الأربعاء, نيسان 24, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأربعاء, نيسان 24, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

كلمة سواء

ملك المودة والصفاء

اللبنانيون بكل فئاتهم سيذكرون الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود كصديق صدوق للبنان، رجل تفرّد بأخلاقه العربية الأصيلة وصدقه مع الجرأة والقوة في الحكم والقيام بأمانة الأمة والبلاد. صحف العالم كلها أبَّنته في صفحاتها الأولى مشدّدة على الدور الكبير الذي لعبه في نقل المملكة إلى عصر الحداثة والتقدّم الاقتصادي والإصلاح وترشيد الإدارة الحكومية. وفي خانة الإصلاحات التاريخية للملك عبد الله إنصافه للمرأة السعودية بإدخالها لأول مرة في مجلس الشورى وهو أعلى مؤسسة تمثيلية في البلاد يعضد الملك في رسم السياسات ويقترح ما يعتقد فائدته من قوانين وتشريعات.
إستكمل الملك الراحل مؤسسات الدولة السعودية فأنشأ المجلس الاقتصادي الأعلى وعزّز دور مؤسسات التنمية الاقتصادية واستحدث الجديد منها بهدف الاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما اهتم اهتماماً خاصاً بالمناطق السعودية وبالتنمية المتوازنة في المملكة وركّز على الشباب وعلى التعليم، فأنشأ عشرات الجامعات ومراكز البحوث وأطلق الاستثمار السعودي الكثيف في الطاقة المتجدّدة ولاسيما الشمسية وعزّز سياسات إرسال الشباب السعوديين لنيل أعلى التخصصات العلمية والتقنية في الجامعات الدولية. في عهده، وصل الاقتصاد السعودي إلى درجة من النمو والتأثير العالمي حتمت دعوة المملكة السعودية لتكون دولة عضواً في مجموعة العشرين التي تمثّل أكبر اقتصادات العالم، فأصبحت المملكة بذلك مشاركة ولها كلمتها المسموعة في إدارة الوضع الاقتصادي والمالي في العالم.
إتبع المغفور له عبد الله بن عبد العزيز سياسة مصالحة بين دول الخليج ونجح في معالجة التباينات في ما بينها، الأمر الذي عزّز الوحدة الخليجية وقدرة مجلس التعاون الخليجي على ان يكون منسجماً في مواقفه من القضايا الإقليمية والدولية، كما اتبع سياسة دعم القضايا العربية فوقف إلى جانب لبنان في الملمات وخصوصاً بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري ثم قدّم دعماً كبيراً للبنان بعد حرب تموز سواء على شكل وديعة مالية بملياري دولار لدعم احتياط البنك المركزي أم على شكل مساهمات مباشرة في إعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي ثم كانت هبة الثلاثة مليارات دولار للجيش والمؤسسات الأمنية شاهداً جديداً على حب الملك عبد الله وتقديره للبنان.
وكان للملك عبد الله موقف مشهود في دعم الدولة المصرية عندما قام مع دولة الإمارات العربية والكويت بتقديم مساعدات فورية بنحو 12 مليار دولار لمساعدة مصر على معالجة أوضاع مالية ملحة، مع الإعراب عن استعداد المملكة لتقديم المزيد في المستقبل في سبيل مساعدة مصر وشعبها على تجاوز الظروف الصعبة ومن قبيل التضامن العربي الذي يعتبر ان هناك مصيراً واحداً يربط بين العرب جميعاً وخصوصاً بين مصر ودول الخليج، وبين مصر والعرب جميعاً. هذه الأدوار المهمة والدعم السعودي الثابت لقضية فلسطين، جعلا من المملكة السعودية في عهد الملك عبد الله محور استقطاب وجمع وعامل مهم في قوة العرب وقدرتهم على مجابهة التحديات الكثيرة التي تواجه حاضرهم ومستقبلهم.
على صعيد خاص، فإن الموحدين الدروز في لبنان سيذكرون بالكثير من الوفاء والإمتنان روابط المودة والصداقة التي حافظ عليها الملك الراحل مع قادة الجماعة المعروفية العربية منذ أن كان قائداً للحرس الوطني، فقد كانت تربطه صداقة قوية بالشهيد كمال جنبلاط الذي كان أثناء زياراته للمملكة السعودية يزوره ويتبادل معه الرأي في شؤون لبنان والمنطقة، وقد استمرت علاقة المودة والتقارب عبر الزعيم وليد جنبلاط الذي يحتفظ بمودة خاصة للمملكة ويحرص كلما لزم الأمر على زيارتها والتشاور مع قادتها في الشؤون المصيرية التي تتعلق بلبنان والمنطقة.
وما بين الموحدين الدروز والمملكة السعودية في الأساس هو الانتماء العربي الواحد الأصيل، والموحدون الدروز كما هو معروف عرب أقحاح وفدوا في معظمهم من الجزيرة العربية ولعبوا تاريخياً دوراً حاسماً في حماية ثغور الدولة الإسلامية وحافظوا على هذا الدور لمدة زادت على الألف عام، وعضد الكثير من المثقفين والمفكرين والمهنيين من بني معروف المملكة عند قيامها وخدموها بإخلاص، وبصورة عامة يشعر الموحدون الدروز أنهم في قيمهم الإسلامية العربية المحافظة وتمسكم بأوامر الدين الحنيف ونواهيه إنما هم أقرب ما يكون في مجتمع اليوم إلى قيم وأخلاق أهل الجزيرة وقيم المجتمع السعودي بادية وحضراً.
رحمك الله أيها الملك الصالح الصديق نتذكرك بقلوب مسلمة لله تعالى، وندعوه سبحانه أن يضمك في فسيح جنانه، وأن يسدّد خطى خلفكم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في قيادة المملكة ونصرة فلسطين والعرب والمسلمين. وهو سميع الدعاء.

دروس من وزير شاب

سجّل وزير الصحة وائل أبو فاعور سابقة لافتة في القيام بالحكم وأمر الناس في لبنان. قرّر أن الدولة التي تكلف المواطنين أكثر من 85 % من ميزانية البلد السنوية لها وظائف وأعمال وأنها موجودة ويتقاضى موظفوها الرواتب والعلاوات ويتمتعون بالإجازات من أجل غرض معين.
في وزارة الصحة وجد الوزير أن الغرض من الوزارة هو حماية صحة المواطنين ثم وجد أن ذلك يقتضي التأكد من مطابقة غذائهم للحدّ الأدنى من مواصفات السلامة وخلوه من البكتيريات والفطريات السامة والأوساخ وغير ذلك مما قد تأنفه النفوس.
قرّر الوزير إذاً أن يرسل قواته من المراقبين إلى الجبهة، والجبهة هي السوق وألوف المطاعم والملاحم ومصانع الألبان والأجبان ومستودعات الأسماك واللحوم وإهراءات الحبوب وغيرها. ما وجده مراقبو الوزير وما اطلع عليه هو من خلال الجولات والتقارير يكاد يشيب له شعر الولدان فعلاً.. كشفت الحملة التي شنّها بلا هوادة عن واقع مخيف فاق بالفعل أسوأ التوقعات. كان الناس يعتقدون أن عدم التزام قواعد النظافة والصحة هو عيب في المؤسسات الصغيرة أو الهامشية التي لا تملك الحوافز للإتقان والعناية بالجودة ومواصفات السلامة وربما لا تمتلك الخبرة لذلك، لكن الناس فوجئت بأن أكبر المخالفين كانت لهم أسماء لماعة، ماركات تجارية منتشرة في طول البلاد وعرضها وهؤلاء المخالفون بسبب ضخامة شركاتهم وشبكاتهم قادرون بالتالي على التسبب بقدر من الضرر لصحة الناس أكبر بكثير مما يسببه بائع المناقيش أو سندويش البسطرما. ظهرت أزمة الغذاء باعتبارها واقعاً شاملاً وصناعة منفلتة من كل ضابط بل صناعة ومؤسسات تضع هي قوانينها ومواصفاتها من دون حسيب أو رقيب. أما المستهلك فعليه أن يبقى مطمئناً طالما أنه يشتري من مؤسسة لها إسم كبير وفروع ويافطات ملونة ومضاءة في الليالي.
دخل الوزير أبو فاعور منطقة محرمة بكل معنى الكلمة، منطقة مرصودة بالنفوذ وشبكات المصالح لكنه دخل مع ذلك ومن دون إستئذان، ولأنه يعرف قوة مافيا الغذاء فإن الوزير المقاتل قرّر بسرعة أن يخرج من ترسانة الدولة سلاح دمار شاملاً إسمه الإعلام، أو إعلام تسمية الأشياء بأسمائها، فبدأ يعلن على الملأ أسماء المؤسسات المخالفة وطبيعة كل مخالفة، وبث الوزير الرعب في أرباب الفساد وأوقظ في الوقت نفسه اهتمام الناس الذين ملّوا في الماضي البيانات والإدانات العمومية، فتحوّل هؤلاء إلى شركاء متطوعين في الحملة فكانوا يتابعون بيانات الوزير بمقاطعة فورية وعفوية لمنتجات الشركة المذنبة وتحوّل الناس بذلك إلى جيش جرار غير رسمي في حملة وزير الصحة.
لذلك، وبسبب الوزير أبو فاعور زادت ولا شك مبيعات حبوب تهدئة الأعصاب وأمضى كثيرون من المتاجرين بغذاء الناس ليالي بيضاء لم يذوقوا فيها طعم النوم، وقد كانوا على الأرجح، وحتى وقت قريب، يظنون أنفسهم من أصحاب الحصانات والإمتيازات فهم مؤسسات مهمة للاقتصاد ويجب بالتالي مراعاة مصالحهم. أما المواطن فدوره أن يقبل بالموجود والسلام.
قدّم وزير الصحة للجميع درساً مهماً لم يكن في الحسبان، وهو أن الدولة نائمة لكنها ليست ميتة. ولأنها نائمة فإنه من الممكن إيقاظها. تجار الغذاء ظنّوها ميتة أو أنهم يتصرفون في لبنان باعتبار أن الدولة ميتة أو باعتبار أنه ليست هناك دولة في الأصل. وفي أي مجتمع يدخل في روع العموم أن الدولة لا وجود لها فإن النتيجة هي ما رأيناه. الناس ببساطة سيأكلون بعضهم بعضاً، والتعبير الأصح أن الناس سيأكل القوي منهم (هنا التاجر والمتحكم بالغذاء) الضعيف وهو هنا المستهلك الأعزل. ولا توجد في لبنان كما اتضح، مناعة إلا لمن رحم ربي، أما الشركات الكبيرة فهي أول من يبدأ التفنُّن في الغش لأن عندها التكنولوجيا والخبرة أكثر من غيرها، ولا يمكن وصف الحالة المذهلة لتدهور غذاء اللبنانيين إلا بهذه الأسباب أي عدم وجود أي رادع خارجي وبالطبع عدم وجود رادع ذاتي يتعلق بالضمير المهني والإستقامة واستطابة الحلال.
الدولة اللبنانية ليست ميتة، وهي تملك، كما برهن وزير الصحة، أنياباً ومخالب ويمكن لأي وزارة أو ذراع من أذرعة الدولة إذا حزمت أمرها أن تعيد الناس إلى حظيرة القانون وقواعد الإنصاف والتوازن في لعبة الأخذ والعطاء. وما فعله أبو فاعور هو ببساطة أنه أوقظ الدولة النائمة وأمر المنتسبين إليها في وزارته بأن يتصرفوا كدولة أي كأصحاب سلطة وليس كمسلّط عليهم، وإذا بالدولة المتثاقلة المأكولة هيبتها تقفز على رجليها فجأة كمن مسته صدمة كهربائية وترفع السوط (وليس الصوت) وتلاحق وتسمي وتعاقب. مشهد أمتع الناس فعلاً وأراحهم، لكنه مشهد يأمل المواطن المثقل بالخيبات أن يتعمم في وزارات ومؤسسات حكومية أخرى، فلا يمرّ ما نشهده اليوم في وزارة الصحة، بعد لأي، كما يمر حلم ليلة الصيف.

