الأحد, أيار 5, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, أيار 5, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

كلمةٌ في كتابٍ وشاعرة

 

مداخلة الشيخ سامي أبي المنى في حفل توقيع كتاب السيدة جمانة صلاح الدين “وجاءني البحر” في المكتبة الوطنية بعقلين بتاريخ 20-4-2013
جُمانة أبو مطر صلاح الدّين إنسانة مؤمنةٍ مُحبّة، ترسم شعورها في أبياتٍ منثورةً متلألئةً جمالاً وأنساً وذوقاً، وتنثر مشاعرها الرقيقةَ شعراً لطيفاً، تفلشُ جدائله المسترخية على أكتاف الحياة دون عُقَد الوزن والقافية وتعقيدات البحور وتكلّف المعاني.
في كتب السيدة جمانة ولوحاتها تقرأ روحيّة المرأة الأمّ المربيّة وسماتِها.. تقرأ الحنين والجدل وبسمةَ النّغم وخلجاتِ الفصول.. تقرأ الكلماتِ واللمعات ومواسمَ الحبّ وقناديلَ الذكريات، تقرأ الأمَّ والجدّةَ الفتيّة والأختَ الوفية ومحبّةَ الأب وحفيفَ الشعور وحِكَمَ القدر.. تقرأ وتقرأ وتقرأ، وتسافر معها في عالمٍ رائعٍ من اللطافة والأناقة واللباقة، وتنحني باحترام أمام حضورِها المُلفت الجذّاب، أدباً وأخلاقاً وفكراً نيّراً، وهي المُعذَّبةُ الفرحة بسنابل عشقها وطمأنينةِ روحها، والقلقةُ المفتّشةُ دوماً عن الألق الجميل وبريق الحبّ وألوان العطاء.
كأنكِ يا سيّدةَ البحر تأتين إليه راجيةً، وتعودين منه راضيةً، يجيئك البحر من جبال هملايا، من كهوف النسّاك، رذاذاً مُفْعماً بالبخور والورود والعطور وزهراتِ اللوتس المضاءةِ بالجمال، هكذا تقولين، يجيئك حكمةً تسطع بالحقّ، وترانيم صباحٍ آتية من ينابيع المحبة والصفاء.. تأتين إلى البحر أم يأتي البحر إليك، لا فرقَ عندك.. طالما أنّك تتألّمين وتتأمّلين، وكلا الطرفين سبيلٌ إلى صقل الذات، والمؤمنون يتّقون اللهَ فيقيهم، يناجونه فيهديهم، يأتون إليه فيسكن في قلوبهم، على قاعدة الحكمة الإنسانيةِ القائلة: “وأنْ ليس للإنسان إلاّ ما سعى”، وعلى قاعدة التوحيد في الإسلام التي تقول: “إنَّ للّه رجالاً إذا أرادوا أراد”.
تلك هي القاعدة وتلك هي فلسفة الحياة، ولذلك أنتِ مُطمئنةٌ إلى سلامة قلبك وصفاء روحك، ومُدرِكةٌ أنّ الطمأنينةَ تأتي من الإنسان ذاتِه وليس ممّا عداه، لقوله تعالى:”يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بَنونَ إلّا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم”، وها أنتِ تناجين حبيبَك الأوحد بهمس صلاتك، فيقذف في بصرك البصيرة، لتسْبَحي في بحارٍ صوفيةٍ بعيدة القرار، وتعودين كما أنت، مع تصفيق الأمواج العاتية على الرمال، تعودين براعمَ أملٍ” تنشر شذاها في فضاءٍ مداريٍّ”، وترجِين أن يرفعَك الحقُّ على سفوح حبِّه الكبير ويذريَك من عَلٍ، “أريجاً عابقاً يبلسمُ الجراح” و”يعتُقَكِ من العالم البرّاق”، هكذا تقولين وترتجين، وأنتِ تأملين أن تغسلي وجهَك بدموع السحاب العابر، وأن تَهيمي تحت شعاعاته وفي أنواره، وتتبخّري على مرآته، لتصبحي قطرةً في محيطه الهادر.. تأتين منه وتعودين إليه، في روعةٍ من التعبير والإخلاص والشفافية.
تحلِّقين بعيداً في فضاءات الرّوح، وترتحلين في خضمّ البحار العميقة، تبحثين عن الطمأنينة “والهُنَيهات النورانية”، وتنصهرين كالشمعة عندما تدخلين في حقيقة إشراقة الحق “وتذوبين كالعطر في وجوده العظيم”، وكأنما هناك “حفنةٌ من نورٍ” تشعُّ من داخل المحبّ، “فيرقُّ قلبُه بفرح” و”بسعادة مقدّسة”، ليقودَه الحبُّ إلى حبيبه الأوحد “؛ “مُجيبِ السائلين”، كما تقولين، وذاك هو ما يقولُه التوحيدُ، بأنّ السعادةَ تأتي من داخلِ الذاتِ وليس من خارجها، إذا ما عاشت “عطش الأماني” وطمحت لتحقيق “حُلُم الروح”، وتلك عناوينُ لكتبِك وقصائدك، قرأنا مثيلاً لها لكبار العرفانيين المُنشدين على أعتاب الحبيب، ككمال جنبلاط في ديوانَيِّ “فرح” و “السلام”، وللدكتور سامي مكارم في “مرآة على جبل قاف”، ولغيرهما من الأصفياء الذين سعَوْا من خلال مسلك العرفان إلى المسافرة الروحية في دروب الحبّ والولاء، حيث السكونُ في جنّة التّوحيد وحيث السعادةُ التي لا تغيب.
تحملين في روحكِ عبَقَ السويداءِ من جبل العرب، وتُنشدين من بعقلينَ قصائدَ من القلب والأعماق، وتحملين في عينيك وصدرِك رسالةَ الأمّ الفاضلة، تزرعين الفضيلة في بناتك ومجتمعك وتغنّين لمرابض الشجعان والشرفاء، للصخور الصلبة، جبلاً يعانق جبلاً وشعباً يثورُ لنصرة شعب، وتحلّقين بعيداً في معارج الحق والخير والجمال بكلمةٍ طيِّبةٍ وشعرٍ جميل…
شِعرٍ رقيقٍ يرتقي بعقولنا وقلوبنا نحو السعادةِ والسكينة..
ويُضيءُ فينا العمرَ، يُشعِلُ في شموع الروحِ والجسدِ الفتيلا..
شعرٍ كمثلِ حبائب البلَّورِ.. يلمعُ في ميادين الطفولة
شعرٍ يتوقُ إلى الحبيبِ بلهفةٍ وبرَفّة العين الخجولة
شعرٍ من الوجدان والعرفانِ.. يسبحُ في فضاءاتِ المدينة
وعلى بساط الريحِ يخترقُ الروابيَ والسواترَ والسهولا
شعرٍ يضجُّ سعادةً بهدوئه الروحيِّ.. يبعثُ في حنايا النفسِ والعينِ الفضولا.
الشعرُ عند جمانةٍ يختالُ.. يرسمُ لوحةً..
تزدانُ بالألوانِ… بالإيمانِ.. بالروح الأصيلة
واللونُ يكتبُ بيتَ شعرٍ مُترَفٍ.. يُوحي بأفكارٍ نبيلة
لكأنما الفنّانةُ المعطاءُ تغدو وردةً جوريّةً.. أو نجمةً مُضويّةً..
عطرٌ على عطرٍ، كما نورٌ على نورٍ..
تُرى.. وكأنها جاءت وجاء البحرُ.. يوحي بالأحاسيس الجميلة
مُذ أدركت بالحدس والإلهام ما خلف اشتدادِ الموجِ من مدٍّ وجزرِ..
إذ جاءها جاءته ترسمه.. تُلوّنه..
وتكتبُه بحبر يراعِها الممزوج من نورٍ وعطرِ..
فيصيرَ بحرَ سنابلٍ.. وبيادراً وحقولا..
ويقولَ إنّ الخيرَ يأتي من صميم الذاتِ طوعًا..
لا صراخَ ولا صهيلا..
وبأنّ ما بعد المشقّةِ ليس وهماً أو سراباً عند من يسعى..
وليس البحرُ شيئاً مستحيلا.

احفظْ لِسانَكَ فهو حصانُك إنْ خُنْتَه خانَك

احفظْ لِسانَكَ فهو حصانُك إنْ خُنْتَه خانَك

 

أيامُ التُّرام الكهربائي ركب أحدُهم من ساحة البُرج إلى حيِّ وَطى المصَيطبه في بيروت لزيارة بعض أقاربه. ولما طَلب إليه قاطعُ التذاكر دفعَ بدل القسيمة وقيمتها آنذاك خمسة غروش حجر سورية، فما كان منه إلَّا أنْ مدّ يده إلى جيبه وناوله ليرة ذهبيّة بدل الخمسة غروش والتي تشبهُها بالشّكل واللون، ولكن بعد عودته إلى منزله وتفقُّده دراهمة وجد أنَّه فقد اللَّيرة الذهبية، ثم تذكَّر ذلك أنَّه أخطأ إذ دفعها بدل الخمسة غروش السوريَّة.

تضعضعت أفكاره واحتار في أمره ماذا سيفعل وكيف سيستعيد اللَّيرة، ثم أخذ يُردِّد أمام كلّ من يعرفه عن فقدانها علَّ يساعدُه أحدَهم على إعادتها، لكنْ أخيراً استقرّ رأيُه أن يذهب إلى مدير الشركة وكان يومها السيّد فيليب رزق الله ومركزُه ساحة البرج.

بعد أن دخل عليه أقسم اليمين فوراً أمامه أنّه يتكلم الصِّدق ثم أخبره بما حدث معه. أجابه المدير: “هل تعلم رقم الترام والساعة التي ركبت بها؟”

قال الرجل صدقاً يا سيدي لا أعلم عن ذلك شيئاً وحتّى أنَّ الموظَّف الذي قبض الأجرة منّي لا أعرفه إذا صادفته.

تأكّد المدير في ذاته أنّه صادق في أقواله، لكنّه أجابه قائلاً: استمهلني ساعتين ثم آتني بعد ذلك فلربَّما نكون قد اهتدينا إلى الموظّف المذكور ثم نعيد لك الليرة.

نهاية الوقت المُحدَّد رجع الرجل إلى المدير فنقده الليرة عينَها. تعجّب الرَّجل لهذه السرعة والتوقيت معاً ثم تجرَّأ وسأل المدير قائلاً : “الشُّكر الأول والأخير لجنابكم، رَدّ الله أمانتكم، لكن إذا سمحتم لي بالقول، كيف توصَّلتم إلى معرفة الموظَّف وكيف أعادها إليكم.”

قال المدير: “هذا شعارُنا حفظ الأمانات، وهذا ما نوصي به الموظَّفين والعاملين غير أنَّ الموظف الذي وجدها بعد أن أحصى الدراهم المُحصَّلة في يومه تأكَّد له أنّه خطأ من أحد الرُّكاب فناولني إيّاها قائلاً: إنّها ليست له وهي بذمَّة الشركة إلى أن يظهر صاحبُها. ”

قال الرجل: الحمدلله، الحمدلله إنّه لم تزل هناك أناسٌ أصحاب ضمير حيٍّ كهذا الرجل والحقيقة (إن خليت خَربت) كما يقولون. لكنني أُسائلكم مع بعض الاستغراب أنّه عندما أتيتكم صباحاً وقصصت عليكم الأمر طلبتم منِّي أن أغيب ساعتين ثم أرجع، فما الداعي إلى غيابي هذا واللّيرة كانت بحوزتكم؟

ضحك المدير وقال: لربَّما لسانُكم قد خانكم وسبّب لكم ما أهانكم وأقلق بالكم. قال الرجل: بالله عليك أخبرني كي أتعلَّم من أخطائي.

قال المدير لقد أخبرتم سواكم بما حصل معكم حيث أتى أحدُهم إلينا وطلب منا ما طالبتم به فأمهلناه الوقتَ عينه لاعتقادنا ربَّما لم يكن صاحبُها، وبعد أن أجبناه بأنَّه قد أتى أحدٌ سواه وسأل عنها، آنذاك انسحب ولم يعد.

وحيث إنَّنا اقتنعنا بإجابتكم وصدقِ أقوالكم وقَسَم يمينكم أعدنا إليكم الليرة وإن تأخّرنا ساعتين لكي يبقى بالنا مرتاحاً.

قال الرجل: سبحان الله ما أبصرَكم وما أدهاكم، وما أعلمكم أيها المدير النَّبيل، وصِدقاً ما قالته الكتب السماوية: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، وصِدقاً ما قاله بنو الإنسان: “احفظْ لسانَك فهو حصانُك وإنْ خُنْتَه خانَك”.


الأمير عليّ آل ناصر الدّين ووصيَّتُه إلى وَلَدَيه

 

إياكما وترك سُنن قومِكم وأُسرتكم، فإنَّ ترك هذه السُّنن يخفض منزلة المرء إيّاً كان، واحتفظا بصداقة المخلصين لنا أيّاً كان مذهبهم الدّيني، ولا تقاطعا أحداً حتى تُوقِنا بأنَّه ليس من أهل الوفاء والثّبات، فعندئذ لا يلومُكما في مقاطعته أحد.

لا تَرْكُنا إلى المُرائين المُتَحلّفين فالرُّكونُ إليهم غباوة، ولا تثقا بأصدقاء عدوّكما، إنْ كان لكُما عدوٌّ، فإنَّ صديق العدوِّ عدوّ، وتمسَّكا بالرَّجل بقدر ما يبدو لكما من تمسّكه بشرفه وكرامته، فمَن لا يحفل بالشَّرف والكرامة لا يحفل بالصداقة. ولا تتواضعا لِمُتكبّرٍ أيًّا كان، فليس أدلّ على ذلَّة النفس من التواضع لمتكبّر، ولكن تواضعا للمُتواضع فإنّ التكبُّر على المتواضع دليلُ خِفَّةِ العقل والغطرسة. لا تبطُرا بالثّروة وإن عظُمت، فإنَّ البطرَ بالمال أوضحُ برهانٍ على وضاعة النفس، وهو شأنُ ذوي النّعمة الحديثة، واحتمِلا الإساءةَ من أصغرِ صغير ولا تحتملاها من أكبرِ كبير.

