الجمعة, أيار 3, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, أيار 3, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

حوار مع رئيسة بلدية كفرنبرخ

جانب من قرية كفرنبرخ

المرأة التي قَبِلتِ التّحدّي

وســــــــــامُ الغضبــــان أولُ رئيســــــة لبلــــــديّة كفَرْنَبْــــــــرَخ:
واثقــــــةٌ منفتحــــــةٌ ومشاريعــــــــها كثيــــــرةٌ للمستقبــــل

انتخابي أحدث صدمة إيجابيّة لأنّه أظهر أنّ المرأة إنسان مفكّر ومنضبط وقادر على العمل الشاقّ من دون حسابات أو مطامعلست من روّاد الصبحيّات النّسويّة والجلسات التي لافائدة منها
ويومي يبدأ في الخامسة صباحاً وينتهي بعد منتصف اللّيل

أتعجّب من بعض رؤساء البلديّات الذين لا يحضرون الى مكاتبهم
سوى مرة واحدة في الأسبوع أو لترؤس إجتماعات المجلس البلديّ

يكتسب الحوار مع رئيسة بلديّة كفرنبرخ السيّدة وسام الشّامي نصر الغضبان أهميّة خاصّة، لأنّ نجاحها وفوز لائحتها في الانتخابات البلديّة الأخيرة، شكّلا منعطفاً مهمّاً في حياة بلدتها كفرنبرخ بل في العمل البلدي لأنها من بين النساء القلائل اللواتي حظين بثقة مجتمع اعتاد على انتخاب الرجال لهذا المنصب العام، لكن السيدة الغضبان لم تصعد إلى رئاسة البلدية إلا بعد أن تحقق مجتمع كفرنبرخ من كفاءتها وتفانيها في العمل الاجتماعي عبر رئاستها لأكثر من 20 عاماً لجمعية سيدات كفرنبرخ، وهي تجربة صقلت شخصيّة السيدة الغضبان وعمّقت خبراتها في العمل العام بحيث أن انتقاءها إلى قيادة العمل البلدي يتم من دون صعوبات أو تهيب للمسؤولية.
“الضّحى” التقت السيّدة وسام الغضبان في حوار تناول تجربتها في العمل النّسائي والاجتماعيّ ودلالات اختيارها لرئاسة المجلس البلدي ثم خطّة عمل المجلس البلديّ الجديد الذي ترأسه والمهمّات العديدة التي تتصدّر جدول أوّلويّاته ، فكان الحوار التّالي:

> على سبيل تقديم نفسك إلى القرّاء نسألكن أوّلاً: ما هي العوامل التي ساعدت على إنتخابكن رئيسة للبلديّة؟
اِسمي وسام الشّامي نصر الغضبان زوجي المرحوم زياد الغضبان وأنا أمّ لثلاثة شبان. تمرّست بالعمل الاجتماعي منذ فترة طويلة، وأشغل منصب رئيسة هيئة سيّدات كفرنبرخ منذ عقدين من الزّمن، وما زلت في هذا الموقع إلى جانب مسؤوليّتي الجديدة كرئيسة للبلديّة. لقد اخترت الترشّح لرئاسة البلديّة بعد أن سعيت مع سيّدات كفرنبرخ لتنفيذ الكثير من المشاريع التّنمويّة في البلدة لكنّنا لم نوفّق بسبب افتقادنا كجمعيّة للوسائل الضّرورية لتحويل الأفكار إلى إنجازات على الأرض، وقد تبيّن لي أنّ البلدية هي المؤسّسة المناسبة والقادرة على الإنجاز، لذلك قرّرنا السّعي لاختيار مجلس بلديّ نكون جزءاً منه وقد نجحنا بفضل ثقة المواطنين، وأسأل الله ان يوفّقني لتحقيق ما كنا نصبو إليه وما تحتاجه البلدة.

> كيف إستطعتن كهيئة سيّدات، العمل طوال هذه الفترة، وكيف تجاوزتن العقبات واستمرّيتن في العمل؟
صمدنا لأنّنا لم نتعاطَ السّياسة. فعملُنا كان ولم يزل اجتماعيّاً مَحضاً، وهذا هو سرّ نجاحنا. لم ندخل طرفاً مع أحد أو ضدّ أحد، وهذه كانت توجيهات وليد بك لنا منذ البداية، إضافة إلى تشجيعه لنا والعمل على موضوع إعادة اللّحمة مع الأخوة المسيحيّين بحيث نكون يداً واحدة تعمل لمصلحة البلدة، ومن سار على الدّرب الصّحيح وصل.

> كيف تصفن أهمّ ما أنجزتموه في هيئة سيّدات كفرنبرخ؟
أنجزنا الكثير وكنّا نعمل بجد وحماس من أجل الآخرين..وكنّا نساعد الجميع من دون استثناء، وتمكّنا بذلك من خلق جوّ من الألفة انسحب على كل أهلنا في كفرنبرخ، وتمكنّا من مساعدة الفقراء منهم، وقمنا بدفع فروقات تكلفة العلاج في المستشفيات، ودعمنا تكاليف نقل الطلّاب الى المدارس، وقدّمنا العديد من المنح المدرسيّة للطلّاب المحتاجين، وبلغت قيمة هذه المنح نسبة 50 في المئة من الأقساط المدرسيّة، كذلك خصّصنا مبلغاً لا بأس به من الأموال التي جمعناها لذوي الأمراض المستعصية وما أكثرها اليوم، وأنشأنا مستوصفاً فاعلاً، ويعدّ من أهم المستوصفات في المنطقة. وحاليّاً نحن بصدد تشييد مبنى له يكون على قدر آمال النّاس ويفي بالغرض المطلوب، وقد بلغت موازنة المستوصف في أيام الوزير وائل أبو فاعور 145 مليون ليرة لبنانية، ولمّا تسلمته كانت موازنته لا تتجاوز 35 مليون ليرة لبنانية.
> هل يمكن أن يتمّ تحويل المستوصف الى مركز رعاية اجتماعيّة؟
هذه الفكرة تراودنا منذ فترة طويلة، ونحن نعمل على تطوير المستوصف باستمرار بهدف تحويله إلى مركز دائم للرّعاية الاجتماعيّة، وذلك بعد إنجاز المبنى الجديد المخصّص له، وقد أنجزنا الطابق الأول بانتظار الانتهاء من بناء الطّوابق الأخرى. فهو يتألّف من ثلاثة طوابق لكي يلبّي حاجات النّاس بعد تحويله إلى مركز صحّي اجتماعيّ، مع حضانة للأطفال، وإنشاء مكتبة للمطالعة، وصالة كبرى للمناسبات تُستخدم للنّدوات، وعرض الأفلام القصيرة للأطفال، وعقد النّدوات التي تخصّ الشّباب، كما سنقوم بتأسيس مشغل لتأمين فرص عمل خصوصاً للصّبايا اللّواتي يرغبن العمل بحرفة أو عمل منتج.

> من هي الجهات الدّاعمة لكلّ هذه المشاريع؟
أطلقتُ على الجمعية تسمية ( جمعية الألف ) لأنّنا كنا نتقاضى ألف ليرة فقط بدل إشتراك، وبإعتباري عضواً في جمعيّة سيّدات لبنان، كانت توجّه إليّ الدّعوات للمشاركة و المساهمة بـمبالغ كانت تصل إلى 50 دولاراً ومئة دولار. فأخبرتهم بأننا في “جمعية الألف” لا يمكن أن نساهم بهكذا مبالغ. وبالفعل فإنّ كلّ ما قمنا به من مشاريع جمعناه بالألف والألفي ليرة. ولكي يستقيم العمل لا بدّ من التّواضع والرّضا بالقليل. مداخيلنا بالأساس من الاشتراكات، ومن بعض التّبرّعات والحوافز الأخرى. منها: إصدار روزنامة سنويّة، اعتماد التّامبولا في المناسبات وغيرها من الأمور التي لا ترهق المساهمين، وفي أيّ مشروع قمنا به وجدنا الجميع الى جانبنا. مثلاً قمت بمشروع تنمويّ مع وزارة الشّؤون الاجتماعيّة وهو عبارة عن تأمين شبكة خطوط لمولّدات الكهرباء بكلفة 13 مليون ليرة لبنانية وكان يتوجّب علينا المساهمة بمبلغ معيّن قدّمه لنا وليد بك وحصلنا بالمقابل من وزارة الشّؤون على مبلغ 75 مليون ليرة. بإختصار، فإنّ المواظبة على العمل أساس النّجاح وليس كميّة المال. بالطّبع الجميع في كفرنبرخ كانوا وما زالوا إلى جانبنا.

يوم-السيدة-وسام-الغضبان-يبدأ-بواجبات-المننزل-ويكتمل-بواجبات-العمل-العام
يوم-السيدة-وسام-الغضبان-يبدأ-بواجبات-المننزل-ويكتمل-بواجبات-العمل-العام

> برأيكن ما هي متطلّبات النّجاح؟
أولى متطلّبات النّجاح الصّدق والشّفافية في العمل، وثقة النّاس، والتطلّع إلى الأمام، وعدم الإكتراث بما يقال من هنا وهناك، وأنا لم أتذكّر على مدى 20 سنة بأنّني كنت قلقة على شيء أو متخوّفة من شيء. الحمد لله بأننّي أغفو كلّ ليلة مرتاحة البال والضّمير.

> كيف توازنّ بين عملكن في الحقل الاجتماعي وبين واجباتكن نحو أسرتكن؟
في البداية واجهت بعض الصّعوبات، أثّرت عليّ بشكل جدّي، خاصّة وأننّي ربّة منزل وأم لثلاثة أولاد، وكان زوجي رحمه الله يمتلك محطّة للمحروقات ومعظم عملنا كان ضمن البيت، وفي إحدى المرّات خيّرني زوجي بين الجمعيّة ووضعي كزوجة. فسألته هل أنا مقصّرة بشيء تجاهك وتجاه الأولاد فأجابني لا، عندها قلت له بكلّ صراحة لطالما أنّك تعترف بأنّني لست مقصّرة بشيء، فأنا مستمرّة بعملي في الجمعيّة طالما ليس هناك ما يجعلني أخجل منه. وقد انحاز أبناؤنا إلى جانبي لأنّني كنت محقّة بما أفعله، وانتهت المسألة عند هذه النّقطة. لقد علّمت أولادي في أفضل الجامعات ولم أقصّر في حقّهم بأيّ شيء. فأنا لست من روّاد الصبحيّات النّسويّة والجلسات التي لا فائدة منها. نهاري يبدأ في الخامسة صباحاً وينتهي بعد منتصف اللّيل بعد أن أكون قد أنجزت كلّ ما هو مطلوب مني، ولقد استمرّيت بتحمّل مسؤوليّات منزلي إلى جانب زوجي حتى وفاته قبل ثلاث سنوات ونصف، وها أنا اليوم أقوم بدور الأب والأمّ بالنّسبة لأولادي.

> برأيكن ما هي الأسباب التي أدّت الى إقفال مصنع تعليب الفاكهة، وما هو مصير المعدّات التي تمّ تجهيزه بها؟
السبب الأوّل للفشل كان سوء الإدارة، لقد كان مُفتَرضاً بهذا المعمل أن يؤمّن العيش الكريم لأكثر من 40 عائلة، ولكن قلّة الخبرة وسوء الإدارة وتعدّد الآراء، والاتكاليّة أوصلت إلى هذه النتيجة مع الأسف، ولا أذيع سرّاً إذا قلت لك إنّ وليد بك طلب منّي الإشراف عليه، لكنّني إعتذرت على اعتبار أنّه كان في عهدة الاتّحاد النّسائي التّقدّمي، وبالمقابل فإنّ النّظام الدّاخليّ لجمعيّتنا لا يسمح لنا بالعمل في مؤسّسات حزبيّة أو أن نتعاطى السّياسة.

> كيف انتقل طموحكن من رئاسة جمعيّة نسائيّة إلى رئاسة البلديّة؟
لم أكن أفكّر يوماً بالتّرشّح لرئاسة البلديّة، لكنّ زميلاتي في الجمعيّة رغبنّ في ذلك وعملنَ له بقوّة. وعندما وصلت الأمور إلى غربلة الأسماء والمرشّحين أصبح هناك إصرار ورغبة من جانب قسم من الأهالي بضرورة الترشّح وخوض الإنتخابات من الباب العريض. لقد قامت الجمعيّة باستمزاج رأي الأهالي والوقوف على رأيهم وهذا التّصرّف ساعد كثيراً على بلورة الفكرة. ونزولاً عند رغبة الأهالي وزميلاتي قرّرت الترشّح ووضعت حساب الرّبح والخسارة في كفّتين متعادلتين، وهكذا خضنا التّجربة وكان الفوز إلى جانبي بعد أن تخطّيت كلّ الحواجز .

> إلى من تعتبرن نفسكن مدينات بوصولكن إلى رئاسة البلدية؟
إلى كلّ من دعمني وآمن بأنّني قادرة على تحقيق ما لم يتمكّن من تحقيقه من سبقوني في هذا الموقع. فأنا صوت المرأة التي تعتبر نفسها مسحوقة أمام تعنّت الرّجل ورفضه لفكرة الشّراكة مع المرأة والاعتراف بقدراتها، وأنا مدينة لكلّ حرّ وشريف إقترع لي ولم يعبأ بالأخبار الكاذبة والإشاعات المغرضة. وبالنّتيجة، فإنّ الإنتخابات أصبحت وراءنا، وأنا اليوم رئيسة بلديّة لكلّ كفرنبرخ ولجميع أهلها الذين انتخبوني منهم والذين لم يصوتوا لي. وأنا أؤمن بالحوار وبإحترام الجميع، ما يهمّني هو إعلاء شأن هذه البلدة والحفاظ على التّعايش وتأمين الخدمة والرّفاهية لكلّ أبنائها من دون استثناء.

> هل وجودكن على رأس البلديّة وسّع لكنّ آفاق العمل أكثر من الجمعيّة؟
طبعاً العمل البلديّ يفتح آفاقاً أوسع في جميع المجالات. ولدينا مجموعة مشاريع حصلنا عليها عن طريق الهبات تتعلّق بالأقنية الزّراعيّة وهي بطول 7 كيلومترات من قبل برنامج الأمم المتّحدة للتّنمية UNDP وقد باشرنا بتنفيذه. وهناك مشروع هبة أخرى من وزارة الطّاقة والمياه، لتأمين مسارب لمياه الشّتاء، كما قدمنا غرفة خاصة لصالح شركة أوجيرو لتقوية الاتّصالات والإنترنت سيتمّ تدشينها قريباً، و قمنا بتوفير الدّعم اللّازم للفرقة الموسيقيّة من صبايا وشباب، بالإضافة إلى دعم النادي الرّياضي، و تأمين رخصة لنقل الصّخور والأتربة لصيانة الأراضي والطّرقات بموافقة من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، ونعمل على حفر بئر إرتوازيّة لزيادة مياه الشّفة. فالبلدة بحاجة ماسّة إليها، كما يجري العمل على تأمين الإنارة بواسطة الطّاقة الشمسيّة لكلّ بيت من بيوت كفرنبرخ، أيضاً نحن كمجلس بلديّ بصدد دراسة مشروع إنارة عامّة لشوارع البلدة بواسطة الطّاقة الشّمسية.

> ما هي خطّتكن لتحسين التّعايش المشترك في البلدة؟
لا أنكر عليك أنّ موضوع التّعايش مسألة مهمّة تتطلّب عناية كبيرة، فأنا والحمد لله كنت وما زلت محلّ ثقة أخواننا المسيحيّين. منذ تأسيس جمعيّة سيّدات كفرنبرخ تعاونت معنا مجموعة سيّدات مسيحيّات لأن ّ جمعيّتنا بعيدة عن السّياسة وعملنا مُنصَبٌّ لمصلحة بلدتنا بكلّ أطيافها ومن دون تفرقة، ولذلك، نجحنا وحضينا بثقة الجميع من دون استثناء، ولم ننقطع عن زيارة الأخوة المسيحيّين في كلّ مناسبة، حيث كنا نشاركهم أفراحهم وأعيادهم وفي جميع المناسبات. وأهمّ من كلّ ذلك أقنعناهم بالحضور إلى دار البلدة وإقامة المناسبات فيها.

> ما هو الأثر النفسيّ والاجتماعي لوجود امرأة على رأس المجلس البلديّ في كفرنبرخ؟
المجلس البلديّ لبلدة كفرنبرخ يضمّ أربع نساء ولست أنا العنصر النّسائيّ الوحيد. والسيّدات هنّ سناء يارد نائب الرّئيسة ونسرين رعد وريموندا يزبك أعضاء، طبعاً الصّبايا لم يفكرن يوماً بخوض هذه التّجربة، وبمجرّد أن أعلنت عن ترشيحي فإنهنّ اندفعن إلى ترشيح أنفسهنّ، ويشرّفني بأنّني كنت السّبب في ذلك، وآمل أن يزداد تمثيل العنصر النّسائيّ في المجالس البلديّة وبقيّة هيئات العمل الاجتماعيّ. ما عدا ذلك، فإنّ انتخابي أحدث صدمة إيجابيّة لأنّه أظهر للجميع رجالاً ونساءً أنّ المرأة قادرة على العطاء وهي إنسان مفكّر ومنضبط وقادر على العمل الشاقّ والمجهد، وهي تعطي من قلبها وليست لها حسابات ومطامع. وأنا على سبيل المثال أحضر بشكل يوميّ الى مكتبي لمتابعة قضايا النّاس، وعندما لا أكون موجودة في المكتب أكون في جولة على المشاريع قيد التّنفيذ والتي يجب أن تُنفّذ، ومع ذلك أشعر أحياناً بالتّقصير، وأتعجّب من بعض رؤساء البلديّات الذين لا يحضرون إلى مكاتبهم سوى مرّة واحدة في الأسبوع، أو أثناء انعقاد اجتماعات البلديّة.

> ما هي خطّتكن لمعالجة الإنهيارات التي حصلت في السّنة الماضية وباتت تهدّد البيوت السكنيّة؟
صدقني هذا الموضوع يأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمامي، هناك أكثر من 22 منزلأ مهدّدة بالسّقوط في أيّة لحظة بالإضافة إلى انقطاع الطّريق عن مجموعة من القرى المجاورة. الفوّارة- بريح – وادي الستّ – نبع الصّفا، وقرى الحرف البيرة – المعوش – مجدل المعوش، كفرنيس. وللأسف لم يهتمَّ مسؤول للأمر بإستثناء وليد بك الذي قدّم لكلّ عائلة تضرّرت من هذا الانهيار مبلغ عشرة ملايين ليرة لتدبّر أمورهم. مجلس الإنماء والإعمار تقدّم بمشروع بكلفة تصل إلى 32 مليون دولار أميركي، علماً أنّ الشّركات التي استعنت بها لدراسة كلفة هذا المشروع وعدت بإنجازه بمبلغ لا يتعدّى عشرة ملايين دولار أميركي. لذلك فإنّني أتمنّى الموافقة على هذه الدّراسة والمباشرة بالعمل في أسرع وقت.

> كيف تعالجن مشكلة الصّرف الصحّي آنياً في ظل عدم معالجة هذه المشكلة بشكل جذريّ؟
المعالجة تتم بتطبيق القانون، إذ لا يمكن إعطاء رخصة بناء لأحد دون التّوقيع على إنشاء ثلاث برك فنّية لتكرير الصّرف الصحّي وبعدها يجري شفط ما تبقى من مياه بواسطة صهاريج خاصّة. أمّا الهمّ الأكبر الذي بدأنا نواجهه فيتعلّق بموضوع النّفايات المكدّسة في خراج البلدة ممّا يسبّب ضرراً على المياه الجوفيّة. وكنّا قد اتّفقنا كمجموعة بلديّات العرقوب على إرسال النّفايات إلى معمليّ السويجاني وبعذران من أجل الفرز على أن نتكفّل بمكان لطمر العوادم . ولغاية الآن لم يتمّ الاتّفاق على المكان، والأمور أصبحت معقّدة، والبلديّة بصدد دراسة مشروع حلٍّ متكامل بطلب من وليد بك على أمل الوصول إلى حلّ قريب.

> ما هي رسالتكن إلى المرأة كسيّدة ناجحة في الحقل الاجتماعيّ والخدماتيّ؟
أريد التأكيد على أمر مهمٍّ جدّاً بأنّ مشايخنا الأتقياء لم يعترضوا أبداً على عمل المرأة المحافظة على كرامتها وبيتها وبيئتها، حتى أنّ سماحة شيخ العقل نعيم حسن في كلّ اللقاءات والمحاضرات التي يقيمها في دار الطّائفة الدّرزيّة في بيروت وقد حضرت عدة محاضرات له عن دور المرأة، لم أسمع منه إلّا ما يشجّع المرأة ودورها في بناء الأسرة الصالحة وبناء المجتمع والوقوف إلى جانب زوجها وأسرتها. وأنا أقول للمرأة انطلقي إلى العمل شرط أن تحافظي على بيتك وكرامتك، فتنظّمين حياتك وتلغين القيلولات التي لا فائدة منها، عندها فقط تحقّقين ما تريدين، وتجدين الكلّ إلى جانبك.

> كلمةٌ أخيرة
في ختام هذا الحوار أطلب من الله أن يوفّقني كي أجعل من كْفَرْنَبْرخ من أجمل بلدات هذا الجبل وحَرِيّة بأن تصبح مقصداً سياحيّاً وتجربة نموذحيّة في العمل البلديّ والإنجاز الاجتماعيّ.

نيحا

نِيْحــــا الشّوف

جارةُ أيوبٍ النّبيّ وملجأ المظلومين

الهرامشةُ توطّنوا فيها ثم انتقلوا بعد معركة عين دارة إلى السمقانية

قلعتُها الشّهيرةُ حَمت أسرةُ الأمير فخر الدّين من الكُجك
وأولادَ الشّيخ بشير جنبلاط ووالدتهم من الأمير بشير وحلفائه

من يزُرها للمرة الأولى يشعر على الفور أنّه في بلدة سبقت زمانها من حيث ما تتميّز به من مظاهر الثّروة والعمران والتفنّن في بناء القصور والفيلات المنغرسة بصورة متناغمة مع طبيعتها الجبلية الخلابة. ويمكن القول دون حرج أنّ نيحا تبدو متقدّمة في نواحٍ كثيرة على معظم قرى الرّيف اللّبناني، فهي إلى جمال طبيعتها تمتاز بالنسبة المرتفعة من بيوتها التي أنشئت وفق طابع عمرانيّ يجمع بين الحداثة واحترام التّراث، وأحد مظاهر الرّخاء الاقتصاديّ في البلدة ظاهرة بناء الفيلّات والقصور الحجريّة المنتشرة في كلّ أرجائها جنباً إلى جنب مع بيوتها التّراثيّة والتقليديّة، وهو ما يضفي عليها رونقاً وجمالاً. ورغم التّباطؤ الاقتصادي في البلد وفي البلدان المجاورة ولاسيّما في الخليج فإنّنا نرى الورش العمرانيّة فيها مزدهرة وقد باتت البيوت السكنيّة الأنيقة والحجريّة تغطي كلّ المساحات الخضراء المخصّصة للبناء بموجب تصنيف الأراضي من قبل التّنظيم المُدُنِيّ، بدءاً من منطقة الحماري في باتر، مروراٌ بأراضيها المتداخلة بأراضي جباع. وعلى طول السّفح الذي يتكوّن منه عريض السّنديان الشّهير لجهة الشّرق، بما فيه الطّريق المؤدّي إلى النّبع الذي يروي معظم أراضيها. ومن هناك باتجاه الطريق التي تؤدي الى مقام النّبيّ أيّوب عليه السّلام، وفي التّلال المشرفة على وادي بسري، وجزّين وقرى الشّوف السّويجانيّ، وإقليم الخروب. وما يزيد في جمال موقعها، جبالها المكسوّة بأشجار الصّنوبر والسّنديان التي تحيط بها من معظم جهاتها الأربع.
وإذا كانت تلك صورة نيحا في حاضرها، فإنّ ماضيها الغنيّ بالمآثر الطّيبة لا يقلّ شأناً عن واقعها الرّاهن بحُلوه.

التّسمية والمَوقع
يرى المؤرّخ كمال أبو مصلح في كتابه معجم العربي المستعجم من أسماء القُرى والمدن والأماكن في جمهوريّة لبنان الكبير، على أنّ كلمة نيحا تعني المتمايلة الغصون. أما أنيس فريحة فرأى في كتابه معجم أسماء المدن والقرى اللّبنانية، على أنّ كلمة نيحا هي من أصل سريانيّ، ومعناه الهادىء والمستريح والحليم. وهي تقع على السّفح الغربيّ من جبال نيحا التي ترتفع عن سطح البحر 1853م وهي تعرف بـ “تومات نيحا”، المكمّلة لسلسلة جبال لبنان الغربية بين جبل الباروك لجهة الشمال، وجبل الرّيحان لجهة الجنوب. وتقدّر مساحة البلدة مع مشاعاتها بنحو 22,000 هكتار، أي ما يعادل220 كيلو متر مربع، وهي بحسب د. غنام تساوي 2 في المئة من مساحة لبنان. وتحدّها القرى التالية: جباع، باتر، بحنين، عارَيّْ، جزّين، عين مجدلي، دير المزيرعة، كفرحونة، عين التّينة، مشغرة، عيتنيت، مزرعة بمارع، وهي تقع كما أسلفنا على تقاطع محافظات جبل لبنان، والبقاع، والجنوب.
ويذكر المؤرخ الدكتور رياض غنّام، الباحث في تاريخ جبل لبنان، في كتابه نيحا الشّوف في التاريخ . إنّ أقدم الوثائق التي ذكرت اسم نيحا تعود إلى سنة 654 هجرية الموافق 1256 ميلادية. أي إلى بدايات عهد المماليك، وذلك في المنشور الذي وجهه الملك المعز عز الدين أيبك، إلى الأمير سعد الدين خضر بن محمد بن حجي بن بحتر أحد أمراء الغرب التّنوخيين،
ويرتبط اسم نيحا بتاريخ الأشواف وجبل لبنان ارتباطاً وثيقاً، وهي تأتي في مرتبة متقدّمة من حيث تكرر ورود اسمها في كتب التاريخ والمراجع التاريخية بعد المختارة، وبعقلين، ودير القمر، وبيت الدين، وعين دارة. والثّابت أنّ نيحا كانت مأهولة بالسّكّان منذ أيّام الرّومان، وهذا ما تشير إليه كثرة النّواويس والمغاور الموجودة في بَرِّيتها، ومعظمها منقوش في الصخر. وذلك قبل أن يأمر الخليفة العبّاسي أبو جعفر المنصور مجموعة من القبائل العربية بالانتقال إلى مواقع مختلفة من جبل لبنان لتأمين حماية ثغور الدّولة ومواصلاتها من قراصنة الإفرنج وهجمات البيزنطييّن.

صورة بانورامية لنيحا 1
صورة بانورامية لنيحا

أبرز العائلات التي توطنت في نيحا
إنّ الأسماء الواردة في مخطوطة قواعد الآداب حفظ الأنساب لا تلحظ أية صلة بين العائلات التي تقيم في نيحا اليوم، والعشائر التي وردت في مدونات الأشرفاني، وابن سباط، وصالح بن يحيَ وغيرهم. وبرأي د. غنام وبعض المطّلعين على تاريخ البلدة، فإنّ ذلك لا يعني أنّ أسر نيحا القديمة قد رحلت عنها، أو أنّها استبدلت بعائلات أخرى، وإنّما هي نفسها انقسمت وتبدّلت أسماؤها وتحوّلت إلى جبوب وبطون وأفخاذ فقدت صلتها بجذورها القديمة واسم العائلة الأصليّ واتخذت بدلاً منه أسماءً جديدة باتت تمثل تركيبة العائلات والأسر الموجودة حاليّاً. والسّبب في ّذلك بسيط جدّاً فالعرب غالباً ما تغلب فيهم الكنية واسم الأب أو الجدّ على اسم القبيلة التي ينتمون إليها. ولعل أقدم الأسماء التي عرفتها نيحا تدويناً هو اسم سعد بن نبا الكسروانيّ، وكان والده يقيم في دير القمر، وله ثلاثة أولاد هم: مردان وجمعة، وسعد، وقد رحل عن دير القمر واستقرّ في نيحا، وكان لقبه أبو الفضل، ويبدو أنّه كان يستقبل الوافدين إلى نيحا بكرم وأريحيّة، فوفد إلى البلدة من كفرفالوس بني مبيع، وبني صيدان، ومنهم مونس وابن عمه إسماعيل، فحصلت بين سعد وإسماعيل مصاهرة إذ كان لسعد ثلاث بنين بلا زواج ولإسماعيل ثلاث بنات في سن الزّواج وصار لهم يوم فرح عظيم. وفي زمن الصّليبيين كانت نيحا ملجأ للهاربين من اعتداءاتهم، فلجأ أحد أمراء العرب ربيعة بن خالد مع جماعته إلى جزّين، لكنّهم تعرضوا للمضايقة، فرحلوا إلى أرض نيحا مستجيرين بسعد بن نبا فرحّب بهم فأقاموا في ربوعها، ويبدو أنّ إقامة ربيعة في نيحا لم تكن بدون بدل فخصّ سعد بقطيع كبير من المواشي مع عبد اسمه فرج يرعى له القطيع.
يؤكد الباحث أحمد أبو سعد أنّ اسم رُكَين هو عبارة عن تجمّع قبلي ضمّ عدّة أسر من الموحّدين الدّروز في نيحا يتفرّع منه عائلات: ماجد وسيف ومزهر وقيس وأبو شهلا وغيرهم. ثم انضمّت إلى هذا التجمّع بعض الأسر المسيحيّة منها: أبو راشد وعجيل. أما قعيق فهو اسم مشترك بين الموحّدين الدّروز في نيحا الشوف، والشّيعة في ياطر والنّبطيّة وتبنين والطّيبة ويتفرّع من الاسم في نيحا عدّة فروع: عسّاف وذبيان ومرشاد والخطيب والبراضعي وكليب وبدران.
قبيلة “بنو خميس” تفرّعت أصلاً من قبيلة أجشم التي انتقلت الى مجدل بَعنا ثمّ إلى بلاد الأشواف واستقرّت في نيحا، ومن فروعها آل غيث وأبو هدير وفرحات وعزام وغيرهم.
تتوزّع عائلات نيحا (حسب أصولها) على الشّكل التالي:
بنو قعيق: ويتفرّع منهم آل ذبيان وآل غنّام وآل كليب وآل مرشاد وآل الخطيب وآل البراضعي وآل الشّمندي وآل ابو شقرا وآل بدران وآل أبو رشيد وآل مصلح.
بنو خميس: ويتفرّع منهم آل عزام وآل فرحات وآل أبو هدير و آل غيث وآل عسّاف وآل عرنوس و آل أبي عجرم وآل الزّوَيْني وآل الحلبي و آل ورد و آل عبد الشافي و آل أبو زين وآل قيس وآل ملّاك وآل بوراس وآل ميّاس وآل يزبك وآل نعمان وآل عبد السلام وآل عماد وآل حسام الدّين وآل حمد.
بنو رُكين: ويتفرع منهم آل سيف وآل مزهر وآل عزيز وآل ماجد وآل أبو شهلي وآل نصار وآل قمر

عائلات سكنتها ثم رحلت عنها
آل جمّول وآل الجوهري وآل الدّاوود وآل طحموش وآل قسّام وآل الشارب وآل رحّال وآل الحنّاوي وآل المغوّش وآل هرموش..

التوطّن المسيحيّ في نيحا
يعود تاريخ التوطّّن المسيحيّ في نيحا إلى عهد الأمير فخر الدّين المعنيّ الثّاني، وفي دراسة أعدّها الدكتور لطيف لطيف عن معركة جلّ الشوك وانتقال الشّيعة من جزين يشير فيها إلى أنّ الوجود المسيحيّ في الشّوف يعود لتلك الفترة. مستشهداً بالزيارة التي قام بها بطريرك الرّوم الملكيين الكاثوليك مكاريوس الحلبي إلى بلاد الشّوف لتفقد رعيّته، وذلك سنة 1648 في عهد الأمير ملحم المعني وقد التقاه في بعقلين. وكانت نيحا المشهورة بقلعتها التي لجأ إليها الأمير فخر الدّين المعني الثّاني وحصاره من قبل الكُجك أحمد من بين القرى التي زارها. ومن أشهر العائلات المسيحيّة في نيحا آل الخوري، وآل الحدّاد، وآل العجيل الكاثوليك، وآل فرنسيس الموارنة.

نيحا كما تبدو من مزار النبي أيوب
نيحا كما تبدو من مزار النبي أيوب

نيحا في ظلّ الحكم الشّهابيّ
برز اسم محمود أبو هرموش المقيم في نيحا كواحد من دهاقنة العمل السياسيّ، وهو استطاع بعد انتقال الحكم من المعنييّن إلى الشّهابييّن إقامة علاقة وطيدة مع الأمير حيدر الشهابي، بعد القضاء على تمرّد آل الصّغير حكام جبل عامل، وقد عينه نائباً عنه على تلك الديار. لكن هذه العلاقة ساءت بعد أن تحالف أبو هرموش مع آل علم الدّين زعماء الحزب اليمني الذين حاولوا إقصاء الأمير حيدر عن الإمارة. وبعد معركة عين دارة وانتصار الأمير حيدر على خصومه اليمينييّن عمد إلى مصادرة خمس قرى كبيرة في الشّوف وتخصيص عائداتها مباشرة له.
كانت نيحا من بين تلك القرى إلى جانب بعقلين، وعين ماطور (عمّاطور) وبتلون، وعين دارة. كما قام بهدم بيوت الهرامشة في نيحا ما اضطرّهم للانتقال إلى السّمقانية. وفي عهد الأمير يوسف الشهابي حصلت عدّة مواجهات بين الدّروز والشيعة، وفي معركة النّبطية قتل من الدروز عدد وافر، بينهم عدد من شبّان نيحا، ومنذ ذلك الوقت شاعت عبارة “أرامل نيحا”. وتفيد المراجع التاريخية أنه في حمأة الصّراع على الحكم بين أولاد الأمير يوسف وجرجس باز من جهة، والشّيخين بشير وحسن جنبلاط من جهة ثانية، لجأ الشّيخ حسن إلى نيحا بعد ما لاحت بين الفريقين بوادر معركة غير متكافئة. وكذلك لجأ إليها مشايخ آل حمدان من حوران بعد غضب والي الشام صالح باشا عليهم. ولما تعرّض دروز الجبل الأعلى وحلب إلى مضايقات استهدفت القضاء عليهم سنة 1811 أرسلوا يستجيرون بالشّيخ بشير جنبلاط والأمير بشير الشّهابي الثاني فاتفقا على نجدتهم ونقلهم مع عيالهم إلى كنف الإمارة. وأوفد الأمير بشير إليهم بعثة من أربعة أشخاص وهم:

الشّيخ حسّون ورد من نيحا، والشّيخ حسين حماده من بعقلين، والشّيخ حسن أبو شقرا من عماطور، والشّيخ فارس الشدياق من الحدث، وتمكّن الوفد من المجيء بأربعمائة عائلة توزّعوا على قرى الشّوف، وعاليه، والمتن، ووادي التّيم، وبيروت، وعرفت هذه الأسر باسم الحلبي. وكان نصيب نيحا منهم 75 شخصاً ما زال أحفادهم إلى اليوم يحملون اسم الحلبي. أما الحادثة الأهم فكان مسرحها قلعة سانور في فلسطين، إثر الخلاف بين عبد الله باشا والي صيدا وهو حليف الأمير بشير وأهالي نابلس الذين تحصّنوا في القلعة، فأرسل إليه الأمير رجال الشّوف وبمساعدتهم تمكن من القضاء على المتمردين. وقد سقط نتيجة المواجهات عدد كبير من القتلى والجرحى كان لـ نيحا النّصيب الأوفر منهم. ومع اشتداد الصراع بين الأمير بشير الشّهابيّ والشّيخ بشير جنبلاط في العام 1824 لجأت زوجة الشّيخ بشير مع أولادها نعمان وسعيد وإسماعيل إلى نيحا ومكثت فيها فترة قبل انتقالها إلى حوران. ويذكر حنّا أبي راشد أنّ الشّيخ سعيد جنبلاط بعد تسلّمه حاكميّة الشّوفين كان مولعاً بصيد الحجل في برّية نيحا، قرب عين الحلقوم وإنّه رافق الشّيخ سعيد سنة 1858 في رحلة صيد امتدّت لشهرين وكان الشّيخ يسكن الصّواوين، وكان يتوجّه كلّ يوم مع الصّيادين. كما يذكر زيارة الشّيخ سعيد مع أولاده لمقام النّبيّ أيّوب للتبرّك وتناول الغداء ثم الرّجوع إلى نيحا.

