الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

ارتجاع المريء

ما هو ارتجاع المريء؟

يحدث مرض ارتجاع المريء أو الجزر المعدي المريئي (GERD) عندما يتدفّق حمض المعدة بشكل متكرّر إلى الأنبوب الذي يربط الفم والمعدة (المريء)، يمكن أن يؤدي هذا الغسيل العكسي (ارتداد الحمض) إلى تهيُّج بطانة المريء.

كثير من الناس يقومون بتجربة هذا المرض من وقت لآخر، ارتجاع المريء هو ارتداد الحمض الخفيف الذي يحدث مرّتين في الأسبوع على الأقل، أو ارتداد الحمض المعتدل إلى الشديد الذي يحدث مرة واحدة على الأقل في الأسبوع.

يمكن لمعظم الناس إدارة الانزعاج من ارتجاع المريء من خلال تغييرات نمط الحياة والأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة طبية، لكن بعض الأشخاص الذين يعانون من ارتجاع المريء قد يحتاجون إلى أدوية أو جراحة أقوى لتخفيف الأعراض.

أعراض ارتجاع المريء

قبل التحدث عن علاج ارتجاع المريء من المهم أوّلاً أن نتعرف على أعراضه. تشمل الأعراض الشائعة لارتجاع المريء: إحساس حارق في صدرك (حموضة) – عادةً بعد الأكل، والذي قد يكون أسوأ في الليل – قلس الطعام أو السائل الحامض في الفم. وإذا كان لديك ارتجاع المريء الليلي، فقد تواجه أيضًا الإصابة بالرّبو أو تفاقمه إذا كنت تعاني منه بالفعل.

علاج ارتجاع المريء

الأدوية المضادّة للحموضة التي تقيد حمض المعدة، قد توفّر راحة سريعة، لكن مضادات الحموضة وحدها لن تشفي المريء الملتهب الذي لحق به حمض المعدة، الإفراط في تناول بعض مضادات الحموضة يمكن أن يسبب آثارًا جانبية، مثل الإسهال أو في بعض الأحيان مشاكل في الكُلى.

أدوية للحد من إنتاج الحمض:

تشمل هذه الأدوية المعروفة باسم حاصرات مستقبلات H-2، السيميتيدين، فاموتيدين، ورانيتيدين، لا تعمل حاصرات مستقبلات H-2 بنفس سرعة مضادات الحموضة، ولكنها توفّر راحة أطول وقد تقلل من إنتاج الحمض من المعدة لمدة تصل إلى 12 ساعة، تتوفر إصدارات أقوى عن طريق وصفة طبية.

الأدوية التي تمنع إنتاج الحمض وتشفي المريء:

هذه الأدوية المعروفة باسم مثبّطات مضخة البروتون، هي حاصرات حمض أقوى من حاصرات مستقبلات H-2، وتتيح الوقت للشفاء من أنسجة المريء التالفة، تشتمل مثبطات مضخة البروتون التي لا تحتاج إلى وصفة طبية على لانسوبرازول وأوميبرازول.

ارتجاع المريء أو الجزر المعدي المريئي (GERD).

العلاجات الأقوى التي توصف تحديداً لارتجاع المريء:

حاصرات مستقبلات H-2 بوصفة طبية. وتشمل هذه فاموتيدين بوصفة طبيّة ورانيتيدين، هذه الأدوية جيدة التحمل بشكل عام ولكن الاستخدام طويل الأمد قد يرتبط بزيادة طفيفة في خطر نقص فيتامين ب 12 وكسور العظام.
مثبّطات مضخة بروتون بوصفة طبية. وتشمل هذه الأدوية إيزوميبرازول، لانسوبرازول، أوميبرازول، بانتوبرازول، رابيبرازول، وديكسلانسوبرازول، على الرغم من أنّ هذه الأدوية جيدة التحمل بشكل عام ، فقد تسبب الإسهال والصداع والغثيان ونقص فيتامين ب 12، الاستخدام المزمن قد يزيد من خطر كسر الورك.

دواء لتقوية العضلة العاصرة للمريء:

قد يخفّف باكلوفين ارتجاع المريء عن طريق تقليل وتيرة استرخاء العضلة العاصرة للمريء، الآثار الجانبية قد تشمل التعب أو الغثيان.

علاج ارتجاع المريء بالجراحة والإجراءات الطبيّة:

عادة ما يمكن السيطرة على ارتجاع المريء مع الدواء، ولكن إذا لم تساعد الأدوية، فقد يوصي طبيبك بتثنية القاع. في هذا الإجراء يلف الجراح الجزء العلوي من معدتك حول العضلة العاصرة للمريء، لتشديد العضلات ومنع الارتجاع، عادة ما يتم الإجراء باستخدام إجراء جراحي طفيف (بالمنظار)، يمكن أن يكون لف الجزء العلوي من المعدة جزئيًا أو كاملًا.

جهاز Linx:

يتم لفّ حلقة من الخرز المغناطيسي الصغير حول تقاطع المعدة والمريء، الجاذبية المغناطيسية بين الخرز قوية بما يكفي لإبقاء الوصلة مغلقة بحمض الجزر، لكنها ضعيفة بما يكفي للسماح بمرور الطعام، يمكن زرع جهاز Linx باستخدام جراحة طفيفة التوغّل.

علاج ارتجاع المريء بالطب البديل:

لم يتم إثبات أي علاجات بديلة للطب لعلاج ارتجاع المريء أو التلف العكسي للمريء، ولكن قد توفر بعض العلاجات التكميلية والبديلة بعض الراحة عندما تقترن مع رعاية طبيبك، تحدث إلى طبيبك حول علاجات ارتجاع المريء التي قد تكون آمنة لك، قد تشمل الخيارات:

  • علاج بالأعشاب: يستخدم عرق السوس والبابونج في بعض الأحيان لتخفيف ارتجاع المريء، العلاجات العشبية يمكن أن يكون لها آثار جانبية خطيرة وقد تتداخل مع الأدوية، اسأل طبيبك عن جرعة آمنة قبل البدء في أي علاج بالأعشاب.
  • علاجات الاسترخاء: تقنيَّات تهدئة التوتر والقلق قد تقلل من علامات وأعراض ارتجاع المريء، اسأل طبيبك عن تقنيات الاسترخاء مثل الاسترخاء التدريجي للعضلات أو الصور الموجّهة.

نصائح هامة لعلاج ارتجاع المريء

  • تغييرات نمط الحياة قد تساعد في تقليل وتيرة ارتجاع المريء، حاول تجربة ما يلي:
  • الحفاظ على وزن صحي، فالضغط الزائد يضغط
  • على بطنك، ويدفع معدتك ويؤدي إلى ارتداد الحمض إلى المريء.
  • توقف عن التدخين، التدخين يقلل من قدرة العضلة العاصرة للمريء على العمل بشكل صحيح.
  • ارفع رأس سريرك، إذا كنت تعاني بانتظام من حرقة أثناء محاولة النوم، فضع كتلًا خشبية أو أسمنتية أسفل أقدام سريرك حتى يتم رفع الرأس من 6 إلى 9 بوصات، رفع رأسك فقط بوسائد إضافية غالباً غير فعال.
  • انتظر ثلاث ساعات على الأقل بعد الأكل قبل الاستلقاء أو النوم.
  • أكل الطعام ببطء ومضغه جيداً، ضع الشوكة بعد كل قضمة ثم التقطها مرة أخرى بمجرد مضغ الطعام وابتلاعه.
  • تجنّب الأطعمة والمشروبات التي تؤدي إلى ارتجاع المريء، تشمل العوامل الشائعة الأطعمة الدهنية أو المقلية، وصلصة الطماطم، والكحول، والشوكولاتة، والنعناع، والثوم، والبصل، والكافيين.
  • تجنب الملابس الضيقة محيط الخصر لديك، فهي تمارس ضغطًا على بطنك وعلى العضلة العاصرة للمريء.

خلايا جذعيّة «مُعدّلة» تُصلح قرنية العين

عالج علماء يابانيون للمرة الأولى قرنيّة مُتضرّرة عبر استعمال خلايا جذعية مستحثّة ومتعددة القدرات. يقول الجرّاح إنّ نظر المريضة تحسّن منذ إجراء الجراحة! توصّل الباحثون إلى ابتكارهم عبر إعادة برمجة خلايا راشدة. تجعل هذه العملية الخلايا شبيهة بالنسخ الجنينية، ما يعني أنّها تستطيع التحوّل إلى أي نوع آخر من الخلايا البشرية، بما في ذلك خلايا الأعصاب والبنكرياس والكبد والقرنية.

صحيح أنّ الخلايا الجذعيّة المستحثّة ومتعددة القدرات تتمتع بقدرة عالية على معالجة مجموعة من الحالات، لكنّ انتقالها من المختبر إلى العيادات بقي بطيئاً. من خلال إجراء جراحة ثورية جديدة، اتّخذ طبيب العيون كوهجي نيشيدا من جامعة «أوساكا» في اليابان الخطوة اللّاحقة..

تشير القرنيّة إلى الجزء الأمامي الشفّاف من العين وتغطّي القزحيّة والبؤبؤ. تضمن الخلايا الجذعية فيها انتعاشها وإصلاحها عند الحاجة، فتبقيها نظيفة كي تسمح بدخول الضوء. لكن إذا تضرّرت تلك الخلايا بسبب مرض أو إصابة، لا يعود إصلاح القرنية ممكناً، ما قد يؤدي إلى العمى القرني، فيُضطر المصابون بضرر في القرنية لانتظار نسيج من أحد الواهبين، وقد تطول هذه العملية، كما يحصل عند زراعة أي أعضاء أخرى. كانت المريضة التي خضعت للجراحة الجديدة مصابة بمشكلة وراثية تؤثّر على الخلايا الجذعية في القرنية، نتيجةً لذلك، أصبح نظرها مشوّشاً ثم فقدت البصر بالكامل. زرع الباحثون طبقات رقيقة من الخلايا الجديدة داخل القرنية، على أمل أن تترسّخ وتسدّ الثغرات التي خلّفتها الخلايا الجذعيّة المفقودة.

إنّ اليابان رائدة في تكنولوجيا الخلايا الجذعية المستحثة ومتعددة القدرات. في العام 2006، طرح شينيا ياماناكا بحثه حول هذه الخلايا التجريبية. صحيح أنّ الخلايا الجذعية أثارت حماسة الأوساط الطبية، لكن

تبدو الخلايا الجديدة واعدة بدرجة إضافية. لم يستطع العلماء فصل الخلايا الجذعية عن المخاوف الأخلاقية المرتبطة باستعمال أنسجة جنينية، لكنهم يستخلصون الخلايا الجديدة من خلايا جلدية راشدة، ما يعني تجنب هذا النوع من المشاكل. وبما أنّ العلماء يأخذون الخلايا من أنسجة المرضى، يُفترض ألّا ترفض أجسامهم الزرع. لطالما طَرح تجنب رفض الخلايا الجذعية الجنينيّة تحدّياً صعباً.في العام 2012، تقاسم ياماناكا جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب غداة اكتشافه الخلايا الجذعية المستحثة ومتعددة القدرات وتطويرها.

في اليابان، سبق واختبر الباحثون تلك الخلايا على عدد من الاضطرابات في تجارب عيادية، منها إصابات في الحبل الشوكي ومرض الباركنسون. وفي تشرين الأوّل 2018، زرع جرّاح أعصاب 2.4 مليون خلية داخل دماغ مصاب بالباركنسون. غداة بحث ناجح على نموذج من الحيوانات، أعطت وزارة الصحة اليابانية نيشيدا الإذن بإجراء جراحة إصلاح القرنية لدى أربعة أشخاص. حتى الآن، يبدو العلاج الأوّل ناجحاً. يقول طبيب العيون إنّ قرنية المريضة لا تزال نظيفة وقد تحسّن نظرها منذ العملية. يخطّط نيشيدا الآن لإجراء العملية الثانية في وقتٍ لاحق من هذه السنة، ويأمل في أن تصبح الجراحة مُتاحة لعدد إضافي من الناس خلال خمس سنوات. وفق المشرفين على استطلاع عالمي جديد حول زراعة القرنية، ثمّة قرنية واحدة لكل 70 مريضاً! على أمل أن تسهم التقنية الثورية الجديدة يوماً في سد هذه الفجوة…

صحّتك بين يديك

البردكوش / Marjoram
ما هو البردقوش؟

البردقوش أو المردقوش أو ما يعرف بالزّعتر البرّي (Marjoram) هو أحد النباتات العطرية التي تنتمي لفصيلة النعناع، و تتواجد في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط.

فوائد البردقوش

استخدم البردقوش بشكل موسّع ومنذ القدم في طب الأعشاب والطّب البديل، واستخدمها الإغريقيون في أكاليل الزهور كدلالة ورمزية للسعادة والسلام. ويتم استخدام أوراق البردقوش جافة أو طازجة أو حتى على شكل مسحوق، أو يتم استخراج زيت منه، وعادة ما يستغل على شكل توابل تضاف لإعطاء نكهة للطعام وتحسين مذاقه، كإضافته للسّلطات والصّلصات وتتبيل اللحوم. كما ويدخل البردقوش في المجال التّجميلي، إذ يستخدم في صناعة بعض المُستحضرات التجميلية مثل الكريمات والصّوابين، ومعاجين الأسنان وغيرها.

فوائد البردقوش في مكافحة الالتهابات:

تمتلك نبتة البردقوش خصائص مضادة للالتهابات، كما وتعمل كمضاد حيوي لبعض أنواع البكتيريا ، حيث تحوي بعض المكونات الكيميائية المختصة بذلك مثل: إيجانول سابينين، سايمين، تيربينولين، تيربينول، وغيرها العديد.

فوائد البردقوش في تعزيز صحة القلب والشرايين:

يُعتبر البردقوش مهم جدًّا لتعزيز الدورة الدموية في الجسم ، باحتوائه على العديد من المعادن المهمة لتنظيم عمل القلب والدورة الدموية مثل المغنيسيوم والبوتاسيوم الضروري جدًّا للمحافظة على توازن السوائل في الجسم وضبط مستويات ضغط الدم. كما ويحتوي مضادات الأكسدة والألياف المهمّة في تقليل مستويات الكولسترول الضارّ في الدم وحمايته من التأكسد، وبالتالي تقليل فرص الإصابة بتصلّب الشرايين والجلطات القلبية، والسّكتات الدماغية. كما وتحوي أوراق البردقوش الحديد المهم جدًّا لعمل كريات الدم الحمراء والوقاية من فقر الدم. وكل 100 غم من أوراق البردقوش الجافّة تحوي ما يقارب 82.71 ملغم من الحديد.

فوائد البردقوش للبشرة:

باحتواء البردقوش على فيتامين A ، والبيتا كاروتين واللوتين والزانثين Xanthins وغيرها من مضادات أكسدة قوية وفلا فينويدات بكميّات عالية ، والتي اشتُهرت بدورها الكبير في عالم الجمال، سيكون له دور في: تعزيز نضارة البشرة وإشراقها، ومكافحة الجذور الحرّة التي قد تؤدّي إلى حدوث علامات الشيخوخة والتجاعيد. كل 100 غم من أوراق البردقوش الجافة تحتوي على 80688 وحدة دولية من فيتامين A.

فوائد البردقوش لصحّة العيون:

فيتامين A ومادة الزايانثين Zea-Xanthin بشكل خاص والتي يحويها البردقوش ، تلعب دوراً مهمًّا في الحفاظ على صحة العيون والشبكيّة وتعزيزها ، وحمايتها من الإصابة بالتكنس البقعي المرتبط زيادة حدوثه بتقدم العمر.

فوائد البردقوش في علاج نزلات البرد وأمراض الشتاء:

لمغلي أوراق البردقوش دور كبير في علاج وتخفيف أعراض أمراض البرد ونزلاته، والأنفلونزا، ومكافحة التهابات الحلق والبلعوم والسعال وسيلان الأنف وتخفيفها، وذلك باعتباره مصدر عالي لفيتامين C المعروف بكونه مضادّ أكسدة قوي يقوي المناعة
وباحتواء البردقوش أيضاً على العديد من المواد الكيميائية التي تعمل كمضاد للالتهابات والفيروسات والبكتيريا. كل 100 غم من أوراق البردقوش الجافّة تحوي ما يقارب 51.4 ملغم من فيتامين C. كما وأشارت بعض الدراسات إلى أن تناول زيت البردقوش بانتظام وباعتدال قد يكون له أثر إيجابي في تعزيز صحة الرئتين و تقليل أعراض الربو.

فوائد البردقوش في تعزيز صحة الجهاز الهضمي:

وُجِد بأنّ البردقوش يعزّز إفراز الأنزيمات الهاضمة في الجهاز الهضمي ويساعد على الهضم ويفتح الشهيّة، ويخفّف من تقلصات المعدة ويساهم في علاج المغص، وتخفيف الغازات. كما وله دور في علاج مشاكل الكبد وحصى المرارة.

فوائد أخرى:

ووجد للبردقوش فوائد أخرى تشمل: علاج الأرق والصداع والشقيقة، تخفيف أعراض ما بعد انقطاع الطمث، علاج تقلبات المزاج والاكتئاب، علاج آلام الظهر والعضلات.

  القيمة الغذائية:

فوائد البردقوش للجسم وعلاج الأمراض كثيرة، وهذا عائد لمحتواه العالي من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة. فأوراقه تعتبر مصدراً غنيًّا بكل من فيتامين A، وفيتامين C، كما وتُعَد مصدراً عالياً للحديد والكالسيوم. وتحوي الـ 100 غم من أوراق البردقوش الجافة ما يقارب 271 سعر حراري، وإليكم أهم ما تحويه من قيم غذائية أساسية بحسب وزارة الزراعة الأمريكية USDA: القيم الغذائية لما يحتويه 100 غم من أوراق البردقوش الحلو الجافة الكربوهيدرات 60.56 غم البروتينات 12.66 غم الدهون 7.04 غم الألياف الغذائية 40.3 غم.

 الكمّيات المسموحة من البردقوش وفئات ممنوعة عنه:

استخدام البردقوش باعتدال وعند تناوله عن طريق الفم آمَن جدًّا للعديد من الأشخاص، إلّا أنَّه قد يشكّل خطراً على بعض الفئات والحالات، ولا زالت الدراسات قائمة لإثبات ذلك، والمعلومات الموجودة غير كافية حول آثاره الجانبية. وتشمل هذه الحالات التي من المفَضَّل فيها التنبُّه عند تناول البردقوش واستخدامه ما يلي:

  • الحامل والمرضعة، حيث إلى الان لم تثبت مخاطره وآثاره الجانبية التي قد تنتج عند استهلاكه وخاصه للمرضعة وللحامل في بداية الحمل، إذ يمكن أن تشكّل خطراً على الحامل.
  • من يعانون من اضطرابات ومشاكل في تخثّر الدم، وما بعد العمليات الجراحية، إذ إنّ البردقوش يعمل كعمل المُمَيّع للدم باحتوائه على نسب عالية من فيتامين K.
  • الذين يعانون من بطء دقات القلب، المصابون بانسداد الأمعاء أو قرحة المعدة، إذ يعمل البردقوش على تعزيز إفرازات الجهاز الهضمي والأنزيمات ، ممّا قد يزيد المشكلة سوءاً في حالة قرحة المعدة.
  • في حالة مرضى السكَّري، عند المبالغة بتناول البردقوش الذي قد يودي إلى خفض مستويات السكّر في الدم.
  • الحساسية، يجب التنبّه عند استخدامه في حالة المُعاناة من حساسية من أحد التوابل أو الأعشاب مثل النعناع أو الميرمية أو الزَّعتر أو الريحان.
    التهيُّج، في حالة تطبيق أوراق البردقوش الطازج مباشرة على الجلد أو العيون قد يسبّب التهيج.


الحِمية النباتية غير كافية!
الحميات النباتية غير كافية لغذاء الدّماغ

تزداد الدراسات التي تثبت منافع الحميات النباتية. يشجّع الباحثون الناس على زيادة استهلاك الفاكهة والخضار، وتتوسّع النزعة إلى تطبيق هذه النصيحة الغذائية بين المستهلكين. الحميات النباتية في معظمها قد تترافق مع نقص في عنصر الكولين الأساسي لتغذية الدماغ. والكولين عنصر أساسي، فالجسم لا ينتج كمية كافية منه لتلبية الحاجات الغذائية إليه، تماماً مثل أحماض الأوميغا 3 الدهنيّة، لذا يكون أخذه من المصادر الغذائية ضروريًّا. كذلك يُعتبر أساساً لحماية جوانب متعدّدة من مسار الأيض، منها تركيب الناقلات العصبية وبنية الخلايا وعملية المثيلة. وربطت الدراسات بين نقص الكولين وأمراض الكبد، واختلال الوظيفة المعرفيّة لدى الاولاد، وحتى الاضطرابات العصبية. والعنصر المُغذي هذا أساسي لنشوء دماغ سليم، لا سيّما في المراحل الأولى من نمو الجنين.

تتعدّد المصادر الأساس للكولين، منها لحم البقر، والبيض، ومشتقّات الحليب، والسمك، والدجاج. وتحتوي المكسّرات والبقوليات والخضروات مثل البروكلي على أصغر كميات منه. في العام 1998 حدّد «المعهد الأميركي الطبّي» الحد الأدنى من الكولين بمعدّل 425 ملغ يوميًّا للنساء، و550 للرجال، و450 للحوامل، و550 للنساء في فترة الرّضاع. لكن لا يلتزم معظم المستهلكين بالتوصيات المناسبة.


