الأحد, أيار 5, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, أيار 5, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

أنا ما قلت أنك لن تصبح والياً،

أنا ما قلت أنك لن تصبح والياً، بل قلت أنك لن تصير شريفاً

رجلٌ من بلاد نابلس رزق بولد سيء السيرة والسريرة، وبعد أن استنفذ معه كل ترهيب وترغيب ووسيلة، اضطر لطرده من بيته ونسيانه وما باليد من حيلة.
الولد حطّ به الرحال في بلاد الشام، ثم ما لبث أن انخرط في سلك العسكر في أيام بني عثمان. وأخذ يترقى أن أصبح قائداً كبيراً.
بعدما حالفه الحظ في إحدى المعارك، حيث كان النصر بوجهه أو من تخطيطه، عينه الصدر الأعظم ولياً على الديار الحلبية.
فطن عندها بوالده الذي حكم عليه بالفشل حكماً مطلقاً. وإنه لن يصير ولداً حسن السيرة.
أرسل الجنود لجلبه تحت الحفظ دون أن يخبرهم أن المطلوب هو والده.
لهذا سيق كأي رجل مخفورٍ ذليل إلى مدينة حلب.
بعد أن استدعاه الوالي، مثل بين يديه وهو منحني الظهر يرتعد من الخوف حتى أنه لم يتجرأ على رفع نظره نحو من استدعاه.
عندها سأله عن ابنه الذي طرده سابقاً، فظن المسكين أن ابنه قد ارتكب جريمة عظمية وهذا ما استوجب سوقه بالطريقة المخزية التي جُلب بها. فقال: «سيدي الوالي، ابني المذكور كان سيء السيرة والسريرة، منحرف الأخلاق، فاقد الكرامة.
وحينما يئست من جعله شريفاً، تبرأت منه وطردته من زمن طويل، وأنا حالياً لست أعرف عنه شيئاً ولست مسؤولاً عن تصرفاته».
ضحك الوالي وقال: «أنا ابنك سيء السيرة والسريرة، وها قد أصبحت والياً».
رفع الرجل المخفور قامته، وحدّق ملياً في وجه ابنه الوالي: « أنا لم أقل أنك لن تصبح والياً، بل قلت أنك لن تصير شريفاً، وما زلت عند ظني»..

لَرُبَّما يلزمُك حجرٌ لِيَقظتِك

 

لَرُبَّما يلزمُك حجرٌ لِيَقظتِك

أحدُ رجال الأعمال الكبار والمُتخَم بالمالِ والمُمتلكات يسيرُ يوماً بسيارته الفارهة والباهظة الثمن، وإذ بحجرٍ يضربُ مؤخِّرةَ سيارتِه، فأوقفها ونزل مسرعاً ليتفقّد الضّرر الذي أصابها ومن فَعل ذلك؟
نظرَ يميناً ويساراً فإذا بولدٍ يقف إلى جانب الطريق، والظاهر أنَّه لَرُبَّما كان هو الذي رمى بالحجر إلى السيّارة، فأمسكه دافعاً إيّاه إلى جانب الحائط ثم رفع قبضة يده ليصفع وجهه مردِّدًا وقائلاً : يا لك من ولدٍ أزعر، لماذا قذفت سيّارتي بهذا الحجر، ألا تعلم أنّه سيكلِّفك أنت ووالدك مبلغاً كبيراً من المال..؟
انهمرت الدموع من عينيّ ذاك الصّبي، لكنّه تجاسر وقال: سيدي لا أدري ما العمل، لقد مرّ وقتٌ طويلٌ وأنا أحاول لفت انتباه أيِّ شخصٍ يمرّ من هنا لكن لم يكترث أحدٌ لي، ولم يتوقَّف أيّ شخص ليسألني ما بك وكيف أساعدك، ثم نظر وأشار بيده إلى الناحية الأخرى من الطريق وإذا بولدٍ صغير مرميّ على الأرض ثم تابع كلامه قائلاً : إنَّه أخي وهو لا يستطيع السّير فهو مشلول، وبينما كنت أقوده وهو جالسٌ على كرسيّه اختّل توازنه فإذا به يهوي في الحفرة من جانب الطريق، وأنا صغيرٌ وليس بمقدوري أن أرفعه مع أنني حاولت كثيراً. فهل من فضلك أن تساعدني وإنّي مستعدٌّ لأجلب لك ثمن ما تضرّر من سيارتك من والدي.
الرجل الثّري صاحب السيارة، وكأنَّه استفاق من غفلة بعد أن أصابته نوبة من التفكير والتأنيب لذاته مردّداً قائلاً بينه وبين خالقه: أحمده على عدم تَسرُّعي بضرب الولد وإهانته، ثم أسرع إلى الولد المشلول الساقط في الحفرة فأجلسه ووضعه في الكرسي ثم أخذ منديلاً من جيبه ليمسح جراحه والتراب الذي تعفّر به وجهه.

الولد الذي ضرب الحجر نظر نحو الرجل وقال: سيدي لا تَلُمني من جديد وإنني ذاهب إلى والدي كي أجلب لك ما تريد، وأرجو أن تنتظرني هنا إذ يلزمني بعض الوقت. هزّ الرجل برأسه مطوَّلاً وأجاب: أنا الذي سأعتذر منك يا بُنيّ، ثم قبّل وجنتيه قائلاً: سامحك الله، سامحك الله وإنني سأبقي سيارتي هكذا حتى إذا نظرت إليها أتذكّر خَطَئِي وأقول عسى ألّا يُضطرَّ شخصٌ آخر يرميني بحجر كي أنظر إلى حاله..
هنا أقول: أليست هذه العبرة تماثل حال الحِراك أو «الثورة كما يقولون» في وقتنا الرّاهن من ضرب للحجارة سواء أكانت للمسؤولين أم إلى سيّاراتهم أو حصارهم أو قطع الطّرقات أو رفع العياط أو الصّياح في وجههم؟ لكن المؤسف أنَّنا لم نرَ رجلاً أو زعيماً يماثل ذلك الرّجل، فيتوقَّف ثم يُضمِّد الجراح ويعتذر عمّا اقترفته يداه أو طمعه.

حقاًّ إنَّه بعد مشاهدتنا، وعبر التلفاز، لهؤلاء الشباب والشابات وجهدهم وعزيمتهم وتعرّضهم للمطر والإهانات من قبل السلطات العسكريّة، ورغم ذلك فهم صامدون مستمرّون في مواقعهم ومواقفهم كي تتحقّق مطالبهم وأقلُّها لقمة عيشهم، أمّا جشع المسؤولين السياسيين والمقاولين السّارقين، وحتى التجّار الكبار اللاّعبين بالدولار وسواه لإفقار الشّعب وجعل مصيره ومساره في مهبّ الرّياح ناسين ومتناسين، بل ضاربين عرض الحائط غير آبهين لصراخ هذه الفئة الكبيرة من شعبهم، فهمّهم الأوَّل فيما بينهم أن يُقالَ: فلانٌ يملك ملياراً وآخر يملك ثلاثة وذاك خمسة وهذا بنظرهم غاية الذكاء والمقدرة…
أخيراً لهذا الشعب المقهور والمُذَلّ، ونحن منهم، نقول: ما لكم غير الصّبر والثّبات ورمي الحجارة، وفي النهاية لا يصحّ إلاّ الصّحيح، والله تعالى حاضرٌ ناظرٌ ولكل ليلٍ نهاية.