مقام النبي أيوب في أعالي نيحا
مقام النبي أيوب في أعالي نيحا

معالم نيحا الطبيعية
تومات نيحا : يعتبر جبل التّومات أو ما يعرف بـ تومات نيحا أبرز المعالم الطّبيعيّة في نيحا وهو عبارة عن قمّتين مخروطيّتَيّ الشّكل يبلغ ارتفاع أعلاهما 1850 م أمّا الثانية فيبلغ ارتفاعها 1175م كانت تمر على سفحها إحدى الطّرق التي كانت تربط السّاحل بالداخل السّوري، وتُعتبر التلّة التي يقع عليها مقام النّبي أيّوب عليه السّلام من أبرز المعالم الطّبيعيّة الجميلة للبلدة. أمّا العريض، الواقع قبالة نيحا لجهة الشّرق فإنّه يُعدّ من أجمل المواقع الطّبيعيّة للبلدة، ومن المعالم التي تميّز بلدة نيحا عشرات الأجران والنّواويس والآثار المنتشرة في برّية البلدة والتي تُعتبَر أبرز شاهد على التّاريخ العريق للبلدة.

ثروة مائيّة هائلة
تُعتَبَر نيحا من البلدات الغنيّة بمياهها بحكم موقعها في سفح جبل الباروك الذي يلتقي بتومات نيحا فيشكّلان زاوية قائمة من التلال والآكام تختزن في جوفها ثروة مائية هائلة تفجرّت ينابيع وعيون يتساوى عددها مع عدد أيام السّنة وأهمّها:
1. نبع نيحا، ويقع شرق البَلدة يروي معظم البساتين الواقعة من حوله، وقد تمّ جرّ قسم من مياهه إلى البلدة منذ ما يقرب المئة عام.
2. عين الحلقوم، التي قام الأمير فخر الدين بجر مياهها إلى قلعة نيحا.
3. وهناك عشرات العيون والينابيع منها: عين علق،عين أبو يحيى،عين النّبعة، عين شاوية السّند، عين الخوري، عين شرشر، عين القاطعة (وتقع في وسط البلدة على الطريق المؤدّي الى مقام النّبيّ أيّوب) عين المغاير، عين عطشين، عين باطوم، عين فارس، عين النّهير، عين الحجل، عين المراحات، عين التّينة، عين النّعمان، عين الشّرفي، عين الموالح، ينابيع جل البرك،نبعة الفوّار، عين الباردة، عين مراح الخنازير، ينابيع المغاريق، ينابيع شِعب السيادة، عين القميم ، عين ملتقى السّواقي، نبعة عرق الجبل، عين القنيْبة، عين صخر، عين تركمان، عين الخوخ، عين ملاكي، نبعة صرة الدّحروج، عين الحمير. كما أنّ نهر الزّهراني الذي يروي مناطق شرق صيدا والنّبطية ينبع من تومات نيحا لجهة الجنوب.
مقام النّبيّ أيّوب
زاد من الأهميّة الجغرافيّة لنيحا، وجود مقام النّبيّ أيّوب عليه السّلام على كتف أحد تلالها الفائقة الجمال، تظلّله أشجار السّنديان التي يصل عمر الكثير منها إلى ألف سنة. ويُعْتَبرُ النّبيّ أيّوب أحد الأنبياء الممقدّسين لدى الموحدين الدروز يزورون مقامه للتبرك والنذورات. هذا بالإضافة إلى الزّيارة السّنوِيّة التي يقوم بها المشايخ الدّروز إلى المقام يتقدمهم سماحة شيخ العقل وممثل عن رئيس الجمهوريّة وهذه الزّيارة تُعْتَبَر من الأيام المباركة لدى جميع الدّروز، أمّا أهالي نيحا فإنّهم ينتظرون هذه الزّيارة بفارغ الصبر، وكأنّها يوم عيد بالنّسبة لهم.

أعلام نيحا
نيحا غنيّة بأعلامها ورجالاتها عبر تاريخها الطّويل وإذا كانت بعض الأعلام برزت في تاريخها الوسيط بالتّقوى والوَرَع وتبوّء المناصب العالية، أمثال مشايخ آل ورد، فإنّ تاريخها الحديث يزخر بالأسماء التي لمعت وتبوّأت أعلى المراكز في الدولة، بينهم مدراء عامّون، وعمداء، وضباط، من رتب عالية في الجيش اللّبناني وقوى الأمن الداخلي. وأصحاب مراكز هامة في دوائر الدولة وخارجها. ومن أبرز الشخصيات التي أنجبتها البلدة المرحوم الشّيخ بهجت غيث قائمّقام شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز 1992 – 2006 وقد عُيّن خلفاً لشيخ العقل الرّاحل محمد أبو شقرا. وفي القطاع الخاص برز من نيحا أيضاً رجال أعمال وأصحاب شركات ومؤسّسات كبيرة ومتوسّطة الحجم، أصابوا نجاحاً ملحوظاً في لبنان وخارجه، وهناك العديد من الأطبّاء والمحامين والإعلامييّن والأدباء والفنّانين، وأهل فكر وقلم وعلم وعمل. وأصحاب مِهن كبيرة ومتوسّطة الحجم. وباختصار فإنّ طموح شباب نيحا لا حدود له، وهو واضح في كلّ ما يمارسونه من أعمال ومن حالة الرّخاء والازدهار التي تعمّ القرية وتظهر في عمرانها وحياتها الاجتماعية.

وديع الصافي
مطرب لبنان الأوّل وديع الصّافي 1921 – 2013 يُعَدُّ من عمالقة الفنّ العربيّ وما زال صدى صوته الصّافي يرنّ في كل أقطار العالم. رصيده الفنّيُّ 5,000 أغنية ولحن. ولمّا توفاه الله أصرّ وجهاء البلدة على دفنه في تراب نيحا.

تاريخ العمران
تبعد نيحا عن بيروت نحو 65 كلم وقد وصلت طريق العربات إليها في عهد المتصرّف مظفّر باشا بين عاميّ 1902 و1907 وبلغ عدد سكان البلدة في إحصاء 1910 في عهد المتصرّف أوهانس باشا 1113 نسمة. عدد الدروز 876 نسمة والموارنة 173 والرّوم الأرثوذكس 64 وكان عدد المنازل153 معظمها بني بجدران حجريّة مزدوجة. وقد بدأت الهجرة في نيحا منذ زمن مبكّر، وفي العام 1910 أحصي عدد المهاجرين من نيحا إلى الأميركيتين وبعض الدّول الأوروبيّة وأفريقيّة وسورية فبلغوا 167 شخصاً منهم 79 من طائفة الموحّدين الدّروز و39 من الطائفة المارونيّة و49 من طائفة الرّوم الأرثوذكس.

الحديقة العامّة في نيحا
الحديقة العامّة في نيحا

يحا المعاصرة
توسّعت بلدة نيحا في كلّ الاتّجاهات وامتدّت حتّى أطراف باتر خصوصاً مع تملّك أثرياء ومغتربين من نيحا لمساحات زراعيّة شاسعة في باتر قسم كبير منها تمّ شراؤه من آل الحمدان الملّاك الأساسييّن للأراضي الزّراعية في باتر لأكثر من ثلاثة قرون من الزّمن، وتزايد عدد سكّان البلدة ليصل في إحصاء سنة 2000 إلى 5,230 نسمة. أمّا اليوم وبسبب الهجرات المتوالية فقد أصبح العدد نحو 2800 نسمة ويبلغ عدد منازل البلدة 580 بيت وعدد الناخبين 2810 ناخباً، وسبب زيادة عدد الناخبين عن عدد السكان هو أنّ الكثير منهم هم من بين المهاجرين من السّكّان الذي غادروا البلدة إلى أماكن سكن بديلة في لبنان أو إلى المغتربات لكن لا زالت أسماؤهم تَرِد على لوائح الشّطب. ويوضّح التناقص الكبير الذي أصيبت به البلدة في سكّانها المقيمين حجم النّزف الذي تعاني منه البلدة بسبب جاذبيّة الاغتراب، وقد ساهم وجود عدد كبير من مغتربيها النّاجحين في الخارج في اجتذاب العديد من شبّانها للعمل مع أقاربهم أو في أعمال مستقلّة في المهاجر. لكن رغم الأثر البشريّ الواضح لحركة الاغتراب فإنّ آثارها الإيجابيّة بادية في حركة العمران والرّخاء التي يتمّ تمويلهما من تحويلات المغتربين إلى البلدة.

مؤسّسات عامّة واجتماعيّة
في نيحا مركز لقوى الأمن الدّاخلي تشمل صلاحيّاته قرى باتر وجباع ومرستي.
وهناك مدرسة ثانويّة وأخرى تكميليّة ومركز لرابطة العمل الاجتماعيّ ويضمّ مستوصفاً خيريّاً ومكتبة عامة للمطالعة ومركزاً لشركة الهاتف (أوجيرو) ومكتباً للبريد ومركزاً للدّفاع المدنيّ ومركزاً لجرف الثلوج في موسم الشتاء.

نيحا التي كانت ملجأ للأمراء والمظلومين أصبحت معلما سياحيا يزوره الألوف سنوياً -
نيحا التي كانت ملجأ للأمراء والمظلومين أصبحت معلما سياحيا يزوره الألوف سنوياً –

قلعة نيحا..إن حكت

حصن الأمراء وملجأ المظلومين

استخدمت كحصن من قبل الرومان والصليبيين والمماليك وفخر الدين لكن انكشاف مصدر المياه السري أفقدها قيمتها كملجأ في الملمات

لا يمكن الحديث عن نيحا من دون الحديث عن قلعتها الشهيرة التي تدعى أيضا “ شقيف تيرون” وذلك بسبب الأدوار الكثيرة التي لعبتها هذه المغارة الحصينة في تاريخ لبنان والمنطقة، وقد تعاقب على استخدامها أو اللوذ بها ملوك وأمراء وقادة جيوش كما استخدمها الفارّون من الحروب أو النزاعات، لذلك فقد امتلأت المصادر المصادر التاريخية التي تحدثت عنها كثيرة. وحسب تلك المصادر فإن قلعة نيحا تعود إلى العهد الروماني، والبعض الآخر يرى إنّ كلمة تيرون يونانية وتعني الصخر الكبير. أما إبن سباط فيقول: إنّ القلعة تسمى شقيف تيرون وهو اسم رجل وقد نحتت في صخر أصم وهي في شاهق جبل يحتوي على كهف عظيم لا يمكن بلوغه إلا بصعوبة ، ولا يمكن لمن بداخلها التسلق إلى سطحها، ولا يناله أحد لا بالسهام ولا بالمدافع، وحتى لو أصيبت أو هدم قسم منها فإنه لن يستطيع أحد من المهاجمين أن يدخلها. والقلعة مشيدة على جبل شاهق يبلغ ارتفاعه 350م وليس لها سوى مدخل ضيق، لا يصلها الإنسان إلا بواسطة سلم خشبية، وكانت تصلها المياه من عين الحلقوم بواسطة قناة سرية، وكانت تعتبر من أهم المعاقل والحصون الموجودة في لبنان وهي الآن من أهم وأشهر المواقع التاريخية التي يحرص الناس على زيارتها وتفقدها لما تحمله من مغازي تاريخية وسياسية.
أما الأهمية التاريخية للقلعة فبدأت كما يبدو من الأدلة في أيام الرومان، حيث استخدمت حصناً لإمارة الجنادلة لأكثر من نصف قرن، ثم احتفظ بها المسلمون 110 سنوات، قبل انتقالها إلى الصليبيين. ثم تمكن سلطان المماليك الكبير الظاهر بيبرس من استرجاعها وإعادتها إلى سيادة الدولة الإسلامية. وتحولت القلعة إلى أهم قلاع الأمير فخر الدين المعني الثاني في عهد الإمارة المعنية، وقد اختار قبل سفره الى توسكانا في نوع من المنفى الاختياري، أن يضع فيها إحدى زوجاته وهي ابنة علي بن سيفا مع أولاده. كما نقل إليها الكثير من ممتلكاته الثمينة، وبعد عودته إلى البلاد وتعاظم شأنه وجهت إليه الدولة العثمانية حملة كبيرة بقيادة الكجك أحمد، فلجأ إلى قلعة نيحا بنفسه هذه المرة محتميا بموقعها الحصين. ويروي الأمير شكيب أرسلان كيفية إكتشاف الكجك أحمد لمورد المياه المدفون تحت الأرض فقام بتعطيش الخيل فحملتها شدة العطش على التفتيش عن المياه وعندما شمّت رائحة المياه راحت تضرب الأرض بسنابكها، عندها أمر الباشا بحفر المكان حتى ظهر المجرى المائي المطمور تحت الأرض، وهو قام عندها بنحر بعض الأبقار ورمي في المجرى نفايات مختلفة حتى أفسد الماء وجعلها غير صالحة للشرب، الأمر الذي اضطر الأمير إلى الاستسلام لجيش الوالي العثماني.
وفي عهد الإمارة الشهابية، وبعد أن كشف النقاب عن مصدر المياه الذي يغذيها فقدت قلعة نيحا أهميتها الإستراتيجية كحصن، لأنها لمن تعد تمتلك مصدر مياه آمن يحمي المستجيرين بها من الموت عطشا. كما أن الأسلحة الحربية شهدت تطورا كبيرا خصوصا مع تصنيع المدافع الثقيلة وتطور قوتها التدميرية.
ومن مفارقات القدر أن هذه القلعة التي كانت ملجأ للملوك تحولت في وقت ما إلى زريبة يستخدمها الرعاة لإيواء قطعان الماعز، كما تعرضت القلعة التي تقع على فالق زلزالي شهير هو فالق روم إلى هزة عنيفة لا زال أهالي المنطقة يستذكرونها ويتحدثون عن هولها وقد اتت الهزّة على قسم منها، وتكفل بالباقي القصف المدفعي الذي تعرضت له القلعة في الحرب العالمية الثانية أثناء الحرب بين جيش حكومة فيشي وجيش فرنسا الحرة والقوات البريطانية ولعل الأجزاء التي لحقها الدمار والتخريب هي التي نراها اليوم في الواجهة الغربية للحصن المشرفة على مرج بسري والمناطق المحيطة به، وخصوصاً الأجران الكبيرة من مياه عين الحلقوم. ولحسن الحظ فقد استيقظت الهيئات الأهلية على الأهمية التاريخية للقلعة وأهمية الحفاظ عليها وتحركت بصورة خاصة رابطة العمل الاجتماعي في نيحا، ونجحت في إدخال قلعة نيحا في نطاق محمية أرز الشوف، بينما قامت بلدية نيحا بترميم بعض أجزائها وتأمين طريق آمنة إليها، وتحويلها إلى معلم تراثي سياحي.
ونحن ندعو الجميع إلى زيارة هذا الأثر الطبيعي الذي يحفل بالذكريات وقصص البطولات التي سطرها القادة المسلمون وأمراء الموحدون الدروز عبر التاريخ وعلى رأسهم الأمير فخر الدين المعني، ليس في لبنان فحسب وإنما في سائر منطقة بلاد الشام. يقول شاكر الخوري إنّ قلعة نيحا كانت ساعة بكاسين، أي عندما تصل الشمس الى وجهها الغربي يكون الوقت ظهراً.

عنجر

عنجر

بناهـــــــا الأُمويـــون ثــــــم دمّروهـــــــــــا
وخلّدها فخرُ الدّين وأحيـــاها الأَرمــــــن

عَنجَرٌ اليوم جنائنُ ورياضٌ وبساتينُ غنّاءَ وسياحةٌ
ومياهٌ رقراقةٌ قامت على ضفافها أفخمُ المُنْتزَهات

تكتسبُ بلدةُ عنجرَ في البقاع أهمّية خاصة بسبب طابعها التّاريخيّ وتنوّع ثروتها الآثارية وكذلك ما تختزنه ذاكرتها من أحداث ومحطّات تاريخيّة، وهي التي كانت شاهداً على توالي عدد من الحضارات الكبيرة على أرضها وعلى معارك وحروب أضافت فصولاً إلى تاريخها الغنيّ لكنّها تسبّبت في خرابها، ومن أشهر أحداث التّاريخ التي ارتبطت بها موقعة عنجر التي تمكَّن فيها الأمير فخر الدّين المعني من إلحاق هزيمة قاسية بجيوش العثمانيين في تشرين الثّاني من العام 1623 فأصبح هذا النّصر عنواناً لتعلّق اللّبنانيين بالاستقلال وأصبحت عنجر في ثقافتهم مصدر اعتزاز على مرّ الزّمن.
أمّا عنجر اليوم بقلعتها وقصرها الأمويّ الشهير فهي بلدة بقاعيّة جميلة تتوسّط سهولاً خصبة وطبيعة ومياه وهي من أبرز المقاصد السّياحيّة بمنتزهاتها الوارفة الظّلال ومطاعمها التي تتمتّع بشهرة وشعبيّة بين اللّبنانيين. كما أنّ عنجر تشتهر في المساهمة الكبيرة التي أضافها الوجود الأرمنيّ اللّبنانيّ إلى تاريخها إذ إنّها استضافت طلائع اللّجوء الأرمنيّ إلى لبنان في أربعينيّات القرن الماضي وأصبحت بفضل الشعب الأرمني ونشاطه وثقافته مدينةً زاهرةً من أجمل حواضر البقاع.

تفترش بلدة عنجر البقاع الأوسط على مساحة 20 كلم مربع بتعداد سكّاني يناهز الـ 2500 نسمة معظمهم من الطّائفة الأرمنية، كما يُطلق على البلدة حوش موسى، والتّعداد السكّاني قابل للارتفاع خلال فصل الصيف من خلال زيارة أرمن الشّتات إلى هذه البلدة التي تُعتبر مرجعاً مهمّاً لهم.

عنجر-الأموية-كما-تبدو-اليوم
عنجر-الأموية-كما-تبدو-اليوم

التّسْمِيَة
كانت تُطلق على البلدة تسمية “ عين جرّه “ وهذه التّسمية تعود إلى القرن الثّامن حيث كانت تطلق على المناطق المجاورة لقلعة “جرّة “ وهي المدينة الأثرية التي أسّسها العرب الأيطوريون خلال حقبة حكم الأسكندر المقدونيّ وهي القلعة المعروفة اليوم باسم قلعة عنجر ليُصار في ما بعد إلى ربط الكلمتين بكلمة واحدة تسهيلاً للفظها فأصبحت عنجر، لتنتقل بالتّواتر على ألسنة النّاس .
كما ذهب المؤرّخون إلى اعتبار عنجر، هي نفسها “خلقيس” أو “كلسيس” القديمة التي يُنسب الفيلسوف “بمبليخُس” شارح أفلاطون إليها والتي ورد ذكرها في كتابات ورسائل “تلّ العمارنة” في مصر عام 1500 قبل الميلاد كما جاء في كتاب “تاريخ زحلة” للمؤرّخ اللّبناني عيسى المعلوف. كما أنّ ذكر المدينة ورد في معجم “ياقوت الحمويّ” تحت اسم “أمجرا” وقد ميّزها ببركة ماء وينبوع “تجزُر مياهه تارة وتمدُّ تارةً أخرى”، وقدم وصفاً مُسهباً لقنوات قديمة وطواحين وأحواض كانت تُستعمل في تجميع وجرّ مياه الينبوع إلى المدينة.
أقيمت مدينة عنجر الأثرية على أحد أهمّ منابع أو عيون نهر اللّيطاني في موقع مميّز على خارطة الطّرقات التي كانت تشقّ البقاع في الأزمنة القديمة والوسطيّة لتشكّل عقدة رئيسية تلتقي عندها الطّرق التي كانت تصل مناطق سوريا الشّماليّة بشمال فلسطين وتلك التي كانت تصل السّاحل بغوطة دمشق. وقد أسهم في ازدهاره العَين التي تنبع من السّلسلة الشّرقيّة والتي أعطت البلدة اسمها الحاليّ.
أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بين عاميّ 705 و 715 بإنشاء مدينة محصّنة على بعد كيلو متر واحد من نبع المياه المعروف في حينه بـ “عين جرّة” ولتنفيذ هذا المشروع استعان الخليفة بعدد من المهندسين والحرفيين والصنّاع البيزنطيّين والسّوريين البارعين بفنّ العمارة والزّخرفة المتوارثة من العصر الرّوماني حيث عمد هؤلاء إلى استخراج الحجارة من عدد من المقالع المجاورة .

عنجر الأموية
اكتمل بناء المدينة العربيّة في عنجر بحلول القرن السّابع للميلاد فجاءت تحفة في المنعة والجمال وشكّلت أسوارها وحصونها أرفع نموذج للفنّ المعماريّ العسكري الدّفاعيّ لدى العرب، وقد بُنيت وفقاً لتخطيط المدن الرّومانيّة البيزنطيّة، ثمة شارعان رئيسان يتقاطعان وسط المدينة ويقسمانها إلى أربعة أجزاء. يبلغ عرض الشّارع الأوّل عشرة أمتار ويمتدّ من الشّمال إلى الجنوب والثّاني يمتدّ من الشّرق إلى الغرب بعرض عشرة أمتار، هذا وتحفّ بالشّارعين سلاسل طويلة من الغرف المقنطرة والحوانيت والمخازن يبلغ عددها الإجماليّ ستمائة غرفة. في نقطة تقاطع الشّارعين وسط المدينة وعلى مقربة من القصر الكبير، تنتصب أربعة أعمدة ترتفع فوق مستوى القصر وفي أعلاها ما يشبه برج المراقبة، وقيل إنّه برج لاستقبال الحمام الزّاجل وإطلاقه أمّا الأحياء السكنيّة فقد كان كلّ حيٍّ يتألّف من بيتين أو ستّة بيوت كحدًّ أقصى كلّها ذات تصميم متشابه يضمّ حَوْشاً يتوسّط عدداً من الغرف، بينما تحفّ الحوانيت بالطّريق الرّئيسيّ، وهناك البوّابة الرّباعيّة الأسوار منذ أيّام الرّومان والإغريق، كما تخترق وسط المدينة شبكة من قنوات تصريف المياه المُبتَذلة مجهّزة بالفتحات اللّازمة لتنظيفها.
وبسبب وجودها في سهل البقاع الذي اعتُبِر في فترة بمثابة “إهراءات روما” فقد قام اقتصاد عنجر على تجارة الحبوب مثل القمح والشّعير والعدس والأعلاف إلّا أنَّ البلدة أنتجت أيضا الفواكه والخضار المجفّفة من خيرات سهل البقاع، وكانت تقوم بتصديرها إلى الأسواق المجاورة أو البعيدة. وكانت عنجر تستورد بضائع وموادّ أخرى للاستهلاك المحلّي أو لإعادة طرحها في الأسواق، كالأقمشة الصّوفيّة والقطنيّة والكتّان والعطور القادمة من الجزيرة العربيّة والزّيوت من سوريا التي كانت تشتهر بزراعة الزّيتون، والأسماك المجفّفة من بحيرة طبريّا في فلسطين وكذلك الدّهون والمراهم والبلاسم. أمّا تجارة الحرير فقد لعبت فيها عنجر دوراً مهمّاً كمركز التقاء وتقاطع بين الشّرق الأقصى والشّرق الأدنى وبلدان حوض المتوسّط حيث كانت معامل بيروت وصور تتسلّم الحرير الخام المُستَورد من الصّين فتصبغه باللّوْن الأرجواني الذي كان يشهد إقبالا منقطع النّظير ثمّ ترسله إلى سوق عنجر لبيعه من التّجار والمسافرين بأسعار مرتفعة.

من-آثار-عنجر
من-آثار-عنجر
منظر-عام-لآثار-القصر-الأموي-في-عنجر
منظر-عام-لآثار-القصر-الأموي-في-عنجر

 

 

 

 

 

 

 

“فرنسـا اشترت أرض عنجر من ملاك تركي بـ 8 ملايين فرنك فرنسي بهدف إيواء اللّاجئين الأرمن وقامت بتصميم وبناء القرية التي أصبحت من أجمل قرى البقاع”

مهرجانات-قلعة-عنجر
مهرجانات-قلعة-عنجر

نقطة تقاطع لخطوط التجارة
تدلّ بقايا الآثار التي مازالت موجودة داخل أسوار القلعة والأماكن المحيطة بها على أهمية الدّور الذي كانت تلعبه القلعة في التّاريخ حيث تبرز كمركز للتّبادل التّجاريّ لوقوعها في منطقة تشكّل عقدة مواصلات.
ورغم أنّ الحفريّات الأثريّة تناولت عنجر منذ الخمسينيّات، فإنّ الموقع ما زال يحتفظ ببعض أسراره ولا سيّما من حيث علاقته بمدينة جرّا خاصة وأنّ العديد من الباحثين يؤكدون أنّ 30 بالمئة فقط من آثار عنجر تمّ التنقيب عنها.
ومن الملاحظ، أنّ مدينة الوليد لم تكن بعد قد اكتملت عندما دمّرها مروان الثاني، وهذا ما يظهر من خلال وجود أجزاء واسعة في داخلها لم يعثر فيها على أيّة بُنىً إلّا إذا كانت هذه المساحات مخصّصة للتّنزّه داخل أسوارها.
وكان المهندسون في مراحل التّنقيب الأولى بدأوا بتجفيف مياه المستنقعات، ثم زرعوا أشجار اليوكاليبتوس والسّرو التي ما تزال مزدهرة إلى يومنا هذا، وتضفي على هذه الآثار العظيمة طابع المنتزه. وقد شملت أعمال التّنقيب حتى الآن كلّ الموقع ورمّمت بعض المعالم وأهمّها: القصر الكبير والجامع في الجناح الجنوبي الشّرقي، والمنطقة السّكنيّة في الجناح الجنوبيّ الغربيّ، والقصر الصّغير في الجناح الشّماليّ الغربيّ وقصر ثالث وحمّام عامّ في الجناح الشّماليّ الشّرقيّ .

دمار وأطلال
من المُفارقات الكبيرة عبر التّاريخ أنّ مدينة عنجر لم تدُم طويلاً بعد وفاة مؤسّسها حيث عمد الخليفة مروان الثّاني إلى تدميرها سنة 744 م. على أثر انتصاره على منافسه إبراهيم بن الوليد في معركة دارت على مقربة منها وما لبثت البلدة أن بدأت تتداعى حتى تحوّلت في القرن الرّابع عشرَ إلى تلال من الأطلال والتّراب وسط مستنقعات. وظلّت على هذه الحال إلى أن نال لبنان استقلاله في العام 1943 إذ بدأ الاهتمام بالآثار وبكلّ معالم التّاريخ اللّبناني فبدأت المديريّة العامّة للآثار الاهتمام بهذه المنطقة التّراثيّة والتّنقيب عن الآثار التي دُفنت تحت التّراب. وقد كان الموقع أوّل الأمر متواضعاً بالمقارنة مع باقي المواقع الأثريّة في لبنان لكنّ المعلومات التي كانت في حَوزة علماء الآثار زادتهم شغفاً بالمجيء إلى هذه البقعة الغنيّة بالدّفائن الثّمينة. وكان الخبراء يتوقّعون أن تكون آثار السّلالة الأمويّة مدفونة تحت هذه المدينة التي أخضعت المنطقة لسلطتها وهذه الخطوة كانت مهمّة في حينه لأنّ لبنان يُعتَبر مُتحَفاً لكافّة الحضارات التي تعاقبت على الشّرق لكنّه كان يفتقد إلى آثار الحضارة الأمويّة .

الأرمنُ في عَنجر
بعد الأحداث الأرمنيّة الأليمة وترحيل مئات الألوف من السّكّان الأبرياء من ديارهم على يد جموع الغوغاء وبعض فلول القوّات التّركيّة المهزومة في الحرب العالميّة الأولى، بدأ اللّاجئون الأرمن رحلة عذاب طويلة توزّعوا خلالها أوّلاً على تجمّعات ومخيّمات لجوء مؤقّتة في الدّول المجاورة، ثم توجّهت موجات منهم جنوبا باتّجاه بلاد الشّام، المعروفة بثقافة التّسامح وتعايش الطّوائف الإسلاميّة والمسيحيّة، فاستقرّ بعضهم في شمال سوريا. وفي رسالة وجهّها في 6 أيّار 1939 إلى المفوّض السّامي لفرنسا، اقترح وكيل أعمال السّجلّ والإصلاح العقاريّين الفرنسيّ وكان يدعي دورافور أن يتمّ إسكان الأرمن في جهات لبنان الأربع ومن هذه الجهات البقاع ومدينة عنجر.
بعد أن أنهت سلطات الانتداب دراسة الموضوع، باشرت مفاوضاتها مع رشدي بك توما وهو ملاّك تركي ورث عن درويش باشا عقاراً مساحته 1540 هكتاراً في عنجر. فطلب لبيع الأرض 53 مليون فرنك، سأل المفوّض السّامي الدّبلوماسيّة التّركيّة أن تمارس الضّغط عليه خاصّة وأنّ الأرمن كانوا يعيشون في ظروف صعبة ويسكنون في العراء. فوافق بعد مساعٍ على بيع الأرض بمبلغ 8 ملايين فرنك فرنسيّ مقابل تعويضه عن بيعه الأرض بأراضٍ هجرها الأرمن في السّنجق.
نُقل الأرمن في بادئ الأمر من جبل موسى إلى سوريا (مخيّم البسيط) ثمّ إلى عنجر، حيث حلّوا أولاً في مخيّم، ثمّ رسمت دائرة الأشغال العامة التابعة للمفوضيّة العليا الفرنسيّة تصميماً للقرية التي جرى بناؤها وتزايد عدد سكانها مع الزّمن واتّسعت حتى أصبحت اليوم من أجمل مدن البقاع .

طعام-وسمر-في-أحد-مطاعم-عنجر
طعام-وسمر-في-أحد-مطاعم-عنجر
مطعم-على-نبع-عنجر
مطعم-على-نبع-عنجر

 

 

 

 

 

 

عنجر البلدة
عنجر التي صَنّفت منظّمة اليونيسكو قلعتها في التّراث العربي، هي اليوم نتاج جهد وتعب وإتقان تظهر كلها في جنائن ورياض قلّ نظيرُها وبساتينُ غنّاءَ ومياه رقراقةٌ قامت على جنباتها أفخم المطاعم والمنتزهات والفنادق، وكما كانت عنجر في السابق مصيفاً للأمويّين يقصدونها للرّاحة والاستجمام وقد بَنَوْا قلعتهم فيها وقد باتت عنجر اليوم ملاذاً طيِّباً لطالبيّ الرّاحة وروّاد المنتزهات الهاربين من صخب المدينة وحرِّها.
مهرجانات قلعة عَنجر
أُقيمت مهرجانات قلعة عنجر على ثلاثة مراحل عام 1971 في عهد الرّئيس الرّاحل سليمان فرنجية الذي ترأست عقيلته لجنتها وتألف اعضاؤها من النواب الأرمن، فنظم المهرجان في كل فصل صيف على مدى خمسةَ عشَرَ يوماَ، وكان الفنّان وديع الصّافي من أبرز الفنّانين الذين أحْيَوْا المناسبة، لكنّها توقّفت مع اندلاع الحرب الأهليّة في لبنان عام 1975 لتعود من جديد عام 1992 في عهد الرّئيس الرّاحل اِلياس الهراوي الذي تَرَأّسَتْ عقيلته اللّجنة.
واستضافت قلعة عنجر في تلك الفترة فرقَ باليه عالميّة وفنّانين بارزين محلّيين وأجانب. وفي عام 2004 انطلقت المرحلة الثّالثة للمهرجانات وتَرَأَّسَتْ لجنتها السيدة نسيمة الخطيب عقيلة الوزير السّابق سامي الخطيب، ولم تكن البلديّة معنيّة بشكل مباشر بهذه المهرجانات بينما كان رئيس بلديّة عنجر السّابق عضواً فخريّاً لا يتدخّل بميزانيّة المهرجانات ومصاريفها.
وبصورة عامة فقد أدّى تفاقم الأوضاع الإقليميّة وانعكاسات الحرب في سوريّة فضلاً عن الأوضاع الأمنيّة في البقاع إلى تأثير سلبيٍّ على مهرجانات عنجر التي خَفَتَ بريقها وتراجعت قدرتها على اجتذاب الفنّانين وجمهور الحضور، وقد حلّ محلّ المهرجانات بعض الحفَلات التي تُنَظّم من حين لآخرّ في القلعة من منتجين مستقلين.

الباروك

البـــــــاروك.

دار الزمن على الباروك الزّاهرة، وعصفت أحداث وتقلّبت دول وتوالت أزمات أخذت معها الكثير من فرح الأيّام الخوالي. يوم كانت البلدة خليّة نحل لا تهدأ يتهافت النّاس على تفّاحها الطّيب المذاق وفاكهتها والمتنزهون على نبعها ومقاهيها والمصطافون على بيوتها. يوم كان الوئام سائدا بين الناس والتّسامح سيّد الآداب وقانون الجيرة والشّراكة في العيش.
تبدّلت أشياء لكن بقيت أشياء وما ذهبت ببعضِه الحرب أعاد الباروكيّون بناءه أو ترميمه بجدّ وإخلاص لكنّ الباروك التّاريخيّة غاب الكثير منها كما حدث لكثير من قرى الجبل أمام زحف الدّكاكين وأبنية الإسمنت و”عجقة سير” السّيّارات التي استحوذت على المساحات والساحات والطرقات. لا يهمّ فالباروك وشقيقتها التوأم الفريديس تعيش اليوم ازدهاراً من نوع جديد، لكن أيّاً كانت خيارات البلدة في حاضرها فإنّ أمسها الزّاخر بأفعال الرّجال وأمثولاتهم لا يزال ماثلاً في الأذهان وهو الذي يعطي لهذه القرية العريقة مكانتها في تاريخ الشّوف وجبل لبنان. فماذا نعرف عن الباروك حاضراً وتاريخاً ماضياً؟

جارةُ الأرزِ والنّبعِ وبلدةُ التّفّاح والضّيافة
عَصْرٌ ذهبيٌّ غيَّبَتْه الأزَمات فمتى يَعود؟

من أعلامها مؤلّف النّشيد الوطنيّ رشيد نخلة
والمرحوم قاسم العماد وعارف بك أبو علوان

الشّيخ أبو حسن عارف حلاوة قُطب علمٍ وتقوى
ومُلْهِم البطولة وأخلاقِ الرّحمة في الحربِ والسّلام

التّسمية
تعتقد مراجع عدة أنّ أصل كلمة الباروك يعود الى واقعة مرور قوافل التّجارة عبر البلدة في اتّجاه البقاع عبر الممرّات الطبيعيّة في جبل الباروك، والذي تطلّ سفوحه الشرقية على سهل البقاع، فكانت البقعة الخضراء وتوافر المياه سبباً لاختيارها كمحطّة لجمال القوافل المحمّلة بالبضائع والتي كانت بهدف الراحة “تبرك” أي تحطّ رحالها ردحاً من الوقت قبل استئنافها رحلتها. لذلك سمّي المكان بـ “الباروك” أي مكان البَرك أو حيث تبرك جمال القوافل. وهناك تفسير آخر وهو أن يكون الاسم فينيقيّاً بمعنى المبارك وهو اسم مناسب لنبع ماء غزير. لكن في الحالين فإنّ اسم البلدة يبدو مرتبطاً بقوّة بميزة البلدة ولاسيّما أرض النّبع ودور القرية الخضراء في تجارة القوافل لفترة طويلة من التاريخ.

الموقع
تقع الباروك في سفح جبل شاهق عُرِف بجبل الباروك نسبة لاسم البلدة، ويقدّر عدد سكانها بستة آلاف نسمة يتوزّعون على 1150 وحدة سكنيّة، وتعلو الباروك عن سطح البحر بين 1,000 و1,200 متر وهي تبعد عن العاصمة بيروت 47 كلم وعن مركز المحافظة 41 كلم. ويدير شؤونها المحليّة مجلس بلدي من 15 عضواً أنشئ سنة 1920 خمسة عشر عضواً بالإضافة إلى مخاتير ثلاثة.

ميزة الباروك
تمثّل الباروك نموذجاً مُصَغّراً عن الوطن اللّبناني ففيها غابة الأرز وما تمثله شجرة الأرز التاريخيّة من الشعار الوطني للبنان، وهي تتوسّط علمه، كما أنّ الباروك تفخر بأنّ أحد أبنائها وهو الشاعر رشيد نخلة هو مؤلّف النشيد الوطني اللبناني، كما أنّها تقدّم مثالاً على العيش اللّبناني الدّرزي المسيحيّ المشترك إذ إنّ نسبة كبيرة من سكانها هم من الأسر المسيحيّة وفيها كنيستان عريقتان هما كنيسة مار جرجس للموارنة، وكنيسة مار انطونيوس للروم الكاثوليك. في القرية أيضا مجلسان للموحّدين الدّروز كما يقع فيها ضريح الشّيخ العالم أبو حسن عارف حلاوي الذي كان أبرز مشايخ الهيئة الرّوحية لطائفة الموحدين ولعب دوراً أساسيّاًّ في حماية العيش المُشترك في الجبل ومواجهة نَزَعات التعدّي والتعصّب.