غسل اللّحوم

انتبهوا لطريقة غسل اللّحوم!أكدت نتائج التجارب التي أجراها علماء الولايات المتحدة، على أنّه من الأفضل عدم غسل اللحوم قبل عملية الطهو، لأن غسلها يزيد من خطر الإصابة بعدوى مرضية ووفقا لهذا التقرير، فإن غسل اللحوم بالماء سوف ينشر في جميع أنحاء المطبخ بكتيريا مرضية تسقط فيما بعد حتى على الطعام. وإذا تحدثنا عن لحم الدجاج بصورة خاصة، فإن غسله هو عامل من عوامل انتشار بكتيريا السالمونيلا، والكامبيلوباكتر والكلوستريديوم بيرفرينجنز (Clostridium Perfringens)، والتي تشكّل خطورة كبيرة على البشر.

واستناداً إلى نتائج التجارب، أعلن الباحثون: «بينت التجارب، أنّه عند الغسل تنتشر البكتيريا في أرجاء المطبخ وعلى جميع المواد الغذائية فيه، وليس بمقدور أي طريقة مستخدمة في عملية الغسل منع ذلك.

شارك في هذه التجارب 300 متطوّع، كانوا يقومون بتحضير السَّلَطات وأفخاذ الدجاج، وذلك بغسلها قبل عملية الطّهو. وبيّنت نتائج هذه التجارب أنّ غسل اللّحم تسبب باكتشاف بكتيريا الدجاج «E. Coli» في السلطة، مع العلم أنّهم نظفوا المطبخ تماماً باستخدام مضادات البكتيريا، بعد الانتهاء من عملية طبخ الدجاج.

ينصح الباحثون باتباع ما يلي عند التعامل مع اللحوم: طهو اللّحم بعد الانتهاء من تحضير وطبخ بقية المأكولات؛ غسل اليدين بعناية بعد التعامل مع اللحوم؛ طبخ لحم الدجاج في حرارة لا تقل عن 73 درجة مئوية.


بعد تزايد ضحاياها… السيجارة الإلكترونية تحت المجهر

لقيَ خمسة أشخاص على الأقل حتفهم في الولايات المتحدة بعد تدخينهم سجائر إلكترونية، فيما تفشَّى مرض رئوي حاد بين مئات المراهقين وترك بعضهم في غيبوبة. ولم يحدّد المحققون الفيدراليون العلامات التجارية أو المواد الضارة الموجودة في سوائل السجائر الإلكترونية التي ربما تسببت في المشكلات المرصودة في الجهاز التنفسي، لكن القاسم المشترك بين المرضى كان استخدامهم منتجات تحتوي على «تي إتش سي» وهي مادة أساسية في القِنَّب الهندي.

وقد أفادت السُّلطات الصحية المحليّة في مينيابوليس ومينيسوتا، الجمعة، بأنّ شخصين كبيرين في السن بحالة صحيّة سيئة نسبيًّا، تُوفِّيا نتيجة استخدامهما سوائل تحتوي على تلك المادة.

السيجارة الإلكترونية.

أظهرت دراسة نُشرت في الولايات المتحدة، الخميس، أنّ مستخدمي السجائر الإلكترونية يواجهون احتمالا أكبر للإصابة بمشكلات في أكثر من 450 حالة مرتبطة بتدخين السجائر الإلكترونية. وحاليًّا، هناك أكثر من 450 حالة محتملة من الأمراض الرئوية المرتبطة بتدخين السجائر الإلكترونية وفقا لإليانا أرياس نائبة مدير قسم الأمراض غير المعدية في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي).

وقال دانييل فوكس المتخصّص بأمراض الرِّئة في ولاية كارولاينا الشمالية، إنَّ المرضى أصيبوا بالتهاب رئوي يُعرَف باسم الالتهاب الرئوي الدّهني وهو يحدث عندما تدخل «زيوت أو مواد تحتوي على دهون إلى الرئتين».

إلى ذلك، أفادت وزارة الصحّة في نيويورك بأنّ نتائج الاختبارات المخبريّة أظهرت مستويات عالية جدًّا من زيت فيتامين «إي» في حاويات القنّب التي استخدمها الأشخاص الـ34 في الولاية الذين أصيبوا بالمرض الرئوي بعد التدخين، ولذلك ركزت تحقيقاتها في هذا الاتجاه. يُذكر أن خلّات فيتامين «إي» مكمّل غذائي شائع يؤخذ عن طريق الفم أو يطبق على الجلد لكنه يصبح ضارًّا عند استنشاقه.

وقال المسؤول في إدارة الغذاء والدواء نيد شاربلس إنّ وكالته كانت على دراية بتلك التقارير «لكن لم يُعثر على أيّة مادة بما في ذلك خلّات فيتامين “إي” في العيّنات التي اختُبرت» على المستوى الوطني. وقد أبلغ العديد من المرضى عن تعاطيهم القنّب، لكن بعضهم قالوا إنّهم استنشقوا فقط منتجات تحتوي على النيكوتين. يُشار إلى أنّه تمّ الإبلاغ عن أوّل حالة وفاة في ولاية إلينوي في أواخر آب/أغسطس. وخلال هذا الأسبوع، أعلنت ولاية أوريغن عن وفاة شخص في تموز/يوليو مرتبطة أيضا بتدخين السجائر الإلكترونية. وقالت السّلطات في إنديانا إنّ حالة وفاة سُجِّلت فيها من دون تقديم أيّ تفاصيل إضافية. وقد أبلغ المرضى عن أعراض منها صعوبة في التنفس وألم في الصدر قبل نقلهم إلى المستشفى ووضعهم على أجهزة التنفس الاصطناعي. وأخبرت طواقم طبيّة أنّ أشخاصا كثراً شخّصوا خطأً بأنَّهم مصابون بالتهاب الشعب الهوائية أو مرض فيروسي حتى ازدادت أعراضهم سوءاً ووصلت في بعض الأحيان إلى مستويات لا تُحتمل.

يُذكر أنّ السجائر الإلكترونية موجودة في الولايات المتحدة منذ العام 2006 وتُستخدَم في بعض الأحيان كوسيلة للمساعدة على الإقلاع عن تدخين منتجات التبغ التقليدية. وقد ازدادت نسبة المراهقين الذين يُقبلون عليها خلال السنوات الأخيرة. فَنَحو 3،6 ملايين من تلاميذ المدارس المتوسطة والثانوية استخدموا سجائر إلكترونية في العام 2018، وهي زيادة قدرها 1،5 مليون عن العام السابق.

وفي الوقت الراهن يبدو أنّ انتشار الأمراض الرِّئوية محصور في الولايات المتحدة رغم تزايد شعبية منتجات التدخين الإلكتروني على صعيد عالمي.

كما تزرع تحصد ولكلّ جميل جميلٌ يماثله

كما تزرع تحصد ولكلّ جميل جميلٌ يماثله

فلاح فقير معدمٌ يعيشُ في إحدى المزارع الاسكتلندية يدعى «فلمنج». ورغم الفقر الشديد لم يكن يشكو أو يتذمر لكن همّه الأوحد كان ولده الوحيد ومستقبله وكيف ينقذه من حياة البؤس والشقاء، ولا يستريح من التفكير إلاّ بإعادة الأمور إلى الرّب فهو الشفوق الرحيم. ذات يومٍ وبينما هو يتجول مع قطيعه في إحدى المراعى سمع صوت كلب وفيّ ينبح نباحاً مستمراً مما أقلقه، فأسرع ناحيته ليجد طفلاً كان يرافق الكلب ويغوص في بركة من الوحل وترتسم على وجهه علامات الرّعب والفزع وصراخه يفتت الأكباد. لم يستهب فلمنج الخطر بل قفز بملابسه في بحيرة الوحل وأمسك بالصبي من شعره ثم أخرجه وأنقذ حياته.

في اليوم التالي آتى رجلٌ إلى منزله وتبدو عليه علامات النعمة والثراء في عربة مزركشة تجرها خيول أصيلة ومعه حارسان. اندهش الفلاح فلمنج لزيارة هذا اللّورد الثّري له في بيته المتواضع، غير أنه وفي قرارة نفسه ظنّ أنه والد الصّبي الذي أنقذه من الموت المحتم. بعد أن ترجّل اللّورد الثري بادر الفلاح قائلاً له: لو بقيت أشكرك طوال حياتي فلن أوافيك حقّك، أنا مدينٌ لك بحياة ابني، أطلب ما شئت من أموال أو مجوهرات أو ما يٌقرّ عينك. أجاب الفلاح: سيدي اللورد أنا لم أفعل سوى ما يمليه عليّا ضميري وأيّ رجل مثلي كان سيفعل ما فعلته، فابنك هذا مثل ابني والمأزق الذي تعرّض له من الممكن أن يتعرّض له ابني أيضاً. أجاب اللورد الثري: حسناً طالما تعتبر ابني مثل ابنك فأنا سآخذ ابنك وأتولى مصاريف وتكاليف تعليمه حتى يصبح رجلاً متعلماً نافعاً يخدم بلاده وقومه.

لم يصدّق فلمنج ما سمعه وطار من السعادة والفرح في قلبه أن ابنه سيتعلم في مدارس العظماء. وبالواقع والحقيقة تخرّج ابنه الصغير الكسندر فلمنج من مدرسة (سانت ماري) للعلوم الطبية وأصبح دكتوراً كبيراً يتمايل بين العلماء الكبار من الأطباء والبيولوجيين وهو ذاته العالم الكسندر فلمنج (1881- 1955) مكتشف البنسلين Penicillin عام 1929، أول مضاد حيوي عرفته البشرية على الإطلاق، كما وأنه حصل على جائزة نوبل للطبّ عام 1995. لم تنته تلك القصة الجميلة هكذا بل حينما مرض اللورد الثري بالتهاب رئوي كان البنسلين هو الذي أنقذ حياته وفي الحالتين الفضل لآل فلمنج.

المفاجأة الكبرى أن ذاك الصّبي الذي غرق في الوحل ابن اللورد الثري والذي يُدعى اللورد راندولف تشرتشل والذي يحمل لقب ونستون تشرشل أصبح أعظم رئيس وزراء بريطاني على مرّ العصور، والذي قاد بلاده والحلفاء ضد دول المحور بقيادة هتلر في الحرب العالمية الثانية بين عامي 1935 – 1945 وكان الفضل له بإنقاذ العالم من غطرسة هتلر وتعسّفه. وانتصر الحلفاء وهم (فرنسا، إنجلترا، الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي) على دول المحور (ألمانيا واليابان).

والقصة بمجملها يعود الفضل فيها لذاك الفلاح الاسكتلندي الفقير فلمنج، والعبرة منها: حقاً كما تزرع تحصد ولكل جميل يقابله جميل يماثله.


نَحْنُ يا إبني نعمل لآخِرَتِنا وليس لدُنيانا

للمروءةِ رجالٌ لا تُعرف مناقبُها إلّا في أوقاتها، وللشّهامة مواقف لا يُقَرّ بها إلا بعد وقوعها، وللأمانة ذِمَم لا يُشهد لها إلا بعد إقراراها، وللدّيانة والتديّن دلائل لا يُشار إليهما إلّا عند امتحان أصحابها.

نصف قرنِ مضى، وأرض شاسعة تزيد مساحتها على سبعة عشر ألفَ مترٍ مربعٍ مسجّلة (مُطوّبة) على اسم أصحابها غير الحقيقيين. واسترجاعُها كان أسرع من لمح الخاطر عند أصحاب اليقين. حتى احتار في أمرهم أصحابُها الشّرعيون.

قصّة ذلك أن شيخاً تقيّاً ورِعاً عُرف منذ مطلع شبابه وحتى غروب إيابه أنّه غني النفس، كريم الأخلاق، حميد الصفات، همُّه آخرته قبل دنياه، ورضى خالقه قبل سواه.

في الأربعينيّات من هذا القرن، يمّم السيد جورجي يَمِّين من بلدة حاصبيّا وجهه نحو المهجر اللئيم، بعد أن رَهن قطعة أرض تخصّه في محلّة «زغلة» إلى الشيخ أبو كامل سعيد أبو رافع من بلدة عين قنيا، بمبلغ مائة ليرة لبنانية آنذاك، والمعلوم أنّ قيمتها في تلك الأيام ربّما تعادل ألوف الدولارات في هذه الأيام.

توالت الأيام والسنون، وفاق عددها الستِّين عاماً، وإذا بأحد أولاد السيد جورجي يمّين الدكتور إميل يمّين يعود إلى بلدة آبائه وأجداده؛ حاصبيّا قصد التعرُّف على أملاك أبيه وإحصائها وإجراء حصر الإرث بعد وفاة والده. لكنّه فوجىء في الدوائر العقارية في مدينة صيدا أنّ أملاكه الشاسعة في محلة «زغلة» هي ملك الشيخ سعيد أبو رافع جَرّاء المسح القانوني في بلدة حاصبيا. وأكثر من ذلك ليس بحوزته أيّة حُجَّة أو وثيقة تُثبت هويّة تلك الأرض بأنّها ملكهم، أو على الأقل تابعة لإرثِ أبيهم.

بعدما قلقت أفكاره، وتشوشت مُخَيِّلته احتار في أمره، كيف أصبحت هذه الأملاك ملكاً للشيخ أبو رافع؟ وما العمل لاسترجاعها؟ وهي اليوم أرض غالية الثمن، لقربها من أماكن السكن وقيمتها المادية لا تقدر بثمن. تحقّق في الأمر، فإذا بها سُجّلت قانوناً بناء لأقوال المختار والنواطير أمام موظفي دائرة المساحة. حتى جيرانها، والجميع يعرفون، أنّها ملك من يستثمرها ويديرها منذ أمد بعيد. تفكّر الدكتور يمّين في ذاته، ثم عمد إلى مشورة العديد من أبناء حاصبيّا، قائلاً للعديد منهم إذا كانوا على صلة جيّدة مع المُسترهن، فإنّه على استعداد ليهبه نصف مساحة الأرض مقابل إعادة الباقي، أو نقده نصف ثمنها عند مبيعها، وليس من حلّ سوى ذلك وخصوصاً بعد استشارة المحامين، ورجال القانون ويأسه من إجاباتهم. اتصل دُعاة الخير بالشّيخ أبو رافع بطريقة لبقة دون إحراج لكرامته، أو إنقاص من أمانته، لكنهم فوجئوا بأول كلام نطق به : «عمَّ تسألونني يا أحبّائي، عن أرض السيد جورجي يمّين.. فهي ملكه. ونحنا استوفينا الرّهن من استغلالنا لها منذ زمن بعيد، فهل في الأمر من شيء غريب؟». تبسّم السائل، وهزّ برأسه، وأقرّ في ذاته أنّه أمام شيخ يجهل أنَّ الأرض أصبحت ملكه رسميّاً، أو قانونياً وإن لم تكن حقَّاً وحقيقة. لكنّه تجرَّأ فيما بعد وصارحه قائلاً: «شيخنا الكريم، إنَّ الأرض في محلَّة «زغلة» قد سُجّلت باسمكم في دوائر المساحة، ولا يستطيع أحدٌ أن يأخذها منكم، فهي ملككم عند الدولة وفي دوائرها».

انتفضَ الشيخ وكأن صاعقة وقعت عليه، ثم صرخَ في وجه محدّثه: « كيف تتجرَّأ وتقول ذلك، ألا تعلم يا ابني أنت والجميع بأنَّها ملك السيد جورجي يمّين؟ ألا تعلم أيضاً أنني أستعملها لقاء رهن استوفيتُه بعد أن طال أمده؟ أمّا إذا كنت تمتحن أمانتي وصدقي، فهذا رأس مالي في هذه الدنيا منذ إقراري بعهدي، لا خوفاً من أحد، ولا استرضاء لولد، بل إقراراً ورضاء لما كتبتُ وتصديقاً لما أعتقد، وإيماناً لما أُقرّ وأعترف.»

بعد أن علم الدكتور يمّين بما أقرَّ واعترف به الشيخ، قصد منزله في بلدته ومعه كاتب العدل، حيث أُعيد الحقُّ إلى نصابه بـ «شخطة» من قلم، ووقفة من ضمير، وليس أكثر من ذلك، ورغم محاولة الدكتور إرضاء المُسترهِن بالوفير من المال، وإذا لم يكن، فموقع بناء لأحد أبنائه أو أحفاده على الأقل. لكنَّ الشيخ أبى واستكبر أيَّ شيء، ثمّ أجابه: «يا بُنَي، قُلْ لمن تعرفه أو يحدّثك: إنّنا وإن كنّا فقراء في دُنيانا، فهذا لا يهمُّنا مُطلقاً، لأنّها ليست عندنا سوى مرحلة شقاء للعبور إلى دار البقاء. وما همُّنا الأول والأخير إلّا العمل لآخِرَتنا، ومرضاة خالقنا والضمير».

مراجعات كتب

«عادياتُ اليَمَن»:

مُذكِّرات المُتَصرِّف «يوسف بك حسن»، 1909 – 1921

صدرت عن الدّار التقدمية في كتاب، من القطع الكبير، عدد صفحاته 587 صفحة حقّقها «عاصم يوسف حسن» وقدَّم لها سفير لبنان السابق في اليمن، حسان أبو عكر. تبدو يوميات «يوسف بك حسن» من الأهمّية بمكان إذ تلقي الضوء الكاشف على الواقع اليمني مدّة عقد ونيِّف: ما بين 1910 وحتى 1921. وقد زادت على أربعة آلاف يوميَّة، دوّنها صاحبها تزامنًا مع حدوثها، فاكتسبت مصداقيّةً عالية، لأنَّ كاتبها كان في سُدَّة المسؤولية، مُتصرّفًا، مُتعلّمًا، مثقفًا وذا شخصيّة عُرفت بالذكاء، والحنكة والشجاعة، والوطنية، فضلًا عن أنّه كان يضطلع بمعالجة الأحداث مباشرةً، وما أكثرها في بلاد كاليمن التي عُرفت في التاريخ القديم والحديث، بتضاريسها الصعبة، وتعدّد العقائد والمفاهيم بين أهلها الذين ينتمون إلى عشائر وقبائل مختلفة من الصعب إلى حد الاستحالة أحيانًا التوفيق بينهم. وهو واقعٌ أليمٌ ما زال يسحب نفسه على البلاد اليمنية حتى اليوم. ولقد جاء القائمّقام ثم المتصرف في ما بعد إلى اليمن مُوَطِّنًا النّفس على تحقيق النجاح في معظم ما أوْكِلَ إليه من فرض هيبة الحكم العثماني على أرضٍ ومواقع لم تكن السلطة العثمانية قد تمكنت من الوصول إليها من قبل. فهل نجح في ذلك؟

تقول «اليوميات» إنّ أحداثًا جسامًا خاض صاحبها معاركها السياسية والعسكرية والاجتماعية بكفاح وتؤدةٍ شديدين، ضد الإيطاليين ثم الإنكليز، ثم الإمام الإدريسي (صاحب عسير)، ولم يكن أبدًا مهادنًا للإمام يحيى حميد الدين. وأمسك بمفاتيح المصالحات بين القبائل المتنافرة التي مثّلت شخصية الشعب اليمني. وبالرغم ممّا أُثر عن «يوسف بك حسن» من تواضع اجتماعي في محيطه، سواء في لبنان أو في الجمهورية العربية السورية (قاضيًا) فقد كانت تخترق ذلك التواضع، مواقف تُملي عليه سلوك متصرف اعتاد الإمساك بمفاتيح القرار، حازمًا متعاليًا وبخاصة حين كان الأمر يمسّ قضايا الأمة.
وفي ما كتب من شعر ونثر ومراسلات تلازمت مع عقيدته في الإسلام والعروبة، ضمن عُروةٍ وثقى، كان يرى في الإسلام والمسيحية تكاملًا لا بُدَّ منه تحت منطق الإيمان القومي. إنَّ ما نكتبه هنا عن «يوسف بك حسن» ومذكراته الضّخمة، هو قليلٌ من كثير. وقد أصاب حقًا السفير حسان أبو عكر في ما كتبه عنه في مقدمة هذه المذكرات.

لقد أتاحت سنواته في اليمن في هذا الجو المفعم بالأحداث والمشاريع المعلنة والمستترة العمل بعزم كبير، معتبرًا أنّ الكفاءة والجرأة والاندفاع القومي، وتطبيق القوانين، هي عناصر كافية لإعادة هيبة السلطنة في الولاية العثمانية، وبسْط سيادتها في بلاد قيلَ عنها إنها مقبرة للجنود الأتراك.

انتهت الحرب العالمية الأولى كما هو معروف بانتصار الحلفاء وبسط حكمهم على معظم الأقطار العربية، فأيقن «يوسف بك» عندها أنّ مشاريعه الوظيفية ومستقبله الإداري لم يعد مجديًا. ولما ازداد التباعد الثقافي واللغوي والسياسي مع الجمهورية التركية الناشئة قرَّر العودة إلى بلاده في شهر آب من العام 1923، واختار أن يمارس عمله القومي ونداء الواجب كما قال في حكومة جبل الدروز الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، فتوجه إلى مدينة السويداء عاصمة تلك الحكومة، ليعمل في المحاماة وفي القضاء، وصولًا إلى رئاسة محكمة الاستئناف هناك إضافة إلى ترؤسه محكمة الجنايات. وبقي في سورية لغاية تقاعده، وعودته إلى مسقط رأسه في قرية بتلون الشوفية في عام 1955، حتى توفاه الله في 26 تشرين الثاني عام 1969.


