مرآة التجلِّي
في رمزية العطّار
وصلتم ثلاثين فرأيتم ثلاثين!
“الحضرةُ مرآةٌ ساطعة كالشمس، كلُّ مَنْ ينظر إليها يرى نفسَه فيها”، عبارةٌ اختتم بها الشاعر النيسابوري المتصوِّف فريد الدين العطّار رحلةَ الطيور إلى “الحضرة” في منظومته “منطق الطير” وجاءت ثمرةً لتبلور مفاهيم فلسفية وصوفية عبر الأجيال. فكَثُرَ ما تحدَّث المتصوّفون عن مبدأ “صَقْل مرآة القلب” لتصبح مجلوّة وتنعكس عليها الأنوار الإلهية، وذلك بالتخلُّص من كلّ شوائب النفس والأنا نحو الصفاء والنقاء والتحقُّق. فرمزية المرآة في الفكر الصوفي هي أنّها “تعكس الحقيقة”، وهذه الدلالة الصوفية المرتبطة بالمرآة تعود إلى ماضٍ سحيق، منذ أنْ وُجِدَت تلك النقوش والرسومات الهرمسية على جدران الأهرامات والمعابد المصرية القديمة وطي أوراق البردى وتُصوِّر ملوكاً عظماء يُحدِّقون في المرآة! وصَقْلُ مرآة القلب لدى المتصوفة هو بالذكر والمجاهدة الرُّوحية والتحلّي بالفضائل والتخلُّق بأرفع الخُلُق والآداب الروحية لتنقية القلب من شوائب الأنا ومفاسد النفس الأمّارة بالسوء لتصبح صافيةً نقيّة جليّة تعكس الأنوار الإلهية، وعلى قدر ما يزداد النور سطوعاً على تلك المرآة بقدر ما تتراءى ذراري غبار الشوائب فتستلزم مزيداً من الصَّقْل.
وتحدَّث أهلُ التصوّف برمزية المرآة وأبعاد التجلّي الشهودي منذ عهد أبي الحسين منصور الحلاج وصولاً إلى أبي حامد الغزّالي وجلال الدين الرومي ومحي الدين ابن عربي وغيرهم من المتصوّفة، بيدَ أنّ أفضل تصويرٍ لرمزية المرآة وإشارتها إلى التجلِّي الإلهي شهوداً نجده في منظومة “منطق الطير” للعطّار (توفي 627 ه)، تلك الملحمة الشعرية الطويلة التي تتألف من نحو 4,500 بيت، وهي تحفل بالرموز الروحية واللغة الإيحائية الصوفية، عن رحلةٍ للطيور تجتاز فيها الأودية السبعة بقيادة مُرشدها طائر الهدهد نحو حضرة “الطائر الأعظم”، السلطان المُطلق الدائم، “السيمُرغ”.
منطق الطير
تجتمع الطيورُ في منظومة “منطق الطير” وتختار لها طائرَ الهدهد، طائر سليمان الحكيم، ملكاً ومرشداً لها، وسرعان ما يحثّها على القيام برحلةٍ صوب الطائر الأكمل و”السلطان المطلق” المُسمَّى “السيمُرغ” (وهو في الفارسية كشأن “العنقاء” لدى العرب، وطائر “الفينيق” لدى الأقدمين). وأخذت الطيور تباعاً تُقدِّم الأعذارَ والتبريرات لكي لا تتجشَّم عناءَ هذه الرحلة، إلا أنّ الهدهد يُقدِّم لها إرشادات روحية وصوفية راقية للتخلِّي عن العلائق الدنيوية والارتقاء بآداب النفس وصفائها وتحقيق ذلك الحب الإلهي الأرقى واجتياز أودية العشق السبعة وصولاً إلى “حضرة السيمُرغ” ومشاهدته (المقالة الثامنة والثلاثون).