كلمة سواء

البلديات ومسؤولياتها

بسبب الطريقة التي تعتمد في انتخاب المجالس البلدية ثم في انتخاب هيئاتها أصبحت البلديات في معظم القرى والبلدات مراكز سلطة يفتقد عملها إلى الشفافية ويتم بصورة عامة بعيداً عن أنظار الناس والناخبين وهم كما يفترض مصدر السلطة والهدف الأهم للخدمات التي يفترض أن تقدمها البلديات.
هناك لذلك حلقة مفقودة في عمل البلديات يجب تفعيلها إسمها الرقابة أو المحاسبة أو المتابعة أو المشاركة الشعبية، وهذه الحلقة غير متوافرة محلياً لأن المجلس البلدي نادراً ما يعدّ اجتماعات لأهل القرية بهدف المشاورة أو إطلاع الناس على ما يجري، ولأن سلطة الإشراف المتمثلة في القائمقام أو المحافظ نادراً ما تتدخل في عمل البلدية لأنها تعتبر البلديات جزءاً من وضع سياسي لا تدرك تعقيداته وهي (أي سلطة الإشراف) قد تتردد غالباً في اجتياز حدود معينة، وهذا بالطبع ما لم تحصل خلافات أو نزاعات تفرض تدخلها قانوناً مثل حالات استقالة نصف أعضاء المجلس أو وجود إرتكابات موثقة في الإدارة المالية أو غير ذلك من الأمور الجسيمة.
حقيقة الأمر أن صلاحية المجلس البلدي تنتهي في آخر المطاف لتتركز في يدّ رئيس البلدية وحده وعضو أو عضوين أكثر تفرغاً من غيرهما من الأعضاء، الأمر الذي من إيجابياته بالطبع تسريع عملية اتخاذ القرارات لكن من سلبياته أن إدارة الشأن البلدي تصبح في يد فرد من دون مشاركة فعلية أو محاسبة من قبل المجلس البلدي مجتمعاً. وبسبب ضعف الهمة والتواكل وانشغال الأعضاء الباقين في أعمالهم، أو شعورهم بأنهم لن يستطيعوا تبديل الواقع، فإن الكثير منهم يعتاد التغيب عن اجتماعات المجلس وهو ما ولّد طريقة أخذ تواقيع الأعضاء على القرارات في بيوتهم!!
في الحقيقة البلديات هي أساس الحكم المحلي وقانون البلديات أعطى لها صلاحيات واسعة رغم أنها ما زالت عملياً في الكثير من القرارات المالية تحت إشراف القائمقام الذي أعطاه القانون سلطة الرقابة على التصرفات المالية للبلدية، لكن رغم ما يمكن للبلديات أن تقوم به في إحياء المجتمع المحلي وتجميل البيئة وحمايتها وحفز التنمية فإنها لم تستطع حتى الآن أن تلعب دورها كاملاً وهناك شكاوى أكثرها يتناول التفرد وضعف الشفافية والتواكل وإهمال الشأن البلدي، وبرز في غياب الرقابة المحلية ميل للمحاباة في العقود أو اختلاط في الأولويات بحيث تذهب الأموال لمشاريع محسوبة سياسياً وتهمل أمور أكثر إلحاحاً لأنها «غير منتجة» سياسياً. وبصورة عامة فإن الشأن البلدي باتت له شؤون وشجون تجعل من الصعب تجاهله، لذلك فإننا نجعل منه أحد أهم الأمور التي نتابعها بالتعاون مع البلديات ومع رؤسائها ومسؤوليها لكن في الوقت نفسه من خلال التحقيق الأمين واستطلاع المعلومات والآراء بحيث تجمع تغطية الشأن البلدي بين الموضوعية البنّاءة وبين ما ينبغي من الصراحة لأنه من دون الصراحة لا يوجد حكم محلي ولا توجد خدمة عامة ولا ديمقراطية محلية.
لقد قدّمت «الضحى» حتى الآن خدمة المعلومة والتحقيق والمشورة في الكثير من المجالات وهي الآن تضم الشأن البلدي لكي يكون أحد المجالات التي تساهم من خلالها في تقدم المجتمع المدني والحكم المحلي والشفافية في إدارة شؤون الناس وحفظ أماناتهم.
ونحن نعلم حق العلم أن هناك بلديات نشطة ورؤساء بلديات قاموا بالكثير وقدموا لبلداتهم من وقتهم وفكرهم، وهؤلاء سنعمل لتسليط الضوء على إنجازاتهم والاستماع إلى تجربتهم وخبرتهم، لكن هناك أماكن وأوضاعاً تحتاج إلى مكاشفة، وفي تلك الحالات فإننا سنعمل دوماً مع رئيس البلدية والأعضاء من أجل جلاء الأمور والمساعدة على بلورة الحلول الناجعة. وستبدأ «الضحى» في هذا الإطار في عقد ندوات تستهدف طرح الشأن البلدي على الطاولة وفتح الحوار حول أفضل السبل للتقدم بمجتمعنا، إذ إن كلاً منا مسؤول في النهاية وأكثر الناس مسؤولية هم الذين اختارهم الناس لحمل تلك المسؤولية وأولوهم ثقتهم ووضعوا مقدراتهم بين أيديهم. وقد جاء في الحديث الشريف : «كلكم راع ومسؤول عن رعيته».

مشكلة النفايات: أين المفر؟

لبنان كما نعلم جميعاً بلد صغير وقد انتشر العمران في أرجائه ولم يعد هناك بالتالي في أي منطقة مكان ناء أو قفر يبعد عن العمران. فكيف إذن يمكن لسياسة الطمر أن تستمر وخيارات الأماكن «المناسبة» تضيق إلى حد لم يعد فعلاً هناك مكان يمكن أن تقبل به القرى المجاورة كمكب لنفايات «الآخرين» وقد كان الشعار الذي برز دوماً عند الخلاف على خيارات التعامل مع النفايات هو أنه لا يمكن لأي بلدة أن تقبل بأن تصبح هي مكب للبلدات الأخرى فكلٌ «مسؤول عن نفاياته»، وهذا منطق حق ولا شك لأنه لا يجوز التمييز في حقوق المواطنية بين قرى مرفهة تنتج النفايات وتلقي بها على قارعة الطريق وأخرى يكون عليها أن تستقبلها وأن تعيش معها، وذلك مهما كانت المبررات، لأن حق العيش في بيئة نظيفة غير ملوثة وغير ضارة بصحة الناس يجب أن يكون مصاناً في الدستور والقوانين وهذا الحق غير قابل للإستثناء أو النقاش ويجب على الدولة أن تنطلق منه في اية حلول قد تطرح لمشكلة النفايات.
إن تحول أي مكان إلى مطمر للنفايات يحدث على الفور إنهياراً في أسعار العقارات والاراضي القريبة منه ويجعل من مساحات شاسعة حوله غير صالحة للعيش وبالتالي للإستثمار، وفي كثير من الحالات ينتقل الأثر السلبي نفسه إلى ما هو قائم من عمران ومنازل أبعد عندما تبدأ الرياح بنقل روائح المكبات إلى غرف نوم الناس أو تفسد أمسياتهم على الشرفات أو في الساحات.
الحل المطلوب والأمثل لمشكلة فائض النفايات هو نفسه التي اتبعته الدول المتحضرة منذ عشرات السنين وهو حلّ الفرز عند المصدر، وهذا يعني أن كل مواطن مسؤول عن فرز النفايات التي ينتجها قبل أن يتم نقلها وذلك من خلال الفصل بين نفايات الورق والكرتون مثلاً وبين ما هو زجاج أو معدن أو بلاستيك أو نايلون ووضع كل من هذه الأنواع في أكياس ذات لون خاص بحيث يسهل على الشركات جمع النفايات كل نوع في شاحنات متخصصة ونقل الحاصل كله إلى معمل التدوير المناسب لها، وهناك أموال طائلة تنتج من تدوير الورق والكرتون أو البلاستيك أو المعدن أو الزجاج.
وتبقى النفايات العضوية وهذه يجب اعتبارها ثروة حقيقية من العبث إهمالها أو التخلص منها بالطمر أو الحرق أو غيرهما من الوسائل. ففي الكثير من البلدان وبسبب انضباط المواطنين في عمليات الفرز عند المصدر حلّت مشكلة النفايات منذ زمن وأصبحت قطاعاً اقتصادياً تستثمر فيه شركات كثيرة. في العواصم الأوروبية تتم عملية جمع النفايات المفروزة من قبل المواطنين في ساعات الليل أو الساعات الأولى من الفجر فلا يشعر بها أحد ويقوم الناس إلى أعمالهم في الصباح ليجدوا مدينة نظيفة وشوارع أنيقة لا توجد فيها حتى ورقة أو أي شيء مهمل في الشارع. وفي تلك البلدان هناك أساليب علمية لاستثمار النفايات لإنتاج الطاقة الكهربائية Biomass من غاز الميثان ويتم غالباً بعد استنفاذ طاقة المطمر استصلاحه عبر تحويله إلى مشاريع زراعية بعد تغطية مساحاته بالتربة المناسبة.
أما في الدول الآسيوية فهناك أساليب أكثر ابتكاراً لتدوير النفايات العضوية، خصوصاً في المناطق الريفية ، ففي الهند وسريلانكا يستخدم الناس أوراق الموز لصنع الصحون وهم يحفرون حفرة بسعة متر مكعب يلقون فيها بقية الأطعمة والمهملات العضوية، وقبل أن تمتلئ تلك الحفرة يضيفون 30 سنتمتراً من التربة ويغرسون شجرة مانغو أو أفوكادو أو بابايا فيها وستوفر الحفرة الغذاء للشجرة على مدى سنوات طويلة فتعطي أفضل الثمار.
في القرى اللبنانية يجب على البلديات تنظيم لقاءات توجيهية تعلّم الناس كيفية تخمير النفايات العضوية من خلال تخصيص حفر معينة في زاوية من الارض تلقى فيها بقايا النباتات ونفايات المطبخ وأوراق الأشجار اليابسة والكرتون والصحف والورق ويتم تخميرها عبر تغطيتها بالنايلون وإضافة سماد الدجاج إليها وريها ثم تقليبها باستمرار لينتج من كل ذلك سماد عضوي في غاية الجودة يمكن وضعه على الأشجار أو استخدامه في استنبات الخضار الصيفية أو الشتوية وفي تحسين التربة.
ونحن نعتقد أن منازل الجبل التي تمتلك حدائق أو قطعاً من الأرض يجب أن لا يُقبل منها أي نفايات عضوية بل أن تدرّب على تدوير تلك النفايات في التربة فإذا فعلنا ذلك فإن النفايات الباقية وهي النايلون والبلاستيك والزجاج والمعادن يصبح التعامل معها وتدويرها على نطاق صناعي أسهل ولن يشكل تجميعها وفرزها مشكلة بيئية.
إن إلزام المواطنين في القرى الجبلية من الشمال إلى الجنوب بتدوير النفايات العضوية في أرضهم يخفف كثيراً من مشكلة النفايات ويرتدّ بالنفع على الجميع لأننا بذلك نتعلم أن نستثمر ثروة مهمة في تحسين تربتنا وزراعتنا ونخفف كثيراً من المشكلة عند المصدر.