فلسفةُ القانون:

السجالُ بين جمود النّص، وطفرات الواقع

كتابٌ، عبارة عن دراسة فكريّة قانونيّة، قدّم لها دولة الرّئيس نبيه برّي رئيس مجلس النوّاب اللبناني، عالجت فيها الدكتورة ماغي حسن عبيد، بتبسّط، العلاقة الجدلية بين الفلسفة والقانون، من منطلق أهميتهما فُرادى، والدّور الذي يؤدّيانه معًا بعلاقتهما بالتاريخ العام، والفلسفة العامة والسياسة. فكيف ولماذا الجدليّة بين الفلسفة والقانون؟ وما هي موضوعات فلسفة القانون؟ وهل للقانون بوصفه علمًا خصوصيةٌ وتمايُز؟ في مُندرجات هذه الدراسة تركيز على أهميّة فلسفة القانون، واتّجاهاته الرئيسة… وتحديد الأبعاد الفلسفية، وتصوراتها في المذاهب القانونية، كما في التيار المثالي الميتافيزيقي.

والمذاهب الفلسفية القانونية عند اليونان والرومان. فالعصر اليوناني حيث القانون بالمعنى السقراطي، والأفلاطوني، والأرسطي، وصولًا إلى الرواقيين، والإبيقورييِّن، ومن ثمَّ الفكر القانوني الروماني، فالقانون في الفلسفة المسيحيّة، وفكر توما الإكويني، فأولويّة الدولة على السلطة الكنسية. وفي التدريج الزمني تتحدث المؤلّفة عن الفلسفة العربية الإسلامية: الفارابي، والغزالي، وفي التاريخ التالي، نجد أنفسنا مع القانون في العصر الحديث، الحكم المطلق، مكيافلي، هوبز، فلسفة الحكم المقيّد، أسبينوزا، جون لوك، روسو، إيمانويل كنط، وبعدها قراءة معاصرة في حقيقة العولمة القانونية التي أصبحت بعد التطوّرات البشرية في القرنين العشرين والواحد والعشرين، أمرًا واقعًا يصعب على الإطلاق إهماله أو تجاهله، لذا تنتقل الدراسة إلى شرح مفهوم القانون في الفكر المعاصر، فتحدّد التيارات الفكرية التي تتناول القانون بهدف نقده وتطويره: هيغل، والتيار الوضعي، والوضعانية الواقعية، والوضعانية السوسيولوجية، والوضعانية الماركسية، وهولمز، والإنسانوية القانونية، ونظريات أميركا الشمالية، الجدل الفلسفي حول فلسفة القانون. وتتساءل الدكتورة ماغي عبيد، بعد هذا السرد والنقاش الطويلين عن النِّظام ما فوق الوطني، والشرعانية أو الشرعية، والشرعانية المنهجية، وعن الأمن والسّلامة، والعدل، والإنصاف، والقانون والأخلاق، ومراهنات الحريّةُ، وأزمة الديموقراطية، هذه المسائل الإشكالية التي كانت وما زالت عُقَدًا وعقباتٍ في مسيرة التطور البشري إلى كماله المنشود.

وترى الدكتورة عبيد أنّه مع قيام الثورتين الأميركية والفرنسية في القرن الثامن عشر، والمساعي تدور حول القيم الأساسية في المجتمع الغربي من خلال حقوق الإنسان، ولا سيّما أنّ أساسها ينطلق من القانون الطّبعي، مع أنَّ الاتجاه ينحو بها في الوقت الحاضر، باتجاه صياغة هذه القيم، في نصوص قانون وضعي محددة، وأساس أسلوب هذه المحاولة مستقىً من القانون الطبيعي، ولعل التطور الحاصل الساعي لتضمين حقوق الإنسان الأساسية في صيغة فوق قانونية، أممية أو كونية، يتمثّل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والمعاهدات الأوروبية لحقوق الإنسان، ولعلّ أهم الحريّات التي تمَّ تناولها ودراستها، حريّة التعاقد، والتملّك، والكلام، والعمل، والتحرّر من الحاجة، والضمان الاجتماعي، والصحافة، والدين، والحرية الشخصية، وحقوق الإنسان وحمايتها دوليًا، وحق التجمع.

إنَّ فلسفة القوانين، والعمل على تحديثها في استنتاج الدراسة تتطلَّب ورشة عمل تبدأ، لكنها لن تنتهي حيث على الإنسان أن يعمل بنشاط وتجدُّد، وهنا يحضرنا تساؤل تلقائي: هل قوانينا اللبنانية تتلاءم مع مفاهيم التشريع؟ وتجاري العصرنة وتواكب مستجدّات الحضارة، أم أنّ قسمًا منها عفا عليه الزمن؟ هذه الأسئلة البديهية والمنطقية، يجيب عنها رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه بري في تقديمه لهذا الكتاب، بقوله: «إنَّ فلسفة القانون، هي عقل ووجدان القانون، وهي الوسيلة التي تفسّر العلاقة بين القانون والمعتقدات، والتصرفات والسلوكيات، والحياة برمّتها».

سُمُوُّ الرّوح في تقاسيم سناء البنّا

لا تملُّ الشاعرة سناء من إعلان استحالة العيش بلا شِعر. هو ذا ما تشعر به وأنت تطوي الصّفحة الأخيرة من ديوان سناء الجديد. من يستطيع أن يحيا حياةً لا يحبها؟ من يستطيع أن يعلن الانتصار على ليلٍ أسودَ أسدل كلّ الستائر المُمْكنة؟ من يستطيع أن يعيش بلا جسد؟ وحدها سناء تفعلُ ذلك بامتياز، وكما لم أقرأ لأحد من قبل، أمّا سلاحها فبسيط وهو: الشِّعر. هل رأيتَ جسداً لا يخصّ صاحبه! تلك هي علاقة الشاعرة سناء البنّا بجسدها، علاقةٌ لو طُلِب إلي أن أصفها لقلت إنّها «الرّفقة المُستحيلة». الجسد قناع، لا بدّ لنا به. أكثر من ذلك، لا نريدُه، لا نرغبُ به. كلّما امتطينا عربة الشِّعر واقتربنا منه، فرَّ منّا. لا شيء يستطيع أن يميّز بين الجسد – المقدّس، والجسد – القناع مثل الشِّعر… وهو ما تفعله سناء. هي تُسقط بالشِّعر الجسد – القناع وتلتصق أكثر بالجسد – المقدّس. هي ذي قوة الشِّعر، وتفرُّده. فلنقرأ سناء:

«لم أجدْ غير جسدي يفلتُ من بين ذراعيك هارباً،
حين خلعتُ القناع،
بادرني وجهي بالسؤال:
لمن ترسمين النّهاية المُباغتة؟
يا امرأةَ الفرارِ الطّاعنِ
كم أنتِ خائبة!» (ص 131)

تُظهرُ مجموعة سناء البنّا الجديدة هذه أشياء كثيرة، منها أوّلاً، وقبل أيّ شيء آخر، ما يخصّ الشاعرة بالذات، وهو أمر طبيعي، إذ لا يمكن فصل الشاعر عن شعره، حتى إن لم يتقصّد ذلك، وأحياناً لا يريده. وهو مدار هذا الكلام، وسأعود إلى هذه النقطة إلماحاً فقط، إذ المقام مقام احتفاء واحتفال وليس التحليل والتفصيل كما نفعل عادة حين نكتب مطارحاتنا النقديّة. إلّا أنَّ ما أودُّ لفت النّظر إليه، هو أنَّ مجموعة الصديقة سناء الجديدة تُظهر بوضوح قوّة الشعر عند سناء، وقوة حاجتها إليه، بل والدرجة العالية التي يحتلّها وإلى الحد الذي لا يستطيع أيّ نوع أدبي آخر أن يقوم مقامه أو يأخذ وظيفته ودوره في تجربة سناء. أليس ذلك ربّما ما دفع هيجل، أعظم الفلاسفة بعد أفلاطون وأرسطو، إلى القول: إنّ الشّعراء الحقيقييِّن هم أنصاف آلهة. وسأشرح فكرتي.

لا أعتقد أنّ أي نوع أدبي، عدا الرّواية، أصعب الأنواع الأدبية ربّما، كان قادراً أن يحمل بأمانة ودقّة طوفان مشاعر سناء الجيّاشة: أنينها، حنينها، إحساساتها المُعلنة، رغباتها المستحيلة والمكبوتة، انفعالاتها الغاضبة، زفراتُها الحَرّة، ذكرياتها المُرّة، بل ما تحت ذلك من أحاسيس قد لا تجد الكلمات المناسبة المقابلة لها أو القادرة على نقلها أو وصفها.

مرَّة ثانية، هو ذا ما يفعله الشعر، أكان عموديّاً أم حُرّا، فصيحاً أم عامياً، لا فرق. فالشعر الحقيقيُّ شعرٌ أيّاً كان شكله، والشعر غير الحقيقي، المُصطنع والمُفتعل، شعر ركيك، بل لا شعر، وكيفما انتظم عقده – وقد دلَّلتُ على ذلك في كتابي «في الأدب الفلسفي» قبل ما يقرب من أربعين عاماً، حيث أظهرتُ بالتّحليل والدليل أنّ أضعف شعر جبران خليل جبران (مثلاً) هو قصيدته المواكب (رغم غناها بالأفكار المُهمّة، لكنّ الأفكار لا تصنع وحدها الشعر). وبيّنت من ثمّة أنَّ معظم ما خطّه قلمه أو ريشته كان شعراً في الحقيقة وتجاوز بكثير قصيدة «المواكب». وهي أيضاً خصوصيّة جماليته غير المُبتذلة أو السّطحية أو الظاهرة افتعالاً: فبعض قوّة الشعر هي حين يُلمِح لا حين يُفصِح، وحين يدعوك إلى وليمته «السرّية»، لا حين يقدّم لك أطباقاً جاهزة، مُعلّبة، مكرورة، وقد شاهدتها وذقتها ألفَ مرّة. قوّة الشِّعر في عُذريّة صُورِه حين لا شيء يشبهُها، لا صورَ أُخرى تشبهُها، بل حين لا صورةٌ تشبه صورةً أُخرى.

ربما يُفاجأ البعض حين أختم كلمتي الاحتفائية هذه بالقول: إنّ سناء فعلت ذلك كلَّه، وإنّ شعرها كان بالفعل ذلك كلّه، وربما هي نفسُها لم تنتبه لذلك. في شعر سناء، وبمعزل عن الأفكار، وشعرها لا يقع في باب شعر الأفكار، ستجد من الأحاسيس والطقوس والمشاعر والأسرار ما لا يُعبَّر عنه إلّا بالشعر. لحظةُ سناء الشعريّة غنيّة على نحو غير اعتيادي، ومشحونةٌ بكثافة حِسيّة أو «مَلمسيّة» قلَّ نظيرُها، ولنقل بالغة الغنى والتّعقيد. ولا تخدعنّك نبرتها الخافتة. نبرةُ سناء الخافتة هو الإغواءُ كيما تدخل إلى عالمها، ولتكتشفَ من ثمّة مدى ثراء عالمها الدّاخلي وتفرّده.

أكتفي من بين عشرات فقرات هذه المجموعة بأن أقرأ لسناء قطعتَها اللّافتة، رقم 30، ص 27، تكتب سناء:
«وكان أن دعاني إلى وليمة،
كان المذبح مُمَدَّداً
كأنّه المطافْ
آخر الخطايا…
والحطامُ مُغطى على كرسي الاعتراف،
طَوفٌ وطَواف…
وليس لي غير قدمين حافيتين
تتعانقان في نسج خطوات خائفة…
في مخبوء الهيكل مدفنٌ، وعينٌ راصدة، وتُرَّهات….
زاخرةٌ بأدوات الصّلاة الأوّلية،
زيْتٌ وبخور فوق الجمر…
ويدا راهبٍ خفيّ ترسم المكان بأجراس شَبِقَة،….
أسكرني عِطرُ يَديه،
أوهمتني أصابِعُه أنّ الجسدَ رداء،
فخلعتُه…

ومارسنا الصّلاة في الخبايا
كلٌّ على وسادة،
على طقس فوق أوثان العبادة…..
في حضرة الجسد
تتقمّص روح الأنبياء…» (ص 28-29)

إذا كنتُ أفهمُ الأمورَ جيّداً فاللّوحة أعلاه لا ينقصها شيءٌ لتكونَ لوحةً سرياليّة خاصة بسناء…. ولن يجلو سرَّها إلّا سناء. وكذا في تساؤلاتها الكونيّة العميقة، اِقرأ معي في الفقرة 31، ص 30، بعضاً من نصٍّ طويل، تقول:

«حين اعتراني إحساسُ وجودي،
دخلتْ دوائرُ الصّمت من ردهة المعنى
كما زقاقٌ على بوابة كونيّة….
كأنّي امتلكتُ نفسي على يابسة شاسعة…
فهمتُ أنّي لستُ وحدي حليفةَ الفراغ المُمْتلئ وجوهاً
وحكايا وانشطارات…» ص 30

هذه عيّناتٌ فقط رغبتُ أن أُظْهِر من خلالها قوّة شعر سناء وعمقه، والفكرة تغدو جليَّة كلّما تقدّمنا أكثر في مجموعتها… ولن ينفعَ الإلقاء في شعر سناء، فهو شعرٌ جُعِلَ ليُقرأَ مرّتين وثلاثاً لِسَبر غورِه وإخراجِ ما استَتَر في قاعه السّحيق من انفعالات وذكريات وأحاسيس أقرب إلى اللّاوعي منها إلى الوعي. وفي كلّ الأحوال، وَبِثقة أقول، شعرُ سناء هو سناء بجسدها وروحها، بحُلوها ومُرّها، بانكساراتها الكثيرة ونجاحاتها القليلة، باندهاشها وخوفها، بحزنها وفرحها، وإنْ بدا كما قلتُ أقرب إلى لا وعيٍ لا سلطان لها هي نفسها عليه. مبروكٌ جديدُك سناء البنّا، وفي انتظار المزيد.

فؤاد الخشن

شــــــاعِرَ الرّيفِ وزَهـــــر اليـــــــاسمينْ والـــــهوى البِكْـــــرِ وَرَعْشَـــــاتِ الحنينْ
قُــمْ إلـــــــى الـشعْـــــــر تَبــــــوأْ سُــــــــدَّةً أَنْـــتَ فيـهـــــــا رائـــــــدٌ للـمـحـدِثـيـــــــنْ
إنّمـــــــا الشـعــــــــرُ لآلِــــــــئَ صُغــتَــــــــهُ من فتِيْتِ المِسْـــكِ فــي صِدْقٍ ولِيــــنْ
يستريـــــحُ السِحْــــرُ فــي ألـفــــــاظِــــــهِ مثلـمــــــا العِطْــــرُ بِزَهْــــرِ الياسمـيــــنْ

هذا هو فؤاد الخشن، كما عَرَفْتُهُ شخصياً، أَحَد كبارِ شعراءِ الضاد في القرن العشرين، وممّن نبغوا فتركوا آثاراً شعريّة بعدهم تدُلُ عليهم، خالدةً على مَرِّ العصور، بشهادة أكبر الشعراء اللبنانييِّن والعرب، «الأخطل الصغير»، «عمر أبو ريشة»، «الدكتور محمَّد مندور» «سليمان العيسى» وغيرهم. وفي هذه المقالة نحاول التذكير به، فلم يكن يؤتى على ذكره في وسائل الإعلام بما يتناسب مع ما أعطى من إبداع وتميُّز.

وُلِد فؤاد الخَشن يوم 13/1/1924 في بيروت، ولكنْ عندما هاجر والده إلى البرازيل عام 1926، عاد مع جدَّته ووالدته وأخيه إلى ضيعتهم الشويفات. هذا الريف الرائع الواقع بين الساحل والجبل، عرف طفولةً سعيدة، أغنت نفسه، وأَثْرَتْ مُخيّلتَهُ في سنوات عمره الأولى، وإلى أن استوى رجلاً متين الشخصيّة، لم ينفكّ إبّان تفجُّرِ موهبته، شاعراً يغرف من بحر، عن أن يسجّل ذكرياته، وأحاسيسَهُ، وافتتانه بجمال الطبيعة الريفية: «كنا نُمضي فرصَنا المدرسية، شاردين بين الكروم والضهور، تحت أشجار الصنوبر الفاتحة مظلاتها المخملية الخضراء مهسهسةً باحتكاك إبَرِها العطرية الدقيقة… أو في «وادي البير» حيث نمتّع البصر ربيعاً بالنجوم البيضاء المعلّقة قناديلَ صغيرةً على أشجار اللوز، وعقوداً على أشجار المشمش، ونسرق ما يطيب لنا من ثمار بستان العم حامد»… أمّا في مواسم قطاف الزيتون فكنّا نرافق الأهل إلى غابة الزيتون الواسعة الممتدّة بين الشّويفات والبحر، بحيرةً من الخضرة الدائمة، وهذا قبل زحف الفيل الحديدي عليها من مدينة أقفاص الإسمنت ليُردي أكثر أشجارها الدهريّة… أشجار الخير والنور والبركة… وها هو في قصيدة بعنوان «أصداء» في صفحة 36 من ديوانه، يتغنّى بالريف
كما كان يراه:

أنـــــا مــــن ريـــــفٍ علــــى تلك الرُبــــى أســبــــــغَ الــلــــــــــهُ عـلــيـــــــه فِتَــــنَـــــــهْ
نَشَـــــــــرَ الضّــــــوءَ عـلــــــــى تُرْبــتـــــــــه وبـــــأَزْهــــــــــارِ الأمـــــــــــاني زَيَّـــنَــــــــــهْ
أنــــــــا من أرضِ رُعَــــــــاةٍ جَـــــرَّحـــــــوا سَحْبَــــــةَ النـــــــاي الحـنــــونِ المُحزِنةْ
مـــن جـــــدودٍ عصــــــروا الكرْمَ دَمـــــــاً سَكِرتْ منــــه الـخـــوابـــــــي المدْمِنَــــةْ
وعلــــــى سُمْــــرِ الــــدوالـــــــي كـتـبــــــوا شِـــــرعة الحُـبِّ وخَــطُّـــوا سُنَـنَـــــهْ

وبعد أن عاد والده من البرازيل عام 1939 أعادَ العائلة إلى بيروت حيثُ تتلمذ في «مدرسة حوض الولاية» على يد الشيخ راشد عليوان اللغوي والشاعر. وهنا كتب أول قصيدة له باللغة الفصحى، وكان عنوانها «بلبل»، لحّنها وغنَّاها رفيقه في الصفوف الابتدائية ومطرب الإذاعة اللبنانيّة خليل عيتاني، ثم أعقبها بثانية بعنوان «ذكريات» نشرها في مجلة «المعارف» لصاحبها الشويفاتي «وديع نقولا حنَّا»، وعندما أصبح في الصفوف التكميلية، أعلنت «محطة الشرق الأدنى» من يافا، عن جائزة لأجمل قصيدة مترجمة عن الإنكليزية أو الفرنسية. فكانت المفاجأة الكبرى أنّه فاز من بين مئات الشعراء بالجائزة الأولى، بترجمته قصيدة «الخريف» للشاعر الفرنسي لامرتين، الذي عَشِقَ شِعْرَهُ، رَدْحاً من الزمن، بتأثير من زميله، الكاتب في ما بعد، محمّد عيتاني. وفي عام 1944 عندما أصبح فؤاد الخشن طالباً بدار المعلمين، راح يقرأ بِنَهَمٍ، بودلير، ورامبو، وفرلين، وفاليري، بلغتهم الأم، ويقرأ بترارك، وشلي، وبيرون، وطاغور مترجَمين إلى العربية، كما راح يكتب بعض القصائد التي كان منها قصيدة «الراقصة السوداء التي أعجبت أستاذَه في الرسم، الشيخ قيصر الجميٍّل، صاحب اللّوحات الرائعة، فرّسم لوحةً صغيرةً من وحيها وأهداها له:

نَمَّ عنها الستارْ…
طيفاً من الليلِ…
تمطَّى كلهثةٍ وتَرَقْرُقْ:
تتلوى التواءَ أفعى…
وتَنْزو تحت غيمٍ من الحرير
المُرَقَّقْ
تمسحُ الأرضَ مثلَ طيرٍ هلوعٍ
مَسَحَ الماءَ بالجَناح وحَلَّقْ
وتَمَسُّ الرُخَامَ مسّاً رفيقاً!!
مثلما اللّحنُ شاء أن تترفّق
وعلى غُلْمةِ الشفاهِ نداءٌ
رَفَّ من رِعشةِ الدماء وأَشرقْ

ثُمَّ قصيدة «إلى مُلهمتي الأولى» التي حَمَلَها بنفسهِ هذا الفنان الكبير، والوالد الروحي له، بحسب تعبيره إلى ألبير أديب ونشرها في مجلّته الهامة «الأديب» وعندما نُشِرتْ هذه القصيدة، ترجمها المستشرق البريطاني، والأستاذ في جامعة كمبريدج اللورد آربري إلى الإنكليزية، ثم اعتبرتها الشاعرة والناقدة سلمى الخضراء الجيّوسي أوّل قصيدةٍ حديثةٍ نُشِرَتْ في العالم العربي، وكان ذلك عام 1946، عام زواجهٍ من ابنة عمِّهِ الشاعرة أديل الخشن…

وبهذا يكون فؤاد الخشن بحق رائدَ الشعر الحديث في لبنان والعالم العربي. وفي عام 1951 فاز في مسابقة أجرتها محطة الإذاعة اللبنانية لأجمل قصيدة غزلية، وكان بين المتبارين بعض كبار المشاهير الذين غاظهم هذا الفوز. بعد قراءته، «الأخطل الصغير» و»أمين نخلة» و»عمر أبو ريشة»، و»سعيد عقل» و»صلاح لبكي»، وغيرهم من الكبار…. وتأثُرِه بأشكالهم وقواميسهم الشعرية، اختار لنفسه وهو في أواسط الأربعينيات شكله الشعريَّ الخاص الذي رأى فيه للشاعر مُتنفَّساً أعمقَ، ومدىً أرحبَ، بالتخلّص من القوالب الضيقة، والهلهلة، والتقرير، والوضوح المسطح، واعتمد التكثيف والتقطير، والبناء الهرميّ المتنامي بنغم سيمفوني متصاعد، والاستعانة للتوصيل غير المباشر، بالأساطير والرموز والغموض الآسر الذي يشعرُ القارئُ معه أنه يرى الأشياء بِسِحْرٍ أعمق من خلال غُلالةٍ نِصْفِ شفَّافة، أو قريةٍ تُغرِّدُ فيها سطوح القرميد، ونوافير النخل الخضر من خلال منديل ضبابةٍ صباحية… يقول بعض النقّاد إنّه لم ينَل الشهرة التي يستحقها، وذلك لزهده بالسعي لترويج اسمه، كما يفعل بعض الشعراء. ورفضِهِ السَعْيَ للتقرب بشتى المغريات من المسيطرين على أجهزة الإعلام من مكتوبة، ومسموعة ومرئية.