باروك
باروك

اقتصاد البلدة
أبرز معالم اقتصاد الباروك وفرة المياه في البلدة إذ ينبع من سفوح جبل الباروك عدد من الينابيع، أبرزها نبع الباروك الذي يشكّل عند مصبّه على البحر المتوسّط نهر الأوّلي، أحد أطول أنهار لبنان. وبسبب غزارة مياهه ونقائها شكّل نهر الباروك تاريخيّاً الأساس لقيام اقتصاد زراعيّ في وادي النّهر بدءا ببلدة الباروك نفسها وامتداداً حتى مصبّ النّهر. وكانت الباروك البلدة الأولى في المنطقة التي اعتمدت زراعة التّفاح كما يشير رئيس تعاونيّة مزارعيّ التّفّاح الشّيخ توفيق أبو علوان، لافتاً إلى أنّ زراعة الفاكهة والتّفاح خاصّة بلغت أوجها في الخمسينيّات والستينيّات (عندما كان لبنان مصدّراً رئيساً إلى الأسواق العربيّة وكان موسم الاصطياف يستهلك قسماً مهمّاً من الإنتاج المحلّيّ، واستمرّت الزّراعة على ازدهارها وإنتاجيّتها العالية حتى العام 1973 عندما بلغ إنتاج الباروك من التّفّاح وأنواع الفاكهة نحو 190 ألف صندوق. وكان تفّاح الباروك من أفضل النّوعيات. ينقل الشيخ توفيق عن والده المرحوم الشيخ عارف أبو علوان الذي كان مهاجراً في تشيلي المشهورة بتفاحها، أنّ تفّاح الباروك كان يضاهي تفاح تشيلي. وعلى صعيد الزّراعات الأخرى فقد كان في الباروك بالإضافة إلى زراعة الحبوب والتفّاح زراعة العنب وكان في البلدة أربع معاصر للعنب تخدم الإنتاج الوفير الذي كانت تتمتّع به البلدة.
لكنّ اندلاع الحرب الأهليّة في لبنان وظهور خطوط التّماس بين المناطق وتعرقُل حركة الترانزيت إلى الدّول العربيّة، وكذلك تعطّل الشّحن البحري والجوّي لفترات طويلة من السّنة، عرقل عمليات التّصدير وأدّى إلى تدهور الأسعار، فتراجعت كلّ الزّراعات من حبوب وعنب وفاكهة بالإجمال وفاقم الوضع عدد من العوامل التي نشأت أيضاً عن ظروف الحرب وأهمّها عدم توافر الإرشاد الزراعيّ بدرجة كافية وضآلة المساعدات مثل النّصوب المؤصلة المقاومة للآفات وغير ذلك من التقديمات فأصبح إنتاج الباروك من التفّاح اليوم لا يتجاوز 30,000 صندوق والباقي لم يعد موجوداً.
ويضيف الشّيخ توفيق القول: “لا توجد حقيقة خطّة حكوميّة جادّة لتنمية الزّراعة، وهذا يُشعر المزارع أنّه لوحده في معظم الأحيان، ويجعله يخشى الاستثمار في الزراعة. على العكس من ذلك، فإنّ الدّول التي تهتمّ بالزّراعة والمزارعين لديها دراسات مفصّلة عن سبل تنمية الزّراعة ودعم المزارعين، وهذه الدّول تدرس طبيعة كلّ أرض أو تربة وارتفاع الموقع عن سطح البحر وطبيعة المُناخ وتوافر المياه بهدف توجيه المزارعين للزّراعات الأنسب والأكثر جدوى كما أنّهم ينشئون مصانع للمنتجات التي يتعذّر تصديرها أو تصريفها محليّاً”

السفير نهاد محمود عندما كان ممثلا للبنان في الأمم المتحدة يعرض الموقف اللبناني أثناء العدوان الإسرائيلي عام 2006
السفير نهاد محمود عندما كان ممثلا للبنان في الأمم المتحدة يعرض الموقف اللبناني أثناء العدوان الإسرائيلي عام 2006

تربية الماعز
نظراً لمساحات جبل الباروك الشاسعة والمراعي الطبيعية في سفوح الجبل فقد نمت في الماضي تربية المواشي وخاصّة الماعز منها، لكن كبير مربي قطعان الماعز في الباروك السيد أبو فريد ملحم محمود يشكو تبدّل الحال مشيراً إلى تراجع ثروة الماعز في السّنوات الأخيرة والتي باتت لا تتجاوز الـ 3,500 رأس ماعز لدى ثلاثة أو أربعة مربّين، وبما أنّنا لم نعد نجد أشخاصاً مستعدّين للمساعدة في الرّعي فقد أصبحنا نأتي بالرّعيان بالحصّة أي بنصف الإنتاج لأربع سنوات وبعد ذلك يصبح كلّ القطيع مناصفة. وتشمل الشّراكة مُنتجات الحليب علماً أنّ تصنيع الأجبان والألبان يتمّ يدويّاً لعدم وجود مصانع تتسلّم الحليب.
إنّ كلفة تربية القطيع أصبحت مرتفعة، لأنّه لم يعد في إمكاننا نقل الماعز إلى السّاحل في فصل الشتاء، كما كانت الحال في الماضي، نظراً للظّروف الأمنيّة وأصبحنا مُجبرين على أن نقدّم الأعلاف للماشية في الشّتاء مما يرفع تكلفة القطيع فيأكل من الأرباح.

تربية الأبقار
لا يوجد في الباروك مزارع أبقار على مستوى كبير وواسع بل يوجد عدد قليل من مربّي الأبقار الصّغار وحيث لا يتجاوز عدد بقرات كلّ حظيرة العشر بقرات ويصرّف إنتاجها محلّياً، وهناك القليل الذي يُوَرّد إلى تعاونيّات المنطقة.

تربية النّحل
توفّر تربية النّحل دخلاً إضافيّاً لعدد من النّحّالين في الباروك الذين يملكون في ما بينهم نحو 800 خليّة نحل أو “قفير” وتستقطب تربية النّحل مزارعين أو متقاعدين يتّخذونها حرفة ثانويّة، لكن ما من نحّالين يعتمدون بالكامل على إنتاج العسل كما أنّ ضعف الرّعاية الحكوميّة للنّشاط والإرشاد والتّكلفة المتزايدة للاستثمار والجهد المطلوب للعناية بالنّحل على مدار العام قلّص من عدد المهتمّين بهذا القطاع. مع العلم أن موقع الباروك على سفح سلسلة من الجبال المشهورة بأزهارها البرّية يمكّنها من إنتاج عسل جرديّ فاخر وذي خصائص علاجيّة.

بلد النزهات والاصطياف
كانت الباروك وحتى اضطراب الأوضاع الأمنيّة في لبنان بلد اصطياف ومنتزهات ومطاعم يقصدها السّيّاح العرب أو المتنزهون اللبنانيّون ويتوزّعون بصورة خاصّة بين مطاعم النّهر والفنادق ومدينة الملاهي التي مضى عليها سنوات طويلة وباتت تُعتَبر مَعلماً مهمّاً لتسلية العائلات. وقد جذبت الباروك عدداً من أثرياء السّعوديّة والخليج الذين بنَوْا فيها فيلات وبيوتاً للاصطياف، كما قامت عدة فنادق في مواقع قريبة من النّهر أو على طريق الأرز بهدف استقطاب النّزلاء وحفلات الزّفاف وروّاد المطاعم.

 صعوبة نقل الماعز إلى الساحل شتاءً يرفع تكلفةُ تربيةِ القُطعان لأنه يُجبِر المربّين على تقديم الأعلاف والتّضـــــحية بأكثر الأرباح
صعوبة نقل الماعز إلى الساحل شتاءً يرفع تكلفةُ تربيةِ القُطعان لأنه يُجبِر المربّين على تقديم الأعلاف والتّضـــــحية بأكثر الأرباح

فنادق ..للصّيفيّة
يشير صاحب فندق باروك بالاس السيّد حافظ محمود إلى أنّ أكثريّة مطاعم ومنتزهات الباروك تقفل في فصل الشّتاء، أمّا نحن فنقفل الفندق والمنتجع في البلدة ونبقي على مطعم وفندق السّائح مفتوحا طيلة أيام السّنة، حيث نستقبل روّاد جبل الأرز في موسم الثّلج.
وذكر محمود إنّه تمّ قبل سنوات طُرِحت فكرة إنشاء تلفريك ينقل السياح فوق غابة أرز الباروك، وكان المشروع في مرحلة متقدّمة ويقترب من التنفيذ بالشراكة مع شركة ألمانية عندما وقعت حرب تموز 2006 فتخلّت الشّركة عن المشروع بسبب ما اعتبرته تراجع الجدوى في ظل الوضع الأمني المستجدّ.
يعزز ميزات الباروك كبلد نزهات واصطياف عدد من المواقع الطبيعيّة والأثريّة منها غابة أرز الباروك (والمعاصر) وهي أكبر غابة في لبنان وشرق آسيا تحتوى على ثلاثة ملايين شجرة تقريباً، ويزورها أكثر من 50 ألف سائح سنوياً، ونبع الباروك والذي يروي نحو مائة قرية.
حرج دلبون الطّبيعيّ ويحتوي على مئات الألوف من أشجار السّنديان المعمِّرة
ومن المواقع الأثريّة: مغارة وادي الكشك في سفح جبل الباروك.و “جرن النّاووس”

بلديّة الباروك – الفريديس
عاهد المجلس البلديّ الأهالي على تنفيذ عدّة مشاريع تنمويّة تسهم في تحسين صورة الباروك كبلد اصطياف وسياحة وقدّم رئيس البلديّة هبة لصيانة شبكة الكهرباء وإضاءة المصابيح كما اتّخدت البلديّة قراراً ببناء قصر بلديّ وتمّ شراء الأرض والبدء بالبناء. ومن المشاريع التي أوردها المجلس البلديّ في برنامج عمله: تنفيذ مشروع الصّرف الصّحيّ مع إنشاء محطّة تكرير وتجميل مداخل البلدة وتوسيع الطّرقات وشقّ طرق زراعيّه وإنشاء ملعب بلديّ نموذجيّ.

“مشروع تلفريك الأرز كان على وشك التّنفيذ من شركة ألمانية لكنّ حرب تموز 2006 ذهبت بالشّركة.وبالمشروع! “

مميّزون من الباروك
الباروك بلدة تضمّ عائلات عريقة لعبت دوراً في تاريخ لبنان وأحداثه ولا يكتمل موضوعنا عنها من دون التوقّف للتّعريف بعدد من رجالاتها الأفذاذ السابقين، ونحن نعلم هنا دقّة المهمّة كما نعلم أنّ البلدة قدّمت في العقود المعاصرة عدداً كبيراً من الشّخصيّات المؤثّرة والبارزة لكنّنا سنتوقّف في ما يلي عند عدد من الرّجالات والسيّدات من السّلف أو من الذين عاشوا في مطلع القرن الماضي أو أواسطه وذلك بناء على بعض المراجع المتوافرة مع علمنا أنّنا لم نُحَط بالموضوع لذلك فإنّنا نستميح القارئ عذراً إذا وجد في هذا الباب نقصاً لأنّه نقص تسبب من عدم كفاية المراجع أو هو من قبيل السّهو غير المقصود.

رشيد بك نخلة
شاعر كبير اشتُهر بكونه مؤلّف النّشيد الوطنيّ اللبنانيّ، كان أيضاً سياسيّاً بارعاً وكان أحد أركان الإدارة والقضاء في عهد الرّئيس حبيب باشا السّعد. باشر الوظائف كاتب تحريرات قائمقاميّات بلاد الشوف في عهد الأمير مصطفى أرسلان، ثمّ مديراً للعرقوب ثم مديراً للمعارف في لبنان، ومديراً “للأوقاف والأديان والمصالح العامّة في الجبل. ومع إنشاء دولة لبنان الكبير عُيّن مفتّشاً للأمن العام ثمّ محافظاً لصور 1925. نُفي إلى فلسطين في مدّة الحرب العالميّة الأولى بسبب نضاله الاستقلاليّ ثم نُفي بعد عودته إلى بلاد الأناضول. كان زعيماً شعبيّاً ووطنيّاً مجاهداً ونادى في عهد الانتداب الفرنسي بالاستقلال التّامّ وترأس المؤتمر الوطنيّ عام 1933 الذي كان من أهمّ مقرًراته وضع دستور للبلاد على أساس غير طائفي.

أمين نخلة
كان أمين نخلة شاعراً وكاتباً ومحامياً وسياسياً وصحافياً تميّز بحسن الخلق والرّصانة واللين ولقّب “بشاعر العرب”. تعلّم في مدرسة الأخوة الرّيمانيين في دير القمر وحين وقعت الحرب الكونية الأولى عاد إلى بيته، فسعى الأمير شكيب أرسلان إلى تعيينه مديراً لناحية العرقوب ولم يكن قد تجاوز الخامسة عشْرةَ من عمره فكان أصغر حاكم إداري في الدولة العثمانية. زاول المحاماة وأصدر جريدة “الشّعب” التي كان قد أسسها والده وترك الكثير من المؤلّفات في الأدب واللّغة والتّاريخ والقانون. وكان له صداقات كبيرة منها مع الملك فيصل بن عبد العزيز، الأمير شكيب أرسلان، كمال جنبلاط، بولس سلامة وخليل مطران وأمين الريحاني وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي ورياض الصّلح وأحمد رامي.
فؤاد الحداد: كاتب وأديب وناقد سياسي
حبّوبة الحدّاد: أديبة ومؤلّفة قصصية.
مُنتهى الحداد: ولدت في الباروك وأمضت حياتها في مهنة التّعليم منذ مطلع القرن العشرين وتحملت مسؤوليات مدرسة الباروك معلّمة ومربّية لأجيال كبيرة من أبناء البلدة. كانت موضع تقدير واحترام من كافة أبناء الباروك.
فريد أسعد الحداد: كان مناضلا تقدّميا في قوّة حفظ الأمن أثناء الأحداث الأهليّة، استشهد عام 1976 في بلدة معاصر الشوف أثناء عمليّة أمنيّة وملاحقته أحد المطلوبين للعدالة.

عائلة أبو علوان
يعود أصل هذه العائلة إلى عبد الله بن غطفان من بني أسد الملقّب بالعلوي نسبة إلى عائلة مجيدة وسمّي ايضاً شيخ أبي علوان قرّب الأمير فخر الدين المعني شيوخ هذه العائلة منه ولاسيّما أصحاب العمائم لوفائهم وصدقهم وبرز من العائلة رجال كان لهم ادوار وبصمات في الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة منهم:

بو علوان بن ناصر الدّين بن نعمان المعروف بالباروكي
ولد في الباروك سنة 1603 م. في الباروك واشتهر بهيبته وسكوته وبقوته الهائلة، كان من المقرّيبين إلى الأمير فخر الدّين الثّاني فخاض معه كثيراً من المعارك وكان إلى جانبه في أوقات ضعفه وبقي معه حتى آخر أيّامه قبل أن يستسلم على يديّ أمير البحر جعفر باشا وحارب ضدّ المعنيين في عهد الأمير علي علم الدّين.

سعيد بن مصطفى بن نبهان بن غيث بن عثمان بن شبلي أبو علوان
وُلد في الباروك وقبل ودرس في المدرسة الداوودية إلى جانب العربية التركية والفرنسية والانكليزية وفي سنة 1875 انتخب عضواً في مجلس إدارة جبل لبنان، لكن المتصرف رستم باشا كان يحقد عليه بسبب انتصاره للمطران بطرس البستاني وارساله عرائض بهذا الموضوع الى السلطان على يد رافع عبد الصمد فحل رستم باشا مجلس الإدارة لكن سعيد بك أبو علوان عاد بنسبة عالية من الأصوات: اشتُهر سعيد بك بنزعته التحرّرية وبكونه رجل الملمّات وفي عهد المتصرف نعوم باشا كانت أعقد المشاكل تُحلُّ بسبب صداقته القوية مع المتصرف. شغل عضوية مجلس إدارة جبل لبنان لمدة طويلة ثم عُيِّن مديراً لناحية العرقوب ثم قائمقاماً للشوف.

نهر-الباروك-أحد-أهم-االمواقع-السياحية-في-لبنان-يوزع-مياهه-على-أكثر-من-مئة-قرية
نهر-الباروك-أحد-أهم-االمواقع-السياحية-في-لبنان-يوزع-مياهه-على-أكثر-من-مئة-قرية

شكيب بن فارس بن نعمان بن نبهان أبو علوان
ولد في الباروك سنة 1898 وتوفي سنة 1975 وأنهى دروسه الثانويّة في المدرسة الشّرقيّة في زحلة وتابع علومه في الاستانة ، تولّى منصب مدير ناحية المناصف، سافر بعدها الى أميركا الجنوبية اشتهر بنبله وانسانيته وشخصيته القوية.

ضاهر بن خطّار بن فاعور أبو علوان
كان من وجهاء قومه لكنّهم ثاروا عليه وقتلوه لأنّه كان يخالفهم في ميله إلى الشيخ عبد السلام عماد ومخالفته غرضيتهم الجنبلاطية فحضر الأمير يوسف الى الباروك لمعاقبة المجرم ففر آل أبي علوان خارج البلاد فاستنجدوا بالجزّار في عكا الذي مدّهم بالعسكر فخاضوا معركة خاسرة في نَهر الحمّام ضدّ الشيخ كليب أبي نكد ومعركة أخرى في عَلمان ضدّ ابنه الشّيخ بشير فتغلّبوا فيها لكنّهم آثروا الرّجوع عمّا ابتغَوْا فعادوا بالعسكر إلى صيدا.

عارف بن فرحان بن سعيد بن مصطفى أبو علون
وُلِد في الباروك وتلقّى علومه في المدرسة الشّرقيّة في زحلة وكان لامعاً وخصوصاً في اللّغة العربية حيث كتب النّثر والشّعر وعُدّ بين الأدباء.
عمل عارف بك مستشاراً لدى الملك فيصل عندما دخلَ الشام ثم رجع إلى لبنان ليُعنَى بالزّراعة في أملاكه من غير أن يغفل عن السّياسة، فكان مقرّباً من دار المختارة في عهد فؤاد بك ثم السّت نظيرة ثم كمال بك ثم أسهم في تأسيس الحزب التّقدميّ الاشتراكيّ، وكان عضواً في الجبهة الوطنيّة. ناصر الثّورة الشّعبيّة سنة 1958 برجاله وماله. توفّي في تلك السّنة وأبّنه كمال بك جنبلاط وعدد من الخطباء حضر مأتمه سفير مصر عبد الحميد غالب الذي كان يحمل رسالة تعزية من الرّئيس جمال عبد النّاصر.

عبد القادر بن يوسف بن عبد الحميد أبو علوان
وُلد سنة 1920 م. ونبغ باكراً ومال إلى الزّهد والتّقشّف والتّقوى وأولع بالعلوم الدّينية وسير الأنبياء والأولياء والصّالحين وفي الثّالثة عشرَةَ من عمره نظم قصيدة كانت من الأشعار الرّوحية المميّزة، وهي القصيدة المخمّسة المعروفة بالقادريّة.

عثمان بن نبهان بن عفيف بن شبلي أبو علوان
وُلِد في الباروك ونشأ نشأة صالحة في بيت وجاهة فكان ذكيّاً شجاعاً محبّاً للعلم واسع الاطلاع. وعندما وقعت احداث 1825 كان مع بيت أبو علوان إلى جانب الزّعيم الجنبلاطي وأصابهم ما أصابهم من نقمة الأمير بشير واضطهاده. فنزحوا معه ولم يرجعوا إلا عند رجوع المنفيّين سنة 1840 فوجدوا ديارهم خراباً. ثار بالاتّفاق مع الشّيخ يوسف بك عبد الملك على عمر باشا النّمساوي سنة 1842 وفي سنة 1860 اعتقله فؤاد باشا مع عدد من زعماء الدّروز ونفيَ إلى بلغراد قرابة أربع سنوات ولمّا عاد من المنفى اعتزل السّياسة وارتدى الزِّيَّ الدّيني وانصرف الى العبادة، وتوفّي سنة 1876.

فرحان سعيد مصطفى غيث أبو علوان
وُلِد في الباروك وتلقّى علومه في المدرسة الشّرقيّة في زحلة فاتقن إلى جانب العربيّة الفرنسيّة والتّركيّة والايطاليّة والانكليزيّة فعُيّن قائمّقاماً للشّوف سنة 1911 وفي العهد الفرنسيّ كان فرحان بك عدوّاً لدوداً للفرنسيين. كانت له أيادٍ بيضاء على الفقراء والمعوزين. شارك في مأتمه الشّيخ محمد الجسر ممثلاً رئيس الجمهورية شارل دباس.
محمد نجم شبلي أبو علوان المعروف بالباروكي
رجلٌ تقيّ ورع صاحب فضيلة وكرامات أُولِع بالأسفار في شبابه فطاف في بلدان آسيا حتى وصل إلى الصّين واكتسب كثيراً من العلم والمعرفة الرّوحيّة حتى صار من أغزر مشايخ الطّائفة علماً وأوفرهم طيبة ورقة وتقوى.

يوسف نجيب سلمان أبو علوان
كان مسكنه الفريديس وكان من وجهاء البلاد فلمع نجمه – وبعد أن قضى الأمير بشير على آل نكد وانصرف للقضاء على آل عماد استدعى آل أبو علوان واخذ يُزيِّن لهم السيادة ويثير طامعهم ويشجّعهم على عداوة آل عماد. وبعد نزع يد آل عماد أطلق يد آل أبو علوان وكان على رأسهم الشّيخ يوسف الذي انقلب على الأمير وحرّم على رجاله المرور في المنطقة فحرّض الأمير أبناء أخيه عليه ومنّاهم بالوعود فقتلوه غدراً لكنّ الأمير حين طالبوه بما وعد أمر بإعدامهم.

آل العماد
جدود آل عماد في الباروك ثلاثة هم عماد وسرحال وبوعذرا. قدموا من الجبل الأعلى وسكنوا الزّنبقية وعين وزين ثم استقرّوا في الباروك. وكانت الرّئاسة لأحد الإخوة وهو الشّيخ عماد وكان له أربعة أولاد تقول الرّوايات بأنهم قُتلوا جميعا في ساحة القتال: الأوّل سنة 1633 في معركة خان حاصبيّا التي قتل فيها الأمير علي بن فخر الدّين وقُتل الثاني مع التّنوخيين الذين قتلهم الأمير علي علم الدين في عبيه، وفي السّنة التي تلتها قُتل الثالث في المغيرية ثم مات الرّابع وجميعهم ماتوا بلا عقب.

الشيخ توفيق أبو علوان
الشيخ توفيق أبو علوان

فايز حسين حمد جهجاه عماد
وُلدَ في الباروك وتلقّى علومه في مدرسة القرية ثم في الدّاودية عبيه ثمّ في الجامعة الوطنيّة وتخرّج مُزَوّداً بعلم وافر. عيّن سنة 1921 مديراً لعرقة الجنوبي خلفاً للشّيخ مصطفى العيد ثمّ قائمّقاماً للشّوف سنة 1923 وفي سنة 1929 ترشّح للنّيابة عن الشّوف فابعدته السّياسة الانتدابيّة عن النّجاح فعُيّن سنة 1937 قائمّقاماً للبترون ثمّ سنة 1938 لزغرتا ثم سنة 1941 لِجِزّين ثمّ انتقل إلى جديدة المتن ثم كُلّف محافظاً للشّمال مدّة 14 شهراً سنة 1952 ثم أُعيد إلى مركزه ثمّ أُسندت إليه محافظة البقاع بالوكالة وكان طيلة حياته معروفاً بالنّزاهة والإخلاص.

قاسم تامر قاسم عبد السّلام فارس عماد
وُلِدَ في الباروك وتلقّى علومه في الجامعة الوطنيّة/ عاليه ثمّ تخرّج محامياً من جامعة القدّيس يوسف واشتغل في المحاماة وفي سنة 1962عُيّن رئيساً لمصلحة الصّحافة والقضايا القانونيّة في وزارة الأنباء ومثّل وزارة الإعلام في مؤتمر الإعلام العربيّ في الجزائر ثمّ عُيّن مديراً عامّاً لوزارة الدّفاع ثمّ بالوكالة. اغتيل في طرابلس سنة 1975 عندما كان محافظاً للشّمال ودُفن في الباروك.

مصطفى كنج ناصر الدين عماد
وُلِدَ في الباروك ودرس مبادىء القانون وتعلّم التّركيّة وعيّنته الدّولة مديراً للمال في قضاء الشّوف ثم عيّنه مظفّر باشا برتبة بكباشي في الجندية سنة 1899 عُرف خلالها بالنّزاهة والجرأة والاستقامة. وأثناء الحرب العالميّة الأولى نُفي إلى الأناضول واشترك هناك بتأسيس حزب الثالوث مع الأمير توفيق أرسلان وفؤاد بك عبد الملك والشّيخ محمود جنبلاط والشّيخ محمود تقيّ الدّين، وبعد عودته من المنفى عيّنته الدّولة الفيصليّة عضواً في المجلس الثّوري في دمشق ثمّ عُيّن عضواً في اللّجنة البرلمانيّة وأحرز الرّتب والأوسمة العثمانيّة والفرنسيّة.

ناصر الدّين بو النّصر بشير عماد سيد أحمد عماد
وُلدَ في الباروك كان بطلاً مغواراً شجاعاً مقداماً قال عنه الشّدياق أشجع أهل زمانه اشترك في كثير من الأحداث التي جرت في البلاد.
ففي سنة 1807 طلب جرجس باز من الأمير بشير الشهابي أن يعاقب آل عماد فبعث إليهم بسبعين مُحَصّلاً يرهقونهم ويثقلون عليهم فطلب المشايخ إلى الأمير حسن أن يتوسّط لدى أخيه الأمير بشير فوعدهم شرط أن يقتلوا جرجس باز وأخاه عبد الأحد وبما أنّ جرجس باز كان يحرّض الأمير على المشايخ فقد وافقوا على قتله وذهب الشّيخ ناصر الدّين الى جبيل مع رجاله وتبادلوا إطلاق النّار مع عبد الأحد وأصيب الشّيخ ناصر الدّين في يديه، وقُتِل الشّيخ خطّار المُصفي أمّا الأمير بشير فقد قَتَل جرجس باز في اليوم نفسه في دير القمر.
كما قاتل مع مصطفى باشا والي حلب وكان من موالي الشّيخ بشير جنبلاط ضدّ الأمير بشير وفي سنة 1831 بعد موافقة الأمير بشير على رجوع النازحين من آل عماد رجع الشيخ ناصر الدين واستقرّ في الباروك.

الشّيخ أبو حسن عارف حلاوي
ولي من أولياء لبنان، وعلم من اعلام التقى والورع والزهد، ولد في الباروك عام 1899 ميلادية، وقضى قسماً كبيراً من حياته في بلدة معصريتي، كان مزاراً ومقصداً لكبار القوم كما لعامتهم وقد قدم للتبّرك به رؤساء ووزراء ونواب وشخصيات عديدة من البلاد أيضاً وبعد وفاته أصبح مقامه مزاراً لكل الناس. وقف الى جانب القيادة السياسية أثناء عواصف واحداث الجبل للحفاظ على وحدة الكلمة والموقف. كما كان داعياً من دعاة المحبة والخير والسلام. كما كان داعماً للوحدة الوطنية على أساس الاحترام المتبادل والعيش المشترك. وكثيراً ما كان يردد: (من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).

رفيق سعيد حسين حلاوي
وُلِدَ في الباروك وتلقّى علومه الاوّليّة في المدارس المحلية ثم في مدارس جبل الدّروز والتحق بالكلّيّة الجوّيّة الحربيّة في الجيش السّوري في حلب سنة 1954 وانتقل إلى الكليّة الحربيّة في حمص وتخرّج سنة 1957 برتبة ملازم ترقّى في المناصب العسكريّة وكان قائدا لأحد قطاعات جبهة الجولان سنة 1967.
عُيّن نائباً لرئيس محكمة أمن الدّولة برئاسة العماد مصطفى طلاس ثمّ تخرّج من معهد الأركان ثمّ عُيّن قائداً للواء 78 برتبة عقيد ونال وسام الجيش ووسام الثّورة وعدداً آخر من الأوسمة. عُرِف بالرّصانة والجديّة واستشهد في معارك القنيطرة عام 1973.

آل محمود
يُعتبَر آل محمود من أكبر العائلات في بلدة الباروك وقد برز منهم عدد من الشّخصيّات في السّلك الأمنيّ والعسكريّ والإداريّ كما برز منهم مشايخ تقوى وورع، ومن أبرز الشّخصيّات التي تنتمي إلى العائلة السّفير نهاد محمود الذي كان سفيراً للبنان في المكسيك وفي عدد من العواصم العالميّة وبرز اسمه بصورة خاصّة أثناء العدوان الإسرائيليّ على لبنان في تمّوز 2006 إذ كان يومها ممثّلاً للبنان في الأمم المتّحدة ولعبَ دوراً مهمّاً في إبراز الموقف اللّبناني في مواجهة المزاعم الإسرائيليّة وقام بعمله بكفاءة مشهودة.

الكنيسة
الكنيسة

نجيب قاسم نعمان حلاوي
وُلِدَ في الباروك وتلقّى علومه الأوّليّة في المدارس المحلّيّة ثمّ سافر إلى الآستانة وتخرّج من كلّيّة الطّب طبيب أسنان سنة 1912 مارس المهنة أوّلاً في راشيّا بناءً لدعوة من صديقه وزميله الدّكتور قبَلان الحدّاد طبيب القضاء هناك ثمّ انتقل إلى بيروت حيث مارس مهنته بكثير من الإنسانيّة حتى تقدّمت به السّنّ فاعتزل المهنة واعتكف في بيته في الباروك ليعتني بادارة أملاكه توفّي سنة 1976.

حَمّود الينطاني
عاصر الحكم العثمانيّ والفرنسيّ وكان مُكلّفاً من قبل الشّيخ خطّار العماد بجباية إيرادات أملاكه وقد كان شجاعاً ومشهوداً له بالرّجولة والبطولة ومقاومته للاحتلال العثمانيّ والفرنسي.

ملحم فارس أبو علي كرباج
وُلِدَ في الباروك وهاجر في مطلع شبابه إلى الأرجنتين وفي العام 1905 أسّس وأصدر جريدة الحقائق باللّغة العربيّة التي استمر إصدارها حتى وفاته.

معهد الامير السيد للعلوم التوحيدية

الشيخ هادي العريضي:

نعمـــل علــى إعــداد الكــوادر العلميـة والشخصيـــات الدينيــــة القــــادرة على التصدِّي للتحديّات الفكرية المعاصــرة

الشيخ هادي العريضي مدير المعهد يتطلع إلى دعم الخيرين لمسيرة هذه المؤسسة الرائدة -2
الشيخ هادي العريضي مدير المعهد يتطلع إلى دعم الخيرين لمسيرة هذه المؤسسة الرائدة -2

بعد سنتين من انطلاقته، خطا معهد الأمير السيد الجامعي للعلوم التوحيدية خطوات كبيرة في طريق التحول إلى المؤسسة الأولى المولجة بتكوين الكادرات المؤهلة للتعليم الديني والإرشاد وفق منهج واضح ومقررات يتم التشاور عليها مع القيادات الروحية للطائفة، وهو ما سد ثغرة مزمنة وفتح الباب واسعا لتنمية نخبة متضلعة بعلوم الدين وفقه العبادات وعلوم القران. فأين بلغ المعهد في جهوده وما هي الخدمات التي يقدمها في مجال التعليم والتنشئة الروحية؟
“الضحى” التقت رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي ومدير المعهد الشيخ هادي العريضي الذي تكرم بأعطائنا فكرة شاملة ومشجعة عن هذا الإنجاز الفريد. وفي ما يلي حصيلة اللقاء:

كيف انطلقت فكرة المعهد؟
فكرة إنشاء معهد للعلوم التوحيدية قديمة وطرحت مرارا بسبب ما نعرفه عن غياب مؤسسة يتم فيها توحيد المفاهيم والمقررات بدلا من الجهود الفردية المشكورة التي يقوم بها بعض الإخوان من حيث الاهتمام بالنشء الطالع والمهتمين بعلوم الدين والتي يمكن أن تفسح في المجال للاجتهاد. إن لدينا والحمد لله مرجعيات روحية يمكن الاستنارة بها لكن التعليم في عصرنا بات يحتاج إلى مؤسسات وإلى استمرارية.

مبنى المعهد ينتظر الإنجاز
مبنى المعهد ينتظر الإنجاز

ما هو النموذج الذي بني عليه المعهد؟
تأسس المعهد وفق أحدث مفاهيم التعليم المعتمدة من مؤسسات التعليم الديني والتي تختلف بالطبع في برامجها ومعاييرها وأساليب التعليم والتأهيل فيها عن معاهد التعليم الجامعية التقليدية، واستفادت دراسة المشروع من الخبرات المتجمعة لعدد كبير من مؤسسات التعليم الدينية ……، كما أخذت في الاعتبار طبيعة الحاجات الخاصة للطلاب وللمجتمع التوحيدي، والأمر الأهم أننا لا نستهدف التعليم النظري بقدر ما نهتم بالتربية والتأهيل وبتخريج كفاءات يمكنها أن تنقل مفاهيم التوحيد وأن تغرس أسس السلوك التوحيدي الشريف في عقول ونفوس الأجيال الجديدة.

ما هو مغزى اختيار بلدة عبية كمقر للمعهد وما هي دلالة الشعار الذي تبنيتموه ؟
السيد الأمير عبد الله التنوخي (ق) يمثل للموحدين في كل مكان قامة عظيمة في التقوى والعلوم والإرشاد، فهو في نظرهم مجدِّد الإيمان ومحيي الالتزام بالشريعة وبفرائض العبادة وهو على مرّ الأزمان المرجع الذي يتدرج السالكون وأهل الدين في تعاليمه ومخزون حكمته الواسع، فليس من قبيل الصدفة أن يحمل المعهد اسمه تبركا بمكانته وكذلك شعورا بالمسؤولية في السير على سننه والتزام تعاليمه من قبل الأجيال الحاضرة، وكم نحن بأمس الحاجة اليوم لإحياء سيرة الأمير السيد (ق) والانكباب على ما خلفه لنا من كنوز المسلك التوحيدي وعلوم الدين. أما اختيار عبيه كمقر للمعهد فلِما لهذه البلدة من تاريخ طويل وعريق في رفع شأن الدين وكذلك بسبب توفر أرض الوقف الخاص بالأمير السيد وعملاً بوصيته السامية التي اكد فيها على ضرورة صرف المال على نشر آداب السلوك التوحيدي والتفقّه في الدين.

كيف بدأ العمل في المعهد كيف تطور؟
كان اطلاق المشروع عام 2012 بعد استلام رئاسة اللجنة فتم عدة لقائات مع اصحاب الاختصاص وتحديد الموقع وتجهيزه وتنظيم برنامجه والتواصل مع الاساتذة من اجل تحضير منهج ومواد التعليم . وبتقدمة مباركة من الشيخ فريد صعب بقيمة 50 مليون ليرة قامت لجنة الأوقاف بإنجاز الطابق الأرضي من مال الأوقاف ونحن نعبر عن شكرنا للجنة الأوقاف برئاسة الأستاذ عباس الحلبي والمهندس بشير أبوعكر والمهندسة في مديرية الأوقاف كوثر عمار الذين واكبوا إعداد التصاميم واشرفوا على تنفيذ المبنى.
وفي شهر أيلول 2014 باشرنا التدريس بمباركة ودعم واشراف سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن .
انهينا العام الثاني قبل عيد الفطر وتم الاعلان عن التسجيل للعام الجديد خلال شهر ايلول وسيتم استقبال طلاب جدد . في حين ان اساتذته هم نخبة من اصحاب الاختصاص والباحثين المميزين يصل عددهم الى اثنا عشر مدرسا.
يتم استكمال الطابق الثاني بعد مبادرة كريمة من الأستاذ وليد جنبلاط الذي قدَّم مشكوراً مئة ألف دولار لهذه الغاية، ونحن نامل انهاء البناء قريبا بهمة الخيرين من أهلنا الكرام.

ما هي مصادر تمويل المعهد، وهل تأتي من وقف الأمير السيد ؟
يمكنني القول إن المصدر الأول لموارد المعهد المالية هو صندوق الأوقاف الدرزية أما المصدر الثاني فهو تبرعات الخيرين من رجالات الطائفة الذين تحمّسوا لدعم مسيرة هذا المعهد الأول من نوعه. وأودّ الإشارة إلى أننا نتبع سياسة انفاق محافظة فنخصص معظم الموارد لغايات التعليم ونقتصد كثيرا في الإنفاق مع الانصراف في الوقت نفسه إلى الاهتمام بتوفير الموارد للمعهد من مصادر متعددة بهدف ضمان قيامه بدوره واستمراريته.

حصة دراسية في المعهد
حصة دراسية في المعهد

ما هي أهداف المعهد وبرنامجه التعليمي؟
إنّ مهمّتنا هي توفير الدّروس وفق برنامج مقرّرات محدّدة وتأهيل الطلّاب بما يمكّنهم من فهم التّوحيد عقيدة وشريعة، ومنهاجاً، وإعداد الكوادر العلميّة والشّخصيّات الدينيّة القادرة على التصدِّي للتحدّيات الفكريّة المعاصرة وتنمية حسّ المسؤوليّة لدى الموحّد المسلم تجاه أسرته ومجتمعه بحيث يقترن العلم بالعمل والسّلوك. أخيراً فإنّ من أهداف المعهد إعداد مدرّسين في مجال تعليم المعارف والتّربية التوحيديّة في المعاهد الدينيّة والمدارس العصرية. وأهم الموادّ التي تدرّس في المعهد: أركان الإيمان ، السّيرة النّبوِيّة ، الفلسفة، علم الأديان، علوم القرآن، القران (تجويد,حفظ وتلاوة ) حوار الأديان، علم الحديث ,علم التفسير ، فِقْه العبادات، علم النّفس التّربويّ، آداب المستجيب ,اللّغة العربية واجنبية.