لا تُعاشرا الذين ساءت سُمعتُهم وأخلاقُهم، ولا تمزَحا في المُجتمعات فإن المِزاح يُذْهِبُ الوقار، وليكُنْ سكوتُكما أكثرَ من كلامِكما، ولا تُكثرا التَّجوال فيقلُّ الناسُ إليكما، واستقبلا زوارَكما بمنتهى البشاشة والترحيب فإنَّ للزائر على المَزور حقّاً يجب رعايتُه، وإذا بدرت بادرة تسؤكما من زائر فظٍّ فاحتملاها ولا تُسمعاه كلمة عنيفة، فإنّ إهانةَ الرجل ومن يكن في منزلِكم عَيْبٌ.

وإذا عاندكما الزمان فاعتزِلا فإنَّ العزلَة صَوْناً لمرؤتكما، وإن عاتبكما الناس كونا شديديّ الثقة بالله تعالى. واجتنبا المُحَرّمات وكلَّ ما نُهي عنه، وحذارِ من الطَّمع فإنَّه أخو الدناءة. ولا تغضبا إلّا حين يكون الغضبُ واجباً، ولا تَعِدا إلَّا إذا كنتُما قادرَين على إنجاز الوعد. واعطفا على الأقرباء والأصدقاء المُخلصين كلّ العطف، وإذا شذّ أحدُ الأقرباء عن سواء السبيل فابذُلا النّصيحة لعلّه يرجِع عن غِيِّه، وإن لم يرجِع فالبراءةُ منه خيرُ ما تفعلان.

كما تزرع تحصد ولكلّ جميل جميلٌ يماثله

كما تزرع تحصد ولكلّ جميل جميلٌ يماثله

فلاح فقير معدمٌ يعيشُ في إحدى المزارع الاسكتلندية يدعى «فلمنج». ورغم الفقر الشديد لم يكن يشكو أو يتذمر لكن همّه الأوحد كان ولده الوحيد ومستقبله وكيف ينقذه من حياة البؤس والشقاء، ولا يستريح من التفكير إلاّ بإعادة الأمور إلى الرّب فهو الشفوق الرحيم. ذات يومٍ وبينما هو يتجول مع قطيعه في إحدى المراعى سمع صوت كلب وفيّ ينبح نباحاً مستمراً مما أقلقه، فأسرع ناحيته ليجد طفلاً كان يرافق الكلب ويغوص في بركة من الوحل وترتسم على وجهه علامات الرّعب والفزع وصراخه يفتت الأكباد. لم يستهب فلمنج الخطر بل قفز بملابسه في بحيرة الوحل وأمسك بالصبي من شعره ثم أخرجه وأنقذ حياته.

في اليوم التالي آتى رجلٌ إلى منزله وتبدو عليه علامات النعمة والثراء في عربة مزركشة تجرها خيول أصيلة ومعه حارسان. اندهش الفلاح فلمنج لزيارة هذا اللّورد الثّري له في بيته المتواضع، غير أنه وفي قرارة نفسه ظنّ أنه والد الصّبي الذي أنقذه من الموت المحتم. بعد أن ترجّل اللّورد الثري بادر الفلاح قائلاً له: لو بقيت أشكرك طوال حياتي فلن أوافيك حقّك، أنا مدينٌ لك بحياة ابني، أطلب ما شئت من أموال أو مجوهرات أو ما يٌقرّ عينك. أجاب الفلاح: سيدي اللورد أنا لم أفعل سوى ما يمليه عليّا ضميري وأيّ رجل مثلي كان سيفعل ما فعلته، فابنك هذا مثل ابني والمأزق الذي تعرّض له من الممكن أن يتعرّض له ابني أيضاً. أجاب اللورد الثري: حسناً طالما تعتبر ابني مثل ابنك فأنا سآخذ ابنك وأتولى مصاريف وتكاليف تعليمه حتى يصبح رجلاً متعلماً نافعاً يخدم بلاده وقومه.

لم يصدّق فلمنج ما سمعه وطار من السعادة والفرح في قلبه أن ابنه سيتعلم في مدارس العظماء. وبالواقع والحقيقة تخرّج ابنه الصغير الكسندر فلمنج من مدرسة (سانت ماري) للعلوم الطبية وأصبح دكتوراً كبيراً يتمايل بين العلماء الكبار من الأطباء والبيولوجيين وهو ذاته العالم الكسندر فلمنج (1881- 1955) مكتشف البنسلين Penicillin عام 1929، أول مضاد حيوي عرفته البشرية على الإطلاق، كما وأنه حصل على جائزة نوبل للطبّ عام 1995. لم تنته تلك القصة الجميلة هكذا بل حينما مرض اللورد الثري بالتهاب رئوي كان البنسلين هو الذي أنقذ حياته وفي الحالتين الفضل لآل فلمنج.

المفاجأة الكبرى أن ذاك الصّبي الذي غرق في الوحل ابن اللورد الثري والذي يُدعى اللورد راندولف تشرتشل والذي يحمل لقب ونستون تشرشل أصبح أعظم رئيس وزراء بريطاني على مرّ العصور، والذي قاد بلاده والحلفاء ضد دول المحور بقيادة هتلر في الحرب العالمية الثانية بين عامي 1935 – 1945 وكان الفضل له بإنقاذ العالم من غطرسة هتلر وتعسّفه. وانتصر الحلفاء وهم (فرنسا، إنجلترا، الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي) على دول المحور (ألمانيا واليابان).

والقصة بمجملها يعود الفضل فيها لذاك الفلاح الاسكتلندي الفقير فلمنج، والعبرة منها: حقاً كما تزرع تحصد ولكل جميل يقابله جميل يماثله.


نَحْنُ يا إبني نعمل لآخِرَتِنا وليس لدُنيانا

للمروءةِ رجالٌ لا تُعرف مناقبُها إلّا في أوقاتها، وللشّهامة مواقف لا يُقَرّ بها إلا بعد وقوعها، وللأمانة ذِمَم لا يُشهد لها إلا بعد إقراراها، وللدّيانة والتديّن دلائل لا يُشار إليهما إلّا عند امتحان أصحابها.

نصف قرنِ مضى، وأرض شاسعة تزيد مساحتها على سبعة عشر ألفَ مترٍ مربعٍ مسجّلة (مُطوّبة) على اسم أصحابها غير الحقيقيين. واسترجاعُها كان أسرع من لمح الخاطر عند أصحاب اليقين. حتى احتار في أمرهم أصحابُها الشّرعيون.

قصّة ذلك أن شيخاً تقيّاً ورِعاً عُرف منذ مطلع شبابه وحتى غروب إيابه أنّه غني النفس، كريم الأخلاق، حميد الصفات، همُّه آخرته قبل دنياه، ورضى خالقه قبل سواه.

في الأربعينيّات من هذا القرن، يمّم السيد جورجي يَمِّين من بلدة حاصبيّا وجهه نحو المهجر اللئيم، بعد أن رَهن قطعة أرض تخصّه في محلّة «زغلة» إلى الشيخ أبو كامل سعيد أبو رافع من بلدة عين قنيا، بمبلغ مائة ليرة لبنانية آنذاك، والمعلوم أنّ قيمتها في تلك الأيام ربّما تعادل ألوف الدولارات في هذه الأيام.

توالت الأيام والسنون، وفاق عددها الستِّين عاماً، وإذا بأحد أولاد السيد جورجي يمّين الدكتور إميل يمّين يعود إلى بلدة آبائه وأجداده؛ حاصبيّا قصد التعرُّف على أملاك أبيه وإحصائها وإجراء حصر الإرث بعد وفاة والده. لكنّه فوجىء في الدوائر العقارية في مدينة صيدا أنّ أملاكه الشاسعة في محلة «زغلة» هي ملك الشيخ سعيد أبو رافع جَرّاء المسح القانوني في بلدة حاصبيا. وأكثر من ذلك ليس بحوزته أيّة حُجَّة أو وثيقة تُثبت هويّة تلك الأرض بأنّها ملكهم، أو على الأقل تابعة لإرثِ أبيهم.

بعدما قلقت أفكاره، وتشوشت مُخَيِّلته احتار في أمره، كيف أصبحت هذه الأملاك ملكاً للشيخ أبو رافع؟ وما العمل لاسترجاعها؟ وهي اليوم أرض غالية الثمن، لقربها من أماكن السكن وقيمتها المادية لا تقدر بثمن. تحقّق في الأمر، فإذا بها سُجّلت قانوناً بناء لأقوال المختار والنواطير أمام موظفي دائرة المساحة. حتى جيرانها، والجميع يعرفون، أنّها ملك من يستثمرها ويديرها منذ أمد بعيد. تفكّر الدكتور يمّين في ذاته، ثم عمد إلى مشورة العديد من أبناء حاصبيّا، قائلاً للعديد منهم إذا كانوا على صلة جيّدة مع المُسترهن، فإنّه على استعداد ليهبه نصف مساحة الأرض مقابل إعادة الباقي، أو نقده نصف ثمنها عند مبيعها، وليس من حلّ سوى ذلك وخصوصاً بعد استشارة المحامين، ورجال القانون ويأسه من إجاباتهم. اتصل دُعاة الخير بالشّيخ أبو رافع بطريقة لبقة دون إحراج لكرامته، أو إنقاص من أمانته، لكنهم فوجئوا بأول كلام نطق به : «عمَّ تسألونني يا أحبّائي، عن أرض السيد جورجي يمّين.. فهي ملكه. ونحنا استوفينا الرّهن من استغلالنا لها منذ زمن بعيد، فهل في الأمر من شيء غريب؟». تبسّم السائل، وهزّ برأسه، وأقرّ في ذاته أنّه أمام شيخ يجهل أنَّ الأرض أصبحت ملكه رسميّاً، أو قانونياً وإن لم تكن حقَّاً وحقيقة. لكنّه تجرَّأ فيما بعد وصارحه قائلاً: «شيخنا الكريم، إنَّ الأرض في محلَّة «زغلة» قد سُجّلت باسمكم في دوائر المساحة، ولا يستطيع أحدٌ أن يأخذها منكم، فهي ملككم عند الدولة وفي دوائرها».

انتفضَ الشيخ وكأن صاعقة وقعت عليه، ثم صرخَ في وجه محدّثه: « كيف تتجرَّأ وتقول ذلك، ألا تعلم يا ابني أنت والجميع بأنَّها ملك السيد جورجي يمّين؟ ألا تعلم أيضاً أنني أستعملها لقاء رهن استوفيتُه بعد أن طال أمده؟ أمّا إذا كنت تمتحن أمانتي وصدقي، فهذا رأس مالي في هذه الدنيا منذ إقراري بعهدي، لا خوفاً من أحد، ولا استرضاء لولد، بل إقراراً ورضاء لما كتبتُ وتصديقاً لما أعتقد، وإيماناً لما أُقرّ وأعترف.»

بعد أن علم الدكتور يمّين بما أقرَّ واعترف به الشيخ، قصد منزله في بلدته ومعه كاتب العدل، حيث أُعيد الحقُّ إلى نصابه بـ «شخطة» من قلم، ووقفة من ضمير، وليس أكثر من ذلك، ورغم محاولة الدكتور إرضاء المُسترهِن بالوفير من المال، وإذا لم يكن، فموقع بناء لأحد أبنائه أو أحفاده على الأقل. لكنَّ الشيخ أبى واستكبر أيَّ شيء، ثمّ أجابه: «يا بُنَي، قُلْ لمن تعرفه أو يحدّثك: إنّنا وإن كنّا فقراء في دُنيانا، فهذا لا يهمُّنا مُطلقاً، لأنّها ليست عندنا سوى مرحلة شقاء للعبور إلى دار البقاء. وما همُّنا الأول والأخير إلّا العمل لآخِرَتنا، ومرضاة خالقنا والضمير».

