّ الفعل مبالَغًا فيه وغير قابل للسيطرة تمامًا. ومِن ثَمَّ، فإنّ ذلك ينعكس سلبًا على صحّة الفرد النفسية والجسدية، وعلى التحصيل العلمي والذهني. وهذا ما يسمَّى بالتوتُّر المَرَضي، والذي قد يتطوَّر ليصبح مُزمنًا يهدِّد الوظائف الحيويَّة والتوازن الطبيعي للجسم.

إذًا، فإنَّ التوتُّر المفرِط والتهديد في البيئة المدرسية، قد يشكِّلان المساهم الأكبر الوحيد في إضعاف التعلّم الأكاديمي.

وتتضمن أكثر التهديدات شيوعًا التي يستخدمها المعلِّمون تجاه مُتَعلميهم، على سبيل المثال:
الحجز بعد انتهاء الدوام أو في أثنائه، والحرمان من بعض الحِصص المحبَّبة لدى المتعلمين (رياضة، نشاطات، رحلات خاصة وعامة)، وحسم علامات، أو الحرمان من الامتيازات المدرسية المتعددة… إلخ، دون أن يُدرك المُعلِّمون أنّ المشاعر السيئة “تفسد” آراء المتعلِّمين الإيجابية إزاء المُعلّم، والصف، والمدرسة. وقد يكون ذلك الفساد قاتلًا بالنسبة إلى الدافعية والروح المعنوية على المدى البعيد.

ولكن، ما الذي يَحدث على المستوى البيولوجي؟

التوتُّر والتعلّم

عندما نشعر بالتوتر، فإن الغدد الكظرية تُطْلِق بِبتيدًا (Peptide) يسمى كورتيسول (Cortisol). إنّ أجسامنا تستجيب بإطلاق الكورتيسول، سواء واجهت خطرًا ماديًّا، أو بيئيًّا، أو أكاديميًّا، أو انفعاليًّا. وهذا يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل الجسدية، تتضمن هبوطًا في جهاز المناعة وشدًّا في العضلات الكبيرة، وتخثّرًا في الدم وزيادة في ضغطه.
كذلك يُضعف التوتُّر المُزمن قدرة المتعلم على تمييز ما هو مهم، وما هو غير مهم (Gassaniga, 1988) ، ويشير (Jacobs and Nade1985) إلى أن التفكير والذاكرة يتأثَّران في حالة التوتر، حيث إنّه يَحُول دون قدرة الدماغ على تكوين ذاكرة قصيرة المدى وذاكرة بعيدة المدى.

ثمَّة مشكلات أُخرى

التوتر المُزمِن يجعل المتعلمين أكثر قابلية للإصابة بالمرض. في إحدى الدراسات، أظهر المتعلِّمون هبوطًا في جهاز المناعة عند الاختبار، حيث أظهروا انخفاضًا في مستويات مناعتهم لمقاومة العدوى (Jermott and Magloire, 1985). وهذا قد يفسّر الدورة الأكاديمية السلبية الآتية:
مزيد من التوتر الناتج من الاختبارات مثلًا أو من غيرها، يعني مزيدًا من المرض. وهذا يعني ضعف الصحّة والتغيّب عن الحصص أحيانًا، وهذا يسهم في انخفاض العلامات في الاختبارات. فالخلية المتوترة تحتوي على عدد أقل وأقصر من الشُّجَيرات العصبية، وهذا الخلل يُضعف الاتصالات بالشجيرات الأخرى.

فما الذي يسبب هذا الفرق المُثير؟ وكيف يؤثّر التوتّر الاجتماعي في الخلايا العصبيّة؟

علامات في الاختبارات
هناك علاقة بين البيئة المادية المُثيرة للتوتّر وإخفاق المُتعلّم. فالأوضاع المتَّسمة بالاكتظاظ والعلاقات بين المتعلمين، حتى الإضاءة السيئة، عناصرُ لها أهميتها
يقول (Ray Gottlieb) وهو مختصٌّ في قياس البصر: إنّ التوتر المدرسي يسبب مشكلات في الإبصار، وهذا بدوره يُضعف التحصيل الأكاديمي وتقدير الذات، ويجعل من المستحيل تقريبًا على المتعلّم أن يتابع صفحة مطبوعة، أو أن يبقى مركِّزًا على أجزاء صغيرة من المادة المكتوبة.

هل هذا الإجراء عادي أم استثنائي؟
لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال، غَيّرَ المُعالجُ النفسيُّ Wayne London الإضاءة في ثلاثة صفوف في مدرسة Vermont الابتدائية.
ولأغراض الاختبار، وضَع في نِصف عدد الصفوف مصابيح فلورسنت عاديّة، ووضع في النصف الثاني مصابيح تحاكي الإضاءة الطبيعية (إضاءة بكامل ألوان الطيف).

لقد لوحظ أنَّ تغيّب المتعلِّمين بسبب المرض في الصفوف المضاءة بالطيف الكامل يقلّ بنسبة 65%، مقارنة بالصفوف الأخرى المُضاءة بمصابيح الفلورسنت العادية.
لماذا حدث ذلك؟ إنَّ الضوء الصادر من مصابيح الفلورسنت العادية، يتّسم بخاصيَّة الوميض المتقطّع وبأزيز لا يكاد يكون مسموعًا، وقد أثّرا تأثيرًا قويًّا في الجهاز العصبي لدى المتعلّمين.
من الواضح أنَّ الدماغ يستجيب لهذا المُنبّه السّمعي – البصري، وذلك يرفع مستوى الكورتيسول في الدم، ويجعل العينين تَطرُفان بشكل مُفرط، وكلاهما مؤشّران على التوتر.