المـــزاد

ليلَى تُنادي في المــزاد
ليلَى تبيعُ ضفائرا
ليلَى تبيعُ أصابعا
وتبيع أطفالاً لها
وتودُّ بيْعَ جنينها
ذاك الذي في رحمها
كانت تُقبّل بطنها
……………………………..
في الدمعٍ أمس توضّأت
ياقوم … قد فتح المزاد
……………………………
الله أكبر كبِّروا
رجلُاً ضريراً جائعًا
عذراء فاتنة هنا
ونبيع كحلاً حارقا
ونبيع أسراراً لكم
ونبيع شِعراً ماجنا
وقصائداً ثكلى بدمع
ونبيع أقلاماً بها
ووثائقاً أوصى بها
قمصانكم سنبيعها
أكواب دمعٍ هاهنا
وخرائب لأوابدٍ
وحقائبُ الأطفال مَن
والمصطبات وكم لنا
سنبيع حتى ثوبنا
إلاَّ الكرامة وحدها
ورغيف خبزٍ طازجٍ
كم خبّأتْه لطفلها
قد مات حين تأخرت
جاؤوه بالموت الرحيم
ليلى تنام كلبوةٍ
وتضمُّ عِطر بلادها
علَّ الإغاثةَ في السما

مَن يشتري رحم البلاد
وتبيعُ تاريخَ العباد
داست على شرف الزِّنــاد
ناموا بأقبيةِ الفساد
كيْ تشتري ماءً وزاد
شربَ السوادَ على السواد
ليلاً … ويغلبها العناد
………………………………..
صَلّت … وأعلنتْ الحداد
ياقوم … قد بدأ المزاد
……………………………….
ناشدتُكم أن تشتروا
أولاده قد هُجِّروا
مِن لحظ عين تُبهر
لنسائكم فلتحذروا
قد سرَّبوها العسْكَر
ما قال يوماً عنتر
تمائمٍ تتعطّر
الأجداد مجداً سطروا
للإرث جَدٌّ أكبرُ
بالذات ذاك المئزرُ
ودم لجرح يقطر
جدَي وجَدّك عمّروا
بالأمس صُبحاً فُجّروا
في الذكريات نثرثر
نعرى فإنَّا ننذر
يا سادتي لن تشتروا
مِن كَف ليلَى يعبرُ
المحموم جوعًا يسهر
مرّت عليهِ الأشهُر
فلا يثور ويثأر
مِن وهج جرحٍ تزأر
مِن عُريها تتدثر
تأتي ولا تتأخَّر!

مت نقيّاً

إن تملك خيراً وزّعهُ
إن تملك مالاً قدّمهُ
إن تملك حبّاً انثرهُ
إن تملك علماً انشرهُ
وقلبكَ بالصّدق فعطّرهُ
وجسدكَ الذي تجمّله
لديدان الأرض مرجعه
….
فعلام تكنزُ أموالك ؟
وتحصي وتجمع أرقامك ؟
وإلام تؤجّل أحلامك ؟
وتحرق أجمل أيّامك ؟
عش لحظتك الآنيّة
في حبّ وحريّة
في الآن تحيا فقط
وغداً نسيّاً منسيّا
….
عانق أحبابك في الآن
فهم بيد الرحمن
جسدكَ طعامٌ لدود الأرضِ
وروحك خالدة أزليّة
وإلام تخفي أسرارك؟
والعشق شعلة إلهية
….
عش لحظتك بكلّ صدقٍ
فعمرنا مكتوب مرسوم
على لوح إلهيّ مرقوم
جسدنا طعامٌ لدود الأرض
وحياتنا رسالة إلهية
حياتنا رسالة إلهية

الضّحى خسرت في خلال شهر شباط الفائت صديقين وكاتبين

خسرت في خلال شهر شباط الفائت صديقين وكاتبين هما الدكتور فارس يوسف والدكتورة ناهدة السوقي، لروحهما الرحمة ولعائلتيهما الصبر والسلوان.

الدكتورة ناهدة السوقي

الراحلة د. ناهدة السوقي، بنت العائلة الكريمة في الشويفات، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، تركت أكثر من عمل مطبوع وكان لها أكثر من مقالة في «الضحى». لروحها الرحمة.

الدكتور فارس حين يوسف

انتقل الى رحمته تعالى يوم الخميس الموافق لليوم السادس من شهر شباط 2020

رثاه الأستاذ فيصل زيد:

كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق، التي تسجّل وتختزن في القلب والذاكرة، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة ونختنق بالدموع، ونحن نودع استاذا من جيل المربين والأدباء المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة، الناكرين للذات، المحبين للعطاء، العاملين على رفعة الانسان، والسائرين في دروب الانسانية في ذلك الزمن الجميل والبعيد بعد صاحبه عنّا بعد أن قرّر الرحيل.
أستاذنا جميعا، الدكتور فارس حسن يوسف، الذي فارقنا بعد مسيرة عطرة، وذكرى طيبة، وعملا صالحا.

لقد أبكرت يا رجل الرجال
وأسرجت المنون بلا سؤال
هل الأيام تغدر في أديب
سما فوق المصالح لا يمالي
فلم أتوقع المأساة أصلا
ولا خطرت ولا جالت ببالي
ضياعك يا صديقي كان مرّا
أضاع النور في حلك الليالي
إذا سلب الردى منّا أديبا
فذكره سوف يحيا في الخيال
سيبقى في رحاب الخلد نسرا
يحاكي مجده قمم الجبال
تعزينا بأن خلفت نسلا
كريم الأصل من أرقى الرجال
تعزينا بأن خلفت كنزا
من الأخلاق من أسمى الخصال

فيا أيها الانسان الطيب، والمدير المخلص، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حبا لعملك، يعزّ علينا فراقك، في وقت نحتاج فيه الى أمثالك من الرجال الأوفياء الصادقين الأغنياء بالمحبة، الكرماء بالصفح والمسامحة.
مهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدّمته من علم ووقت وجهد وتفان في سبيل شباب ورجال المستقبل والغد، وعلمتنا من أخلاق وقيم فاضلة، وغرست فينا حبّ العلم والمعرفة، ونميّت في أعماقنا قيم المحبّة، والخير، والتسامح، والانتماء.
هذا الصباح تتدحرج الذكرى بين زوايا العتمة لترسل ضوءا من نفق القبور …. لا الدمع يكفكف آلام الرحيل، ولا الوجع الضارب في أعماق النفس يخفّف لوعة الفقد، ولا التوقف عند محطات الرفاق يجلب شيئا من العزاء.
للموت جلال أيها الراحلون، ولنا من بعدكم انتظار في محطات قد تقصر وقد تطول …
حتى يقدم الموت بلا مهابة أو تردد، يختارنا واحدا إثر آخر … « لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون..»
للموت جلال أيها الراحلون… كما له من مرارة وشعور بالغ بالفقد، ونحن لا نكاد نصدق أننا لن نراكم بعد اليوم.
لماذا يثير الموت هذه الرهبة الكبيرة؟ ولماذا نبكي الراحلين وقد امتدت بهم مراحل أخرى لمحطات أخرى انتظارا لحياة أخرى، ونحن سائرون اليها شئنا أم أبينا!
اننا في الحقيقة لا نبكيهم لأنهم رحلوا، بل نبكي أنفسنا لأنهم تركونا وحدنا. ان كل آلامنا ودموعنا وقلقنا لأننا لن نراهم بعد اليوم في دنيانا، وقد كانوا مصدرا لمحبتنا أو جزءا من حياتنا أو بقيّة من رفاقنا … اننا نبكي من أجلنا نحن لا من أجلهم لأنهم رحلوا، فهم لن يشعروا ببكائنا، ولن يستعيدوا شيئا مما مضى، ولن يكون بمقدورهم أن يصنعوا شيئا لأنفسهم أو لنا.
نحن اذن من يجزع لأن الراحلين انطفأت شموعهم في حياتنا، ولأن رحيلهم اعلان كبير بأن قطار العمر ماض، والأيام حبلى والقدر محتوم …. والموت ربما يكون كلمة سهلة النطق، لكنّها تهزّ القلوب الحيّة، وتقض المضاجع، وربما يموت الذين يحبهم كثيرا قلبي، فأرى غيابهم ولا يرون غيابي، وأفتقدهم ولا يفتقدونني.
نعم أيها الحبيب الراحل والصديق والأب والأخ والرفيق، نعم دكتور فارس، يا استاذنا الجامعي ان خسارتك فاجعة، ورحيلك مفاجأة، وفقدانك ترك غصة في القلوب. كيف لا وقد جمعت من النبل وحب الخير وكرامة النفس والوقوف عند الحق ما يكفي لأن تكون من أهل الجنّة، وفي كل هذا عزاء لنا لأن كما كانت سلتك مملؤة بأطايب القيم والصفات في حياتك فكذلك في مماتك، وهذا ما يعرفه القريب والبعيد.
أخي وصديقي واستاذي الحبيب، ثمة أرواح سخية وافرة العطاء تمطر من حولها حبا وسعادة، تلك هي روحك الطاهرة الجميلة التي طالما حملت في أعماقها بياضا ونقاء لا يضاهى، لقد غادرتنا ولكن لم تغادر قلوبنا وارواحنا.
أتمثّل فيك قول الشاعر:

لو كنت تفدي بالنفوس عن الردى
لفدتك أنفسنا وما نتأخر
لكنّ تلك طريقة مسلوكة
وسجية مكتوبة لا تقهر

لقد غيّب الموت أستاذنا ومديرنا ومعلمنا الحبيب الغالي الوفي «أبو خالد» جسدا، لكنه سيبقى في قلوبنا على قيد الحياة، ولن ننساه، وسيظل بأعماله ومآثره وسيرته نبراسا وقدوة لنا، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون.
وما لى في لحظة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر للشاعر حافظ ابراهيم في رثاء صديقه احمد شوقي حيث قال:

خلفت في الدنيا بيانا خالدا
وتركت أجيالا من الأبناء
وغدا سيذكرك الزمان، ولم يزل
للدهر انصاف وحسن جزاء

تغمدك الله ايها الكريم بواسع رحمته.

الفيلسوف جُبران خَليل جُبران

لم أشـأ أن أكتب إلّا ذاتي عندما أكتب عن جبران فقد تغلغل في ثنايا فكري، ثورة تنادي للحرية، صرخة تسكب حناناً على جائع بائس، جرأة تزيل القناع عن وجوه بشريّة ممسوخة من الداخل تسكنها الشياطين والغرائز فلا يوفّرها في أي مقام كانت وأي جاه تستّرت به، جبران يا وجدان وطن ما زال يعاني، ويا ضمير أمّة انتهك حرمتها الأقوياء وسخرّوها لمآرب وأطماع. كلمتك لا تموت ولا يحتويها الزمن ويبخّرها، فقد كنت بكل جيل نهضة، وإنسانية وحقاً، والحق لا يموت، رأيت فيك لبنان، لبنان الخير والجمال، لبنان الألم، لبنان الصبر والعزم والإيمان، لبنان الأصالة، فأزفّها كلمة ثقة بريئة شفافة لكل أبنائنا وأقولها: أقرأوا لجبران، جبران أنتم بكل أبعاد الذات المنيرة المستنيرة، عبقري من بلادكم حمل عبقريتها إلى بلاد الاغتراب فكبُر وطنكم الصغير به، وأصبحنا نُعرَف ببلد جبران! تلك النفس الأبية المعطاء التي ما دنستها المادة ولا استهوتها الإغراءات ولا نالت منها الذاتية والأنانية، تلك النفس التي سكنتها الروح الكونية فتماهت مع كل عناصر الطبيعة، ومع الإنسان حيث كان، فما استكانت ولا ملّت ولا تعبت ولا تغيرت أو ترددت بحكم تقلبات الزمان والمكان، وإذ قال جبران: «وجه أمي وجه أمتي» أُحرِّف وأعدِّل وأقول: وجه جبران وجه أمتي، كما يجب أن يكون وكما أريده أن يكون وكما هو حقاً إن تُرك على عفويته دون كل تلك المحاولات التي تعمل لتسلبنا أصالتنا. جبران القيمة الإنسانية بحق والتي لا تضاهي، تلك العدالة الاجتماعية التي لا تساوم فلا تمايز ولا تمييز، فالكل أبناء الله وللكل الحق في الحياة… وكأنّه عاش آلام البشرية كافّة، آلام الطبيعة المخضَّبة بالدماء أثر الحروب وآهات المعذبين، آهات المسيح بالذات «مساء العيد» والناس في غرورهم قد ابتعدوا عن رسالة صاحب العيد: «العالم يردد اسمي والتقاليد التي حكتها الأيام حول اسمي، أمّا أنا فغريب أطوف تائهاً في مغارب الأرض ومشارقها، وليس بين الشعوب من يعرف حقيقتي» يا ليتهم يعرفون ليكون لنا السلام المُرتجى، وأتساءل ألم يكن لجبران ليلاً أو نهاراً أو لخطاب يعيشه لذاته بل كلّه بوح المقهورين والمعذَّبين، والجياع، والتصدي لمبعثها، ومسبّبها، فهل يضيع الصوت الصارخ. وينعدم الصدى؟ كلّا، ابن لبنان، يا بن الأرز، يا بن الوطن الجريح فقد عهدت للمحبة أن تفعل فعلها والمحبّة لا تسقط، ولا تخيب، المحبة هي الله عزّ وجل فأتناولها اختصاراً لكل ما أتحفتَنا به رغم أنّه يحلو لي أن أكتب في كل ما كتبت، وألتقي، وأكرّر أن أسأل قومي أن يقرأوا لك، فحرام على من لا يقرأ جبران ويهدي إلى سبيله الفيّاض المعطاء، إلى رسالته المنتصرة دوماً وأبداً، «حلقة تصل بين هذا العالم والآتي» والمحبة تلك الذخيرة، الشعلة الملهبة في قبله كانت المصدر والأساس لهذا التفاعل بلا حدود مع كل ما وهب الله، وخلق فهي هو وهو في ذات جبران، فلا ينكرن أحد لفيضها «فاتبعوها» «أطيعوها» «صدقوها» تحرركم أتقياء جديرين «بمائدة الرب المقدسة»، حقّاً بدون محبة لا طريق إلى الله وهي التي ترتفع بنا إلى قلب الله حيث هي منزّهة تعطي وتأخذ من نفسها فقط مُنعَتقة من التملُّك والتّمليك، مكتفية بذاتها لأنّها أكبر من كل ما عداها، مغتبطة بها دوماً وأبداً، شاكرة معها تسير، ومعها تعطي ومعها تعمل تلك المحبة التي أراني أعيش نشوتها صلاة إن في كِلَمِ جبران أو صوت فيروز واللحن، وأتصوّر مشاعر جبران وخياله النابض بها يجول كلّ الآفاق، ويخترق كلّ الحواجز متواجداً في مكان محدد ومع المحبّة في كلّ مكان! فسبحان من أعطى ووهب، وتباركت يا جبران يا نعمة من نعم الله، دخلت تراثنا المجيد، وبعد مئة وخمسة وعشرين عاماً أقولها: مبارك تاريخ ولادتك فيك ولنذكر تاريخ المولد دون ذكر الوفاة لأن في الواقع لا ولم تغب، ديمومة أنت في ما أعطيت وتبقى، ويبقى لبنان خلوداً فلهُ ولك ولأمثالك تضاء الشموع.