وفي عام 1951 كان فؤاد الخشن من مؤسّسي «أسرة الجبل الملهم» في شُلةٍ ساعدت على التغيير شكلاً ومضموناً في الأدب والشعر، بالقفز من تهويمات الرومنطيقية إلى جدِّيات الأدب الملتزم… ولقد عاشت هذه الأسرةً نحواً من سنتين… هاجر بعدها إلى فنزويلا مع زوجته هرباً من روتين الوظيفة. وفي هذا المغترَب النائي كتب قصائد قليلة، كان أهمها قصيدة حنين، التي قال نقيب الصحافة الأسبق رياض طه، في إحدى رسائله إليه، أنها أبكته… وقرأ فؤاد الخشن بإنعام شعراء أميركا اللاتينية، وإسبانيا باللغة الإسبانية، هذه اللغة التي قال عنها: إنها موسيقية، شبيهة بكرَّات الحساسين، وتغريد البلابل، وعلى ذكر الشعر وحالاته يقول: ليس لكتابته عنده ساعة معينة، وإن كانت ساعات الفجر الأولى هي ساعات الصفاء والتدفُّق، كما ليس لميلاد القصيدة مكان معيّن، فالمكتب، والعيادة، والحافلة والشارع يمكن أن تكون أماكن ولادتها غير المنتظَرة. وبعد ذلك راح يطوف في دنيا الله الواسعة، ويُدعى إلى أكثر مهرجانات الشعر العربية، وبزيارته الاتحاد السوفياتي «السابق» وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، شعر بانعطاف يشده من الغزليات والريفيَّات إلى كتابة الشعر الإنساني، والوطني، وكَرَّت حبات السُبحة بهذا النوع من الشعر وقلَّت الوجدانيات حتى نَدَرَتْ.

في عام 1966 كان للدولة اللبنانيّة التفاتها الوحيدة نحو منح جوائزها الأدبية للآثار الأدبية الصادرة عام 1965 – 1966، فكانت جائزة الشعر من نصيب ملحمته الشعرية «أدونيس وعشتروت» ثم أعقبتها جائزة أصدقاء الكتاب، عن منتخباته الشعرية التي صدرت عن دار المعارف، بمصر تحت عنوان «سنابل حزيران». وثمة بُعْدٌ آخر ينبغي ذكره عن فؤاد الخشن، وهو تضلُّعه باللغة العربية، وإتقانه الفرنسية والإسبانية، وتثقُّفُهُ الواسع في المسائل الأدبية والفكرية على اختلافها، فترى له خَوْضاً شعريّاً عبقرياً تُفاجأ به، ما يجعله جديراً بالمستوى السامي الذي بلغه، كما أنّه كان يؤكد مقدرته مراراً وفي كل أوان، على نظم الشعر المقفّى الموزون، كقصيدته إلى «الشاعر القروي» التي قيلت يوم الوفاء له من على منبر دار الطائفة الدرزية:

يـــــــا شـــــاعراً غنّـــــى بثورتـنــــــا التي مــــــا زال يذكرهـــــا الدخيــلُ ويُكـبــــرُ
فــــي يوم حَمْلَتِهِ علــــى «الجبل» الذي لا يُستبــــــاحُ لــغــــــاصـــب أو يـقـهــــــرُ
إذ هُوجم الجيشُ المقــيـــــــمُ بسهـلِـــهِ  والفجـرُ مفـتـــوحُ المــــــراوحِ أشـقــــــرُ
فـــــإذا الجــنـــــودُ مسمَّرون لـــذعـــــره بُكْمٌ… وفــرســـــانُ الــــدروز تزمـجـــرُ
وإذا بمــغـــــــوارٍ يحـمـحـــــــمُ تحــتَــــــــهُ ويَخِبُّ في الـوحــــلِ المخضَّـــب أبجرُ
يهــوي علــــى تلك الخصور… يقدُّهــا ويكُــــرُّ كــــالأســــد الغـضــــوب ويـــزأرُ
وعلى المـنـــــاكـــب من ضـــراوةِ سيفه تُــلــــــوى مُغَلَّـقـــــةُ الــــــرؤوس وتُبـتـــــرُ

وهكذا كان يكتبُ الشعر بكل معانيه، وكل أشكاله، مُقفّىً، وذا تفعيلة وحرّاً وموشَّحاً… فكيف يكون النبوغ الساطع. إن لم يكن هكذا وبهذه السويّة؟ زد على ذلك تبحُّره على طريقه المتصوّفين في العِلمين المادي والروحاني، كابن عربي، والسهروردي والحلاج، والفارابي.. فمراقي، العرفان والتوحيد.

كما في قصائده: «توحيد»، «شهقات في قنديل الشيخ سلمان»، و»صلوات الشيخ الأزرق»:

شيخي المتعبِّدُ ذو الثوبِ الأزرقْ
للعقل الكُليّ نذور
يفنى، صلواتٍ للمولى
ودعاءً ينداح غَمامَ بَخُورْ
لإلهٍ لا تعرف عيناه الغفوة
شيخي المتنسكُ يقْهَرُ في الخلوات النفسْ
والطينَ الهاجسَ… ثعبانَ الأمسْ
يتبتَّلُ للوجه الأبقى، بفُتات بالكِسراتْ
من خبز يُنْبِتُ أشجار العَفَنِ
مخبوءٌ تحت حصيرٍ رطبٍ
ويَبُلُّ الغُلَّةَ بالقطراتْ
من إبريق أعشبَ من أنفاسِ الزمن
ليصفّي الجسم الخاطئَ من أوشال الذّنب

فؤاد الخشن، يقول فيه المتفقّه في عِلم التّوحيد، الدكتور سامي مكارم: «إنّه يُنْشِدُ الحقيقة، وفي نشدانه لها، ينشدها أغنية أحدُ جناحيها خيال يطير به إلى خلوات الدُنوّ على حد تعبير الحلاج، وجناحها الثاني حبٌ هو بَدوٌ لعشقٍ إلهي تجلّى على قلب الشاعر لألاءً، هو سر الحياة الحق. وحتى نُدرك أكثر ماهية شعر فؤاد الخشن، ونبوغه فيه، فهو يتحلَّى على حد قول «عمر أبو ريشة»: بأصالةٍ ورقَّةٍ هما حِليَةُ الشعر ومطمحُ كلّ شاعر، إنّه يعرف كيف يُجنِّح الحرف ويُطلقه في دُنيا الحب والجمال، ليعود إلينا منه مُثقَلاً بالعطر والأنداء… هذا قليل من كثير عنه… فهل نكون أوفياءَ بَرَرةً به، فنُخَلِّدَه بما يستحقّ، على الأقل في مدينته الشّويفات أو في الوطن العربي الذي آمن به ودعا إلى نهضته؟

مبدعاتٌ استرجعْن آمالهنّ «المخطوفة»

تلاقيْنَ عند قارعة الطريق، وتراقصن بين حروف الشِعر وفلسفة الوجود. أديباتٌ، شاعراتٌ وفنّاناتٌ تشكيليّات من المجتمع التوحيدي المعروفي، تقاسمْن الآلام والأحلام، فأبحرْنَ في عالمٍ يعبق بالحبر والألوان. بات القلم رفيقهنّ والريشة خلاصهنّ لكسر ضجيج السكون وتحرير أفكارهنّ ورغباتهنّ المعتقلة داخل «سجون الصمت». نفضْن رائحة الحرب والدمار ومضَيْن على خطى الحب والسلام، فأبدعْن دواوين ونصوصًا شعرية وأدبية تمايلت بين الصوفية والغزلية، ومقالاتٍ وومضاتٍ استعادت حكاياتٍ وأمنياتٍ خطفها الزمن على عجل.

مبدعاتٌ كان لمجلة شرف لقائهنّ، كتبْن الوطن والهوية والانتماء وعبّرن عمّا ترتجيه المرأة من حقوقٍ ومساواة. تشاطرنْ عشق الحياة فبحثْن في جدلية الموت والوجود وصراع الخير والشر. سخّرن موهبتهنّ الشعرية والفنية للدفاع عن الإنسان فينا، ولسرد تجاربنا واختزال هواجسنا. سعيْن خلف الحقيقة والذات البشرية فَنَسَجْن قصائد ورسمْن لوحاتٍ قاربت مرفأ الحلم وأطلقت شراع تحرير النفوس قبل تحرير النصوص.


غادة الكاخي: أتغلغل في مسام الروح وأراقص حروف القصيدة
الكاتبة والشاعرة غادة الكاخي خطيبة المنبر.

تستهلّ الكاتبة والشاعرة والناشطة الاجتماعية غادة الكاخي كلامها لمجلة ، بتحيّة انحناءٍ واحترامٍ، قائلةً: «أنحني احترامًا لكلّ من يفكر بعقل قبل أن يتصرف بغباء، وتقديرًا لكلّ من يقدّر قيمة اﻹنسان في أخيه اﻹنسان. أنحني بمحبة لكلّ من يسعى لعمل الخير دون مقابل، وأنحني إجلالًا لكلّ من يساهم في خدمة المصلحة العامة».

انطلقت من بلدتها حاصبيا أكاديميةً عريقة تمرّست في تدريس اللغة الفرنسية ولا زالت في صفوف ثانوية «العرفان التوحيدية». تولّت تعريف وتقديم أكثر من احتفالٍ وندوةٍ وأمسية، حتى لُقّبت بـ «خطيبة المنبر». استهواها الأدب والشعر فنظمت أروع القصائد والكلمات. شاركت في مبارياتٍ عديدة لإلقاء الشعر فكان أن حازت جوائز تقديرية رفيعة المستوى وكسبت تنويهات كبار الشعراء اللبنانيّين والعرب.

في حوزتها أربعة كتبٍ قيد الطباعة، تندرج تحت عناوين: «ضجيج السكون»، «فواصل الكلام»، «كلمات ونبرات»، و»عبرات وعبارات»، فتقول في صفحاتها: «حين يوجز الحرف مأساة بحجم الكون… تنحني مطأطئًا رأسك، خجلًا من نفسك أولًا، وعاتبًا ثانيًا، وشريكًا في الجريمة ثالثًا…». وتردف: «علّمتني الحياة أﻻ شيء يستأهل دمعة واحدة… أن أهتم بالجوهر ﻷنه اﻷبقى، وأﻻ شيء يدوم، فدوام الحال من المحال والبقاء لله وحده، وما زلت طفلة صغيرة على مقاعد مدرسة الحياة، أتلقى فيها كلّ يوم درسًا جديدًا…
وأنتم ماذا تعلّمتم من الحياة؟».
«تربصّت بنا الحرب، فهجّرتنا ودمّرت مستقبلنا وبدّدت أحلامنا، والتحقنا كلٌ بجماعته، ببلدته، ببيئته»، تقول الكاخي بحسرةٍ وأسى، غير أنّها تستطرد لتعرب عمّا اختلجها من اندفاعٍ اجتماعي لخدمة محيطها، ولا سيّما الفئات المهمّشة والمستضعفة، فكان أن ساهمت في إنشاء جمعيات عدة تُعنى بخدمة الطفل ومناصرة المرأة في ظلّ ما تواجهه من حرمانٍ وعنفٍ وتمييز.
شغلت غادة مناصب إدارية عدّة، حيث عُيّنت منسّقة جمعية تنظيم الأسرة في لبنان في منطقة حاصبيا، وعضو اللجنة الثقافية في نادي الجبل الرياضي – حاصبيا، من مؤسّسي مركز المطالعة والتنشيط الثقافي التابع لبلدية حاصبيا، وهي عضو في جمعية «ميدال» – النبطية Midal Organization بالتعاون مع Mepi، وفي الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، إذ شاركت في مراقبة العديد من الانتخابات النيابية والبلدية وفي ورش عمل ودورات وندوات متنوّعة حول تمكين المرأة وتعزيز قدراتها.

تولّت الكاخي منصب مسؤولة الاتحاد النسائي التقدمي في حاصبيا، فكرّست خمسة وعشرين عامًا من حياتها لتمكين المرأة ومساعدتها على مواجهة التحديات، من خلال إقامة الندوات التثقيفية والتربوية والصحية والاجتماعية. زاولت العمل الحزبي كأمينة عقيدة في الهيئة الإدارية لفرع الحزب التقدمي الاشتراكي في البلدة، وشاركت في ورش عملٍ حزبية قيادية، قبل أن يرشّحها الحزب للانتخابات البلدية عام ٢٠١٦، غير أنّ المجتمع الأُبَوي كان بالمرصاد. وتقول: «لم أستسلم للمعوّقات بل واصلتُ النضال من خلال قلمي الحر حيث طرحتُ مجمل الشؤون الاجتماعية والهموم المعيشية، ما شكّل محطّ أنظار للصحافة ووسائل الإعلام التي استضافتني أكثر من مرة للحديث عن تجربتي ورسالتي للمرأة اللبنانية».

وتردف بالقول: «نحن في زمنٍ، ينتصر الباطل فيه على الحق، ليس لعجز أهل الحق في الدفاع عن حقوقهم بل ﻷنهم ﻻ يجيدون السباحة في الوحل وﻻ يتأقلمون مع العيش في المستنقعات، فيحيلون أمرهم إلى العدالة السماوية، كونها المنقذ الذي يمهل وﻻ يهمل… فعجبًا لزمنٍ ينصف هوامش الناس على حساب أشرف الخلق، وعجبًا لزمنٍ ﻻ يشبه أي زمن».

غادة، الزوجة والوالدة لثلاثة أبناء، تسطّر عبر تمنيّاتها وآمالها، فتقول: «جلّ ما أطمح إليه أن تكون حياتنا خبرة لبناتنا من بعدنا، أن تتحرّر النفوس قبل تحرير النصوص، أن تُحترم المرأة وتُنصف كما أنصفها الدين، أن تكرّس الأحزاب السياسية مفهوم الشراكة والمساواة فعلًا لا قولًا، أن تتعلّم وتعتمد على نفسها، أن تعي حقوقها في الشّرع وتُعامل على أساس الإنسان فيها، وبعد كلّ هذا، فهي حتمًا ستحسن تربية أبنائها وبناء مجتمع العدل والازدهار». وتختم شاعرة حاصبيا بنفحةٍ شعرية، فتقول: «دعني أتغلغل في مسام الروح، دعني أراقص حروف القصيدة وأهمس لعيون الليل الحزين إسهر معي، فلقد تعبت أجنحتي من ترداد اﻷنين…!».


رامونا يحيى: حياتي عبارة عن أقلامٍ وبعض ورق
الأديبة والشاعرة رامونا يحيى.

«كتبتُ ليس لأتحدّث عن الأنا، بل لأحكي بكلماتي حكايات كلّ شيء. لأكتب عن الحب، عن الفرح والحزن، فأصبحت حياتي عبارة عن أقلامٍ وبعض ورق»، بهذه العبارات تختصر الأديبة والشاعرة رامونا يحيى مسيرة حياتها وإنجازاتها الفكرية والثقافية في حديثها مع مجلة «الضحى». عشقتْ المطالعة والقراءة فكان الكتاب جليسها الدائم، رافقها شغف الكتابة فأبدعت منذ صغر سنّها ونافست كبار الشعراء والأدباء.

«منذ المرحلة التعليميّة المتوسطة كانت الكتابة ملجأي إلى أن أصبحت هويٍّتي وفضاء خلاصي الذي يحتويني بعيدًا عن ضوضاء الحياة وصخبها»، تقول رامونا التي اختارت أن تصدر ديوانها الشعري الأول تحت عنوان «كلمات»، واصفةً إيّاه بأنّه «مشروع جنونٍ لا يمكن أن يكون إلا فوق العادة، كما كلّ شيء أحب أن أكونه». نالت دبلوم فلسفة من الجامعة اللبنانية، عملت في مجال الإعلان والتسويق ومارست مهنة التدريس وساهمت في الأبحاث والدراسات الفلسفية، قبل أن تبحر في كتابة خواطر ومقالات وقصائد شعرية احتلّت مساحةً بين سطور الصحف والمجلات المحلية والعربية ومختلف وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي.

في جعبتها العديد من المقالات الفلسفية بينها: تأثير اللّغة على الفكر، السؤال عن معنى الكون، الفلسفة وإبداع الأفاهيم، فلسفة الحوار النقدي، الحرية في التفكير والاختلاف حق طبيعي، علاقة الفن بالأخلاق من الناحية الفلسفية. كما تنوّعت قصائدها بين «اللقاء المنتظر»، «لقاؤنا الحياة»، «أغنيات المنى»، «حلم البراءة» و»رماد الحلم «، لتمتدّ إلى مقاربة «جنون العشق»، «حكاية الأحلام»، «ذاكرة الحلم» و»اللّيل والرحيل». وتختصر يحيى مشاعرها بقصائد عديدة بينها: «أحلام قلبي»، «دموع الفراق»، «حين فقدتك»، «فسحة رجاء»، «كنت وحيدة»، «صمتي أحبّك»، «العمر العاشق» و»أسطورة الهوى» إلى «حكاية الأحلام والسنين»، «لغة العيون» و»رحيلك واغتيال الأماني». كتبت رامونا، الشاعرة والأم، عن الحزن والفراق وعن الحب والأمل:

«بكّرت طيور الحزن في القلب الذي مازال يرنو للأفق تمضي رياح الحب بين عيوننا لنعيش أزمنة الأرق لا وقت للأحلام في هذا الجنون، في هذا الشبق
البحر صار أمامنا والحزن يركض خلفنا أين المفر من الفراق؟
هي لحظة سنكونها، أو لا نكون … كلمح برقٍ قد برق الوقت ليس بوقتنا حلم البراءة ينتهي والفجر خاننا وافترق لكنكَ… ما زلتَ في عينيّ بدءًا للمسافة والطُرق».

تختزن إبنة بلدة البنّيه في الشحار الغربي، ثقافةً عميقة وشخصية متجذّرة، أثمرت كتاباتٍ متنوّعة وجريئة لامست أحاسيسنا وقاربت أحلامنا بإنسانية وجدلية راقية. فتجدها تقول في قصيدة «حنين العودة»: «إذا أتيت في غدٍ بغير موعدٍ/ لا تسألني ما الذي أتى بي هكذا بلا سبب/ وتُفلت اندهاش وجهك البريء في ملامحي/ فسوف تلمحني أحار في الجواب! / وربما أحاول الكذب/ لا تفعل… / وإنما ابسم لوجهي الحزين ما استطعت/ فإنني شبعتُ من عبوس كلّ من قصدته/ ومن جهامة انتظاري عند بابه/ وهدّني التعب!».

شاركت رامونا في العديد من الأمسيات الشعرية والفعاليات الثقافية على صعيد لبنان والعالم العربي، فكانت خير ممثلٍ للبنان والمرأة في شتّى المنتديات الأدبية والفكرية. عُيّنت مؤخرًا مديرة مكتب جريدة «السياسي الدولي» في بيروت ومديرة ‎مكتب مجلة «أمارجي» الأدبية في بيروت.‎ شاركت في إصدار ديوان «شهرزاد» عن دار «أمارجي السومرية»، والذي تضمّن سيرًا ونصوصًا لمجموعة من الأدباء والشعراء العرب.
حازت شاعرتنا شهادات تكريميّة من الدرجة الأولى ودرع «الإبداع والتميّز» عن أفضل مقالة أدبية من مجلة «أمارجي الأدبية»، كما مُنحت وسام «التميّز»، تقديرًا لانسيابيّة شِعرها وجمال قصائدها وعمق كتاباتها. فتقول: «يمضي الزمان والأرض نفس الأرض/ لا شيء يحدث أو سيحدث/ كلّ ثانية تمرّ بنا كما مرّت/ وتتركنا…وتنظر في ازدراء/ ماذا بوسع النائمين/ وليلهم يحلو مع الأحلام والهمسات/ وهل لاحظت…أنّ مسافرًا لم يستطع صبرًا على الذكرى/ يفارقها/ ويُمعن في البكاء؟». وتختم يحيى بالقول: «أحرارٌ ولكن تبقى بعض مشاعرنا في سجون الصمت مقيّدة».