سيروتونين له أدوار متنوعة ومعقدة. يشارك السيروتونين في العديد من العمليات المختلفة بما في ذلك ، ولكن ليس حصريًا ، هذه الصور الموضحة هنا

قد تكون المواقف الاجتماعيّة أيضًا مصدرًا للتوتّر. وفي حين أنَّ هورمونات التوتّر مثل الكورتيسول تُطلَق عادة أثناء التوتّر، فإنَّ مستوى مادة السيروتونين serotonin يتأثّر أيضًا. ويرتبط انخفاض مستويات السيروتونين بظهور سلوكيّات عدوانيّة وعنيفة.

فمثلًا يصبح المتعلّمون الذين يكونون في بيوتهم “أصحاب السُّلطة الأعلى”، في حين هُم مجرّد أشخاص عاديين في صفوفهم، ويصبحون أكثر تسرُّعًا.
بعض هؤلاء المتعلّمين يَنشطون بشكل مفاجئ، عندما يُعْطَوْن أدوارًا مثل دور القائد الفريقي. وتشير الدراسات إلى أن الوضع الصفّي أو الاجتماعي، يمْكن – بل – إنّه يعمل بالفعل على تغيير كيماوية الدماغ.
وهذا دليل قوي على أهميّة تغيير الأدوار بشكل مُستمر، لكي نضمن إتاحة الفرصة
لكل متعلِّم لأن يقود ويُقاد.
ثمّة مصدر آخر للتوتّر البيئي، وهو حقيقة أنّ توقّعاتنا نادرًا ما تتطابق مع الواقع.
فاليوم المدرسي العادي بالنسبة إلى المتعلّم، يزخر بتوقّعات، وخيبات أمل ومشاريع لم تنجح، وعلامات أقلَّ من المعتاد، ووجود زملاء لم يتصرّفوا على النّحو المُتوَقّع. وكلّ هذه المشكلات قد تكون مَصدرًا للتوتر. وغالبًا ما يتعامل الدماغ مع هذه الأشياء على أنَّها تهديدات.

ما الحلّ؟

الحل هو أن تُوَفَّر للمتعلّمين قابلية للتنبُّؤ، أو تَوقُّع ما يَحدث عبر الممارسات والأنظمة الصفِّية والمدرسية. فالحدث الذي يمكن التنبؤ به، يجب أن يكون إيجابيًّا: تشجيع، أو تحفيز، أو ابتهاج، أو علامات مميَّزة أو مرتفعة… إلخ، بحيث يريح الدماغَ القَلِقَ.

التهديد والتعلّم

إنَّ المتعلِّمين الذين يتعرّضون بشكل مستمر لتهديد وتوتّر عالِيَين في مراحل مبكرة في طفولتهم، ولا سيما أولئك المتعلِّمين الذين ينحدرون من أُسَرٍ تتسم بالعنف، غالبًا ما يكون جلب انتباههم أكثر صعوبة؛ إذ إنَّ بصرَهُم وصوتهم يتحوّلان باستمرار، حيث يمسحون غرفة الصف بحثًا عن أعداء أو “ضحايا” مُحتمَلين، ثم إنّهم غالبًا ما يوجّهون لكمات أو ضربات عنيفة إلى متعلمين آخرين، كطريقة لترسيخ “مكانتهم”.

لقد تكيفت مواقع الاستقبال في أدمغتهم مع سلوك يركّز على البقاء أو النجاة. وفي حين أنّ هذا السلوك يُحبط المُعلّمين، إلّا أنَّه السلوك الصحيح من وجهة نظر المتعلّم، الذي يبدو أنّ حياته تعتمد عليه.

قد تشمل التهديدات أمًّا أو أبًا متوتّرًا جدًّا يهدد بالعنف، أو فقدان الامتيازات في المدرسة أو في البيت، أو صديقًا يهدّد بقطع العلاقة، أو متعلمًا مستأسدًا يزأر بكلمات فظَّة في الممرَّات.
وفي غرفة الصف، قد يتمثَّل التهديد بزميل أو معلّم يهدد متعلِّمًا ما بالإذلال، أو بالحجز، أو بالإحراج أمام أقرانه.
وأيٌّ من هذه الأحداث وغيرها فكثير، ويمكن أن تضع الدماغ في حالة استنفار.

لا يمكننا أن نكرِّر هذا الأمر بشكل كافٍ، فتُنشِّط التهديدات ميكانيزمات دفاعية وسلوكيّات رائعة للبقاء، ولكنَّها سلوكيّات وميكانيزمات غير مناسبة للتعلّم.
أمّا المتعلّمون الذين لديهم توتّر أقل، فيستطيعون أن يقيموا علاقات بين الأشياء، وأن يفهموا النظريّات الأساسية العامة، وأن يكاملوا بين مجموعة واسعة من المواد. وعلى هذا، يجب إزالة التوتُّر، والتهديد، وعجز المتعلِّم الناشئ من البيئة التعليمية، لتحقيق أكبر قدر ممكن من التعلّم.

العجز المُكتسَب

على العكس تمامًا من اعتباره حالة مؤقَّتة من فقدان الدافعية، فإنَّ العجز المُكتسَب حالة مُزمنة ومدمِّرة. فنحن نرى أعراضه في تعليقات للمتعلمين من قَبيل: “أنا غبي”، أو “أنا غير محظوظ، فلماذا أزعج نفسي؟”. وأيضًا من الأعراض التي يبديها المتعلِّمون، لامبالاة تامة تقريبًا، إضافة إلى سلبية مستمرّة.
يُعتَبر العجز المُكْتسَب نادرًا إلى حدٍّ ما في معظم الصفوف، غير أنَّه عندما يحدث، فإنَّه يوهن العزيمة. ومن أجل أن “يتأهَّل” المُتَعلم للعجز المُكتسَب، تكون قد حدثت معه في العادة الحالات الآتية: صدمة القرار، أو بيولوجيا العجز المكتسَب. وهنا يُعتبر الدليل شاملًا؛ إذ إنّه يمكن لصدمات معيَّنة أن تعيد تنظيم الدماغ تمامًا، وباستمرار.