محمّد قبلان رضوان

وُلِد محمدّ رضوان عام 1942 ودرس المرحلة الثانوية في السويداء، في ثانوية الأمير شكيب أرسلان، ومن ثمّ درس الفلسفة في جامعة دمشق، وانقطع عن الدراسة في السنة الثالثة بسبب الظروف المادية الصعبة التي كانت تواجه الأسرة.
ظهرت مواهبه الأدبية مُبَكّراً منذ المرحلة الإعداديّة حيث كان يكتب الشعر والقصة القصيرة…
في عامه الثلاثين حصل على وظيفة في المؤسسة الاستهلاكية في السويداء، وبقي فيها إلى أن تقاعد عام 2001.
عُرِف بنشاطه الاجتماعي والثقافي والأدبي الملحوظ في السويداء، وانتسب فيما بعد إلى اتحاد الكتاب العرب.

  1. أوّل إصداراته الأدبية كانت عام 1994 كتاب «السؤال والإجابة المستحيلة»، دراسة نقديّة، تناول فيها روايات لكتّاب عرب تدور أحداثها في أوروبا، منهم المصري، توفيق الحكيم في «عصفور من الشرق»، والسوداني، الطّيب صالح في «موسم الهجرة إلى الشمال»،… وكتب بعمق في أدب نجيب محفوظ عموماً، كما تناول بالنقد الأدب الصهيوني، ورواية خربة خزعة لـ يزهار سيملانسكي…
  2. مملكة الجحيم، 2001، دراسة في الشعر العربي المعاصر (الحكاية نموذجاً)، تناول فيها الحكاية عند صلاح عبد الصبور وأمل دنقل وأدونيس وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش، وسعدي يوسف والسيّاب.
  3. محنة الذات بين السلطة والقبيلة، 2002، درس فيها أشكال القمع في الرواية العربية.
  4. المساء الأخير، 2002، فازت مناصفة بالمرتبة الأولى بجائزة المزرعة للإبداع الأدبي والفني التي يرعاها المهندس المغترب يحيى القضماني، الذي يقول في غاية الجائزة: «إني أحترم الفنون بأشكالها كافّة، فأصحابها لا يتقاضَوْن إلّا العذاب والقلق والترقب»… وتبرير الجائزة أنّ الروائي (محمّد قبلان رضوان) امتلك الموهبة الواضحة والقدرة «على المُماهاة بين سيرة بطله «سليمان» وسيرورة الواقع العربي فيما بعد السبعينيّات من القرن الفائت»…
  5. رواية البراري، حيث تنتهي الرواية لتي تتناول الحياة العامة للرجال والنساء لمجتمع الجبل ضد المحتلّين وكفاحهم من أجل استقلال سورية بأسلوب أدبي روائي شيِّق إلى خيبات أمل لأبطالها عشية العقد الثالث من القرن الماضي. وحده، كان الشيخ زيدان، ولعلّه يرمز إلى روح المجتمع، يستمد القوة والأمل في عودة أزهاره من غربة مجهولة غامضة.. لا حدود لها.
  6. أعمدة الغبار، 2008، يحاور محمّد قبلان تاريخ مجتمعه، ويوثّقه أدبيّاً، لكن البطولات في مواجهة العدو تخلص في النهاية إلى عدم الرضى عن الاستقلال المسروق (ص 441)، وإلى موت الأحبّة (446)، والإحساس بالخيبة والانكسار (ص 438) …
  7. التجريب وتحولات السرد في الرواية السوريّة، 2013. في هذا الكتاب تناول أديبنا بالنقد الجاد عشرات الروايات، وقد اكتمل ناقداً أدبيّاً في عمله هذا، ويخلص إلى القول: «… فالرواية العربية باعتبارها رواية تجريبية استطاعت أن تحقّق ثراءً فنيًّا متميّزاً بعد خروجها من القميص البلزاكي وتلامذته، لاسيّما خلال الربع الأخير من القرن العشرين ومطلع هذا القرن، حيث تمكّنت على يد جيل طموح توّاق إلى التجديد والتجاوز، من ملامح تجربة إبداعية وسرديّة متكاملة منشغلة بتكريس خطاب روائي مهووس بالبحث عن أشكال غنيّة وفضاءات تعبيريّة جديدة غير مألوفة وغير تقليديّة.
  8. زائر الليل، 2014، صدرت الرواية عن اتحاد الكتاب العرب. تناولت العلاقات الاجتماعية المعقدة في مرحلة ما بعد الاستقلال وما رافقها من صراعات ومخاضات شتّى حيث «لا يوجد كائن في المدينة والجبل دون انتماء إلى حزب أو عائلة أو زعيم في ظل فوضى المناخ السياسي الذي اتّسع وتفاقم في عهد الدكتاتور. الزعماء والبكوات وشيوخ القرى والبلدات ارتَدَوْا أقنعة جديدة في انتمائهم إلى أحزاب تحمي تعسّفهم واستبدادهم»….
  9. كائنات الخراب، 2018، رواية تنضح بالقلق، والخسران، تعود بداية أحداثها إلى زمن حكم الدكتاتور الشيشكلي. شرطة السلطة يبحثون عن الأب فيسجنون الأم والابن 12 سنة ومن ثمّ يقبضون على الأب. قلق عام يلف أحداث الرواية التي يسوق الكاتب أحداثها ببراعة، وينتهي الروي بعد أكثر من مئتي صفحة بأفق مسدود، يقول بطل الرواية: «.. ومع نهاية الصيف شحّت نقودي وانسدّت أمامي السُّبُل والأسوأ من ذلك أني تخلّيت عن البحث عن «فراس» وأقنعت نفسي مع مرور الأيام أنّه مات سواء أكان مفقوداً أم مُعْتَقلاً أم هارباً خارج البلاد، وشيئاً فشيئاً بدأت ألاحظ أنّ آلامي تتلاشى ونقودي تنفذ ولم يعد أمامي سوى العودة إلى الديار لأبدأ ما بدأت به «سراب»، وانتهت إليه».
  10. دموع الآلهة، 2019، يقول محمّد في صدر روايته: «في روايتي هذه، كما في رواياتي السابقة، أحاول أن أحرّر التاريخ من قدسيّتهِ الزائفة، وأمنحه مساحة من الحرّية». وبهذا يبرز أديبنا صاحب رسالة أدبية وفكرية ومجتمعيّة….

يبدو محمّد رضوان في روايته الأخيرة، وقد أحسّ بدنوّ أجله، أنّه أرادها بصمة راسخة وضربة معلّم في تاريخ الأدب في محافظة السويداء، فالرواية توثيق أدبي مرتبط بوقائع حياة مجتمع الجبل منذ جذوره الأولى في جبل لبنان، حيث قادت الصراعات المحليّة والدوليّة إلى تشظي المجتمع هناك، وبالتالي التهجير إلى جبل دروز حوران (كما دُعِيَ سابقاً) …
أبطاله من رجال ونساء يواجهون أقدارهم ببسالة ورضى عن المصير المرّ، يستمتعون بحيواتهم، يكتئبون، ويُحبَطون، لكنّهم لا ينهزمون، وتستمرُّ الحياة نابضة بقوّة عبر دورة غلّابة من القهر التاريخي…
شخصيّة «الربّان» في دموع «الآلهة» تكاد تذكّرنا بشخصيّة «الجبلاوي» في رواية «أولاد حارتنا لـ «نجيب محفوظ»….
أدب محمّد رضوان أدب مُفعَم بالاحتجاج والغضب الكامن من مجريات الواقع والتاريخ، وسيحتاج مستقبَلاً إلى نقّاد كبار مختصين للبحث فيه.