كلمة سواء

من فخر الدين إلى كمال جنبلاط

نحن والطب

يساهم المؤرخ الواسع الإطلاع الدكتور حسن أمين البعيني في هذا العدد في كشف الكثير من المغالطات التي أحاطت على الدوام بأحد أعظم الشخصيات التي انطبع بها تاريخ لبنان، وهو الأمير فخر الدين الثاني المعني، هذا الأمير الدرزي المسلم الذي تمكّن من توسيع ملكه ليشمل كافة ما يُعرف اليوم بلبنان ثم تجاوزه ليجعل من ملكه دولة تمتد من انطاكيا شمالاً إلى غزة- فلسطين جنوباً وحتى تدمر وبصرى شرقاً، وبسبب ما بلغه ملك فخر الدين فقد قال عنه أحد المؤرخين إنه «لم يعد ينقصه سوى دعوى السلطنة» فكان هذا الأمير الدرزي بذلك وبفضل سياسات التسامح التي طبّقها وبسبب دهائه السياسي وإدراكه لأهمية الاقتصاد مشروع مملكة تفرض واقعها الاستقلالي على السلطنة العثمانية لولا أن كل المعطيات التي كان يقوم عليها مشروعه غيرالمسبوق تشير دوماً إلى أنه كان طموحاً مستحيلاً ومشروعاً يحمل عناصر انهياره في داخله لأنه كان يناقض في جوهره نظام الإلتزام ومركزية الحكم العثماني الذي كان يصنع الأمراء ويزيلهم وفقاً لمتغيرات سياسة الباب العالي وتشخيصه لمصلحة الدولة في كل ظرف من الظروف التي كانت تمرّ بها الدولة العلية.
لقد نجح الأمير فخر الدين في اقتناص فرص ثمينة لتوسيع ملكه وتعزيز تحالفاته، ونجح في شراء الرضا الضمني أو المتوجس للدولة العثمانية بفضل كفاءته المشهودة في إدارة الاقتصاد ومدّ خزائن الباب العالي بالضرائب في وقت كانت الدولة تحتاج المال لتمويل حروبها على أكثر من جبهة. لكن حتى في عزّ قوته، فإن سلطان الأمير كان مستمراً بفضل سكوت الدولة العثمانية أو انشغالها وليس بسبب قوته الذاتية، وقد تبيّن خلال الأزمتين الكبيرتين اللتين تعرّض لهما حكمه (حملة حافظ باشا ثم حملة الكجك) أنه ما إن كانت الدولة تجرد الجيش على إمارته حتى كانت التحالفات التي بناها تتفكك بسرعة ليجد الأمير نفسه معزولاً في وجه القوة الساحقة للعثمانيين، وكانت تلك أدلة واضحة على أن الأمير فخر الدين رغم نجاحه الكبير كباني ملك إنما كان يركب مخاطرة كبيرة في توسيع نطاق حكمه في منطقة بالغة الحساسية للدولة العثمانية لأنها البوابة البحرية لبلاد الشام المطلّة على الأوروبيين ومصالحهم ومكائدهم المستمرة لإضعاف الدولة ولتجديد مطامح الحملات الصليبية على دار الإسلام.
لقد فوجئ السلطان مراد خان بالقوة التي بلغها فخر الدين واعتبر ذلك بمثابة وضع شاذ على قاعدة تعيين الملتزمين وتبديلهم وعدم السماح ببروز حاكم قوي. وقد تبيّن للسلطان العثماني كيف قضى فخر الدين على جميع منافسيه وكاد يمتلك من القوة العسكرية ما لو أراد توجيهها ضد الدولة بالتحالف مع الدول الأوروبية لكان قادراً على أن يهدّد موقعها في لبنان وسواحل سورية، لذك كان القرار سريعاً وحاسماً بإزالته أو على الأقل تفكيك ملكه وإعادته إلى حجم ملتزم إقطاعي لا يتجاوز ملكه حدود المناطق الصغيرة التي كان يعهد بأمر حكمها والجباية فيها لعدد من الملتزمين، وهي مناطق لم يكن ممكناً أن تجعل من أي منهم تهديداً لسلطة الدولة وهيبتها.
إن صعود فخر الدين المدهش ثم محنته يمكن النظر إليهما كدليل على شخصيته الفذة، لكن يجب في الوقت نفسه النظر إليهما كمثال على الحدود التي أحاطت على الدوام بمشروع كيان لبناني مستقل عن الداخل الإسلامي والعربي. ولقد أتاح الفراغ الذي نشأ عن انهيار الخلافة العثمانية فرصة لإنشاءعدد من الدول على أنقاض ممتلكات السلطنة، وكان من بين تلك الدول الكيان اللبناني الذي تكون بسلخ مناطق من سورية وضمها إلى جبل لبنان أو لبنان الصغير. لكننا اليوم نجد أنفسنا مجدداً في مواجهة عواصف الجغرافية السياسية لنستيقن مجدداً من الصعوبة المتجدّدة في حماية مشروع فخر الدين المعني أي مشروع إقامة كيان يمكنه الصمود مستقلاً وقوياً في مواجهة العواصف التي تضطرم بإستمرار في العمق العربي والإسلامي الذي يحيط به إحاطة السوار بالمعصم.
قدّم الدكتورالبعيني أمثلة على مشاريع مشابهة لمشروع فخر الدين تمثّلت في رأيه بالرئيس فؤاد شهاب والرئيس الشهيد رفيق الحريري ونحن نضيف إلى هؤلاء رمز مشروع بناء لبنان وطني منفتح وقوي وديمقراطي وهو المعلم الشهيد كمال جنبلاط، وقد سقط كمال جنبلاط كما سقط رفيق الحريري شهيدين للمشروع نفسه وأظهر استشهادهما مجدداً كما أظهرت محنة فخر الدين مدى ضيق الفسحة المتاحة للبنانيين لبناء كيان سياسي له حيثياته الخاصة واستقلاليته عن محيطه الجغرافي والسياسي، وهذا الوضع لم ينج منه فخر الدين ولم ننج منه نحن وقد لا يستطيع لبنان الفكاك منه إلى أن يقضي الله أمراً كان مقدوراً.

خصصنا في العدد الماضي حيزاً مهماً لموضوع السرطان لسبب أساسي هو أنه تحوّل إلى مأساة إنسانية تحصد الآلاف سنوياً وأن انتشار المرض بلغ مستوى مخيفاً وقد بات يشمل بآثاره المدمرة الصحية والاقتصادية والنفسية كافة الأعمار والفئات الاجتماعية.
إنطلقنا من دافع الرحمة بالمريض (وكثير من المرضى من أقرب الناس إلينا ونحن نعيش آلامهم وآلام أهلهم) والحرص الحقيقي على المساهمة بما قد يبعث الأمل لدى المصابين وأسرهم وينقذهم من حالة اليأس ويجعلهم طرفاً في الحل عبر ما يمكنهم فعله بأنفسهم على سبيل الوقاية أو القيام بما يدعم العلاج ويعزّز حظوظه.
«الضحى» مجلة للناس وللخدمة مثلما هي مجلة للثقافة والتنوير، وفي العدد السابق اخترنا هدف الخدمة بعد أن رأينا عدد الناس الذين باتوا يعيشون وطأة المرض في غياب أي ثقافة صحية تتعلق بأسباب المرض البيئية والغذائية والنفسية وغيرها. وقد بات مؤكداً حسب كل الأبحاث العلمية الحديثة بما في ذلك تلك الصادرة عن مؤسسات طبية محترمة في العالم أن السرطان يمكن الوقاية منه أولاً عبر اجتناب العوامل التي قد تشجّع على ظهوره أو تفاقمه بعد ظهوره، كما إن الأبحاث نفسها أثبتت أن المؤسسة الطبية في العالم وكذلك الصناعات الدوائية أصبحت تقرّ بالأثر المحدود جداً للعلاجات التقليدية مثل الكيمو والعلاج الإشعاعي وبخطورة آثارهما الجانبية وأنها باتت تطرح مقاربات جديدة تختلف بصورة خاصة في أنها تستهدف خلايا السرطان وحدها Molecularly targeted دون استهداف الخلايا السليمة، وهو ما يحصل عكسه في العلاج الكيميائي الذي يدمّر نظام المناعة ولا يصيب إلا جزئياً الخلايا السرطانية، لقد أبرزنا في المقابل أهمية السلوك الوقائي لأن المهم أن لا نخلق بيئة مشجّعة على المرض أولاً وهناك اليوم في منازلنا آلاف المواد والعناصر الكيماوية المختبئة في كل ما نستخدمه من منظفات ومعطرات ومحاليل ومنتجات استهلاكية وما نضخه من مبيدات وهرمونات في أغذيتنا اليومية وغيرها مما يحتوي على مواد مسرطنة بدرجات متفاوتة، ويكفي هنا ما كشفت عنه حملة الوزير وائل أبو فاعور لتعطينا فكرة عن حجم الخطر الذي يحيط بنا وبأسرنا يومياً.
لقد قرأ بعض الأطباء الذين نحترم في المقال موقفاً سلبياً من الأطباء وهذا أبعد ما يكون عن الواقع لأن المقال شارك فيه طبيب معروف بأبحاثه وكتاباته، كما إنه استند إلى عشرات المراجع العلمية والطبية وهناك بعض الأطباء الذين استشهدنا بهم ممن يعارضون بشدة الكيمو وقد عبّروا عن آرائهم كأطباء، و«الضحى» لم تفعل سوى إيراد المواقف العلمية ولم تدلِ كمجلة بأي رأي علمي، أضف إلى ذلك أن بعض المواقف الطبية من الكيمو أو العلاج الإشعاعي ليست موقفاً من الأطباء بل من قصور الخيارات العلاجية المتاحة أماهم، وبهذا المعنى، فإن الذنب ليس ذنب الطبيب بل هو نقص الوسائل وكذلك تدريبه العلمي الذي يجعله معتمداً بصورة شبه وحيدة على خيارات قاصرة لم تتبدّل كثيراً منذ عقود طويلة رغم مليارات الدولارات التي تنفق على أبحاث السرطان حول العالم سنوياً.
وإحدى النقاط اللافتة التي وردت في الدراسة هي أن أطباء السرطان أكّدوا بأكثريتهم أنهم لن يقبلوا الخضوع للكيمو في ما لو أصيبوا هم بالسرطان لأنهم يشكّون في فعاليته، وكان هذا المثال دليلاً كافياً على أن هناك تناقضاً وأن هناك مشكلة في المقاربة للمرض.
نحن كمجلة ليس لنا موقف من استراتيجيات العلاج لأن الأمر يعود إلى المريض وإلى الطبيب في نهاية الأمر، لكن الذي يمكننا أن ندعو إليه هو الوقاية كما عرضنا لبعض مبادئها في العدد السابق، ونحن نعتقد أن الوقاية من السرطان هي من الأهمية بحيث تستحق من وزارة الصحة الزاهرة تخصيص أسبوع وطني سنوي للتوعية بالعوامل الغذائية والبيئية التي تزيد مخاطر الإصابة وسبل الوقاية منها. وفي الختام فإننا نشدّ على أيدي أطبائنا خصوصاً في المؤسسة الصحية التي نعتبرها صرحاً صحياً للمنطقة وإنجازاً اجتماعياً ووطنياً نحرص على تقدّمه وتطوره بإستمرار.