اقتراحات عمليّة للمعلّم:

يجب أن تعمل المُقترحات على المتغيِّرات الثلاثة الآتية:

  1. التهديدات من خارج الصفّ.
  2. التهديدات من متعلّمين آخرين.
  3. التهديدات من نفسك.

• أنت لا تكاد تملك سيطرة على البيئة الخارجية. لذا، تأكَّدْ من تحديد فترة زمنية انتقالية لبدء الحصّة، حيث إنَّ ذلك يسمح للمتعلِّمين بالاستعداد والابتعاد عن الخطر الخارجي المُحتمَل (مُتَعلِّم مستأسد في المَمَرّ، أو مشاجرات في الطريق إلى المدرسة، أو تهديدات أثناء الطريق إلى غرفة الصف، ونحو ذلك).

• قلِّلِ التوتر الناتج من متعلِّمين آخرين في الصف، بأنْ تضع توقّعات واضحة بخصوص السلوك الصفّي، وقدِّم نموذجًا من الذكاء الانفعالي المناسب. ناقِشْ واستخدِمْ استراتيجيّات حلِّ المنازعات، وتابِعْ وطبِّقِ القوانين الصفيَّة. أيضًا لا تَسمح مُطلقًا للمتعلِّمين بأن يهدِّدوا أو يؤذوا بعضهم بعضًا.

• إنَّ التقليل من التهديدات يحتاج إلى يقظة خاصة. فاطلُبْ ما تريده دون أن تضيف تهديدًا في النهاية.
• لا تهدِّد المتعلّمين الذين يرتكبون سلوكيّات غير مقبولة، بتحويلهم إلى مكتب الإدارة مطلقًا.

• أيضًا تَجنَّب الإشارة بالإصبع إلى المتعلّمين غير الملتزمين، بل بالنظرة فقط أو الإشارة، ثم ساعِدِ المتعلمين على العثور على المصادر الرئيسة للمادة أو المواد. أيضًا ساعِدْهم على أن يضعوا أهدافًا مُحَدَّدة، وواقعيّة، وقابلة للقياس. وأخيرًا، اسْألْهُم عن الأشياء التي تعترض سبيل تعلّمهم. قد تكون هذه الأشياء هي اللغة الثانية، أو الأسلوب التعلّمي، أو حتى المُتعلّم الذي يجلس إلى جانبهم.

• أنت بصفتك معلِّمًا وشخصًا راشدًا، لا تَقُلْ للمتعلّمين بأنّك ستفعل أي شيء يطلبونه. ومع ذلك، من المهم أن تُظهر لهم رغبتك في أن تُصغي لهم، وأن تتعلّم منهم. وعندما تُشركهم في تخطيطك، فإنَّ مشاركتهم وروحهم المعنوية ترتفع، وستصبح طلباتهم للتغيير معقولة أكثر.
• ساعِدِ المتعلِّمين على أن يرَوْا العلاقة بين أعمالهم ونتائجها، وقدِّم لهم خبرات غنيَّة يختارون منها، وخاصة في مواقف مثيرة للتوتر.

• أيضًا شجِّع المتعلمين على أن يكتشفوا احتمالات بديلة، لتفسير فشل يبدو بسيطًا. وأخيرًا، ضَعْهُم في مواقف يمكنهم من خلالها أن يعيدوا تمامًا وبشكل إيجابي، تَعلُّم تحريك أنفسهم في وجه التهديد. يمكن للأنشطة الجماعية والرياضية، إضافة إلى الأنشطة المسرحية والتمثيلية المنطوية على أداءات عامة، أن تسهم في ذلك. بالنسبة إلى العديد من المتعلمين، فإنّ التحدِّي الخارجي أو مسافات الإجراءات الخاصة، تُقدّم وسيلة رائعة لتعلم الاختيار في وجه التهديد المُلاحظ.

معلمة تقوم بتدريس الأطفال حول الجغرافيا. باستخدام الكرة الأرضية وطرح الأسئلة. أطفال يجيبون على الأسئلة. إنهم يجلسون بجانب الطاولة. النماذج في هذه اللقطة هي جزء من مجموعة رياض الأطفال الحقيقية ومعلمهم.
ختامًا

ينبغي للجوِّ المدرسي المناسب أن يوفِّر للمتعلّمين فرص التعلّم المتنوعة، ويزوِّدهم بالمهارات اللازمة للنجاح في الحياة، ويساعدهم على فَهم أنفسهم، ومعرفة جوانب القوّة والضَّعف عند كلٍّ منهم، ويساعدهم على حلِّ مشكلاتهم، وغير ذلك من الأمور التي تساهم في تدعيم صحّتهم النفسية، ومساعدتهم على التكيّف السَّويِّ مع المواقف المختلفة .
أيضًا يُعتبَر دور المدرسة أساسيًّا في توفير جوّ الأمان الملائم للمتعلِّم، وله تأثير كبير من حيث بناء شخصيته، وإثارة دافعيته إلى التعلُّم .

تُعَدُّ الحاجة إلى الأمن النفسي في مقدَّمة الحاجات النفسية (غير العُضْويَّة) للمتعلِّم، وأكثرها أهميّة بصورة عامة، حيث إنَّ نجاح المدرسة في هذه المهمة يُبرز الدور الحيوي لها، باعتبارها من أهم مؤسّسات التنشئة الاجتماعية التي تُعنى بتربية الأجيال وتعليمهم وتوجيههم. ويكمن دورها في تعزيز شعور المتعلِّم بالأمان، وإشباع حاجته إلى الاستقرار النفسي، كي لا يشكِّل جوُّ المدرسة مصدرًا للقلق والتوتر وعدم الارتياح، أو انشغال الفكر وتَوقُّع الخوف من المعلِّمين أو الرفاق .