[Best_Wordpress_Gallery id=”25″ gal_title=”محمد قبلان رضوان”]

مراجعات كتب

«مُظفَّر باشا في لبنان»:

لأمير البيان شكيب أرسلان

كتابٌ أصدرته الدّار التقدميّة، للأمير شكيب أرسلان، أميرُ البيان، فيما ذُكِرَ على غلاف الكتاب أَنَّه طُبِعَ في الإسكندرية – مصر. عام 1907، وهذا ربّما تمويه لطبعه في لبنان. وهو يتألّف من 252 صفحةً من القطع الوسط. قدَّم له السّفير اللبناني السابق حسّان أبو عكر. وبه يذكر أنَّ المتصرف مظفَّر باشا عُيِّن في مقام مُتَصرفية جبل لبنان. عام 1902، خلفًا للمُتَصرّف نَعّوم باشا، المُمَدّدة ولايتُه. ونظام المُتَصرِّفيَّة هذا أتى عَقِبَ نظام القائمقاميّتين في سياق تاريخ جبل لبنان الطويل الأمد، وهو صيغة حُكْمٍ تَقرَّر أن يكون على رأسه ما يسمَّى بالمُتصرّف، تابع للسلطنة العثمانية، وبالتنسيق مع الدول الضامنة لهذا النظام (دول أوروبية ستّ) معروفة في ذلك التاريخ، ويستمد هذا الكتاب أهميّته من أنّ وقائعه في عهد مظفر باشا، ومَنْ قبْلَهُ من المُتصرّفين، قد تساوقت وتراكمت بمفاعيلها السلبيّة والإيجابيّة لِتُفضي في عهد الانتداب الفرنسي إلى دولة لبنان الكبير ذي النظام الطائفي. فكيف حكَم مظفر باشا جبل لبنان؟ وهل وُفِّقَ في ذلك؟

الجواب في بداية الأمر، أنّ هذا العهد كما يُصوِّرُهُ المؤلِّف الأمير شكيب أرسلان في مئةٍ واثنتين وخمسين صفحة، تشملُ مقدَّمةً واثني عشر فصلًا، ترصد يوميّات الأحداث التي طبعت حكم هذا المتصرف ذي الماضي العسكري، والاعتداد الشديد بنفسه وبسلطاته غير القابلة، كما يقول، للمساومة، أكانت في مجلس إدارة المتصرّفية أو من قبل قناصل الدول الأوروبية، ولكن إدارته وتصرّفاته في الواقع كانت على عكس ذلك، فاتسم حكمُهُ بِخَرقهِ القوانين، والرِّشوة، والاحتيال، والاستدانة، والتّزوير، ومخالفة نظام الجبل، والاستبداد في الانتخابات الإداريّة، وكثرة الجنايات في أيّامه، وتعطيل سلك الجندرية، وتناقض حركاته وسكناته، واستسلامه لعائلته، وتلاعبهم بالأحكام، وفي غرائب أطواره ما بَثَّ المبادئ الفوضويّة في طول المتصرفيّة وعرضها.

ويقول الأمير شكيب في مُقدَّمة الكتاب: إنَّه قد راجت في تلك الفترة سياسة المعاريض، والغاية الأساسيّة منها، تحريك الفئات المعارضة لسياسة المتصرّف عبر التركيز على أخطائه، وممارساته الغاشمة، ونشرها في الصحافة المتنوِّرة آنذاك، لكنَّ الغاية الأهم منها إيصال الاعتراض إلى القناصل ممثِّلي الدول الأوروبية الستّ ولرؤسائهم السفراء لدى الباب العالي في استنبول.

وتمثّل إضافة كتاب “مُظفّر باشا في لبنان” لتراث الأمير شكيب قيمة إضافيةً لمجموعة كتبه التي نشرتها الدار التقدميّة، أكانت من الناحية التاريخية أو السياسية، وكذلك الاجتماعية والاقتصادية. فقد كان الأمير حينذاك ناشطًا في ربوع المتصرّفية، وركنًا من أركان الحزب الأرسلاني. فجاء قسم من الكتاب سجلًّا للتنافس السياسي، الجنبلاطي – الأرسلاني أو للتهاون والتقارب في قائمقاميّتي الشوف والمتن، وبخاصةٍ في الوظائف الإدارية والقضائية، والأمنية، ولم يترك الأمير شكيب مادّة تفصيلية لهذه المرحلة، إلّا وأتى عليها بما في ذلك معارضته الشديدة والمُحقّة لهذا المُتَصرّف الذي لجأ في بداية حكمه إلى إقالة الأمير من قائمقاميّة الشوف. هذا باستثناء ما أضافه لاحقًا في كتابه “سيرة ذاتية” قبل أن ينطلق إلى استنبول وإلى المدى العثماني الواسع… ومُجْمَل القول أخيرًا في هذا الكتاب، أنّه كان في أحداثه ووقائعه جزءًا حيًّا من تاريخ لبنان الحديث، وإحدى الخلفيّات الموروثة التي يشكو منها لبنان اليوم. وما أشبه اليوم بالبارحة.


الشَّيخ أبو يوسف حسين شبلي البعيني (1915-1991م) شيخُ الحكمةِ، والحِنْكَة، والمواقف.

أ. صقر محمّد البعيني.

يضمّ “تمهيداً” يتحدث عن أنّ تكريم الرجال الأعلام حقّ وواجب لما قدّموه وعملوه لخير المجتمع والوطن. ففي التكريم درس في الوفاء وعبرة في استذكار المواقف والتعلّم منها، فكيف إذا كان التكريم لرجل مُسْتَحقّ كالمرحوم أبو يوسف حسين البعيني الذي تميّز طوال حياته بعطاءاته الاجتماعيّة، والدينيّة، والإنسانيّة،
والوطنيّة، فضلاً عن صرفه الشّطر الأكبر من عمره في خدمة مشيخة العقل، مُساهماّ في مسيرتها الاجتماعيّة، والدينيّة بعزمٍ وإخلاص، وثبات، ما أكسبه ثقة سماحة شيخ العقل الشيخ محمّد أبو شقرا، فقرّبه منه، وعيّنه في ملاك المحاكم المذهبيّة الدرزيّة بالمرسوم رقم 3631 في 18-3-1960 بوظيفة كاتبٍ ثانٍ في محكمة الاستئناف وقد انتقل بعد ذلك إلى المحكمة المذهبيّة في بعقلين، حيث كان يحرّر الوصايا، ويكتب عقود الزواج، كما كان الذراع اليمنى لسماحة شيخ العقل، ومستشاراً له، يُسند إليه أصعب المهمات التي تتطلّب مواقف رجوليّة وحِنكة في حلّها. بقي في وظيفته حتى بلوغه السنّ القانونيّة عام 1969. كما أوكل إليه سماحته الإشراف على بناء المقام الحديث للنبي أيّوب في بلدة نيحا الشوف، وائتمنه على صندوقه.

أمّا ما كان يتزيّن به من صفات، رحمه الله، فما ذكره عنه فضيلة قاضي المذهب الشيخ شريف أبو حمدان يوم وفاته بالقول: علَّمْتَنا الكثير ممّا هداك الله إليه فكنتَ دوماً تؤْثِر أن يكون الصمت حليف القيام بالواجب، ولكنّ شعور الوفاء فينا وعِرفان الجميل يأبى أن نبقى ساكتين عن تذكُّر ونشر بعض الفضائل التي كنت تتميّز بها، والمزايا الحسنة والصفات الحميدة التي كانت تُزيّنك، ومن أكبر الزينة، كما كنت تقول، رياضة النفس بالحكمة، وقمع الشهوة بالعفّة، وإماتة الجسد بالقناعة، وتمييز العقل بحسن الأدب وتسكين الغضب، إنّ هذه الفضائل والأوصاف الحسنة كانت من بعض مزاياك الطّيّبة.