مراجعات كتب

«عادياتُ اليَمَن»:

مُذكِّرات المُتَصرِّف «يوسف بك حسن»، 1909 – 1921

صدرت عن الدّار التقدمية في كتاب، من القطع الكبير، عدد صفحاته 587 صفحة حقّقها «عاصم يوسف حسن» وقدَّم لها سفير لبنان السابق في اليمن، حسان أبو عكر. تبدو يوميات «يوسف بك حسن» من الأهمّية بمكان إذ تلقي الضوء الكاشف على الواقع اليمني مدّة عقد ونيِّف: ما بين 1910 وحتى 1921. وقد زادت على أربعة آلاف يوميَّة، دوّنها صاحبها تزامنًا مع حدوثها، فاكتسبت مصداقيّةً عالية، لأنَّ كاتبها كان في سُدَّة المسؤولية، مُتصرّفًا، مُتعلّمًا، مثقفًا وذا شخصيّة عُرفت بالذكاء، والحنكة والشجاعة، والوطنية، فضلًا عن أنّه كان يضطلع بمعالجة الأحداث مباشرةً، وما أكثرها في بلاد كاليمن التي عُرفت في التاريخ القديم والحديث، بتضاريسها الصعبة، وتعدّد العقائد والمفاهيم بين أهلها الذين ينتمون إلى عشائر وقبائل مختلفة من الصعب إلى حد الاستحالة أحيانًا التوفيق بينهم. وهو واقعٌ أليمٌ ما زال يسحب نفسه على البلاد اليمنية حتى اليوم. ولقد جاء القائمّقام ثم المتصرف في ما بعد إلى اليمن مُوَطِّنًا النّفس على تحقيق النجاح في معظم ما أوْكِلَ إليه من فرض هيبة الحكم العثماني على أرضٍ ومواقع لم تكن السلطة العثمانية قد تمكنت من الوصول إليها من قبل. فهل نجح في ذلك؟

تقول «اليوميات» إنّ أحداثًا جسامًا خاض صاحبها معاركها السياسية والعسكرية والاجتماعية بكفاح وتؤدةٍ شديدين، ضد الإيطاليين ثم الإنكليز، ثم الإمام الإدريسي (صاحب عسير)، ولم يكن أبدًا مهادنًا للإمام يحيى حميد الدين. وأمسك بمفاتيح المصالحات بين القبائل المتنافرة التي مثّلت شخصية الشعب اليمني. وبالرغم ممّا أُثر عن «يوسف بك حسن» من تواضع اجتماعي في محيطه، سواء في لبنان أو في الجمهورية العربية السورية (قاضيًا) فقد كانت تخترق ذلك التواضع، مواقف تُملي عليه سلوك متصرف اعتاد الإمساك بمفاتيح القرار، حازمًا متعاليًا وبخاصة حين كان الأمر يمسّ قضايا الأمة.
وفي ما كتب من شعر ونثر ومراسلات تلازمت مع عقيدته في الإسلام والعروبة، ضمن عُروةٍ وثقى، كان يرى في الإسلام والمسيحية تكاملًا لا بُدَّ منه تحت منطق الإيمان القومي. إنَّ ما نكتبه هنا عن «يوسف بك حسن» ومذكراته الضّخمة، هو قليلٌ من كثير. وقد أصاب حقًا السفير حسان أبو عكر في ما كتبه عنه في مقدمة هذه المذكرات.

لقد أتاحت سنواته في اليمن في هذا الجو المفعم بالأحداث والمشاريع المعلنة والمستترة العمل بعزم كبير، معتبرًا أنّ الكفاءة والجرأة والاندفاع القومي، وتطبيق القوانين، هي عناصر كافية لإعادة هيبة السلطنة في الولاية العثمانية، وبسْط سيادتها في بلاد قيلَ عنها إنها مقبرة للجنود الأتراك.

انتهت الحرب العالمية الأولى كما هو معروف بانتصار الحلفاء وبسط حكمهم على معظم الأقطار العربية، فأيقن «يوسف بك» عندها أنّ مشاريعه الوظيفية ومستقبله الإداري لم يعد مجديًا. ولما ازداد التباعد الثقافي واللغوي والسياسي مع الجمهورية التركية الناشئة قرَّر العودة إلى بلاده في شهر آب من العام 1923، واختار أن يمارس عمله القومي ونداء الواجب كما قال في حكومة جبل الدروز الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، فتوجه إلى مدينة السويداء عاصمة تلك الحكومة، ليعمل في المحاماة وفي القضاء، وصولًا إلى رئاسة محكمة الاستئناف هناك إضافة إلى ترؤسه محكمة الجنايات. وبقي في سورية لغاية تقاعده، وعودته إلى مسقط رأسه في قرية بتلون الشوفية في عام 1955، حتى توفاه الله في 26 تشرين الثاني عام 1969.


فلسفةُ القانون:

السجالُ بين جمود النّص، وطفرات الواقع

كتابٌ، عبارة عن دراسة فكريّة قانونيّة، قدّم لها دولة الرّئيس نبيه برّي رئيس مجلس النوّاب اللبناني، عالجت فيها الدكتورة ماغي حسن عبيد، بتبسّط، العلاقة الجدلية بين الفلسفة والقانون، من منطلق أهميتهما فُرادى، والدّور الذي يؤدّيانه معًا بعلاقتهما بالتاريخ العام، والفلسفة العامة والسياسة. فكيف ولماذا الجدليّة بين الفلسفة والقانون؟ وما هي موضوعات فلسفة القانون؟ وهل للقانون بوصفه علمًا خصوصيةٌ وتمايُز؟ في مُندرجات هذه الدراسة تركيز على أهميّة فلسفة القانون، واتّجاهاته الرئيسة… وتحديد الأبعاد الفلسفية، وتصوراتها في المذاهب القانونية، كما في التيار المثالي الميتافيزيقي.

والمذاهب الفلسفية القانونية عند اليونان والرومان. فالعصر اليوناني حيث القانون بالمعنى السقراطي، والأفلاطوني، والأرسطي، وصولًا إلى الرواقيين، والإبيقورييِّن، ومن ثمَّ الفكر القانوني الروماني، فالقانون في الفلسفة المسيحيّة، وفكر توما الإكويني، فأولويّة الدولة على السلطة الكنسية. وفي التدريج الزمني تتحدث المؤلّفة عن الفلسفة العربية الإسلامية: الفارابي، والغزالي، وفي التاريخ التالي، نجد أنفسنا مع القانون في العصر الحديث، الحكم المطلق، مكيافلي، هوبز، فلسفة الحكم المقيّد، أسبينوزا، جون لوك، روسو، إيمانويل كنط، وبعدها قراءة معاصرة في حقيقة العولمة القانونية التي أصبحت بعد التطوّرات البشرية في القرنين العشرين والواحد والعشرين، أمرًا واقعًا يصعب على الإطلاق إهماله أو تجاهله، لذا تنتقل الدراسة إلى شرح مفهوم القانون في الفكر المعاصر، فتحدّد التيارات الفكرية التي تتناول القانون بهدف نقده وتطويره: هيغل، والتيار الوضعي، والوضعانية الواقعية، والوضعانية السوسيولوجية، والوضعانية الماركسية، وهولمز، والإنسانوية القانونية، ونظريات أميركا الشمالية، الجدل الفلسفي حول فلسفة القانون. وتتساءل الدكتورة ماغي عبيد، بعد هذا السرد والنقاش الطويلين عن النِّظام ما فوق الوطني، والشرعانية أو الشرعية، والشرعانية المنهجية، وعن الأمن والسّلامة، والعدل، والإنصاف، والقانون والأخلاق، ومراهنات الحريّةُ، وأزمة الديموقراطية، هذه المسائل الإشكالية التي كانت وما زالت عُقَدًا وعقباتٍ في مسيرة التطور البشري إلى كماله المنشود.

وترى الدكتورة عبيد أنّه مع قيام الثورتين الأميركية والفرنسية في القرن الثامن عشر، والمساعي تدور حول القيم الأساسية في المجتمع الغربي من خلال حقوق الإنسان، ولا سيّما أنّ أساسها ينطلق من القانون الطّبعي، مع أنَّ الاتجاه ينحو بها في الوقت الحاضر، باتجاه صياغة هذه القيم، في نصوص قانون وضعي محددة، وأساس أسلوب هذه المحاولة مستقىً من القانون الطبيعي، ولعل التطور الحاصل الساعي لتضمين حقوق الإنسان الأساسية في صيغة فوق قانونية، أممية أو كونية، يتمثّل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والمعاهدات الأوروبية لحقوق الإنسان، ولعلّ أهم الحريّات التي تمَّ تناولها ودراستها، حريّة التعاقد، والتملّك، والكلام، والعمل، والتحرّر من الحاجة، والضمان الاجتماعي، والصحافة، والدين، والحرية الشخصية، وحقوق الإنسان وحمايتها دوليًا، وحق التجمع.

إنَّ فلسفة القوانين، والعمل على تحديثها في استنتاج الدراسة تتطلَّب ورشة عمل تبدأ، لكنها لن تنتهي حيث على الإنسان أن يعمل بنشاط وتجدُّد، وهنا يحضرنا تساؤل تلقائي: هل قوانينا اللبنانية تتلاءم مع مفاهيم التشريع؟ وتجاري العصرنة وتواكب مستجدّات الحضارة، أم أنّ قسمًا منها عفا عليه الزمن؟ هذه الأسئلة البديهية والمنطقية، يجيب عنها رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه بري في تقديمه لهذا الكتاب، بقوله: «إنَّ فلسفة القانون، هي عقل ووجدان القانون، وهي الوسيلة التي تفسّر العلاقة بين القانون والمعتقدات، والتصرفات والسلوكيات، والحياة برمّتها».

سُمُوُّ الرّوح في تقاسيم سناء البنّا

لا تملُّ الشاعرة سناء من إعلان استحالة العيش بلا شِعر. هو ذا ما تشعر به وأنت تطوي الصّفحة الأخيرة من ديوان سناء الجديد. من يستطيع أن يحيا حياةً لا يحبها؟ من يستطيع أن يعلن الانتصار على ليلٍ أسودَ أسدل كلّ الستائر المُمْكنة؟ من يستطيع أن يعيش بلا جسد؟ وحدها سناء تفعلُ ذلك بامتياز، وكما لم أقرأ لأحد من قبل، أمّا سلاحها فبسيط وهو: الشِّعر. هل رأيتَ جسداً لا يخصّ صاحبه! تلك هي علاقة الشاعرة سناء البنّا بجسدها، علاقةٌ لو طُلِب إلي أن أصفها لقلت إنّها «الرّفقة المُستحيلة». الجسد قناع، لا بدّ لنا به. أكثر من ذلك، لا نريدُه، لا نرغبُ به. كلّما امتطينا عربة الشِّعر واقتربنا منه، فرَّ منّا. لا شيء يستطيع أن يميّز بين الجسد – المقدّس، والجسد – القناع مثل الشِّعر… وهو ما تفعله سناء. هي تُسقط بالشِّعر الجسد – القناع وتلتصق أكثر بالجسد – المقدّس. هي ذي قوة الشِّعر، وتفرُّده. فلنقرأ سناء:

«لم أجدْ غير جسدي يفلتُ من بين ذراعيك هارباً،
حين خلعتُ القناع،
بادرني وجهي بالسؤال:
لمن ترسمين النّهاية المُباغتة؟
يا امرأةَ الفرارِ الطّاعنِ
كم أنتِ خائبة!» (ص 131)

تُظهرُ مجموعة سناء البنّا الجديدة هذه أشياء كثيرة، منها أوّلاً، وقبل أيّ شيء آخر، ما يخصّ الشاعرة بالذات، وهو أمر طبيعي، إذ لا يمكن فصل الشاعر عن شعره، حتى إن لم يتقصّد ذلك، وأحياناً لا يريده. وهو مدار هذا الكلام، وسأعود إلى هذه النقطة إلماحاً فقط، إذ المقام مقام احتفاء واحتفال وليس التحليل والتفصيل كما نفعل عادة حين نكتب مطارحاتنا النقديّة. إلّا أنَّ ما أودُّ لفت النّظر إليه، هو أنَّ مجموعة الصديقة سناء الجديدة تُظهر بوضوح قوّة الشعر عند سناء، وقوة حاجتها إليه، بل والدرجة العالية التي يحتلّها وإلى الحد الذي لا يستطيع أيّ نوع أدبي آخر أن يقوم مقامه أو يأخذ وظيفته ودوره في تجربة سناء. أليس ذلك ربّما ما دفع هيجل، أعظم الفلاسفة بعد أفلاطون وأرسطو، إلى القول: إنّ الشّعراء الحقيقييِّن هم أنصاف آلهة. وسأشرح فكرتي.

لا أعتقد أنّ أي نوع أدبي، عدا الرّواية، أصعب الأنواع الأدبية ربّما، كان قادراً أن يحمل بأمانة ودقّة طوفان مشاعر سناء الجيّاشة: أنينها، حنينها، إحساساتها المُعلنة، رغباتها المستحيلة والمكبوتة، انفعالاتها الغاضبة، زفراتُها الحَرّة، ذكرياتها المُرّة، بل ما تحت ذلك من أحاسيس قد لا تجد الكلمات المناسبة المقابلة لها أو القادرة على نقلها أو وصفها.

مرَّة ثانية، هو ذا ما يفعله الشعر، أكان عموديّاً أم حُرّا، فصيحاً أم عامياً، لا فرق. فالشعر الحقيقيُّ شعرٌ أيّاً كان شكله، والشعر غير الحقيقي، المُصطنع والمُفتعل، شعر ركيك، بل لا شعر، وكيفما انتظم عقده – وقد دلَّلتُ على ذلك في كتابي «في الأدب الفلسفي» قبل ما يقرب من أربعين عاماً، حيث أظهرتُ بالتّحليل والدليل أنّ أضعف شعر جبران خليل جبران (مثلاً) هو قصيدته المواكب (رغم غناها بالأفكار المُهمّة، لكنّ الأفكار لا تصنع وحدها الشعر). وبيّنت من ثمّة أنَّ معظم ما خطّه قلمه أو ريشته كان شعراً في الحقيقة وتجاوز بكثير قصيدة «المواكب». وهي أيضاً خصوصيّة جماليته غير المُبتذلة أو السّطحية أو الظاهرة افتعالاً: فبعض قوّة الشعر هي حين يُلمِح لا حين يُفصِح، وحين يدعوك إلى وليمته «السرّية»، لا حين يقدّم لك أطباقاً جاهزة، مُعلّبة، مكرورة، وقد شاهدتها وذقتها ألفَ مرّة. قوّة الشِّعر في عُذريّة صُورِه حين لا شيء يشبهُها، لا صورَ أُخرى تشبهُها، بل حين لا صورةٌ تشبه صورةً أُخرى.

ربما يُفاجأ البعض حين أختم كلمتي الاحتفائية هذه بالقول: إنّ سناء فعلت ذلك كلَّه، وإنّ شعرها كان بالفعل ذلك كلّه، وربما هي نفسُها لم تنتبه لذلك. في شعر سناء، وبمعزل عن الأفكار، وشعرها لا يقع في باب شعر الأفكار، ستجد من الأحاسيس والطقوس والمشاعر والأسرار ما لا يُعبَّر عنه إلّا بالشعر. لحظةُ سناء الشعريّة غنيّة على نحو غير اعتيادي، ومشحونةٌ بكثافة حِسيّة أو «مَلمسيّة» قلَّ نظيرُها، ولنقل بالغة الغنى والتّعقيد. ولا تخدعنّك نبرتها الخافتة. نبرةُ سناء الخافتة هو الإغواءُ كيما تدخل إلى عالمها، ولتكتشفَ من ثمّة مدى ثراء عالمها الدّاخلي وتفرّده.