إنَّ أمان المتعلِّم في الصف لا يقتصر على أمانِهِ الجسدي فقط، بل يتعداه إلى راحته النفسيّة التي تتمثل بالقدرة على التعبير عن رأيه بدون خوف، وكيف يكون فردًا إيجابيًّا في مختلَف تصرفاته وسلوكيّاته. وهذا الأمر يقع على عاتق المدرسة والمدرّسين؛ فهُم من يقدمون الغذاء الرّوحي للمُتعلّم في الصف، ويخلقون له بيئةَ دراسةٍ آمنة وإيجابية في المدرسة، أي يثيرون دافعيَّته إلى العطاء ويحفزونه على المثابرة والنَّجاح.

تراجُع إنتاجيّة الزِّراعة

 

المُزارعون القدماء وحتى بداية القرن الماضي يبحثون عن بقعة أرض صغيرة كي يستثمرونها في زراعة المحاصيل الحقليّة والخُضار وخاصة الحبوب، طلبًا للإنتاج الوفير وتحسُّبا من أي طارئ طبيعي يُخفض من الإنتاج والاكتفاء الذاتي لمدّة عام على الأقل، وبعد أن توفَّرت بعض الوظائف والهجرة واستخدام الأراضي الزّراعية في العمران والطُّرقات…إلخ. بدأت تقلّ أعداد العائلات التي تُعنى بالزراعة وبالتالي انعكس ذلك على تقليص المساحات المزروعة.
وفي منتصف القرن الماضي، بدأ الخطر يظهر على البيئة والطبيعة بشكل عام إذ لوحظ بشكل واضح أنَّ الزراعة تراجعت كمساحات وتراجعت أيضا كإنتاجية بالدونم لأسباب عديدة منها:

  • إهمال القطاع الزراعي الذي أدّى الى “تبوير الكروم والبساتين” وعدم صيانتها ومزاحمتها على الغذاء من قبل النباتات الضارة كالأعشاب والأشجار والشجيرات البريّة نتيجة عدّة أسباب أهمّها:
    • ارتفاع كلفة الأعمال الزراعية من حراثة وتقليم وتسميد ومكافحة وغيرها من أعمال أُخرى: يعود ذلك إلى إهمال المزارعين للتقنيات الموروثة المساعدة على إتمام أعمالهم الزراعية. كان المزارع يربي المواشي لعدّة أغراض تؤمّن له حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية. مثلًا كان المزارع يربّي زوجًا من الأبقار (الفدّان) للاستفادة منهما في عدّة مجالات: الحراثة – الأسمدة العضوية – الحليب ومشتقاته – اللحم، دون تكبيد المزارع عناء كلفة الحراثة والتسميد بالأجرة… نزع الأعشاب يدويًّا لا كيميائيًّا وتقديمها علفًا للمواشي؛ لأنّه في أيامنا هذه، يلجأ المزارعون الحديثون إلى الأساليب السريعة ولا يعرفون أضرارها عليهم وعلى المستهلكين والبيئة المحيطة مثل استعمال المُبيدات الكيميائية (مبيدات الأعشاب والآفات الزراعية).
    • تحويل الأرض الزّراعية الموروثة من الأسلاف إلى سلعة للاتجار بها واستعمالها كأراض للبناء وأعمال أخرى غير زراعية.
  • استعمال الأسمدة الكيميائية عوضًا عن الأسمدة الحيوانية: ما أدى إلى فقدان الأرض لخواصها الطبيعية أي إفقارها للمواد الغذائية وموت الكائنات الحيّة الدقيقة وعدم تكاثرها التي بدورها كانت تفكك وتحلِّل وتحوِّل المواد الغذائية لامتصاصها من قِبَل النبات، كما أنَّ الاستعمال المُفرط للأسمدة الكيميائية أدّى إلى ارتفاع نسبة ترسّب الأملاح في الأرض وبالتالي أدّى إلى عدم نمو النباتات بشكل طبيعي. كما أنَّ استعمال المبيدات الكيميائية ساهم في انعدام التوازن الطبيعي والبيئي والحياة البرّية. مثلًا عندما يكافح المزارع الأمراض والحشرات والعناكب المُضرّة بالمبيدات الكيميائية فإنّه يتسبب في قتل جميع الكائنات الحية المفيدة (الأعداء الطبيعيّة) التي هي من أهم الوسائل لمكافحة الآفات الاقتصادية في آن معًا إضافة إلى ترسُّب المادة الفعَّالة للمبيد في الثِّمار والخضار وبالتالي ترسُّبُها في جسم الإنسان.
  • تراجعت الخبرة الزّراعية الموروثة لدى المزارعين: لأنّ العديد منهم لم يَعُد مزارعًا مُتَفرِّغا بل بات له نشاطات أُخرى في الوظائف العامَّة والخاصة أو في التجارة أو الخدمات أو الصناعات الصَّغيرة ومنهم من لم يجد وظيفة تؤمِّن له العيش اللائق فيلجأ إلى الهجرة. هذا الواقع نجم عنه إهمال الأراضي الزراعية وعدم التَّعامل معها باستمراريّة وانتظام. هذا التّعامل المُتَقطِّع أدَّى إلى تراجع نوعيّة الأراضي ونمو الأعشاب الضارّة والأشواك والأشجار والشُّجيرات في العديد من الجبال والأودية التي كانت من قَبل واحات للإنتاج والمحاصيل الوفيرة. وفي هذا السياق، غطّت النباتات البرِّيَّة نسبة كبيرة من “طُرُق الرِّجل” أو الطُّرق البرّية التي كان الفلَّاحون يستخدمونها بصورة طبيعيَّة ودائمة للوصول إلى أرزاقهم وبات من الصَّعب تبيان الممرَّات السابقة بسبب عدم سلوكها وصيانتها.
  • غياب كبير لليد العاملة المُتَمرِّسة وغير المتمرّسة في الزراعة أدّى إلى إحجام عدد كبير من المزارعين عن زراعة أراضيهم ممَّا أدَّى لاحقًا إلى بيع الأراضي بأسعار زهيدة.
  • غياب عامل مهم هو “العامل العاطفي” والعلاقة الحميمة بين المزارع والأرض وهو عامل مُتَّفق عليه علميًّا وبالخبرة. فالنبات يزدهر بسبب المعاملة الجيِّدة والاحتكاك مع أصحابه كما لو أنَّ لديه شعور. فضلًا عن ذلك، إنَّ هناك مفهوم “البَرَكة” بمعنى أنَّ الطبيعة تعطي بسخاء لمن يحبّها ويتعامل معها بصدق واحترام. كثيرٌ من الأرزاق (أراض) تكون ذليلة وضعيفة ولكن ما أن يبدأ المالك بزيارتها والاهتمام بها حتَّى تخضرّ وتنشط وتبدأ بالنّمو بصورة غير مسبوقة. من هنا أتى التعبير “الرزق بيضحك لصاحبه” وهو تعبير تناقله المسنُّون والأسلاف ويعتقدونه صحيحًا وإن لم يكن لديهم وسائل لإثباته علميًا. مع غياب هذا العامل العاطفي، لم يعُد عندنا مفهوم “الفلّاح المَكفي سلطان مَخفي” الذي يعمل بإخلاص للأرض ويحبُّ الزراعة ويسعى لتعلُّم فنونها.
  • تراجُع فنِّ الخبرات في الزراعة يُظهر في العديد من الأعمال الزراعية العشوائية مثلا التباين في أساليب التقليم من شخص إلى آخر وغياب الأعمال الضرورية كأُسُس التسميد والري والمكافحة.
أمّا الأعمال المتوجِّب اتّباعها قبل وبعد الزّرع فهي:
أعمال قبل الزَّرع
  1. تهيئة الأرض: بعد اختيار الموقع والنّبات المَنْوي زرعه، من المفضَّل استصلاح الأرض وتصطيبها إن كانت مُنحدرة آخذين بالاعتبار خصائص المجموعة الجذريّة للأصول المُطعَّم عليها من حيث حجم المجموعة الجذريَّة في المستقبل. لهذا الغرض، تُنَقَّب الأرض على عمق (حوالي 90 سم) ثم تُحْرَث حراثة عميقة (حوالي 40 سم) ويُسَوَّى سطح التربة بواسطة الفرَّامة.
  2. تخطيط الأرض:: بعد تحضير الأرض، يتمُّ تخطيطها لتحديد مكان الأغراس. فإنَّ طُرُق الغرس كثيرة ومتنوِّعة من شكل مربع ومثلّث ومستطيل وغيرها لكن نعتمد أفضلها شكل (المثلث) من حيث زراعة أكبر عدد ممكن من النّصوب في أقل مساحة، مثَلًا تزرع أصناف التفاح الحديث المطعمة على أصول جذرية والسريعة الإنتاج (غيل غالا – غراني سمث – سكارلت سبور – غولدن جبسون…) على خطوط مستقيمة يكون بين النبتة والأخرى من ثلاثة إلى ثلاثة ونصف المتر أمّا بين الخطّ والخط فتكون المسافة بين ثلاثة ونصف والأربعة أمتار لتسهيل تنفيذ عمليات الخدمة المختلفة من تقليم وحراثة ومرور آلاتها والري والقطاف.
  3. حفرالجُور: بعد تحديد أماكن النصوب، تُحفَر الجوَر ويوضع في قاعها السَّماد العضوي ويُخلط مع التراب وأخيرًا تُغْرَس الشتول على أن يُراعى المطعوم، أي منطقة التحام الطُّعم بالأصل على مستوى سطح التربة. كل هذه الإجراءات التي تكلَّمنا عنها تهدف إلى تأمين الوسط الجيد والملائم لنمو المجموع الجذري خاصة في السنتين الأولى والثانية، لأنَّ هذا سينعكس إيجابًا على النُّمو الخُضَري والإثمار في المستقبل. ويجب إتمام هذه الأعمال بدءًا من مُنتصف فصل الصيف حتى وقت غرس الشتول بعد تساقط أوراقها في نهاية فصل الخريف.
أعمال بعد الزَّرع
  1. تقليم الأشجار: للتقليم أهمية بارزة في زيادة إنتاجية الأشجار المثمرة لأنَّ أساليب التقليم العديدة وغير المدروسة تؤدي إلى خفض إنتاجها وعدم التوازن بين الأغصان والثمار والأوراق، مثلا يجب التركيز في السنوات الأربعة الأولى على تقليم تكويني للأشجار فنأخذ بالاعتبار التوازن بين الأغصان وعدم إعاقة الحراثة والقطاف ودخول الضوء إلى الشجرة. ثم نتابع التقليم التكويني بالإضافة إلى تقليم تنظيم الأثمار وتوزيعها بانتظام على كافّة الفروع والأغصان أي نُركِّز على توازن الثمار التقريبي بين الأغصان المتقابلة وقدرتها على الحمل، مثلًا تحتاج كل ثمرة تفّاح حوالي 35 ورقة لتغذيتها وكلَّما كان التقليم صحيحًا ومدروسًا أدّى إلى زيادة عمر وحجم الشجرة الاقتصادي وبالتالي زيادة إنتاجها عبر تكوين تاج الشجرة حيث نَقُصُّ الغرسة على ارتفاع مُنخفض حوالي 60سم لعدم تعريضه للحروق الشمسية والصقيع. لذلك يفضل ألّا يكون مرتفعًا وبنفس الوقت يجب أن يسمح بمرور الآلات لتنفيذ عمليات الخدمة المختلفة. في العام الثاني، تُقَلَّم النُّصوب على شكل كأسي ويُنتَخَب أفضل ثلاث فروع وتُقَصَّر على أن يُزال ثلثي الفرع والثلث المتبقِّي يعطينا شكل الشجرة وفي الشتاء الثالث نُقَصِّر الفروع الأساسية ونزيل الفروع المُتَزاحمة والمكسورة والمصابة بالأمراض مع مراعاة البراعم الثمريَّة. أمَّا في الشتاء الرابع، نبدأ بالتقليم التكويني وتنظيم الإثمار معًا وفي السنوات المتبقيّة من العمر الاقتصادي للشَّجرة يُعتمد تقليم تنظيم الإثمار مع مراعاة هيكل الشجرة الجمالي والإنتاجي.
  2. حراثة الأرض: تُحرَث الأرض حراثة سطحية لقتل الأعشاب الضارة والحشرات التي تمضي فصل الشتاء في المنطقة السطحية للتربة.
  3. الري:تحضير الأرض للرّي وإمداد شبكة الرَّي.
  4. التسميد: الحيواني والنباتي المُخمَّر والكيميائي حسب الحاجة.
  5. المكافحة: مُكافحة الآفات الضارّة بالمزروعات في حال تعدَّت عتبة الضَّرر الاقتصادي، عضويًّا وبيولوجيًّا وميكانيكيًّا وإذا لزم الأمر كيميائيًّا “آخر العلاج الكي”.
  6. القِطاف: تُقطف الثّمار في بداية مرحلة النُّضج.
تكامُل عوامل الإنتاج الزِّراع