من هم الطلبة المؤهلون لدخول المعهد؟ وما هي المؤهلات المطلوبة للتسجيل؟
المعهد يركز تعليمه الآن على الملتزمين دينيا من الرجال لأننا نعتبر ذلك أولوية، لكننا سنسعى في المستقبل لفتح المجال أمام المريدات العابدات كما سنسعى لتوسيع فوائد المعهد إلى الجمهور من خلال تطوير المكتبة الموجودة اليوم الى مكتبة عامة.

من هي الجهة المولجة بإدارة المعهد؟
إن اللجنة الدينية في المجلس المذهبي بحكم القانون هي المشرفة على المناهج الدينية في مؤسسات الطائفة ومن ضمنها هذا المعهد وهي التي تصدر التوصيات والقرارات حاليا . ونحن نعمل بتنسيق وبتوجيه من سماحة شيخ العقل، ونسعى للاستحصال على ترخيص من الدولة اللبنانية، كما نستنير بالنصوص المعتمدة من المرجعيات الروحية ويعاوننا في الإدارة مجموعة متميزة من المشايخ الأكارم أعضاء الهيئة التعليمية .

ما الذي تحتاجونه في المستقبل لتطوير تجربة المعهد وتعزيز دوره؟
المعهد انطلق والحمد لله بفضل الخيرين وبدعم من المجلس المذهبي لكن المهم أن نستمر وأن نرتقي بالمعهد ليصبح فعلا منارة للعلوم ولتنشئة الكفاءات التي نحتاجها لتعزيز ثقافتنا التوحيدية الإسلامية، وهذا يحتاج إلى مزيد من الدعم وإلى اجتماع النخبة من الطائفة حول هذا الجهد، وهذا يحتاج إلى زيادة الدعم عن المستوى المتواضع الذي نحصل عليه الآن. ونحن نناشد أهل الخير مضاعفة الجهود من أجل استكمال أعمال المبنى المؤلّف من 3 قاعات للتدريس ومصلّى وقاعة محاضرات ومكتبة عامة فإن خير الأعمال بالإكمال.

شعار المعهد
شعار المعهد

كلمة اخيرة؟
نشكر مجلة “الضحى” على اهتمامها بهذا الإنجاز، ونتمنى ان تكون منبرا عريقا للثقافة والتاريخ وأن تفسح في المجال لتغطية نشاطات وأعمال لجان المجلس المذهبي، كما نحث إخواننا وأبناءنا على دعم هذه المجلة الفريدة ذات التنوّع الثّقافيّ والاجتماعيّ، ومبدؤنا في ذلك هو التعاون على البرّ والتقوى، وأن تكون مؤسسات الطائفة كلها مساندة بعضها للبعض كالبنيان المرصوص. ونتمنى على الاخوة الملتزمين ان يقصدوا المعهد للتعلم ونتعاون على نقل المعرفة الى ابنائنا الكرام. ويفتح المعهد الباب لكل مريد من اجل انتشار العلم والمعرفة بين ابناء التوحيد . وندعوا الى تشكيل مجلس امناء يساعد على تحقيق ما نصبو اليه . ونحن على ثقة بان الغطاء الروحي والمعنوي من سماحة شيخ العقل والمراجع الروحية هو ضمان استمرار ونجاح المعهد وتطويره ضمن منهجية السلف الصالح.
وختاما لا بد من شكر كل شخص ساهم وشارك في انجاح هذه المسيرة. كما نتوجه بالشكر الخاصّ لسماحة شيخ العقل الراعي الأول لهذا المعهد كما أنه لا يبخل أبدا بالنصح والإرشاد وهو المتابع بدقة لمؤسسات الطائفة والساهر على دعمها وتطويرها.

عين عطا

  بلدة عيــــن عطا انتقلــت من موقعــها السّابق إلى تلال حصينة بعد صِدام مع الجند العثماني

عَيْن عَطا

البلـــدة التــي غيّــــرت مَكانَهــــا
ولــــم تُغَيِّــــــــر عُنفُوانَــــــــــــــها

ثروةُ ينابيع واقتصاد زراعيّ أضعفه النّزوح
وثروةُ آثار أضاعها الإهمال وجَشَع اللّصوص
حمايةُ الأحراش وحَملات التّشجير زوّدت عيْن عطا
بأكبر غطاء أخضر وصنّفتها بين القُرى الأنقى بيئيّاً

لقرية عين عطا الوادعة في منطقة راشيّا تاريخ حافل بأحداث وتحدّيات وإسهامات في مواقع وأكثر من جهاد في الدّفاع عن الكرامة والأرض والعِرض، وبسبب الكرامة والذّود عن الشّرف اصطدم أهلها بالجند العثمانيّ، حيث قاتلوهم واضطرّوا بعدها لتبديل موقع القرية إلى تلال حصينة في مرتفعاتها هرباً من انتقام الجند ومظالمهم. وأبرز سمات عين عطا، عدا التّعايش المسيحيّ الدّرزيّ الطّويل، هو احتضانها لمقام أحد أبرز أولياء الموحّدين، المرحوم الشّيخ الفاضل والذي يُعْتَبر من أهمّ المزارات الرّوحية للموحّدين الدّروز في لبنان وفي المنطقة. فماذا نعرف عن هذه القرية وعن تاريخها وعن واقعها الرّاهن؟

الموقع
تقع عين عطا عند سفوح جبل الشّيخ وعلى ارتفاع يتراوح ما بين 1350 و 1500 متر عن سطح البحر في الطرف الجنوبي لقضاء راشيا وهي تتبع ادارياً لقضاء راشيّا، محافظة البقاع.
وبسبب موقعها الجغرافيّ الوسيط تشكل عين عطا صلة الوصل الطّبيعية بين البقاع والجنوب وتحيط بها وتجاورها عدّة قرى منها قرى الكفير والخلوات من الجهة الجنوبيّة الغربيّة وبلدة شبعا من الجنوب ومن الغرب قرية مرج الزّهور ومن الجهة الشّماليّة قرية عين حرشا وقرية تنّورة ومن الشّمال الشّرقي بلدة راشيّا ويُعتبر جبل الشّيخ الحاجز الطّبيعي الذي يفصل بلدة عين عطا عن القرى والبلدات السّورية من الجهة الشّرقيّة وعلى وجه التّحديد قرى عرنة والرّيمة السّوريّتين. وتبعد البلدة عن زحلة مركز محافظة البقاع نحو 50 كلم وعن العاصمة بيروت 103 كلم

عين عطا في التّاريخ
يذكر الأستاذ نعمان السّاحلي مدير ثانوية الكفير ومنسّق مادّة التّاريخ فيها أنّ تاريخ عين عطا يعود الى عهد سولوقس أحد خلفاء الإسكندر حيث الآثار والنّقوش الحجريّة والكتابة الرّومانيّة تدلّ على تلك الحِقبة، فالموقع الجغرافيّ لبلدة عين عطا وامتداد جبالها ووديانها يقيمان ارتباطاً عميقاً بين لبنان وسوريا وفلسطين، وكان للبلدة أهمّيّة خاصّة بسبب وقوعها على خطّ القوافل التّجاريّة التي كانت تنتقل في رحلاتها الصّيفيّة من دمشق عبر بلدة دير العشاير وصولاً إلى منطقة جبل الخان أو ما يعرف ببير الخان، الذي كان يعتبر مكاناً لاستراحة القوافل قبل أن تتابع سيرها نحو فلسطين وصولاً إلى عريش مصر. ومن أبرز المعالم في عين عطا نصب إله الشمس “هيليوس” والذي يعود إلى الحقبة الرّومانية إضافة إلى العديد من الآثار المجاورة له .
ويشير الأستاذ السّاحلي إلى أنّ البلدة كانت قديما ً تقع على طريق يعرف بطريق السّلطانة الذي يربط وادي التّيم من طرفيه راشيّا وحاصبيّا وهي النّقطة الوسطيّة في وادي التّيم أو ما كان يُطلق عليه شجرة الغربي التي اجتمع تحتها أعيان ووجهاء الوادي تأييداً ودعماً لدروز سوريا في حربهم ضد إبراهيم باشا، وتم الاتفاق على جمع الذّخيرة والمؤنة وإرسالها إلى أبناء جبل الدروز حيث قام بنقلها الشيخ إسماعيل شقير من بلدة عيحا .
أمّا سبب انتقال البلدة إلى الموقع الحاليّ فيعود إلى واقعة تاريخيّة إبّان العهد العثمانيّ إذ قام بعض الجنود العثمانيّين أكثر من مرة بالتّحرّش ببعض نسوة البلدة، وفي يوم دخل جنديّان إلى أحد المنازل عنوة فما كان من أصحاب المنزل إلّا مبادرة احد الجنود بضربة من سكة الحراثة قضت عليه. على أثر ذلك تعرّضت البلدة إلى المضايقات والتّنكيل وتهديم المنازل، الأمر الذي أجبر أصحابها على تركها والانتقال إلى التلّة المرتفعة والتَّحَصُّن بها حيث كان يصعب الوصول إليها لكثافة الأشجار وصعوبة المسالك الجبليّة.
ولا بد هنا من الإشارة إلى وقوف أبناء البلدة إلى جانب شبلي آغا العريان الأوّل في حربه ضد إبراهيم باشا في معركة جنعم الواقعة بين عين عطا وشبعا، ومن بعدها أعلن القائد المصري شبعا منطقة مفتوحة وقام أعيان شبعا بالمحافظة على العائلات الدّرزية التي انتقلت فيما بعد إلى قرى حاصبيّا وتعمّقت العلاقات بين البلدتين وأهليهما.

في ظلّ الانتداب الفرنسي
كان لحكمة وجهاء البلدة وأعيانها من دروز ومسيحيّين الدّور الرّياديّ في تجنيب البلدة الحريق والدّمار والتّهجير الذي تعرضت له العديد من قرى وبلدات راشيّا من قبل جيش الانتداب الفرنسيّ، إلّا أنّ اتفاقاً أُبرم بين الكولونيل climent وأعيان البلدة قضى بإخراج الثّوار من البلدة مقابل تجنيبها القصف وهذا ما حصل إلّا أنّ الثوّار إنتقلوا إلى بلدة راشيّا وكان لهم الكلمة الفصل إذ اقتحموا قلعتها الحصينة وسيطروا على مخزن الأسلحة ثمّ قاموا بتوزيعها على الثّوار المهاجمين حيث سقط للثوّار المهاجمين عدد من الشّهداء نقشت أسماؤهم على اللوحة التذكارية داخل قلعة راشيّا .

السكّان والعائلات
يبلغ عدد سكّان البلدة المسجّلين 3225 نسمة لكنّ المقيمين منهم لا يزيد عددهم على 1650 نسمة بسبب انتقال قسم من سكّان البلدة إلى خارجها سواء بفعل العمل في المهاجر أو في العاصمة وغيرها من المدن وهذه في الواقع حال الكثير من القرى الجنوبية ومعظم قرى لبنان.
سكان البلدة المقيمون والمغتربون هم من الدروز والمسيحيين ويتوزّعون على العائلات التّالية:

دروز: القاضي، الحاج، الساحلي، جابر، حمدان، خضر، خير، ريدان، شديد، فرج، ميرهم، عبد الحق، غازي، غزالي، وهبة، يونس.
مسيحيّون: الحدّاد، الزّين، ثابت، خوري، موّال.

وفرة مياه
تتميّز هذه القرية بوفرة مواردها المائيّة العذبة التي تتمثّل بعدد من الينابيع الدّائمة ولعلّ أبرز هذه الينابيع نبع عين اللّوز الذي تُعتبر مياهُه من المياه الأعذب والأنقى في لبنان حيث ينبع من جبل الشّيخ على ارتفاع يزيد عن 2400 متر عن سطح البحر وتمّ جرّ مياهه في منتصف ستينيّات القرن الماضي حيث كان للمعلّم كمال جنبلاط دور أساسيّ في جرّ مياه النّبع إلى البلدة وتوزيعها على منازلها كافّة وهناك ينابيع أخرى منها عين الضّيعة وعين الغرقة وعين جبّ ملكة وعين الكروم وكل هذه الينابيع العذبة تنبع في محيط القرية.

الاغتراب
لعب الاغتراب دوراً مهمّاً في تحريك العجلة الاقتصاديّة في البلدة لاسيّما من خلال الأموال التي يرسلها المغتربون إلى ذويهم أو من خلال بعض الاستثمارات الصّغيرة في بعض المشاريع التي تساهم في تفعيل اقتصاد البلدة أو في خلق بعض فرص العمل وعلينا ألّا ننسى تقديمات المغتربين إلى أبناء البلدة خلال فترة الحرب الأهليّة وإبّان الاحتلال الإسرائيلي وفي طليعتهم محمّد حسن خضر الذي ساهم في تشييد مدرسة لطلّاب البلدة وملعب لكرة القدم وبناء مستوصف إضافة إلى العديد من التّقديمات الاجتماعيّة ودعم الطلّاب المتفوّقين كذلك المغترب سليمان علي ريدان الذي كان له اليد البيضاء في تشييد قاعة عامّة للبلدة ومدّ شبكة الكهرباء وغيرها من المشاريع وهناك أيضاً مساهمة أبناء الخوري حبيب الحداد في إقامة مكتبة عامّة للبلدة .

النّزوح
تُعتبر ظاهرة النّزوح الموسميّ من عين عطا إلى ضواحي العاصمة بيروت وعلى وجه التّحديد منطقة الشّويفات ودير قوبل ملفتة حيث أنّه في تلك المنطقة أصبح ما يزيد على مئة أسرة تمتلك شققاً بالإضافة إلى شقق ومنازل في عاليه وبيروت وضهر الأحمر. والسّبب الأساسيّ للنّزوح هو البحث عن فرص العمل أمّا الثاني والمهمّ فهو موضوع تعليم أبناء الأسر في جامعات لأن اقرب الجامعات الى القرية تقع في زحلة ولا يستطيع الطلّاب الانتقال إليها بشكل يوميّ نظراً لغياب وسائل النّقل وإن وجدت فهي تكبّد الطلّاب مشقّة الطريق وهدر الوقت نظراً لبعد المسافة .

حراك اجتماعي
ينشط في عين عطا عدد من الجمعيّات الشبابيّة والمنظّمات الكشفيّة ونادٍ رياضيّ لعب دوراً مهمّاً خلال العقود الماضية في جمع المجتمع المحلّي تحت راية الرّياضة إضافة إلى عدد من الجمعيّات التي تُعنى بالشّأن المحلّي مثل جمعيّة الرّعاية الصحيّة والاجتماعيّة وتعاونيّة عين اللّوز لتصنيع المنتجات الزراعيّة المحليّة التي تقوم بمساعدة المزارعين على تصنيع منتجاتهم وحمايتها من الكساد والتّلف وهذه المنتجات يتمّ تسويقها في القرى والبلدات المجاورة ومن خلال المشاركة في المعارض على مساحة الوطن وتمتاز عن سواها من التعاونيّات الزّراعية بكون منتجاتها خالية من الموادّ الحافظة والمنتجات بعليّة لا تدخلها الأسمدة كذلك ساهمت في خلق العديد من فرص العمل لفتيات ونساء القرية.

إقتصاد القرية
لازالت عين عطا تعتمد بشكل جزئي على النّشاطات الزراعيّة وفي طليعتها زراعة الزّيتون والكرمة وزراعة الصّنوبر إضافة إلى زراعة القمح وتربية النّحل. وقد ازدهرت مؤخّرا مهنة إعداد الخبز المرقوق (خبز الصّاج) والتي تحقّق دخلاً إضافيّاً للعديد من ربّات المنازل، وهناك الآن سبعة أفران تؤمّن احتياجات أبناء البلدة وما يزيد يتمّ تسويقه في القرى والبلدات المجاورة
ويشكل انتاج الصّنَوبر بصورة خاصّة مردوداً جيّداً ولاسيّما في الآونة الأخيرة بعد ارتفاع اسعاره وأصبحت بلدة عين عطا الآن محاطة بمساحات من الصّنوبر المعمر إضافة إلى قيام ابناء القرية بتشجير مساحات واسعة من السّفوح المحيطة بالبلدة بشجيرات الصّنوبر. واستقدمت التعاونيّة الزراعيّة كسارة خاصة بفصل حب الصنوبر بسبب وفرة الإنتاج.

مقام الشيخ الفاضل
مقام الشيخ الفاضل

التّعليم
تم افتتاح مدرسة في البلدة في مطلع السّتينيّات من القرن الماضي وتمّ تطويرها وتدعيمها لاسيّما خلال الحرب الأهليّة حتى وصل عدد الطلّاب إلى أكثر من ثلاثمائة طالب قبل أن تنهار في العقد الأخير وتقفل أبوابها ليتمّ توزيع الأساتذة على المدارس المجاورة، أمّا السّبب في ذلك فيعود من جهة إلى تأثير النّزوح على انخفاض عدد الطلّاب دون الحدّ الأدنى اللّازم، وكذلك تفضيل عدد متزايد من الأهالي تعليم أولادهم في المدارس الخاصّة، علماً أنّ هناك ما يزيد على عشرين حافلة مدرسيّة تخرج من البلدة في صباح كلّ يوم.
ويتمّ تعليم المرحلة الثّانوية في ثانويّة الكفير الرّسمية وفي ثانويّة راشيّا الرّسمية القريبتين من البلدة. أمّا مرحلة التّعليم الجامعيّ فلا تخلو من الصّعوبة لغياب الاختصاصات عن الجامعة اللّبنانيّة في راشيّا والّتي تنحصر في اختصاص إدارة الأعمال، ممّا يدفع الطلّاب للانتقال إلى مدينة زحلة أو إلى العاصمة بيروت .

مقام الشّيخ الفاضل
يقع في عين عطا المقام المهيب للشّيخ محمّد أبي هلال المعروف بالشّيخ الفاضل وهو أحد أهم الأولياء الدّروز ومن أبرز العلماء الزّاهدين. وحسب بحث للأستاذ منير سعيد مهنّا من راشيا الوادي فإن الشّيخ عاصر الأمير فخر الدين المعني الثّاني في القرن السّابع عشر، ويُعتقد أنّه ولد في سنة 989 للهجرة (1577م).امّا مكان ولادته فإحدى حارات قرية كوكبا في منطقة راشيا الوادي تدعى الشعيري. وقد نشأ يتيم الأب، وارثاً عن أهله بعض الماشية التي كانت مصدر معيشة له ولوالدته.
ويذكر مهنا أنّه “ولمّا لم يكن في قريته أستاذ يعلّمه أصول الكتابة فقد اصطنع لنفسه لوحاً كان يحمله في تجواله مع قطيعه سائلا من يلتقيهم من أهل العلم والمعرفة أن يدوّنوا له الحروف ويعلّموه شيئاً من الكتابة، فأتقن الخط وتعلم القراءة ببداهة لافتة تدلّ إلى فطنة وشغف بالعلم مذ كان طفلاً”.
بعد مدة أمضاها الشّيخ الفاضل في قريته كوكبا، كان قراره الذّهاب إلى دمشق لتحصيل العلوم الدّينية، كما فعل من قبله الأمير السيّد عبدالله التّنوخي، والذي كان يعتبره الشّيخ مرجعاً في شرح أمور عقيدة التّوحيد ومسلكها
تنقّل الشّيخ الفاضل بين قرى عدّة منها شويّا في منطقة حاصبيّا (وما زال فيها كهف معروف باسمه) حتى وافته المنيّة في بلدة شبعا، ونقل جثمانه بعد ذلك إلى عين عطا، حيث دفن في مقام يزوره الموحّدون الدّروز حتى اليوم. ومن وصاياه عندما دنا أجله قوله: “مطلوبي أن لا تدفنوني إلاّ في حقل يُحرث حتى لا يُعرف لي قبر أبداً، ولا تنعوني إلى أحد، وبلّغوا عن لساني ألا يرثيني أحد ببيت شعر”
يُعتبر مقام الشّيخ الفاضل من أبرز المقامات الرّوحية لطائفة الموحّدين الدّروز وهو يزار يوميّاً ويحظى بإجلال خاص لدى المؤمنين.

ثروة آثار
يقول الأستاذ نعمان السّاحلي إنّ الكثير من آثار عين عطا تعود إلى الحقبة الرّومانية وهي موزّعة في أمكنة مختلفة من البلدة، إلّا أنّ إهمال الاهتمام بها من قبل الدولة أدى الى إندثارها، وما بقي منها فلأنه صعب على العابثين سرقته. كما أنّ حصول الكثير من أعمال الحفر والتنقيب في المنطقة غير معالمها فتعرضت للتشويه منطقة جبل الخان حيث إله الشمس “هيليوس” وفي أعلى البلدة “خلة الجرن” شرق البلدة توجد صخرة منقوش عليها صورة لملكة والحراس من حولها وهذا يعود إلى الحضارة الهلنستية ويشكل دليلاً على أهميّة هذه المنطقة خلال تلك الحقبة ، أمّا الآثار الموجودة في مقام الشيخ الفاضل فتضمّ منحوتة لنِسرٍ مجنّح إضافة إلى بعض الآثار المجاورة وبعض المسلّات والأحجار التي يوجد عليها أيضاً بعض الكتابات اليونانيّة .

منظر عام للبلدة
منظر عام للبلدة

مجموعة الشيخ أسعد خير
تاريخ عين عطا العريق، يوجد الآن نماذج كثيرة منه في مجموعة المقتنيات القديمة للشّيخ أسعد خير الرّجل السبعيني الذي سعى لحفظ معطيات الزّمن السّابق (زمن البركة) بمصنوعاته الخشبيّة التي ترجم من خلالها شغفه بفن الحفر على الحجر والخشب على حدّ ٍ سواء. وممّا أنجزه إعادة تصنيع وحفر جميع مقتنيات الأسرة الرّيفية في القرن الماضي مثل:
• المَوْرَج: وهو عبارة قطعتين من خشب الصّنوبر بعرض المتر تقريبا ً تُجمع مع بعضها البعض لتصبح مسطّحاً خشبيّاً تُحْفَر في أسفله ثقوب تُزرع بالحصى الخشن ومعظمها صوّانيّة سوداء اللّون، وهذه الحجارة تمرّ على سنابل القمح المجمّعة في البيدر فتدرسها أي تفصل حبّات القمح التي تحملها عن السّاق الجافّ والذي بدوره يتكسّر تحت المَوْرج ليصبح “تبناً” يتمّ خزنه لاستخدامه كعلف للماشية. وكان المورج يُجَر عادة بثور أو أكثر وفي حالات أخرى استُخدمت البغال لجرّه على البيدر.
• النَّير: عبارة عن قطعة خشبيّة لها فتحتان وتوضع على رقبتي حيوانَيْ جرّ بهدف جمعهما إلى بعضهما بحيث يعملان سويّاً عند حراثة الأرض أو جرّ المَوْرج أو غير ذلك من مهمّات الجَر.
• العُود: يتألّف من عدّة قطع خشبيّة ويثبّت في طَرَفه “سكّة” من الحديد ويتمّ ربط طَرفه الآخر بالنّير أيضاً وهو مزوّد بـ “كابوسة” وهي القبضة التي يمسك بها الفلّاح لتوجيه السكّة أثناء الفلاحة.
• الزّحف (الرّحْت): قطعة خشبيّة تُستخدم لإزالة الثّلوج من أسطح المنازل التّرابيّة ويتمّ التّنظيف بعد الزّحف بواسطة المقحاط .
• الماعوس: وهو عبارة عن قضيب من حديد قطر 14مم على شكل حرف u مفتوح عند رأسيه يدخل في ثقبي المحدلة الجانبيين ليساعد على جرّ ها.
• المحدلة: وهي عبارة عن قطعة أسطوانيّة من الحجر تستخدم بعد المطر أو جرف الثلج عن سطح المنزل لرصّ ترابه بهدف منع المياه من التسرّب إلى سقف المنزل ومنه إلى أرضه.
إضافة إلى الأواني التي كانت تستخدم في المنازل القديمة وهي جرن القهوة والمهباج ويتبع بالمبرّدة الخشبية التي يتمّ وضع القهوة بها بعد تحميصها لتبرد، الجاروشة وهي عبارة عن قطعتين من الحجر يعمد بواسطتها إلى جَرش البُرغل .
ومن مستلزمات المنازل القديمة مجموعة من وسائل الإنارة تُعرف بالقِنديل و الشّمعدان والفَنار والنّواصة والسّراج .
والهدف من إحياء هذه المقتنيات هو تخليدها في ذاكرة الأجيال الصّاعدة التي لا تعرف عنها شيئاً ولحمايتها من الاندثار
ويتابع الشيخ أسعد خير حديثه: “إنّ الزّمن الجميل الماضي كان زمن مباهج حقيقية وليست مزيفة وقد كان النّاس يومها يفرحون أو يحزنون لفرح أو لحزن بعضهم البعض هو زمن كانت الناس تاكل من معاجن بعضها البعض، فالتّعاون كان السّمة الاساسيّة لعين عطا ولأيّ قرية وكان تقليد “العَوْنَة “ يمثّل المساعدة الجماعيّة التي يُسديها الجيران لبعضهم في الأعمال التي تحتاج إلى أيد ٍ كثيرة والفكرة انطلقت من مفهوم حسن الجوار ومن العصبيّة التي جمعت أبناء العائلة أو الحي أو القرية وفرضتها طبيعة المجتمع بحكم عُزلته الجبليّة القاسية. وهذه العَوْنة كانت تتجسّد في مختلف مظاهر الحياة كسَلق البُرغل ونقله إلى السّطح، وهو المكان الذي يتم تنشيفه عليه، أو في قطاف الكروم أو في قطع العجين وترويجه قبل الخَبْز، أو في حدل الأسطح الترابيّة أو في سقف المنازل المبنيّة حديثاً.. أمّا اليوم قد ذوّبت التّقنيات الحديثة والقيم الفرديّة الدّخيلة التي غزت مجتمعاتنا هذه الألفة، وجعلتها من الذّاكرة حتى أفراد الأسرة الواحدة هم بعيدون عن بعضهم وإن وجدوا في غرفة واحدة!

الأستــاذ نعمــان الساحلي
الأستــاذ نعمــان الساحلي

العمل البلدي
لبلدية عين عطا تجربة نوعيّة في الخروج عن التّقليد في العمل البلدي والاهتمام بالجانب العمراني إلى جانب آخر يعني الإنسان بشكل مباشر حيث اعتبر رئيس البلدية طليع خضر في حديث إلى “الضّحى”إنّ واجب المجلس البلدي متابعة هموم المواطن وحماية البيئة إضافة إلى تأمين الخدمات الأساسية للمواطن.
وأضاف السيّد خضر: إنّ البلدية قامت بدورها على صعيد حماية الثّروة الحرجية الموجودة في محيط البلدة وزيادة المساحات الخضراء حتى باتت عين عطا من البلدات القليلة في راشيّا التي تتمتّع بغطاء أخضر متنوّع النّباتات، وهو ما ساهم في تصنيفها بين البلدات الأنقى بيئيّاً على مستوى الشّرق الأوسط من قبل إحدى البعثات الأجنبيّة التي زارت البلدة.
وشرح رئيس البلديّة أبرز إنجازات وخطط البلديّة على النّحو التّالي:
• أحيت البلديّة العمل بمستوصف البلدة بما في ذلك عيادة طب الأسنان التي تساهم في معالجة أبناء القرية بأسعار مدروسة. وهناك عمل على تجهيز سيارة إسعاف.
• أطلقت البلدية تجربة رائدة هي مدرسة محو الأمية التي تهدف الى مساعدة من يرغب من كبار السن في تحصيل القراءة والكتابة وهذه التجربة الناجحة أدخلت المجتمع داخل البلدة في شباب متجدد .
• تمت الاستفادة من وسائل التّواصل الاجتماعي لإقامة مجموعة لأبناء البلدة في المغترب أو داخل لبنان حيث أصبح بإمكانهم التّواصل الدّائم ومعرفة كل ما يجري داخل البلدة من أتراح وأفراح أو أي حدث في وقت حصوله.
• تسعى البلدية إلى إقامة قاعة عامة للمناسبات في البلدة وضعت الخرائط لها على أن يجري العمل بها في وقت قريب لتكون قاعة مميزة تليق بالبلدة وبضيوفها .
• كما يتمّ التّحضير لإقامة حديقة عامّة في وسط البلدة تكون متنفّساً ومَعْلماً بيئيّاً. وكذلك توسيع مدخل البلدة الجنوبي الشّرقي.
• قامت البلدية بمتابعة وضع اللّاجئين السّوريين داخل البلدة من خلال عمليّة الإحصاء والمتابعة المستمرّة لضبط وجودهم داخل البلدة .
• ومن مشاريع البلديّة توسيع طرقات البلدة الدّاخليّة وتعبيدها لتصل إلى كافة المنازل والعمل على تطوير شبكة الكهرباء وشبكة مياه الشّفة وإنشاء برك لتجميع مياه الأمطار في

منزل قديم 1 (1)
منزل قديم 1

أعلى البلدة يستفيد منها المزارعون وأصحاب المواشي .

حكاية نخوة غير معهودة

من العادات والتّقاليد التي مازالت تتوارثها الأجيال حتى يومنا هذا النّخوة التي تتمثل في مؤازرة الناس بعضهم لبعض في الأفراح والأحزان وتقاليد الكرم وتكريم الضيف.
ويروي أبناء البلدة كمثال على ذلك قصّة الشّيخ أبو توفيق حسين القاضي الذي كان يعتني بكرمه الواقع على طرف القرية، عندما صادف مرور مجموعة من مشايخ الجليل بقربه فبادر إلى التّرحيب بهم ودعاهم إلى تناول العنب من كرمه وسارع إلى قطف مجموعة من عناقيد العنب وناداهم أن “تفضلوا جابرونا”.
إلا أنّ المشايخ بادروه برمي الحرام عليه ألّا يقطف أيّاً من العناقيد ظنّاً منهم أنّه ناطور وأنّه يقدم الضيافة من كروم الآخرين وتابع المشايخ سيرهم. لكنّ الشّيخ القاضي انزعج ممّا حصل وأراد أن يثبت للمشايخ حسن النّيَّة وأن الرّزق حلال فلم يجد طريقة أفضل من اقتلاع الدّالية من أرضه واللّحاق بالمشايخ على الدّرب الذي سلكوه وفور وصوله إليهم طلب منهم أن يقطفوا بيدهم من الدّالية لإبعاد الحرام الذي رموه عليه، وكان لهذا التّصرّف وقعه على المشايخ الذين بادروا إلى المشاركة وقطف العنب من الدّالية وهم مندهشون من نخوته وحرصه على توضيح موقفه حتى لا يبقى هناك التباس في ذهن أحد عن استقامته.

ازمة النفايات

[su_accordion]

[su_spoiler title=”الضحى ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

صبحي الدبيسي

رُبَّ ضارّة نافِعة

كيفَ تؤدّي أزْمَةُ النّفايات
إلى نهضةٍ في العملِ المُدُنيّ

ما زلنا عند رأينا أنّ الحل البديهيّ والأقل تكلفة لمشكلة النّفايات في جبل لبنان من شماله إلى جَنوبه هو فرز النّفايات العضويّة في المصدر، وإن كان ذلك يتطلّب إرساء وتطوير ثقافة يصبح فيها المواطن جزءاً من الحلّ وليس فقط مصدر المشكلة. ونحن نُحيّي بحرارة بلديتي بريح وعبَيهْ على مبادرتيهما الرائدتين لفرز النّفايات المنزليّة في المصدر وندعو بقية البلديّات لأن تنظر إلى تجربتي البلدتين المختلفتين في الأسلوب؛ لكن الموحّدتان في الهدف (وأيّة تجارب أخرى ناجحة) كسابقات مفيدة وكدليل على أنّ من الممكن عندما تتوافر الإرادة أن نحلّ مشكلة النّفايات بأسلوب عمليّ غير مكلف، بل وحضاريّ.
الشّعب اللبنانيّ مشهور بروح الابتكار والمبادرة وهذا يعني أنّ حلّ الفرز في المصدر يمكن أن يتّخذ أشكالاً عديدة، والعامل المقرّر هنا سيكون ولاشكّ تنوّع التّجارب ومدى توافر المال الذي يُمَكِّن من شراء التّقنيات الأكثر تطوّراً، والفارق بين تجربتي بريح وعبَيه أن الأولى أوجدت حلّاً بسيطاً وخياراً رخيصاً للقرى التي قد لا تكون لها الموارد الكافية لتصنيع النّفايات العضويّة.
إنّ وجود وحدات معالجة محلّيّة وقليلة التكلفة للنّفايات العضويّة المنزليّة حلٌّ جيّدٌ لأنّه يوكل أمر نفايات كلّ بلدة بالبلديّة ويجعلها بالتالي مسؤولة عن بيئتها وعن صحّة مواطنيها، لكن هناك مؤكداً إمكانية لإنشاء مصانع حديثة لتحويل النّفايات العضويّة إلى سماد عضويّ (ربّما بمساعدات أوروبيّة أو أميركية أو عربيّة أو من الأمم المتّحدة) لكنّ ذلك يتطلّب أوّلاً أن تتدرّب البلديّات على تقليد فرز النّفايات العضويّة في المصدر وأن يصبح هذا الأمر تقليداً يقوم به المواطنون من تلقاء أنفسهم بروح من التّعاون مع بقيّة السّكان ومع البلديّة في معالجة المشكل الذي يمسّ الجميع، وهذا يوازي خلق ثقافة مدنيّة مختلفة عن ثقافة إلقاء المشكلة على الآخرين.
لقد كان تلزيم “سوكلين” أمر النّفايات خطأ كبيراً أوّلاً لأنّه كان مكلفاً جدّاً وثانياً لأنّه كان حلّاً يعتمد على جمع النّفايات من مكان ثم طرحها في مطامر كبيرة في بلد لا توجد فيه أماكن نائية صالحة لهذا الأمر. وأسلوب الجمع والطّمر أسلوب متخلّف لمعالجة النّفايات لا يوجد مثيل له في أي دولة متقدمة. لكن الأسوأ من ذلك هو أنّ حلّ “سوكلين” جعل المواطن يعتبر أنّ في إمكانه إنتاج أيّ كم من النّفايات ثم رميها في الشّارع لأنّ هناك من سيتولى جمعها ونقلها. لذلك، عندما وقعت الواقعة وتوقّف العمل مع الشّركة وجدنا المواطن يستمرّ في عادة رمي النّفايات في الشّارع، كذلك البلديّات التي كانت معتمدة على عمل “سوكلين” فاجأتها الأزمة وهي غير مهيّأة فحصل هرج ومرج وتخبّط قبل أن يبدأ الجميع في التّفكير واستنباط الحلول تحت ضغط الوضع الطارئ. بهذا المعنى، فإنّ الأزمة التي ولّدها توقّف “سوكلين” كانت “ضارّة نافعة” لأنّها أجبرت الجميع على أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم ويبدأوا في ابتكار الحلول، وهناك مؤشرات مشجّعة من أكثر من مكان في لبنان ونحن نذكر بريح وعبَيه في الجبل لكننا على يقين بأن هناك بلدات أخرى بدأت تقوم بالأمر نفسه، وما يهمّنا هو أن تدرك البلديات كافة أن هناك طريقة لتطوير ثقافة فرز النفايات العضوية في المصدر فلا تبقى متأخرة عن الرّكب، وإذا كانت بلديّات معيّنة قد نجحت في حلّ الفرز من المصدر فهذا يعني أنّ البلديّات الأخرى يمكنها أن تنجح، لكنّ المهمَّ هو أن نقرّر، وأن نقبل ببذل الجهد الصّبور مع المواطنين في كلّ قرية وأن نوجد الحوافز المعنويّة وأن نستمرّ في شرح أهمّية هذا الحلّ للجميع.
إنّنا بتوسيع نطاق حلّ الفرز في المصدر سنكون قد نجحنا في أمرين معاً: حلّ مشكلة النّفايات العضويّة (وهي أصل المشكلة) بطريقة حضاريّة، ونكون قد نجحنا أيضاً في تطوير العمل الاجتماعيّ والمُدُنيّ، وهذا التحوّل في ثقافة المجتمع مهمٌّ جدّاً لأنّه سيُنتج لاحقاً ثماراً طيّبة طويلة الأمد قد نرى مع الوقت مفاعيلها في مختلف مجالات العمل الاجتماعيّ والتّنمية البلديّة.