أكتفي من بين عشرات فقرات هذه المجموعة بأن أقرأ لسناء قطعتَها اللّافتة، رقم 30، ص 27، تكتب سناء:
«وكان أن دعاني إلى وليمة،
كان المذبح مُمَدَّداً
كأنّه المطافْ
آخر الخطايا…
والحطامُ مُغطى على كرسي الاعتراف،
طَوفٌ وطَواف…
وليس لي غير قدمين حافيتين
تتعانقان في نسج خطوات خائفة…
في مخبوء الهيكل مدفنٌ، وعينٌ راصدة، وتُرَّهات….
زاخرةٌ بأدوات الصّلاة الأوّلية،
زيْتٌ وبخور فوق الجمر…
ويدا راهبٍ خفيّ ترسم المكان بأجراس شَبِقَة،….
أسكرني عِطرُ يَديه،
أوهمتني أصابِعُه أنّ الجسدَ رداء،
فخلعتُه…

ومارسنا الصّلاة في الخبايا
كلٌّ على وسادة،
على طقس فوق أوثان العبادة…..
في حضرة الجسد
تتقمّص روح الأنبياء…» (ص 28-29)

إذا كنتُ أفهمُ الأمورَ جيّداً فاللّوحة أعلاه لا ينقصها شيءٌ لتكونَ لوحةً سرياليّة خاصة بسناء…. ولن يجلو سرَّها إلّا سناء. وكذا في تساؤلاتها الكونيّة العميقة، اِقرأ معي في الفقرة 31، ص 30، بعضاً من نصٍّ طويل، تقول:

«حين اعتراني إحساسُ وجودي،
دخلتْ دوائرُ الصّمت من ردهة المعنى
كما زقاقٌ على بوابة كونيّة….
كأنّي امتلكتُ نفسي على يابسة شاسعة…
فهمتُ أنّي لستُ وحدي حليفةَ الفراغ المُمْتلئ وجوهاً
وحكايا وانشطارات…» ص 30

هذه عيّناتٌ فقط رغبتُ أن أُظْهِر من خلالها قوّة شعر سناء وعمقه، والفكرة تغدو جليَّة كلّما تقدّمنا أكثر في مجموعتها… ولن ينفعَ الإلقاء في شعر سناء، فهو شعرٌ جُعِلَ ليُقرأَ مرّتين وثلاثاً لِسَبر غورِه وإخراجِ ما استَتَر في قاعه السّحيق من انفعالات وذكريات وأحاسيس أقرب إلى اللّاوعي منها إلى الوعي. وفي كلّ الأحوال، وَبِثقة أقول، شعرُ سناء هو سناء بجسدها وروحها، بحُلوها ومُرّها، بانكساراتها الكثيرة ونجاحاتها القليلة، باندهاشها وخوفها، بحزنها وفرحها، وإنْ بدا كما قلتُ أقرب إلى لا وعيٍ لا سلطان لها هي نفسها عليه. مبروكٌ جديدُك سناء البنّا، وفي انتظار المزيد.

فؤاد الخشن

شــــــاعِرَ الرّيفِ وزَهـــــر اليـــــــاسمينْ والـــــهوى البِكْـــــرِ وَرَعْشَـــــاتِ الحنينْ
قُــمْ إلـــــــى الـشعْـــــــر تَبــــــوأْ سُــــــــدَّةً أَنْـــتَ فيـهـــــــا رائـــــــدٌ للـمـحـدِثـيـــــــنْ
إنّمـــــــا الشـعــــــــرُ لآلِــــــــئَ صُغــتَــــــــهُ من فتِيْتِ المِسْـــكِ فــي صِدْقٍ ولِيــــنْ
يستريـــــحُ السِحْــــرُ فــي ألـفــــــاظِــــــهِ مثلـمــــــا العِطْــــرُ بِزَهْــــرِ الياسمـيــــنْ

هذا هو فؤاد الخشن، كما عَرَفْتُهُ شخصياً، أَحَد كبارِ شعراءِ الضاد في القرن العشرين، وممّن نبغوا فتركوا آثاراً شعريّة بعدهم تدُلُ عليهم، خالدةً على مَرِّ العصور، بشهادة أكبر الشعراء اللبنانييِّن والعرب، «الأخطل الصغير»، «عمر أبو ريشة»، «الدكتور محمَّد مندور» «سليمان العيسى» وغيرهم. وفي هذه المقالة نحاول التذكير به، فلم يكن يؤتى على ذكره في وسائل الإعلام بما يتناسب مع ما أعطى من إبداع وتميُّز.

وُلِد فؤاد الخَشن يوم 13/1/1924 في بيروت، ولكنْ عندما هاجر والده إلى البرازيل عام 1926، عاد مع جدَّته ووالدته وأخيه إلى ضيعتهم الشويفات. هذا الريف الرائع الواقع بين الساحل والجبل، عرف طفولةً سعيدة، أغنت نفسه، وأَثْرَتْ مُخيّلتَهُ في سنوات عمره الأولى، وإلى أن استوى رجلاً متين الشخصيّة، لم ينفكّ إبّان تفجُّرِ موهبته، شاعراً يغرف من بحر، عن أن يسجّل ذكرياته، وأحاسيسَهُ، وافتتانه بجمال الطبيعة الريفية: «كنا نُمضي فرصَنا المدرسية، شاردين بين الكروم والضهور، تحت أشجار الصنوبر الفاتحة مظلاتها المخملية الخضراء مهسهسةً باحتكاك إبَرِها العطرية الدقيقة… أو في «وادي البير» حيث نمتّع البصر ربيعاً بالنجوم البيضاء المعلّقة قناديلَ صغيرةً على أشجار اللوز، وعقوداً على أشجار المشمش، ونسرق ما يطيب لنا من ثمار بستان العم حامد»… أمّا في مواسم قطاف الزيتون فكنّا نرافق الأهل إلى غابة الزيتون الواسعة الممتدّة بين الشّويفات والبحر، بحيرةً من الخضرة الدائمة، وهذا قبل زحف الفيل الحديدي عليها من مدينة أقفاص الإسمنت ليُردي أكثر أشجارها الدهريّة… أشجار الخير والنور والبركة… وها هو في قصيدة بعنوان «أصداء» في صفحة 36 من ديوانه، يتغنّى بالريف
كما كان يراه:

أنـــــا مــــن ريـــــفٍ علــــى تلك الرُبــــى أســبــــــغَ الــلــــــــــهُ عـلــيـــــــه فِتَــــنَـــــــهْ
نَشَـــــــــرَ الضّــــــوءَ عـلــــــــى تُرْبــتـــــــــه وبـــــأَزْهــــــــــارِ الأمـــــــــــاني زَيَّـــنَــــــــــهْ
أنــــــــا من أرضِ رُعَــــــــاةٍ جَـــــرَّحـــــــوا سَحْبَــــــةَ النـــــــاي الحـنــــونِ المُحزِنةْ
مـــن جـــــدودٍ عصــــــروا الكرْمَ دَمـــــــاً سَكِرتْ منــــه الـخـــوابـــــــي المدْمِنَــــةْ
وعلــــــى سُمْــــرِ الــــدوالـــــــي كـتـبــــــوا شِـــــرعة الحُـبِّ وخَــطُّـــوا سُنَـنَـــــهْ

وبعد أن عاد والده من البرازيل عام 1939 أعادَ العائلة إلى بيروت حيثُ تتلمذ في «مدرسة حوض الولاية» على يد الشيخ راشد عليوان اللغوي والشاعر. وهنا كتب أول قصيدة له باللغة الفصحى، وكان عنوانها «بلبل»، لحّنها وغنَّاها رفيقه في الصفوف الابتدائية ومطرب الإذاعة اللبنانيّة خليل عيتاني، ثم أعقبها بثانية بعنوان «ذكريات» نشرها في مجلة «المعارف» لصاحبها الشويفاتي «وديع نقولا حنَّا»، وعندما أصبح في الصفوف التكميلية، أعلنت «محطة الشرق الأدنى» من يافا، عن جائزة لأجمل قصيدة مترجمة عن الإنكليزية أو الفرنسية. فكانت المفاجأة الكبرى أنّه فاز من بين مئات الشعراء بالجائزة الأولى، بترجمته قصيدة «الخريف» للشاعر الفرنسي لامرتين، الذي عَشِقَ شِعْرَهُ، رَدْحاً من الزمن، بتأثير من زميله، الكاتب في ما بعد، محمّد عيتاني. وفي عام 1944 عندما أصبح فؤاد الخشن طالباً بدار المعلمين، راح يقرأ بِنَهَمٍ، بودلير، ورامبو، وفرلين، وفاليري، بلغتهم الأم، ويقرأ بترارك، وشلي، وبيرون، وطاغور مترجَمين إلى العربية، كما راح يكتب بعض القصائد التي كان منها قصيدة «الراقصة السوداء التي أعجبت أستاذَه في الرسم، الشيخ قيصر الجميٍّل، صاحب اللّوحات الرائعة، فرّسم لوحةً صغيرةً من وحيها وأهداها له:

نَمَّ عنها الستارْ…
طيفاً من الليلِ…
تمطَّى كلهثةٍ وتَرَقْرُقْ:
تتلوى التواءَ أفعى…
وتَنْزو تحت غيمٍ من الحرير
المُرَقَّقْ
تمسحُ الأرضَ مثلَ طيرٍ هلوعٍ
مَسَحَ الماءَ بالجَناح وحَلَّقْ
وتَمَسُّ الرُخَامَ مسّاً رفيقاً!!
مثلما اللّحنُ شاء أن تترفّق
وعلى غُلْمةِ الشفاهِ نداءٌ
رَفَّ من رِعشةِ الدماء وأَشرقْ

ثُمَّ قصيدة «إلى مُلهمتي الأولى» التي حَمَلَها بنفسهِ هذا الفنان الكبير، والوالد الروحي له، بحسب تعبيره إلى ألبير أديب ونشرها في مجلّته الهامة «الأديب» وعندما نُشِرتْ هذه القصيدة، ترجمها المستشرق البريطاني، والأستاذ في جامعة كمبريدج اللورد آربري إلى الإنكليزية، ثم اعتبرتها الشاعرة والناقدة سلمى الخضراء الجيّوسي أوّل قصيدةٍ حديثةٍ نُشِرَتْ في العالم العربي، وكان ذلك عام 1946، عام زواجهٍ من ابنة عمِّهِ الشاعرة أديل الخشن…

وبهذا يكون فؤاد الخشن بحق رائدَ الشعر الحديث في لبنان والعالم العربي. وفي عام 1951 فاز في مسابقة أجرتها محطة الإذاعة اللبنانية لأجمل قصيدة غزلية، وكان بين المتبارين بعض كبار المشاهير الذين غاظهم هذا الفوز. بعد قراءته، «الأخطل الصغير» و»أمين نخلة» و»عمر أبو ريشة»، و»سعيد عقل» و»صلاح لبكي»، وغيرهم من الكبار…. وتأثُرِه بأشكالهم وقواميسهم الشعرية، اختار لنفسه وهو في أواسط الأربعينيات شكله الشعريَّ الخاص الذي رأى فيه للشاعر مُتنفَّساً أعمقَ، ومدىً أرحبَ، بالتخلّص من القوالب الضيقة، والهلهلة، والتقرير، والوضوح المسطح، واعتمد التكثيف والتقطير، والبناء الهرميّ المتنامي بنغم سيمفوني متصاعد، والاستعانة للتوصيل غير المباشر، بالأساطير والرموز والغموض الآسر الذي يشعرُ القارئُ معه أنه يرى الأشياء بِسِحْرٍ أعمق من خلال غُلالةٍ نِصْفِ شفَّافة، أو قريةٍ تُغرِّدُ فيها سطوح القرميد، ونوافير النخل الخضر من خلال منديل ضبابةٍ صباحية… يقول بعض النقّاد إنّه لم ينَل الشهرة التي يستحقها، وذلك لزهده بالسعي لترويج اسمه، كما يفعل بعض الشعراء. ورفضِهِ السَعْيَ للتقرب بشتى المغريات من المسيطرين على أجهزة الإعلام من مكتوبة، ومسموعة ومرئية.

وفي عام 1951 كان فؤاد الخشن من مؤسّسي «أسرة الجبل الملهم» في شُلةٍ ساعدت على التغيير شكلاً ومضموناً في الأدب والشعر، بالقفز من تهويمات الرومنطيقية إلى جدِّيات الأدب الملتزم… ولقد عاشت هذه الأسرةً نحواً من سنتين… هاجر بعدها إلى فنزويلا مع زوجته هرباً من روتين الوظيفة. وفي هذا المغترَب النائي كتب قصائد قليلة، كان أهمها قصيدة حنين، التي قال نقيب الصحافة الأسبق رياض طه، في إحدى رسائله إليه، أنها أبكته… وقرأ فؤاد الخشن بإنعام شعراء أميركا اللاتينية، وإسبانيا باللغة الإسبانية، هذه اللغة التي قال عنها: إنها موسيقية، شبيهة بكرَّات الحساسين، وتغريد البلابل، وعلى ذكر الشعر وحالاته يقول: ليس لكتابته عنده ساعة معينة، وإن كانت ساعات الفجر الأولى هي ساعات الصفاء والتدفُّق، كما ليس لميلاد القصيدة مكان معيّن، فالمكتب، والعيادة، والحافلة والشارع يمكن أن تكون أماكن ولادتها غير المنتظَرة. وبعد ذلك راح يطوف في دنيا الله الواسعة، ويُدعى إلى أكثر مهرجانات الشعر العربية، وبزيارته الاتحاد السوفياتي «السابق» وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، شعر بانعطاف يشده من الغزليات والريفيَّات إلى كتابة الشعر الإنساني، والوطني، وكَرَّت حبات السُبحة بهذا النوع من الشعر وقلَّت الوجدانيات حتى نَدَرَتْ.