وفي ذلك يقول المتصوّفُ الكبير جلال الدين الرومي: “لقد اجتاز العطّارُ مدنَ العُشق السبع، وما زلنا عند زاويةٍ في طريقٍ ضيق”. لقد اتّبع العطّارُ نهجَ أهل التصوّف في ذكر المقامات والأحوال، حيث تُجاهِد النفسُ في طريقها إلى الحقّ متخلّصةً من كلّ العلائق ومُتطهَّرة من كل الشوائب، لا تُفكِّر في شيء سوى الغاية التي تسعى إليها عقلاً وعشقاً ومجاهدةً، فيجعل الطيرَ تجتاز سبعة أودية هي “وادي الطلب”، حيث يجب التطهُّر من كلّ العلائق وعدم الكفاف أو التواني لحظة عن الطلب والتحلِّي بالصبر؛ ومن ثم “وادي العُشق”، حيث يُقدِّم العاشق روحَه طواعية تلبية لأمر المعشوق؛ وبعده “وادي المعرفة”، حيثما كلّما واصلَ السالكُ المسير كلّما زادت معرفته بالأسرار، ووجبَ ألا يقنع بما يُحصِّله من معرفة بل عليه أن يقول دائماً “هل من مزيد؟”؛ ومن ثم “وادي الاستغناء” بأنْ يتخلّى عن كلّ شيء في الدنيا؛ ويليه “وادي التوحيد؛ و”وادي الحيرة” ومن ثم أخيراً “وادي الفقر والفناء” قبل الوصول إلى “الحضرة”.
العطّار والرمزيّة الصوفية
تنتمي منظومة “منطق الطير” إلى الأدب الرمزي الذي تبدَّى بحُللٍ سنيّة مع أعمالٍ فريدة اعتبر بعضُ الباحثين أنّها قد تركت أثراً كبيراً على العطّار، من مثل “رسالة الطير” للفيلسوف ابن سينا، و”رسالة الطير” للإمام الغزّالي، و”رسالة الغفران” لأبي العلاء المعرّي التي تعكس قلقاً فلسفياً، لكنّ البُعد الصوفي يبدو أكثر وضوحاً لدى العطّار الذي صاغه بلغةٍ رمزية أدبية عالية المستوى، حيث يرى بعضُ الباحثين أنّ الكاتب الإنكليزي جيفري تشوسر (Geoffrey Chaucer) قد تأثّر به في كتابه الشهير “مجلس الطيور” (Parlement of Foules).
وتتناثر في أرجاء المنظومة حكايا رُصِّعَت برموزٍ حِكْميّة فيها ما فيها من المغزى الصوفي الرمزي عن التحقّق والمشاهدة اليقينية، ولعلّ أكثرها دلالةً (ص 213، ترجمة د. بديع محمد جمعة عن الفارسية، دار الأندلس، 1996) حكاية عن ملكٍ وسيمٍ غاية في الجمال وحُسْنٍ لا مثيل له في الدنيا، “فما الصُّبح إلا إشراقة من وجهه وما الرُّوح القُدُسيّة إلا نفحة من طيب مِسْكه ولم يتمكّن أحدٌ قط أن يجد نصيباً من جماله، وبسببه غصَّ العالم بالإضطراب وحُبّه فاقَ كلّ حدٍّ لدى الخلق”.
ويستطرد العطّار في إشاراته الرمزية: “لكنّ هذا الملك الوسيم ساقَ جوادَه الأسود خارج المدينة، وأسدلَ بُرقعاً داكناً على وجهه … وإذا فكَّرَ شخصٌ في وصاله أصاب الفناءُ روحَه وعقله … وما أبهى هذا الأمر! إذ ليس لإنسانٍ أن يصبر على فراقه، وليس لإنسانٍ مقدرة على رؤيته، فكلُّ مَنْ رأى جمالَه عياناً، أسلمَ الرُّوح وماتَ متأوهاً. ويا للعجب! لو قُدِّر وتوفَّرت لشخص القدرة لحظة، لظَهر وجهُ السلطان له عياناً، ولكن إذا انعدم الشخصُ القادر على رؤيته فما استطاع أحدٌ محادثته ومرافقته..