 

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”صبحي الدبيسي” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

تجربتــــــان لفــــرز النفايــــات العضويـــــــــة في المصــــدر

عبيه بنت مصنعاً لتحويل النفايات العضوية إلى سماد
وبريح تفرزها وتحوّلها في حفر ترابية إلى سماد

شكّل إقفال مطمر الناعمة منذ السابع عشر من تموز 2015 حافزاً لدى جميع اللبنانيين من مسؤولين، وسياسيين، وبلديات، وجمعيات أهلية، بحثاً عن وسائل بديلة لاستيعاب جبال النفايات التي تكدّست في الشوارع والأحياء والساحات العامة. وكانت أولى الخطوات قيام 9 بلديات يضمها اتحاد بلديات الشوف السويجاني بتشغيل مصنع فرز النفايات الصلبة في منطقة الصليِّب وإنشاء معمل آخر في بعذران لاستيعاب نفايات الشوف الأعلى، وبما أنّ الحاجة أمّ الاختراع كما يقول المثل، فلقد توصلت بعض البلديات الى مخارج علمية وصحية لمعالجة نفاياتها عن طريق الفرز المنزلي، ونورد هنا مثالين ناجحين هما بلدتي بريح وعبيه.
في بريح أبلغنا رئيس البلدية صبحي لحود، أنّ البلدة نجحت بعملية الفرز المنزلي للنفايات بنسبة مئة في المئة. ولا يوجد مستوعب واحد للنفايات في كل بريح، كما لا يمكن أن تشاهد محرمة كلينكس واحدة في كل الطرقات، وذلك بفضل وعي الأهالي وقبولهم تعلم طريقة الفرز المنزلي للنفايات. وهذه النقطة هي الأساس في نجاح خطة التخلص من النفايات بشكل جذري.
لحود شرح لـ “الضحى” الطريقة التي اعتمدت لإنهاء هذه المشكلة التي استحقت التنويه بها من أرفع المراجع المسؤولة. وقال بأنّ كيفية الفرز من المصدر، هي عبارة عن مستوعب لتجميع أوراق النايلون ومشتقاته، وآخر للورق والكرتون، وثالث لفضلات الأكل، ورابع للمواد الصلبة. أما عملية الجمع فهي موزّعة على أيام الأسبوع. يوم الاثنين تأتي سيارة مخصصة لجمع النايلون، والثلاثاء للكرتون، والأربعاء للنفايات العضوية، والخميس للزجاج والمواد الصلبة، وبهذه الطريقة تمكّنا من حلّ المشكلة من دون أي ضجيج. وكشف لحود بأن مجموعة من شباب البلدة قاموا بهذه الفكرة، والبلدية تبنتها بعد اقتناعها بها وقمنا بإستئجار قطعة أرض أنشأنا فيها 30 حفرة توضع فيها النفايات، ثم تنقل من حفرة الى أخرى حتى تتحلل وتصبح سماداً عضوياً، يباع الكيس بـ 2500 ليرة. وقال: لدينا مكبس للكرتون وآخر للبلاستيك، بالإضافة إلى حفرة مساحتها 16متراً مربعاً بعمق 3 أمتار لطمر العوادم. أما الكلفة فهي لا تتجاوز 5,000 ليرة عن كل بيت، ولا تكلف البلدية أكثر من 2,000 دولار في الشهر بينما كانت ”سوكلين” تتقاضى 12,000 دولار في الشهر من البلدية عن طريق القائمقامية.

تحويل النفايات إلى سماد عضوي
في عبيه أفادنا نائب رئيس البلدية يوسف غريِّب، أن بلدية عبيه أنشأت مصنعاً لفرز النفايات في شهر تموز 2015 أي بعد أزمة مطمر الناعمة بعدة أشهر. وتعتبر بلدية عبيه من أوائل البلديات التي بدأت بفرز نفاياتها. وأشار بأن عملية الفرز تبدأ من المصدر، أي من قبل الأهالي، وفي المقابل قمنا بتأمين حاويات متوسطة الحجم بمعدل 3 حاويات لكل بيت. والبلدية تتولى رفع الكرتون والبلاستيك بمعدل مرتين في الأسبوع. أما النفايات العضوية فترفع بشكل يومي ويتم نقلها إلى المصنع لإعادة فرزها ومعالجتها بطريقة فنيّة تحوّلها إلى سماد عضوي يقدّم مجاناً للأهالي لاستخدامه في تنمية مزروعاتهم. ولفت إلى أنّ المصنع هو عبارة عن مجموعة اسطوانات تعمل بطريقة حديثة جداً ولم يسجل فيه أي عطل من تاريخ إنشائه حتى اليوم.
غريّب أشار من جهة ثانية، إلى قيام البلدية ببناء مبنى المدرسة الرسمية للبلدة بمواصفات وزارة التربية. وأنّ البلدية قامت بشراء 12,000 متر مربع خصصت لهذه الغاية وأنّ عملية البناء تتم على نفقة البلدية على أن تقوم الوزارة بالتجهيزات اللازمة، وذلك “للتخلص من الإيجار الذي أرهقنا”.

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

مؤتمر الازهر

مؤتمر الأزهر الشَّريف لمواجهة الغلو والتطرُّف

قيادات إسلاميَّة ومسيحيَّة من مائة وعشرين دولة
تصدر ميثاقاً حول التسامح الديني ومحاربة الإرهاب

وفد مشيخة العقل يقدم ورقة عمل ويلتقي الإمام الطيب

شيخ الأزهر الإمام الدكتور محمد أحمد الطيب
شيخ الأزهر الإمام الدكتور محمد أحمد الطيب

سجل الأزهر الشريف في مصر سابقة ريادية على مستوى التصدي للمفاهيم المنحرفة ودعوات الغلو ونشر الفتن بين الناس بإسم الدين وذلك بالدعوة إلى عقد لقاء تشاوري ضم قيادات دينية إسلامية ومسيحية ومفكرين من 124 بلداً في العالم، وذلك بهدف تكوين تقييم موحد لظواهر التطرف والغلو وإعلان موقف مشترك يدعم خيار التسامح والوسطية والتقارب بين الأديان والمذاهب ويدين التطرف والإرهاب. واعتبرت دعوة شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور محمد أحمد الطيب إلى اللقاء العالمي مبادرة جريئة استهدفت تأكيد موقع الأزهر الشريف كمرجع إسلامي أول وكمبادر في إدارة حوار بناء بين الأديان والمذاهب يستهدف احتواء التوترات وإدانة ظواهر العنف والتطرف ورفض الآخر. وبدا واضحاً أن شيخ الأزهر ينظر بعين القلق الشديد لموقف بعض الحركات المتطرفة من المسيحيين في المنطقة والإعتداءات التي يتعرضون لها في عدد من الأماكن، وهي سوابق اعتبرها غريبة جداً عن الإسلام وعن تاريخ التسامح والتعايش الطويل الذي رعته كافة العهود الإسلامية بين مختلف مكونات المجتمع.وقد ظهرت بوادر هذا النوع من التوتر والإنشقاق داخل المجتمع المصري نفسه وبين بعض الأوساط الإسلامية الرجعية وبين الطائفة المسيحية التي تعتبر أكثر وجود مسيحي في العالم العربي بل في غرب آسيا.
دعوة من شيخ الأزهر إلى سماحة شيخ العقل
وُجِّهت الدعوةُ إلى ما ينيفُ على مائة دولة من مختلف أقطار العالم كما ذكرت التقارير، لمرجعيات لها جهودها «الطيِّبة في نشر السماحةِ والتعايُش بين أتباع الطوائف المختلفة»، وربَّما تكونُ هي المرَّة الأولى التي يدعوُ فيها «شيخُ الأزهر» المرجع الروحيّ الرسمي لطائفة الموحِّدين الدّروز سماحة شيخ العقل نعيم حسن إلى مؤتمر إسلاميّ أزهريّ مع طلب كتابةِ ملخَّصٍ مُركَّز حول إحدى تلك قضايا محاور المؤتمر ليُستفاد من ذلك في تحديدِ رؤية كاملة حولها».تندرجُ دعوةُ الأزهر الشّريف الاستثنائيَّة هذه في سياقٍ متجدِّدٍ وثيق الصِّلةِ بالدَّور الكبير الّذي وجد فيه هذا الصَّرحُ التاريخيّ العريق أنّه مهيَّأ له في رفع لواء «الوسطيَّة» في الإسلام بمواجهة كلّ ظواهر الغلوّ والتّطرُّف. وأُرفِقت الدَّعوةُ الكريمةُ بلائحة عناوين المحاور المطروحة للبحث، والتي تفرَّع منها مواضيع لتكون مادَّةً خاضعةً للدَّرس و«التأصيل»، حيث أُشير إلى اتّجاهٍ في غاية الأهمّية، وهو منحى «تصحيح المفاهيم»، والعودة بها إلى رحاب الإسلام السَّمح الَّذي هو، في كلِّ حال، النَّهج الأثيل الَّذي التزمَ به الأزهرُ عبر التّاريخ.
حضور واسع
افتتح شيخ الازهر الدكتور محمد أحمد الطيب جلسات المؤتمر صباح يوم الأربعاء في الثالث من شهر كانون الأوّل 4102 في القاهرة وتصدر الحضور غبطة البابا تواضروس الثاني، وبطريرك الكرازة المرقسيّة، ووفود مشاركة من السعودية والمغرب وإيران ووفد كبير من لبنان ترأسه سماحة مفتي الجمهوريّة اللبنانيَّة الشيخ عبد اللطيف دريان وضمّ مفتيي المناطق و الدكتور محمد السمّاك وممثّل المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى وبعض الشخصيّات الناشطة، والوفد الممثل لسماحة شيخ العقل الذي تألف من الشيخ غسان الحلبي وقاضي المذهب الشيخ غاندي مكارم والشيخ هادي العريضي رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي.

كلمة الإمام الطيِّب شيخ الأزهر
في كلمته الإفتتاحية البليغة دعا شيخ الأزهر الإمام الطيِّب إلى التوحُّدِ في مواجهةِ التطرُّف بكلِّ توجّهاته ومدارسه ذاكراً الخطر المطبق على بلادنا وشعوبنا وقد دهمها من داخلها وخارجها، «فإنك حيثما قلَّبت النَّظر في خريطة الشرق الأوسط فإنه يروِّعك هذا الوضع المأساوي ، والذي يعييك البحث فيه عن سبب منطقي واحد يبرِّرُ هذا التّدمير المتعمَّد الذي حاق بالأرواح والدّيار والإنسان، وراح يستهدفُ تفتيت أمَّة، وفناء حضارة، وزوال تاريخ».
وتحدَّثَ شيخُ الأزهر متسائلاً عن «هذه الصّورة الكريهة لدِيننا الحنيف التي طالما تمنّاها أعداءُ الإسلام وانتظروها، الأمر الّذي يدفع إلى البحث عن أسبابها خارج إطار الحديث عن المؤامرةِ التي لا شكّ أنَّ مسوِّغات الكلام عنها موجودةٌ بدليل غزو العراق بعد حملةٍ عُرفت باختلاق الأكاذيب وتلفيق العِلل، الأمر الّذي ينطبقُ أيضاً على ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن. وتطرّق إلى سببٍ يُسألُ عنهُ العرب وهو المراوحة في حالة الاقتتال التي تبقيهم في وضع الضعف والهزال، وتؤجِّجُ عندهم منهج الفرقة والتنازع والاختلاف». وتساءل «لماذا لا يكون لنا اتّحاد يشبه الاتحاد الأوروبي، مقدِّراً جهود الساعين إلى جمع الشَّمل. ثمَّ تحدَّث عن إساءة استخدام مفاهيم التكفير، والجهاد، والخلافة تاركاً للعلماء مهمَّة إعادة توضيح المفاهيم الحقيقية للدين الحنيف، ومستحضراً ما يجري في الأقصى والقدس للحثِّ على التضامن وتحقيق الوحدة الاسلاميَّة التي كانت وستبقى الهدف الأسمى للأزهر الشّريف.

البابا تواضروس : احترام التنوع
ثمَّ تكلَّم البابا تواضروس الثاني موضحاً بأنَّ مصر قدَّمت نموذجاً راقياً لحياة حضاريَّة تنبذ الإرهاب والتطرُّف، وأنَّ المسيحيَّة في تاريخها على أرض مصر نادت وما زالت تنادي بحقوق كثيرة أوَّلها أن الإنسان في أيِّ مجتمع هو النور الّذي ينير للآخَرين، كما نادت باحترام التنوُّع وبالحوار. ثمَ تعاقب على الكلام عديد من العلماء من المغرب والسعودية ونيجيريا وكوسوفا وعُمان، ومن لبنان تكلَّم المطران بولس مطر، وسماحة السيّد علي الأمين.
بعد ذلك، انعقدت الجلسة الأولى تحت عنوان «تصحيح المفاهيم وتحريرها»، والجلسة الثانية بعنوان «الغلوّ والتطرُّف»، والجلسة الثالثة تحت عنوان «المواطنة والعيش المشترك»، قرأ فيها المشاركون بحوثَهم ومداخلاتهم، وبعضها كان له طابع أكاديمي، وبعضها تضمَّن محاولات رصينة في تحديد أسباب الإشكالات المطروحة واقتراحات عقلانيَّة ومسؤولة للخروج من واقع الأزمة إلى الأفق الحضاريّ المطلوب. وكان لباحثين أزهريّين صوتٌ له أصداء نهضويَّة عميقة، وتميُّزٌ في أصالةِ الطَّرح والمعالجَة، وغوصٌ مستنير في عمق المفاهيم بروحٍ إيمانيَّةٍ جامعة.
وكان لوفدِ مشيخة العقل مداخلة بعد الجلسة الثانية التي ترأّسها مفتي مصر الدكتور شوقي علام تحدَّث فيها ممثِّلُ سماحته حيث أوضحَ بأنَّ مشيخة العقل أرسلتْ ورقةَ بحثٍ وفق ما ورد عبر الدّعوة الكريمة التي تلقّتها ولخَّص موضوعها بإيجاز، وصولا إلى تقديم تحيات سماحة شيخ عقل الموحّدين الدروز إلى المؤتمر وإلى الإمام الأكبر للأزهر الشريف وعن فائق التّقدير والاحترام لدور الأزهر القيادي «في بلورة الفكر الإسلاميّ الوسطي السَّديد»، وفي مواجهة ما تتعرَّضُ له الساحة الإسلامية من أزمات، وما صدر عنه من وثائق أساسيَّة نخص بالذكر وثيقة الأزهر الشّريف لنبذ العنف، والوثيقة المتعلّقة بالحريّات الأساسيّة، وبالمقاربة العامَّة الواردة في وثائق أخرى عن «تحديد علاقة الدّولة بالدِّين إلخ. ..وكلُّها خطوات سديدة في درب نهضةٍ حضاريَّة تتجاوز بها الأمَّةُ إشكالاتها العالقة، شرط المضيّ قدُماً بروح التسامح والحوار والتأصيل الثقافيّ المرتكز على فسحة العقل المؤمن بهدْي الله تَعالى ونور رسالته موضحاً بأنّه كان للدعوةِ صدًى طيِّب في قلبه وقلوب أهلنا جميعاً، وهو يأمل أن يؤتى المؤتمر ثماره المرجوَّة لخير الأمَّة الإسلاميَّة جمعاء.

لقاء مع الإمام شيخ الأزهر
تتوَّجت الزيارة والمُشاركة في المؤتمر بلقاء وفد مشيخة العقل مع الإمام الدكتور أحمد الطيّب شيخ الأزهر الّذي كان يستقبل بعض الوفود في غرفة خاصّة خارج قاعة المؤتمر. وبعد ترحيبه بالوفد شاكراً له حضوره ومبلِّغاً إيّاه سلامه إلى سماحته، تحدَّث ممثّل المشيخة معبِّراً عن مدى الأثر الطيِّب الّذي تركه تلقّي الدعوة الكريمة من الأزهر الشَّريف، ليس فقط لدى صاحب السماحة، بل وأيضاً لدى أهلنا لما يعني لهم الأزهر، هذا الصّرح الاسلامي العريق، من حضور في الوجدان والذاكرة، وهو صرحٌ لطالما كان في طليعة الّذين ناضلوا وكافحوا على مرّ التاريخ من أجل عزّة الإسلام وصورته النهضويَّة والحضاريّة. ولفت إلى أنّه منذ أن تسلّمَ د. الطيّب هذا المقام تبدَّت في مواقفه وكلماته الرّوح النهضويَّة، وحمل لواء الإسلام النيِّر، وهذا المؤتمر اليوم هو التعبير القويّ عنها. ثمَّ قُدِّم له كتابان أحدهما يعبِّرُ عن المسلك الأخلاقي التوحيدي، وآخَر كتبه أمير البيان شكيب أرسلان تناول فيه أسباب تأخُّر الأمَّة الإسلامية.

الجلســــة الختاميّــــَة وبيان الازهــر العالمي
صباح يوم الخميس بتاريخ 3/12/2014 عُقدت الجلسة الرابعة تحت عنوان «الإرهاب ودور المؤسَّسات الدينيَّة في مكافحته» والتي ترأسها مفتي الجمهورية اللبنانية سماحة الشيخ عبد اللطيف دريان، وبعد إنهاء المداخلات التي تكلَّم فيها البعضُ عن الأعمال الشنيعة المرتكبة في العراق، وفلسطين وغيرهما، وكذلك عن الجرائم المرتكبة بحق المسيحيّين، عُقِدت الجلسة الختاميَّة بعد نصف ساعة تقريباً واقتصرت على قراءة البيان الختامي الّذي تلاهُ وكيلُ الأزهر الدكتور عبّاس شومان، بعد التوافق على تسميته «بيان الأزهر العالمي»، والّذي تضمَّن بنوداً في إدانة العنف والإرهاب وأعمال الميليشيات، والتأكيد على أنَّ المسلمين والمسيحيّين في الشرق هم أخوة ينتمون إلى حضارةٍ واحدة، وأنّ العلاقات المشتركة هي علاقات تاريخيَّة وتجربة عيشٍ مشترَك ومُثمر وأن تهجير المسيحيّين وغيرهم هو جريمة مستنكَرة، وأن بعض المسؤولين في الغرب وإعلاميّيه يستثمرون هذه الجماعات المخالفة لصحيح الدِّين. كما تضمَّن دعوة إلى لقاء حواريّ عالميّ للتعاون على صناعة السّلام وإشاعة العدل في إطار احترام التعدُّد العقديِّ والمذهبيّ والاختلاف العنصريّ. كما أشار إلى عمليَّة «غسل الأدمغة» بتشويه المفاهيم التي يتعرَّضُ لها عددٌ من شباب الأمَّة. ودعا إلى تنظيم التعاون بين دول العالم العربي وتطوير آليّاته وطالب بقوّة في أن يتحمَّل العلماء والمراجع الدينيَّة في العالم العربي والاسلامي مسؤوليّاتهم أمام الله والتاريخ. كما أدان الإعتداءات الإرهابيَّة التي تقوم بها القوّات الصهيونيَّة في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة وخاصَّة في القُدس الشَّريف.

بيان تاريخي من الأزهــر الشريــف
حــــــــــول التســــــامح الـدينــــــي

تعدُّدَ الأديانِ والمذاهب كان وسيبقى مصدرَ غنى لها وللعالم
والإسلام هو دين السلام والوحدة والعدل والإحسان والأُخوةِ الإنسانيةِ

أصدر المشاركون بمؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب، المنعقد بالقاهرة في نهاية الجلسة الختامية بياناً شاملاً أعاد التأكيد على المضمون الإنساني والعالمي للإسلام معلناً البراءة التامة من كل أشكال التطرف والتمييز الجيني أو العنصري مندداً بغسل الأدمغة التي يتعرض لها بعض الشباب بإسم الدين لتحويلهم إلى أداة للقتل والإرهاب والفتن، وفي ما يلي أهم البنود التي تضمنها البيان:
أوَّلاً: إنَّ كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ و»المليشيات» الطائفيَّةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ في وجه أبناء الأمةِ رافعة – زوراً وبهتاناً – راياتٍ دينيةً، هي جماعاتٌ آثمةٌ فكراً وعاصيةٌ سلوكا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيءٍ، إنَّ ترويعَ الآمِنين، وقتلَ الأبرياءِ، والاعتداءَ على الأعراضِ والأموالِ، وانتهاكَ المقدَّساتِ الدينيةِ – هي جرائمُ ضد الإنسانيَّةِ يُدِينها الإسلامُ شكلاً وموضوعاً، وكذلك فإنَّ استهدافَ الأوطانِ بالتقسيمِ والدولِ الوطنيةِ بالتفتيتِ، يُقدِّم للعالم صورةً مشوهةً كريهةً عن الإسلام.
من أجلِ ذلك فإنَّ هذه الجرائمَ لا تتعارَضُ مع صحيحِ الدِّين فحسب، ولكنَّها تُسيء إلى الدِّين الذي هو دين السلام والوحدة، ودِين العدل والإحسان والأُخوةِ الإنسانيةِ. إنَّ تعدُّدَ الأديانِ والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك؛ فقد كان هذا التعدد وسيبقى مصدرَ غنى لهم وللعالم.
ثانياً: المسلمون والمسيحيون في الشرقِ هم أخوةٌ، ينتمون معاً إلى حضارةٍ واحدةٍ وأمةٍ واحدةٍ، عاشوا معاً على مدى قُرون عديدة، وهم عازِمون على مُواصلةِ العيشِ معاً في دولٍ وطنيةٍ سيِّدةٍ حُرةٍ، تُحقِّقُ المساواةَ بين المواطنين جميعًا، وتحترمُ الحريَّات. وإن التعرُّضَ للمسيحيين ولأهل الأديان والعقائد الأخرى باصطناع أسبابٍ دِينيَّةٍ هو خُروجٌ على صحيحِ الدِّينِ وتوجيهاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتنكرٌ لحقوقِ الوطنِ والمواطنِ.
ثالثاً: إنَّ تهجيرَ المسيحيين وغيرِهم من الجماعاتِ الدِّينيَّةِ والعِرقيَّةِ الأخرى جريمةٌ مُستَنكرةٌ، نُجمِع على إدانتِها؛ لذلك نُناشد أهلَنا المسيحيين التجذُّرَ في أوطانهم، حتى تزولَ موجةُ التطرُّفِ التي نُعاني منها جميعاً، كما نُناشِدُ دولَ العالم استبعادَ تسهيلِ الهجرةِ من جدولِ المُساعداتِ التي تُقدِّمُها إليهم؛ فالهجرةُ تُحقِّقُ أهدافَ قُوَى التهجيرِ العُدوانيَّةِ التي تستهدفُ ضربَ دولِنا الوطنيَّة وتمزيق مجتمعاتِنا الأهليَّة.
رابعاً: إنَّ بعضَ المسؤولين في الغرب وبعض مُفكِّريه وإعلاميِّيه يَستثمِرونَ هذه الجماعاتِ المُخالفةَ لصحيحِ الدِّينِ لتَقديمِ صُوَرٍ نمطيةٍ يَفتُرون فيها على الإسلامِ شِرعةً ومِنهاجا. ولمُواجهة هذه الظاهرةِ السلبيةِ يُطالب المؤتمرُ المنصِفين من مُفكِّري الغربِ ومُسؤولِيه تصحيحَ هذه الصُّوَرِ الشريرةِ وإعادة النظَرِ في المواقف السلبيَّة؛ حتى لا يُتَّهم الإسلامُ بما هو بَراء منه، وحتى لا يُحاكَم بأفعالِ جماعاتٍ يَرفُضها الدِّين رفضاً قاطعاً.
خامساً: يَدعو المؤتمرُ إلى لقاءٍ حواريٍّ عالميٍّ للتعاون على صِناعةِ السلامِ وإشاعةِ العدلِ في إطارِ احترامِ التعدُّدِ العقديِّ والمذهبيِّ والاختلافِ العُنصري.
سادساً: لقد تعرَّض عددٌ من شباب الأُمَّةِ ولا يَزالُ يَتعرَّضُ إلى عمليَّةِ «غسل الأدمغة» من خِلال الترويجِ لأفهامٍ مغلوطةٍ لنصوصِ القُرآن والسُّنَّة واجتهادات العُلمَاء، ومن هذه المفاهيمِ مفهومُ الجهاد، ومعناه الصحيح في الإسلام هو أنه ما كان دفاعاً عن النفس وردّاً للعدوان، وإعلانُه لا يكون إلا من ولي الأمر وليس متروكاً لأي فرد أو جماعة مهما كان شأنها.
سابعاً: دعوة دول العالم العربي إلى تنظيم تعاونها وإلى تطوير آليات هذا التعاون بما يحقق الاستقرار والأمن والازدهار.
ثامناً: يطالب المؤتمر بقوة العلماء والمراجع الدينية في العالم العربي والإسلامي أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الله والتاريخ في إطفاء كل الحرائق المذهبية والعرقية وبخاصة في البحرين والعراق واليمن وسوريا.
تاسعاً: إدانة الاعتداءات الإرهابية التي تقوم بها القوات الصهيونيَّة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في القدس الشريف، والتي تستهدف الإنسان الفلسطيني المسلم والمسيحي على حد سواء، كما تستهدف المساجد والكنائس وبخاصة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، ويناشد المجتمعون المجتمع الدولي التدخل بفاعلية ومسؤولية لوضع حد لهذه الاعتداءات الآثمة وإحالة مرتكبيها إلى محكمتي العدل والجنايات الدوليتين.
عاشراً: إن المؤتمر يؤكد على أن الشرق بمسلميه ومسيحييه يرى أن مواجهة التطرف والغلو وأن التصدي للإرهاب أيا كان مصدره وأيا كانت أهدافه هو مسؤوليتُهم جميعاً.

الغجر في العالم العربي

الغجر في العالم العربي

لغز قديم وحياة شقاء ..وموسيقى

ثاروا على العباسيين في القرن التاسع الهجري
وملك أميرهم مصر متمرداً على الخليفة المأمون

إنطلقوا من الهند إلى أكثر من 45 دولة في العالم
في أكبر موجات نزوح لشعب في تاريخ البشرية

تعرضوا للإضطهاد والعزل في المجتمعات الأوروبية
لكنهم نعموا بحرية وأجواء التسامح في العالم العربي

يعتبر الغجر المنتشرون في العالم أحد أغرب ظواهر المجتمع البشري وعلاماته الفارقة، إذ نشأ إلى جانب الحضارات البشرية المختلفة شعب جديد له ثقافته ولغته وأسلوب عيشه ومعتقداته لكنه شعب لا يمتلك أرضاً أو مستقراً معيناً فهو لذلك في ترحال مستمر لا يحلّ في مكان حتى يبدأ بعد أسابيع أو أشهر رحلة جديدة بين الأمكنة، وهو شعب يختلف عن البدو الذين لا يخرجون عن نطاق مكاني معين و«يمتلكون» عملياً مراعي وواحات أو يتشاركون فيها فيرعون فيها إبلهم وأغنامهم ويمارسون التجارة أحياناً. أما الغجر فإنهم لا يمتلكون أرضاً وهم شعب متنقل في نطاقات جغرافية أوسع وغير ثابت في مكان ولا يوجد له لهذا السبب نشاط اقتصادي محدد أو واضح، ولهذا فقد طور الغجر «اقتصاداً» خاصاً بهم يلائم طبيعة حياتهم غير المستقرة وأمزجتهم وتقاليدهم، علماً أن الكثير مما يقومون به حملوه معهم من المناطق التي انطلقوا منها في جنوب الهند ومنطقة السند قبل أكثر من ألفي عام. بصورة عامة، يعيش الغجر من مهن وحرف بسيطة مثل الغناء وإحياء الأعراس وقراءة الطالع وصنع الحلي وحدادة الكير وصنع بعض الأدوات الموسيقية وعلاج البهائم ‏ وصناعة المراجيح وتجارة الخردة والعطارة‏,‏ وألعاب السيرك مع حيواناتهم المدرّبة من قردة وكلاب وثعابين‏,‏ وعندما تضيق الحال بهم فإنهم يدفعون أطفالهم إلى التسوّل وقد اتهموا في بعض المجتمعات بإحتراف النشل وقد برعوا فيه إلى درجة أنهم باتوا مضرب مثل في خفة اليد فبات الناس يحذرون حتى الاقتراب منهم في الأسواق.
لكن من الخطأ وضع جميع الغجر في سلة واحدة، فهم أصلاً تحولوا إلى فروع كثيرة لكل منها ما يميّزه في أسلوب عيشه وفي الأعمال التي يقوم بها وقد استقر الكثير منهم وتوقفوا عن الترحال الدائم وتحول الكثير إلى العمل في مهن ثابتة كالزراعة أو بعض الصناعات بعد أن اندثر العديد من الحرف التي تميزوا بها في الماضي فلم يعد هناك مثلاً من يشتري الطبول أو يصلح طباخات الكاز (الكيروسين) أو يعالج أسنانه عند الغجر أو يشتري منهم الخردة وبعض العدة المصنوعة من الحديد المحمى، فكل هذه الأمور اختفت مع تقدّم أساليب العيش في العالم. وقد اختار عدد قليل من الغجر الاستقرار في المدن ونال بعضهم التعليم واندمجوا لكن غالبيتهم ما زالت تفضل حياة الحرية والتنقل، إذ أن روح الغجر وشخصيتهم وثقافتهم وأسلوب عيشهم لا تزال مرتبطة بأسلوب التنقل والحرية التي يوفرها لهم.

هجرات الشعب الغجري بين سنتي 900 و 1720
هجرات الشعب الغجري بين سنتي 900 و 1720

لكن الخطأ في النظر إلى الغجر كان على الدوام اعتبارهم شعباً متجانساً لأنهم وإن كانوا يتحدّرون جميعاً من الهجرات التي جاءت من جنوب الهند ومنطقة السند فإنهم تفرقوا مع مرور القرون على عشرات البلدان وتعايشوا مع حضارات مختلفة فنشأت الفوارق الكثيرة بينهم حتى على مستوى اللغة والعادات وهناك من يحصي اليوم أكثر من 30 أو 40 عشيرة أو فرعاً من الغجر في العالم يختلف كل منها في الكثير من الأمور، وبطبيعة الحال هناك فارق بين الغجري الذي يعيش في بريطانيا أو ايرلندا أو رومانيا وبين ذلك الذي يعيش في مصر أو في جنوب العراق أو لبنان.
ولا يوجد إحصاء محدد لعدد الغجر في العالم لأن الكثيرين منهم سعوا للإندماج بالمجتمعات التي يقيمون فيها وأخفوا أصلهم الغجري وكذلك لأن الغجر لا يمتلكون وثائق هوية في بعض البلدان وهم ليسوا مشمولين بتعداد السكان، لكن مصادر مؤسسات الغجر وأهمها الاتحاد العالمي للغجر تقدر أعدادهم ما بين 12 مليوناً في العالم منهم نحو 1.3 مليون يعيشون في العالم العربي.

مصدرهم وهجراتهم
يتفق جميع الباحثين والمؤرخين على أن الغجر هم من الشعوب الهندو-آرية وقد يكونون من الفئات الدنيا التي كانت مكلفة بالأعمال الوضيعة أو من طبقة المنبوذين Untouctables أو الـ Harijans الذين كانوا يعاملون معاملة أقرب إلى العبيد ويتعرضون للتمييز الطبقي الشديد. وقد أظهر تحليل جيني أجري عام 2012 على فئات مختلفة من الغجر أنهم قدموا من شمال غربي الهند وأنهم من أصل عرقي واحد وقد قدموا كمجموعات من شمال غربي الهند قبل نحو 1500 عام، علماً أن لغة الغجر تدل على أنهم جاءوا من منطقة راجستان. وقد تكون الهجرات الغجرية الأولى حصلت على نطاق ضيق في القرن الثالث الميلادي عندما تمكّن ملك فارس أردشير من احتلال أقسام من الهند (تمثل اليوم معظم باكستان) في العام 227 ميلادي، ويبدو أن فارس كانت تعاني من نقص في العمالة وقد تكون شجعت على الهجرات الأولى للغجر باتجاه الغرب. وبعد 200 عام من ذلك التاريخ سعى ملك فارس بهرام غور (420-438م.) لاستقدام الآلاف من الغجر من الهند للعمل في إيران في مهن الرقص والغناء ويقال إنه استقدم نحو 10 آلاف منهم وأعطاهم عند وصولهم ثيراناً وأتاناً وقمحاً بحيث يمكنهم تأمين معيشتهم بالعمل في الأرض، في المقابل كان على هؤلاء الهنود أن يرفِّهوا عن فلاحي الإمبراطورية الفارسية بالغناء والرقص دون مقابل، إلا أن الموسيقيين الهنود وجدوا من الصعب القيام بالعملين في آن واحد بحيث انتهت السنة الأولى بعد قدومهم دون أن يتمكنوا من حرث وزرع الأراضي التي أوكلت إليهم، عندها طلب منهم الملك أن يتركوا الأرض ويتنقلوا في البلاد على حميرهم ويخيموا أينما شاءوا على أن تكون مهمتهم دوماً إدخال الحبور إلى حياة الفلاحين ورعايا الملك، ونظراً إلى أن ترك الزراعة وحياة الترحال الدائم يجعلهم بلا عمل يؤمن عيشهم فقد سمح الملك لهم بتقاضي أجور على أعمال الترفيه وخدمات إحياء الأفراح غناء ورقصاً وتقاضي المال على بعض الخدمات والأعمال الأخرى.

الهجرات الكبرى
لكن الهجرات الكبرى لهم بدأت في القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي وقد توجهت تلك الهجرات غرباً قاطعة مناطق فارس باتجاه جنوب العراق وتركيا، وتابع قسم منهم طريقه بإتجاه البلدان الأوروبية وتحوّل قسم بإتجاه الشرق فإتجه إلى دول البلقان وروسيا، وتظهر الخريطة المرفقة الطرق المفترضة لهجرات الغجر والتاريخ الزمني التقريبي لتوجههم نحو المقاصد التي اختاروها. وتظهر الخريطة أن هجرات الغجر انطلقت جميعها من الشرق باتجاه الغرب والشمال لكن حصلت بعد ذلك هجرات معاكسة عندما استولى اليونان البيزنطيون على أنطاكية في العام 855 فأطلق ذلك حركة هجرات جديدة، إذ توجه بعض الغجر إلى اليونان في طريقهم إلى البلدان الأوروبية بينما هاجر البعض الآخر إلى كريت حيث عادوا منها إلى لبنان وفلسطين ومن هؤلاء مثلاً الزغاري وهم من الغجر الذين يعيشون الآن في إيران.
أما هجرة الغجر جنوباً باتجاه القارة الأفريقية فلم تبدأ إلا في الربع الأخير من القرن العاشر الميلادي، أما هجراتهم إلى العالم الجديد في الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية فقد بدأت في مطلع القرن التاسع عشر واشتدت مع العام 1860 وهو تاريخ الحرب الأهلية وتحرير العبيد في الولايات الأميركية الجنوبية.
اللافت أن الغجر الذين خرجوا من الهند ربما بسبب الاضطهاد والفقر الشديد اعتبروا أنفسهم بعد ذلك بمثابة «سادة الأرض» وهم إلى اليوم يفتخرون بإنتمائهم الغجري وينتقصون من قيمة غيرهم من الأقوام ويطلقون عليهم كلمة (Gadjo) ومعناها بلغتهم «غير المهذب» أو «المتعجرف». وهذه الكلمة تدل على أنهم احتفظوا بنوع من الكره لأسيادهم السابقين وعبروا عن ذلك بإلصاق تهمة العجرفة أو التكبر على الأقوام التي احتكوا بها، وقد يكون في هذه التسمية شيء من الصحة إذا عرفنا أن الغجر الذين هربوا من الهند طلباً للحرية والكرامة الإنسانية تعرضوا إلى أنواع اضطهاد جديدة كانت أقسى أحياناً في البلدان التي حلّوا فيها خصوصاً في أوروبا.