الخبرة الزراعيّة الموروثة والعلميّة الحديثة، والمكننة الزراعية، ودراسة العوامل المُناخيَّة، والأرض المَنوي زراعتها، وتوفُّر المياه للري، والأصناف المرغوبة في الأسواق، وأخيرًا سوف نتحدَّث عن الثروة الحيوانية، التي كانت عاملًا مهمًّا في الدورة الزراعية سواء في الحرث أو في استخدام سمادها في تسميد التربة أم في تدعيم المحصول الزِّراعي بمُنتَجات الحيوانات اللَّبونة مثل الماعز والغنم والبقر. وكان توافر الثروة الحيوانية يوفِّر المصدر الأهم للتسميد العضوي وهو التسميد الذي يُخْصب التّربة فعلًا ويساهم في الزيادة والنمو المستمر للإنتاجية ولصحّة الأرض والطبيعة.

انحسار الثروة الحيوانية أفسح في المجال لغزو الأسمدة الكيميائية التي تُستخدم في غالب الأحيان بإسراف خاطئ ظَنًّا من المزارع بأنّ الزيادة في التسميد يؤدي إلى زيادة في المحصول. وعلى سبيل المثال، فإنّ 25 غرام من السماد الكيميائي 20/20/20 بالإضافة إلى العناصر الصُّغرى هي النسبة المطلوبة في الشهر لأيّة شتلة خضار كبيرة، لكن بعض المزارعين يبدو عليهم الاستغراب وعدم التصديق عندما يقال لهم عن النِّسَب العلمية، لأنَّ العادة عندهم هي استخدام أضعاف هذه الكمية للشتلة الواحدة ظَنًّا منهم أن الزيادة في التسميد تزيد من الإنتاج.

الإدارة المُتكاملة للأرض

قبل استثمار الأرض والبدء بالزرع يجب دراسة المتطلَّبات البيئية للنبات بعدة نقاط أهمُّها:

الموقع: لأنَّ موقع الأرض مُهمٌّ جدًّا لاختيار النباتات المُراد زرعها أوغرسها في الأرض، فالأراضي المُنحدرة تحتاج إلى تصطيب وإنشاء جدران وشق طريق لتسهيل الأعمال الزراعية وتأمين مياه الرَّي من الينابيع أو إنشاء برك أو بحيرات اصطناعية لتجميع مياه الأمطار.

المُناخ: يجب أن تكون الأشجار المَنوي غرسها مدروسة وقد أُجريَ عليها عدّة أبحاث وتجارب وتكون مُجْدية اقتصاديًّا حسب ارتفاع الأرض عن سطح البحر، أي تعطي إنتاجًا وفيرًا في موسمها ولا تكبِّد المزارع خسائر ماديّة من جرَّاء إصابة الأشجار بالآفات الزراعية وعناء الوصول إليها ونقل الإنتاج منها وتوصيل حاجاتها مثل السماد… وحاجتها للري الدائم خاصة عند عدم توفر المياه بداخلها وغيرها.

صلاحية الأرض للزرع: يجب فحص التّربة مخبريًّا لتحديد نوعيتها وخصوبتها وماهية أصناف الأشجار التي تتلاءم معها. فأشجار الزيتون مثلا تفضِّل الأراضي المائلة إلى الكلسية والخفيفة وغير المتماسكة.