سناء البنّا: لن أكون امرأة في آخر سطر الأنوثة
الشاعرة سناء البنّا.

«قاسيةٌ ورهيفةٌ سناء إلى حد الجنون، نصّها يباغت صورتها لتدرك أنك أمام احتمالات من الانشطارات والخيبات المتلاحقة، يحتوي عالمها الكثير من الألم، يبدأ بطفولتها وصولًا إلى رحلتها مع الشعر. سناء امرأة قلقة، يتحول هذا القلق خوفا في لحظة انسيابية عطرة تعيشها، كأن الموت دَيْدَنها أو كأنها في رحلة مع الغياب…». كلماتٌ استهلّها ناشر الديوان الثالث للشاعرة سناء البنّا، الصادر عن دار «فواصل للنشر» تحت عنوان «أشجار الليل – بين العرف والعقل».

ترعرعت سناء في المتن الأعلى وسط بيئة مختلطة تلاقت تحت سمائها مختلف الأطياف والمذاهب والانتماءات الحزبية والسياسية. قرأت القرآن والإنجيل. أمضت حياتها بين الكنيسة والخلوة والمسجد، قبل أن تندلع الحرب الأهلية اللبنانية بما حملته من مآسٍ وجراحٍ جعلت من طفولتها طفولة عابقة برائحة الحرب والدمار، ومخيّلة مثقلة بالتساؤلات والإشكاليات. طرحت في قصائدها وكتاباتها جدليّة الحياة والموت، وتعمّقت في مسألة الوجود والعدم وصولًا إلى صراع الخير والشر. وتنوّع شِعرها بين الحديث عن الإنسان والوطن والانتماء، إلى التناغم مع مشاعر الحب والذات البشرية.

أتقنت الكتابة الشعرية الصوفية، فمزجت بين إحساسها الراقي واللاوعي الحقيقي، حتى اختلطت كلماتها وحروفها بالفلسفة والرؤية الوجودية، فكانت سبيلًا نحو الارتقاء بالنفس للاقتراب من الخالق. تُرجمت بعض قصائدها إلى اللغة الألمانية في أنطولوجيا الشعر اللبناني- الألماني، معهد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة «بون»، كما تتمّ حاليًا ترجمة بعض كتبها. وتقول البنّا في حديثها إلى مجلة «الضحى»: «الشاعر لا يمكن أن يصنع قصيدته، بل يبدعها حين تفرض نفسها عليه، وتلحّ لتشكّل أسلوبها. كما لا يمكن فصل الشعر عن بقية العلوم الإنسانية ومنها الفلسفة، ولا بدّ من مساحات تأملية تتناسب مع طبيعة الحياة، ولو كانت شطحات خيالية وفلسفية وفكرية بثوبٍ شعري جميل».

«… وأرقصُ في خفة رصاص
طاعنةً في الموت البليد
كشعلة قنديل مغمور بالشموس
وتنهمر موسيقاك الجنائزية رشيقة
ترشقني بلسعة صوت
أموتُ وأحيا مرارًا
ثم أموتُ حتى المنتهى الملقب بالعدم
تأتيني بالدمع والكفن
وكفين فوق جبيني من تراب اللا ندم
وأنا مكاني أرقص حتى الشجن
لا أراك، ولا تراني».

كافحت إبنة بلدة الخريبة المتنية من أجل ترك بصمة نسائية عربية مميزة، فتطرّقت في قصائدها إلى وضع المرأة اللبنانية والعربية، معتبرةً أنّها «بحال أفضل ممّا كانت عليه، لكنها لا تزال في وضع صعب. وعلى الرغم من الحضور النسائي العارم في جميع المجالات والحقول العلمية والأدبية والإبداعية، إلا أنها ما زالت مضطهدة من قبل المجتمع والسلطة الذكوريين، ناهيك عمّا تتعرّض له من عنفٍ وقسوة في الحياة الأسرية وما تلاقيه من تشرّد ومعاناة جرّاء الحروب والأزمات». وبين سطور شِعرها تحاكي البنّا دور الرجل تجاه المرأة، وتحارب بشراسة عندما يكون اضطهاد المرأة العنوان الأساس.

في ديوانها الأول «آدم وتاء الغواية» الصادر عام ٢٠١١، جمعت قصائد متراكمة من مراحل عمرية مختلفة كان معظمها بين العاطفية والوجدانية، بحيث عالجت طروحاتٍ تخطر في بال كل أنثى تدرك أهميتها الغائبة في مجتمع ذكوري. وفي مجموعتها الشعرية الثانية «رسائل إلى مولانا» – ٢٠١٥، تبحر سناء في الفضاء الصوفي. ويشير الغلاف الداخلي للكتاب إلى مولانا جلال الدين الرومي، حيث تقدم رسائلها على شكل مقاطع متتالية منفصلة متصلة معًا، دون ترقيم ودون تسمية. فتقول الشاعرة: «أدورُ في مدارات النفس بين أذرع متصوف / وأبتهل لأصابعه تدغدغ حواسي / ما زالت ظلالكَ تطوف هنا في كل الأمكنة / فوق رعشات شرشف السماء / فوق الجدران».

وتقف البنّا في ديوان «أشجار الليل – بين العرف والعقل» على ٣٨٠ فرزة حكمية أو تجاربية عايشتها خلال حياتها الاجتماعية والثقافية، بحيث تخوض صراعها مع الحب اللطيف، والوجود الكثيف بين المرأة والرجل، والثقافة والأدب وكل ما هو ضد العقل، محوّلةً الإشارات والأفكار إلى جماليات أدبية تذخر بالمعاني مثل: «حبيبي كالظل، دون ملمس أو كثافة، يدور حولي، ويختفي».


الفنانة التشكيلية الدكتورة هناء عبد الخالق.
هناء عبد الخالق:

أحلامنا لوحاتٌ تهيم في الأفق البعيد

بدأت مسيرتها الفنية بشغفٍ عندما قررتْ العودة إلى الجامعة وهي أمّ لثلاثة أبناء، ليس لشيءٍ سوى لتحقيق حلمٍ طالما تمنّته بعدما أعاقته الحرب الأهلية اللبنانية. فكان أن تبلور الحلم وتمخّضت معه لوحات ومعارض ميّزت الفنانة التشكيلية الدكتورة هناء عبد الخالق، حتى باتت علامة فارقة في مجال الرسم والفنون. انضمّت إلى نقابة الفنّانين التشكيليّين في لبنان وانتُخبت مؤخرًا أمينة للسر لدى جمعية الفنانين اللبنانيّين للرسم والنحت.
أدركت إبنة بلدة الجاهلية اهتماماتها ورغباتها، فقرّرت خوض التجربة وكان أن قادها الشغف والإصرار إلى مقاعد الدراسة محاطةً بدعمٍ معنوي من عائلتها الصغيرة والكبيرة. اجتازت المرحلة تلو الأخرى فنالت شهادة الدكتوراه في الفن وعلوم الفن وعادت إلى الجامعة اللبنانية أستاذة جامعية محاضرة في كلية الفنون والعمارة – الفرع الرابع، لترسّخ بذلك نموذجًا في المثابرة والنجاح. «لم تكن الجامعة والدراسة عبئًا، بل كانت متعة وفائدة يكتنز منها عقلي وتتفاعل معها
أحاسيسي، كل هذا كنت أستعيده مع كل لوحة أبحث عنها، مع كل فكرة أجهزت علي وأطاحت النوم من عينيّ حتى تقترن بالتنفيذ، عندها أشعر بالاكتفاء وبأن هذا ما كان ينقصني، وأعود لتهاجمني الأفكار وأبحث من جديد»، تقول عبد الخالق على صفحات .

في لوحاتها، تروي قصصًا وحكاياتٍ تتناغم فيها الألوان وتسافر بك إلى عالمٍ من الإبداع والخيال، وتطرح في معارضها مفاهيم مبتكرة ومتجدّدة. ففي معرضها الفردي الأول عام ٢٠١٠ بعنوان: «انعكاسات Reflexions»، خرجت عن التوصيف المادي للمنظور، وطرحت تجربة محض ذاتية فيها إحساس قويّ باللون والضوء ومعالجة تفصيل معيّن. وتشرح الدكتورة هناء بالقول: «المقصود هو رؤية ما لا يرى، فالذهن البشري ينشغل عادة عن التفاصيل إلى صورة العامة، هكذا تتوارى تلك عن العين حتى المهمة منها. إن تدريب العين على البحث عن التفاصيل في الأماكن التي من حولنا، يقودنا إلى اكتشافات بصرية مذهلة تكتشفها العين قبل اليد، ونحسّها من داخلنا قبل ترجمتها».

عام ٢٠١٤، أقامت إبنة الشوف معرضها الفردي الثاني بعنوان: «أحلام في زمنٍ هارب»، التقطت لحظات طفولتها التي انتُزعَت منها عنوة، فتنوّعت لوحاتها بين «أحلام ورقية»، «مرفأ حلم»، «لحن هارب» و«أحلام ليلكية»، وجاءت رسالتها لتقول: «أنا امرأة من جيل الحرب الأهلية التي أبعدتني عن مكانٍ عشقته وترعرعت به طفلة. كانت الحرب بدايةً هي الخاطفة لأحلامنا وأمانينا، فأردت استرجاعها عبر اللون وجسّدتها من خلال الطائرة الورقية التي كانت رمزًا للطفولة الحرة. كنت أركض خلفها لتعلو في الجو وتكون حرة، ومن خلالها تطوف عيناي وتهيم في الأُفق البعيد. فكان الهدف الأسمى للمعرض إطلاق صرخة مفادها: «أوقفوا الحرب لنسترجع ولو ظلالًا أحلامنا. إلى متى سيبقى الظلّ قائمًا بداخلنا إذا لم يرَ للشمس بزوغًا؟».

أمّا معرضها الفردي الثالث عام ٢٠١٩ بعنوان «رؤى محدبة»، فتتناول فيه فكرة المرآة المحدبة Miroir Convexe التي تعكس صورة مفارقة للواقع، بالغة الإثارة ومحرّكة فعّالة للخيال. «أردتُ في معرضي أن أتقصّى ذلك الخيال الوهمي الذي لا يخلو من دلالاتٍ مجازيَّة وشعريّة يُغْنِي عالم الفن، وينقل الرؤية من المشهد الجامد إلى الحركة المتنوعة التي تُكَبِّر الصورة أو تُصغِّرها كلما غيّرنا زاوية النظر واقتربنا أو ابتعدنا من بؤرة الأشعة»، تستطرد عبد الخالق، وتضيف: «تنقلنا المرآة المحدبة إلى مستوى التجربة الإنسانية الحيَّة والمعيشة، حيث يتضخم أشخاص ويتقزّم آخرون، بفعل المايسترو اللاعب بالمرآة، وتضيع الحقيقة التي نشقى في البحث عنها، ويتشوّه المشهد».

شاركت الدكتورة هناء أيضًا في العديد من المعارض المشتركة في لبنان والخارج. وتَعزّز شغفها بالفن مع كل رحلة قامت بها إلى أوروبا، بينها فرنسا، جنيف، إيطاليا وهولندا، حيث زارت باريس مرات عدّة حتى باتت تجاريها في الشغف والجنون، وتلمّست عظمتها محاولة الدمج بين النظري والواقعي، خصوصًا بعد بحثها في الماجستير عن تطوّر فن التجهيز في فرنسا الذي قادها إلى التعرف على فنون ما بعد الحداثة وتطورها. وتوالت أبحاثها في هذا المجال، حيث أصدرت لاحقًا كتابها الأول بعنوان: «فن التجهيز: إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي».


لارا ملّاك: الشّعر اتصالٌ كونيٌ بالجمال

«أيّتها الأنثى القابضة دائمًا على نار الجمال ونور الحقّ.. لكي تكوني امرأةً تشعّ بأنوثتها، ويكتمل في تكوينك رسم الله، ابحثي دائمًا عن وسيلتك الأجدى واهدمي بها الجدران.. حينها فقط سترين مرآتك صافيةً خاليةً من الشوائب، فينعكس فيها واقعٌ أجمل تنتفي فيه المسافات بين القلب والقلب»، بهذه الصرخة تناجي الكاتبة والشاعرة لارا ملّاك كل امرأة وتختزل رسالتها لها عبر مجلة .

من حارة جندل الشوفية، سطعت موهبة إبنة الثمانية والعشرين عامًا، فكان أن حصدت جائزة الإبداع من مؤسّسة ناجي نعمان الثّقافيّة عام ٢٠١٤ التي رُشح لها أكثر من ١٦٠٠ مؤلف من ٥٨ دولة. فالشعر في قاموسها «اتصالٌ كونيٌ بالجمال، وهو وسيلتي نحو اكتشاف نفسي، غير أني في هذا الاكتشاف أقترب أكثر من الآخر، وأهدم الجدران الّتي بنوها بيني وبينه».

أتقنت ملّاك فنون الشعر والأدب، فنهلت من لغتها الأم حروفًا وعبارات ونصوصًا شعريّة، قبل أن تصدر ديوان «أنثى المعنى» عام ٢٠١٧، الذي نشرت عقبه ست دراسات قصيرة أعدّها نقّاد لبنانيّون وعرب حول الديوان. وللكاتبة مقالات ثقافيّة ونقديّة وشعريّة نُشرت في مجلات وصحفٍ عديدة منها: اللواء، النّهار، البناء، الأنوار، الحصاد، ومجلة بوهيميا. كما أُجريت معها مقابلات عبر عددٍ من وسائل الإعلام والمواقع اللبنانية والعربية.

وفي ومضةٍ شعرية، تقول لارا:
«لكي أحبّك عليك أن:
تفهم حركة قصيدتي..
تجعل كلّ لقاءٍ بيننا بداية نصّ..
تزيد شَعري الطويل ملائكيّةً وأنوثة..
وبعدها إلى حيث جحيمك أمضي
يا أيّها الجالس على كتف المستحيل…».

ثابرت لارا منذ خمسة أعوامٍ على تدريس اللغة العربيّة في ثانوية رأس المتن الرسمية، بعد أن حصدت شهادة دراسات عليا في اللّغة العربيّة وآدابها وشهادة كفاءة في تعليم لغة الضاد، وهي تتابع حاليًا مرحلة نيل الدكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها.

الشابّة العشرينية التي حازت أيضًا شهادة الدبلوم في الشؤون الدوليّة والديبلوماسيّة، تشغل حاليًا منصب عضو هيئة إدارية في «ملتقى الأدب الوجيز»، حيث شاركت في تنظيم وإدارة مؤتمر عربي عُقد هذه السنة ضمن أعمال الملتقى في بيروت. كما نشطت ملّاك في مجال تنظيم الأمسيات واللقاءات الثقافية الشهرية في بيروت، وشاركت في ندواتٍ أدبية في كلّ من تونس وسوريا.
اختارها المركز الدولي لترجمة الشّعر والأبحاث في الصّين (International Poetry Translation and Research Centre) لترجمة ونشر خمسة نصوصٍ من تأليفها، سبق ونُشرت في لبنان عام ٢٠١٤، وذلك في الكتاب العالميّ للشّعر بنسخته الإنكليزية (World Poetry yearbook 2014). وهو كتاب يتضمّن نصوصًا شعريّةً لمئتي وثلاثة وستين مؤلفًا من مئة دولة، ويتمّ توزيعه على أهمّ المؤسّسات والمنظّمات الثّقافيّة والجامعات والمكتبات في أنحاء العالم. فلقد كانت ملّاك بين كتّاب عرب قلّة، الوحيدة من لبنان الّتي نالت هذا الشرف، آملةً أن تسهم دومًا في «نقل الكلمة العربيّة إلى العالم».
تنساب حروف ملّاك لتخطّ مشاعر وأحاسيس تختلجنا كلّ يوم، فتقول: «كأني المؤجّل إلى الغياب.. أموت كثيرًا كضربة فأس…»، وفي خاطرةٍ ثانية تتحدّث عن الغياب: «ينوءُ الغياب.. أنت هنا/ كأيّ كتابٍ/ تستريح.. / وأنا ضوءٌ وظلٌّ/ لا يلتقي فيّ إلا الأوان..»، وفي أخرى عن الحب: «أحبك انعكاس ماءٍ/ الضوء يلمع من غير بكاء.. / يكرّر نفسه/ ولا يطالب عينًا/ بملحها أو بمائها…».

الصفّ المعكوس

مقدمة

لقد غيرت ثورة الكمبيوتر والإنترنت والمعلوماتية معطيات التعليم كلها، بل إنها قلبت نظامه، ‏ومفاهيمه، وأساليبه رأسًا على عقب، فأصبح استخدام التقنيات الحديثة في التعليم ضرورة ملحة وليس اختيارًا، وأصبح دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية ضرورة عصرية، وليس امتيازًا أو ترفًا، إذ لم يعد ‏التعليم التقليدي يتناسب مع الجيل الجديد، ويتضح ذلك جليًّا من خلال تعلق الطلاب بأجهزتهم اللوحية وهواتفهم المحمولة الذكية، وغيرها من أشكال التقنيات المختلفة، فأصبح من الضروري أن تفكر المؤسسات التعليمية بشكل يحاكي ‏حاجات العصر وظروفه، من خلال توفير بيئات تعليمية مشوّقة وجذابة بما يتناسب مع اهتمامات الطلاب.

إضافة إلى أنه كثيرا ما يعاني المعلمون بعض الصعوبات مع طلابهم، على سبيل المثال:

  1. الفوارق الفردية بينهم، تُؤثِّر في سرعة الفهم والاستيعاب.
  2. الإغفال أو النسيان لبعض النقاط الرئيسة في الدرس.
  3. مشكلة الغياب وضياع فرصة حضور الدرس.
  4. عدم إنجاز الواجبات في المنزل بشكل كامل أو صحيح بسبب «نسيان» الطلاب بعض المعلومات أو المهارات التي تعلموها خلال الدرس.
  5. قضاء المعلم وقتًا طويلًا في إعادة الشرح داخل الصف أو خارجه لبعض الطلاب.
  6. عدم إيجاد المعلم فرصة للمناقشة أو إجراء بعض التطبيقات أو الأنشطة خلال الدرس لضيق وقت الحصة.

كل هذه التغيرات التكنولوجية والصعوبات وغيرها كانت حديث مُطوِّرِي التعليم في العالم وخبرائه، والتي أقيمت حولها مؤتمرات وحلقات نقاش عديدة لبحث الحلول المناسبة لها. ومن هذه الحلول الجيدة والمبتكرة طريقة «الصف المعكوس»:
Flipped Classroom / Classe Inverse.

نشأته

نشأت فكرة «الصف المعكوس» في الغرب حيث وضع إريك مازور «Eric Mazur» مبدأ تعليم الأقران عام 1980م، ووجد أن التعليم بمساعدة الكمبيوتر يسمح له بالتدريب بدلا من المحاضرة. وفي أوائل خريف عام 2000 استخدم محاضرون بجامعة ويسكونسن ماديسون فيديو لإلقاء المحاضرة بدلا من المباشرة، في دورة علوم الكمبيوتر. وفي عام 2001 تم تأسيس مركزين في ولاية ويسكونسن للتركيز على التعلّم عبر «الصف المعكوس». وفي عام 2006، قدَّم Tenneson وMcGlasson نهجا للمعلمين في البحث «متى يقلبون الصفوف؟ وكيف ينتجون طرقًا متعددة في «الصفوف المعكوسة»؟». وقدم بيل برانتلي Dr. Bill Brantley نموذجًا لـ «الصف المعكوس» في شباط 2007 في مؤتمر جمعية العلوم السياسية الأميركية. وفي عام 2011 طبقت مدرسة كلينتون ديل الثانوية / Clinton Dale في ميشيغان نموذج «الصف المعكوس» على سائر الصفوف.

تعريف «الصف المعكوس»

يعرّف «الصف المعكوس» بأنه التعلّم المعكوس في إطار «الصفوف المعكوسة»، وهو نموذج تربوي حديث تنعكس فيه المحاضرة والواجبات المنزلية بكافة أشكالها، ويُعتبر شكلًا من أشكال التعليم المزيج الذي يشمل استخدام التقنية للاستفادة من التعلم الذاتي واستغلال الوقت في الصفوف الدراسية لأداء الأنشطة والواجبات.

في السياق التقليدي يقوم المعلم بشرح الدرس، في حين يُترك للطلاب تعميق المفاهيم المهمة في المنزل، من خلال الفروض المنزلية، وهذا ما لا يراعي الفروق الفردية للطلاب. أما في نموذج «الصف المعكوس»، فيقوم المعلم بإعداد الدرس عن طريق مقاطع فيديو أو ملفات صوتية أو غيرها من الوسائط، ليطلع عليها الطلاب في منازلهم أو في أي مكان آخر، باستعمال الكومبيوتر أو الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي قبل حضور الدرس، وبهذا يتمكّن الطلاب عامة، ومتوسطو الأداء المحتاجون إلى مزيد من الوقت بشكل خاصّ، من الاطلاع على المحتويات التفاعلية مرات عدة وفي الوقت الذي يناسبهم، ليتسنى لهم استيعاب المفاهيم الجديدة. ويُعتبر الفيديو عنصرا أساسيا في هذا النمط من التعليم حيث، يقوم المعلم بإعداد مقطع فيديو مدته من 5 إلى 10 دقائق، ويشاركه مع الطلاب في أحد مواقع الويب أو شبكات التواصل الاجتماعي.