كلمة سواء

لــو عــاد الملـــوك

قبل ستة عقود كان العالم العربي يعيش مرحلة ما سمي يومها حركة النهضة وبناء الدولة العصرية، وهي الحركة التي تبعت زوال الدولة العثمانية وتقسيم ممتلكاتها العربية إلى ممالك ودول وضعت لها دساتير وبنيت مؤسسات جعلتها على العموم أقرب في نظامها السياسي إلى الدول المنتدبة وهذه الدول تقاسمت أراضي السلطنة لتحوّلها إلى مستعمرات أو محميات أو ما شابه.
اللافت هو أن الولايات العثمانية السابقة اتجهت بصورة عفوية للبحث عن شرعيات تاريخية تجعلها على رأس الدولة فتشكّلت في العديد من الدول العربية أنظمة ملكية دستورية، إذ اعتبر الملك يومها بديلاً عن سلطة الخلافة العثمانية الغاربة والقادر بالتالي على توفير شرعية مماثلة توحّد المكونات المختلفة للمجتمع وتحقق الاستقرار والتطور والازدهار. في العراق مثلاً الذي يضم بطبيعته مكونات مذهبية وعرقية مختلفة تحوّل الملك إلى الضامن الأول لحقوق جميع الفئات والحَكَم المؤتمن في فض النزاعات وإعطاء كل ذي حق حقه. ولم تكن الملكية في العراق نظاماً استبدادياً كما أدخل في روع الأجيال التالية بل كانت ملكية دستورية محكومة بمؤسسات أبرزها الأحزاب والبرلمان ومجلس الأعيان والقضاء المستقل، وكانت الوزارة تعين من قبل مجلس النواب وتأخذ الثقة منه وقد سقطت عدة حكومات عراقية في مجلس النواب، وهو ما لا يحدث إلا نادراً حتى في الديمقراطيات المتقدمة، كما ترأس الحكومات في ظل النظام الملكي سنة وشيعة من دون تمييز وشغل الأكراد والتركمان مناصب بارزة وتولى يهودي عراقي منصب وزير المالية، وكان العامل الأهم في تلك الوحدة وفي انسجام تلك المكونات هو الملك الذي يحظى بشرعية أساسية بسبب انتمائه إلى البيت الهاشمي الشريف، وكذلك بسبب الحكمة واحترام القانون اللذين كانا الميزتين الأهم لأسلوبه في ممارسة السلطة والقيام بمسؤولياتها في الدولة. في الأردن الذي كادت تمزقه التناقضات ومضاعفات القضية الفلسطينية خصوصاً بعد خسارة الضفة الغربية كان الملك ولا يزال نقطة التوازن الحاسمة التي تساعد في الحفاظ على وحدة البلاد وحماية اللعبة السياسية على الرغم من عدم النضج الذي يميّز الكثير من أطرافها أشخاصاً وأحزاباً. في اليمن كان السلطان أيضاً عامل التوازن والوئام الداخلي في مجتمع قبلي مغرق في القدم، وفي مصر كما في ليبيا كانت عائلات ملكية عريقة تعطي لتلك الدول مكانة بين الأمم وتوفّر للمجتمع استقراراً ورفاهاً. وفي جميع تلك الأنظمة الدستورية كانت هناك مؤسسات تساعد الملك (أو رئيس الجمهورية) على الحكم وهي مؤسسات يتم اختيارها من أعيان البلد وأفضل الكفاءات وأكثرها خبرة. أما في فلسطين فقد تعمدت السلطة البريطانية تركها فريسة للإنقسامات تمهيداً لتقسيمها وإنشاء كيان يهودي غاصب على قسم كبير منها.
بصورة عامة كانت المجتمعات العربية مجتمعات مستقرة والأهم من ذلك كانت مجتمعات واعدة تسير في طريق الازدهار والتقدم الاقتصادي والثقافي والعلمي، وفوق ذلك تصان فيها كرامة الإنسان. ولم يكن من شيم تلك الحكومات الدستورية قمع الحريات أو تعذيب الخصوم أو خطف الناس في ظلمة الليل واقتيادهم إلى زنزانات وأقبية فلا يعرف بعد ذلك عن مصيرهم شيء.
في العراق يذكر التاريخ رواية معبّرة عن تلك الحقبة، إذ حصل أن كان الأمير عبد الإله الوصي على العرش العراقي يقوم في أول الخمسينات من القرن الماضي ببناء بيت له على شاطئ دجلة وقام البناءون نتيجة خطأ باقتطاع بضعة أمتار من أرض لجار له من عامة الشعب، فما كان من هذا المواطن إلا أن توجّه إلى القضاء وأقام دعوى على الأمير عبد الإله الذي بعد أن انتبه مهندسوه إلى الخطأ قام بتصحيحه وأعاد للفلاح حقه. . ويذكر أيضاً أن مجلس الوزراء العراقي أمضى في مطلع الخمسينات نصف ساعة في مناقشة حجم “مصروف الجيب” الذي يجب أن يصرف للأمير عبد الإله الذي كان يستعدّ لتلبية دعوة لزيارة الولايات المتحدة الأميركية. هذه حوادث حقيقية لا يعرفها الجيل الذي تربى على التاريخ الملفق الذي أنتج بعد ذلك لتبرير الإنقلابات العسكرية وهدم الأنظمة الشرعية الفتية في المنطقة.
صحيح أن أنظمة الحكم الملكية الدستورية التي سبقت موجة انقلابات العسكر كانت تشكو أحياناً من الضعف أو من تجاوزات البطانة، لكن كل تلك الأمور، كما اكتشفنا بعد فوات الأوان، لم تكن لتزن كثيراً في ميزان الاستقرار والاستمرارية والوحدة الوطنية التي أمنتها تلك العهود لمجتمعاتنا، كما أنها لا يمكن أن تزن شيئاً عند مقارنتها بما قاسته الشعوب العربية بعد زوال تلك الشرعيات الدستورية. وليس من قبيل المبالغة لذلك اعتبار مرحلة الجمهوريات والملكيات الدستورية بمثابة المرحلة “الإنسانية” الذهبية أو مرحلة حكم القانون في العالم العربي.
على العكس من ذلك، فإن القوى الانقلابية التي هللت لها الجماهير واندفعت في الشوارع فرحة بقدومها هي ذاتها اليوم التي قرر الجيل الثاني أو الثالث لتلك الجماهير بذل النفوس والتضحية بكل شيء من أجل التخلص منها. إنها لمفارقة محزنة ومدهشة أننا كعرب وبعد أن أضعنا ستين عاماً في ما سماه الشهيد كمال جنبلاط “السجن العربي الكبير” نبذل أقصى جهدنا لكي نعود إلى تلك الحالة الديمقراطية والحضارية التي كانت قائمة في ظل الحكومات الديمقراطية الطرية العود التي اكتسحتها “الجماهير” بقيادة “ثوريي” تلك الفترة التعيسة.
لكن هيهات أن يمكن إعادة جمع الإناء الذي تحول إلى حطام، فالتاريخ لا يرحم ولا يعيد نفسه، والمجتمعات الصحية والسليمة التي تمت تفرقتها وإجهاض تجربتها الديمقراطية المهمة لا توجد وسيلة سهلة لإعادة لملمتها وإحيائها، لأن الديمقراطية التي عاشتها بلدان المنطقة في فترة من الزمن لم تكن قائمة بسبب وجود مؤسسات فحسب، بل كانت كذلك بسبب وجود ثقافة ديمقراطية مقبولة لدى الناس وبسبب حكم القانون الذي كان يعزز شعور المواطنة ويشعر الأقليات خصوصاً بأنها آمنة على نفسها وتقاليدها ومعتقدها. وقد تطلب ترسيخ الديمقراطية عقوداً من الممارسة والتشريع والتنظيم والتدرب على الإدارة الحكومية كما تطلب وجود الملوك والحكومات الديمقراطية كقوى ضامنة وراعية للتجربة ولوحدة البلاد في الوقت نفسه.
وكما أن ثقافة حكم القانون كانت الأساس لقيام الجمهوريات والملكيات الدستورية في المنطقة العربية فإن موجة الانقلابات التي أطاحت بتلك الأنظمة واحداً بعد الآخر – في ما يشبه موجة وبائية- دشّنت على العكس ثقافة مختلفة تماماً مناهضة لكل ما هو ديمقراطي، إذ كان أول ما قامت به هو حلّ الدساتير القائمة وفرض أنظمة لا تخضع لأي مساءلة وتسن بنفسها ما يناسب مصالحها من قوانين وتتدخل في القضاء وتصادر الممتلكات من دون حق وتغيّر وتبدّل في الحكم وفي الإدارة وفي الجيش وفي الأمن وفي التعليم بل وفي كتابة التاريخ.
وبالطبع، فإن الترويج لثقافة الطغيان تحت ذرائع “التقدم” و”التغيير” وما شابه والاستهانة بالكرامات والحقوق على مدى عقود طويلة أنشأ في حد ذاته “ثقافة” جديدة “لا ديمقراطية” متأصلة حتى في سلوك الناس العاديين أو الذين يطرحون أنفسهم كبديل عن الوضع القائم. وهذا هو ربما سبب ما بدا من تعثر “الربيع العربي” إذ إن القوى البديلة كما ظهر حتى الآن لا تملك ثقافة حكم ناضجة تعينها على إقامة بدائل أفضل مما هو قائم بل في بعض الحالات سعى بعض الذين ركبوا موجة الاعتراض والمطالبة بالحرية إلى إقامة أوضاع استبدادية لا تختلف كثيراً عن الأوضاع التي اشتكى الناس منها وتمردوا عليها.
برزت مع الوقت صعوبة إضافية ناجمة عن أن الذين حكموا بإسم الشعارات البراقة انشغلوا بملاحقة رجال الصناعات والمال وأهل الثروات بذريعة محاربة الاستغلال ثم طاردوا النخب الحيّة من رجال قانون وجامعيين ومفكرين وأدباء وقطعوا بذلك شرايين البلد واقتصاده وهجروا قواه المنتجة والمبدعة، وهذا التفريغ المنهجي لقوى المجتمع يفسّر بدوره ضعف المشاريع البديلة في بلدان “الربيع العربي” وعدم قدرتها على إبراز قيادات قادرة على التأسيس لبدائل ديمقراطية وليس لأوضاع تكون من جنس الأوضاع السالفة أو أسوأ منها.
لقد وصلت المأساة حداً يجعل المرء يتحسر فعلاً على أيام الملوك وعهود السلام والإزدهار التي سادت في ظل الأنظمة التوافقية المعتدلة التي نشأت في عالمنا العربي في تلك الحقبة، ولو أن أولئك الملوك ما زالوا بيننا الآن لطالب كثير من الناس بتوليتهم مجدداً. لكن مثل هذا الحل بعيد الاحتمال والفتن قد تطول ربما إلى أن يتعب الناس من هذا الاستنزاف العقيم الذي لن يأتي بخير لأحد فيبدأون بحكم الضرورة وحب البقاء البحث عن حلول تقوم على مبدأ الأمن على النفس والمال والعرض والإنصاف والإصلاح واحترام الإنسان وكرامته وهذا أضعف الإيمان، أما الديمقراطية المرجوّة، فشأن آخر قد يطول انتظاره.