في عام 1966 كان للدولة اللبنانيّة التفاتها الوحيدة نحو منح جوائزها الأدبية للآثار الأدبية الصادرة عام 1965 – 1966، فكانت جائزة الشعر من نصيب ملحمته الشعرية «أدونيس وعشتروت» ثم أعقبتها جائزة أصدقاء الكتاب، عن منتخباته الشعرية التي صدرت عن دار المعارف، بمصر تحت عنوان «سنابل حزيران». وثمة بُعْدٌ آخر ينبغي ذكره عن فؤاد الخشن، وهو تضلُّعه باللغة العربية، وإتقانه الفرنسية والإسبانية، وتثقُّفُهُ الواسع في المسائل الأدبية والفكرية على اختلافها، فترى له خَوْضاً شعريّاً عبقرياً تُفاجأ به، ما يجعله جديراً بالمستوى السامي الذي بلغه، كما أنّه كان يؤكد مقدرته مراراً وفي كل أوان، على نظم الشعر المقفّى الموزون، كقصيدته إلى «الشاعر القروي» التي قيلت يوم الوفاء له من على منبر دار الطائفة الدرزية:

يـــــــا شـــــاعراً غنّـــــى بثورتـنــــــا التي مــــــا زال يذكرهـــــا الدخيــلُ ويُكـبــــرُ
فــــي يوم حَمْلَتِهِ علــــى «الجبل» الذي لا يُستبــــــاحُ لــغــــــاصـــب أو يـقـهــــــرُ
إذ هُوجم الجيشُ المقــيـــــــمُ بسهـلِـــهِ  والفجـرُ مفـتـــوحُ المــــــراوحِ أشـقــــــرُ
فـــــإذا الجــنـــــودُ مسمَّرون لـــذعـــــره بُكْمٌ… وفــرســـــانُ الــــدروز تزمـجـــرُ
وإذا بمــغـــــــوارٍ يحـمـحـــــــمُ تحــتَــــــــهُ ويَخِبُّ في الـوحــــلِ المخضَّـــب أبجرُ
يهــوي علــــى تلك الخصور… يقدُّهــا ويكُــــرُّ كــــالأســــد الغـضــــوب ويـــزأرُ
وعلى المـنـــــاكـــب من ضـــراوةِ سيفه تُــلــــــوى مُغَلَّـقـــــةُ الــــــرؤوس وتُبـتـــــرُ

وهكذا كان يكتبُ الشعر بكل معانيه، وكل أشكاله، مُقفّىً، وذا تفعيلة وحرّاً وموشَّحاً… فكيف يكون النبوغ الساطع. إن لم يكن هكذا وبهذه السويّة؟ زد على ذلك تبحُّره على طريقه المتصوّفين في العِلمين المادي والروحاني، كابن عربي، والسهروردي والحلاج، والفارابي.. فمراقي، العرفان والتوحيد.

كما في قصائده: «توحيد»، «شهقات في قنديل الشيخ سلمان»، و»صلوات الشيخ الأزرق»:

شيخي المتعبِّدُ ذو الثوبِ الأزرقْ
للعقل الكُليّ نذور
يفنى، صلواتٍ للمولى
ودعاءً ينداح غَمامَ بَخُورْ
لإلهٍ لا تعرف عيناه الغفوة
شيخي المتنسكُ يقْهَرُ في الخلوات النفسْ
والطينَ الهاجسَ… ثعبانَ الأمسْ
يتبتَّلُ للوجه الأبقى، بفُتات بالكِسراتْ
من خبز يُنْبِتُ أشجار العَفَنِ
مخبوءٌ تحت حصيرٍ رطبٍ
ويَبُلُّ الغُلَّةَ بالقطراتْ
من إبريق أعشبَ من أنفاسِ الزمن
ليصفّي الجسم الخاطئَ من أوشال الذّنب

فؤاد الخشن، يقول فيه المتفقّه في عِلم التّوحيد، الدكتور سامي مكارم: «إنّه يُنْشِدُ الحقيقة، وفي نشدانه لها، ينشدها أغنية أحدُ جناحيها خيال يطير به إلى خلوات الدُنوّ على حد تعبير الحلاج، وجناحها الثاني حبٌ هو بَدوٌ لعشقٍ إلهي تجلّى على قلب الشاعر لألاءً، هو سر الحياة الحق. وحتى نُدرك أكثر ماهية شعر فؤاد الخشن، ونبوغه فيه، فهو يتحلَّى على حد قول «عمر أبو ريشة»: بأصالةٍ ورقَّةٍ هما حِليَةُ الشعر ومطمحُ كلّ شاعر، إنّه يعرف كيف يُجنِّح الحرف ويُطلقه في دُنيا الحب والجمال، ليعود إلينا منه مُثقَلاً بالعطر والأنداء… هذا قليل من كثير عنه… فهل نكون أوفياءَ بَرَرةً به، فنُخَلِّدَه بما يستحقّ، على الأقل في مدينته الشّويفات أو في الوطن العربي الذي آمن به ودعا إلى نهضته؟

مبدعاتٌ استرجعْن آمالهنّ «المخطوفة»

تلاقيْنَ عند قارعة الطريق، وتراقصن بين حروف الشِعر وفلسفة الوجود. أديباتٌ، شاعراتٌ وفنّاناتٌ تشكيليّات من المجتمع التوحيدي المعروفي، تقاسمْن الآلام والأحلام، فأبحرْنَ في عالمٍ يعبق بالحبر والألوان. بات القلم رفيقهنّ والريشة خلاصهنّ لكسر ضجيج السكون وتحرير أفكارهنّ ورغباتهنّ المعتقلة داخل «سجون الصمت». نفضْن رائحة الحرب والدمار ومضَيْن على خطى الحب والسلام، فأبدعْن دواوين ونصوصًا شعرية وأدبية تمايلت بين الصوفية والغزلية، ومقالاتٍ وومضاتٍ استعادت حكاياتٍ وأمنياتٍ خطفها الزمن على عجل.

مبدعاتٌ كان لمجلة شرف لقائهنّ، كتبْن الوطن والهوية والانتماء وعبّرن عمّا ترتجيه المرأة من حقوقٍ ومساواة. تشاطرنْ عشق الحياة فبحثْن في جدلية الموت والوجود وصراع الخير والشر. سخّرن موهبتهنّ الشعرية والفنية للدفاع عن الإنسان فينا، ولسرد تجاربنا واختزال هواجسنا. سعيْن خلف الحقيقة والذات البشرية فَنَسَجْن قصائد ورسمْن لوحاتٍ قاربت مرفأ الحلم وأطلقت شراع تحرير النفوس قبل تحرير النصوص.


غادة الكاخي: أتغلغل في مسام الروح وأراقص حروف القصيدة
الكاتبة والشاعرة غادة الكاخي خطيبة المنبر.

تستهلّ الكاتبة والشاعرة والناشطة الاجتماعية غادة الكاخي كلامها لمجلة ، بتحيّة انحناءٍ واحترامٍ، قائلةً: «أنحني احترامًا لكلّ من يفكر بعقل قبل أن يتصرف بغباء، وتقديرًا لكلّ من يقدّر قيمة اﻹنسان في أخيه اﻹنسان. أنحني بمحبة لكلّ من يسعى لعمل الخير دون مقابل، وأنحني إجلالًا لكلّ من يساهم في خدمة المصلحة العامة».

انطلقت من بلدتها حاصبيا أكاديميةً عريقة تمرّست في تدريس اللغة الفرنسية ولا زالت في صفوف ثانوية «العرفان التوحيدية». تولّت تعريف وتقديم أكثر من احتفالٍ وندوةٍ وأمسية، حتى لُقّبت بـ «خطيبة المنبر». استهواها الأدب والشعر فنظمت أروع القصائد والكلمات. شاركت في مبارياتٍ عديدة لإلقاء الشعر فكان أن حازت جوائز تقديرية رفيعة المستوى وكسبت تنويهات كبار الشعراء اللبنانيّين والعرب.

في حوزتها أربعة كتبٍ قيد الطباعة، تندرج تحت عناوين: «ضجيج السكون»، «فواصل الكلام»، «كلمات ونبرات»، و»عبرات وعبارات»، فتقول في صفحاتها: «حين يوجز الحرف مأساة بحجم الكون… تنحني مطأطئًا رأسك، خجلًا من نفسك أولًا، وعاتبًا ثانيًا، وشريكًا في الجريمة ثالثًا…». وتردف: «علّمتني الحياة أﻻ شيء يستأهل دمعة واحدة… أن أهتم بالجوهر ﻷنه اﻷبقى، وأﻻ شيء يدوم، فدوام الحال من المحال والبقاء لله وحده، وما زلت طفلة صغيرة على مقاعد مدرسة الحياة، أتلقى فيها كلّ يوم درسًا جديدًا…
وأنتم ماذا تعلّمتم من الحياة؟».
«تربصّت بنا الحرب، فهجّرتنا ودمّرت مستقبلنا وبدّدت أحلامنا، والتحقنا كلٌ بجماعته، ببلدته، ببيئته»، تقول الكاخي بحسرةٍ وأسى، غير أنّها تستطرد لتعرب عمّا اختلجها من اندفاعٍ اجتماعي لخدمة محيطها، ولا سيّما الفئات المهمّشة والمستضعفة، فكان أن ساهمت في إنشاء جمعيات عدة تُعنى بخدمة الطفل ومناصرة المرأة في ظلّ ما تواجهه من حرمانٍ وعنفٍ وتمييز.
شغلت غادة مناصب إدارية عدّة، حيث عُيّنت منسّقة جمعية تنظيم الأسرة في لبنان في منطقة حاصبيا، وعضو اللجنة الثقافية في نادي الجبل الرياضي – حاصبيا، من مؤسّسي مركز المطالعة والتنشيط الثقافي التابع لبلدية حاصبيا، وهي عضو في جمعية «ميدال» – النبطية Midal Organization بالتعاون مع Mepi، وفي الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، إذ شاركت في مراقبة العديد من الانتخابات النيابية والبلدية وفي ورش عمل ودورات وندوات متنوّعة حول تمكين المرأة وتعزيز قدراتها.

تولّت الكاخي منصب مسؤولة الاتحاد النسائي التقدمي في حاصبيا، فكرّست خمسة وعشرين عامًا من حياتها لتمكين المرأة ومساعدتها على مواجهة التحديات، من خلال إقامة الندوات التثقيفية والتربوية والصحية والاجتماعية. زاولت العمل الحزبي كأمينة عقيدة في الهيئة الإدارية لفرع الحزب التقدمي الاشتراكي في البلدة، وشاركت في ورش عملٍ حزبية قيادية، قبل أن يرشّحها الحزب للانتخابات البلدية عام ٢٠١٦، غير أنّ المجتمع الأُبَوي كان بالمرصاد. وتقول: «لم أستسلم للمعوّقات بل واصلتُ النضال من خلال قلمي الحر حيث طرحتُ مجمل الشؤون الاجتماعية والهموم المعيشية، ما شكّل محطّ أنظار للصحافة ووسائل الإعلام التي استضافتني أكثر من مرة للحديث عن تجربتي ورسالتي للمرأة اللبنانية».

وتردف بالقول: «نحن في زمنٍ، ينتصر الباطل فيه على الحق، ليس لعجز أهل الحق في الدفاع عن حقوقهم بل ﻷنهم ﻻ يجيدون السباحة في الوحل وﻻ يتأقلمون مع العيش في المستنقعات، فيحيلون أمرهم إلى العدالة السماوية، كونها المنقذ الذي يمهل وﻻ يهمل… فعجبًا لزمنٍ ينصف هوامش الناس على حساب أشرف الخلق، وعجبًا لزمنٍ ﻻ يشبه أي زمن».

غادة، الزوجة والوالدة لثلاثة أبناء، تسطّر عبر تمنيّاتها وآمالها، فتقول: «جلّ ما أطمح إليه أن تكون حياتنا خبرة لبناتنا من بعدنا، أن تتحرّر النفوس قبل تحرير النصوص، أن تُحترم المرأة وتُنصف كما أنصفها الدين، أن تكرّس الأحزاب السياسية مفهوم الشراكة والمساواة فعلًا لا قولًا، أن تتعلّم وتعتمد على نفسها، أن تعي حقوقها في الشّرع وتُعامل على أساس الإنسان فيها، وبعد كلّ هذا، فهي حتمًا ستحسن تربية أبنائها وبناء مجتمع العدل والازدهار». وتختم شاعرة حاصبيا بنفحةٍ شعرية، فتقول: «دعني أتغلغل في مسام الروح، دعني أراقص حروف القصيدة وأهمس لعيون الليل الحزين إسهر معي، فلقد تعبت أجنحتي من ترداد اﻷنين…!».


رامونا يحيى: حياتي عبارة عن أقلامٍ وبعض ورق
الأديبة والشاعرة رامونا يحيى.

«كتبتُ ليس لأتحدّث عن الأنا، بل لأحكي بكلماتي حكايات كلّ شيء. لأكتب عن الحب، عن الفرح والحزن، فأصبحت حياتي عبارة عن أقلامٍ وبعض ورق»، بهذه العبارات تختصر الأديبة والشاعرة رامونا يحيى مسيرة حياتها وإنجازاتها الفكرية والثقافية في حديثها مع مجلة «الضحى». عشقتْ المطالعة والقراءة فكان الكتاب جليسها الدائم، رافقها شغف الكتابة فأبدعت منذ صغر سنّها ونافست كبار الشعراء والأدباء.