تاريخ اضطهاد
ففي القرنين الخامس عشر والسادس عشر كان الغجر أو «الروما» عرضة للاضطهاد في أكثر بلدان أوروبا الغربية بل كان وضعهم أقرب إلى العبيد، وأدى تكاثر أعدادهم إلى إثارة مخاوف الحكومات وكان الرأي العام معادياً لهم وقد نسجت حولهم روايات مثل قيامهم بخطف الأولاد وامتهانهم السرقة والنشل وغير ذلك فابتعد عنهم الناس، وتحت تأثير تلك المشاعر المعادية أخرجت سويسرا جميع الغجر من أراضيها وحرّمت عليهم دخولها بقانون نص على أن أي غجري يعثر عليه في سويسرا يتم إعدامه فوراً، وقامت بريطانيا بترحيلهم ثم أصدرت قانوناً مشابهاً للقانون السويسري في العام 1554وكذلك فعلت ألمانيا والسويد وفرنسا والدانمارك ورحّلهم البرتغاليون إلى مستعمراتها البعيدة وراء البحار. ورغم التحسن النسبي في أوضاعهم، إذ سمح لهم بالتجوال في عرباتهم، فإن التصنيف الرسمي للغجر بقي يضعهم في فئة العبيد، فكانوا في بعض دول أوروبا يقطعون جزءاً من آذان نسائهم كعلامة فارقة لتمييز الغجريات عن الحرّات وكان يتم دمغ رجالهم كما تدمغ المواشي وتمّ تنظيفهم عرقياً في عدد من المناطق. بفعل هذه الأجواء المعادية توجه قسم كبير منهم نحو شرق أوروبا مثل بولونيا وروسيا حيث تلقوا معاملة أفضل طالما واظبوا على دفع الضرائب إلى خزائن الدولة. في وقت لاحق ومع تحسن أوضاع الهجر نسبياً برز في وجههم خطر جديد هو محاولات دمجهم قسراً بالمجتمعات القائمة وذلك عن طريق تقييد حريتهم في الترحال والتجول وتخصيصهم بأماكن محددة واتخذت محاولات الدمج القسري في ألمانيا ثم إسبانيا شكل فصل الأسر عن بعضها، وكانت الحكومات تأخذ أطفال الغجر قسراً إلى معسكرات تعليم وتنشئة للدولة بحيث يتم إعدادهم ليكونوا مواطنين عاديين وينسوا تقاليدهم الغجرية، لكن كل تلك المحاولات فشلت واحتفظ الغجر بشخصيتهم وهويتهم وثقافتهم وتقاليدهم. كما أجرى الأوروبيون محاولة لخلق «وطن للغجر» في مناطق بين رومانيا وبولونيا والمجر، لكن الغجر رفضوا ذلك من منطلق حماية أسلوب عيشهم الحر والتنقل وعدم الإنتماء إلى مكان محدد.
لكن شعب الغجر أنشأ اتحاداً عالمياً يمثلهم في كل البلدان ويستهدف مناقشة قضايا وجودهم وحماية حقوقهم كما تبنى غجر العالم تسمية واحدة للغجر في جميع البلدان هي «الروماني» Romani كما صنعوا لأنفسهم علماً يرمز إلى أمة الروماني، وكان من اللافت أن علمهم يشبه إلى حد كبير علم الهند كما يبدو في الصورة المرفقة، إذ تتوسطه عجلة ذات 16 شعاعاً بينما العلم الهندي تتوسطه عجلة ذات 24 شعاعاً ويرمز اللونان الأخضر والأزرق في علم الغجر إلى الحقول الخضراء والآفاق الواسعة وبالتالي حال الترحال الدائم في بلاد الله الواسعة.

الغجر في التاريخ العربي
المكان الوحيد الذي وجد فيه الغجر مجالاً للعيش بصورة طبيعية نسبياً كان المنطقة العربية والدولة الإسلامية التي كانت بطبيعتها دولة جامعة وتعمل بمبدأ أخوة الدين ولا توجد فيها عنصرية قومية مثل العنصريات الأوروبية، وكان مظهر الغجر الرحل (وكانوا يسمون «الدوم») شبيهاً بمظهر البدو، علماً أن العديد منهم استقروا في ضواحي المدن الكبيرة مثل البصرة والقاهرة وكانت لهم مهن ودخل قسم كبير منهم في الجيش وشارك في الحملات العسكرية للملوك والخلفاء. وقد اشتغلوا في البصرة كشرطة وحراس سجون، وقد اختصوا أيضاً بالعمل في الملاحة البحرية، واستقر بعض السبابجة مع ذريتهم في البصرة حتى أن أحد أحيائها يحمل اسمهم ، فيما قطن البعض الآخر أهواز العراق ليعملوا في الزراعة ورعي الأغنام.

ثورة الغجر على العباسيين
من مفارقات تاريخ الغجر في المنطقة أنهم بلغوا في مطلع العصر العباسي درجة من القوة والإنتشار العددي شجعتهم على إحداث قلاقل وفوضى عارمة في جنوب العراق وكان الغجر يسمون في المنطقة «الزطّ» والغجري «زِطّياً».
في العام 201 هـ (816م) ثار الزطّ على الخليفة العباسي المأمون وقطعوا الطرق بين وسط العراق وجنوبه ونهبوا الغلال، وتعاظمت ثورتهم وانضم إليهم فقراء ومَوالون إلى أن تمكنوا في العام 205هـ (820م) من التحكم بمنطقة جنوب العراق بكاملها وفشلت جيوش المأمون في إخماد الثورة التي استمرت بصورة متقطعة حتى عهد الخليفة المعتصم وأثرت في هيبة الدولة العباسية وكانت ربما مع ثورة الزِنج لاحقاً (255-270 هـ / 869-883م)، أحد أسباب انهيارها. وقد أرسل المعتصم الذي كان قائداً عسكرياً ماهراً في العام 219هـ (834م) أحد أشهر قواده وهو عجيف بن عنبسة لحرب الزطّ، فعمد الأخير إلى جمع المعلومات عن أماكن تجمعهم وقطع عنهم المياه وهاجمهم فهزمهم وأسر وقتل الكثيرين واستسلم الزطّ له فنقلهم من مناطقهم بزوارق إلى بغداد وعددهم اثنا عشر ألف مقاتل وخمس عشرة ألف امرأة وطفل، وكانت الزوارق تمرّ بموكب لثلاثة أيام وهم ينفخون بأبواقهم، ومن بغداد نقلتهم الدولة العباسية إلى أنطاكية لمواجهة الدولة البيزنطية ولتخفيف خطرهم على الاستقرار والإفادة من قوتهم.
لكن حين هاجم الروم أنطاكية عام 241هـ (855م) فإنهم ساقوا جميع الزطّ مع ما كانوا يمتلكونه من ماشية ومتاع إلى داخل بلاد الروم، ولم يفلت منهم إلا قليل وكان نقل شعب الزط أو الغجر إلى بيزنطة إيذاناً بموجة هجرات تالية بلغت بهم بلدان أوروبا الغربية ثم الشرقية حيث توزعوا في القارة واتجهوا إلى حياة مسالمة، لكن لم يرحل كل الزط من العراق بل بقيت قلة منهم وخرج منهم عام 295هـ (907م) رجل يدعى حاتم الزطّي والتحق ببقايا القرامطة بعد هزيمتهم على يد الفاطميين وتزعّمهم، ويحكى انه حرّم عليهم الثوم والبصل والفجل والكرّاث، كما حرّم عليهم إراقة دماء الحيوانات.
المفارقة الأغرب هي أنه بينما كان الزطّ يثيرون القلاقل في وجه الخليفة المأمون فإن أحد أبرز قادته الذين شاركوا في فتح مصر كان زطّياً وكان يدعى السّريّ بن الحكم بن يوسف الزطّي، وقد دخل مصر مع الجند الخراسانيين المرافقين لليث بن الفضل عامل الرشيد عام 182هـ ، وحين نشبت الفتنة بين الأمين والمأمون تزعم الزطّي الجند الخراسانية ودعا للمأمون واستولى على غرب الدلتا وصعيد مصر، وبعد موت السريّ خلفه ابنه أبو نصر محمد الذي مات عام 206هـ وأعقبه أخوه عبيد الله بن السريّ فاستولى على مصر كلها بعد حروب دامية، ولما أراد المأمون أن يقره والياً أعلن العصيان واستقل بالملك، وفي سنة 221هـ، (835م) توجه المأمون عبد الله بن طاهر إلى مصر فهزم الزطّي الذي طلب الأمان ثم رحل إلى العراق ليقضي نحبه في سامراء عام 251 هـ.

الغجر-انتقلوا-من-الخيم-إلى-البيوت-النقالة-التي-تجرها-الخيل-أو-السيارات-وهم-يعتنون-كثيرا-بتزيينها
الغجر-انتقلوا-من-الخيم-إلى-البيوت-النقالة-التي-تجرها-الخيل-أو-السيارات-وهم-يعتنون-كثيرا-بتزيينها

 

 

من اليمين علم الغجر مستوح من علم الهند التي يعتبرونها وطنهم الأصلي كما أنه يظهر العجلة في الوسط كرمز ترحالهم الدائم بينما يرمز اللونان الأخضر والأزرق الى السفر في بلاد الله الواسعة
من اليمين علم الغجر مستوح من علم الهند التي يعتبرونها وطنهم الأصلي كما أنه يظهر العجلة في الوسط كرمز ترحالهم الدائم بينما يرمز اللونان الأخضر والأزرق الى السفر في بلاد الله الواسعة

الغجر في ظل الدولة العثمانية
عرف الغجر في ظل الدولة العثمانية الحياة الحرة غير أن السلطان سليم في عام 1530م اصدر فرماناً يضبط فيه بقاء الغجر في عدد محدد من مقاطعات الإمبراطورية، وأعفى ابنه السلطان سليم الثاني الغجر العاملين في مناجم البوسنة من الضرائب، ولكن مع تراجع موارد الدولة العثمانية في أواخر القرن السابع عشر ازدادت الضرائب عليهم حتى أثقلتهم ، إلا ان حياتهم بقيت في ترحال مستمر وتعدّدت أعمالهم وتحوّلت من الصناعات التعدينية إلى صناعة المكانس وتنظيف مداخن المنازل ، كما عملوا موسيقيين وراقصين ومدربي دببة وحدّادين . وفي البلاد العربية أعفاهم العثمانيون من الضرائب والتجنيد، وعاشوا كما يشاءون يمارس بعضهم التسوّل والتنجيم ويقيمون الحفلات الساهرة، ويصنعون الطبول والغرابيل ويصنعون الخناجر والمقصّات ويعالجون الأسنان.

الغجر في العالم
الغجر في العالم

تسميتهم
كان الغجر يسمون في بلادهم الهند الـ«دوم» Dom وهو إسم مشتق من كلمة Doma السنسكريتية التي تدلّ على أناس مكلفين بأعمال وضيعة وهؤلاء الناس موجودون في الهند على نطاق واسع ضمن نظام الطبقات ويدعون الهاريجان harijans ويعود الفضل إلى المهاتما غاندي في تحريرهم إذ قاد حملة وطنية للتآخي معهم واعتبارهم بشراً لهم نفس الحقوق. بعد ذلك ومع توجههم نحو أوروبا تحول اسم Dom إلى روم Rom فعرفوا به هناك لكن الإسم الذي عرفوا به في منطقة الشرق الأوسط هو “دوم” Dom أو دومي وأصبح دومري، ومن المألوف في لبنان مثلاً أن يقال عن مكان بعيد وغير مسكون (ما فيه ولا دومري!) ويعتقد أن موجات الغجر انقسمت في القرن السادس الميلادي وأدى ذلك إلى تسميات مختلفة لهم حسب المنطقة التي انطلقوا إليها.
في المنطقة العربية يسمى الغجر بأسماء عدة منها الكالور والقرباط والزط والزرغاري وهذه الأسماء تشير أكثر إلى أنساب قبلية فكان الغجري يسأل عن أصله فلا يقول «غجري» بل يقول «زرغاري» أو «قرباط» لأن ذلك يوحي بإنتمائه إلى شعب معين وكان هذا أفضل من أن يقول «دومي» التي تعني غجرياً بالمطلق. وأطلق عليهم أيضاً إسم السبابجة وفي العراق الكاولية وفي بعض مناطق الخليج الصلبي، والسبابجة صفة أطلقت على بعض الزط بسبب لون بشرتهم الأسمر الداكن، والفرد من هذه الجماعة يقال له «سبيجي». لكن الكلمة الأكثر انتشاراً في بلاد الشام هي كلمة «نَوَر» وهي جمع «نَوَري» والنور تستخدم أحياناً كإهانة أو للدلالة على أشخاص لا قيمة لهم أو هم في أدنى سلم الاعتبار. وفي إيران تستخدم كلمة «كولي» بنفس المعنى أي للحط من قيمة شخص عبر تشبيهه بالغجر.

لغتهم ولهجاتهم
أظهرت الدراسات اللغوية والإثنية أن لغة الغجر تشبه في الكثير من تعابيرها اللغة الهندية Hindi وهناك مفردات عديدة مشتركة بين الهندية ولغة الغجر وهذا ليس مفاجئاً إذا أخذنا في الاعتبار أن موجات الغجر هي هجرات لشعوب شمال غربي الهند ووسطها، أما قواعد اللغة الغجرية فهي أقرب إلى قواعد اللغة البنغالية.
لكن الدوم أو الغجر ومع احتفاظهم بأساسيات اللغة التي حملوها معهم من الهند فإنهم أخذوا بلغة الشعوب التي هاجروا إليها لذلك ليس مستغرباً أن ترى بعضهم يتكلم لغتين أو ثلاثاً لكنهم عموماً لا يتعلمون القراءة والكتابة بلغة البلد الذي يقطنون فيه فهم لذلك أميّون بالمعنى الفعلي. لكن بالإضافة إلى التحدث بلغة البلدان التي يعيشون فيها أو انتقلوا إليها فإن الدوم يتكلمون عادة إحدى لهجات اللغة المشتركة لغجر العالم، لكن اللهجات تباعدت مع مرور الزمن بحيث افترقت وتمايزت حسب المناطق الجغرافية، ولهذا السبب اتخذ الاتحاد العالمي للغجر قرارات بتوحيد لغة «الروماني» كما تسمى في أوروبا ووضع أسس كتابتها وقواعدها بما يحفظها من احتمال التحول إلى لغات عديدة لا يمكن للناطقين بها أن يتواصلوا في ما بينهم. في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي يتحدث الغجر بلغة الدومري (وهي اللغة المميزة لغجر المنطقة) داخل مجتمعهم ومع أفراد أسرهم، وقد تمكنوا من الحفاظ عليها بسبب تقليد التحدث الشفهي بها من جيل إلى جيل. ويستخدم تعبير نوري للدلالة على شعب الغجر لكن كلمة «النوري» هي عملياً إحدى لهجات اللغة الدومرية، واللافت أن غجر الشرق الأوسط يتحدثون العربية بلهجة البلد الذي يعيشون فيه، فهم يتحدثون باللهجة المصرية في مصر وبالسورية في سورية وباللبنانية في لبنان، وتستخدم اللغة الدومرية أيضاً في أفغانستان وروسيا وأوزباكستان.
بالطبع معرفة الغجر السطحية بلغة البلاد وأهلها وغياب أي تقليد للكتابة أو النقل باللغة الدومرية جعل الغجر مجموعة ضعيفة وهامشية، إذ أن القدرة على التواصل بالكتابة كانت عبر التاريخ ولا تزال أهم واسطة لحفظ الهوية والتاريخ الخاص بشعب بحيث يمكن تناقله من جيل إلى آخر. لذلك تجد قليلاً من شعب الدوم يمكنه اليوم أن يحكي تاريخ شعبه لأن انعدام الكتابة حرمهم من التدوين، كما أن عدم وجود هذا الإرث المكتوب يجعل الغجر غير قادرين على شرح حقيقتهم وتاريخم وتميزهم الثقافي، لذلك تراهم غالباً يسعون للتعبير عن أنفسهم بالرقص والغناء أما في المجتمعات العربية المحافظة يحتاج الغجر إلى التواصل مع أهل البلد وشرح هذا الإرث وإلا فإن العرب المسلمين في أكثريتهم سينظرون نظرة نفور أو عدم رضى إلى تقاليد الدوم نساء ورجالاً في الرقص والغناء.
وتعتبر لغة الدومري في الأصل قريبة من الهندية لكن أضيفت إليها في المنطقة التعابير الفارسية والتركية والعربية، وهي لغة تكاد تندثر بسبب لجوء الغجر المتزايد لاعتماد لغات ولهجات الشعوب التي يعيشون بالقرب منها، وقد أدت حالات الاضطراب والحروب التي ألمت بالعراق وسوريا إلى تأثر الغجر بصورة كبيرة نظراً إلى تشكك الجماعات الأصولية في صحة إسلام الغجر واتهامهم بالتقية وبإهمال ممارسة الفرائض والشعائر الإسلامية.

الموسيقى-حياتهم
الموسيقى-حياتهم

” افتقاد الغجر للغة مكتوبة حرمهم أهم وسيلة للتعبير وكتابة تاريخهم الخاص وجعلهم بلا أي رواية يمكن نقلــــها إلى أجيالــــهم عبر الســـنيـن  “

موسيقى-للعيش
موسيقى-للعيش

حياتهم وعاداتهم
حافظ الغجر في كل مكان على ستار من الكتمان والغموض حول عاداتهم وأساليب عيشهم فهم يتكلمون لغتهم الخاصة في وجود الأجانب ولا يتحدثون إلى الصحافيين ويكرهون أي اهتمام غير عادي بهم أو باعتقاداتهم، لكن مراكز الأبحاث والجهات الرسمية تمكنت عبر الزمن من رصد مجموعة من الخصائص التي تميز حياة الغجر وتفسر كونهم شعباً أو إثنية مختلفة لها عاداتها واحترامها لهويتها.
من أهم سمات حياتهم أنهم يخافون البحر ويفضلون عبور الصحارى مراراً على عبور نهر ولو مرة واحدة، هذا مع العلم أنهم اضطروا لركوب البحر للوصول إلى الأميركيتين الشمالية والجنوبية وقد يكون ذلك بسبب اشتغال نفر قليل منهم بالبحرية أو صيد الأسماك.
إحدى المشكلات التي تواجه الغجر هي عدم وفرة المياه بسبب عزلة مضاربهم وكثرة الترحال، لذلك فإن المياه عندهم مخصصة للشرب وسقي الحيوانات والطبخ، وهي تعتبر ثمينة يحافظون عليها ويتجنبون هدرها.
يعطي الغجر أهمية كبرى لعذرية الفتاة ويشجعون الزواج المبكر وعلى أهل العريس أن يدفعوا مهر الفتاة لذويها، وكان الغجر يطبقون تقليد تزويج الصغار وهي عادة متبعة أيضاً في الهند وهو ما أثار بعض الجدل في أوروبا لكن هذه العادة لم يعد معمولاً بها إلا نادراً. وزواج الغجر يتم بأسلوب الخطف أو «الشراء» حيث يبيع الأب ابنته لقاء ثمن أو بإتفاق العائلتين وهو الأكثر شيوعاً. وزواج الغجري أو الغجرية بغير الغجر منكر ويطرد فاعله من العشيرة، وفي حفل الزواج يقوم رئيس الجماعة بكسر رغيف خبز قسمين ويضع ملحاً داخل كل قطعة ويقدمها للعروسين ويقول لهما (عندما تملّان هذا الخبز والملح يملُّ أحدكما الآخر) ثم يتبادل العروسان القطعتين قبل الأكل ولهذا الطقس أهمية خاصة في مجتمع الغجر تقترب به من الحفل الديني تجعله في مرتبة طقوس مقدسة، والحامل الغجرية تعفى من جميع الشؤون المنزلية.

ترحيل-الغجر-من-ألمانيا-النازية-عام-1940
ترحيل-الغجر-من-ألمانيا-النازية-عام-1940
الغجر في العالم العربي
الغجر في العالم العربي

مفهومهم للطهارة
يعتقد الغجر بأن الأجزاء السفلية من الجسم مثل الأعضاء التناسلية غير طهورة وهم لذلك يغسلون الثياب التي تستخدم في الجزء السفلي من الجسد على حدة ولا يمزجونها مع بقية الثياب، كما أن الولادة عندهم تعتبر ناقضة للطهارة لذلك يستحسن أن تحصل الولادة خارج المنزل وتبقى المرأة التي أنجبت غير طاهرة لمدة أربعين يوماً.
والموت عند الغجر يفسد الطهارة أيضاً وهو يؤثر على جميع أفراد أسرة الميت الذين يبقون غير طاهرين لمدة معينة بعد الدفن. وعلى عكس أجدادهم الهنود فإن الغجر يدفنون موتاهم ولا يحرقونهم فهذا الأسلوب غير متبع أو مسموح به في الإسلام ولا في المسيحية وهي المجتمعات التي يعيشون غالباً في ظلها.
وللغجري ثلاثة أسماء الأول (سري) والثاني (بين أفراد العشيرة) والثالث (بين الناس) وفي السجلات والقيود وتهمس الأم بالاسم الأول (السري) في إذن الوليد مرة واحدة عند الولادة وذلك لتضليل الأرواح الشيطانية الشريرة وعند بلوغه سن الرشد.
ولا يموت الغجري تحت خيمته أو في فراشه أو عربته بل يأخذونه إلى خارج الخيمة ويحضر الشهود وتغسل جثته بعد الوفاة بالماء المالح ويلبسونه ثياباً جديدة وبعد إعلان الشهود وفاته تجتمع العشيرة للبكاء والنحيب وتدفن معه الشوكة والملعقة والكمان ويعزف عليه لحن حزين وتوزع النقود على الشهود وينسى بعد موته.

ديانتهم ومعتقداتهم
يميل شعب الدوم عموماً لتبني الديانة الشائعة في البلد الذي يعيشون فيه. ففي الشرق الأوسط يعني ذلك تبني الدين الإسلامي، وهم غالباً ما يحجون إلى مكة المكرمة لكن بينما يوجد بينهم مسلمون مؤمنون حقاً وممارسون فإن أكثريتهم مسلمون بالإسم فقط ولا يقومون بالفرائض الدينية مثل الصلاة والصوم، فهم يعتبرون أن الدين مسألة خاصة وهم لا يحبون الحديث في أمر الدين مع أي كان لكنهم يتأثرون كثيراً بفكرة سيطرة الأرواح على حياة البشر ويفسرون كل ما يحدث لهم أو للعالم بتأثير أرواح شريرة أو لعنة معينة، لذلك ترى قارئات الطالع من نسائهم يعرضون على الزبون إعطاءه شراباً يقيه من العين ومن الخط ونوايا الشر وغير ذلك. ولا يوجد بين الدوم العرب إلا عدد قليل جداً من المسيحيين وذلك لسبب بديهي هو عدم اهتمام المجتمع الغجري بالدين وثانياً لأن تحول الغجري أو الدومي إلى مسيحي في بلد مسلم يجعله عرضة لضغوط كثيرة ولاسيما وأن أكثر تلك الحالات القليلة تتم بواسطة مبشرين محليين أو أجانب.
حتى في الدول الأوروبية حيث تبنوا الديانة المسيحية لا يوجد بين الغجر رهبان أو قساوسة أو حتى كنائس وما زال كبير السن بينهم وهو غير زعيم العشيرة- المرجع الأول في أمورهم وتوجيههم وهو الحكم في نزاعاتهم، ويعتقد الأوروبيون أن الغجر ما زالوا يمارسون طقوس «الشاكتية» التي حملوها من الهند. وتعتبر الشاكتية أحد أربع أكبر تيارات دينية في الهندوسية وهي تتصل بفرع اليوغا الهندية المسمى Tantric yoga التي تقوم على التحكم بالفكر والجسد وتطهير النفس واتباع تلك الطريقة يمكنهم من الحصول على قوى غير عادية ومن قراءة المستقبل والقيام بالكثير من الأمور التي يعجز عنها الإنسان غير المتمرس بطرق اليوغا.

” ديانتهم موروثة من اليوغا الهندية مع إيمان بالأرواح وقدرتها على التأثير سلباً وإيجاباً في مصير البشر “

لوحة-الغجرير-النائم-لهنري-روسّو-تظهر-حياة-السعادة-التي-يعيشها-الغجري-في-الطبيعة-وتناغمه-التام-مع-الحياة-البرية
لوحة-الغجرير-النائم-لهنري-روسّو-تظهر-حياة-السعادة-التي-يعيشها-الغجري-في-الطبيعة-وتناغمه-التام-مع-الحياة-البرية

مصادر عيشهم
يتميز نمط عيش الغجر العرب بتنوع واسع فمنهم من يزال يعيش نمط العيش المتنقل (رحّل) وهؤلاء يقدمون خدماتهم في إحياء الحفلات كموسيقيين أو كعمال معادن للأماكن التي يخيمون فيها أو لمجموعات أخرى من الغجر الرحّل وبسبب نمط عيشهم المتنقل فإن هذه الفئة يتم التعامل معها بكثير من الشكوك والحذر. في المقابل هناك منهم من يعمل كعمال موسميين مثل المساعدة في قطاف المحاصيل في وادي الأردن أو في قطاف التبغ في شمال الاردن. وهناك غجر من سكان الخيام يتنقلون في لبنان بين سهل البقاع وبين المناطق اللبنانية كما يفعل البدو الرحّل، وغالباً ما يرتبط ذلك بإعتبارات موسمية في القطاع الزراعي علماً أن قليلاً من الغجر العرب يعملون في الارياف ويعيشون حياة المزارعين لأن مفهوم امتلاك الأرض لا يدخل في نمط حياة الترحال الذي يغلب عليهم. وفي بعض البلدان مثل العراق فمن المألوف ان تشاهد قوافلهم من الجمال والحمير تنتقل من منطقة إلى أخرى تقدم خدمات الأعراس وحفلات الرقص والغناء وقراءة الطالع وأعمال الخفة والأعمال البهلوانية، لكن عدم امتلاك الغجر للأراضي التي يقيمون مخيمهم عليها يجعلهم دوماً عرضة لضغوط تضطرهم لإخلاء مواقعهم والانتقال إلى مكان آخر.
بعض الغجر يمكن اعتبارهم يعيشون حياة ترحال جزئي أو موسمي فهم يعيشون في بيوت قريبة من المدينة خلال العام (في فصل الشتاء) بينما يعيشون في خيامهم في العراء بقية أيام السنة. أحد الأمثلة على ذلك غجر منطقة كرمان في إيران فهم يؤمنون عيشهم كحرفيين أو كباعة ووسطاء أو قارئي الطالع أو راقصين وغير ذلك من المهن الصغيرة، وبينما يمارس الرجال أو النساء هذه الأعمال فإن أطفالهم ينتشرون في الشارع للتسول ولا يذهبون إلى المدارس.
بين الغجر الذين يمكن اعتبارهم متوطنين ثابتين أي أنهم تركوا حياة الترحال الغجر القاطنين في لبنان وفلسطين وقبرص. وهؤلاء يعيشون في أكواخ أو في شقق في مناطق شعبية في المدن أو القرى. وبالطبع فإن الغجر المتوطنين لديهم فرص أكبر للتعليم والحصول على أعمال دائمة لكن العديد منهم يصعب عليهم إيجاد عمل بسبب تصنيفهم غجراً لكن السبب الأهم هو أن معظمهم أميّون ولا يملكون أي مهارات تؤهلهم للاستخدام في عمل ثابت وهم لذلك يسعون للعمل المياوم ويعرضون خدماتهم لأصحاب العمل في الزراعة أو غيرها.
في لبنان يعيش قسم من هؤلاء في مناطق بائسة مثل مخيم شاتيلا وهو مخيم يتألف من بنايات مهدمة بفعل القصف وأكواخ تم بناؤها باستخدام الأنقاض إذ لا يسمح بإدخال مواد البناء إلى المخيمات. ويقع مخيم شاتيلا في نطاق مشروع حكومي طموح لإعادة تخطيط وإعمار ضواحي بيروت والمسمى مشروع «أليسار» وهو ما قد يعني إجبار الغجر القاطنين في المخيم على مغادرته.
ويعتبر غجر قطاع غزة من الغجر المتوطنين وتشتهر نساؤهم بالرقص في الأعراس وقد أنشأن اتحاداً أو نقابة لهن بهدف منع المنافسة على الأسعار.
بسبب النظرة المعادية للغجر المنتشرة في المنطقة العربية فإنهم حيثما وجدوا يسعون لإخفاء هويتهم وتبني شخصية أو هوية بديلة فهم في لبنان مثلاً يحبون أن يعتبروا من شعوب البدو الرحل وفي إيران ينسبون أنفسهم إلى شعب الكاشكاي وفي فلسطين المحتلة يسمون أنفسهم عرباً وفي الأردن ينسبون أنفسهم إلى التركمان .
أما الغجر أنفسهم فيتميزون في صفوفهم بين مجموعات أو «عائلات» مختلفة من الدوم. فالقرباط والنور يعيشون في أماكن متجاورة في سوريا لكنهم يختلفون كثيراً في طريقة عيشهم وأعمالهم ولغتهم وثقافتهم الشعبية. القرباط مثلاً طوروا لأنفسهم مهناً وحرفاً مثل العلاجات الأولية للأسنان والأشغال المعدنية والنجارة وأعمال البناء بينما يستمر النور في التركيز على الترفيه موسيقى ورقصاً وتسولاً كما تفشت بين نسائهم بعض المهن غير الأخلاقية وهم يفتقدون أي شعور بالإنتماء إلى شيء أو مكان أو اعتقاد سياسي أو ديني. لهذا فإن قرباط سوريا يرفضون نسبتهم إلى النور ويعتبرون ذلك إهانة لهم.

خاتمة
يمكن القول إن الغجر تمتعوا في العالم العربي في ظل الممالك الإسلامية والدولة العثمانية بحرية أكبر مما نعموا بها في أي مكان في العالم، وقد اعتاد المجتمع العربي وبسبب الإسلام وتسامحه تجاه الشعوب المختلفة على الاختلاط بمختلف الأقوام التي كانت تفد إلى الحواضر العربية من كل مكان في العالم فكان مألوفاً وجود الأفارقة بسحنتهم السوداء أو السمراء ووجود الآسيويين والفرس والروم والهنود والتركمان والأرمن وغير ذلك وهذا التنوع الكبير في الحواضر العربية الكبرى التي كانت مراكز للتجارة والثقافة استفاد منه الغجر ونعموا بالمناخ المنفتح الذي كان يوفره وقد بلغ التسامح مع الغجر حداً شجعهم على إثارة القلاقل وخلق المتاعب للدولة العباسية التي اضطرت إلى إخماد تمردهم بالقوة، لكن في ما عدا تلك الفترة فإن الغجر رافقوا التاريخ العربي لكنهم عاشوا على الدوام على هامشه ولم يساهموا فيه بسبب طبيعة انتشارهم وأسلوب عيشهم وميلهم الطبيعي للإنغلاق. أما في الظروف الحالية للمنطقة فإنهم يعانون ولا شك بسبب حالة الفوضى وانهيار الأمن وهم يجدون أنفسهم في ظروف خطرة لم يعتادوا عليها منذ مئات السنين، ولا يملكون ما يعينهم على اتقاء شرورها. إنها لعنة الشتات وافتقاد حماية المكان وعصبية الجماعة والتي لا يوجد من دونه أمان في زمن اختلاف الدول وانهيار المجتمعات وسيطرة الفوضى.

بيتـــــــــي كان الطريق الفسيح
وكنت أهيم في الأمكنة
لكنهم منعوا التجوال عليّ
أشعر الآن أنني ميت

محجوز ومقموع
كأنني أعيش في حفرة
سجين أحزاني
أنشد شيئاً واحداً: الحرية

يمكنني أن أرى الأشجار
لكن لا أرى نحلاً كثيراً
لأن النحل يطير كما يحلو له
وليس مقيداً مثلي
يمكنني أن أرى المطاحن
لكن لا يمكنني أن أسير في التلال
لأنني ممنوع عن ذلك
بأمر القانون

يمكنني أن أرى الأبراج
لكن لا يمكنني أن أشمّ رائحة الأزهار
فأنا لست معتبراً
جزءاً من هذه الطبيعة

يمكنني أن أرى العشب الأخضر
لكن فقط من خلال زجاج النافذة
كم أشتهي أن أقترب منه
وأتأمل خضرته على الدوام

يمكنني أن أرى السماء
والسحاب السابح في أرجائها
أشعر بالحسد وأنا أتأمل
كيف أن كل شيء حر هناك

أرى العصافير تقطع زرقة السماء
لا تدري ربما كم هو سهل عليها
أن تذهب أو أن تعود من أي مكان
أنظر إليهم أسراباً فأخرج تنهيدة حسرة
وأتمتم بكلمات مرة

” غجر لبنان وفلسطين وقبرص توقفوا في معظمهم عن الترحال وانتقلـــوا إلى أماكن ســــكن ثابتـة  “

الغجر وفن الرقص الشرقي

يعتبر الغجر ولاسيما عشيرة الغوازي منهم المؤسسون الحقيقيون للرقص الشرقي وقد قامت نساؤهم بتطوير هذا الفن فانتشر بسببهن في المجتمعات العربية حتى أصبحت له مدارسه ليس فقط في المنطقة بل في الدول الغربية أيضاً وتكرس كأحد فنون الرقص العالمية. وكان للغجر أيضاً تأثير كبير على تطور رقص الفلامنكو الإسباني والموسيقى البوهيمية أو التسيغان في أوروبا الشرقية وخصوصاً في هنغاريا ورومانيا وبولونيا.
وكان للغجر تأثير كبير على تطور الرقص الشرقي في مصر بل إن البعض يعتبر أنهم ساهموا مساهمة كبيرة في حفظ الغناء الشعبي المصري إذ احترفوا إنشاده‏، كما برعوا في الربابة والمزمار‏,‏ ومن النادر أن تجد عازف مزمار أو راوي سيرة شعبية أو مداحاً في مصر لا يكون منهم، ‏وفي غزة أنشأت الراقصات الغجريات نقابة بهدف توحيد أسعار الخدمات التي يقدمنها ومنع المنافسة بينهن. وفي العراق كتبت الصحف في بداية التسعينات عن غزو الغجريات للمسرح القومي كممثلات بارعات وسمي أحد أحياء بغداد بحي «الطرب» بسبب وجود مجموعة من الغجر تمارس فنون الغناء والعزف والرقص وتقطن فيه.

جباع عليَّة الشوف

جبـــاع عليّة الشوف

نصفها مزارعون ونصفها موظفون
كثيرون نزحوا للعمـــــــل ولم يعودوا

برز منها فؤاد سليم وكثير من المتعلّمين
رجا البتلوني: عين البلدية على التطوير الزراعي

5 بحيرات لتجميع مياه الأمطار أحيت الزراعة
مع 350 دونماً من الأراضي الزراعية الجديدة

المدرسة الرسمية مقفلة منذ 20 عاماً
بسبب هجرة السكان ومعهم التلاميذ

يدخل الى باحة منزل جدّيه، حيث اجتمع أقاربه لاستقباله، والضحكة تعلو وجهه وتملأ عينيه، يجلس سعيداً وهو يتكلم اللغة العربية بلهجة أبناء بلدته، ولا يخفى على جلسائه أنه يبذل جهداً فيها. يحدّثهم عن مشروعه بتأهيل «القبو» خلف المنزل ليصبح مكان اقامته، أو على الأقل مقصده لتمضية الأيام التي سيقضيها في لبنان. ويحرص على ابلاغ الكل أن من يريد أن يراه يجب أن يأتي الى «جباع» لأنه لن يذهب الى أي مكان وسيستغل كل لحظة من فرصته للتمتع ببلدته الأم.
يبدو شغف رشاد، الشاب العشريني، الذي ولد ويعيش في أميركا، غريباً خصوصاً اذا قورن بتصرف أهل البلدة وغيرهم من سكان القرى الذين نزحوا الى المدينة وتركوا أرض الأجداد إلا ربما لزيارات مقتضبة، في المقابل تجد هذا الجباعي «الأميركي» المولد متعلقاً ببلدته الأم التي لا يربطه بها في الواقع الا إسمه وهويته وبعض ذكريات من زيارات صيفية متباعدة. لا بدّ أن يكون لهذه البلدة الجبلية التي تسمّى «عليّة الشوف» سحر يراه القادم من الخارج، ولا يراه بالصورة نفسها أهل الأرض الذين غادروها.
يعود أصل اسم «جباع» الى كلمة «جبع» في اللغة الآرامية، والتي تعني العليّة أو الإرتفاع. وترتفع هذه البلدة الشوفية ما بين 1200 و1300 متر عن سطح البحر وتبعد 67 كلم عن بيروت، تحدّها من الجنوب نيحا وباتر، ومن الغرب وجبليه (التي تتقاسم جباع ملكيتها مع حارة جندل) ومن الشمال مرستي، ومن الشرق سلسلة جبال لبنان الغربية. وتصل أراضي البلدة إلى حدود مشغرة شرقاً حيث كان الأهالي يزرعون القمح في التلال والمنحدرات الشرقية لجبل نيحا والمعاصر المطلة على بلدة مشغرة البقاعية.
يبلغ عدد سكان البلدة حالياً نحو ألفي نسمة، وبحسب آخر احصائيات في لوائح الشطب يوجد فيها 1100 ناخب. أما عائلات البلدة فهي بحسب التسلسل الأبجدي: اسماعيل، البتلوني، الخفاجي، الخازم، حمّاد، سعد الدين، سليم، شرف، وهلال. وهناك عائلات صغيرة قدمت من قرى أخرى واستقرت في جباع من بينها: أبوعلي وأبوكروم وملاعب وعزام وأبو هدير.
تاريخياً كانت عائلتي سعد الدين وسليم من أكبر أسر البلدة، وكانتا لذلك تتناوبان مداورة على رئاسة البلدية والمخترة، إلا أن البلدة شهدت تبدلاً ديمغرافياً تمثّل في زيادة عدد أفراد عائلات مثل البتلوني وحماد وهلال، ويشغل منصب رئيس البلدية حالياً الأستاذ رجا البتلوني ومنصب المختار الشيخ محمود قاسم سليم.
كانت جباع تتصف في الماضي بزراعة الجوز والتين والعنب والتوت. ومثلها مثل باقي القرى الجبلية، كانت تحتضن تربية دود القز، وكان هناك تجار يشترون الشرانق وينقلونها الى المتن وكفرشيما، حيث توجد معامل حل الحرير ونسجه وحياكته. وفي مرحلة لاحقة أنشئ في القرية مكتب للحرير تابع للدولة اللبنانية التي غدت تشتري الشرانق من الأهالي عوضاً عن التجّار، وكان أغلب الأهالي يعتمدون على تلك المواسم، الا أن هذه الصنعة توقفت في البلدة منذ نحو ثلاثين سنة.