وحَسْبُ هذا الكتاب قيمة مُضافة الشهادات العديدة التي أجمع عليها رجالات من وجوه الجبل وأعيانه، من داخل بلدته مزرعة الشوف وخارجها، أجمعوا على أنّه كان نسيجاً مميّزاً وفريداً بين رجال الدين؛ تقيًّا بِلا مُكاشفة، على صلة وثيقة بين الخالق والمخلوق، ينمّيها مسلكٌ عِرفاني جُوَّاني صافٍ، وإخلاصٌ في حُسن العقيدة وحسنِ اليقين، إنَّه كان المَثَلُ والمِثال.


«حقوق الأقليات في ضوء القانون الدولي»:

العميد الدكتور رياض شفيق شـيّا

لمّا كانت مسألة الأقليات الإثنية، اللغوية، والدينية واحدة من المسائل التي أرّقت ضمير الإنسانية قروناً طويلة، فقد مثّل ظهور الدولة القومية (الدولة-الأمة) على المسرح العالمي في القرن التاسع عشر، كتنظيم جديد للتجمعات البشرية، محطةً بارزة عرفت معها الأقليات أقسى أشكال التعامل. فمركزية السلطة ووحدة اللغة والثقافة والدين، التي كانت تمثّل قيم الدولة القومية، لم تكن سوى تلك التي تعود لجزء من مواطني الدولة وليس لجميع مواطنيها، ولو كانوا يمثّلون في كثير من الأحيان الأكثرية. يضاف الى ذلك أنّ تمثُّل تلك القيم قد ترافق مع ممارسات فيها الكثير من الاضطهاد وعدم التسامح مع كل من يختلف عن النموذج، والذين بات يُنظر اليهم بأنّهم “الغير”، ولو كانوا مواطنين. ولما كان لكثير من الأقليات علاقات وامتدادات تتعدى النطاق الداخلي للدولة، بحكم ارتباطهم بدولٍ أخرى تماثلهم نفس الصفات الإثنية أو اللغوية أو الدينية، فقد أدى هذا الواقع الى اشتداد النزاعات الدولية وتفاقمها، والتي وصلت غير مرة الى مستوى الحروب الشاملة، كما في الحربين الكونيتين الأولى والثانية. وهكذا بدا لزاماً على القانون الدولي الإحاطة بمسألة الأقليات بوجهها الإنساني من جهة، ونتائجها وتداعياتها على الاستقرار والأمن في العالم من جهة ثانية.

لى هذه الخلفية، سيعرض المؤلف الدكتور رياض شـيّا في كتابه هذا لكيفية تطور حقوق الأقليات في القانون الدولي، سواء في تكرسها في نظام عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أو في أعقاب الحرب العالمية الثانية في التشريعات الصادرة عن الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان وما تضمنته من نصوص تتناول حقوق الأقليات، كالمادة 27 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” للعام 1966، أو بالمواثيق التي تخص الأقليات فقط ك “إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص المنتمين لأقليات قومية أو إثنية، دينية أو لغوية ” في العام 1992، وغير ذلك من التشريعات. يضاف الى ذلك إلقاء الضوء على النشاط الفعّال الذي لعبته “مجموعة العمل الخاصة بالأقليات” التابعة للأمم المتحدة (التي أصبحت تسمى “منبر قضايا الأقليات” منذ العام 2007 وتتبع لمجلس حقوق الإنسان التابع بدوره للأمم المتحدة).

يسدّ الكتاب ثغرة كبيرة تتمثّل في النقص الهائل في الكتابات والمراجع العربية التي تناولت موضوع الأقليات وحقوقها من الناحية القانونية، وبالأخص موقف القانون الدولي منها. وسيلحظ القارئ هذا النقص في ندرة المصادر الحقوقية العربية مقارنة بالكم الكبير من المصادر الإنكليزية والفرنسية التي استند اليها الكتاب، مما يجعله مرجعاً لموضوع حقوق الأقليات لا بد منه.
الكتاب صادر عن دار النهار للنشر، ويقع في 360 صفحة من القطع الكبير.


«المبادئُ العامّةُ للتّحكيم»:

منشورات مؤسّسة دَهْر

مُؤلِّفه المهندس محمّد عارف أبو زكي، حامل بكالوريوس في الهندسة المدنيّة من الجامعة الأميركيّة في بيروت، ودبلوم دراسات عليا في هندسة النقل من جامعة ملبورن، أستراليا، وشهادة عضويّة من معهد المُحكّمين الدولييّن، لندن، وشهادة مُحكّم مُعتمَد، وخبير معتمد، من معهد التحكيم التجاري لمجلس التعاون الخليجي العربي، البحرين، إلى شهادات أكاديمية أُخرى.

يقع الكتاب في تسعة فصول وخمسة ملاحق، تتضمّن المبادئ والأسس العامة للتحكيم وصار مُعتَمداً على نطاق واسع في معالجة الخلافات بين القطاع العام والمؤسّسات والشركات والأفراد. حَظي الكتاب بمقدمتين على مستوى عال، الأولى من سفير لبنان في سلطنة عُمان الأستاذ عفيف أيوب، والثانية من المؤرّخ المعروف الدكتور حسن البعيني. يشتمل هذا المؤلّف بشكل أساسي على تعريف التحكيم والمحكم والحُكم، وعلى إجراءات التّحكيم، وإصدار حُكم التحكيم مع ملاحق لأمثلة من التحكيم المحلِّي، والإقليمي، والدولي، وقانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية، ونظام مركز التحكيم التجاري، ولائحة إجراءات التحكيم، ولائحة تنظيم نفقات التحكيم، وقانون الأوسترال النّموذجي للتحكيم التجاري الدَّوْلي – الأمم المتحدة، وقواعد محكمة لندن للتحكيم الدّولي. إنّ التوسع في قطاع الأعمال وما يعنيه ذلك من تنامي حجم العقود وتزايد تعقيد بنودها، وتشابك أدوار الشّركات والمؤسسات حتى في المشروع الواحد، جعل التحكيم مَطلباً أكثر أهمية وأكثر احتياجاً، فضلاً عن أن أهمية قضاء التحكيم كما يقول المؤلف، تعود بشكل أساسي لتقديمه عدالة سريعة، لأنَّ المحكّم يلتزم بزمن معيّن للفصل في المنازعة المُكلَّف بها ولكون التحكيم نظاماً للتقاضي في درجة واحدة.

هذا مُختصر لكتاب مُهمٍّ جداً، جديرٍ بالقراءة والاقتناء والاستعانة به، بالنَّظر إلى أهمية وثائقه ومحتوياته الأثيرة في بابها.

نُريد عربيّاً آخر

ماذا يبقى بعد اليأس
وقد تَخاذل الشّرق
وقـُـتِلت بالعُنـْفِ الأفكار
نحنُ بشرٌ بُسَطاء
نَعيشُ ولا نأبه لكلِّ أحداث الأعْمار
نحن نريد والله (عز وجل) يريد
لكنّنا وبرضانا أصبحنا بُؤساء
نـُـريدُ عربيّاً آخر يكتـُبُ حرفاً
يقرأ لغة
ويدوِّن تاريخ الأجداد . . .
نـُـريد عربيّاً يصنع قمراً
يطير من دون جناح
يُربّي أُمّاً تكتب جيلاً
لكلِّ تاريخ الأمجاد . . .
وينْحَت في السماء
قوسّ قُزَحٍ في كل الألوان
ويحرثُ بسنابكِ روحه
رملَ الصحراء
ويزرع في الصّخر
أشجار الزيتون
كي تـُـطعمَ أحفاد الأحفاد . . .
ويُرَبِّي مجتمعاً صالحاً
يروي الفرح من دمْعِ عينيه
ويُضْحِكُ مِلْءَ القلب
أولئكَ الأطفالُ الجياع
نـُـريد عربيّاً يُفكـِّرُ ويَبحثُ
في كتُب الفلسفة
وتاريخ الأمجاد
ولا يُضَيِّع ما نكتبُ
في إبداع الزّمان
نـُـريد عربيّاً يُفَكـِّرُ
ويقود العالم بالعدلِ
إلى آخر المطاف . . .