عمق التربة: بعد فحص عمق التربة يمكن تحديد نوع الأشجار التي تعيش فيها، فأشجار الكرز مثلا تحتاج إلى تربة يزيد عمقها عن المترين لأنَّ جذورها الوتدية كبيرة وتنمو عاموديًا، أمّا أشجار الزيتون والصنوبر فتنمو جذورها أفقيا. كما توجد أشجار تنمو جذورها الأفقيّة والعاموديّة معًا مثل التّفاح والدرّاق والإجّاص…

الدورة الزراعيّة: من المفضّل اتّباع دورة زراعية كأساس عملي لزيادة الإنتاج الزراعي والمردود الاقتصادي في المحاصيل الحقليّة الموسميّة لأنّ نبتة الفصيلة الواحدة تحتاج إلى العناصر الغذائية نفسها وتعتريها الأمراض نفسها والحشرات الزراعية بنسب مختلفة. إذ تُقسم الأرض إلى أربعة أقسام على الأقل، مثلًا: القسم الأوّل يُزرع بالنباتات التي تتبع الفصيلة الباذنجانية والثاني يزرع بالفصيلة القرعية والثالث يزرع بالفصيلة البقولية والرابع يزرع بالفصيلة الصليبيّة. وفي الموسم القادم تزرع الفصيلة البقولية في القسم الأوَّل من الأرض والفصيلة الصليبية تزرع في القسم الثاني والفصيلة الباذنجانية تزرع في القسم الثالث والفصيلة القرعية تزرع في القسم الرابع. أي يجب أن لا تزرع إحدى هذه الفصائل في القسم نفسه لعامين أو ثلاثة متتاليين.

تُصنَّف نباتات هذه المحاصيل تحت مجموعات أو فصائل نذكر أهمَّها الفصيلة الباذنجانية (البندورة، الفليفلة، الباذنجان، البطاطا)، الفصيلة القرنيّة أو البقولية (اللوبياء، الفاصولياء، الحِمَّص، الفول، البازيلاء، العدس،…)، الفصيلة القرعية (الخيار، القثّاء (المقثي)، القرع، الكوسا، اليقطين، البطيخ الأحمر والأصفر، …)، الفصيلة الشفويّة (النعناع، الزعتر)، الفصيلة الزيزفونية (الملوخية)، الفصيلة المركبّة (الخس، الهندباء، الأرضي شوكي،…)، الفصيلة الخِيَميّة (الجزر، البقدونس، الكرفس، الشّمرة،…)، الفصيلة الصليبية (الملفوف، القرنبيط، الكرنب، اللّفت، البروكلي،…)، الفصيلة النجيليّة (الذرة، القمح، الشعير، الشوفان…)، الفصيلة النرجسية (البصل، الثوم، الكرّاث،…).

التسميد: أدّى زيادة التسميد الى تراجع مناعة الأنواع النباتية وقدرتها على مقاومة الآفات الزراعية لأنّ بُنية الشجرة أصيبت بالوهن. فما أن تبدأ الآفات بالتكاثر حتى يأتي دور المُبيدات الكيميائية واستخدامها كوسيلة يعتقد المزارع أنها الوحيدة التي يمكن أن تنقذ محصوله من التَّلف. إنَّ الجهل المُطبق في أساليب التسميد والمبيدات الكيميائية أدى إلى الإفراط في استخدامها وفي حالات كثيرة وفي الوقت الخاطئ أو الاستعمال المتكرّر دون أن يكون ذلك مطلوبًا. مثلًا، استخدام مبيدات قبل الإزهار (على الطربوش الأحمر) وبعد العَقد مباشرة ثم رشّها كل خمسة عشر يومًا. هذا الاستخدام يؤدي الى إعاقة عملية التمثيل الكلوروفيلي على النبات وترسُّب كميّة لا بأس بها من المادة الفعالة المضرّة في الثمار وتأخير في النضج والعجز في تحويل تركيبة الثمار إلى مادة سكّرية وعدم إعطاء اللّون الطبيعي للثمار.

غياب تقنيات التأصيل في النّصوب: لا توجد قاعدة بيانات عن الأنواع الأكثر انتشارًا للأشجار المثمرة وكيفية تأصيلها عبر استخدام أنواع معينة من الكتل الجذرية أو بعض أنواع البذور التي لها الدور الأساس في التأقلم مع جميع الأتربة وقدرتها على تحمُّل الجفاف والعوامل الطبيعية المتقلبة من درجات حرارة مرتفعة أو منخفضة وصقيع ومقاومتها للآفات الزراعية… إلخ وتمتاز أيضا بقدرتها على إنتاجية وفيرة وعالية الجَودة. هذه الكتل الجذرية والبذور يتم تطعيمها بالأصناف الجديدة والمرغوبة تجاريًّا والتي تعطي مردودًا اقتصاديًّا وفيرًا كما أنَّها تصلح للتصدير والتصنيع الغذائي. إنَّ تلك الأصول والأصناف المطعَّمة عليها باتت عِلمًا أساسيًّا خاصة في الدول المتقدمة في حقل الإنتاج الزراعي.

إنَّ استخدام تقنيَّات التأصيل يمكن أن تسمح للمزارعين بالاستبدال التدريجي للأشجار التقليديّة وغير المجدية اقتصاديًّا المزروعة للبساتين.

مُقابلة مع السَّيِّدة غادة الجُردي

السيّدة غادة:

لطالما عكفت جمعيتُنا (جمعية صبايا وشباب دروز) على لَمِّ شمل الأبناء والعائلات من طائفتنا (طائفة الموحدين الدروز) وعلى الاستمرار في تقديم كلّ جديد يقرّب المسافات بين العائلات الدرزية التوحيدية ويؤطّر أواصر التّعاون والانسجام المشترك فيما بينها.

أسردي لنا نبذة تاريخية مُقتضبة عن المراحل الأولى لتأسيس الجمعية؟

بالحقيقة إنَّ هذا النوع من الجمعيات موجود منذ زمن طويل خارج لبنان وبكل أنحاء العالم، بكندا وأستراليا وأميركا، وفنزويلّا وحيث كنت مهاجرة وعائلتي كنّا نأخذ أولادنا مذ كانوا أطفالاً ليشاركوا التجمُّعات الدرزية وقد أحبوا كثيراً هذه التجمعات بشدة وكانوا ينتظرونها في كل عام ليلتقوا بأصحابهم الدروز ويتواصلوا معهم من جديد وعندما عدنا إلى الوطن بعد غربة طويلة في بلاد المهجر رغبنا في الاستمرار على هذا النهج من التواصل الاجتماعي الفاعل.