«منذ المرحلة التعليميّة المتوسطة كانت الكتابة ملجأي إلى أن أصبحت هويٍّتي وفضاء خلاصي الذي يحتويني بعيدًا عن ضوضاء الحياة وصخبها»، تقول رامونا التي اختارت أن تصدر ديوانها الشعري الأول تحت عنوان «كلمات»، واصفةً إيّاه بأنّه «مشروع جنونٍ لا يمكن أن يكون إلا فوق العادة، كما كلّ شيء أحب أن أكونه». نالت دبلوم فلسفة من الجامعة اللبنانية، عملت في مجال الإعلان والتسويق ومارست مهنة التدريس وساهمت في الأبحاث والدراسات الفلسفية، قبل أن تبحر في كتابة خواطر ومقالات وقصائد شعرية احتلّت مساحةً بين سطور الصحف والمجلات المحلية والعربية ومختلف وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي.

في جعبتها العديد من المقالات الفلسفية بينها: تأثير اللّغة على الفكر، السؤال عن معنى الكون، الفلسفة وإبداع الأفاهيم، فلسفة الحوار النقدي، الحرية في التفكير والاختلاف حق طبيعي، علاقة الفن بالأخلاق من الناحية الفلسفية. كما تنوّعت قصائدها بين «اللقاء المنتظر»، «لقاؤنا الحياة»، «أغنيات المنى»، «حلم البراءة» و»رماد الحلم «، لتمتدّ إلى مقاربة «جنون العشق»، «حكاية الأحلام»، «ذاكرة الحلم» و»اللّيل والرحيل». وتختصر يحيى مشاعرها بقصائد عديدة بينها: «أحلام قلبي»، «دموع الفراق»، «حين فقدتك»، «فسحة رجاء»، «كنت وحيدة»، «صمتي أحبّك»، «العمر العاشق» و»أسطورة الهوى» إلى «حكاية الأحلام والسنين»، «لغة العيون» و»رحيلك واغتيال الأماني». كتبت رامونا، الشاعرة والأم، عن الحزن والفراق وعن الحب والأمل:

«بكّرت طيور الحزن في القلب الذي مازال يرنو للأفق تمضي رياح الحب بين عيوننا لنعيش أزمنة الأرق لا وقت للأحلام في هذا الجنون، في هذا الشبق
البحر صار أمامنا والحزن يركض خلفنا أين المفر من الفراق؟
هي لحظة سنكونها، أو لا نكون … كلمح برقٍ قد برق الوقت ليس بوقتنا حلم البراءة ينتهي والفجر خاننا وافترق لكنكَ… ما زلتَ في عينيّ بدءًا للمسافة والطُرق».

تختزن إبنة بلدة البنّيه في الشحار الغربي، ثقافةً عميقة وشخصية متجذّرة، أثمرت كتاباتٍ متنوّعة وجريئة لامست أحاسيسنا وقاربت أحلامنا بإنسانية وجدلية راقية. فتجدها تقول في قصيدة «حنين العودة»: «إذا أتيت في غدٍ بغير موعدٍ/ لا تسألني ما الذي أتى بي هكذا بلا سبب/ وتُفلت اندهاش وجهك البريء في ملامحي/ فسوف تلمحني أحار في الجواب! / وربما أحاول الكذب/ لا تفعل… / وإنما ابسم لوجهي الحزين ما استطعت/ فإنني شبعتُ من عبوس كلّ من قصدته/ ومن جهامة انتظاري عند بابه/ وهدّني التعب!».

شاركت رامونا في العديد من الأمسيات الشعرية والفعاليات الثقافية على صعيد لبنان والعالم العربي، فكانت خير ممثلٍ للبنان والمرأة في شتّى المنتديات الأدبية والفكرية. عُيّنت مؤخرًا مديرة مكتب جريدة «السياسي الدولي» في بيروت ومديرة ‎مكتب مجلة «أمارجي» الأدبية في بيروت.‎ شاركت في إصدار ديوان «شهرزاد» عن دار «أمارجي السومرية»، والذي تضمّن سيرًا ونصوصًا لمجموعة من الأدباء والشعراء العرب.
حازت شاعرتنا شهادات تكريميّة من الدرجة الأولى ودرع «الإبداع والتميّز» عن أفضل مقالة أدبية من مجلة «أمارجي الأدبية»، كما مُنحت وسام «التميّز»، تقديرًا لانسيابيّة شِعرها وجمال قصائدها وعمق كتاباتها. فتقول: «يمضي الزمان والأرض نفس الأرض/ لا شيء يحدث أو سيحدث/ كلّ ثانية تمرّ بنا كما مرّت/ وتتركنا…وتنظر في ازدراء/ ماذا بوسع النائمين/ وليلهم يحلو مع الأحلام والهمسات/ وهل لاحظت…أنّ مسافرًا لم يستطع صبرًا على الذكرى/ يفارقها/ ويُمعن في البكاء؟». وتختم يحيى بالقول: «أحرارٌ ولكن تبقى بعض مشاعرنا في سجون الصمت مقيّدة».


سناء البنّا: لن أكون امرأة في آخر سطر الأنوثة
الشاعرة سناء البنّا.

«قاسيةٌ ورهيفةٌ سناء إلى حد الجنون، نصّها يباغت صورتها لتدرك أنك أمام احتمالات من الانشطارات والخيبات المتلاحقة، يحتوي عالمها الكثير من الألم، يبدأ بطفولتها وصولًا إلى رحلتها مع الشعر. سناء امرأة قلقة، يتحول هذا القلق خوفا في لحظة انسيابية عطرة تعيشها، كأن الموت دَيْدَنها أو كأنها في رحلة مع الغياب…». كلماتٌ استهلّها ناشر الديوان الثالث للشاعرة سناء البنّا، الصادر عن دار «فواصل للنشر» تحت عنوان «أشجار الليل – بين العرف والعقل».

ترعرعت سناء في المتن الأعلى وسط بيئة مختلطة تلاقت تحت سمائها مختلف الأطياف والمذاهب والانتماءات الحزبية والسياسية. قرأت القرآن والإنجيل. أمضت حياتها بين الكنيسة والخلوة والمسجد، قبل أن تندلع الحرب الأهلية اللبنانية بما حملته من مآسٍ وجراحٍ جعلت من طفولتها طفولة عابقة برائحة الحرب والدمار، ومخيّلة مثقلة بالتساؤلات والإشكاليات. طرحت في قصائدها وكتاباتها جدليّة الحياة والموت، وتعمّقت في مسألة الوجود والعدم وصولًا إلى صراع الخير والشر. وتنوّع شِعرها بين الحديث عن الإنسان والوطن والانتماء، إلى التناغم مع مشاعر الحب والذات البشرية.

أتقنت الكتابة الشعرية الصوفية، فمزجت بين إحساسها الراقي واللاوعي الحقيقي، حتى اختلطت كلماتها وحروفها بالفلسفة والرؤية الوجودية، فكانت سبيلًا نحو الارتقاء بالنفس للاقتراب من الخالق. تُرجمت بعض قصائدها إلى اللغة الألمانية في أنطولوجيا الشعر اللبناني- الألماني، معهد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة «بون»، كما تتمّ حاليًا ترجمة بعض كتبها. وتقول البنّا في حديثها إلى مجلة «الضحى»: «الشاعر لا يمكن أن يصنع قصيدته، بل يبدعها حين تفرض نفسها عليه، وتلحّ لتشكّل أسلوبها. كما لا يمكن فصل الشعر عن بقية العلوم الإنسانية ومنها الفلسفة، ولا بدّ من مساحات تأملية تتناسب مع طبيعة الحياة، ولو كانت شطحات خيالية وفلسفية وفكرية بثوبٍ شعري جميل».

«… وأرقصُ في خفة رصاص
طاعنةً في الموت البليد
كشعلة قنديل مغمور بالشموس
وتنهمر موسيقاك الجنائزية رشيقة
ترشقني بلسعة صوت
أموتُ وأحيا مرارًا
ثم أموتُ حتى المنتهى الملقب بالعدم
تأتيني بالدمع والكفن
وكفين فوق جبيني من تراب اللا ندم
وأنا مكاني أرقص حتى الشجن
لا أراك، ولا تراني».

كافحت إبنة بلدة الخريبة المتنية من أجل ترك بصمة نسائية عربية مميزة، فتطرّقت في قصائدها إلى وضع المرأة اللبنانية والعربية، معتبرةً أنّها «بحال أفضل ممّا كانت عليه، لكنها لا تزال في وضع صعب. وعلى الرغم من الحضور النسائي العارم في جميع المجالات والحقول العلمية والأدبية والإبداعية، إلا أنها ما زالت مضطهدة من قبل المجتمع والسلطة الذكوريين، ناهيك عمّا تتعرّض له من عنفٍ وقسوة في الحياة الأسرية وما تلاقيه من تشرّد ومعاناة جرّاء الحروب والأزمات». وبين سطور شِعرها تحاكي البنّا دور الرجل تجاه المرأة، وتحارب بشراسة عندما يكون اضطهاد المرأة العنوان الأساس.

في ديوانها الأول «آدم وتاء الغواية» الصادر عام ٢٠١١، جمعت قصائد متراكمة من مراحل عمرية مختلفة كان معظمها بين العاطفية والوجدانية، بحيث عالجت طروحاتٍ تخطر في بال كل أنثى تدرك أهميتها الغائبة في مجتمع ذكوري. وفي مجموعتها الشعرية الثانية «رسائل إلى مولانا» – ٢٠١٥، تبحر سناء في الفضاء الصوفي. ويشير الغلاف الداخلي للكتاب إلى مولانا جلال الدين الرومي، حيث تقدم رسائلها على شكل مقاطع متتالية منفصلة متصلة معًا، دون ترقيم ودون تسمية. فتقول الشاعرة: «أدورُ في مدارات النفس بين أذرع متصوف / وأبتهل لأصابعه تدغدغ حواسي / ما زالت ظلالكَ تطوف هنا في كل الأمكنة / فوق رعشات شرشف السماء / فوق الجدران».

وتقف البنّا في ديوان «أشجار الليل – بين العرف والعقل» على ٣٨٠ فرزة حكمية أو تجاربية عايشتها خلال حياتها الاجتماعية والثقافية، بحيث تخوض صراعها مع الحب اللطيف، والوجود الكثيف بين المرأة والرجل، والثقافة والأدب وكل ما هو ضد العقل، محوّلةً الإشارات والأفكار إلى جماليات أدبية تذخر بالمعاني مثل: «حبيبي كالظل، دون ملمس أو كثافة، يدور حولي، ويختفي».


الفنانة التشكيلية الدكتورة هناء عبد الخالق.
هناء عبد الخالق:

أحلامنا لوحاتٌ تهيم في الأفق البعيد

بدأت مسيرتها الفنية بشغفٍ عندما قررتْ العودة إلى الجامعة وهي أمّ لثلاثة أبناء، ليس لشيءٍ سوى لتحقيق حلمٍ طالما تمنّته بعدما أعاقته الحرب الأهلية اللبنانية. فكان أن تبلور الحلم وتمخّضت معه لوحات ومعارض ميّزت الفنانة التشكيلية الدكتورة هناء عبد الخالق، حتى باتت علامة فارقة في مجال الرسم والفنون. انضمّت إلى نقابة الفنّانين التشكيليّين في لبنان وانتُخبت مؤخرًا أمينة للسر لدى جمعية الفنانين اللبنانيّين للرسم والنحت.
أدركت إبنة بلدة الجاهلية اهتماماتها ورغباتها، فقرّرت خوض التجربة وكان أن قادها الشغف والإصرار إلى مقاعد الدراسة محاطةً بدعمٍ معنوي من عائلتها الصغيرة والكبيرة. اجتازت المرحلة تلو الأخرى فنالت شهادة الدكتوراه في الفن وعلوم الفن وعادت إلى الجامعة اللبنانية أستاذة جامعية محاضرة في كلية الفنون والعمارة – الفرع الرابع، لترسّخ بذلك نموذجًا في المثابرة والنجاح. «لم تكن الجامعة والدراسة عبئًا، بل كانت متعة وفائدة يكتنز منها عقلي وتتفاعل معها
أحاسيسي، كل هذا كنت أستعيده مع كل لوحة أبحث عنها، مع كل فكرة أجهزت علي وأطاحت النوم من عينيّ حتى تقترن بالتنفيذ، عندها أشعر بالاكتفاء وبأن هذا ما كان ينقصني، وأعود لتهاجمني الأفكار وأبحث من جديد»، تقول عبد الخالق على صفحات .

في لوحاتها، تروي قصصًا وحكاياتٍ تتناغم فيها الألوان وتسافر بك إلى عالمٍ من الإبداع والخيال، وتطرح في معارضها مفاهيم مبتكرة ومتجدّدة. ففي معرضها الفردي الأول عام ٢٠١٠ بعنوان: «انعكاسات Reflexions»، خرجت عن التوصيف المادي للمنظور، وطرحت تجربة محض ذاتية فيها إحساس قويّ باللون والضوء ومعالجة تفصيل معيّن. وتشرح الدكتورة هناء بالقول: «المقصود هو رؤية ما لا يرى، فالذهن البشري ينشغل عادة عن التفاصيل إلى صورة العامة، هكذا تتوارى تلك عن العين حتى المهمة منها. إن تدريب العين على البحث عن التفاصيل في الأماكن التي من حولنا، يقودنا إلى اكتشافات بصرية مذهلة تكتشفها العين قبل اليد، ونحسّها من داخلنا قبل ترجمتها».

