بسم الله الرحمن الرحيم
تيمُّنًا بالذِّكر المبارَك ما جاء في الكتاب المُحكَم: وَٱلضُّحَىٰ(1) وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ(2)مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ(3)وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ(4)وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ(5)صدق الله العظيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين على عظمته نتوكّلُ وبجلالته نستعينُ، ونصلّي ونسلِّم على أشرف خلقه أجمعين.
من نِعَم مولانا العليّ القدير أنْ حملت «الضّحى» المجلَّه الفصليّة مُحْتَوًى يُقْرَأُ من عُنوانه. فمُنذ عشرات العقود وهي ولّادة، يتنفّس من خلالها التاريخ، ومَنْ يمتلكُها في حَوْزَته مُنْذُ صدور عددها الأوّل يدرك حقيقة وجدانيّة أهميّة الدّور الذي أدّته في بيئة الموحدين الدّروز مُنذُ تأسيسها بشكل خاص، وعلى الصّعيد الوطني بشكلٍ عام، وقد انعكس مردودُها الفكري على جميع شؤون حياة النّاس في شتّى المجالات الدينيّة والوطنيّة والإجتماعيّة والإنسانيّة والعلميّة والفكريّة، حيث تتبلوَرُ على صفحاتها ثقافات الشعوب وعلومهم وحضاراتهم، وهي بحدّ ذاتها مشروعٌ حيويٌّ مشكِّلٌ لأنماطٍ واعيةٍ تُعبِّر عن مسيرة المُجتمعات من خلال مكوِّناتها التي تبلورت فيها صفاتُها وخصائصُها المتشكِّلةُ عبرَ الزَّمن والتي بدورها تُسْهمُ في بروز شخصيتها الإعتبارية، وتحدّد هُوِّيَّتَها وتستعرضُ حياتَها اليوميّة وحاجاتِها وتصبغها بطابَعِها حسب عوامل تكوينها، وأصول مقوّماتها المستقبلية التي تُعرَفُ بها كوجود يساهم في بناء حضارة مدنيّة قائمة على الأفضليّة في التَّميُّز البشريّ، حيث تقوم الحضارة على المعادلة الأخلاقيّة في تكوين المجتمعات واستقرارها وضمان استمرارها لتأخذَ مكانَها بين الأُمم والشُّعوب. وهنا يتوقَّف تحديد الشخصيَّة وبروزها حسب المُعطَيات التي تملكُها وتقدّمها للحياة.
ونحن اليوم كطائفة مُوَحِّدة تحكُمنا الإنتماءات للمكوّنات التي فرضتها الأحداث الدَّوْليّة على الأمّة وطالتنا أسبابُها ودوافعُها ونتائجُها، فغَدَوْنا تحت هُوِّيَّات لا تسمحُ لنا الخوض في مجالاتها حسب الخصائص المُلزمة بأدبيّات النُّظُم والإستقلال والقوانين التي تدعونا إلى احترامها والتقيُّد بها وبأنماطها المحكومة بالظروف لكلِّ مُكَوَّنٍ نحن فيه، والذي بدوره لم يقدِّم الوسيلة التي تحترم تلك الخصائص حيث ننظر إلى خصائصها نِظْرَةً واقعيّة وموضوعية لأنّها حالة بنائية ضرورية تلتقي فيها تلك الخصائص كلوحة فسيفسائية تحقّق جمال المجتمع بألوانه المنسجمة بترابط وطني يقوم على العدل، والإحترام المُتَبادَل وبها تتكامل الشخصيّة الوطنية ضمن كلِّ مكوَّنٍ حيث يتمُّ التعاون البنائي لكلّ فئات الشعب وشرائحه وتعدّدِيّاته. من هنا جاءت «الضّحى» منطلقةً من الفكرة التوحيدية على وجه الخصوص والعموم بالتَّنسيق بين المحتوى الذي يقوم على الرابط الوثيق في تأدية المطلوب بوضع المسألة الوطنية والإنسانية في محتواها، وجعلها قضية أساسية، وهذا ما حصل.
وبكلّ تأكيد وحسب متابعتنا لمحتويات «الضّحى» المتنوعة وإخراجها المُمَيَّز ومستواها الرفيع وليس على الصعيد اللّبناني فحسب، بل انطلقت لِتَعْبُرَ الحدود عربيًّا وإسلاميًّا ومسيحيًّا وإنسانيًّا، والدليل على ذلك تلك العناوين المتنوّعة والثَّرِيَّة في طرح خصائص أهلِها وتعميم دورهم الحضاري والفكري والدُّخول إلى التاريخ من أوسع أبوابه.
وبِدَوْرِنا وبشكلٍ خاص ومن خلال موقعنا في مشيخة عقل الطائفة الدرزيّة في الجمهوريّة العربية السورية نَرى أنّ كلَّ إنجازٍ حضاريّ يخدم مؤسّساتنا في أيّ بلد شقيق هو انجازٌ لنا جميعًا.
إنّنا وبكلِّ تقدير، نَغْبط أهلنا وإخوتنا في لبنان ونخصّ القائمين والمشرفين على مجلَّة «الضّحى» ونقدِّر جهودهم قائلين لهم إنّ الاهتمامَ المعرفي والإعلامي يستحقُّ كامل الاحترام لأنَّنا أحوج ما نكون إليه في مواجهة صعوبة زماننا وإخراجنا من ضيق الأزمات الفكريّة والمضلَّلة، وتلاقُح التقليد الأعمى، والإستهداف الذي يتناولنا أينما ثُقِفْنا على امتداد تواجدنا.
فالواجب علينا أن نقدّر العواقب بالوقوف على الحقائق المصيريّة المبنيّة على تغليب العقل والحكمة في مواجهة الأعداء التي تعترضنا لأنّنا أدرى بشعابنا، وأعرف بأوضاعنا، وما يدور على الساحة يدعونا إلى ضبط النفس والعمل الدؤوب على وحدة الكلمة والمحبّة واتّقاء الفورة وقمع الفتنة، واتِّخاذ الحيطة والحذر.
ونُهيب بكلّ وسَط إعلامي أن يتواصل مع الأكفاء من قادتنا وشيوخنا وأهل الفضل والعِلم ليقوم كلٌّ من جانبه بمواجهة ما يعترضنا من تطوُّرات ومفاجآت.
ولنعلم جميعًا أنَّ من خصائصنا إملاءات حدّدها المولى تعالى مُنْذُ النُّشوء والتكوين، وقدّمها لنا على كفّة الوعي بمعادلة الحقائق المبنيّة على الصّدق والمعرفة في مطابقةٍ بين آداب الحياة والمسالك الروحانيّة وبها تستقيم لنا الحياةُ الصّالحة.
هذا ما نـأملُه من مجلَّة «الضّحى» ومن كلِّ وسط إعلاميٍّ أن تبقى كما عوَّدتنا دائمًا، فهي إصدارٌ قيّمٌ، وكتابٌ دَوْرِيٌّ مفتوحٌ أثرى المكتبة التوحيديّة، وتُحْفَةٌ تاريخيَّةٌ ذاتُ هدفٍ نبيلٍ، وهي اسمٌ على مُسَمًّى؛ ذهبيةُ المُحتَوى غنيَّةُ المضمون.
شكرًا للقائمين عليها.
واللهُ وليُّ التَّوفيق.