كلمة سواء

كلمة سواء

إستسقاء

الناس قلقون لبوادر القحط الذي يضرب بلاد الشام ولبنان. بعض كبار السن يؤكدون أنهم لا يتذكرون أن سنة كهذه مرت عليهم، وأن انحباس المطر بلغ هذا الحد المخيف، إذ لم يكن معدل الأمطار حتى منتصف شهر شباط قد تجاوز الـ 35 في المئة من المعدل السنوي. نبع الباروك الذي يسقي معظم بلدات الجبل، بل تذهب بعض مياهه إلى الساحل، لا يتجاوز تدفق مياهه الثلث من المعدل المعتاد. في البقاع، فاجأ انحباس المطر المزارعين الذين اضطروا لري سهول القمح على أمل أن ينقذوا ما يمكن إنقاذه من الموسم.
حقيقة الأمر هو أن القحط ليس خاصاً بلبنان أو بسوريا، بل هو أصاب معظم بلدان المشرق من السعودية إلى الاردن إلى مصر إلى العراق. لهذا، فقد تداعى الناس في كل هذه الأماكن إلى صلاة الاستسقاء، وأصدر رؤساء الدول والملوك نداءات طلبوا فيها من الناس أن يبادروا إلى صلاة الاستسقاء. وبالفعل، أقيمت الصلوات في كل مكان وصُعِّدت الأدعية إلى السماء متوسلة نزول المطر، لكنّ الطقس الجاف وانحباس الأمطار مستمران.
قرأنا في بعض المصادر أن الناس كانت في الماضي إذا توجهت إلى صلاة استسقاء تنظف أسطح المنازل، لأنها كانت تعتقد بأن السماء لا بدّ سترسل المطر بعد التوجه بالطلب الصادق المقرون بالدعاء والاستغفار من الله تعالى. وقد يكون ذلك من قوة إيمان أهل السلف وثقتهم برحمة المولى، وقد يكون أيضاً جزءاً من التوسل بمعنى أن تنظيف الأسطح استعداداً للمطر كان نفسه فرعاً من صلاة الاستسقاء، ويجوز لنا أن نظن أنهم كانوا اهل فطرة سليمة، وأن توسلهم استمطاراً للغيث كان توسلاً صادقاً ونابعاً من حرارة الفؤاد وخشوع الجوارح. وقد كان أهل ذلك الزمان في معظمهم فلاحين يعيشون حياة بساطة من الارض، وكان المطر بالنسبة لهم مسألة حيوية يتعلق بها بقاؤهم وكفاف العيش، كما أن تمسكهم بالسلوك القويم في حد ذاته كان جالباً للبركة وللرحمة والخير.
نستذكر تلك الأيام، ثم نتأمل هذا الغم الذي هبط على أهل الدنيا بصورة غير مسبوقة في فترة قصيرة جداً من تاريخهم الطويل. وها هي الطبيعة، يد الله الخفية، تقرع أبواب القلوب الموصدة، وليس أبلغ من نوائب الطبيعة تذكرة وعبرة لبني آدم لأنهم اعتادوا على أن ينظروا إلى الأرض والزرع والرزق باعتبارها كلها أموراً مسلماً بها، فلا يدخل في روعهم أنه من الممكن للطبيعة أن تغضب، وأن تمنع خيرها وماءَها عن العالمين.
لكن الله تعالى يحذرنا في كتابه العزيز بالآية الكريمة: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} (الأعراف: 58)، والإشارة الإلهية هنا هي إلى البلد الذي يخبث أي تكثر فيه الخبائث والمعاصي والمظالم، كما هي حالنا اليوم، هذا البلد لا يخرج نباته إلا نكداً، أي قهراً، كأنّ الأرض تمانع في أن تعطي، وكأنّ النبات يأنف أن يخرج ثماره، والغمام يشيح عن البشر ويأبى أن يرسل مطره على الذين يكفرون بنعمة الله ويرمون كتابه وراء ظهورهم ويفسقون ويظلمون.
يقول جل من قائل ايضاً في ما يشبه كشفاً منه يغيب ما هو آتٍ: } ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ (الروم: 41)، والقرآن الكريم يتحدث هنا عن كل أنواع الفساد في الطبيعة من تبدل المناخ إلى التلوث إلى فساد الطينة البشرية إلى الأوبئة والحروب والمجاعات، وكلها مصائب لم تأتِ من فراغ، بل زرعها الناس وسقوها بماء المظالم والمعاصي، فهبت في وجههم مثل هشيم من نار. ولا ننسى أن كل هذه المعضلات التي تهدد اليوم جو الأرض وتهدد الحضارة نفسها ظهرت كلها في وقت قصير لا يزيد على قرن، ومثل هذا الزمن قصير جداً إذا قيس بآلاف السنين التي عاشها الإنسان على هذه الأرض بدرجة كبيرة من الاستقرار والاستمرارية. فهل أن ظهور كل هذه المصاعب وكل تلك البلايا بهذه الصورة المفاجئة من قبيل الصدفة، أم أنها الثمن الذي ندفعه لقاء السير في طريق المادية الأنانية والتمرد على القيم والفضائل والشرائع والأديان؟
يذكر الحكيم لاوتسه، وهو من أعظم حكماء الصين القديمة، أنه بعد كل حرب تنزل على الناس سنوات قحط عجاف، أي أنه يربط بين الحرب وما يكتنفها من قتل ومظالم وبين غضب السماء وانحباس الخير. إن العزة الإلهية تحاسب على موت الأبرياء وتحاسب على انفلات الغرائز والأحقاد والظلم واستباحة الكرامات، وهي تثأر للأطفال وللأبرياء، ولكل من تنال منه الحرب الهمجية بأذى أو بنكبة في أهله أو بيته أو رزقه أو كرامته كإنسان. فما بالنا وما يحدث الآن في كل ناحية من نواحي عالمنا العربي، وما بالنا وهذا الفساد العام وهذا الانفلات المخيف لشهوة المال والتكبر في الأرض، وهذا التدهور في شعور التراحم والغيرة الإنسانية؟
صلاة الاستسقاء سنّة متّبعة ولا شك، لكنها مثل كل صلاة يجب أن تصدر عن قلب مؤمن، لأن “الأعمال بالنيات” كما جاء في الحديث الشريف، ولا يكفي لأهل هذا الزمن أن يصلوا طلباً للمطر إذا كانوا غارقين حتى رؤوسهم في الغفلات والمعاصي. وقد ذكر الله تعالى هؤلاء الناس في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وعنى بهم أولئك الذين يهرعون إلى التوبة والاستغفار عندما تصيبهم شدة، ولكن لا يلبثون أن يعودوا إلى ما كانوا عليه بمجرد أن يذهب الله تعالى عنهم ما كانوا يشكون منه.
وقد جاء في سورة يونس قوله تعالى: }وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ (يونس:12)
وقال تعالى يصف دعاء الغافل بقوله أيضاً }وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ{ (فصلت: 51).

كلمة السواء

كلمة السواء

حافظوا ..تُحفَظوا

الكثير من الناس استبدلوا دين أجدادهم وموروث الآداب والسلوك القويم الذي تناقلته الأجيال، بعقيدة العصر، وهي عقيدة الحرية المنفلتة من أي قيد، حيث الإنسان يعيش لنفسه ويضع على جبينه شعاراً بالأحمر لعل الجميع يقرأه، وهذا الشعار هو: “أنا حر”. إنسان العصر الجديد بين ظهرانينا هو تركيب مسوخي غريب من بيئتنا الاجتماعية وعصبياتنا ومن عقيدة الحرية الفردية التي أشرِبناها بمختلف الصور المباشرة والخفية بدءاً بسنوات الدراسة ومروراً بمقررات الجامعات وأخيراً عبر وسائل التواصل والمنتج الثقافي الغربي، سواء كان في السينما أو الأقنية الفضائية أم عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، وما أدراك ما الإنترنت.
كل هذه الوسائل وكل ما نراه في التلفزيون وعلى الإنترنت من كلمات ومشاهد وخطابات كله يدعونا لأن “نكون أحراراً، وأن نترك واجب احترام حقوق الآخرين، وهو يزرع في رأسنا أن حرية الفرد وحقه في أن يفعل ما يشاء هي الغاية لأي نظام سياسي واجتماعي في عصرنا. لا شيء في ما نتلقاه من كل تلك الوسائل يرشدنا إلى الفضائل أو إلى سبيل الله تعالى أو فعل الخير. لا شيء يبصرنا بأهمية وجود شرعة وأعراف تنظم العلاقات بين الأفراد والجماعات وتحول دون تحول الدنيا إلى غاب تسرح فيه الوحوش.
الحقيقة المؤسفة هي أنه لا أمل على الإطلاق في أي خير يأتي من حضارتهم لسببين أساسيين: الأول هو أنهم تخلوا تماماً عن الدين وقيمه وفضائله وباتوا يعيشون في مجتمع يمجد الأنانية وانهارت فيه لذلك قيم الترابط الأسري أو العائلي أو المجتمعي فأصبحوا أفراداً لا يربطهم رابط أخلاقي أو ديني أو اجتماعي. ومن الطبيعي أن تأتي القيم التي يروجون لها في منتجاتهم الثقافية لتعكس واقع تلك المجتمعات بل مأساتها. أما السبب الثاني، والذي لا يدركه السذج الذين يلحقون بتلك النفايات الثقافية هو أن ما يأتينا من جهتهم ليس لتسليتنا بل هو مصمم لتخريب نظام قيمنا بل هو جزء من “حرب إلغاء”، الهدف منها تدمير مقومات الثقافة العربية الإسلامية وكل منظومة قيم محافظة يمكن أن تقاوم المد الثقافي ومن بعده المد الاستهلاكي والتجاري للشركات الأجنبية. بهذا المعنى، فإن الذين يسقطون في فخ تقليد الآخرين واتباع النماذج الغربية الفاسدة يعتقدون أنهم يلحقون بالحضارة، لكنهم في الحقيقة يخسرون أنفسهم ويصبحون مثل شجرة مقطوعة الجذور إذ يتحولون بملء إرادتهم إلى عمّال أو خدم صغار لحضارة الاستهلاك الغربية وللقيمين عليها من حكومات وشركات وتجار سلاح ومؤسسات استرهان مالي واقتصادي وثقافي.
إذا أردت أن تعرف ماذا يحل بنا على هذا الصعيد يكفي أن تأخذ عينة من أبناء الجيل الجديد الصغار أو الأحداث، أو حتى الذين هم في سن الدراسة الجامعية، وكل ما عليك أن تحاول البحث عنه لديهم هو أي الأسماء والمواضيع هي الأكثر تكرراً في حياتهم اليومية، وما هو مثالهم الأعلى إذا وُجِد- وكيف يقضون وقت الفراغ في الموسم الدراسي أو في العطلات الدراسية. النتيجة المفاجئة أنهم يعرفون الكثير تقريباً عن “نجوم” عرب وأجانب وعن آخر “موضات” الموسم ومنتجات الهواتف الذكية وتطبيقات “أندرويد” أو “أبل” وألعاب، وكما أنهم منشغلون لساعات في اليوم في ثرثرات “الهاتف” أو “الفايسبوك” أو “تويتر”، وفي تبادل الصور والنكات والأغاني وغيرها من الترهات. الآن اِسأل أياً من هؤلاء عن آخر كتاب قرأه أو اِسأله عن شخصيات عربية أو إسلامية شهيرة يعرفها، اسأله عن زراعات الجبل أو أهم قراه، اسأله عن كمال جنبلاط أو سلطان باشا الأطرش أو شكيب أرسلان، اسأله عن أهله في جبل العرب أو في الجولان المحتل، اسأله عن نباتات الحقل وعن الوزال والبطم والقطلب والسنديان، اسأله عن الأنهر والأودية ومحميات الجبل، اسأله عن التنوخيين وعن الأمير السيد وعن الشيخ الفاضل وغيرهما من أولياء الجماعة المعروفية الشريفة.. اللائحة طويلة فلا تتعب نفسك في المزيد لأن الذي ستحصل عليه من أكثر أبناء جيل اليوم هو عيون فارغة وأفواه فاغرة وصمت مرتبك وغير مبالٍ.
تلك بصورة تقريبية نذر مقلقة لمستقبل لا نعرف ما الذي يحمله لنا، لكن يجب علينا أن نتكهن بما قد يجره هذا الفساد العام على حياتنا انطلاقاً من قاعدة متفق عليها بين عقّال هذه الأمة، وهي أن “الجزاء من جنس العمل” (إنما هي أعمالكم ترد إليكم)، وقد كان المغفور له الشيخ أبو حسن عارف حلاوي يذكرنا على الدوام بهذه القاعدة الأساسية عندما كان يشدّد على الدوام في لقاءاته بجمهور الطائفة وأركانها على أنه “بقدر ما نحافظ بقدر ما ننحفظ، بقدر ما نهمل بقدر ما ننهمل”، وهذا المبدأ البسيط يكاد يكون قاعدة ذهبية تلخص سرّ صمود الموحدين الدروز لشتى أنواع التحديات والأطماع ونوايا الشر على الرغم من قلة عددهم وعدتهم وافتقادهم للكثير مما يتوهم البعض أنه أساس القوة والغلبة، ألا وهو الكثرة في الرجال وفي المال.
هذا هو السر: لقد عمل أجدادنا والذين سبقونا بوصايا المولى وانتهوا عمّا نهاهم عنه، كما صانوا قيمهم وقيم أسلافهم، فأيّدهم رب العزة ونصرهم ولم يخذلهم في أي وقت. وقد تعهد المولى عباده الصالحين بهذا التأييد في قوله جل من قائل: }إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ{ (الحجّ: 38) وبالطبع أن الوجه الآخر لهذه الحقيقة هو أن الله تعالى لا يدافع عن الذين كفروا بنعمه وأهملوا وصاياه وساروا على غير هدى في سبل الطيش والشر والضلالة.
فلنتفكر بهذه الحقائق ولنستفق من غيبوبة الروح والضمير قبل فوات الأوان.