وُصِف هذا النموذج التربوي الحديث بمستقبل التعليم، لِكونه الطريق الأسهل إلى تكنولوجيا التعليم، والذي يَعْتَبر التفاعل المباشر بين المتعلّم والمعلم من جهة، وبين المتعلمين فيما بينهم من جهة أخرى، ركيزة أساسية لبناء التعلّم. هل يؤدي قلب الصف إلى «التعلّم المعكوس»؟

إن قلب الصف لا يعني بالضرورة أن يؤدي إلى «التعلم المعكوس»، وكثير من المعلمين يمكن أن يقلبوا صفوفهم من خلال تكليف الطلاب بقراءة الكتاب خارج الصف، أو مشاهدة مقطع فيديو مثلا. لكن الانخراط في «التعلّم المعكوس» يَحْتِم على المعلمين مزج المكونات الأربعة الآتية في عملهم F-L-I-P:

  1. بيئة مرنة: Flexible Environment.
  2. ثقافة التعلم: Learning Culture.
  3. المحتوى المقصود: Intentional Content.
  4. المعلم المتخصص: Professional Educator.

بيئة مرنة «Flexible Environment»
يسمح «التعلّم المعكوس» بمجموعة من نماذج التعلم، ويمكّن المعلمين من إعادة ترتيب أماكن التعلّم للتكيف مع الوحدة التعليمية، أو الدرس لدعم أي عمل جماعي أو دراسة مستقلة. هذه النماذج تُوجِد مساحات مرنة لكي يختار الطلاب متى يتعلمون، وأين. وزيادة على ذلك، فإن المعلمين الذين قلبوا صفوفهم، مَرِنُون في توقعاتهم لجداول تعلم الطلاب وفي تقييمهم.
يسمح المعلم بإيجاد مساحات وأطر زمنية كي يتفاعل الطلاب معه، ويفكِّرُوا أثناء تعلمهم عند الحاجة. ويراقب المعلم طلابه لكي يقوموا بالتعديلات حسب الحاجة، ويقدم المعلم لهم طرقًا مختلفة لتعلم المحتوى وتنمية المهارة.

ثقافة التعلّم «Learning Culture»
في نموذج التعليم القديم، المحور هو المعلم الذي يُعتبر المصدر الرئيس للمعلومات، في حين أنه في نموذج «التعلم المعكوس» الطالب هو المحور، إذ يُسند التعليم إلى المتعلّم، بحيث يخصص وقت الحصة في الصف لاكتشاف الموضوعات بشكل مركز وخلق فرص تعليم وتعلّم. ونتيجة لذلك يشارك الطلاب بنشاط في بناء المعرفة، ويشاركون ويقيّمون تعلمهم بطريقة ذات معنى شخصي، ويقدم المعلم الأنشطة للطلاب من خلال التمايز وردود الفعل.

المحتوى المقصود «Intentional Content»
يَعْرف معلِّمو التعلم المعكوس جيِّدًا كيف يطبقون هذا النموذج، لمساعدة الطلاب على تنمية فهمهم لكل المفاهيم وأداء الوظائف بشكل مبدع، ويحدد المعلمون ما يحتاجون إليه لعملية التدريس، وما المواد التي يكتشفها الطلاب بطريقتهم الخاصة. ويستخدم المعلمون المحتوى المقصود أو المراد تدريسه للاستفادة من وقت الحصة، لتبنِّي أساليب وإستراتيجيات للتعلم المتمركز حول المتعلم، وإستراتيجيات للتعلم الناشط. وهذا يعتمد على مستوى الصف والمادة الدراسية. ويستعين المعلم بأشرطة الفيديو لعرض المحتوى على الطلاب مع مراعاة الفروق الفردية.

المعلم المتخصص «Professional Educator»
دور المعلم المتخصص مهم جدًّا وضروري في «التعلّم المعكوس». فأثناء وقت الحصة يلاحظ طلابَه باستمرار ويقدم لهم التغذية الراجعة (Feedback) المناسبة في الحال، ويقيّم أداءَهم ويركز على تواصل بعضهم مع بعض لتحسين عملية التدريس، وتقبّل النقد البنّاء، والتسامح والتغاضي عن الفوضى في الصف. وبينما يقوم المعلم المتخصص بأقل الأدوار بروزًا في التعلم المعكوس، يبقى العنصر المؤثر في استمرار هذا التعلم.

مميزات «التعلم المعكوس» إشكاليات تطبيق نظام «الصف المعكوس»
يبني علاقات أقوى بين الطالب والمعلم. عدم توافر الأجهزة والبرمجيات اللازمة الضرورية للتسجيل وإعداد الدرس لدى المعلمين.
يُمكّن الطلاب من «إعادة الدرس» أكثر من مرة، بِناءً على فروقهم الفردية. عجز بعض المعلمين عن توظيف التِّقْنِيَّة بمهارة لتطوير طرق التدريس والتحفيز والتواصل مع الطلاب.
يخلق بيئة للتعلم التعاوني في الصف الدراسي. تمسُّك بعض المعلمين بالطريقة التقليدية وعدم رغبتهم في التخلي عنها.
يجري من خلاله تطبيق التعلم الناشط بكل سهولة. عدم توافر خدمة الإنترنت عند جميع الطلاب.
يضمن الاستغلال الجيد لوقت الحصة.
يشجع على الاستخدام الأفضل للتقنية الحديثة في مجال التعليم.
يحوّل الطالب إلى باحث عن مصادر معلوماته.
يعزز التفكير الناقد والتعلم الذاتي، وبناء الخبرات ومهارات التواصل، والتعاون بين الطلاب.
ختامًا

يُعدُّ «الصف المعكوس» Flipped Classroom – Rangée Inverse إحدى الوسائل الفعّالة، التي من خلالها تلعب التكنولوجيا دورًا في حل مشكلة الفجوة القائمة بين الدراسة النظرية للعلوم والمعارف، والجانب التطبيقي لها في الحياة العملية؛ ما يجعل هذه الأنشطة الصفّية تقضي على جمود العملية التعليمية. وبهذا، يعالج أحد أهم أسباب عزوف الطلاب عن التعلّم بشكل عام؛ ما يؤدي حتمًا إلى إقبال مزيد من شبابنا على دراسة التخصّصات الحيويّة، التي تسهم في صناعة أجيال متخصّصة، وبناء مجتمع الاقتصاد المعرفي.

حَزْمُ الشَّوْر

سكن بني معروف في حزم

تقول مرويّات بدو وعرة اللّجاة، حيث تقع قرية حزم على حافّتها الشرقية، أن قبيلة بني هلال الذين اتخذوا من جبل حوران موطناً لهم قرروا النّزوح عنه نحو أواخر القرن العاشر الميلادي وكان صاحب القرية شيخاً عربيّأً يُدعى محمّد الشوّار، لجودة رأيه.

كان جبل حوران أواخر العهد العثماني يعاني حالة شبه عامّة من الخراب قبل أن يعيد إعماره بنو معروف الموحّدون؛ القادمون من لبنان ومن إقليم جبل الشيخ وفلسطين وحلب، وهؤلاء لم يأتوا إليه طواعية بل لَوْذاً من المظالم التي كانت تحيق بهم طيلة العهد العثماني وما قبله…

يذكر الرحالة بيركهاردت الذي زار المنطقة عام 1810 أنّ قرى وادي اللّوى (المقرن الشمالي من الجبل ومنها قرية حزم) تقع «على أطراف سهل كانت ضفافه مكسوّة بأخصب المراعي»(1)، كانت خراباً بكاملها وهي الواقعة إلى الشمال من قرية أم الزيتون التي تبعد شمال شهبا نحو 3 كلم.

واستناداً لرواية يُجْمِع عليها المُعْمِرون من الأهالي؛ فإنّ أقدم عائلة معروفيّة سكنت القرية كان نحو عام 1875م بشخص الشيخ أبو نجم خطّار بن محمّد أبو خطّار الحلبي، وأصل العائلة من بلدة «تلثيتا» في ديار حلب من جبل السمّاق، نزحت في مسيرة ترحيل متواصل إلى كفير حاصبيّا في جنوب لبنان، فجبل الدروز، كما كان يُدعى آنذاك، حيث توطّنوا أخيراً في خربة حزم وأعادوا إعمار خرابها. تلاهم الشيخ سَلّوم نوفل من كفير حاصبيّا وسليمان الخطيب القادم من حلب إلى دالية الكرمل فحزم، وآل عزيز الذين قدموا من نيحا في جبل لبنان، ومن العائلات الأخرى آل عامر، وأبوفاعور وأبو العز والحلبي وصقر من الكفير، والحسنيّة من عين وزين في الشوف، وزين الدين وأبونجيم وعماشة (وآل عماشة أصلاً من مجدل شمس)، والكحلوني…

تاريخ وموقع وعدد سكّان القرية

هي قرية قديمة تحوي آثاراً من بيوت حجريّة متقنة البناء، وكان لجميع البيوت الأثرية فيها أبواب من حجر منحوت بإتقان (بقي منها ستة أبواب فقط)، بعضها مُفرد والآخر مُزدوج بمصراعين. يُرجّح أنّها تعود للنصف الثاني من القرن الثاني بعد الميلاد وما يليه. وقد وُجدت فيها عملات برونزية تعود لعام 227 قبل الميلاد…

تقع على ارتفاع 690 م فوق سطح البحر، على طرف اللّجاة الشرقي وعلى كتف وادي اللوى الذي يستمد مياهه من أعلى السفوح الشمالية لجبل العرب وينتهي إلى حوضة سهلة براق التي كانت عبارة عن بحيرة في العصر الروماني قبل نحو ألفي عام. وتبعد عن مدينة السويداء مركز المحافظة الواقعة إلى الجنوب منها، نحو 50 كلم، وعن شهبا مركز القضاء 33 كلم، وعن الصورة الصغيرة مركز الناحية 10كلم وعن دمشق إلى الشمال منها نحو 55 كلم. وتتبع من الناحية الإدارية لناحية الصورة الصغيرة، وإلى الشرق منها سهل خصب، يعبره طريق السويداء دمشق وأمّا إلى الغرب منها فإنّ وَعرة اللجاة بصخورها البازلتيّة الصّلدة تتموضع على الكتف الغربي للوادي على شكل بحر من الصخور مساحته 600كلم2.

يبلغ عدد سكان حزم من المقيمين فيها نحو 1200 نسمة. أمّا المسجلون في دفتر النفوس فعددهم 2500 نسمة، والفارق بين المقيم والمغادر هم أسر تُقيم إمّا في شهبا مركز القضاء، أو في مدينة السويداء مركز المحافظة، أو هم أسر وشبان مغادرون يعملون في بلدان الخليج ودول الخارج. وحزم من قرى جبل حوران التي كانت مزدهرة في القديم(2)، حيث يعود ازدهار عمرانها مع العديد من قرى وادي اللوى للقرون الميلادية الأولى(3). ولم تزل فيها أجزاء من بيوت أثريّة ماثلة للعيان تحتفظ بأبوابها وأقواسها الحجريّة(4)، ومنها باب بوابة حجريّة من البازلت المنحوت بإتقان (حَلَس) عرضه 2،30م يعود للعصر الروماني ولم يزل في مكانه الأصلي، (حاليّاً دار المرحوم فهد عامر) وهو نادر المثال، بدرفتين عرض 1،13 م للدّرفة اليمنى والثانية عرضها 1،17م، وارتفاع كلّ منهما 2،60م(5). ومن الطريف أنّ أحد تلك الأبواب الحجرية القديمة كان قد أنقذ حياة السيدة «صيتة أبو العز» زوجة الشيخ أبو كنج هايل نوفل في حرب تشرين عام 1973، إذ ما إن سمعت السيّدة صوت الطيران في الجو، وكانت تخبز في غرفة قديمة في دارها، حتّى أغلقت الباب الحجري بجانبها، وعلى الفور أصابت شظايا القذائف الإسرائيلية الباب الذي أغلقته، ولم تزل آثار تلك الشظايا ظاهرة للعيان على الباب الحجري الذي حمى حياتها…

وفي حزم صهاريج أثريّة لجمع الماء وآثار سدود قديمة. ومع تراجع العمران في الجبل بعد الفتح العربي الإسلامي وبخاصة في العصر العباسي بعد انتقال الخلافة من دمشق إلى بغداد حيث تراجع العمران في المنطقة، ولكن هناك ما يشير إلى أنّه في عام 572 هـ (الموافق لعام 1179م) «وَقَفَ السلطان (الملك الناصر) قرية حزم على مُعلّمي الشريعة بالزاوية الغربية من جامع دمشق وعلى مدرّسيهم من أصحاب الإمام الشافعي»(6).
ولربما جاء معنى اسم «حزم» من الوادي السّيْلي الذي يحزم القرية من جهة الشرق.

بالإضافة إلى الدارة الأثريّة للشيخ مفرّج أبو خطّار، يوجد في القرية معبد وثني روماني حُوِّل إلى كنيسة في العصر البيزنطي المسيحي قبل الإسلام، ثمّ حُوِّلت الكنيسة إلى جامع في العصر الإسلامي قبل الخراب العام الذي طرأ على المنطقة في أواخر عصر المماليك والعصر العثماني الذي تلاه، حتى مطالع القرن التاسع عشر حيث بدأ الموحّدون الدروز بإعمار الجبل على أثر سلسلة طويلة من الملاحقات التي تناولتهم في العهد العثماني بالإضافة إلى التنازعات المحلّية في لبنان ومارافقها من تدخل فرنسي وتواطؤ عثماني ضد الدروز… وبتأثير كل تلك العوامل اضطُرّت المئات من العائلات الدرزية إلى الهجرة من لبنان وديار حلب وشمال سورية وشمال فلسطين وغوطة دمشق إلى الجبل ومن ثمّ التوطن فيه بعد أن كان معظمه على حال من الخراب.

منازلها القديمة مبنية من الحجر البازلتي المنحوت مسقوفة بالرّبد المُتَراصف على قناطر (أقواس) حجريّة، أمّا المنازل الحديثة فمن الحجر الإسمنتي والسّقف من الإسمنت المُسَلّح، ويعمل السكّان بزراعة الحبوب من قمح وشعير وعدس ويربّون المواشي ويشربون من بئر ارتوازيّة بعمق 270 متراً.

من معاناة حزم في العهد العثماني

كانت قرية حزم من القرى الدرزيّة التي طالما تعرّضت للحملات العثمانية على الجبل، وذات مرة تعاونت قرى وادي اللوى في صد قوّة عثمانية قادمة من جهة دمشق إلى السويداء، واجهوها في موقع من الأرض يقع بين قريتي حَزْم والصَّوَرَة الكبيرة، وتمكّنوا من صدّها فسموا الموقع باسم «أمّ العَوْن» لأن الله تعالى أعانهم في تلك المواجهة!

ومن مرويّات أهل حزم؛ التي تمتزج فيها المأساة والطّرافة، عن فترة العهد العثماني أنّ العديد منهم كانوا من بين الثوّار الدروز الذين هاجموا عام 1910 قلعة براق العثمانية التي تبعد نحو 10 كلم عن قريتهم، وعلى الأثر قام الجيش العثماني باقتحام القرية فاعتقلوا الرجال الذين تمكنوا من الإمساك بهم، وعذبوهم وضربوهم ضرباً مُبَرِّحاً، فمات العديد منهم تحت التعذيب، وكان من بين المعتقلين بدوي من رعاة القرية، أوقفوه مع رجال آخرين من أهل حزم وأطلقوا النار عليهم. كان البدوي قد قال حينها منتخياً بالله لينقذ حياته: «يا عقيدة الدّروز» وارتمى أرضاً مع إطلاق النار على الجماعة حيث استشهد بعضهم. بعدها مضى الرّماة الذين أيقنوا أنّهم أدَّوْا واجبهم وهم يتوجّسون خيفة أن يأتيهم ثوار آخرون من خلف صخور اللّجاة التي كان يلجأ اليها هؤلاء للاحتماء بها… أما البدوي فقد تحسس جسده، فوجد نفسه حيّاً لم يُصَبْ بأذى، فقال: «أسّ، والله إنّ عقيدة الدروز زينة… تَنْفع»!

في تلك الفترة كان قد نُفي عدد من رجال حزم مع من نفي من ثوار الدروز إلى الأناضول، وجزر بحر إيجه وطرابلس الغرب ومنهم محمّد يوسف أبو نجيم، وسليمان الحلبي وقد تمكّن أبونجيم من الهرب مع ثلاثة رفاق له منهم سليمان الحلبي من حزم وآخر من قرية المتونة قذفوا بأنفسهم من أحد أبراج القلعة الحمراء في طرابلس الغرب إلى البحر، وقد مات أحدهم عندما اصطدم رأسه بأسفل جدار القلعة وسار الثلاثة الباقون هاربين بمحاذاة الساحل عبر الصحراء، وعلى تلك الطريق الطويلة التي كان عليهم قطعها وجدوا من بعض البدو هناك مَن يتعاطف معهم… وفي تلك الديار على مسافة نحو 400 كلم شرق طرابلس الغرب، مات أبو نجيم؛ الرجل الذي لم تزل المنطقة التي قضى نحبه فيها تحمل اسمه إلى يومنا هذا. أمّا سليمان الحلبي ورفيقه الآخر فقد وصلوا بعد شهور من هربهم عبر مصر ففلسطين إلى لبنان ومن ثم إلى الجبل في سورية، ويذكر الشيخ نوفل نوفل أنّ سليمان الحلبي كان قد مرّ بطريقه على الكفير في حاصبيا، وهي قرية ذويه الأولى قبل سكنهم في حزم، وجلب من حرشها عوداً (محراث) وثورين لحراثة الأرض في القرية!

الثورة السوريّة الكبرى
قرية حزم في معمعان الثورة السوريّة الكبرى

قاتل رجال حزم في غالبية معارك الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ومنهم جاد الكريم الخطيب الذي فزع إلى معركة المزرعة ولم يكن معه سوى حاشوشة (منجل صغير)، وهناك ربح بارودة.

في معركة المزرعة وثب خليل عامر على طنبر بواريد (عربه يجرها بغل أو أكثر) وأخذ يوزّع البواريد على الثوّار، وهناك استشهد فارس عماشة، وكان نايف أبو خطّار من أبطال تلك المعركة، كما قاتل بعضهم في معارك الغوطة دعماً لثوار دمشق وغوطتها ومنهم علي أبو خطار كان من الذين اقتحموا سوق دوما وغنم بارودة من الفرنسيين، وحمد نوفل في مجموعة المجاهد سعيد عز الدين، وكان الثوار الدروز يعبرون من حي الميدان إلى سوق مدحت باشا ويعودون عبر باب شرقي(7) وأمّا صالح الحلبي وحسين عماشة وشحاذة عزيز، فهم من الذين قاتلوا في معارك إقليم جبل الشيخ وجنوب لبنان، وفي حصار قلعة راشيّا تمكن صقر صقر من قتل ضابط فرنسي وأخذ حصانه.

حزم تحت قصف الطيران الفرنسي
الأمير عادل أرسلان

في فترة سنَتَيّ الثّورة السورية تعرّضت حزم لقصف الطيران الفرنسي مرّتين وهُدمت بعض دورها، وحينها استُشهد يوسف الحلبي والسيّدة صالحة أبو خير زوجة
عبد الله أبو نجيم وأصيب أحمد أبو خطار الحلبي بكسر في فخذه (1926) وجرح آخرون. بعد القصف الذي كان يدل على عجز الفرنسيين في مواجهة الثوار بدون قوّة الطيران. كان الثوار قد دخلوا القرية بقيادة الأمير عادل أرسلان، ونزلوا ضيوفًا توزّعوا على منازل حزم، ولمّا علم الفرنسيون بذلك طلبوا نايف أبو خطار الحلبي شيخ حزم الذي كان قد شارك المجاهدين في معارك غوطة دمشق وأصيب بكسر في فخذه وقُتلت فرسه، فعاقبوه على استضافة الثوار في قريته. وفي التحقيق سأله الكابتن الفرنسي «أين دار سليم الحلبي؟ (كان هذا من الثوّار) فدلّه إلى دار خَرِبَة. رفض الكابتن دلالته، وأمر بلغم مضافته وداره فهدموهما، وأخذوه موقوفاً معهم حيث عرَّضوه مدّة عشرة أيّام للإعدام أو يُقَدِّم اعترافات تتعلّق بحركات الثوّار وتموينهم واتصالاتهم؛ فأبى، وبقي تسعين يوما على حال لا يُحسَد عليها، كما قاموا بتعذيب من وقعت عليه أيديهم من رجال القرية وشيوخها، إذ توفي على أئر ذلك المجاهد الشيخ علي نوفل، وانتقم الفرنسيّون من الأهالي بنهب ما أمكنهم نهبه، وقاموا بخلط مؤونة السكّان من طحين وقمح وشعير وحبوب وسمن وزيت كاز وغيرها، ولَغَموا دار المجاهد رشيد الحسنيّة وأوعزوا لعناصر من الجيش الفرنسي بإعدامه…

يذكر راوي تلك الأحداث (هو الشيخ رشيد الحسنية الحفيد) فيقول: «أحد عناصر أولئك الجنود وكانوا من المغاربة الذين لديهم وجدان عربي؛ قال متظاهراً برغبة الانتقام: «اتركوه لي وسأشرب من دم الدروز!».
أخذوه غرب القرية حيث المساحات الواسعة من صخور

اللّجاة تمتدّ صفائح متراصّة على مدّ النظر؛ وقالوا له: «عندما نطلق النار في الهواء؛ عليك أن تقع إلى الأرض متظاهراً بالموت. اِبقَ مكانك حتى حلول الليل، اِحذر أن تكشف أمرَنا فنحن وأنتم أبناء عم»… وهكذا كان، وعاد رشيد الحسنيّة مع هبوط الظلام إلى القرية ليجد داره قد سُوّيت بالأرض…

قاتل رجال حزم في الثورة السورية الكبرى عام 1925 ـ 1927 وقدموا عدّة شهداء وهم يوسف الحلبي وصالح الحلبي وحسين الحلبي وحسين عماشة، وفيهم يقول الشاعر صالح عمار أبو الحسن:

في حزم، حزم الرّايْ ورجـــــال النّخــــا  أهـل الكَرَمْ واهـل الوفــــا وأهـل السّخا
فرســـــان في حرب الأعـــــادي مْجَرّبة  ومن ضربهم تبقى الرّؤوس مْطَرْبَخــا.