وبدايةً قمنا بتجمّع عفوي يجمع الكثير من العائلات الدرزية في حفل كبير أقمناه في أوتيل الفينيسيا سنة 2016 بهدف تعريف شريحة الجيل الشاب من المجتمع المقيم في لبنان وعائلاتهم على بعضهم البعض ولما كان لقاؤنا الأوَّل لقاءً ناجحًا وبامتياز، فهذا شجعنا لنتوسع بالفكرة أكثر ونعقد لقاءات أكبر يتلاقى بها أبناء الطائفة المحلّييِّن مع المغتربين من كل أنحاء العالم ليتعرفوا بهم أيضاً ونجحت الفكرة والحمدالله، ومن ثم عقدنا مؤتمرنا الأوَّل بمنتجع الغولدين ليلي عالية ب 2017 جمعنا به الكثير من العائلات وأيضاً كان مؤتمراً ناجحاً جدّاً وتبعه سنة 2018 مؤتمرنا الثاني بأوتيل بايلاند براس المتن حيث زاد عدد المشاركين أكثر، ونحن اليوم فخورون بنجاحنا هذا حيث لاقى استحساناً كبيراً من قبل المقبلين عليه والذين يقومون بدورهم بتعريف أصدقائهم إليه ودعوة أقربائهم إلى حفلاتنا هذه، وتجميع الناس من كل أنحاء العالم.

من هم أعضاء الجمعية؟

تتألّف الجمعية من أربع سيدات وهن: السيدة غادة حسن الجردي رئيسة الجمعية، ونائبة الرئيس السيدة سهاد عساف وأمينة السر الشيخة غادة عقل الرّيِّس وأمينة الصندوق السيّدة نجاة وهبي السّوقي والدكتور فادي الجردي، وقد حصلت على ترخيص من وزارة الداخلية برقم مالي 112 تحت علم وخبر بتاريخ 27/5/ 2019 .

ما سبب تأسيسها ومن صاحب فكرة تأسيسها لأوّل مرّة؟

أنا وأعضاء الجمعية أصدقاء منذ زمن طويل وكنّا في بلاد المهجر سويّاً، ولقد تولدت لدينا رغبة مشتركة انطلاقاً من مشاعر عاطفية اجتماعية ومشاعر غيرية دينية مُلِّحة في تنظيم اجتماعات تجمع أبناء طائفتنا الكريمة إثر ما لاحظناهُ من بعض الاختراقات الاجتماعية أو الدينية من بعض الشباب والصبايا الدروز، وخاصّة الزواج من أجنبيات أو حتى بعض من ارتكب أي خطأ ديني أو اجتماعي أو عقائدي أو مسلكي لعدم معرفته بعاداتنا وتقاليدنا ولذلك جعلنا صُلب هدفنا العودة بهم إلى مكانهم الأساسي بالطائفة، ليمشوا على مسلك التوحيد وليتمسّكوا بالعروة الوثقى، حتى يشعروا بالأمان ضمن وسطهم الاجتماعي والديني، وبالتالي نعطيهم فرصاً جديدة ليتعرّفوا على بعضهم بعضاً ويتعاونوا ويتعاضدوا في مساعدة بعضهم في الكثير من المجالات الحياتية ومنها مجالات الأعمال والوظائف.

ما هي أهم أعمالكم ونشاطاتكم التي تحقق أهدافكم بالنسبة لجيل الشباب والشابات؟

بما أنّ هدفنا الأوّل والأخير هو جمع شمل شبابنا وشاباتنا تحت شعار المسلك التوحيدي والتربية التوحيدية من حيث العادات والتقاليد الاجتماعية فلذلك كان ومازال من أهم أعمالنا تنظيم محاضرات وعقد اجتماعات وحوارات تعرّفهم بمذهبهم وتجاوب على أسئلتهم واستفساراتهم حول الكثير من النقاط المبهمة لديهم حول تاريخهم العريق بالإضافة الى نشاطات ترفيهية وفنية ورحلات سياحية يتعرفون من خلالها على أصدقائهم وربما أقربائهم من كل أنحاء العالم.

ومن جهة أُخرى نقوم بالتعاون مع الكثير من الجمعيات والمؤسسات الاقتصادية والفعاليات التجارية الهامة في الكثير من البلدان لإيجاد فرص عمل للشباب والشابات الدروز لتأمين مستقبلهم وخاصة المتواجدين في لبنان وباقي الدول العربية

نقوم بتشجيع جميع الشباب والشابات بالإضاءة على ثقافاتهم وإنجازاتهم العلمية أو المهنية ونحن فخورون جدًّا بما حققه الكثير منهم داخل لبنان أو خارجها، وكل سنة نقوم بتكريم شخص مميَّز قدم إنجازاً مميّزاً بعملهِ وعلمهِ وفي العام الفائت كرَّمنا الدكتور خضر الحلبي وقدمنا له درع الجمعية بكل فخر واعتزاز وهو الذي اخترع آلة لعلاج مرض السكري وهي عبارة عن ساعة تُلبَس باليد، وهذا العام كرمنا الآنسة سارة البستاني لاعتلائها لأعلى منصب تنفيذي يُمنح لطالب جامعي في الجامعة الأميركية اللبنانية في بيروت حيث مُنحت منصب أمين عام في هيئة الأمم المتحدة.

ما هي العوائق أو المشكلات التي تواجهكم على الصعيد الاجتماعي أو مع جهات حكومية أو جهات مسؤولة أخرى؟

الحمد لله لم نواجه أيّة صعوبات أو مشاكل، وعلى العكس تماماً كان في انفتاح كلّي من كل الجهات التي تواصلنا معها، وخلت من كل أنواع العوائق.

العدد 30