.. فأمرَ السلطانُ بإحضار مرآة حتى يستطيع الخلقُ النظر في تلك المرآة، فشيَّدوا للسلطان قصراً جميلاً ووضعوا المرآة في مواجهته ثم صعد السلطانُ على سطح ذلك القصر، ونظر في التو إلى المرآة، وما إن أطلَّ وجهُه مشرقاً من المرآة، حتى أدرك كلّ شخصٍ منه علامة!”.
ويخلُص العطّار في تلك الحكاية إلى القول في ذروة الرمز: “إنْ ترغب في رؤية جمال الحبيب، فاعلَمْ أنّ القلب هو مرآة طلعته، ليكُنْ قلبك على كفّك، ثم انظرْ جمالَه، ولتكُن روحكَ مرآةً له، ثم انظرْ جلاله، إنّ مليككَ في قصر الجلال والقصر مضيء بشمس ذلك الجمال، وللمليك طريقٌ صوب كلّ قلب، ولكن لا طريقَ للقلب الضال صوبه … انظرْ إلهكَ في قلبك..”.
وحدة شهود لا وحدة وجود
إنّ العطّار بذلك يرمز إلى وحدة الشهود، الفناء عن شهود الكثرة والتعدُّد في شهود الأحادية، خلافاً لمفهوم وحدة الوجود الذي ينفي وجود الكثرة والتعدُّد ويوجِد الكل في الواحد.
وهنا يتحدّث الهدهدُ عن “الاستغراق في الحقيقة، وعدم إفشاء سرّها”، ويقول العطّار في إشارةٍ إلى اتّهام الحلاج وأبي يزيد البسطامي بالحُلولية “فحاشا لله أن تقول أنا الحق”، ويتساءل “كيف يكون المُستغرِقُ حُلولياً”، بل هو “في الحق دائماً مُستغرقٌ”. ويقول الهدهدُ عن ضرورة ظهور “مرآة لُطف” السيمُرغ في الدنيا: “فإنْ لم تكن لك عينٌ مُبصرِة تُدرِك السيمُرغ، فلن يكون لك قلبٌ كالمرآة المجلوة، ولا بُدّ من عشق هذا الجمال الأخّاذ، وكيف لا، وقد صنع مرآةً من كمال لطفه، هذه المرآة هي القلب، فامعِنْ النظر إلى القلب، ولكي ترى وجهه، أمعِنْ النظر إلى القلب..”. ويقول عن الاستغراق، فيما هو يوصي بالتشبُّه برابعة العدوية: “فقد كانت على الدوام غارقة في نور الحق، متطهِّرة من الفضول، وفي الله مُستغرِقة”.
وفي هذا الإطار يتحدّث العطّارُ عن “السيمُرغ” في بداية كتابه (المقالة الثانية) بشكلٍ محفوف بالغموض والرمزية، فيذكر أنّ بداية أمره من ديار الصين! ومن ثمّ يتحدّث عن وجوده خلف “جبل قاف”، ولذلك يخلُص إلى القول كما قال رسول الله (صلعم)، “اطلبوا العلم ولو في الصين!”. ويحثُّ الهدهدُ الطيورَ إلى السير في الطريق في طلب السيمُرغ: “امضُوا قُدُماً نحو تلك الأعتاب، فلنا ملكٌ بلا ريب يُقيم خلف جبلٍ يُقال له جبل قاف، اسمه السيمُرغ ملك الطيور، وهو منّا قريب، ونحن منه جدّ بعيدون..”. ويؤكّد الهدهد أنّ العلم والعقل لا طريق لهما إليه، ولو كثُرَ المشتاقون، فليس للعقل ولا للرُّوح مقدرةٌ على إدراك كماله، ولا إبصار جماله … مشيراً بذلك إلى شهود الحُبّ واليقين!