طريق السراب

الجبل يدفع أثماناً باهظة لزهد الناس بأرضهم وقراهم وتوجههم إلى سراب المال والعمل السهل في قطاع التجارة والخدمات وغيرها من الأعمال والمشاريع. نقول “أثماناً باهظة” بصيغة الجميع لنشير إلى العدد الكبير من الخاسرين في هذا التحول الاجتماعي الكارثي.
الخاسر الأول والأهم هنا هو أكثر قرى الجبل في لبنان التي فرغت من معظم شبابها ليس فقط بسبب الهجرة إلى الخارج، وقد كانت الهجرة عاملاً إيجابياً في تعويض الجمود الاقتصادي في الداخل ووفّرت للناس مداخيل بديلة مكّنتهم من الصمود، لكن بسبب النزوح من القرية إلى ما يمكن اعتباره “المدن الجديدة” التي لم تكن موجودة قبل خمسين عاماً لكنها أصبحت اليوم نقاط جذب كبيرة للناس من قراهم، وبسبب هذا الجذب والتدفق اليومي لسكان القرى القريبة والبعيدة إلى تلك الحواضر يستمر التوسّع العمراني العشوائي في تلك التجمعات السكانية، فتنشأ كل يوم عشرات الأبنية السكنية وتفتح المحال التجارية ومراكز التسوق والدكاكين المختلفة الأغراض.
صحيح أن وجود مراكز تجارية سهّل على الناس مسألة التبضع ووفّر عليهم في الكثير من الحالات عبء الانتقال إلى العاصمة أو غيرها من المدن البعيدة نسبياً، كما أن للمدن الجديدة ميزة هي أنها وفّرت قاعدة لقيام الخدمات الصحية والتعليمية، وهذا الاتجاه موجود في كل لبنان، وفي العديد من الدول، وسببه الأول هو النمو السكاني وتوسع شبكة المواصلات، الأمر الذي بات يسهل توصيل البضائع إلى أي نقطة في البلد من دون صعوبة.
لكن مثلما يحصل في المدن عموماً، فإن الكثيرين من الوافدين إليها ليس لهم عمل حقيقي، وهم يدلفون إليها من قراهم ليس بسبب وجود فرص أفضل لهم، بل بسبب عقلية الزهد بالأرض والعمل فيها والعيش مما تنتجه. واللافت أن العديد من أغنياء الجبل يستثمرون بسخاء في المشاريع الزراعية بعد أن اكتشفوا أهمية الزراعة كمصدر للدخل والربح، بينما يزهد الفقير في أرضه ويتركها لتبور وتأكلها الأشواك.
وهذا الجيل من النازحين بلا هدف إلى التجمعات الحضرية الكبيرة هم وعائلاتهم الخاسر الثاني لأنهم يُحشرون في شقق رثة ثم يعملون ليل نهار، من أجل دفع الإيجار وتأمين أقساط المدارس والطعام وغيره من الأساسيات، وهؤلاء هم دوماً في حالة عوز وضنك كبيرين. أما عائلاتهم فهي عرضة أكثر من أي مكان للتفكك والتمازج السيىء العواقب ورفقة السوء، ونحن بتنا نسمع الكثير عن الانحرافات ومظاهر الفساد التي تنمو في زواريب تلك المدن وعتمتها في بيئة هي، على عكس البيئة المتماسكة للقرية، مفككة أصلاً ولا تربط الناس فيها روابط تضامن بل حالة عامة من عدم الاكتراث في أفضل الحالات.
وبسبب النمو العشوائي للبناء في العديد من هذه التجمعات البشرية، فإن أكثرها يفتقد إلى البنى الأساسية الحيوية لتقدم أي مدينة، بل أن التزايد المستمر في عدد السكان وتكاثر الأبنية وتوالدها كالفطر خلق ضغطاً هائلاً على البنى الأساسية، وعلى الخدمات التي تكاد تكون شبه معدومة في الكثير من الحالات، وهذا ما يصيب المدن الجديدة بالكثير مما أصاب المدن اللبنانية الرئيسية وخصوصاً التلوث البيئي والضجيج وتردي شروط العيش مع تسرب مياه الصرف الصحي إلى الشوارع وبين البيوت. وتُفاقِم هذه الظروف مشكلة الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه وتردي نوعية الطرق وغياب أي صيانة للمرافق العامة.
خلاصة القول إن المدن الجديدة لها إيجابياتها لكنها ولّدت الكثير من السلبيات لأنها خلقت سراباً بات يجتذب الكثير من بسطاء القرى، كما تجتذب الفراشات إلى اللهب المحرق للشموع.

كلمة السواء

إعلان أو لا إعلان؟

مجلة “الضحى” في طريقها لأن تصبح أحدى أهم المجلات الفكرية في لبنان، وقد بات نطاق قرائها يتّسع مع كل عدد ليطاول مناطق وقرى جديدة، ومعدل اختراقها التوزيعي ينمو بصورة كبيرة وقد وصلت نسبة الأعداد المباعة من العدد السادس إلى %90 من مجموع الكمية المطبوعة، وهذه نسبة لا يوجد مقابل لها بين جميع المجلات وفق شركة التوزيع، بل أننا واجهنا مع العدد السابق مشكلة نفاذ الكميات من مناطق عديدة ومطالبة القراء ومراجعاتهم بهدف الحصول ولو على عدد واحد. علما أن هناك مطالبات دائمة من القراء بالحصول على الأعداد السابقة من المجلة ربما بهدف استكمال المجموعات وحفظها. ترافق ذلك بانطلاق خدمة الاشتراكات بصورة نشطة وهي خدمة يتم تنظيمها بما يضمن وصول الأعداد إلى العناوين المحددة من قبل المشتركين بواسطة اليد ونحن نعتمد خدمة التوصيل السريع من قبل شركة التوزيع لتأمين وصول الأعداد إلى المشتركين بعد أيام قليلة من صدور العدد وهذه الخدمة مؤمنة إلى مختلف المناطق وليس في بيروت فقط.
لكن أكثر المظاهر المشجعة هي أن المزيد من قراء ” الضحى ” يأتي الآن من خارج المناطق التقليدية عبر شبكة نقاط التوزيع والمكتبات التي تطالها شركة التوزيع في كل أنحاء لبنان ، كما أننا بدأنا نتلقى طلبات اشتراكات من مناطق مثل طرابلس أو الجنوب أو بيروت. ولا يمضي يوم إلا وتتلقى إدارة التوزيع اتصالات من أشخاص يرحبون بالمجلة وينوهون بمواضيعها وبفائدتها لهم ولأسرهم.
في هذه الأثناء، يسرنا أن نعلن أننا اقتربنا من استكمال الموقع الشبكي للمجلة والذي سيسمح للقراء في جميع أنحاء العالم بالإطلاع على المجلة ومواضيعها والتفاعل أيضاً عبر إرسال المساهمات المفيدة وما زال إطلاق الموقع يحتاج إلى ترتيبات محدودة ونأمل إنشاء الله أن تكون المجلة ” أونلاين ” في وقت قريب جداً.
هناك أمر مهم ايضاً يطرح الآن في المجلة وهو موضوع الإعلانات والرعايات. وقد كانت سياسة المجلة حتى الآن عدم السعي جديا للحصول على إعلانات من بعض الشركات أو المؤسسات على اعتبار أن المجلة، التي لم تقم كمشروع تجاري، يمكنها العيش على الموارد المؤمنة من المساهمات السنوية الكريمة لمجلس الأمناء وكذلك من دخل المبيعات والاشتراكات. ومن حيث المبدأ فإن مجلة ذات طابع جدي وثقافي وروحي مثل الضحى تشعر بقوة أكثر في كونها غير معتمدة على الترويج لأي سلعة أو مؤسسة من أجل أن تستمر في الصدور. لكن هناك من يعتقد في المقابل بأن زيادة موارد المجلة ستمكنها من تطوير خدماتها ومنها خدمة النشر وتمويل بعض مشاريع التأليف التي قد لا تجد اهتماما من دور النشر التقليدية.
لكن رغم سياستنا المستمرة بعدم السعي للحصول على إعلانات فقد بدأ عدد من المعلنين يكتشفون قوة المجلة وانتشارها وأهمية سوقها وهم يتصلون بنا عارضين شراء مساحات إعلانية فيها. والحقيقة أن اهتمام بعض المؤسسات بالإعلان في “الضحى” سيفرض علينا أن نقرر إذا ما كنا سنفتح باب الإعلان في المجلة أو أننا سنحافظ على خطها الحالي. وفي حال الأخذ بمبدأ قبول الإعلانات، ما هي النشاطات أو المؤسسات التي قد لا تكون مناسبة مع طابع المجلة ورسالتها وأهدافها وما هي المؤسسات التي يمكن قبول لها بنشر إعلاناتها. هذه أمور مهمة سيتم التشاور فيها مع المعنيين بما في ذلك مجلس الأمناء وسنحاول التوصل إلى موقف من الأمر في وقت لاحق. لكن في جميع الحالات لسنا مستعجلين وقد قدمت الضحى حتى الآن مثالا للمجلة الثقافية المنفتحة والمحافظة في الوقت نفسه، كما أنها قدمت مثالا في إمكان إصدار مجلات ثقافية هادفة بنجاح وتوازن مالي دون حاجة للإعلان. وهذا بالطبع ناجم عن دعم مجلس الامناء وسياسة في الإدارة تقوم على حصر الإنفاق على التحرير والطبع وعدم ترتيب أي نفقات إدارية من مكاتب أو موظفين أو غير ذلك. ونحن في عصر الإنترنت وثورة الاتصالات يمكننا تحرير المجلة والتواصل اليومي مع المحررين والباحثين دون حاجة لعقد الاجتماعات أو استخدام المكاتب. هذا على الأقل في المدى القريب وإلى أن يقوى عود المجلة وتتعزز مواردها المالية أو تتسع نشاطاتها، إذ عندها سيكون الجو مهيئا للانتقال إلى المرحلة التالية من العمل وهي مرحلة قد تحتاج إلى إطار أكثر ثباتاً وتنظيماً.

كلمة السواء

تجربة الضحى: تقييــــم أولــــــــي

الحمد لله أن أكثر ما يصلنا من ملاحظات حول مضمون الضحى يندرج في باب التجاوب الحماسي مع المجلة بصيغتها الجديدة والتفهم الواضح لرسالتها وللدور الذي بدأت تضطلع به في حياة الموحدين الدروز في لبنان والمنطقة، وكذلك في المغتربات القريبة والبعيدة. الشهادات أو الآراء التي تصلنا يومياً يمكن إيجازها بما يلي:

• إن المجلة وسيلة جمع لا تفريق: وهي أثبتت في نظر القرّاء أنها غير معنية بما يقسم الموحدين أو يضعف صفوفهم من الأهواء الشخصية أو الحزبية أو الولاءات المتنافرة، ومعنية فقط بما يجمع الشمل ويرتقي بالوعي ويعزز حصانة الأفراد والجماعة إزاء عوامل التفكك والانحلال الاجتماعي والأخلاقي، هذا التفكك الذي لا يهدّد فريقاً من الموحدين الدروز بعينه بل يهددهم جميعاً بغض النظر عن ولاءات كل منهم أو قناعاته أو اجتهاده السياسي، كما يهدّد الأسرة اللبنانية والعربية بغض النظر عن مشاربها أو معتقدها الروحي.