فلسفةُ تهذيب الحواسّ الخمس

إنْ شئتَ أن تحيا الحياةَ سَليما

في كُلِّ آفاتِ الحواسِ عليما

إحذرْ حواسَكَ أن تكون عقيمةً أو أن تُسلِّمها الهوى تسليما
فَلَرُبَّ عَيْنٍ جابهتْ من نظرةٍ كُلَّ الشرورِ فلن تعودَ قويما
والعينُ قبلَ النُّطقِ فيها مَضرَّةٌ فاحرِصْ عليها كي تكونَ حكيما
أمّا اللسانُ فقدْ يكونُ بهــــالكٍ إحذرْ لسانَك في القفا تذميما
إنَّ اللسانَ لفي الحقيـــقةِ ثروةٌ لو قيَّمـــوه في المـَــلا تقييما
لكنَّ أخطاءَ اللســانِ فداحــةٌ قد تعتريكَ وإنْ تكون عظيما
فاجعل لسانكَ تحت عقلٍ نَيِّرٍ فالعقلُ لا يرضى اللسانَ أثيما
قد يصبحُ المرءُ المُوَحِّدُ سيِّداً لو نطقه ُ بالخيرِ كان كريما
واللّمس ُ يبقى للحواسِ قوامُها إذ يجعلُ الكفَّ النّظيفَ حليما
لا تلمـــسِ القِرشَ الحرامَ لأنَّهُ قد حرّم الله الــــــرِّبا تَحْريما
والسَّمعُ للإنسانِ فَخٌ مُشْــــــرَكٌ فاحذرْ سَماعاً للبذيِء سَقيما
شَمُّ المُخَدِّرِ يبقى عاراً فاضـحاً المرءُ يصبحُ بالهُدى معدوما
لولا حواسَك هُذِّبت بعنــــايــةٍ رمضانُ يُضفي رونقاً وصياما
إنَّ الصِّيامَ لَفي الحقيقةِ واجبٌ والمرءُ يكسَبُ في التُّقى إقداما
أمّا الزكاةُ فلا تسلْ عن دورِها دورٌ عظيمٌ جَوْهَرَ الإسلاما
وكذا الصلاةُ فكــم تنقِّي أنفُساً فيها المـــُــوَحِّدُ ينجلي إلهاما
إنَّ الصـــــــلاةَ لِغَيرِ الله باطــــلةْ وحّـِــــدْ إلاهاً واحداً عَلاَّما
هذِّب حواسَكَ، والفرائضَ صُنْ عُلاً اللهُ يرزقْكَ الــــــحياةَ نَعيما

محترف عادل صالحة

عادل صالحة، من رأس المتن، المتن الأعلى، مبدعٌ في تشكيله للحجر والرخام وغيرها من المواد كما يشتهي. بلغ تطويعه للمادة الحد الأقصى فباتت لوحةً أكثر مما هي منحوتة، تتسم بالإتقان والتوزيع البصري والإيحاء القوي. فنان من دون ضجيج ومتحفه مدرسة في النحت والتشكيل نال جرائز وتنويهات من غير جهة إلا من الوزارات والمؤسسات التي يجب أن تحتضن النحات عادل صالحة وأعماله، كما سواه من المبدعين اللبنانيين.

السيرة الذاتية
  • ١٩٤٤، ولد بتاريخ ٢٢-١٠ في بلدة رأس المتن.
  • درس في مدرسة رأس المتن حتى أتم الصف الخامس الإبتدائي.
  • ١٩٦٠، انتقل الى مجال البناء والعمارة اللبنانية.
  • ١٩٦٧، تأهل من السيدة عفت الحلبي ولهما ثمانِ بنات.
  • ١٩٩٧، كُرِّم من قبل وزارة الإعلام بشخص الوزير باسم السبع.
  • ١٩٩٩، مثل بلدية عاليه في السمبوزيوم، وحاز على شهادات التقدير والكؤوس.
  • ٢٠٠٠، ٢٠٠١، شارك أيضاً في سمبوزيوم عاليه الدولي وحاز على شهادتي تقدير مع كؤوس من بلدية عاليه ومن نقابة الفنانين للنحت والرسم في لبنان.
  • شارك في معارص لا تقل عن ثلاثين أهمها معرض الأونسكو، وآخر في نقابة المهندسين بيروت.
  • له عدة أعمال في الساحات العامة في جبل لبنان. من أهمها الأرزة في رأس المتن وسُمي الشارع بإسمها.

[Best_Wordpress_Gallery id=”23″ gal_title=”محترف عادل صالحة”]

الشّاعرُ الحداثيّ نعيم تلحوق

آثَرَت “الضّحى” دوماً في القسم الثقافي والأدبي، أن تُفرِدَ مكاناً بارزاً لشعراء وأدباء بلغوا مرتبة عالية في فنونهم وإبداعاتهم، ولا سيّما من تجاوز منهم النّطاق اللبنانيّ إلى آفاقٍ إقليميّة ودولية، كالشاعر الحداثي الطليعي نعيم تلحوق. فمن هو هذا المُبدع؟ وعلى ما انطوى شعرُه؟ وبما تميّز أدبُه؟

منذ البدايات، أواسط الثمانينيّات ظهر نعيم تلحوق شاعراً مُختلفاً عمّا كان مألوفاً حينها، ثائراً في فكره المتوثِّب على كلِّ التراكيب الاجتماعية التي كان يرى ضرورة تغييرها (قيامة العدم).

وما لبثت الصورة الشعريّة الجديدة أن تبلورت لديه، واستقرّت أخيراً زاهيةً حرّة، سحابة نيِّفٍ وثلاثين عاماً مع مؤلّفاته الشعرية العشرة: قيامة العدم – 1986، هي القصيدة الأخيرة – 1990، لكن ليس الآن – 1992، وطن الرَّماد – 1994، هو الأخير – 1999، أظنُّه وحدي – 2001، يغنِّي بوحاً – 2005- 2013، فرس الكتاب – 2015، وغيرها.

ليست صياغات نعيم تلحوق الشعريَّة بأسلوبيَّته الجامحة خيالاً وفكراً، سهلة المأخذ، فهو اختطَّ لنفسه، تبليغيةً معيَّنة لا تشبه في مزاوجة المفردات غيره من الشعراء في قطفه المعاني والرُّؤى المُراد إيصالُها إلى عقل وقلب القارئ، فتتمّ الغاية منها تلقائياً وطازجةً، فيفوز الشّعرُ كما الأدبُ بالصور البيانية الفريدة، وهذه في ميزان الفنون الإبداعية، يقيّدها النقّاد لصالح العمل وصاحبه. ونعيم تلحوق صاحب خيال واسع يعينه على البراعة في قنص الأفكار والمعاني التي تحفل بها مؤلَّفاته… نعيم تلحوق الذي وصلت كتبُهُ إلى العالميّة، صاحبُ سيرةٍ عمليّة ناجحة، بدأها من عَيْتات، قضاء عاليه – لبنان مسقط رأسِهِ. أتمَّ دراساته العليا في الجامعة اللبنانية – 1986 – 1987، رأَسَ دائرة الإنتاج الفكريِّ والأدبي في وزارة الثقافة اللبنانية وما زال.
ترأس تحرير مجلة شؤون ثقافيَّة الصادرة عن وزارة الثقافة اللبنانيّة – عُضو الهيئة الإدارية لاتِّحاد الكتاب اللبنانييِّن، وعضو اتّحاد الكتاب العرب، ترأَّسَ تحرير مجلَّة “فكر” اللبنانيّة، الفصليّة، عَشْرَ سنوات، كتب في الصحف اللبنانيّة والعربية ما يزيد على ربع قرن، له برنامج في إذاعة لبنان الرسميّة بعنوان: “أوراق ثقافيّة”.