هجرة ونزوح
كغيرها من القرى اللبنانية، شهدت جباع حركة نزوح مستمرة إلى المدن منذ الخمسينات، فضلاً عن حركة الهجرة إلى مختلف بقاع الأرض. ويرى رئيس البلدية المهندس رجا البتلوني أن موجات النزوح كانت نوعين: الأول كان النزوح الوظيفي، ويشمل أولئك الذين التحقوا بالمؤسسة العسكرية أو تعاقدوا مع كلية التربية، وكان عليهم الانتقال مع عائلاتهم الى حيث أشغالهم. ويشير هنا الى أن أبناء تلك الأسر أتيح لهم بالتالي الحصول على التعليم العالي أو الجامعي. أما النوع الثاني من النزوح فقد كان اقتصادياً، وقد حصل بعد الأحداث اللبنانية بعد أن زادت البطالة، ولم يعد هناك انتاج زراعي في بلدة تقوم على الزراعة، فنشأت بذلك موجة من نزوح الشباب إلى المدن أو إلى الخارج بحثاً عن لقمة العيش. ومع الأسف، فإن نسبة كبيرة من الذين تغربوا استقروا في المناطق التي يعملون فيها ولم يهتموا دوماً ببناء منازل لهم في القرية، لهذا نجد، حسب البتلوني، أن الذين يبلغون الخمسين من العمر وما فوق هم الذين يملكون منازل في جباع، أما الجيل الجديد فهم ببساطة غادروا.
يذكر أن المهاجرين من جباع توزّعوا بين مغتربلت قريبة مثل الإمارات والسعودية والكويت وأخرى بعيدة مثل أوستراليا وأميركا وكندا، وهناك جباعيون توجهوا صوب أميركا الجنوبية بين كولومبيا وفنزويلا والبرازيل، أما في أفريقيا فإن أكثريتهم تعمل في ليبيريا. وهناك عدد أقل من أبناء البلدة اتجهوا إلى بلدان أوروربية مثل فرنسا وسويسرا والسويد وألمانيا أو حتى روسيا.

رجا-البتلوني---اهتمام-بالزراعة-وموارد-المياه-في-جباع
رجا-البتلوني—اهتمام-بالزراعة-وموارد-المياه-في-جباع

تغيّرت الايام
كل شيء تغيّر عن الماضي وليس فقط موارد الرزق. ويروي الشيخ أبو حاتم أمين سليم، إبن الثلاثة وثمانين عاماً، كيف كانت الحياة في أيام صغره، وكيف كانت الإلفة تغمر أبناء بلدته: «كانت حياتنا كلها تعب، ولكن كنّا سعداء، وكنّا أكثر ما نفرح على العيد حيث كانت كل القرية، بكل عيالها، تجتمع على العين، ثم يجول الأهالي على المنازل منزلاً منزلاً يعيّدون بعضهم بعضاً، ونحن الأولاد نتبعهم». ويشرح كيف كانوا يصنعون من علب الكبريت نسخة بدائية من تلك المفرقعات التي نجدها اليوم في عصرنا.
كان الناس يسهرون باستمرار عند بعضهم بعضاً، أما الزفاف فكان يستمر ثلاثة أو أربعة أيام ويدعون إليه أبناء القرى المجاورة (نيحا ومرستي)، وعند جلب العروس كانوا يعزفون على المجوز ويهزجون ويعقدون حلقات الدبكة.

زمن الحرب
شهد الشيخ أبو حاتم حقبة الإحتلال الفرنسي، وكان وقتها دون العشر سنوات. ويلفت الى أن جباع نالها من الحرب التي نشبت بين الفرنسيين والانكليز في لبنان، اذ كان الانكليز في جباع والفرنسيون في بعذران، حيث أخذوا يضربون المدافع على البلدة. كان الانكليز يمكثون في وسط البلدة، على العين، وظلوا فيها أقل من سنة.

كثيرون سافروا
أما الدخول الى العسكرية فسبق زمن الشيخ أبو حاتم، وكان العسكري يغيب نحو الشهر، وعندما يأتي من خدمته كانت كل القرية تزوره ويقيمون السهرات. وعلى زمن الفرنسيين كان هناك عسكر من جباع في الجيش الفرنسي، فضلاً عن ذلك سافر كثر من جباع. ولا يذكر الشيخ متى بدأت الهجرة الى الخارج ولكنه يذكر أنه كان صغيراً عندما كان هناك مسافرون يأتون من أميركا.
في الماضي لم تكن هناك لا طرقات ولا سيارات، وكان الأولاد بعمر الشيخ أبو حاتم يطلّون على حافة الوادي، اذا مرت سيارة يتفرّجون عليها. وبعد الـ 1958 قامت مصلحة التعمير بإعمار القرى وفتح الطرقات وصولاً الى جباع، ومن جون الى مرستي.
وقبل وصول البوسطة الى جباع، كانت هناك بوسطة تأتي من باتر وتمرّ في جبليه حيث كان أهالي جباع يلاقونها مشياً على الأقدام، وفي أوائل الستينات أتت أول بوسطة الى جباع وكانت تنقل الناس الى بيروت.
في البدء لا يتذكر الشيخ أبو حاتم أول مشوار له الى بيروت، لافتاً الى أنهم كانوا يقصدونها لشراء الحاجيات. ومن ثم يضحك ويتذكر أن أول مشوار نزل فيه الى المدينة كان ولداً بعمر الـ 10 أو 11 عاماً، ونزل بغير علم أهله برفقة شاب يعمل في العاصمة وأقنعه بمرافقته بهدف العمل. وهكذا حصل، نزلا مشياً على الأقدام حتى عينبال حيث استقلا البوسطة الى بيروت، ومن ثم تعلو ضحكته وهو يشرح كيف ناما على الرمل في تلك الليلة، فذلك الشاب، صديقه، كان يعمل في مطعم ولديه أخت في بيروت، وكان المفترض أن يبيتا ليلتهما عندها. إلا أنه وبينما كانا يتمشيان ليلاً على الشاطىء التقيا بأحدهم نائماً على الرمل، ودعاهما الى النوم الى جانبه ففعلا. وفي اليوم الثاني توجها الى بوسطة الباروك للعودة، ولم يكن مع كل منهما سوى ليرة واحدة، ولأنهما ولدان سُمح لهما بركوب البوسطة. وعندما وصلا الى الباروك، التي تبعد بطبيعة الحال عن بلدتهما جباع، لم يكن لديهما مكان ينامان فيه، فناما على أحد سطوح المنازل، وفي اليوم التالي عملا في إحدى الورش وبقيا طوال النهار يعملان بلا أكل، وفي نهاية النهار التقيا بشخص يعرفانه فدعاهما للمبيت في منزله، ثم أمّن لهما عملاً ليومين أو ثلاثة في إحدى الورش، ومن ثم قبضا أجرتيهما وعادا أدراجهما الى القرية. ويشرح الشيخ أبو حاتم وهو يضحك من كل قلبه كيف لم يجرؤ على العودة الى منزل أهله الذين انشغل بالهم عليه، أما صديقه فكانت والدته تعرف أنه نزل الى بيروت للعمل، وعندما رأوا صديقه سألوه عنه وذهب أخوه لاصطحابه، وأخذ نصيبه من التأنيب. «الحشرية خلتني انزل على بيروت، بدي اشتغل».
يذكر الشيخ أبو حاتم أنه مع ذلك كان منذ صغره يحب العلم كثيراً، فكان يأخذ البقرات ويربطها في حقل يقع إلى جانب المدرسة ويذهب إلى الصف. لكن وبسبب ظروف العيش فإنه لم يستطع أن يتابع ذلك الطريق واتجه إلى العمل في سن مبكرة . لذلك كانت أمنيته أن يوفر التعليم لأولاده وقد نجح بتعليم ابنه حاتم الذي تدرج حتى حصل على درجة الدكتواه في علوم الكمبيوتر وهو يعمل حالياً في الولايات المتحدة.

أبو-حاتم-أمين-سليم-شاهد-على-تبدل-الأزمنة
أبو-حاتم-أمين-سليم-شاهد-على-تبدل-الأزمنة

العمل البلدي
تأسست البلدية في جباع في خمسينات القرن الماضي لكنها تأثرت كثيراً بسفر الأعضاء في فترة شهدت هجرة نشطة إلى البلدان العربية. وكان آخر رئيس بلدية في تلك الفترة الشيخ جميل سعد الدين الذي سافر إلى ليبيا في تلك الفترة ما أدى، مع سفر غيره من أعضاء المجلس، إلى توقف عمل البلدية وبالتالي إلى حلّها. وبقي الوضع على هذه الحال حتى حصول الانتخابات البلدية سنة 1998، فأصبح هناك مجلس بلدي من تسعة أعضاء. وعلى خلاف البلديات بشكل عام، يعتبر رئيس البلدية المهندس رجا البتلوني أن بلدية جباع متضامنة في ما بينها كما أن روابط المودة في القرية فلا أحد يشتكي على أحد. ويشير الى أن الأعضاء يُنتخبون بأصوات 70 أو 80 في المئة من الأهالي، وأنه يشغل منصب الرئيس منذ 2004، والفريق نفسه تقريباً ينتخب كل دورة.
يبدأ البتلوني تعريف بلدته، التي تبدو عزيزة عليه، بأنها قرية ريفية زراعية، اذ أن القسم الأكبر من أبنائها الكبار في السن يهتمون بالزراعة، وهناك قسم آخر كبير من أبنائها في السلك العسكري من جيش وقوى أمن داخلي، بالاضافة الى الأساتذة في ملاك وزارة التربية. ويعتبر وضع التعليم في البلدة، نسبة الى عدد السكان، ممتازاً جداً، فهناك أكثر من عشرة أطباء وما لا يقل عن 15 مهندساً، هذا فضلاً عن حملة شهادات الدكتوراه والدراسات العليا، وهم كثر وفي شتى الاختصاصات.
ورغم تراجع الزراعة في البلدة الا أن أغلب الأهالي يملكون أراضي زراعية، ولا يزال هناك بعض المهتمين بهذا القطاع من المتواجدين في البلدة. أما المزروعات فتتنوع بين التفاح والإجاص والدراق والمشمش والعنب والتين والبندورة والخيار حسب مواسمها، وتعدّ هذه المزروعات للبيع وليس فقط للإستخدام المحلي.

منتزه-العين
منتزه-العين
طبيعة-عذراء--في-مأمن-حتى-الآن-من-المد-السكني
طبيعة-عذراء–في-مأمن-حتى-الآن-من-المد-السكني

 

 

 

 

 

 

 

نظام للصرف الصحي
وفي ما يخص النواحي الخدماتية، يلفت الى أن التمديدات الصحية تطال نحو 70 في المئة من منازل البلدة، وهناك مشروع لاستكمال شبكات الصرف الصحي خلال السنتين المقبلتين، هذا فضلاً عن وجود محطة لتكرير الصرف الصحي تمّ تدشينها سنة 2006 وهي في قيد العمل. وعندما تسأل البتلوني عن درجة التكرير وكيفية استخدام المياه المكرّرة، يشير الى أنها من الدرجة الثالثة حيث تصبح المياه نظيفة وخالية من أي بكتيريا وصالحة بالتالي لأغراض الري.
وتجدر الاشارة هنا الى أن البتلوني على تماس مباشر مع فريق عمل محمية أرز الشوف ومواكب للأمور البيئية التي يبدي حرصاً واهتماماً خاصاً بها. وفي هذا الصدد، يشير الى أن هناك محاولات لتصنيع المنتوجات الزراعية؛ ومن خلال محمية أرز الشوف أقامت البلدية مشروع مشغل انتاج زراعي منذ نحو سبع سنوات لتشغيل سيدات البلدة، الا أن هذا المشغل ضعيف، وفقدت السيدات الحماس للعمل بسبب عدم تصريف الانتاج. ويتوقف البتلوني عند غياب الوعي البيئي والوعي بالمعايير التي تفرضها الجهات الاجنبية في الانتاج الزراعي لتشتري المنتجات. ويلفت الى أن بعض السيدات لم يلتزمن بالمعايير المطلوبة مما ساهم في كساد الانتاج، ويعتبر أن ذلك شيء طبيعي، وأن هذه المسائل تحتاج الى الوقت.
على خلاف بلدة نيحا المحاذية، لا يوجد في جباع رأسماليون، ويعتبر البتلوني أن أبناء البلدة يعدّون من ذوي الدخل القليل ولكن هناك إكتفاء.

بحيرة-تجميع-مياه-الأمطار-في-جباع
بحيرة-تجميع-مياه-الأمطار-في-جباع

أعلام من جباع

خرجت من بلدة جباع في تاريخها القريب مجموعة من الرجالات والأعلام على رأسهم المناضل فؤاد بيك سليم الذي كان قائداً للجيش في الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش ضد المحتل الفرنسي سنة 1925. وكان شقيقاً فؤاد بك، نصري وعارف، ضابطين في الجيش الأردني، وهناك نالوا لقب البكوية.
ومن الأعلام الدكتور أسعد بك سليم الذي كان طبيب صحة عامة، حصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1910 وكان يسكن في برج البراجنة. ويعتقد الشيخ أبو حاتم أنه في ذلك الوقت لم يكن هناك طبيب غيره في كل الشوف. وكان جد أسعد بك ويدعى حسن، صغيراً دون العشر سنوات عندما التقى بأشخاص على العين يجمعون الميري واخطأوا في الحسابات ولم يفلحوا في تصحيحها، فقال لهم إنه حلّ العقدة الحسابية، وعندما شرح لهم المسألة وجدوا أنه محق. كان والده متوفياً وعمه معهم في اللجنة، فسأل المسؤول عن اللجنة اذا كان بإمكانه تعليم الفتى على حسابه الخاص وهكذا حصل، ومن بعده غدا كل أولاده متعلمين.

عيون ماء ومغاور طبيعية
توجد في جباع عينا مياه، واحدة وسط البلدة أمام مبنى البلدية، وهذه تمّ اكتشافها قديماً وبنيت على أيام ما كان الشيخ أبو حاتم بعمر الخمس أو ست سنوات، وهي معلم أثري اذ أنها ضمن مغارة، وبحسب البتلوني هي ليست بمستوى المغارات المعروفة في لبنان الا أنها جميلة، وقد تمّ العمل على تصوينها ببوابة حديدية حيث يمنع على أحد دخولها دون إذن من البلدية. وتم تزويد العين بالانارة لكنها ليست مؤهلة لاستقبال الزوار، اذ ينبغي العمل على تأهيلها. وتوجد في جباع أيضاً مغارتان في أسفل البلدة إحداهما تدعى مغارة «الحواكير» والثانية «معبور الوادي» أو «قلعة زادي». وهناك عين مياه ثانية هي عين الشعشوع أقيمت في محيطهاإستراحة تحمل اسمها وتستقبل الناس من مختلف المناطق.
ومن المعالم الطبيعية في جباع نبع له قيمة خاصة بالنسبة للبلدة يطلق عليه اسم نبع «جعيتي» أو «جعيتا» وهذا النبع يؤمن أهالي البلدة بأنه يقوم على سرّ رباني وليس نبع ماء عادياً، فهو ينبع من تحت صخرة ضخمة وتتدفق مياهه البيضاء النقية في الربيع من كل سنة لتتوقف في أول الصيف. وبسبب هذا التكريم القديم للنبع فإن كثيراً من الأهالي يحبون زيارته وأخذ مياه منه للتبرك. هذا بالاضافة الى نبع الغابة الذي يستخدمه المزارعون في ري مزروعاتهم، وهو بحسب الشيخ أبو حاتم، مازال نظيفاً ولم يلوّث، رغم أنه يخرج من تراب الشحّار الأحمر. وهذه الينابيع الثلاثة توزّع مياهها وفق نظام مشاركة محدد بين المزارعين بحيث يستفيد كل مزارع، وحسب قطعة الأرض التي يملكها، من ساعات ري معينة.

المدرسة نزحت مع من نزح
وتوجد في البلدة أيضاً مدرسة رسمية مقفلة منذ نحو عشرين عاماً، ويشير البتلوني الى أنه ليست هناك امكانية لفتح المدرسة اذ أن القانون يفرض وجود عدد محدّد من الطلاب حتى يعاد افتتاحها، وذلك غير متوفر، اذ أن معظم أهالي البلدة موجودون في المدن وموزعون بين بيروت وبقعاتا والشويفات. ويلفت الى أنه ضمن اعتبارات البلدية اعادة تأهيل مبنى المدرسة، ولكن ليس هناك أي مشروع حاضر حالياً في هذا الصدد.
تحتوي جباع أيضاً مستوصفاً صحياً، داراً للبلدة، نادياً رياضياً،

بيوت جباع ومحالها: أبيض وأزرق

أزرق-وأبيض
أزرق-وأبيض
أزرق وأبيض 2
أزرق وأبيض 2

إنفردت بلدة جباع بتجربة هي الأولى من نوعها في مجال التجميل العمراني، إذ اشرفت البلدية وبالتعاون مع الأهالي على توحيد ألوان البيوت والمحال التجارية على طول الشارع العام الممتد من أول خراج القرية من جهة بلدة نيحا وحتى نهاية الطريق من ناحية بلدة مرستي. وقد تمّ طلاء البيوت والمحال باللون الأبيض بينما طليت النوافذ وأبواب المحلات ومداخل البيوت باللون الأزرق، كما تمّ بناء الأحواض وزراعتها باللافندر والروزماري.
وكان رئيس بلدية جباع شاهد في تونس وفي الجزائر قرى سياحية جميلة وقد تمّ طلاء بيوتها بالأبيض والأزرق وزيّنت نوافذها بأحواض الزهور، فأعجبته الفكرة وقرر محاولة تجربتها في جباع. وبالفعل أضفى استخدام اللونين الأبيض والأزرق في تجميل ساحات القرية لمسة جمالية لا تخفى عن الأنظار. ويشير البتلوني الى أنه تمّ تنفيذ المشروع منذ نحو خمس سنوات بتمويل من الصندوق البلدي الذي يموّل مشاريع انمائية، وتكفلت البلدية بالمبلغ الاضافي. ويلفت الى أن عدداً من البلديات استحسنت الفكرة ولكن مشروعاً من هذا النوع يحتاج الى الأموال، كما أنه لا يمكن تنفيذه بقرار منفرد من البلدية، إذ يحتاج ذلك إلى تعاون أهل البلدة والذين قد لا يرغب بعضهم في تغيير طلاء منازلهم، علما أن هناك صعوبة أخرى تنجم أحياناً عن كون الكثير من البيوت الجبلية من الحجر الصخري الذي لا يستحسن طلاؤه، وعندها فإن التركيز يمكن أن يحصل على النوافذ والأبواب وغيرها من المعالم الخارجية.
تجربة جباع الجمالية قد تصلح لأماكن عديدة وقد يمكن تطويرها، والمهم أن يتم الاطلاع عليها من بلديات المنطقة وبلديات الجبل بصورة عامة.
رغم تواضع الأزرق والأبيض في جباع فإن مجرد المحاولة دلّت على وجود حسّ اجتماعي ومدني متطور لدى الأهالي، ومن المؤكد أن الفكرة يمكن تنفيذها في كثير من القرى الجبلية، مع تكييفها وفق تركيبة كل قرية وطبيعة ساحاتها.

بقعاتا

من ربع ليرة الى 800 دولار للمتر المربع من الأرض

بقعاتا.الجدَيْدِة

مركــــــز الشــــوف التجــــاري والسكنــــي.
سلــة مشاكــل ومدينــة مكتومــة القيــد

بقعاتا الشوف أو بقعاتا الجدَيْدِة في تعريفها الرسمي نموذج فريد على الطريقة التي بدلت فيها حضارة الاستهلاك وجه الجبل وبالتحديد منطقة الشوف، لم تولد بقعاتا نتيجة قرار أو مشروع أو مخطط عمراني محدّد، ولم تنشَأْ حول صناعات معينة أو جامعات أو حرف إنتاجية أو قطاعات خدمات استوجبت خلق مدينة بالحجم الذي باتت عليه؛ بل أن المدينة التي بات يسكنها الآن نحو 20,000 نسمة نشأت وتطورت مثل استنساخ صيغة الدكّان كبيراً كان أم صغيراً وفكرة السوق أو البازار، وذلك قبل أن يتم استكمالها مثل أي تكوين حضري بالمؤسسات الخدماتية المختلفة من مؤسسات صحية أو تعليمية أو صناعية.
نمت بقعاتا بالدرجة الأولى في موازاة التحوّلات الكبرى التي شهدها المجتمع اللبناني ومجتمع الجبل بصورة خاصة خلال العقود الخمسة الماضية، وهي تحوّلات انعكست في مناطق عديدة من لبنان بنمو مدن تجارية لم تكن في السابق ربما موجودة أو كانت مجرد مواقع منسية على طرق المواصلات، لكن حاجة الناس إلى أسواق قريبة بعثتها من رقادها وحوّلتها إلى حواضر كبيرة مزدحمة بالسكان وحركة الأعمال. وقد ساهمت تطورات، مثل اتساع قطاع الوظائف الحكومية والخاصة وحركة التعليم وموجات الهجرة إلى الخليج وأفريقيا وغيرها من المغتربات، في نمو تلك الحواضر في أكثر من منطقة في لبنان غالباً على حساب القرى المجاورة وسكانها.
وجاء قيام أسواق تجارية في المناطق أيضاً نتيجة التنميط المتزايد لقطاع الاستهلاك والتوجّه التدريجي لنوع من «اللامركزية التجارية» في الكثير من السلع الأساسية غير المتخصصة، والتي بات المستهلكون يفضلون الحصول عليها من أسواق قريبة بدلاً من تحمّل عناء وتكلفة الحصول عليها من بيروت أو غيرها من المدن الساحلية.
لا يختلف النمو الانفجاري لمدينة بقعاتا عن ظاهرة نمو الضواحي الجديدة في لبنان في أكثر من منطقة، وذلك باعتباره تلبية لحاجات طرأت واستجدت، ووجد مع الوقت من التجار وأصحاب الأعمال من هبّ لمحاولة تلبيتها وبناء تجارة عليها. لكن كما في العديد من الضواحي المماثلة، فإن النمو العفوي للمدينة الجديدة غالباً ما يتم من دون مراعاة لمخططات حضرية وغالباً ما يترافق بمشكلات عديدة تخطيطية وبلدية واقتصادية واجتماعية بحيث سرعان ما يظهر الوجه الآخر للتطور السريع قسطاً أكبر من المشاكل والمعاناة للسكان.
ما هي قصة بقعاتا؟ كيف تطورت -في نحو خمسين عاماً- من حقول زرع وبرية إلى إحدى أكبر مدن جبل لبنان؟

هنا محاولة للتعريف بالظاهرة وتفهمها وتقديمها في ضوء جديد لقرّاء «الضحى».

لم يكن الشيخ أبو زياد يوسف محاسن يتصور أن تلك البقعة الهادئة التي انتقل للسكن فيها سنة 1961 عندما كانت «برّية» ليس فيها سوى بعض المنازل، ستتحول الى أكبر مركز تجاري وسكني في منطقة الشوف، وأن تزدحم لدرجة أن يصعّب العيش فيها. الشيخ أبو زياد الذي كان من أوائل الناس الذين سكنوا في بقعاتا، ومن الذين سجّلوا نفوسهم فيها، يشرح كيف بدأت بقعاتا سنة 1958، حيث أنشأت الدولة في ما يُعرف حالياً بالسوق، غرفاً للمهندسين ومستودعاً للترابة والحديد يوزع على القرى الشوفية التي تدمرت منازلها إثر زلزال سنة 1956. وفي السنة نفسها فتحت المياه لبقعاتا من الأقنية التي كانت تمر عبرها الى المزرعة، وأوصلوا إليها الكهرباء، مما فتح عيون الناس على البناء فيها. الأراضي في ذلك الحين كانت ملكاً لأبناء بلدة الجديدة، وأخذ الناس يشترون منهم. وابتدأ متر الأرض بربع ليرة، وكان الشيخ أبو حسيب علي منصور حيدر يبيع الأراضي «شلفة» ويقسّط المبلغ 10 ليرات و25 ليرة، وهكذا تملّك الناس في بقعاتا.
ويروي الشيخ أبو زياد أن الشيخ أبو حسن نعيم الفطايري كان أول القادمين الى بقعاتا سنة 1959 حيث أخذ مستودع الحديد والترابة الذي افتتحته الدولة، وكان هو من أوائل الذين سكنوا في بقعاتا صيفاً شتاء. كان الشيخ أبو حسن يملك محلاً تجارياً ويبيع بأسعار زهيدة جداً، وكانت بقعاتا الطريق المؤدية الى كل المنطقة وكل الناس يمرون فيها، فأصبح الناس يترددون الى محله الذي شهد اقبالاً كثيفاً، وأصبحت بقعاتا تتوسع رويداً رويداً الى أن حصلت أحداث 1975، وشكّلت مقصداً لأهالي المتن وعاليه الذين وجدوا فيها منطقة أكثر أمناً من مناطقهم.
موقع بقعاتا الاستراتيجي، كان ولا يزال يميّزها عن باقي القرى، فهي تشكّل محور الشوف ونقطة وسط، وكانت معظم البواسط التي تتنقل بين بيروت والقرى الشوفية تمرّ فيها، وكان الناس ينتظرون تلك البواسط على الطريق العام التي كانت الوحيدة المشقوقة، فيما كانت باقي الطرقات طرقات رِجل. ولكن الفارق عن الماضي أنه لم يكن كل شيء متوفراً في بقعاتا كما هي الحال اليوم، وكانت دير القمر هي المقصد المفضّل لشراء الحوائج من جهاز العروس والأثاث وغيرها، بينما كانت بعقلين تلعب دوراً أقل أهمية كسوق لعدد من القرى القريبة والمجاورة.
سكانيا،ً بدأت بقعاتا بعدد من العائلات كان صغيراً، ومن الذين بنوا منازل في نطاقها وسجلوا نفوسهم فيها عائلات الفطايري وحيدر ومحاسن وحرب ونصرالله والغضبان وفياض وسليم وخضير وغيث والغصيني.

مدينة مكتومة القيد
شهدت بقعاتا في نحو خمسة عقود نمواً غير مسبوق جعل منها إحدى أسرع المدن نمواً في لبنان. وقد أدى نمو المدينة إلى «استهلاك» معظم مساحة الجديدة، مثلاً إذ باتت مساحة بقعاتا نحو مليوني متر مربع من أصل مليونين وثمانمائة وخمسين ألف متر مربع هي المساحة الإجمالية لبلدة جديدة الشوف. ويعيش في بقعاتا نحو 20 ألف نسمة وهو ما يوازي عشرين ضعف أبناء بلدة الجديدة. لكن على الرغم من تطورها الهائل كمدينة تجارية لها كيانها وخصوصياتها وحاجاتها، فإن بقعاتا ما زالت تعدّ من الناحية القانونية حياً من أحياء الجديدة.
يستمر ذلك رغم صدور قانون في 31 أيار سنة 1966 قضى بفصلها عن الجديدة، إلا أنه صدر بعد ذلك قانون آخر في 13 أيار 1993 قضى بإلغاء القانون السابق وباعتبار بقعاتا حياً من أحياء الجديدة لعدم توافر الشروط اللازمة فيها لإنشاء بلدية واعتبارها بالتالي بلدة مستقلة. لكن الحقيقة خلف هذا الجدل القانوني هي أن بقعاتا ما زالت ضحية خلافات متأصلة بين العائلات الرئيسية لبلدة الجديدة، وقد أبقتها تلك الخلافات مكتومة القيد الرسمي، ولم يشفع لها النمو الهائل في عدد سكانها الذين أتوا إليها «من كل فج عميق» ولا العدد المتزايد من المؤسسات والأعمال التي تعمل في إطارها، ومعظم السكان والعاملين والتجّار فيها يشعرون بنوع من اليتم البلدي لأنهم على ضخامة التحديات والمشاكل يشعرون بالإهمال وبتجاهل مصالحهم كمواطنين، كل ذلك بسبب غياب المرجعية الواضحة وقدرة السكان على التأثير في الطريقة التي تساس بها الأمور الحيوية للبلدة.

من-دكاكين-صغيرة-قبل-نصف-قرن-إلى-أكبر-مدن-الشوف
من-دكاكين-صغيرة-قبل-نصف-قرن-إلى-أكبر-مدن-الشوف

 

فورة عقارية

نتيجة للتهافت على العقارات ذات الاستخدام التجاري شهدت أسعار العقارات قفزات متتالية وصلت بسعر الأرض إلى نحو 800 دولار للمتر المربع في العقارات المحاذية للطرق العامة الرئيسية، علماً أنه في المجمل لا يقل السعر عن 160 دولاراً للمتر المربع.
وبالنسبة للشقق والتي تبدأ مساحتها عادة من 150 متراً مربعاً، فأسعارها تتراوح ما بين 100 و150 ألف دولار.
أما في ما يخص الايجارات فيتراوح ايجار الشقق السكنية ما بين 250 و400 دولار والمكاتب ما بين 250 و350 دولاراً، أما المحال التجارية فيرتفع ايجارها في بعض المواقع الحساسة الى ما بين 600 و900 دولار لـ “الباب” الواحد.

نزاعات عائلية
يلقي رئيس بلدية الجديدة السيد بهيج الفطايري ضوءاً إضافياً على خلفيات النزاع البلدي حول بقعاتا فيقول إنه عندما استحدثت البلديات في الشوف وأصبحت هناك بلدية في الجديدة، حدث اشكال أثناء الانتخابات البلدية جعل كل أعضاء البلدية يأتون من آل الفطايري، وهو ما أثار حفيظة العائلات الأخرى في الجديدة فتقدم بعض الأشخاص من آل نصر الله وهم (حسين نصرالله، سعيد نصرالله، ونبيه نصرالله) بطلب فصل بقعاتا عن الجديدة وكانوا هم من أوائل السكان الذين تسجلوا في بقعاتا، إضافة الى علي منصور حيدر وأبو حسن نعيم الفطايري. وبالنظر إلى الشعبية التي كانت لبعض تلك الشخصيات وما كانت تتمتع به من نفوذ سياسي فقد صدر قانون يقضي بفصل بقعاتا عن الجديدة واضافتها الى عداد قرى الشوف، لكن القانون اشترط أن تتوافر في البلدة شروط حد أدنى مثل أن يكون فيها خراج و300 شخص مسجلين في نفوسها في القيود الرسمية، وقد فُتح لبلدة بقعاتا بالفعل سجل خاص بها في دائرة الأحوال الشخصية. لكن القانون بقيّ معلقاً من سنة 1964 حتى 1992، حيث قُدّم طلب بإلغاء قانون الفصل لعدم تحقق الشروط إذ أن الذين سجلوا نفوسهم في البلدة لم يتجاوز عددهم الـ 180 نسمة. وعليه فشلت بقعاتا في تعبئة المزيد من السكان المسجلين، وأخفقت بالتالي في الفوز بفرصة الاستقلال وتأكيد حضورها الرسمي كقرية إلى جانب بقية القرى اللبنانية. وتسير هذه الظاهرة إلى مفارقة غريبة مفادها أن الغالبية من سكان بقعاتا ما زالوا متعلقين بالقرى التي جاؤوا منها ولا يعتبرونها نفسياً بلدتهم، وهم على استعداد للعيش فيها لكنهم لن يتخلوا عن انتمائهم للقرية التي جاؤوا منها، أي أن الانتماء إلى بقعاتا ما زال في نظر الغالبية الساحقة انتماءً «مدنياً» لا سياسياً مثل الانتماء إلى مدينة بيروت التي يسكنها الآلاف من أبناء الجبل، لكن قلما يفكّر أحدهم بنقل نفوسه إليها، وبالتالي شطب إسمه وإسم أسرته من سجلات القرية وعائلاتها.

مشكلة انتماء .. وخدمات
وبالطبع، فإن العديد من السكان الذين نقلوا نفوسهم إلى بقعاتا يعتبرون استمرار إلحاقها بالجديدة وضعاً غير طبيعي، إذ كيف يتم إلحاق مدينة يقارب عدد سكانها الـ 20 ألفاً بقرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها على ألف نسمة؟ وهل يمكن في هذه الحال لبلدة بقعاتا أن تجد الاهتمام الكافي من مجلس بلدي يعلم جيداً أن سكانها لا يشاركون في الانتخابات البلدية ولا يمكنهم بالتالي أن يحاسبوا المجلس البلدي على أي تقصير مفترض في خدمتهم. وبغض النظر عن مستوى الخدمات التي يقدمها لبقعاتا، لا يؤثر سكانها على حجمهم في نتائج الانتخابات البلدية.
رئيس بلدية الجديدة بهيج الفطايري يختلف مع هذا الرأي ويجيب بلهجة حازمة عندما تسأله عن بقعاتا: «ما في شي إسمو بقعاتا» فهي مجرد «حي من أحياء جديدة الشوف، ويمكنك أن تقول أكبر حي من أحيائها». ويستعجل نفي الظن الشائع بأن بلدية الجديدة تحصّل مداخيل كبيرة من بقعاتا دون أن يقابل ذلك تقديم خدمات كافية. يقول: «بقعاتا لا تجلب أية مداخيل لأنها ليست في عداد القرى، ولكن مع وصول المساحة الى بقعاتا أصبحت البلدية تحصّل بعض الرسوم». لكن أحد المستثمرين النشطين في بقعاتا يؤكد أن بلدية الجديدة تحصل على مداخيل كبيرة من رخص البناء والاستثمارات، لافتاً الى أن «كل ما يتعلق ببقعاتا تُدفع عنه رسوم، ورسومها أعلى من غيرها». وينتقد البلدية التي «لا تقوم بدورها البلدي اذ لا تقوم بأية تحسينات على الطرقات التي يمكن وصفها بالسيئة، هذا عدا مشكلة المجاري والصرف الصحي التي تتفاقم أكثر فأكثر مع ازدياد العمران»، ويقول «لو كانت البلدية حاضرة بقوة لكانت فرضت معالجة مشكلة الجور الصحية بالقوة أو أمنت بديلاً». على ذلك يردّ رئيس البلدية بالقول إن هذه المسائل بسيطة، ويربط حلّها بسكان بقعاتا ومدى تجاوبهم مع توصيل شبكات صرفهم الصحي بالشبكة الرئيسية التي أصبحت جاهزة، لافتاً الى أن هذه المسألة أصبحت منتهية تقريباً: «خلقنا أمراً واقعاً، أوصلنا شبكات الصرف الصحي، ومحطات التكرير في الجديدة أصبحت جاهزة». ويشير الى أن الزفت للطرقات جاهز، ولكن وزارة الاشغال العامة والنقل لن تقبل بتعبيد الطرقات الا بعد انتهاء توصيل شبكة الصرف الصحي.

مركز-البلدية
مركز-البلدية

نقطة وسط لأبناء القرى البعيدة

شهدت بقعاتا وتشهد حركة نزوح كثيفة من القرى الشوفية ومن أقضية حاصبيا وراشيا والمتن وعاليه، اذ باتت تشكّل نقطة مركزية خدماتية تسهّل حياتهم. وفي هذا الصدد، تشرح نادين زيدان، مهندسة معمارية تخرجت من الجامعة اللبنانية في دير القمر، الأسباب التي دفعت والدها الى شراء شقة في بقعاتا والانتقال للعيش فيها منذ أربع سنوات. تقول زيدان: «إن باص الجامعة لم يكن يصل الى بلدتها مرستي اذ أن آخر محطة له كانت نيحا، وكان عليها ملاقاته يومياً الى نيحا، فبدأت عملية البحث عن مكان أقرب الى الجامعة». وتتابع: «غرّتنا المدينة، وصارت بقعاتا اقامتنا الدائمة، وحتى عندما نزور قريتنا صيفاً نشعر أننا نريد العودة الى بقعاتا فهي قريبة من كل شيء وتوفّر الكثير الذي نحتاجه». تقول مازحة: «أتعلّم الموسيقى حالياً في مركز في بقعاتا، وقد كان ذلك غير ممكن طبعاً في مرستي». وتلفت زيدان الى أن الكثير من أبناء قريتها نزحوا الى بقعاتا وهم مع بداية شهر أيلول من كل سنة يبدأون بتوضيب أغراضهم للانتقال إليها..وهناك آخرون اختاروا الانتقال الى بقعاتا منهم صاحب البناية التي يسكنون فيها وهو من آل كوكاش من العزونية.
ريبال أبو سعيد انتقل أيضاً للعيش في بقعاتا بحثاً عن المكان الأقرب الى جامعته، فابن العشرين ربيعاً ترك بلدته شويت وقصد بقعاتا لأن كل شيء فيها متوفر مما يسهّل حياته كطالب جامعي، على عكس بلدته. أبو سعيد طالب هندسة مدنية في جامعة CNAM في بعقلين، واختارها لأنها أرخص من الجامعات في بيروت، وهو يعيش في شقة مع ثلاثة شبان من بعلشميه وقبيع وكفرقوق قصدوا بقعاتا للأسباب نفسها.