• إن المجلة غير سياسية ولا تتعاطى بالشأن السياسي: لقد ثمّن القرّاء عالياً واقع أن المجلة حافظت على الالتزام الذي قطعته منذ العدد الأول، وهي أنها ستعمل كوسيلة للثقافة والمعرفة ولن تكون منبراً للخوض السياسي. وقد اتفق معنا الجميع على أن من الأفضل، وبدل التلهي بالنظريات والتحليلات والثرثرة بغير علم، أن يقوم كل منا بما عليه لإصلاح شأنه وتقييم نفسه ومواجهة تقصيره، وأن تترك السياسة بشؤونها وشجونها لمن انتدبتهم العناية لتحمل مسؤولياتها وأوزارها.

• المجلة وسيلة للترقي الروحي والفكري والإنساني: وقد ثمّن القرّاء بالفعل كون المجلة جديدة وجدّية في مضمونها ومواضيعها، وليست منبراً للآراء والمحاولات الكتابية ولا تحتوي بالتالي على حشو أو مواضيع لا طائل منها أو فائدة للعموم.

• المجلة تتميز بتنوع واسع في اهتماماتها ومواضيعها: وهذا التنوع يعطي للقارئ وخصوصاً الجيل الشاب في المعاهد والجامعات الفرصة لتكوين ثقافة متكاملة وبناء الشخصية، كما أن تبويب المجلة يعكس فلسفتها في العيش الكامل والعودة إلى الجذور والتصالح مع الأرض وصونها وتثبيت الشباب في تاريخهم وقيمهم وتبصيرهم في ما يحدد شخصيتهم ورسالتهم ويميزهم بالتالي عن معاصريهم في الشرق أو الغرب.

• “الضحى” ليست برجاً عاجياً للثقافة: فهي توأم بين الجدية في المواضيع وبين سلاسة اللغة والأسلوب بما يجعل من السهل على جميع المستويات والأعمار من الناس قراءتها والإفادة منها، وهذه الميزة جعلت معظم الناس يرتاحون إليها ويقبلون على قراءتها بشغف وثقة.

هذه الخصائص في مجلة “الضحى” جعلت الناس يحرصون على الاستفادة من كل باب من أبوابها، وكثيرون أكدوا أنهم لا يتركون مقالاً أو زاوية في المجلة دون قراءة، بينما أعربت أمهات وربّات بيوت عن سعادتهن، إذ بات لديهن وسيلة للتثقيف وبناء الشخصية يمكن اعطاؤها لأبنائهن وبناتهن.
ومن الأمور الملفتة للإنتباه إقبال الكثير من السالكين في طريق التوحيد شباناً وشابات والعديد ممن يحضرون مجالس الذكر على توزيعها وتداولها والتحاور في مواضيعها، وقد كانت لبعض المواضيع أهمية خاصة في الإضاءة على الجذور التاريخية والإنسانية للتوحيد والغنى الاستثنائي للينابيع التي ينهل منها.
مع الطرافة لا التسلية
هناك ملاحظة لا بدّ منها في هذا السياق، وهي أننا وفي مقابل التأييد العام لنهج المجلة تلقينا من بعض الأصدقاء والقرّاء آراء تعتبر الضحى “جدية جداً” وتتمنى لو أننا ندخل أقساماً تسلي القارئ وتزيد من التنوع في أبوابها. وبالطبع، فإننا ننظر إلى تلك الاقتراحات وغيرها باهتمام وبانفتاح كامل لأننا ما زلنا مع هذا العدد الرابع في مرحلة تطوير واختبار وقد تكون نسبة كبيرة من المجلة قد استقرت الآن وباتت جزءاً من شخصيتها، لكن ما زال هناك متسع لإدخال المزيد من التحسين والتطوير. ونحن أدخلنا بالفعل في إطار الإضاءة على التراث أبواباً لا تخلو من الطرافة وإن كانت زاخرة أيضاً بالمعلومات والدروس، وهناك أفكار لإدخال وتطوير أقسام إضافية لكننا لن نفصل فيها في هذه العجالة.

“الضحى” في المكتبات
ابتداءً من هذا العدد الرابع سيتوقف التوزيع المجاني للمجلة، والذي استهدف في البدء إشعار الجمهور بالصيغة الجديدة التي صدرت بها واختبار هذه الصيغة والحصول على تقييم أولي من القرّاء. وقد أمكن الاستمرار في التوزيع المجاني للأعداد الأولى بفضل الدعم السخي لمجلس الأمناء الذي أعرب عن استعداده لدعم الاستمرار في التوزيع المجاني أعداداً إضافية. لكن المشكلة التي واجهتنا أخيراً هي عدم توافر عنصر التطوع بين الشباب بصورة كافية، الأمر الذي أثر على التوزيع وجعل قرى بكاملها أو أقساماً من القرّاء لا تحصل على المجلة وكانت الاتصالات الهاتفية تنهال على مندوبي المناطق وإدارة التوزيع يحتج فيها أصحابها على عدم الحصول على “الضحى” أو إصدار معين منها. وكان جميع المتصلين يسألون عن سبيل الاشتراك بالمجلة بحيث يضمنون الحصول عليها.
لذلك، وبعد تحليل الوضع وجدنا أن الوقت قد حان لطرح المجلة في الأسواق بصورة نظامية عبر شركة توزيع تغطي كافة أنحاء لبنان وخصوصاً مناطق الجبل. وهذا ما يحصل مع هذا العدد من “الضحى” الذي يمكن الحصول عليه من كافة المكتبات، كما سيمكن الحصول عليه أيضاً من مندوبين في بعض الأماكن مثل منطقتي حاصبيا وراشيا وعبر الاتصال بممثل “الضحى” في المناطق.

فتح باب الاشتراك
في الوقت نفسه تقرر فتح الباب لتقديم مساهمات الاشتراك والتبرعات التشجيعية للمجلة، وذلك على نوعين:
• تبرع اشتراك محدد يستهدف تأمين الحصول لسنة أو لسنتين على المجلة، والتي ستقوم شركة التوزيع بتوصيلها إلى عنوان المشترك بانتظام. ومن أجل ترتيب اشتراكات الدعم يرجى الاتصال بإدارة التوزيع والاشتراكات على الأرقام المبينة في صفحة المحتويات من هذه المجلة.
• تبرع دعم تشجيعي للمجلة يترك للإخوان في الوطن والمهاجر تحديده وفقاً لإمكاناتهم وغيرتهم، على أن يعود ريع هذه التبرعات لتطوير أعمال المجلة وتطوير نشاط النشر والأبحاث فيها.

الموقع الشبكي قريباً
الخطوة الكبيرة الإضافية التي باتت “الضحى” على أهبة اتخاذها هي إطلاق الموقع الشبكي للمجلة على الإنترنت بأبهى حلة ومع برمجة تتيح للقارئ في أي مكان في العالم الوصول إلى المجلة منذ العدد الأول وتصفح مواضيعها والتفاعل مع تلك المواضيع تعليقاً أو مساهمة. لكن الموقع الشبكي سيكون أكثر من أرشيف للمجلة، إذ سيتم تحديثه بصورة مستمرة عبر اقتراح نشر مساهمات القرّاء أو تعليقاتهم على المواضيع المنشورة، كما سيتيح الفرصة للمشاركة باستفتاءات رأي عبر الشبكة ستنظمها المجلة بغاية أخذ فكرة عن تفكير الشباب والقرّاء إزاء قضايا أساسية لها أثرها في حياة الجماعة ومستقبلها. وسيسمح الموقع الشبكي للقرّاء بمروحة واسعة من القراءات والاهتمامات وذلك عبر إضافة المواضيع والروابط المفيدة بما يجعل منه موقعاً شاملاً للثقافة والتراث والحياة الطيبة. ونحن نتوقع أن يتم إطلاق الموقع في النصف الثاني من شهر تشرين الأول المقبل، فتابعونا بعد ذلك التاريخ على الموقع الشبكي Dhohamagazine.org

كلمة سواء

حفظ الإخوان

مسؤولية جسيمة

في مواجهة حملة الأقاويل والافتراءات سيبقى الموقف هو السعي إلى الهدوء ورص الصفوف واجتناب الردّ على الإساءة بالإساءة بل حتى اجتناب الدخول في جدل مفتوح على الرغم من أن الحقائق واضحة وشفافة والوقائع موجودة ويمكن لأي شخص طلب الإطلاع عليها وهذه البينات أكثر من كافية لهدم تلك الأباطيل وإحراج أصحابها. ثم أن الذين يروجون لهذه الأنباء المسيئة يتجاهلون واقع أن المجلس المذهبي ومنذ صدور قانون العام 2006 بتنظيم طائفة الموحدين الدروز وضع حداً لمرحلة الاستنساب والشخصنة وأقام مؤسسات قوية لها أنظمتها ومحاسبتها وأساليب التدقيق الصارمة على شؤونها. كما أنهم يظنون ربما أنه كلما كبرت الاتهامات وكلما توالت الحملات يكون وقعها أكبر، الأمر الذي يستدرج إلى الرد ثم الرد على الرد فتظهر الساحة الدرزية ساحتين أو ساحات عدة ويهنأ المحرضون في الخفاء على ما يقع بهذه الطائفة الشريفة من بلاء وعداوة.

إن ما شهدناه من قذف الافتراءات وأسلوب التشهير يرتد على أصحابه أولاً، لأنه يبين بوضوح أنهم قابلون للسقوط في الهوى الشخصي ومسالك الكيد والإيذاء بالتهم الباطلة، وهو يرسم بالتالي لدى جمهور الطائفة وعقالها علامة استفهام كبيرة حول مؤهلات هؤلاء الناس وإمكان ائتمانهم على أمور جليلة تتعلق بالشأن العام. إن المشكلة الحقيقية والملحة التي تحتاج إلى معالجة ليست في ما أثير ويثار من أباطيل أو أخبار محرفة أو غير دقيقة، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، بل في أسلوب إثارة هذه الأمور من قبل أشخاص يرومون في أنفسهم الأهلية للولاية على الناس، هذا الأسلوب المستهجن الذي تم إدخاله في الحياة العامة للموحدين الدروز ليسجل بذلك سابقة لم نشهدها من قبل حتى في أسوأ فترات الخلافات الداخلية. وهو إثارة الشقاق والفوضى ورمي الناس بتسرّع وخفة في أمانتهم وكرامتهم.

وللمناسبة ولتبرئة الذمة كما يقال ننشر في ما يلي نصاً توحيدياً صدر عن مشيخة عقل الطائفة في عهد المغفور له الشيخ محمد أبو شقرا يتناول بصورة خاصة موضوع حفظ الإخوان وآدابه وشروطه. وهذا المبدأ الجليل الذي تقوم عليه حياة الموحدين الدروز يعتبر أساس دستور السلوك وعمود الدين ولهذا فقد اهتم العقال على الدوام بمراعاته والعمل به فكانوا دوماً عوناً لبعضهم البعض على تعزيز التضامن ونبذ الفرقة والإصلاح وسداً منيعاً في وجه محاولات الوقيعة والخلاف أياً كانت ذرائعه وأسبابه. وبهذا المعنى يشدد النص على أن الأُخوة لدى الموحدين الدروز “لا تحتمل المخاصمة ولا المزاحمة ولا المغالبة ولا الغيبة ولا النميمة ولا الوقيعة ولا التهمة ولا قبح الظن”. ولا يوجد في الحقيقة تعريف أوضح لواجب الحفظ والأخوة في الدين أوضح من ذلك، وهذه الواجبات يلتزم بها عقال الموحدين في علاقاتهم وفي مجالسهم ولقاءاتهم فيقدمون في توادِّهم وحلمهم وغيرتهم أمثلة تحتذى في سمو الأخلاق وعلو الهمة ورجاحة العقل. وقد كان لهذه الشيم عبر الزمن الفضل الأكبر في استدرار البركة والتأييد للطائفة في كل مرة حصل عليها افتئات أو عدوان أو حاول البعض الانتقاص منها أو من مكانتها.