عام ٢٠١٤، أقامت إبنة الشوف معرضها الفردي الثاني بعنوان: «أحلام في زمنٍ هارب»، التقطت لحظات طفولتها التي انتُزعَت منها عنوة، فتنوّعت لوحاتها بين «أحلام ورقية»، «مرفأ حلم»، «لحن هارب» و«أحلام ليلكية»، وجاءت رسالتها لتقول: «أنا امرأة من جيل الحرب الأهلية التي أبعدتني عن مكانٍ عشقته وترعرعت به طفلة. كانت الحرب بدايةً هي الخاطفة لأحلامنا وأمانينا، فأردت استرجاعها عبر اللون وجسّدتها من خلال الطائرة الورقية التي كانت رمزًا للطفولة الحرة. كنت أركض خلفها لتعلو في الجو وتكون حرة، ومن خلالها تطوف عيناي وتهيم في الأُفق البعيد. فكان الهدف الأسمى للمعرض إطلاق صرخة مفادها: «أوقفوا الحرب لنسترجع ولو ظلالًا أحلامنا. إلى متى سيبقى الظلّ قائمًا بداخلنا إذا لم يرَ للشمس بزوغًا؟».

أمّا معرضها الفردي الثالث عام ٢٠١٩ بعنوان «رؤى محدبة»، فتتناول فيه فكرة المرآة المحدبة Miroir Convexe التي تعكس صورة مفارقة للواقع، بالغة الإثارة ومحرّكة فعّالة للخيال. «أردتُ في معرضي أن أتقصّى ذلك الخيال الوهمي الذي لا يخلو من دلالاتٍ مجازيَّة وشعريّة يُغْنِي عالم الفن، وينقل الرؤية من المشهد الجامد إلى الحركة المتنوعة التي تُكَبِّر الصورة أو تُصغِّرها كلما غيّرنا زاوية النظر واقتربنا أو ابتعدنا من بؤرة الأشعة»، تستطرد عبد الخالق، وتضيف: «تنقلنا المرآة المحدبة إلى مستوى التجربة الإنسانية الحيَّة والمعيشة، حيث يتضخم أشخاص ويتقزّم آخرون، بفعل المايسترو اللاعب بالمرآة، وتضيع الحقيقة التي نشقى في البحث عنها، ويتشوّه المشهد».

شاركت الدكتورة هناء أيضًا في العديد من المعارض المشتركة في لبنان والخارج. وتَعزّز شغفها بالفن مع كل رحلة قامت بها إلى أوروبا، بينها فرنسا، جنيف، إيطاليا وهولندا، حيث زارت باريس مرات عدّة حتى باتت تجاريها في الشغف والجنون، وتلمّست عظمتها محاولة الدمج بين النظري والواقعي، خصوصًا بعد بحثها في الماجستير عن تطوّر فن التجهيز في فرنسا الذي قادها إلى التعرف على فنون ما بعد الحداثة وتطورها. وتوالت أبحاثها في هذا المجال، حيث أصدرت لاحقًا كتابها الأول بعنوان: «فن التجهيز: إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي».


لارا ملّاك: الشّعر اتصالٌ كونيٌ بالجمال

«أيّتها الأنثى القابضة دائمًا على نار الجمال ونور الحقّ.. لكي تكوني امرأةً تشعّ بأنوثتها، ويكتمل في تكوينك رسم الله، ابحثي دائمًا عن وسيلتك الأجدى واهدمي بها الجدران.. حينها فقط سترين مرآتك صافيةً خاليةً من الشوائب، فينعكس فيها واقعٌ أجمل تنتفي فيه المسافات بين القلب والقلب»، بهذه الصرخة تناجي الكاتبة والشاعرة لارا ملّاك كل امرأة وتختزل رسالتها لها عبر مجلة .

من حارة جندل الشوفية، سطعت موهبة إبنة الثمانية والعشرين عامًا، فكان أن حصدت جائزة الإبداع من مؤسّسة ناجي نعمان الثّقافيّة عام ٢٠١٤ التي رُشح لها أكثر من ١٦٠٠ مؤلف من ٥٨ دولة. فالشعر في قاموسها «اتصالٌ كونيٌ بالجمال، وهو وسيلتي نحو اكتشاف نفسي، غير أني في هذا الاكتشاف أقترب أكثر من الآخر، وأهدم الجدران الّتي بنوها بيني وبينه».

أتقنت ملّاك فنون الشعر والأدب، فنهلت من لغتها الأم حروفًا وعبارات ونصوصًا شعريّة، قبل أن تصدر ديوان «أنثى المعنى» عام ٢٠١٧، الذي نشرت عقبه ست دراسات قصيرة أعدّها نقّاد لبنانيّون وعرب حول الديوان. وللكاتبة مقالات ثقافيّة ونقديّة وشعريّة نُشرت في مجلات وصحفٍ عديدة منها: اللواء، النّهار، البناء، الأنوار، الحصاد، ومجلة بوهيميا. كما أُجريت معها مقابلات عبر عددٍ من وسائل الإعلام والمواقع اللبنانية والعربية.

وفي ومضةٍ شعرية، تقول لارا:
«لكي أحبّك عليك أن:
تفهم حركة قصيدتي..
تجعل كلّ لقاءٍ بيننا بداية نصّ..
تزيد شَعري الطويل ملائكيّةً وأنوثة..
وبعدها إلى حيث جحيمك أمضي
يا أيّها الجالس على كتف المستحيل…».

ثابرت لارا منذ خمسة أعوامٍ على تدريس اللغة العربيّة في ثانوية رأس المتن الرسمية، بعد أن حصدت شهادة دراسات عليا في اللّغة العربيّة وآدابها وشهادة كفاءة في تعليم لغة الضاد، وهي تتابع حاليًا مرحلة نيل الدكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها.

الشابّة العشرينية التي حازت أيضًا شهادة الدبلوم في الشؤون الدوليّة والديبلوماسيّة، تشغل حاليًا منصب عضو هيئة إدارية في «ملتقى الأدب الوجيز»، حيث شاركت في تنظيم وإدارة مؤتمر عربي عُقد هذه السنة ضمن أعمال الملتقى في بيروت. كما نشطت ملّاك في مجال تنظيم الأمسيات واللقاءات الثقافية الشهرية في بيروت، وشاركت في ندواتٍ أدبية في كلّ من تونس وسوريا.
اختارها المركز الدولي لترجمة الشّعر والأبحاث في الصّين (International Poetry Translation and Research Centre) لترجمة ونشر خمسة نصوصٍ من تأليفها، سبق ونُشرت في لبنان عام ٢٠١٤، وذلك في الكتاب العالميّ للشّعر بنسخته الإنكليزية (World Poetry yearbook 2014). وهو كتاب يتضمّن نصوصًا شعريّةً لمئتي وثلاثة وستين مؤلفًا من مئة دولة، ويتمّ توزيعه على أهمّ المؤسّسات والمنظّمات الثّقافيّة والجامعات والمكتبات في أنحاء العالم. فلقد كانت ملّاك بين كتّاب عرب قلّة، الوحيدة من لبنان الّتي نالت هذا الشرف، آملةً أن تسهم دومًا في «نقل الكلمة العربيّة إلى العالم».
تنساب حروف ملّاك لتخطّ مشاعر وأحاسيس تختلجنا كلّ يوم، فتقول: «كأني المؤجّل إلى الغياب.. أموت كثيرًا كضربة فأس…»، وفي خاطرةٍ ثانية تتحدّث عن الغياب: «ينوءُ الغياب.. أنت هنا/ كأيّ كتابٍ/ تستريح.. / وأنا ضوءٌ وظلٌّ/ لا يلتقي فيّ إلا الأوان..»، وفي أخرى عن الحب: «أحبك انعكاس ماءٍ/ الضوء يلمع من غير بكاء.. / يكرّر نفسه/ ولا يطالب عينًا/ بملحها أو بمائها…».

رائدات من مجتمعنا

اخترنَ الحياة، كافحنَ وقاومنَ شتّى المعوّقات والصعاب، فانسابت أحلامهنّ وآمالهنّ إبداعاتٍ أدبيّة، نثريّة وشعرية، وفنونًا تشكيلية، رسمت جسر العبور إلى حيث النور والأمل. شاعرات وروائيات ورسّامات من طائفة الموحّدين الدروز، اجتمعن حول المعاناة والعذاب، فكانت «انتفاضة الروح» و»خربشات على جدران الواقع». تسلّحن بالإيمان والإرادة، آمنّ بقدراتهنّ ومواهبهنّ، فكان لهنّ «حقُّ التوقيع» وأشعلن نورًا في غياهب الظلام.

من الاعتلال العصبي إلى الشلل الدماغي، فصعوبة النطق وفقدان البصر والسمع، محطات تستعرضها مجلة الضّحى، للوقوف على لمساتٍ مضيئة في تاريخ جبلنا وطائفتنا الكريمة، علّها تفي تلك المناضلات جزءًا من حقّهن، فتجمع معهنّ «حروفًا مبعثرة على أرصفة العمر، يكمّلن بها قصائدهنّ التي لم تكتمل بعد».


سوسن حسن الرمّاح: «من لا يصادق الحزن يهزمه»

«أفتح دفاتر قديمة أهملتُها لزمنٍ، أقرأ عليها بعض ما خطته فتاة مجروحة مهملة، من أفكار لا تدرك مَن هي. هي ككلّ فتاة تحلم يومًا ما أن تحصد الشهادات العليا، أن ينتظرها حبيب على مفترق الطريق، ليهديها وردة حمراء، أن تتزوّج وتنجب، أن تجد عملًا تحقّق فيه ذاتها وطموحها». تمنياتٌ وأحلامٌ بسيطة تطرحها الشاعرة والروائية سوسن حسن الرمّاح في حديثها إلى الضّحى ، متسائلةً: «أين كل هذه الأحلام؟ هل تجرؤ أن تبوح بها، حتى لأقرب الناس إليها؟!».

سوسن التي شاء القدر أن تخسر نطقها السليم، جرّاء خطأ طبي أثناء الولادة، لم تردعها مصاعب الحياة عن تحقيق أهدافها، فاتّخذت الورق صديقًا لها. كافحت منذ ولادتها في العام ١٩٧٧، تمسّكت بإرادة التحدي وآمنت بقدراتها، فكان أن خطّ قلمها كتابين من الشّعر الحر: الأول بعنوان «لكَ حقُّ التوقيع»، الذي غيّر مجرى حياتها، والثاني بعنوان «نساءٌ شرقيّات – الجزء الأوّل»، وهي تُعِدّ رواية بعنوان «ذاكرة الأنا»، لا تزال قيد الطباعة، وستكون بمثابة انتقال إلى عالم آخر.

«من لا يصادق الحزن، يهزمه»، كما تقول الرمّاح، «لقد صادقتُه وانتصرتُ عليه، حيث إنّ بعض الأحلام حققتُها بالتّحدي والإصرار والقوة. أكملتُ دراستي ولم أكترث لكلام البعض ومحاولته إحباط عزيمتي بالقول إنّه لا داعي للتعلّم، لأنّني لن أجد عملًا، كوني لا أجيد الكلام بشكلٍ سليم. فلقد كانت نظراتهم تجرحني، منهم مَن كان يسخر مني حين أبدأ الكلام، ومنهم مَن كانت ترتسم في عينيه نظرة شفقة، عدا التهميش والألفاظ المؤلمة والجارحة التي نعتادها مع مرور الوقت».

إثنان وأربعون عامًا من النضال والطموح، لم تقف سوسن برهة أمام العوائق طيلة هذه الأعوام، إنّما تمكّنت بفضل مثابرتها وجهود الداعمين لها، من أن تتخصّص في مجال الإدارة والتسويق، وأن تنضمّ إلى أسرة الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم MUBS، فرع عاليه، حيث أثبتت جدارتها وكفاءتها «لقد استطعتُ بإصراري تحقيق حلمي القديم، وهو الجلوس خلف مكتبٍ»، تقول الرمّاح التي استهوتها الكتابة، فبدأت بخواطر نشرتها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ولفتت بها أنظار الكثيرين، بينهم سيدة من أقربائها، كانت تحادثها عن أحلامها وجراحها، فاقترحتْ عليها جمع خواطرها في كتاب، وهذا ما حصل، فكانت تلك السيدة الداعمة الأولى لمسيرة إبنة بلدة المشرفة في عاليه.

كتبت سوسن وجع الحبّ الجميل، فجعلت من الدمعة كلمة، ومن الجراح فاصلة، ومن الموت عبارة. حاولتْ بعد توقيع كتابها الأول، أن تبحر في ميدان الأمسيات الشعرية، غير أنّ أحد الشعراء رفض انضمامها إلى منتداه، بحجّة أنها لا تملك المقدرة على الإلقاء، ولا على المشاركة في أمسيات بعيدة، غير أنّ صاحبة «صالون بنت الأرز الأدبي»، بادرت إلى التجاوب مع طلب سوسن بالقول: «أهلًا وسهلًا بكِ، أنتِ اكتبي ونحن نلقي عنكِ». هكذا انطلقتْ في قطار الأمسيات، فأحيتْ العديد منها، صانعةً عالمها الخاص.

«الجراح لا تُنسى، لكنّنا نحاول أن نتناسى، وحياتنا نحن نقرّرها مهما كانت الظروف»، تضيف الرمّاح، مبديةً أسفها كون «مجتمعنا يعاني الفشل، يرى الإنسان بالحواس وليس بالفكر، لكن عزائي الوحيد محبة من تعرّف إليّ وجالسني من أهل الأدب والشعر وكلّ مَن صادفته ورمقني بنظرة إعجابٍ تتماهى مع إمكانياتي». وتختم سوسن بالقول: «إنْ لم تجد حقوقك في مجتمعك، انفتِح على العالم». وفي قصيدتها «بالمُختصَر»، تختزل آهاتها بالقول: «أجمعُ حروفي المبعثرة على أرصفة العمر لكي أكمل بها قصائدي التي لم تكتمل…».