الحواشي

  1. بركهاردت، رحلة في جبل حوران، ترجمة: سلامة عبيد.
  2. نفسه، ص 39.
  3. دانتزر وآخرون، سوريةالجنوبية (حوران)، تر: أحمد عبد الكريم.وغيره.
  4. نصر، إسماعيل متعب، السويداء بين الزمان والمكان، دار الريان، 2012، ص 164.
  5. أبو عساف، علي، الآثار في جبل حوران (محافظة السويداء)، ص 153.
  6. الملحم، إسماعيل وآخرون، سويداء سورية، موسوعة عن جبل العرب، ص 95.
  7. الريّس، منير، الكتاب الذهبي، الثورة السورية الكبرى، دار الطليعة بيروت، 1969، الفصل الثامن، ص 323 وما يلي…

عـــبـد اللَّه العلايلي والفكرُ اللُّغَوي العربيّ الحديث

العلاّمة (المرحوم) الشيخ عبد الله العلايلي

هو عبدالله عثمان العلايلي (1914-1996)*، أحد أبرز لغويي وفقهاء وأدباء العالم العربي في القرن العشرين. أطلقت على العلايلي طوال سني حياته ألقاب علمية عدّة (العلاّمة، الموسوعة، المعجم،…) لسعة معارفه ودقة أحكامه وغزارة إنتاجه في اللغة والفقه والتفسير والشعر والأدب والبحث العلمي، وقد صرف جزءاً من حياته أستاذا محاضراً في الجامعة اللبنانية، مشرفاً على الأطاريح العلمية في اللغة والفقه والأدب، واستمر منزله المتواضع، وإلى وفاته، محجة للزملاء والطلاب والمريدين من أقطار العالم العربي كافة. تتلمذ العلايلي على أيدي علماء وأساتذة ونحويين كبار في الأزهر الشريف، وتركوا جميعاً تأثيراً علمياً واضحاً في شخصيته البحثية، تماماً كما ترك هو تأثيراً بارزاً في معاصريه ومن تلاهم إلى يومنا هذا. برزت موسوعيته بل عبقريته في وقت مبكر، حين أصدر كتابه التأسيسي «مقدمة لدرس لغة العرب»، ولمّا يزل في الرابعة والعشرين من العمر.

كان شغله الشاغل في النحو، كما بدا، إحياء اللغة العربية وإخراجها من التقليد إلى رحاب العصر، من دون أن تفقد جذورها وركائزها. وكان شغله الشاغل في التراث، الإضاءة على على الشخصيات الكبرى في تاريخ الإسلام والعربية، فكانت ثلاثيته عن «الحسين»، وكان عمله «المعري ذلك المجهول»، وغيرهما. وفي عمله القومي، كتب «دستور العرب القومي»، على أمل أن يكون القاعدة السياسية التي يلتقي حولها القادة والمفكرون العرب لتأسيس إتحاد عربي حديث جامع. وفي المسألة اللبنانية، كان مصلحاً اجتماعياً فاشترك مع المرحوم كمال جنبلاط، ومفكرين وقادة نقابيين لبنانيين آخرين في تأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي وإعلان برنامجه السياسي صبيحة الأول من آيار 1949، وكان خطيباً مفوهاً كما باحثاً مدققاً في غير مناسبة وندوة منذ ذلك الحين.
ترك العلايلي عشرات المؤلفات العلمية الدقيقة والتي تحولت مراجع موسوعية للباحثين والمريدين، من بينها «الحسين»، في ثلاثة أجزاء، «أين الخطأ»، في سبعة أجزاء، و»المعري ذلك المجهول». اصطدم العلايلي، كما المصلحون دائماً، بجدران عصيّة عل التغيير والتطوّر، ما دفعه أواخر أيامه إلى ما يشبه العزلة، يصرف وقته كله باحثاً منقّباً مفسّراً ومصححاً ما لحق العربية من تقصير أو دخيل. وكان ينجز ويصدر في أثناء ذلك أجزاء من «المعجم الكبير» الذي غربل ما كانت قد وقعت فيه معاجم سابقة.

ترك العلايلي ثروة فكرية تجاوزت الثلاثين عملاً أكاديمياً أو أدبياً في معظم أبواب اللغة والثقافة والفقه والنظرية السياسية، ومئات من البحوث والمقدمات والمفالات والمقابلات. شغل العلايلي غير مركز علمي في الجامعة اللبنانية كما في المنتديات الأدبية والمجامع اللغوية العربية، ونال عدداً كبيراً من الأوسمة والجوائز تقديراً لعطائه العلمي المستدام، من بينها:

  • وسام الأرز الوطني من رتبة فارس (1954)
  • جائزة رئيس الجمهورية اللواء فؤاد شهاب (1962)
  • جائزة مهرجان المربد للآداب، بغداد، (1988)
  • وشاح الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر، (1994)
  • درع النادي الثقافي العربي، (1994)
  • درع منتدى الفكر التقدمي، (1995)
  • درع جمعية أرباب القلم، (1996)
  • درع حلقة الحوار الثقافي، (1996).

ستبقى سيرة المرحوم العلاّمة العلايلي بوصلة قومية وتقدمية وإصلاحية لا ينقطع إشعاعها، كما ستبقى آثاره العلمية والأدبية معيناً ثقافياً ثرّا، وموضع اهتمام ودراسة لا ينقطعان من البحّاثة في أبواب اللغة والأدب والثقافة بعامة.

*راجع عدد مجلة «الحداثة» الخاص بعنوان «عصر عبدلله العلايلي»، ربيع ١٩٩٧


من شأن هذه الدراسة أن تُبرز المكانة الحقيقيّة لدور عبد الله العلايلي الكبير في ردّ الاعتبار إلى العربيّة، وجعلها لغة العلم الحديث. وليس من المغالاة القول إنّ الانفتاح على تجدّد اللّغة العربيّة ما كان ليتمّ لولا فضل العلايلي في كتابه «مُقَدَّمة لدرس لغة العرب» الذي أصدره في العام 1938 والذي شرح فيه «تصوّره الحديث للغّة العربيّة، ورأى أنّه من واجبنا أن نقف في جنب اللّغة. وأن نخدم اللّغة، ونتّسع بها، لا أن نحدّدها في مجالات تحرّكها، وبذلك تنمو اللّغة وتتطوّر وتتصّل بالحياة، وتصبح لغة التّخاطب بين الناس»(١).

وواضحٌ من قوله أنّ تطوّر اللّغة سبيلٌ إلى النهضة، وأنّ التطوّر الحضاريّ يرتبط بالتطوّر اللّغويّ، وأنّه يمكننا تثبيت قدرة العربيّة على التّعبير عن فكر العصر. ولقد تنبّه العلايلي إلى ذلك حين قال: «إنّ اللّغة هي أحد وجهي الفكر، فلا فكر ولا تفكير خارج اللّغة وبمعزل عنها، وفرض إنسان بدون لغة معناه فرض إنسان بدون فكر»(٢). ويعني ذلك أنّ لغة العلايلي تقوم على مقوّم فكريّ وإنسانيّ، فكونك تفكّر أنت لُغويّ.

رأى العلايلي أنّ العربيّة تتّسم بمرونةٍ طبيعيّةٍ، ولولا ما أفاض القرآن عليها من معنويّة قويّة لوقفت فجأة ولتخلّفت دفعةً واحدة بدون هذا التريّث البطيء»(٣)، ويعني ذلك أنّ طبيعة العربيّة فوق أن تُقَيَّد. ولم يقف العلايلي عند هذا الحدّ، بل حاول أن يتعرّف الظروف الّتي وضعت اللّغة العربيّة في موضع قلق غير مسبوق، فرأى أنّ اللُّغويين العرب وضعوا تقديرات دعوها علم اللّغة، وهذه التقديرات لا تتجاوز كونها فكرة شخصيّة تعبّر عن مَلحظ مقدّريها أكثر ممّا تعبّر عن ملحظ العرب أنفسهم. وإذا ما كانت وِقفة العلايلي إلى جانب اللّغة المعاصرة، فإنّنا نجده يُلقي تبعة رمي اللّغة العربيّة بالقصور على كاهل اللُّغَويّين وحدهم الذين «وقفوا موقفاً سلبيّاً لا يحيد عمّا تواضعه سالفو اللُّغويّين»(٤).

ولئن دلّ هذا الكلام على شيء فإنّما يدلّ على حقيقة بقاء بعض اللُّغويّين عند حدود مكتشفاتهم اللّغويّة التي نظروا إليها نِظرة جامدة لا تتغيّر، والتي لم يقبلها العلايلي لأنّ تشدّد اللّغويّين، والكلام للعلايلي، يقود إلى نتائج كأسوأ ما تكون نتائج، أهمّها:
1. قصور العربيّة عن تناول مقتضيات الفكر.
٢. جمود اللّفظ في معناه فلا تجده على مرونة(٥).

وقطع العلايلي شأوًا بعيدًا في الخروج على ذلك حين وعى حقيقة اللّغة وعيًا يتّسم بالفرادة، ويقدّم اللّغة العربيّة لغةً جديدةً ونَضِرة ومُتحوّلة ومتطوّرة، توازي حركة الإنسان في الزّمن، ويعيد خلق لغة تنتمي إلى فكر الإنسان وشعوره وحقيقته، فتتفتّح كلمات جديدة على الحياة كما يقول السيّاب، ذلك لأنّنا أمام مبدع كبير، يمتلك ثقافة عصره، ويعني كلّ ذلك أنّ اللغة – والكلام للعلايلي – يجب أن تتناول من شؤون الحياة ما نحسّه، وما نشعر به، فلا تقصّر عن مقتضيات الفكر ولا يعرف لفظها الجمود، ففي الّلغة العربيّة من عناصر الحياة ما يجعلها لغة العلم والفنّ، وأوسع لغات العالم قاطبة. أفلا تراه يؤكّد ما ذهب إليه أحمد فارس الشدياق حين قال: «اللّغة نظامٌ حيّ ينمو ويتطوّر تماماً مثل الناطقين بها».

فهم العلايلي أسرار اللّغة العربيّة حقّ الفهم، وكان إيمانه الواضح بالتطوّر والتجديد انعكاسًا لمفهوم اللّغة عنده، ومفهوم اللّغة عنده قائم على لغة تعبّر عن ثقافة الإنسان العربيّ وهمومه واهتماماته، ومؤسّسة على فهم واقع البشريّة الحالي وما يواجهها من مشكلات وتحدّيات، وتجديدها بناءً على مُعطيات العصر الحديث «فالمعرفة البشريّة قائمة داخل اللّغة ولا يمكن أن تقع خارجها»(٦).

نظر العلايلي إلى شكوى الناشئة من صعوبة تعلُّم العربيّة، وفسّر هذه الصعوبة في «وجوب تشكيل الكلمة لفهم المعنى، لأنّ المعنى لا يُفهم إلّا بالشكل (الضبط) فالأجنبيّ يقرأ ليفهم، بينما العربيّ يفهم ليقرأ»(٧). وخطَّأ – في ما يتعلّق بصعوبة العربيّة – من يظنُّ أنّ صعوبتها تكمن في ذاتها، فحين قام بتحليل تربويّ وسيكولوجيّ لمعرفة أسباب الشكوى، تبيّن له أنّ صعوبة تعلّم العربيّة لا تكمن في اللّغة ذاتها، إنّما تعُود إلى خطأ الأسلوب التعليميّ من جهة، وإلى خلل المناهج الدراسيّة في مختلف المراحل التعليميّة من جهة ثانية. «فما تعلّمناه، ولمّا نزل نتعلّمه، بات في حاجة كبيرة إلى معاودة درسه على وجهٍ يكون أوفى نصيبًا في معنى الدقّة»(٨). ويعني ذلك أنّ هنالك حاجة ملحّة ومستمرّة لإعادة النظر في مناهج اللّغة العربيّة، وتحديث طُرق تعليمها، وتطوير إعداد من يتولّى تعليمها.
وإذا ما حاول العلايلي أن يعيد للّغة زهوها، فقد انبرى يوضّح ما التبس على الناس من مواقف سلبيّة ترمي العربيّة بالصعوبة، فبيّن أنّ الشكوى الحقيقيّة من العربيّة يجب أن يكون «من يُسْرِها لا من عُسرها، ذلك لأنّ فيها من القابليّات سعَة هائلة جدّاً، لكنّ الناس يتشكّون لأنهم نشؤوا على منطق الشّكوى»(٩).

العلاّمة الشيخ عبد الله العلايلي في إحدي المناسبات الرسمية.

فإذا كانت «كتابة الهمزة وألف اللّين المنقلبة عن ياء أو واو من أوجه صعوبة العربيّة، مثلاً، ففي بعض اللّغات الأجنبيّة ما يضاهي هذه الصعوبة بإملاء كلّ كلمة، كالإنكليزيّة التي تنطوي على اختلافات، وبقايا وزوائد، ومع كلّ ما تجد فيها من هذا، لا تسمع تأفُّفًا يصمّ الآذان»(١٠). وتُفاجأ بعد كلّ هذا بنقّادٍ عاشوا في عهد شكسبير كان انتقادهم لشكسبير أنّه لا يعرف قواعد النّحو. فــــ «المُخَبّص» في قواعد النّحو في الانكليزيّة بات القمّة التي تُحتذى»(١١).

وإذا دلّ هذا الكلام على إحساس العلايلي الأكيد بمقوّمات اللّغة العربيّة التي تميّزها عن سائر اللّغات، فإنّه أرجع أسباب الشّكوى إلى عوامل عدّة بيّن أهمّها: الاتصال العربيّ بحياتنا الذي أضعَف اهتمام الإنسان العربيّ بلغته، ودفعه إلى تغليب اللّغة الأجنبيّة على العربيّة، وسيطرة الإنتاج الفكريّ الغربيّ من كلّ نواحيه على الحياة الثقافيّة العربيّة، فليس لنا أفكار يرغب الغرب في أن يتعرّف إليها، وهذه مسألة شديدة الدقّة والخطورة، بينما نحن في حاجة إلى أنّ نتعرّف بكلّ أفكار الغرب، وسبيلنا إلى التعرّف إليها هو اللغة الأجنبيّة، لذلك بدَت العربيّة هزيلة في نواحٍ عدّة فهل يمكننا أن نعبّر بمعزل عن التفكير؟ لا يمكننا ذلك، لأنّ التعبير غير مستقل عن التفكير. ولا يقلّل هذا من شأن العبقريّات العربيّة وأفكارها الثريّة التي لم يسعفها الحظّ بدرس اللّغات»(١٢).

ومهما يكن من أمر، لا بدّ من أن نصوغ سؤالًا جوهريًّا يتعلّق بالحلول التي وصلت إليها رؤية لغويّ كبير، يمثّل ثقافة عصره، لالتقاط المأزق الذي يعتري لغتنا العربيّة، وكيفية إخراجها من هذا المأزق الخانق؟ وعى العلايلي أزمة اللّغة العربيّة، ورأى أنّ أولى خطوات الإصلاح الّتي تعيد إلى اللّغة العربيّة زهوها ونضارتها، تتمثّل في «إنشاء مؤسّسات خاصّة في شتّى فروع الاختصاص، تهتمّ بترجمة كلّ كتاب وكلّ فكرة، ونشرها لينشط الفكر العربيّ للثقافة ويتفهّمها ويناقشها ويساهم في إعدادها، لأنّ العمل الفرديّ الذي يقوم به بعض العلماء والأدباء لا يكفي لإعداد العقل العربيّ على الوجه الأكمل، وللنّهوض بالمستوى الثقافيّ العامّ».(١٣)

ولعلّ ما يلفت الانتباه هو دعوة العلايلي إلى استخدام العربيّة مبسّطة لتغدو العاميّة نفسها فصحى، فالفرق بين العاميّة والفصحى، والكلام للعلايلي، بعض من مفردات أنيقة والإعراب…. أحذف الإعراب، فلا يعود هناك فصحى وعاميّة، الإعراب هو أساس كلّ شيء، والحلّ تهذيب العامّي القابل للتفصّح وإجراءه على موازين الفصحى أو بإفساح الفصحى لِتَبَنّي مفردات العاميّة التي ترجع إلى أصل فصيح وُلِد مُحرّفاً، أو العمل على تفصيح العاميّة المهذّبة، وهي تحتاج لتستقيم وتنتشر إلى اعتمادها في مراحل التعليم المختلفة، وبذلك تقترب من اللّغة الرفيعة، وتتصّل بها صلة متينة ويعني هذا أنّ اللّغة العاميّة المهذّبة أي القابلة للتفصّح هي لغة الحياة».(١٤)
ولم يكتفِ العلايلي بهذا القدر، بل رأى أنّ البيان – الذي كان أساساً قضيّة من القضايا – لم يعد اليوم، قضيّة فَعَبِّر كيفما تشاء، يقول العلايلي، ما دمت تعبِّر عن شيء له محتوى وقيمة، ويعني ذلك أنّ العلايلي يبحث عن القيمة الفكريّة بغضّ النّظر عن النصّ: هل هو أنيق أو غير أنيق(١٥). وللحَدِّ من التباين اللغويّ ذهب العلايلي إلى أمر حذف السّماع من اللّغة(١٦). وهذا الرأي الذي يُمثّل إشارة واضحة باتجاه القياس «Analogist» يعني أنّ اللّغة مُنتظمة ومُطَّرِدة ويجب إخضاع كلّ ما فيها للقياس والأوزان فلا يُقال بالشذوذ ما وُجد له وجه قياس، ولكنّه يبدو مناقضًا لرأي سيبويه في المسألة التي تمثّل إشارة واضحة باتّجاه السّماع «Anamolies» أو «الشذوذ» الذي يعني أنّ اللّغة فِطرة إنسانيّة(17). فسيبويه يرى أنّه لا مجال في وجود السماع أمام القياس، والقياس لا يُستعان به في صياغة المصادر إلّا في غياب مصدر للفعل في ما سُمع عن العرب، فإذا عُرِف المصدر المسموع لا يجوز القياس، لأنّنا مقيّدون بالمصدر الّذي نطقت به العرب الخُلَّص(18). ونتبيّن من هذا الكلام أنّه إذا ورد السّماع بطل القياس.

ومهما يكن من أمر فإنّ العلايلي يقدّم خصوصيّة رؤيته، فاللّغة العربيّة بأبعادها وأعماقها وخصائصها، وبوصفها أداة للتعبير والتفكير، ولِنَقل العلم والفكر الحديث، تحتاج إلى التحديد الدقيق لتحافظ على قيمتها ومكانتها بين لغات العالم الرئيسيّة. وإذا دعا العلايلي إلى توحيد معاني المشتقّات جميعها للمادّة، فهذا قانون عامّ تخضع له اللّغات كافتها(19). وإليكم أمثلة من العربيّة والانكليزيّة والفرنسيّة. ففي العربيّة قالوا: دفَقَ الماء بمعنى صبّ أو انصبّ، ثم قالوا: ناقة دفاق أي سريعة، ثم اشتقُّوا من دَفَقَ بمعنى أسرع، فقالوا: مشى الدّفقى. وفي الإنكليزيّة والفرنسيّة نوعٌ من هذا التعاون والتأثير. ففي الإنكليزية قالوا: (Plain) أي بسيط الذي قالوا منه (Plainness) أي بساطة و (Plainly) أي ببساطة.

وفي الفرنسيّة قالوا (Automobile) بمعنى السيّارة، ثمّ قالوا (Autocannon) بمعنى المدفع على السيّارة، فانظروا كيف تأثّرت (Auto بمعنى الفرع (Automobile) واكتسبت معناه بعض الشيء، ولو أردنا أن نفهم معنى (Autocannon) على نحو لغويّ لكان معناه المدفع المنطلق وحده أو بنفسه وكلّ ذلك ليس من معنى الأصل، وإنما معناه بالتأصيل عن الفرع(20).

وإذ زخر التّراث العربيّ منذ القدم بمعاجم عدّة كمُعجم «العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي (175 هـ) و «القاموس المحيط» للفيروز أبادي (817 هـ)، و «المعجم الوسيط» الّذي صدر عن مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة عام 1960وغيرها من المعاجم القيّمة التي رأى فيها العلايلي تقليدًا (Imitation) ينتفي مع تلبية حاجات عصرنا الحاليّ، فـانشغل طويلًا في صناعة «المعجم الكبير» (1954) وهو موسوعة لُغويّة يفرض نفسه في حياتنا الثقافيّة المعاصرة والحديثة (Modernism)، ويجمع فيه ألفاظ اللّغة ومعانيها وتطوّراتها الاستعماليّة المتعلّقة بشؤون الحياة المعاصرة، ويهتمّ بدراسة الألفاظ والمواد اللّغويّة من حيث بنيتها ودلالاتها وتوليدها اشتقاقًا ونحتًا وتركيبًا. وقد شغل هذا المعجم أربعة وعشرين مجلّدًا، وتألّف كلّ مجلّدٍ من ستة أقسام لم يصدر منها سوى أربعة من المجلّد الأوّل. وحين سُئل العلايلي عن سبب عدم نشر المجلّدات المتبقيّة، أجاب: «بدّك مين ينشر». آملًا في نشر معجمه الوسيط الّذي أنجزه عام (1963).