كُتُبٌ صدَرت عنه:
  • نعيم تلحوق، دراسة في شعره – رجاء كامل شاهين، دار الينابيع، دمشق، 2006.
  • أنطولوجيا الشعر اللبناني، بالفرنسيّة – ناديا كريت – مكتبة بيسان.
  • ديوان الشعر اللبنانيّ المعاصر – حمزة عبود – دار الفارابي – 2008 – بيروت.
  • التّجربة الشعريَّة عند نعيم تلحوق، بين المُزاوجات الصوتيَّة والانتهاكات اللُّغوية – دراسة بحثية – عصام شرتح – إدلب.
  • أنطولوجيا الشعر العربي الألماني – فؤاد آل عواد – دار شاكر ميديا، أخن، ألمانيا – 2011.
  • تُرجمت، مجموعته الشعريّة السابعة – يُغنِّي بوحاً 2011. والتاسعة “شهوة القيامة” 2015 إلى الألمانية، د. سرجون كرم وسيباستيان هانية وجويل هولاند.
  • تُرجمت مجموعته – وطن الرَّماد إلى الفرنسية – 2008 – ناديا كريت.
  • صدر عنه كتاب بعنوان “سيزيف، لعبة الدائرة في شعر نعيم تلحوق للكاتبة ناديا كريت -2015.
  • كتاباته الأدبية والشعرية محور أبحاث ورسائل ماجستير ودكتوراه في الجامعة اللبنانيَّة.
أدب نعيم تلحوق وثقافته

إضافة إلى ما كَتَب هو وما كُتِبَ عنه، مِنْ كُتب، نلمسُ بالحديث معه، أمراً واضحاً، هو تمتُّعه بذاكرة قويَّة، ولَسَانَةٍ لافتة، وثقافة كبيرةٍ، وفكرٍ مُولِّد يتنقّل به في العصور قديمها وحديثها، مُطَّلعاً، هاضماً مُعظم الفلسفات الشرقيّة والغربيّة مُطَعِّماً كتاباته بها.

ولعلَّ ما كتبته ناديا كريت في مقدمة كتابها “سيزيف” لعبة الدائرة في شعر نعيم تلحوق، خير تأكيد على عمق تجربته الإنسانية وبما يتلاءم مع تحديد سترابونسكي، وهو ناقد غربي مشهور، أنَّ الدائرة هي الصورة الأكثر كمالاً بالنسبة للإنسان، لأنَّه ليس من شكل مُنجَز وتام أكثر منها، وهي أكثر الأشكال ديمومة، أمّا علاقة الدائرة في نتاج تلحوق الشِّعري، فهي تحتلُّ مكاناً أساسيّاً، بالغ الأهمية، حيث يُقسم شعره إلى مجموعتين دائريتين، كلٌّ منها تتضمَّن خمسة دواوين. فمن خلال مطالعاته الصوفيَّة عرف تلحوق معنى الدائرة عند ابن عربي، ومعنى النون، والنقطة في قلب الدائرة، وعرف أنَّ للأحرف الشمسيّة في النقاط مكاناً كرويّاً أو دائريّاً، ويتطوّر النّص والتحليل المعرفيَّين لديه، إلى أن نصل إلى نعيم تلحوق الأزيتريكي، وذلك بمعرفة النواحي الخفيّة اللّامنظورة في معناها اللّامحدود. هل حقّاً أنَّ التجربة الإنسانية التي رسمها نعيم تلحوق في دواوينه العشرة كانت من فيض المعاني العاصفة في ذاكرته. وهل لم يتغير نعيم تلحوق، لا بنظرته ولا بتوْقِه إلَّا نحو المزيد من التوحُّد وحِدَّةِ البهاء.

في ختام ما نصف به شعر نعيم تلحوق ما قاله الأديب محمّد زينو شومان: كلَّما تأمَّلْتَ عمارته الشعرية الشاهقة، ازددت يقيناً على يقين، بمهارة البناء، وروعة مشروعه الهندسي الضَّخم.

ولعلَّ مَن شاء أن يتبيَّن خصائص هذا المشروع يكتشف سرَّ العدد فيه وتحديداً العدد خمسة. هذا إذن هو الشاعر الفيتاغوري نعيم تلحوق وسرّ ثقافته الشعريَّة والأدبيَّة.

ثقافة و آداب

أنا ما قلت أنك لن تصبح والياً، بل قلت أنك لن تصير شريفاً رجلٌ من بلاد نابلس رزق بولد سيء السيرة والسريرة، …

  لَرُبَّما يلزمُك حجرٌ لِيَقظتِك أحدُ رجال الأعمال الكبار والمُتخَم بالمالِ والمُمتلكات يسيرُ يوماً بسيارته الفارهة والباهظة الثمن، وإذ بحجرٍ يضربُ مؤخِّرةَ …

ليلَى تُنادي في المــزاد ليلَى تبيعُ ضفائرا ليلَى تبيعُ أصابعا وتبيع أطفالاً لها وتودُّ بيْعَ جنينها ذاك الذي في رحمها كانت تُقبّل …

إن تملك خيراً وزّعهُ إن تملك مالاً قدّمهُ إن تملك حبّاً انثرهُ إن تملك علماً انشرهُ وقلبكَ بالصّدق فعطّرهُ وجسدكَ الذي تجمّله …

خسرت في خلال شهر شباط الفائت صديقين وكاتبين هما الدكتور فارس يوسف والدكتورة ناهدة السوقي، لروحهما الرحمة ولعائلتيهما الصبر والسلوان. الدكتورة ناهدة …

لم أشـأ أن أكتب إلّا ذاتي عندما أكتب عن جبران فقد تغلغل في ثنايا فكري، ثورة تنادي للحرية، صرخة تسكب حناناً على …

وُلِد محمدّ رضوان عام 1942 ودرس المرحلة الثانوية في السويداء، في ثانوية الأمير شكيب أرسلان، ومن ثمّ درس الفلسفة في جامعة دمشق، …

«مُظفَّر باشا في لبنان»: لأمير البيان شكيب أرسلان كتابٌ أصدرته الدّار التقدميّة، للأمير شكيب أرسلان، أميرُ البيان، فيما ذُكِرَ على غلاف الكتاب …

نُريد عربيّاً آخر

ماذا يبقى بعد اليأس وقد تَخاذل الشّرق وقـُـتِلت بالعُنـْفِ الأفكار نحنُ بشرٌ بُسَطاء نَعيشُ ولا نأبه لكلِّ أحداث الأعْمار نحن نريد والله …

This content is locked Login To Unlock The Content! تذكرني Lost your password?

آثَرَت "الضّحى" دوماً في القسم الثقافي والأدبي، أن تُفرِدَ مكاناً بارزاً لشعراء وأدباء بلغوا مرتبة عالية في فنونهم وإبداعاتهم، ولا سيّما من …

  مداخلة الشيخ سامي أبي المنى في حفل توقيع كتاب السيدة جمانة صلاح الدين “وجاءني البحر” في المكتبة الوطنية بعقلين بتاريخ 20-4-2013 …