وهنا لا بّد من التمييز ما بين “وحدة الوجود” (Pantheism) و”وحدة الشهود” (اعتمد بعض العلماء لها مصطلح Panentheism) عند المتصوّفة، فلطالما حذّر كبارُ المتصوّفة في العهد الذهبي للتصوُّف من الوقوع في شرك وحدة الوجود بمنحاها الاتّحادي أو الحُلولي. ففيما تتحدّث وحدة الوجود أنّ للوجود حقيقةً واحدة ذات وجهين، حقّاً وخلقاً، فإنّ وحدة الشهود هي فناءٌ عن شهود الكثرة والاستغراق في الوحدة، ويقول المستشرق الألماني هلموت ريتر (Hellmut Ritter) إنّ من الأفكار المنسوبة خطأً إلى العطّار قوله بوحدة الوجود، فيما يبدو جلياً أنّ العطّار ابتعد كلّ البُعد عن أي أفكارٍ توحي بالحُلول والاتّحاد، بل إنّه يتحدّث عن وحدة شهودية استغراقاً في الله، ويؤكّد على لسان الهدهد “كلُّ مَنْ سارَ هكذا فإنّه يكون مُستغرِقاً، فحاشا الله أن تقول أنا الحقّ، وكيف يكون المُستغرِق حُلولياً..”.
ويلحظ ريتر أنّ غاية الصوفي هو الفناء في الله، فناءً شهودياً لا وجودياً، وما سفر الطيور إلى السيمُرغ إلا لتحقيق هذا الهدف الشهودي، ولو أنّ العطّار تحدّث في النهاية عن البقاء بعد الفناء بشكلٍ غامض استرسالاً في سرده الشعري.
إقرار شهودي يقيني
ويتحدّث الإمام أبو حامد الغزّالي في هذا الصدد عن وحدة الشهود التي تُثبت الوجود شهوداً، أي أنّ فناء الصوفي هو فناءٌ عن كلّ شيءٍ إلا عن الواحد المشهود، فهو “غائصٌ في بحر عين الشهود”، وبذلك يصبح الشهود بمفهوم أهل التصوّف “رؤية الحق بالحق”، والبقاءُ بعد ذلك إنّما هو بقاءٌ في الحقيقة إقراراً وعُرفاناً.
ذلك التوحيد الشهودي أو وحدة الشهود الذي يتجاوز ما هو نقلي يلتمس الدليل العقلي إلى ما هو شهودي، أي توحيدٍ يقيني ذوقي. وفي ذلك يقول الدكتور أبو العلا عفيفي “هو التوحيد الناشئ عن إدراكٍ مباشرٍ لِمَا يتجلَّى في قلب الصوفي من معاني الوحدة الإلهية في حالٍ تَجلُّ عن الوصف..”.
وكان العلّامة محمد علي التهانوي قد استدرك ذلك بقوله “يرشدُ فهم هذا المعنى إلى تنزيه عقيدة التوحيد عن الحُلول والتشبيه والتعطيل” في إشارةٍ إلى الطَّعن في المتصوّفة من قِبَل “طائفة من الجامدين العاطلين عن المعرفة والذوق”، فالمتصوّفة عندما يتحدّثون عن حالهم الشهودي يفهم هؤلاء الجامدون أقوالَهم بكونه وحدة وجودٍ حُلولية، متغافلين عن أنّ أهل التصوّف هم أكثر مَنْ يُكفِّر القائل بالحُلول والاتّحاد.
إذاً، في “مقام الإحسان”، تجمع هذه الوحدة الشهودية اليقينية معاً “التعالي أو المُبيانة التنزيهية” (Transcendence) و”محايثة الوجود الشهودية” (Immanence).
فالتجلِّي اليقيني الشهودي أو ذلك التجلِّي العُرفاني هو كشفٌ وشهودٌ يقيني، كشفٌ تختبره عينُ البصائر والأبصار معاً فتشهد باليقين بل بـ “عين اليقين” بحسب استعدادها ومدى صفائها. وقد استخدم أهل التصوّف والشهود المرآة التي تعكس الصور المقابلة لها مثالاً على ذلك الشهود، فالناظرُ إلى صورته في المرآة يرى نفسَه وكأنّه ليس فيها. وذلك ما تحدّث عنه محي الدين ابن عربي، بحسب شرح ابن سودكين، إذ بالنسبة إلى ابن عربي فإنّ “آدم هو العين التي تُبصِر الحقائق الإلهية المُنطبعة في مرآة الوجود…”.