يفيد الفطايري أن البلدية بدأت العمل فعلياً سنة 1998، معتبراً أن المشكلة الجوهرية في بقعاتا هي أن فيها الكثير من البناء العشوائي والمخالفات، وهناك مخالفات بناء على المجاري. وعند سؤاله عن صلاحيات البلدية في قمع هذه المخالفات يجيب: «المشاكل التي على مستوى الدولة لسنا قادرين عليها، لدينا شرطيان بلديان فقط وليس بإمكانهما ملاحقة كل الأمور»، مع أن الشرطي البلدي مثل رجل الأمن وله صلاحية. ويضيف القول: «حدودنا الملكيات الخاصة، والناس لا تتجاوب مع البلدية ولا يدفعون الضرائب برضاهم، فلا أحد تعني له البلدة أو يشعر بالانتماء اليها، وفي المطلق سكان بقعاتا لا يتفاعلون».

«مزراب ذهب» أم أوهام
أحد أسباب النجاح الكبير لبلدة بقعاتا هو الشهرة التي اكتسبتها في السنين الأخيرة باعتبارها منطقة استثمار واعدة وأنها أشبه بـ «مزراب ذهب» لكل من يملك فيها عقاراً أو تجارة. وساعدت هذه الصورة بالطبع على زيادة الطلب على عقارات بقعاتا والسمقانية خصوصاً المحاذية للطرق الرئيسية،كما أن استمرار النزوح الكبير إلى بقعاتا من مختلف مناطق الجبل وبعض المناطق الأخرى ساعد في استمرار الطلب على العقار على وتائر مرتفعة، وأدى بالتالي إلى ارتفاعات متتالية في الأسعار.
لكن الصورة الحقيقية قد تكون مغايرة لما هو شائع، إذ أن القطاع التجاري في بقعاتا بدأ يشهد حالة من التشبّع أو الفائض في عرض المحلات، كما أن التكاثر الهائل للمحلات أدى إلى تخمة في الكثير من القطاعات وإلى منافسة، وظهر ذلك في النسبة المتزايدة للمحلات التي تفتح وتدفع مبالغ طائلة على الديكور قبل أن تقفل أبوابها. عن هذه الظاهرة يقول الفطايري إن الناس تُغّش ببعض الأمور، ولأن بقعاتا مزدهرة تجارياً يلجأون للاستثمار فيها، فالذي يسمع عن بقعاتا من بعيد يعتقد أن الاستثمار فيها سيرفعه الى فوق الريح من دون أن يأخذ قدرتها الاستيعابية في الاعتبار، ويسأل: «هل يعقل أن يكون في سوق بقعاتا 20 فرن مناقيش مثلاً، وقس على ذلك ما يحصل في بقية القطاعات»؟.

مخططات .. من دون تنفيذ
إحدى المشكلات التي تواجهها بقعاتا هي موجات البناء العشوائي التي سعت لاستغلال الطلب الكبير على العقارات المختلفة في البلدة. فما هو الإطار القانوني للاستثمار العقاري في بقعاتا، وكيف يتم تنظيمه في الوقت الحاضر من قبل السلطات المعنية؟
تقول المهندسة ريما أبو فخر (وهي مهندسة منطقة تعمل في التنظيم المدني في بيت الدين) إن بقعاتا مصنّفة منذ سنة 1994، وأنها لم تكن منظّمة قبل هذا التاريخ. وتلفت الى أن البلدة تقع ضمن منطقتين عقاريتين، الجديدة والسمقانية، فحتى ساحة الشهداء وما هو بمحاذاتها، العقارات تابعة لـ الجديدة، ومن ساحة الشهداء باتجاه السمقانية تتبع العقارات لـ «السمقانية».
وتمتد بقعاتا جغرافياً الى ما قبل مستشفى عين وزين بنحو 30 متراً، أما حدودها مع الكحلونية فتنتهي عند المدافن على طريق المزرعة القديمة.
في ما يخص المساحة، تقول أبو فخر إنه يتم العمل على مسح بقعاتا، لافتة الى أن الجزء الموجود في السمقانية ممسوح، ويتم العمل حالياً على مسح الجزء الموجود في الجديدة. كما تغيّر التصنيف في الجديدة بعد صدور التخطيط الجديد وفقاً للقرار 2012/38، والذي شمل بعض التعديلات ومنها مسألة لافتة، وهي فرض انشاء موقف سيارات اضافي للشقة في بعض المواقع المفروض فيها انشاء موقف للسيارات، والتي تقع ضمن التصنيفات A, C & D. وتشير أبو فخر الى أن التصنيف في «عين وزين» و«بتلون» رفع أسعار العقارات في بقعاتا.
لكن ارتفاع الأسعار لا يعني لزاماً الجودة بسبب بعض المقاولين والمطورين العقاريين الذين يستهدفون البناء للبيع وتحصيل الربح السريع ولا يهمهم المشاكل التي قد تظهر في البناء في ما بعد. وفي هذا الصدد، يقول المهندس المعمار هيثم أبو كروم الذي يعمل على مشاريع هندسية عدة في بقعاتا: «هناك نسبة لا يستهان بها لا تلتزم بأدنى الشروط والمواصفات، وذلك في سعيها الى الربح بأي وسيلة واستهتارها بالزبون.
ولا ينتقد أبو كروم القطاع الخاص فحسب، بل يتعداه الى البلدية التي تنفذ بعض المشاريع بطريقة غير مهنية، معتبراً أن المشكلة ليست مادية بل غياب التخطيط. ومن هذه المشاريع على سبيل المثال الأرصفة المائلة التي أنشأتها البلدية لـ «تسهيل وقوف السيارات» منذ بضع سنوات، والتي «لم تكن مدروسة واضطرت البلدية إلى تكسيرها بعد فترة قصيرة».
بين الأمس واليوم
كانوا في الماضي يقولون: «نيال يلي الو مرقد عنزة ببقعاتا»، ولكن هذا الحال تغيّر اليوم، ومن كان يشعر بنعمة العيش فيها بات يتحسر على تحوّل هذه النعمة الى نقمة، ومنهم الشيخ أبو زياد الذي عندما تسأله اذا ما أحس في مرة من المرات لو أنه لا يسكن في بقعاتا، يهز رأسه ويقول: «نعم هذه الفترة، في الماضي كنت أتمنى أن أجلس أمام باب منزلي، كانت بقعاتا هادئة، أما اليوم أصبح السكن صعباً فيها وعلى كل الصعد من الضجيج والازدحام، حتى ضعف العلاقات الاجتماعية وغياب الانسانية وصولاً الى الفساد المستشري». ويقارن بين الماضي والحاضر قائلاً: «في الماضي بيعت أرض في جديدة 12 مرة بالكلام من دون أي حجج، وكان اذا تخلف أحد عن وعد ما يظل 10 أيام لا يمرّ أمامه خجلاً منه، أما اليوم فانقلبت المعادلة وكل شيء تغيّر في هذه المدينة الضخمة».

قصّة عمرها في بقعاتا

عندما تسأل أم نزار حسن عن عمرها تجيبك بضحكة: «ربك أخبر، الأرجح أنني من مواليد 1924 أو 1925». أصل أم نزار وعائلتها من بتلون ولكنهم انتقلوا للعيش في بقعاتا منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حيث استأجروا منزلاً قبل أن يبنوا منزلهم الخاص في بقعاتا أيضاً التي سجلوا نفوسهم فيها، والتي تشعر بالانتماء اليها أكثر من بلدتها الأم. وفي هذا الصدد تقول: «بلدك المنيح مطرح ما انت مستريح».
عندما تسألها عن الحياة التي عاشتها في بقعاتا، تخبرك أم نزار بحماس ومحبة أنها انتقلت وعائلتها اليها على أيام ما كان كيلو اللحمة بـ 4 ليرات وكيلو السكر بـ 40 قرشاً، ولم يكن في ذلك الوقت غير محل واحد فيه خضار ولحوم، وكانت هناك محطة بنزين واحدة. وقتها كانت بقعاتا عبارة عن سهول زراعية يعتمد فيها على زراعة القمح وكروم العنب، ولم يكن فيها سوى بضعة منازل.
كان البيت هاجس أم نزار «لم يكن يهمني أن أسكن في الايجار ولكن كان كل همي أن يكون لنا بيت.. البيت الحقيقي». والبيت الحقيقي بالنسبة لأم نزار ليس المنزل الذي تسكنه في حياتها، بل تقصد فيه المدفن الذي اطمأنت الى تأمينه لها ولعائلتها في مدافن بقعاتا. وعندما تسألها عن البناء وشراء الأراضي في الماضي وعن قصة المنزل الذي بنوه، تعدل جلستها، تشرب رشفة من فنجان القهوة، تسرد قليلاً وتقول: «كان زوجي يعمل على المرفأ في بيروت، وأول قطعة أرض اشتريناها كان المتر فيها بليرتين ونصف وبعناه بـ 5 ليرات، ثم اشترينا أرضاً المتر فيها بليرة واحدة وبعناه بـ 30 ليرة، أما هذه الأرض فاشتريناها سنة 1975 بـ 15 ألف ليرة».
وتسترسل أم نزار في الحديث عن ذكرياتها في بقعاتا والأيام التي قضتها فيها، فعن علاقتها بجيرانها تقول: «من زمان كانت الحياة محبة، فمع أن كل منا آتٍ من بلد ولكن كنت أشعر أنهم أكثر من أهل لي. كنّا مرتاحين جداً ونشعر بالسعادة، وعندما انتقلت من جيرتهم بكينا على الفراق، علماً أننا ما زلنا على تواصل. أما اليوم فتغيّرت النفسيات، لم تعد المحبة موجودة كالسابق، وكثر الغلاء والفحش والفساد».

بقعاتا-كما-تبدو-من-الأقمار-الصناعية-وهي-تتوسط-منطقة-الشوف
بقعاتا-كما-تبدو-من-الأقمار-الصناعية-وهي-تتوسط-منطقة-الشوف

آثار رومانية ..مهملة

من الأشياء التي تميّز بقعاتا أيضاً، وقلة يعرفون عنها، احتضانها آثاراً رومانية عبارة عن نواويس وبركة مياه، وهي موجودة في بقعة يطلق عليها اسم المصنع، وتقع على الطريق الى عين وزين. ويفيد رئيس البلدية أن هناك عدداً من النواويس المكتشفة في أكثر من موقع، ولكن هذه الآثار مهملة ولم يسجّل أي تحرك رسمي في اتجاه حمايتها.

نواويس-عدة-متجاورة-تشير-ربما-إلى-أن-المكان-استخدم-مدفنا-وأن-بقعاتا-كانت-موقعا-معمورا-في-الماضي
نواويس-عدة-متجاورة-تشير-ربما-إلى-أن-المكان-استخدم-مدفنا-وأن-بقعاتا-كانت-موقعا-معمورا-في-الماضي

تحقيق راشيا الوادي

راشيا الوادي خزانة التاريخ

مرّ عليها الكثير ولم تفقد أصالتها

القلعة التاريخية معرض جامع لتوالي الممالك
والسوق الأثرية تحمل بصمات الإرساليات الأوروبية

اللبنانيون يأكلون دبسها ويصطلون حول مدافئها
لكن قوافل الهجرة ذهبت بالمئات من شبابها

متربعة في صدر حرمون، حارسة لصدى استقلاله، مشرعةً نوافذها لهذا الجبل الشامخ بمجده التليد، غامزةً بعينٍ السهول المحيطة التي يأنس لها القمر في بدره الوضاء، وبأخرى لهضاب وأودية يفوح منها روح المكان التيمي، إنها راشيا الوادي، هذه البلدة العتيقة الوادعة التي تأنس العين لرؤيتها والتي شاء التاريخ أن تكون مسرحاً لأحداث كبيرة ونموذجاً للعيش المشترك منذ أن بزغ فجر الاستقلال من قلعتها وكان لوقفات أبنائها الكثير من المعاني والعبر في صناعة الصمود والتحدي والعنفوان.

معالمها الجغرافية والمناخية
على أقدام جبل الشيخ وعلى سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية تقع بلدة راشيا الوادي على علوٍ يقارب الـ 1200م، وهي المركز الإداري لقضاء راشيا الذي يضم 26 بلدة وقرية تحتضن تنوعاً بيئياً وتراثياً فريداً. تبعد هذه البلدة عن بيروت 85 كلم ويمكن الوصول إليها عبر طريق شتورا، المصنع، راشيا أو عن طريق مرجعيون، حاصبيا، راشيا. يبلغ عدد سكانها المقيمين 8500 نسمة، وتعتبر إحدى البلدات المصدّرة للإغتراب، إذ غذّت المغتربات القريبة والبعيدة بمئات الشبان الذين كان لهم دور مهم وفعّال في تنمية البلدة خصوصاً من خلال الأموال التي تمّ استثمارها في مجال البناء أو في النشاط الذي يقيمه المغتربون عند عودتهم للإستقرار مجدداً في لبنان أو في البلدة.

راشيا في التاريخ
دعيت راشيا الوادي نسبة الى وادي التيم وتمييزاً لها عن جارتها الجنوبية راشيا الفخار ويقال إن الاسم لفظة أّرامية مركبة من مقطعين “راش – أّيا” ويعني “رأس أيا“ هو إله المطر والعواصف، وللتسمية هذه علاقة قوية على الأرجح بتاريخ جبل حرمون.

قلعة راشيا
يعود تاريخ بناء قلعة راشيا إلى العهد الروماني، إذ بنى الرومان حصناً منيعاً لمراقبة القوافل التجارية، وفي العام 1099غزا الصليبيون المنطقة واختاروا القلعة حصناً لهم نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي تحيط به المنحدرات من ثلاث جهات، بينما تواجه الجهة الرابعة منه قمة حرمون المطلة على الأراضي السورية والفلسطينية واللبنانية. وأضاف الصليبيون إلى القلعة أبراجاً استعملت كمراكز للمراقبة والدفاع. وتختصر القلعة بأقسامها الأربعة المختلفة التاريخ العريق للبلدة وللعهود والممالك التي مرت عليها.
فالقسم الأول: يحتوي على بناء وآثار رومانية منها دهاليز من الجهة الجنوبية الغربية يؤدي الى خارجها.
والقسم الثاني: يحتوي على أبنية وآثار صليبية ولاسيما الآبار المنحوتة في الصخر والتي ردمت كلها ولم يبقَ منها سوى بئر واحد صالح للإستعمال، والاقبية السفلى للقلعة وهي القاعة الأثرية الكبرى والمخزن من الجهة الشمالية الشرقية والبرج من الجهة الغربية الجنوبية وهو أعلى نقطة في القلعة.
القسم الثالث: يضم أبنية وآثاراً شهابية يعود تاريخها إلى العام 1370عندما تولى الأمير أبو بكر الشهابي ولاية حاصبيا والذي كان يأتي برفقة زوجته وابنته للصيد في راشيا فبنى منزلاً داخل القلعة.
أما القسم الرابع: فيتمثل في ما أضافه الفرنسيون في العام 1920 عندما دخلوا القلعة وأكملوا بناء السور الشرقي مستخدمين حجارة المنازل المجاورة. وقام الفرنسيون بمسح معالم أثرية للقعلة عن طريق ترميم الجدران وكسائها بالورقة الاسمنتية.
يذكر أن الشهابيين هم الذين بنوأ مدخل القلعة والسور والقناطر من الجهة الجنوبية الغربية والتي توجد في صدرها لوحة حجرية منقوش عليها بعناية الأبيات التالية:
لله قصــــــر قـــد علـــــت أركـــــــانه وغـدا فريد الحســـــــن والإتقــــان
إيـــــوانه فيــــه المســــــرة والهنـــــــــا للــه مــــــا أحــــلاه من إيـــــــــــــوان
غـــــــرف حســـــان قــــــjد أنــــــورت من شمــــــس مشرق ذلك الديوان
بنــــيان عز للآلـــىء قد أعلمــــــت يعلو البنـــاء بفضـل جهد البانــــي

أهم ذكريات القلعة
وفي يوم 22 تشرين الثاني من العام 1925 أثناء الثورة السورية الكبرى كان نصيب راشيا وقلعتها معارك حامية، إذ حاول الثوار اقتحامها وكانت معقلاً للجيش الفرنسي وسقط 105 شهداء من أبناء منطقة راشيا في تلك المعركة.
وبين 11 و 22 تشرين الثاني من العام 1945 حوّلت السلطات الفرنسية القلعة التاريخية إلى معتقل لرجال الاستقلال وكان من بينهم بشارة الخوري، رئيس الجمهورية، ورياض الصلح رئيس الحكومة وسليم تقلا وزير الخارجية والأشغال العامة، والزعيم الطرابلسي عبد الحميد كرامي وعادل عسيران وزير التجارة والصناعة، وكميل شمعون وزير الداخلية.
وفي العام 1946 بعد جلاء الفرنسيين تمركّز فيها الدرك اللبناني وبعض إدارات الدولة الرسمية وبقي الوضع كذلك حتى نقل القلعة في العام 1964 إلى عهدة الجيش اللبناني.

سوق راشيا الأثرية
تعتبر سوق راشيا الأثرية أحد أهم و أبرز المعالم السياحية وقد تمّ بناؤها في عهد الفرنسيين وذلك على شكل شارع بطول 300م تحيط بها المحال على الجانبين مبنية من الحجر القديم وخصصت للمشاغل الحرفية والمنتوجات التراثية المحلية التي تتميز بها البلدة. وتمّ رصف الشارع داخل السوق بالحجارة البازلتية بأسلوب ملفت للنظر يضفي على السوق روعة تجعل من هذه السوق الأثرية من أبرز المعالم السياحية في البقاع وفي لبنان.

زراعة الكرمة ومعاصر دبس العنب
يلعب القطاع الزراعي دوراً مهماً وإن لم يعدّ رئيسياً في حياة أبناء البلدة، لكن على الرغم من التراجع النسبي في أهمية الزراعة فإن هناك الكثير من العائلات التي تعوّل على هذا القطاع ولاسيما زراعة الكرمة التي لا تزال إحدى أهم الزراعات التي تمتاز بها راشيا وجوارها.

صناعة الفضة من ينقذها

تعتبر صناعة الفضة من الصناعات القديمة في راشيا حيث تعود إلى القرن السابع عشر وحكم الشهابيين الذين كانوا يعتمدون على حرفيي راشيا لتزيين نسائهم . أما اليوم فقد تراجع هذا القطاع وهو مهددٌ بالزوال إذ لم يبقَ في البلدة سوى عدد قليل ممن يتعاطون هذه الحرفة.

صالح-القضماني---مدفأة-لكل-ذوق
صالح-القضماني—مدفأة-لكل-ذوق

الزراعية للبلدة مما يبرّر وجود عدد من معاصر دبس العنب التي يبلغ عددها 4، وهي تستقبل كميات كبيرة من العنب سواءً من القرى المجاورة لها أو من قرى حاصبيا وهذا دليل على جودة دبس العنب الذي تفخر به راشيا ويجعل دبسها مطلوباً بقوة من المستهلك. وقد أصبحت صناعة الدبس اليوم أكثر حداثة من ذي قبل ولاسيما لناحية العصر والتوضيب . أما تصريف الإنتاج فهو لا يقتصر على سوق راشيا والجوار، إذ يقصد البلدة تجار من مختلف الأراضي اللبنانية لابتياع الدبس كونه لا يزال مادة أساسية على موائد الكثير من اللبنانيين لا بل أن محلول دبس العنب يقدّم مشروباً مثلجاً في أرقى المناسبات.

التعاونيات الزراعية
إلى جانب معاصر العنب التي تفخر بها البلدة هناك دور مهم تضطلع به التعاونية الزراعية التي تلعب دوراً مهماً في التصنيع الزراعي ولا سيما تصنيع الخضار والفواكه بطرق علمية مدروسة خالية من أي مواد من شأنها أن تضرّ بالصحة العامة، وهذا ما يساعد على تصريف المنتجات الزراعية، كما يخفف من كساد المواسم ويرفع عن كاهل المزارع عبء تخزين منتجات ومحاصيل يمكن أن تتراجع نوعيتها أو تتلف بمرور الوقت، أضف إلى ذلك أن التعاونية وفّرت فرص عمل لعدد من الصبايا اللواتي لا يستطعن أو لا يرغبن في العمل خارج البلدة.

دور تربوي بارز
تعتبر بلدة راشيا مرجعاً أساسياً في العملية التربوية، إذ يوجد فيها عدد من المدارس الرسمية والخاصة . وهناك على سبيل المثال مدرسة رسمية توفّر الدروس من الروضة حتى المرحلة المتوسطة وثانويتان رسميتان هما ثانوية حرمون ذات اللغة الفرنسية وثانوية أخرى تدرّس اللغة الانكليزية، بالإضافة إلى عدد من المدارس الخاصة الرائدة في المجال التربوي والتي تخفف عن كاهل أبناء البلدة وجوارها مشقة الانتقال إلى المدن لتوفير تعليم جيد لأبنائها.

راشيا تقود صناعة المدافئ
يعود تاريخ صناعة المدافئ في راشيا الى العام 1937 عندما كانت هذه حرفة يدوية قبل ان تصبح اليوم آلية بحتة بسبب الطلب الكبير على ما تنتجه البلدة من مختلف أنواع المدافئ. وقد ازداد عدد المشاغل التي تنتج المدافىء أو الصوبيات إلى إثني عشر مشغلاً وأصبحت هذه تنتج ما يقارب الـ 5 آلاف مدفئة سنوياً يتم تسويقها على كافة الاراضي اللبنانية.
كوّنت راشيا لنفسها شهرة واسعة في صناعة المدافئ التي تعمل على المازوت أو الحطب واشتهرت صناعتها بسبب الطابع الحرفي لتلك الصناعة التي تنتج مدافئ حسب الطلب وفي تصاميم مختلفة تراعي اختلاف الأذواق، وقد ارتقت راشيا بهذه الصناعة إلى حدٍ باتت معها أشبه بصناعة قطع فنية، إذ يتم تشكيل المدفأة وفق تصميم خاص مما يعطي لمنتجات راشيا تنوعاً كبيراً ونفحة فنية ترفع الصناعة إلى مرتبة الفن بكل معنى الكلمة. وبسبب هذه الشهرة فقد ازداد الإقبال على مدافئ راشيا حتى باتت هذه الصناعة –الحرفية بوسائلها- غير قادرة على تلبية الطلب. يشرح الشيخ صالح سلمان القضماني أحد مالكي مؤسسة أبناء الشيخ سلمان القضماني أوجه تميز إنتاجه بالتأكيد على أن مؤسسته لا تستخدم الآلات الحديثة كما يحصل في معظم مصانع المدافئ في المنطقة بهدف إنتاج أكبر كمية ممكنة بل تتخصص في إنتاج قطعة مميزة وفريدة تسرّ الزبون الذي يأخذها وهو متأكد بأنها فريدة ولا مثيل لها. وهذه القطعة لا يمكن لطريقة التصنيع الميكانيكية أن توازيها من حيث الجودة أو اللمسات الفنية اليدوية. ويشير إلى أن الحرفة التي يعمل فيها تطورت لجهة إدخال تقنيات تحقق الاحتراق الكامل خصوصاً في مدافئ المازوت وكذلك تقنيات توفير المازوت.

رئيس بلدية راشيا العميد مروان زاكي

علـى المغتربيــن لعــب دور أكبــر
فــي إنمــاء اقتصــاد راشيــا

مشاريع للتشجير وإقامة برك تجميع مياه الأمطار
وأربعة مولدات أنهت أزمة الكهرباء في البلدة

رئيس-بلدية-راشيا-العميد-مروان-زاكي
رئيس-بلدية-راشيا-العميد-مروان-زاكي

التقت مجلة “الضحى” رئيس البلدية العميد مروان زاكي في حوار تناول الوضع الإنمائي في راشيا والتحديات التي تواجه البلدية والآثار السلبية للاغتراب، كما تناول رؤية البلدية للمستقبل وأهم المشاريع التي تعمل عليها. وفي ما يلي الحوار.

هل هناك مشاريع قيد الدرس أو التنفيذ؟
نعم هناك مشروع الصرف الصحي الذي يتم درسه بغية تنفيذه في أقرب وقت، وهذا من شأنه حل مشكلة كبرى في زمنٍ بات فيه التمدد العمراني كبيراً جداً.

ما هي المشاريع الخدماتية التي تعدونها؟
نسعى بقوة لإنشاء مراكز خدماتية في راشيا وأول الغيث كان افتتاح مكتب للتنظيم المدني والعمل جارٍ لفتح فرع للضمان الاجتماعي لتوفير مشقة الانتقال الى زحلة على أن يكون هذا المركز في خدمة راشيا والجوار. كما أننا نعمل مع فعاليات المنطقة السياسية من أجل زيادة فروع للجامعة اللبنانية ومحاولة استقدام جامعة خاصة تخفف وطأة الانتقال إلى زحلة وجوارها.

راشيا بلدة غنية بالآثار والتراث كيف يمكن الإفادة من ذلك؟
نحن في صدد إقامة مهرجان سياحي في الصيف بغية الاستفادة من الواقع السياحي والتراثي، ولاسيما أن هناك قلعة تاريخية هي قلعة الاستقلال مع ما تحتويه من المعالم التاريخية.

كيف يتم التعامل مع الاغتراب ؟
هناك أعداد كبيرة من أبناء البلدة الذين كتب عليهم الاغتراب وعدد لا بأس منهم نجح في بلدان الاغتراب فأصبح متمسكاً بالغربة أكثر من الوطن وهو ما ينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي. فلا استثمارات في مشاريع من قبل المغتربين وجلّ ما نراه هو تشييد المنازل الفخمة والفيلات، في حين أن هناك الكثير من المجالات التي يمكن الإفادة منها مثل إقامة فندق في راشيا يستقطب السياح إلى البلدة، إذ لا يوجد مكان يمكن أن يستقبل السائح لليلة واحدة.
كما أن غياب المؤسسات والمصانع من شأنه أن يضعف فرص العمل للشباب ويساهم في الجمود الاقتصادي والمزيد من الهجرة.

هل هناك من دور تضطلع به البلدية على صعيد البيئة ؟
نعم البيئة هي أحد الاهداف الاساسية في العمل البلدي ولاسيما من ناحية زيادة المساحة الخضراء ولهذه الغاية تمّ توقيع عقد مع وزارة البيئة بغية تشجير أحد الجبال القريبة من البلدة بالاشجار الحرجية البرية،كما نسعى مع المشروع الاخضر لإقامة عدد من البرك الاصطناعية في منطقة اليابسة.

رئيس محترف الفن التشكيلي شوقي دلال

حمايــة تــراث راشيــا من زحــف الإسمنــت

تفعيل السوق التاريخي يحتاج إلى سياحة وإلى إحياء الحرف والصناعات التقليدية

شوقي-دلال
شوقي-دلال

تقع بلدة راشيا في موقع متميز فهي صلة وصل بين لبنان وسورية وفلسطين وتمثّل بسبب تراثها الغني وحجمها السكاني وقاعدة الصناعات والحرف التقليدية التي تضمها إحدى القرى الأولى لبنانياً في تعبيرها عن تراث البلد وتاريخه وثقافته. في هذا الحوار مع رئيس جمعية المحترف الفن التشكيلي الأستاذ شوقي دلال تستكشف “الضحى” آفاق الحركة الثقافية والنشاط الإبداعي في راشيا وتسأل الأستاذ دلال كيف يمكن تفعيل الغنى الثقافي لبلدة راشيا، وكيف يمكن توفير الحماية له من التقدّم العمراني الزاحف؟

بدأنا بسؤاله عن الغنى الثقافي في منطقة راشيا.
راشيا بلدة تراثية قديمة وكان لها دور بارز عبر التاريخ وهذا ما تدل عليه مكتشفاتها الأثرية والآثار القديمة الموجودة في أماكن مختلفة، فكانت بلدة للتبادل التجاري في العصور القديمة وهذا ماتدل عليه الخانات الموجودة في جوارها حتى أن منطقة “الفاقعة” المجاورة لها وجد فيها العديد من النقود القديمة وهذا دليل على وجود تجارة ناشطة ولاسيما أيام الفينيقيين كما أنها كانت مقصد تجار الفراعنة لإجراء عمليات التبادل .

كيف تفسرون لنا ظاهرة المنازل التراثية القديمة في راشيا التي تزينها؟
منازل راشيا التراثية المزدانة بالقرميد يعود تشييدها الى العام 1850 إبّان فترة الإرساليات الأجنبية إلى لبنان وتحديداً الفرنسية منها. فالنمط المعماري لمنازل القرميد بدأ عندما جاءت إحدى البعثات ودعت الى بناء منزل كمقر صيفي للمفوض السامي، ثم أخذ هذا النمط المعماري بالتكاثر مع معلمي الشوير ولا يزال القرميد الفرنسي يغطي معظم منازل راشيا حتى يومنا هذا .

كيف يمكن حماية هذا الإرث؟
المطلوب منا جميعاً المحافظة على هذا الإرث الجمالي الذي تركه لنا الأجداد وعلى الدولة سن القوانين التي من شأنها أن تساهم في المحافظة على التراث القديم في ظل إمتداد غابة الإسمنت المشوهة له.

سوق راشيا التاريخي معلم قل نظيره في البقاع وربما في لبنان. لماذا لا يتم تفعيله؟
لتفعيل دور سوق راشيا من الناحية التراثية السياحية والتجارية يلزمه مخطط ومشاريع سياحية تجعل منه مركزاً مهماً لا بل قبلة أنظار السياح ولاسيما لجهة تفعيل الصناعات الحرفية والأعمال اليدوية وما شابه ذلك.

ما هي أبرز الميزات الثقافية التي اتسمت بها راشيا؟
كما سبق وذكرنا الإرساليات الأجنبية أسهمت أسهاماً واسعاً في إغناء راشيا ثقافياً من خلال إنشاء مدارس مازال بعض أبنيتها ماثلاً حتى اليوم ومنها الإرساليات الروسية والفرنسية والإلمانية. كما كان للدور الثقافي أهمية في القرن الماضي، حيث صدرت بعض الصحف مثل صحيفة حرمون في أربعينات القرن الماضي.

كيف يساهم محترف الفن التشكيلي في الحفاظ على التراث الثقافي ؟
جمعية محترف الفن التشكيلي استندت في انطلاقها إلى هذا الكم من التراث الذي ذكرناه و السؤال الذي كنا نطرحه إذا كان لدينا هذا الكم من التاريخ لماذا لا نسلط الضوء عليه ومع هذا الشعار انطلقت الجمعية في نشاطها العام 1992.

منير مهنا مدير مركز الخدمات الإنمائية في راشيا

مشروع لكتابة تاريخ راشيا وحرمون
واستعدادات مبكرة لمئوية الثورة السورية الكبرى

من يحقق مشروع تلفريك التزلج من راشيا إلى جبل الشيخ؟

منير مهنا
منير مهنا

التنمية في نظره رؤية تقود المبادرات وإرادة سياسية وتكاتف وتنسيق ودور للبلدية والهيئات الأهلية وهي لا يمكن بالتالي أن تتم بصورة عفوية وبمبادرات متفرقة. في هذا الحوار يشرح مدير مركز الخدمات الإنمائية في راشيا منير مهنا رؤيته للوضع التنموي في راشيا ويعرض للعديد من الفرص والإمكانات المتاحة التي يجب تفعيلها.

كيف ترون واقع وأفق التنمية في راشيا؟
تنطلق العملية التنموية من الموارد المتوافرة في البيئة المحلية، سواء كانت تلك الموارد ثروات طبيعية أو مادية بالإضافة الى طاقات الأفراد والجماعات والمؤسسات وما تراكم من منجزات للجماعة عبر الزمن. وتحدث التنمية عندما يتم ربط تلك المدخلات في سياق مخطط يستهدف تحسين مستوى نوعية الحياة لدى الناس. وما نراه في راشيا على الصعيد التنموي ما زال في بداياته والموارد المتاحة لعملية التنمية ترتكز على تاريخ البلدة مثل وجود قلعتها التاريخية التي تعود الى القرن الحادي عشر أو إلى السوق الأثرية التي يعود تاريخها الى القرن السابع عشر مع بنية معمارية تظهر في بيوتها القرميدية الجميلة وتعدادها يزيد على 250 بيتاً، من دون أن ننسى أنها في حضن جبل الشيخ- حرمون وما يحمله من إرث حضاري عظيم. يعني ذلك أن المدخل الأساس للتنمية في راشيا يبدأ من هذه الوجهة السياحية والطبيعية، وهذا الإتجاه يشهد حركة دفع ضعيفة، لأن موقع راشيا ما زال غير مهيأ من ناحية البنية التحتية المناسبة لاستقبال السياح والوافدين رغم وجود تلك المقومات .

هل من أنشطة أو مبادرات لتفعيل السياحة في راشيا؟
الأنشطة وحدها لا تكفي إذا لم تكن جزءاً من مشروع متكامل ترعاه مؤسسات محلية وعلى المستوى الوطني. مثلاً، دور البلدية أساسي في هذا المجال وكذلك دور الجمعيات الأهلية، وقد عرفت البلدة خلال عقد التسعينات وحتى العام 2005 حركة مهرجانات سياحية ساهمت فيها البلدية مع الجمعيات الأهلية وفي طليعتها محترف الفن التشكيلي في راشيا الذي أطلق العديد من المبادرات وعلى رأسها مهرجان المغتربين ومهرجان الشعر الزجلي ورحلة التجلي في السادس من آب، كما أن البلدة تشهد توافد الآلاف من طلاب المدارس والمغتربين لزيارة قلعة راشيا على مدار العام وخلال فترة الإحتفالات بعيد الإستقلال.

هل هناك مشاريع معينة لقلعة راشيا؟
هناك اتجاه في قسم الشؤون الحرفية التابع لمركز الخدمات الإنمائية في راشيا لتطوير منتجات للتسويق السياحي ووضعها في قلعة راشيا، كما أن الفنان عارف أبولطيف يقيم معرضاً دائماً لمنحوتاته في جناح خاص في القلعة وقد أنجز الى جانبها تمثالاً خاصاً لقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش حيث تاريخ الثورة السورية الكبرى سنة 1925 تحتضنه قلعة راشيا على أسوارها ومن خلال اللوحة التي تحمل أسماء شهدائها الأربعمائة الذين سقطوا في مواجهة المحتل الفرنسي في تلك الحقبة من التاريخ ..

هل يمكن لراشيا أن تلعب دوراً أكبر ثقافياً وسياحياً؟
أعتقد أن من لديه هذا التاريخ يمكنه أن يقيم الكثير الكثير من المبادرات والأنشطة ذات الصلة .المهم هو توفّر الإرادة والرؤية وتكاتف الهمم والتعاون المشترك بين كل الإمكانيات لتحقيق تنمية مستدامة في راشيا والعودة بها الى ما كانت عليه في مطلع العشرينات من القرن الماضي كعاصمة مزدهرة لوادي التيم الأعلى ونقطة مضيئة على درب التواصل ما بين الشام والقدس … هذا ما نطمح اليه مع تطلعنا الى دور أساسي للحكومة اللبنانية في تحقيق التنمية المتوازنة في المناطق. فراشيا تملك الكثير لتقدمه للوطن الذي ما زالت حكوماته عاجزة عن تقديم مشاريع تنمية حقيقية تنقل راشيا من وضعية الى أخرى … فهل نشهد مثلاً تحقيق مشروع إقامة تلفريك التزلج من راشيا الى جبل الشيخ ، أو إقامة المنتجعات السياحية وحماية تراثنا المعماري من الإندثار والهدم ؟

هل من مشاريع مستقبلية تعملون عليها حالياً؟
إن المشروع الدائم هو حفظ تراث راشيا المادي وأرشفة إرثها الشفوي والمكتوب، هنا أشير الى مشروع كتابة تاريخ راشيا وجبل حرمون وهو مشروع مستمر منذ العام 2003 وما زال متواصلاً، ونعمل على التحضيرللإحتفال بالمئوية الأولى للثورة السورية الكبرى ( تحضير أفلام ، معرض صور ، متحف للثورة …) وهو مشروع كبير جداً ويلزمه إمكانيات كبيرة، نأمل أن ننجزه في حينه بما يليق بالمناسبة ورمزيتها.

تحقيقات و مقابلات

جبـــاع عليّة الشوف نصفها مزارعون ونصفها موظفون كثيرون نزحوا للعمـــــــل ولم يعودوا برز منها فؤاد سليم وكثير من المتعلّمين رجا البتلوني: عين …

بقعاتا

من ربع ليرة الى 800 دولار للمتر المربع من الأرض بقعاتا.الجدَيْدِة مركــــــز الشــــوف التجــــاري والسكنــــي. سلــة مشاكــل ومدينــة مكتومــة القيــد بقعاتا الشوف …

راشيا الوادي خزانة التاريخ مرّ عليها الكثير ولم تفقد أصالتها القلعة التاريخية معرض جامع لتوالي الممالك والسوق الأثرية تحمل بصمات الإرساليات الأوروبية …

ترويج الحشيشة بين شبيبة الجبل يستهدف استرهان مدمنين يمكن تجنيدهم لأغراض أشد إيذاء عند الحاجة هناك مؤامرة كبيرة على الجبل سلاحها هذه …