يعرِّف النص التوحيدي حفظ الإخوان وآدابه بدعوة السالك لأن “يبذل في سبيل الإصلاح” وأن يكون “باراً حامداً شاكراً، ذاكراً صابراً، تقياً، وفياً، شريفاً، نظيفاً، كريماً، صدوقاً، عاقلاً، عالماً، طائعاً، قانعاً، عادلاً، مفضالاً، شجاعاً” لا ينطق بريبة، ولا يذكر أحداً بغيبة، ولا يكون سباباً ولا حسوداً ولا جحوداً”.

هذه الخصال هي جوهر قانون الأخوة في التوحيد وكل من يخالفها فإنه يأخذ طريقاً آخر هو طريق الهوى ووساوس النفس الأمارة مهما كانت الذرائع والمبررات. لأن طريق السلام واضح وطريق الخصام والشقاق والإفساد في الأرض واضح ولا مجال للتوفيق بينهما.
نسأل الله أن يعيننا على التزام موجبات الأخوة في الدين والصدق في التعامل وأن يهدنا سبل الخير والبر والإصلاح . وفي ما يلي النص التوحيدي حول “حفظ الإخوان وشروطه”.

حفظ الإخوَان وَشروطه

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ً﴾ [آل عمران 103]

واعلم انه لا يتم الإيمان إلا بحفظ الإخوان، وأول المحافظة معرفة، ثم مودّة، ثم إلفة، ثم محبة، ثم صحبة. ولا محبة، ولا إلفة، ولا مودة، إلا بموافقة البواطن لقوله تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ (الحجر:47) سرهم كجهرهم “والصحبة إذا صحّت شرائطها كانت أخوّة”. وشرائطها إنها لا تحتمل المخاصمة، ولا المخاذلة، ولا المجادلة، ولا الاستهزاء، ولا الازدراء، ولا المزاحمة، ولا المغالبة، ولا الغيبة، ولا النميمة، ولا النقيصة، ولا الوقعية، ولا التهمة، ولا قبح الظن، بل تكون لصاحبك الكبير كالإبن، ولنظيرك كالأخ، وللصغير كالأب، ولوالديك كالعبد، وللأستاذ كالمملوك، وأجل الاخوان والأصحاب أعلمهم، فإن استووا فأعملهم، فإن استووا فأسنّهم، فإن استووا فأقدمهم.

إن أجلّ الاخوان وأتم الأصحاب، أحسنهم خلقاً، وأكثرهم أدباً، وأقدمهم صحبة، وأوفاهم عهداً، وأقلهم حقداً، وأوسعهم برّاً، وأعظمهم احتمالاً، وأصدقهم قولاً، وأصحهم وعداً، وأقربهم قلباً وأصغرهم نفساً، وأكملهم عقلاً.

وعليك بمكارم الأخلاق فإن بها ساد من ساد من جميع العباد، لأنها جمَّاعة للمحامد الدينية، وهي مولود العقل، وبه قامت ومنه ظهرت وعنه خرجت، فكن لها طالباً وفيها راغباً، لعلك تبلغ منها ما يجمّلك في حياتك، ويعود عليك ثوابه بعد مماتك.

“ومن شروط الأخوّة وعنوان المروءة أن توسع على أخيك من مالك ولا تطمع في ماله، وأن تنصفه من نفسك ولا تطلب أن ينصفك. وتستكثر من الجميل ما أسداه إليك، وتستقل ما أسديته إليه”. فمن كان لذلك فاعلاً وعليه مواظباً، ظهرت مروءته وتمّت أخوّته، ووجب له التكريم، واستحق التقديم، وكان من الإخوان المَثني عليهم في كتاب الله العزيز ﴿إخوانا على سرر متقابلين﴾.

واعلم أن أفضل المجالس هي مجالس العلماء. واعلم أن جلساءك ثلاثة: جليس تستفيد منه، وجليس يستفيد منك، وجليس لا تستفيد منه ولا يستفيد منك. فأما الجليس الذي تستفيد منه فلازمه، والجليس الذي يستفيد منك فأكرمه، والجليس الذي لا يفيدك ولا تفيده فاهرب منه.

واعلم أن لا شيء أفضل من الحق وبيانه والعمل به، فمن تمسك بالحق وأمر به ودعا إليه وأوضح مسالكه وهدى اليه فقد بلغ المقصود والمقام المحمود، وحصل من الله سبحانه وتعالى على أفضل مأمول، فابذل في سبيل الإصلاح ما تستطيع واحرص كل الحرص أن لا يفوتك الخير ما وجدت لك إليه سبيلاً، واتبع ما يعينك عليه ويسهل لك الطريق إليه. وكابد الأمر بكل مجهود وكن رقيباً على نفسك بنفسك، ولا تخش إلا ذنبك، ولا تخف إلا ربك، وكن عبداً حراً، باراً حامداً شاكراً، ذاكراً صابراً، تقياً، وفياً، شريفاً، نظيفاً، كريماً، صدوقاً، عاقلاً، عالماً، طائعاً، قانعاً، عادلاً، مفضالاً، شجاعاً، لا تنطق بريبة، ولا تذكر أحداً بغيبة، ولا تكن سباباً ولا حسوداً ولا جحوداً ولا عنوداً، ولا خوّاناً ولا مناناً، ولا تقل ما لا تفعل، ولا تفعل ما لا يرضي الله تعالى. ولا تطلب أن تحصد دون أن تزرع، وعالج أمورك كلها بالإصلاح تلقى النجاح والفلاح. فإذا فعلت ذلك حصل لك خير عظيم وبلغت الى ما يسرَّك في دنياك وأُخراك.

ثم قيد لسانك بالصدق، ونفسك بالقنع وقلبك بالإيمان وجوارحك بالطاعة، وراقب مولاك سبحانه مراقبة من يعلم أنه يراه في أي مكان وعلى أي حال، ولا تهمل معروفاً، ولا تستصغر عملاً، ولا تحتقر أحداً، ولا تقهر يتيماً، ولا تنهر سائلاً، ولا تمنع طالباً، ولا تؤذ جاراً، ولا تبخل بالسلام، ولا تستصغر ذنباً، ولا تستقل عيباً، ولا تقرب الحرام، وان عاداك الزمان وقلّت لك فيه الأعوان فاركب له جواد الصبر، والبس له درع التقى، وتقلد بحسام الحق، واتّخذ ترس التوكل، وحاربه برمح الخوف وقوس اليقين، وارمه بسهام الرجاء، فإنك لا شك غالب غير مغلوب، لأن سلاحك هذا هو سلاح النصر.

كلمة شكر

تعاود مجلة “الضحى” الصدور وعلى أسس جديدة، الهدف منها توفير منبر جامع للطائفة ووسيلة تعبير فعّالة عن قضاياها والتقدم بأوضاعها في الوطن والمغتربات.

من أبرز التغييرات التي وفّرت للمجلة فرصة الانطلاق مجدداً هو الدعم المالي السخي الذي قدمته كوكبة من رجالات الطائفة الغيورين وذلك بهدف توفير نوع من الوقف المالي للمجلة، بحيث يتوافر لها في انطلاقتها الجديدة ما يكفي من الموارد المالية لاستقطاب المساهمات وإجراء الأبحاث والمبادرات ونشاطات النشر. وقد تشكّل من الإخوة الداعمين مجلس أمناء سيضطلع أيضاً بتقديم المشورة وأشكال الدعم التالية للمجلة، بحيث يدعم عمله عمل المجلس المذهبي الذي كان له أيضاً الفضل الكبير في إتخاذ قرار إعادة الصدور، كما تكرّم أعضاؤه الأفاضل بتوفير الدعم غير المشروط للصيغة والتي، إضافة إلى توفير القوة المالية، منحت رئاسة التحرير ثقتها والتفويض اللازم لتأمين إعادة إصدار المجلة وفق مقاييس الجدية والجودة التي تجعل منها منبراً رفيعاً للطائفة وقناة للتواصل والحوار داخل جماعة الموحدين وكذلك بينهم وبين المحيط الأوسع العربي والمشرقي والإسلامي.

إننا نتقدم بأسمى آيات الشكر والامتنان لذوي الغيرة من رجالاتنا الذين هبوا لتبني هذه المبادرة ودعمها بالمال والذين أدركوا الأهمية الكبيرة لسد الفراغ الإعلامي وتوفير محور للحوار والتواصل حول قضايانا الملحة. لقد أعطونا البشارة بأننا بخير والحمد لله وأن دم الأصالة والغيرية يجري في كيان هذه الجماعة الشريفة التي ندعو المولى أن يكلأها بالرعاية ويوفي أهل الخير فيها عظيم الأجر. ونودّ الإشارة إلى أن مجلس الأمناء ما زال في طور التكوين وأن عدداً آخر من رجالات العطاء والغيرة هم في طور إنجاز التزاماتهم تجاه المجلة وأن مجلس الأمناء سيكتمل قريباً بانضمامهم إليه.

نودّ بهذه المناسبة أن نكرر شكرنا لمجلس إدارة المجلس المذهبي للتعاون البنّاء والدعم الذي أظهره لمشروع إعادة إطلاق المجلة، ونخص بالشكر في هذا المجال سماحة شيخ العقل الذي كان له الدور الأهم في دعم صيغة العمل الجديدة والذي وبفضل صبره وحكمته أمكن للمسيرة أن تعاود الانطلاق على أفضل وجه.

جزاكم الله جميعاً خير الجزاء علـــى هذا الإنجاز الذي يكـــتسب أهمية كبـــيرة لأنه يوفّر لجماعة الموحدين الدروز وفي الظرف الدقيق الذين يعيشونه أداة للحماية والدفاع عن وجودهم لا تقل أهمية وفعالية عن غيرها من الوسائل. لأن الساحة الخاوية تستجلب الأطماع وكل أنواع الفكر الدخيل وشتى التأثيرات والمداخلات، ولأن الزمن ليس محايداً بل يعمل دوماً إما معك أو ضدك، فإذا كنا مع الزمن ومسرعين في مجاراته واستيعاب ما يدفعه في وجهنا من تحديات فإننا سنكون بعون الله في مأمن. أما إن بقينا خارج الزمن غافلين عن مجاريه لاهين عما يحاك منهمكين في مصالحنا الذاتية فحسب فإننا قد نفاجأ لا سمح الله، ويومها لا ينفع الندم ولا ينفع كل ما يجمع الإنسان من مال، لأن وجودنا سيكون في الميزان ولأن المرض سيكون عندها قد تفشى وبات عصياً على العلاج.

رسالة “الضحى” الجديدة هي درء محاذير الفراغ والسعي لتبديل أولويات إخواننا وأخواتنا وتبديل وجهة تفكيرهم من سلوك اللامبالاة إلى ذهنية العمل والمبادرة والتطوع. رسالتنا هي تعزيز روابط الأخوة, والوحدة لكن ليس الوحدة الكلامية بل الوحدة في العمل واستنهاض الهمم حتى يكون لكل موحّد وحسب ما يمتلك من إمكانات نصيب في خدمة الجماعة ويتوزّع بذلك الأجر وتتنزل الرحمة والعناية، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

رشيد حسن

إفتتاحية رئيس التحرير