وثمة شيخٌ صوفي آخر يعود إلى عصر ابن عربي تحدّث عن هذا الشهود اليقيني هو الأمير المكزون السِّنجاري، الذي يقول:
كـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلٌّ يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراكَ كــــــــــــــــــعينه إذ أنــــــــــــتَ مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرآة الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوجود
وســــــــــــــــــواكَ مــــــــــــــــــــــــــــــا يبــــــــــــــــــدو لــــــــــــــــــه فيغيــــــــــــــــــــــــــــــــــــب فــــــــــــــــــي حــــــــــــــــــال الشهود
ويقول أيضاً:
تجلَّــــــى لــــــي فجــــــلَّاني لــــــــــــــــعيني كما لي صــــــــــــــــــــــــورتي المرآةُ تجــــــــــــــــلو
أمّا الأمير عبد القادر الجزائري، الذي عاش في القرن التاسع عشر، فيتحدَّث مطولاً عن تشبيه التجلِّي بالمرايا، وذلك في كتابه “الموافق”، ويقول باختصار: “فما خلقَ اللهُ المرايا إلا ضرْبَ مثالٍ لتجلِّيه، وليست الصورة الظاهرة بسبب المقابلة للمرآة عين المُتَوجِّه على المرآة .. فالحقُّ يتجلَّى بالصور التي هي مراياه، بحسب استعدادها، أي أنّ هذا التجلِّي ليس حلولاً لا من قريب ولا من بعيد ولا اتّحاداً بين المتجلِّي والمُتَجلَّى لهم، بل هو خالص التوحيد”.
وكان الحلاج قد اعتبرَ هذا التجلِّي الشهودي “لطفاً إلهياً”، فالخالقُ “يُحدِثُ الخلقَ تلطُّفاً فيتجلَّى عليه، ثم يستتر عنهم تربيةً لهم، فلولا تجلِّيه لكفروا جملةً، ولولا سترَهُ لفتنوا جميعاً، فلا يُديم عليهم إحدى الحالتَين..”.
شمس الحضرة.. مرآة
ونعود إلى رحلة الطير صوب الحضرة، أخيراً، وبعد جهدٍ وعناء شديدين وصلت طيور العطّار إلى مبتغاها، (في المقالة الخامسة والأربعين): “فما إن وصلوا وأضاءت جباهَهم شمسُ القُربى فأضاءت أرواحَ الجميع من هذا الشُعاع، وفي تلك الآونة رأى الثلاثون طائراً (سي مُرغ) طلعةَ السيمُرغ في مواجهتهم، وعندما نظر الثلاثون طائراً على عجل، رأوا أنّ السيمُرغ هو الثلاثون طائراً. فوقعوا جميعاً في الحيرة والاضطراب .. حيث رأوا أنفسهم السيمُرغ بالتمام، ورأوا السيمُرغ هو الثلاثون طائراً بالتمام، فكلّما نظروا صوب السيمُرغ، كان هو نفسه الثلاثين طائراً في ذلك المكان..”. ويبرع العطّارُ في هذا الجناس في دلالته الشهودية بين عِبارتَي “سي مُرغ” أي ثلاثين طائراً، و”سيمُرغ” أي ملِك أو حاكِم الطير!
غرقوا جميعاً في الحيرة، إذ إنّ الثلاثين طائراً ما إن وصلوا وشاهدوا السيمُرغ حتى رأوا أنفسَهم على مرآة جلاله، فطلبوا من السيمُرغ شرحَ هذه الحال فأجاب أنّ “الحضرةَ مرآةٌ ساطعة كالشمس، فكُلُّ مَنْ يُقبِل عليها يرى نفسَه فيها.. وصلتُم ثلاثين طائراً، فبدوتم في هذه المرآة ثلاثين طائراً..”