ويبقى أنّنا إذا أردنا أن نخرج بكلّ الإنجازات اللغويّة العربيّة الكبيرة التي قام بها العلايلي وجمعها في كتابه «مقدّمة لدرس لغة العرب»، فإنّ الحديث يطول عن بيانها وشرحها. ولا نجد قبالة هذا إلاّ أن نقول: إنّ العلايلي أعدّ اللّغة العربيّة للوجود، وقدّمها «لغة العلم والفنّ في الشرق كلّه»(21). ونحن إذ «نُعجب لاجتهاداته التي لا تتقيّد ولا تتعبّد، فأيّة كلمة، لا نراها وافية، بما نشعر نحوه من شكر وتقدير»(22).


المراجع

  1. أحمد أبو سعد، العلايلي الفقيه المجدّد واللّغوي الإمام، الشيخ عبد الله العلايلي ، مفكراً ولغويّاً وفقيهاً، (اتحاد الكتّاب اللبنانيين)، بيروت، دار ابن خلدون، الطبعة الأولى، 1984، الصفحة 197.
  2. عبد العلايلي، إشارات النص والإبداع، (حوارات في الفكر والأدب والفنّ)، حوار مع سليمان بختي، بيروت، دار نلسن، الطبعة الأولى، 1995، الصفحة 226.
  3. عبدالله العلايلي، مقدّمة لدرس لغة العرب، بيروت، دار الجديد، الصفحة 85.
  4. المصدر نفسه، الصفحة 19.
  5. المصدر نفسه، الصفحة 72.
  6. علي زيتون، الشعرية بين الرمز والعرفان، بيروت، دار المعارف الحكمية، الطبعة الأولى، 2017، الصفحة 35.
  7. عبد الله العلايلي، إشارات النصّ والإبداع، مصدر سابق، الصفحة 229.
  8. عفيف دمشقيّة، الشيخ عبد الله العلايلي لغويًّا، الشيخ عبد الله العلايلي، مفكّرًا ولغويًّا وفقيهًا، (اتحاد الكتّاب اللبنانيين)، بيروت، دار ابن خلدون، الطبعة الأولى، 1984، الصفحة 50.
  9. عبد الله العلايلي، إشارات النصّ والإبداع، مصدر سابق، الصفحة 227.
  10. عبد الله العلايلي، مقدّمة لدرس لغة العرب، مصدر سابق، الصفحة 50.
  11. عبد الله العلايلي، اشارات النصّ والإبداع، مصدر سابق، الصفحة 227.
  12. عبد الله العلايلي، مقدّمة لدرس لغة العرب، مصدر سابق، الصفحة 41.
  13. عبد الله العلايلي، مقدّمة لدرس لغة العرب، مصدر سابق، الصفحة 108.
  14. عبد الله العلايلي، اشارات النص والإبداع، مصدر سابق، الصفحة 227.
  15. عبد الله العلايلي، مقدّمة لدرس لغة العرب، مصدر سابق، الصفحة 11.
  16. عبد الله العلايلي، إشارات النص والابداع، مصدر سابق، الصفحة 229.
  17. عبد الله العلايلي، مقدّمة لدرس لغة العرب، مصدر سابق، الصفحة 20.
  18. عبد الرحمن أيوب، اللّغة والتطوّر، القاهرة – مصر، مطبعة الكيلاني، الطبعة الأولى، الصفحتان 10 و 11.
  19. سيبويه، الكتاب، تحقيق د. اميل بديع يعقوب، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1999، الصفحة 16.
  20. عبد الله العلايلي، مقدّمة لدرس لغة العرب، مصدر سابق، الصفحة 20.
  21. المصدر نفسه، الصفحة 9.
  22. اسماعيل مظهر، مقدّمة لدرس العرب، مصدر سابق، الصفحة 5.

الاستشراق

تغيّرت النِّظرة إلى الإستشراق ومقاربته كثيراً منذ أن كتب المفكّر المصري أنور عبد الملك عن أزمته(١) في العام 1963 (الأخلاقيّة في المقام الأوّل بسبب الصّلة بالاستعمار)، ثم أتى مؤتمر المستشرقين التاسع والعشرين المنعقد في باريس في العام 1973 ليُعلن عن «وفاته» وحلول مباحث العلوم الإنسانية المُنشغلة بالشّرق مكانه. ومن ثمّ نشر اِدوار سعيد عمله الكبير «الاستشراق» (1978)، مثابة مضبطة اتّهام، ليُظهِر كيفيّة إنشاء الغرب لِشَرقٍ مُتَخيَّل، ساعد في «تحديد صورة أوروبا (والغرب) باعتباره الصّورة المضادّة». ما نرومه في هذه الصفحات القليلة إظهار بعض الشكوك على مؤسسة الاستشراق سيِّئة الصيّت.

[الاستشراق هو] «اشتغال نفر من العلماء الغربييِّن بأحوال الشرق»

د. عمر فرّوخ

بحسب ما جرى الاصطلاح عليه يُعرّف الاستشراق (Orientalisme) بأنّه دراسة كافّة البنى الثّقافيّة للشّرق من وجهة نظر غربيّة. ويكون المستشرق (Orientaliste) ذلك العالم المُتضلّع في معرفة الشرق وثقافته وآدابه، أمّا أدوار سعيد (1935- 2003)، صاحب الباع الطويل في تفنيد الاستشراق، فيرى أنّ المستشرق «كلَّ من يعمل بالتدريس أو الكتابة أو إجراء البحوث في موضوعات خاصة بالشرق»(٢) ويُجمل أحد الباحثين العرب دلالات هذا المفهوم في ثلاثة:

أوّلاً: الدلالة الأكاديمية، أي كون الاستشراق بحثاً جامعيّاً هدفه معرفة الآخرين.

ثانياً: دلالة كونه أسلوباً فكريّاً يقوم على تمايُزَين أساسَين، وجودي ومعرفي، بين غرب يدّعي أنّه يعرف نفسه تماماً (بنفسه) وشرق قابل للمعرفة وعاجز ذاتيّاً عن معرفة نفسه.

وثالثاً: في كون الاستشراق متداخلاً مع بنى الدولة الحديثة في الغرب ومتشابكاً مع توجّهات المجتمع المدني فيه، ما حوّله إلى مؤسسة مُشتركة للتعامل مع الشرق(٣).

الاشتغال بأحوال الشّرق
جوستاف فلوبير، كاتب فرنسي (١٨٢١ – ١٨٨٠).

ويتحدّد الاستشراق في رأي الباحث اللبناني د. عمر فرّوخ (1906 – 1987) في كونه «اشتغال نفر من العلماء الغربييِّن بأحوال الشرق»، ويربط نشوءه بعوامل سياسية أمْلَتها الحروب الصليبيّة، ومن ثم بعوامل دينية بغرض التبشير، وعنده أنّ المُعجبين بأدب العرب المخلصين هم قلة(٤)، وهو يميّز بين طبقتين من المستشرقين: طبقة المستشرقين في الدّول الكبيرة (انجلترا، فرنسا، هولندا)، التي لها مُستعمرات، وبقيّة الدول التي لا تملك مستعمرات. وكان الغالب على المستشرقين في الدول الاستعمارية قلّة الأمانة في البحوث المشرقيّة (والدينية والثقافية منها خاصّة)(٥)، وفي تمييزه يحاول صاحب «العلوم عند العرب» إنصاف المُستشرقين (عموماً) ليذهب إلى القول إنّ الاستشراق ليس عدوّاً للإسلام واللّغة العربية، ويُقدّر أنّه يجب النظر في أعمالهم لا في أسمائهم ودينهم، فبينهم كان هناك يهود ونصارى من الكاثوليك والبروتستانت، فيتمُّ النظر إلى المحسنيّن منهم كما إلى المسيئين(٦).

وكان سبق للعلّامة الأمير شكيب أرسلان (1869 – 1946)، كاتب «لماذا تأخّر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ (1930) أن انتقد المستشرقين فقال»… فليس مرغليوث(٧) (David Samuel Margoliouth) ولا مُستشرقَة الأفرنج هم الذين يقدرون أن يعقّبوا على أئمة اللّسان العربي وأنْ يُصلحوا خطأهم، ولا سيّما في المسائل اللغويّة البحتة»(٨)، كما أنَّ أحمد فارس الشدياق (1804 – 1887) هاجم المستشرقين الإنجليز خصوصاً، في كتابه الساق على الساق في معرفة الفارياق (طبع في باريس عام 1852)، متَّهماً إيّاهم بجهل اللغة العربية، وبالترقيع «حين يجهلون معاني الكلام»(٩).

إنتاج الصُّوَر والتَّوهُّمات

بدوره لم يجعل د. خليل أحمد خليل كلّ عمل استشراقي مرادفاً للمركزيّة الأوروبية(١٠)، وهو أخذ على أكثرهم «توهُّمَهم»، فكانت معرفتهم مخالفة للمعرفة التاريخيّة العادية، ما جعل «الاستشراق يغدو مُشكلة ذهنيّة، مشكلة فلسفية ونفسانيّة، فكيف يسمح عارف لنفسه بأن لا يكون عقلانياً – وهو قادر على ذلك – فيلجأ إلى توهّمات عن الآخر، وغايته إنكاره لا معرفته كما هو، فينتج مفاهيم شائعة وابتسارات وأحكاماً منحرفة، بدلاً من إنتاجه وعياً طبيعيّاً لمجتمعات تاريخية وواقعية»(١١) في زعمه. وقد يكون سبب هذه التوهّمات أو التخيّلات نمط من الانسحار بالشرق بداية، بالأندلس وبغداد على صورة ألف ليلة وليلة(١٢) وفاقاً للمفكّر العراقي الراحل عبد الأمير الأعسم (1940 – 2019).

ومن ثم أتت الغلَبة بعد نهضة أوروبا، وهذه كانت «المُمَهِّد الحقيقي للاستعمار في القرن التاسع عشر وبعض القرن العشرين»(١٣)، وما صاغته من صور جديدة عن هذا الشرق. وهنا استقرّ في وعينا أنّ الاستشراق في تاريخنا الحديث كان قريناً للاستعمار ومرآةً للتبشير. وآية ذك أنّ الكُتّاب الفرنسييِّن في القرن التاسع عشر، على سبيل المثل، لم يجدوا إلّا الشرق أرضاً خصبة لمخيالهم، بعد أن جرى التحضير لذلك عبر ترجمات النصوص الشرقية الدينية والأدبية وكتابة السِّيَر والرحلات، وقد أدّت ألف ليلة وليلة (التي ترجمها غالان Galland عام 1704) دوراً مُعْتَبَراً في تحفيز المُخيّلة الغربية.
وكما قال الكاتب الفرنسي فيكتور هيجو V. Hugo (1802 – 1885) في مؤلَّفه «الشرقيون Les Orientales» (1829): «في ظلّ حكم لويس الرابع عشر (Louis XIV) كنا هِلِّينييّن (helléniste)، الآن نحن مُسْتَشرقون (orientalistes)». ما ساعدهم كَكُتاب على تخطِّي واقعهم والمباشَرة في كتابة جديدة(١٤)، ومن مصادرهم الثريّة فِكرة النساء في الشرق، وما تستثيره من مواقف وصور غير معهودة في الغرب، ويكفي قول شاتوبريان (1768 – 1848) (Chateaubriand) «سأذهب للبحث عن صور»(١٥)، إذ القراءة والسماع لم تَعُد كافية، بل يجب النّظر وضبط الرؤية.

ولعلّ رحلة الكاتب الفرنسي فلوبير G. Flaubert (1821 – 1880) إلى الشرق، (بدأها في العام 1849 وأنهاها في العام 1851) مُنتدَباً لجمع المعلومات، لا مجرّد رحالة، وانبهار صاحب «مدام بوفاري» (1856) بــ «الأميرة الصغيرة» إنما كانت بوصفه السيّد المسيطر، صاحب الأمر، هي في نظر أدوار سعيد: نموذج للعلاقة بين الشرق والغرب، وهي علاقة القوي المسيطر بالضعيف المغلوب على أمره، وفي زعم كاتب الاستشراق، أنّ فلوبير ليس مسؤولاً عن صورة المرأة الشرقيّة، لكن» هذه المرأة لم تتحدث مطلقاً عن نفسها، ولم تصوّر قط مشاعرها أو تعبر عن وجودها أو تاريخها، بل إنّه هو الذي تحدّث باسمها وصوّرها»(١٦).

وإذا راجعنا اللوحات الفنيّة المصوَّرة من الفنانين الأوروبييِّن في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لرأينا كيف يُرسَم العالم العربي كمكان غرائبي وغامض، من الرمال والصحراء والخِيَم والقصور، ما يعكس تاريخاً مديداً من الفنتازيا الشرقية التي ما تزال تفعل فعلها إلى اليوم في الأذهان، وقد تحكّمت الصّورة النمطيّة للحريم في أنماط تمثيل نساء الشرق الأوسط وأفريقيا في القرن التاسع عشر، وكما عبّرت بدقّة وبعمق، الباحثة الإنجليزية المُهتمة بتفكيك الخطاب الكولونيالي، داليا غبريال D. Gebrial (١٧).
وقد تصدّى الباحث الجزائري مالك علوله (Malek Alloula) (1937 – 2015) لهذه المقولة في كتابه «Colonial Harem»(١٨)، إذ ركّز في نقده لمسألة «البطاقات البريدية لنساء جزائريات» أيام الاستعمار الفرنسي، والتي كانت تُرسَل إلى المركز، إلى الأفراد بداية ثم يُعاد إنتاجها كصوَر تمثّل الجزائر، استناداً إلى الخلفيّات والنِّظرة النّمطيّة المُسبقة عن نساء الشرق.

نَصُّ الغلَبة

ومن المَطاعن على النَّص الاستشراقي ادّعاؤه المَعرفي، في هيئة مشروع ثقافي وجهد بحثي أكاديمي، وهذا في عرف الباحث العراقي، كامل يوسف حسين، «مجرّد أقنعة»(١٩)، وشاهده على ذلك المستشرق الأميركي، برنار لويس B.Lewis. واستناداً إلى طروحات هذا الأخير، يرسم حسين خمس سمات
للنص الاستشراقي في وضعيّة النزاع:

  • مُهاجمة الخصم وعدم التردّد في الكذب والتشكيك(٢٠)،
  • يعمل هذا النّص في عالم مُغلَق «لا يُفضي إلّا إلى ذاته…، ولا يؤشّر إلى عالم رحب يأخذ ويعطي، يؤثّر ويتأثّر»،
  • ولا يُقْدِم النّص على المقارعة العقلية والصراع المنطقي، وإنّما «من طريق سلب وجود هذا الآخر نهائيّاً، وبكلمة نفي هذا الوجود»،
  • يحرص النص الاستشراقي «على فصل المُعْطى الفكري عن سياقه التاريخي، من ناحية، ونسيجه السياسي والاجتماعي من ناحية أُخرى»(٢١)،
  • ادّعاء النّص التنكُّب لمشروع فكري ومعرفي فحسب، إذ يدَّعي صفة الحقيقة ويريد «فرضها على الآخرين»(٢٢).

والحال، كثيرة هي الشكوك على الاستشراق، ولا سيّما منذ تَحوُّله إلى «مؤسّسة» سبقت وواكبت وبرَّرت مرحلة الاستعمار التي شملت كثرة من البلدان في آسيا وأفريقيا والمشرق، ونجحت في إنتاج خطاب غير علمي في الأعمّ (حول الأعراق والبنى والذهنيّات والثقافة)، ولكنّه تَقَنُّع بالجهد الأكاديمي والعمل البحثي الصّرف، وقد عبّر هذا الخطاب عن مواقع الهيمنة والتسلّط التي وصل إليها الغرب، فترجمت القوة معرفة تلبّست لبوس الكونية. والتواطؤ بين الاستشراق والاستعمار تنامى، بحيث كان «من المُحال فصل هذه المصالح من طرف واحد عن السيّاق الإمبريالي العام الذي بدأ مرحلته العالمية الحديثة في العام 1798»(٢٣)، كما يقول سعيد، ولم يجد تناقُضاً في الانشغالين «ففي وسع المرء أن يكون مُستشرقاً إمبرياليّاً وكاتباً عظيماً»(٢٤).


المراجع

  1. أنور عبد الملك، «الاستشراق في أزمة»، نُشر النص أول مرّة في باريس في فصليّة Diogène، في العام 1963، وهي المجلّة الدوليّة للعلوم الإنسانية تصدُر برعاية اليونسكو، ثم نشر البحث باللغة العربية في مجلة الفكر العربي (لبنان)، عام 1983، في العدد 31 ، كانون الثاني – آذار، المُخصص للاستشراق.
  2. أدوار سعيد، الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة د. محمّد عناني (القاهرة، رؤية للنشر، 2008)، في 553 صفحة. ص 44. وهذه الطبعة الجديدة المترجمة تستند إلى الطبعة الإنجليزية المنقحة والمزيدة في العام 1995. وقد سبق للنص الأصلي الأول الذي حمل عنوان: الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء أن صدر في بيروت في العام 1980، في طبعات عدة، عن مؤسسة الأبحاث العربية، بترجمة كمال أبو ديب. في 368 صفحة.
  3. نقلاً عن محمّد رضا وصفي، «مراجعة الاستشراق في مجلة»، مجلّة آفاق الحضارة الإسلامية، العدد 6. المقالة منشورة على الشبكة .
  4. د. عمر فروخ، «المستشرقون: ما لهم وما عليهم»، مجلة الاستشراق، العدد الأول، (بغداد)، 1987. ص 54.
  5. المصدر نفسه، ص 56.
  6. المصدر نفسه، ص 57.
  7. مستشرق انجليزي (1858 – 1940)، تحوّل من اليهودية إلى الأنجليكانية، ودرس اللغة العربية في جامعة أوكسفورد من عام 189 الى العام 1937.
  8. شكيب أرسلان، من مقدَّمة النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي لمحمد أحمد الغمراوي، القاهرة، 1929. مذكور عند د. ميشال جحا، «موقف العرب من المستعربين»، مجلة الاستشراق (بغداد)، العدد الأول، ص 36.
  9. المصدر نفسه. ص 36.
  10. د. خليل أحمد خليل، «الاستشراق مُشكلة معرفة أم مشكلة اعتراف بالآخر؟»، مجلة الفكر العربي (لبنان)، صدرت عن مركز الإنماء العربي، العدد 31، العام 1983. ص 55.
  11. المصدر نفسه، ص 58.
  12. د. عبد الأمير الأعسم، «الاستشراق من منظور فلسفي عربي معاصر»، مجلّة الاستشراق (بغداد)، العدد الأول، كانون الثاني، 1987. ص 18.
  13. عبد الأمير الأعسم، «الاستشراق من منظور فلسفي عربي معاصر»، مجلة الاستشراق (بغداد)، العدد الأول، كانون الثاني، 1987. ص 18.
  14. Colette Julliard ,”Imaginaire et Orientalisme chez les ecrivains français du 19 èm siècle “, Revue Confluences, Hiver 1995 – 1996, P118.
  15. المصدر السابق نفسه، ص 184.
  16. أدوار سعيد، الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة د. محمّد عناني (القاهرة، رؤية للنشر، 2008)، في 553 صفحة. ص 49.
  17. داليا غابرييل، «سياسات الحب»، والمقال الأصلي هو بعنوان:
    «Decolonising Desire: The Politics of Love» ترجمة عبدالله البياري، 13 شباط/ فبراير 2017. المقال متوافر على الشبكة.
  18. Malek Alloula, Le Harem colonial, images d’un sous-érotisme, essai illustré (Paris, Genève, Slatkine éditeur, 1981 ; Séguier, 2001)
  19. كامل يوسف حسين، ترجمة وإعداد «خصائص النص الاستشراقي في وضعية النزاع: ملاحظات أولية حول سجال برنارد لويس وإدوار سعيد»، مجلة الاستشراق (بغداد)، العدد الثاني، شباط، 1987. ص 114.
  20. المصدر نفسه، ص 114.
  21. المصدر نفسه، ص 115.
  22. المصدر نفسه، ص 116.
  23. أدوار سعيد، الاستشراق، تذيييل العام 1995، مصدر مذكور، ص 507. ويمكن التوسع في نظرة سعيد في كتابه المهم: الثقافة والإمبريالية..(1993)، وقد ترجمه كمال أبو ديب إلى اللّغة العربية (بيروت، دار الآداب، 1997)، في 425 صفحة. وصدر الكتاب في عدة طبعات (الطبعة الرابعة عام 2014).
  24. أدوار سعيد، السلطة والسياسة والثقافة (حوارات مع أدوار سعيد) (2001)، (بيروت، دار الآداب، 2008)، في 496 صفحة . إعداد وتقديم غاوري فسوا ناثان، وترجمة د. نائلة قلقيلي حجازي. ص 234.

العدد 29