غادة جهاد بو فخر الدين: «ما زلتُ في أوّل الطريق»
لم تكن تعلم أنّ شهر نيسان (أبريل) من العام ١٩٩٧، سيكون نقطة التحوّل الجذرية في حياتها، غير أنّها مضت غير آبهة بفقدانها القدرة على المشي إيمانًا منها أنّ «الله يضع أمامنا إشارات لتسهّل علينا الحياة، وأنّ الله عندما يحرم عبدًا من شيء يكافئه بأشياء».
من بلدتها المتنية، قبّيع، وبصحةٍ متقلّبة، أمضت الشاعرة غادة جهاد بو فخر الدين سنوات عمرها تصارع مرضًا مستترًا، لم يلحظه أحد غيرها، إذ عانت من الانطوائية والخجل وتزعزعت ثقتها بنفسها، إلى أن ظهر مرضها وكأنه ظهر ليخفي قلقها النفسي.
وفي حديث إلى مجلة ، تقول غادة: «وُلدتُ في الرابع من آب عام ١٩٧٨، وكان قدري أن أعاني من مرض خلقي وراثي، هو مرض الاعتلال العصبي الطرفي (Peripheral Neuropathy) وأن أفقد القدرة على المشي، وأنا تقريبًا في سن الثامنة عشرة، غير أنّني اعتبرتُ كلّ ما مررتُ به تمهيدًا لما ينتظرني».
وتتابع: «لم أكن متميّزة في المدرسة فحسب، بل كنت مثال الطالبة الخلوقة، حيث كنتُ أخبّئ ضعفي من خلال تصرفاتي اللّبقة.  ثابرتُ على العلم والمعرفة، وشرعتُ في دراسة إدارة الأعمال، قبل أن يأتيني عرض للسفر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أُتيحت لي فرصة الخضوع لدوراتٍ في السكرتارية والـ Graphic Design. عشقتُ الكتابة والشعر والرّسم، إلى المواضيع الباطنية والأساطير، وبدأت تتبلور لديّ الأفكار، فباشرتُ الكتابة على شكل نثريّات، وتطوّرت قدراتي الأدبية، فلطالما كنتُ إنسانة حالمة، خطّت أناملي نثرًا انساب وكأنّني أحادث صديقًا أو صديقة».
«… يا ملهمتي 
أعيريني صوتك 
لكي أكتب 
وأنثره في الفضاء 
ليزهر ورودًا 
ويفوح عطره 
همسُ أيل ما عاد يلبيني 
صادر شِعرَه وهرب 
حاولت أن أجسّدَه برسمة 
كي أحتفظَ به 
حاولت أن أقيّدَه على الورق 
لكنه هرب 
ما عاد لي إلّاكِ  
لا تتركيني».
ولعلّ وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الباب أمام غادة، الشابّة الأربعينية، لتعبّر عن أفكارها، لتشارك وتعلّق وتتفاعل مع شريحة واسعة من الأشخاص، بكلِّ جرأة وثقة، فكان أن طبعت كتابها الأوّل بعنوان «خربشات على جدران الواقع».
«من حظّي الوافر أنّني آتية من بيت زَجَلي عريق» تضيف بو فخر الدين: «حيث أنّ بيت جدي، أهل والدتي، جميعهم «قوّالون»، وأصواتهم رائعة، ما جعلني أتأثَّر بجلساتهم، فوجدتُ نفسي أكتب نوعًا بسيطًا من الزّجل وهو الموشّح، وذلك بتشجيعٍ من أخي، وانطلاقًا من حبّي العميق للفنانة فيروز، لا سيّما قولها موشّح «دار الدّوري عَ الداير… يا ستّ الدار»، الذي دفعني لأكتب على نسقه.  وبعد أن رأيتُ موشّحًا مقلوبًا على لحن «وينك يا جار… شرّفنا عَ الصُّبحية»، بادرتُ أيضًا لكتابة ما يشبهه، وبحكم العادة شرعتُ في كتابة «القرّادي»، وأصبحتُ عضوًا في موقعٍ زجلي، فطبعت كتابي الثاني «انتفاضة روح»، الذي تضمّن تشكيلة من كتاباتي». وتستطرد بالقول:
صار عمري فوق الأربعين
وبقلبي طفلة زغيري
كيف هيكي مضْيِت السنين 
وبغفلة صرت كبيري
تـَ حتّى يرضى قلبي 
وحسّ بأمان
بدي يخلِّدني حبِّي
بْأَرزة لبنان.

وتختم شاعرة المتن بالقول: «كلّ إنسان يملك طريقًا خاصًّا، غير أنّ اتّباع الإشارات التي يرسلها الله له سترشده إلى غايته، وأنا لا زلتُ أحلّل الإشارات، ولا زلتُ في أول الطريق».


جنان اسماعيل سعيد: «نفتقد للثّقافة وهذه بحدِّ ذاتها إعاقة»
«في سَكِينتي دموع صارخة، وفي وجهي ابتسامات قاهرة، وفي جسدي حركات تتمايل متحدّية صامدة» تستهلّ الشاعرة والكاتبة جنان اسماعيل سعيد، كلامها لمجلّة ، لتختصر معاناتها مع الشلل الدماغي الذي أصابها منذ ولادتها عام ١٩٨٩، نتيجة خطأ طبّي، وما رافقه من تداعيات صحيّة ونفسيّة وخيمة، لولا تحلّي جنان بالإصرار والعزيمة.
كان أقصى طموحها أن تجد مدرسة تلبّي احتياجاتها الخاصّة، لكنّها لم تجد مدرسة تستقبلها، ما اضطرّها إلى الالتحاق بمركز «شعاع الأمل» الطبِّي النفسي التربوي الذي يُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة في زحلة، والذي خصّصها بِصَفٍّ يراعي حالتها الصحيّة. حملت أحلامها من بلدتها البقاعيّة، «مكسة»، وانطلقت ملؤها الشغف لتلقّي المعرفة والعلوم. تحدّت نفسها وتحدّت المرض، «فأنا إنسانة واقعيّة، أعشق الحياة والعمل والإرادة»، تقول جنان.
الشابّة الثلاثينيّة التي دخلت قلوب مَن حولها وشقّت طريق نجاحها وتألّقها، وُلدت وسط بيئة متميّزة احتضنت أحلامها، فتمكّنت من متابعة دراستها لغاية مرحلة التعليم المتوسط، قبل أن تخضع لدوراتٍ مهنية عديدة في الكمبيوتر واللغة الإنجليزية والـ PowerPoint والـ AutoCAD والـ Adobe والـ Graphic Design. هي مَسِيرة محفوفة بالصِّعاب، واجهتها جنان بطموحٍ وإيمانٍ، إلى أن أصبحت فردًا من أفراد الكادر التعليمي في مدرسة «شعاع الأمل»، نظرًا

لأسلوبها الشيّق وحسن تعاملها مع التلامذة الذين يعانون صعوبات تعلّمية، فانطلقت منذ سبعة أعوام في تعليم الكمبيوتر واللّغة الانجليزية.

«دخلتُ معهد اتحاد المُقعَدين في برِّ الياس، وأصبحتُ اليوم ناشطة حقوقية في اتّحاد المُقعدين اللبنانييّن»، تضيف سعيد، التي تروي رحلتها مع كتابة القصص القصيرة والخواطر «فقد اكتشفتُ موهبتي من خلال ما كنتُ أكتبه من مذكرات، جمعتها في كتابي الأوّل بعنوان «أنوار في الظلام» الذي جرى توقيعه خلال حفلٍ أُقيم برعاية وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك سليم الصايغ، وسط حضور حاشد، وكنتُ حينها لا أتجاوز العشرين عامًا.

همسات جنان لم تتوقّف عند حدّ الكتاب الأول، بل بادرت إلى إصدار كتابها الثاني بعنوان «همسات الروح… جنان والأمل»، وهي في سن الرابعة والعشرين. كما أنّها تحضّر حاليًّا لمسرحية حول التحدّيات التي يواجهها أصحاب الاحتياجات الخاصة، قصصهم وصرخاتهم، بالإضافة إلى رواية تعمل على حَبْك تفاصيلها ووقائعها. «طموحي لا ينتهي، لطالما حلمتُ بالتخصّص في مجال الأدب العربي، وسأثابر لتحقيق ذلك الحلم».

وتضيف جنان: «كلّنا نشكو من احتياجات خاصّة، فالكمال لله وحده، والأهمّ أنّنا نفتقد أحيانًا للثقافة، وهذه بحد ذاتها إعاقة. أمّا نحن كحالة خاصة، فإنّنا نفتقد إلى الكلمة «الحلوة»، ولقد كتبتُ مرّة: «نعم هكذا خُلقْت، ليس لشيء سوى أنني مثلك أنت، لكنني الأكثر منك إكرامًا، نعم بهذا نجحتُ، ليس لشيء سوى أنني مثلك أنت، لكنني الأقوى منك إرادة، نعم صرختُ، ليس لشيء سوى أنني مثلك أنت، لكنني تحدّيتُ نخر الجراح في العظام، نعم حلمتُ ورجوتُ، ليس لشيء سوى أنني مثلك أنت، لكنّني الأعند منك حياة…».

وتتابع سعيد: «لعلّ كتاباتي تعبّر عمّا أودّ أن أختم به، حين أقول: شعور شارد تستكين به الدموع، هناك عشق دفين، هناك نظرات مشرقة، هناك أمل يصارع بتحدٍ وتصميم، هناك فرحة لا زالت بعيدة، هناك جرح صارخ، هناك خيبة منتظرة، وهناك شوق عظيم، هناك حزن يختبئ خلف الابتسامة، وهناك نبض يتكلم عن خفايا الروح… في كلّ هذا أسكن أنا، وبين الأنا والأنا هناك أحلام بريئة وإرادة عنيدة وهناك رجاء يؤمن بالله العظيم، وهناك جنان والأمل».

جنان والأمل.

تغريد يوسف ضو: «بين التخاذل والعزلة… اخترتُ الحياة»

«لعلّ من أصعب الأمور أن نكون في الضوء، ونجد أنفسنا فجأة في الظلام الحالك»، بهذه الكلمات تصف الشاعرة تغريد يوسف ضو معاناتها، وتختزل طفولتها القاسية، بدءًا من مأساة الحرب الأهلية وما رافقها من أحداثٍ انتهكت براءتها كما غيرها من أبناء جيلها، وصولًا إلى فقدانها نظرها بشكل كامل.

«وُلدتُ عام ١٩٧٧ في بلدة القريّة، المتن الأعلى، من دون أي مشاكل صحية تُذكر، قبل أن تفاجئني الحياة بالتهابات في شبكية العين، ولم أكن أتجاوز حينها عشرة أعوام، غير أنّني واظبتُ على تحصيلي الأكاديمي، فكنتُ أدرس على السمع، وتمكّنتُ من التفوّق، فحجزتُ مقعدًا بين الأوائل»، تقول تغريد التي تروي معاناتها مع المياه الزرقاء في العين اليسرى، واضطرارها إلى إجراء عملية جراحية وهي في الثالثة عشرة من عمرها، وهنا كانت عتبة الانتقال إلى الظلام الجزئي، حيث فقدت نظرها فورًا بعد العمليّة.

«واصلتُ الحياة بعينٍ واحدة»، بهذه الجملة تسرد تغريد حياتها المرّة، وتقول لمجلة «الضّحى»: «كافحتُ وتابعتُ دراستي، غير أنّ مشاكل عينيّ تطورت وبسبب خضوعي لعمليات متكرّرة ونتيجة ارتفاع ضغط العين، تركتُ الدراسة عند مرحلة الشهادة المتوسطة (البروفيه)، والتزمتُ المنزل لمتابعة علاجي الطويل، إلى أن انتقلت المياه الزرقاء للعين اليمنى، وأنا في الثانية والعشرين من عمري. عندها خضعتُ لعملية جراحية في روسيا، أعادت لي نظري، قبل أن أُصاب بعد نحو عام بنزيفٍ، تكرّر ثلاث مرات، وكان في كل مرة يفقدني نظري لمدة خمسة أيام، إلى أن فقدتُ النّظر بشكلٍ نهائي».

تغريد، الشابة الوحيدة بين إخوتها الأربعة، والتي فقدت والديها، وقفتْ أمام خيارين إمّا الاستسلام أو المقاومة ومواصلة العيش «ففي أوج المعاناة كان لا بدّ من قرار، إمّا التخاذل والعزلة أو المواجهة والحياة، وأنا طبعًا اخترتُ الحياة، واجهتُ معاناتي بالضحك، لأنّ «الزعل» لا فائدة منه»، كما تقول. وتضيف: «لقد وقف الأهل والأصدقاء بجانبي، فكانوا الداعم الرئيسي لمسيرتي، لكنّ الحافز الأكبر هو الإيمان بالله والثِّقة بالنّفس والتمسّك بإرادة الحياة»

.منذ صغرها، عَشقتِ اللّغة العربية وكتابة القصائد، وكان طموحها أن تتخصّص في اللغة العربية وآدابها، لو أنّها وصلت إلى المرحلة الجامعية. وقد دفعها هذا الشغف إلى كتابة مقال عن المعلم الشهيد كمال جنبلاط، ساعدها في نشره الصحافي أنور ضو، الذي شجّعها على تنمية روح الكتابة لديها. انطلقت تغريد من صفحةٍ على الفيسبوك نشرت عبرها خواطر نثرية قصيرة، أو ما يُسمّى «ومضات»، قبل أن تجمعها في كتابٍ صدر مؤخّرًا عن دار «الفارابي» بعنوان «تغريد الروح»، جرى توقيعه خلال حفلٍ أقامته جمعية «الأيادي المُتكاتفة» في بلدة القريّة برعاية وزير الثقافة محمّد داوود داوود، وحضور العديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافيّة والفنيّة. كما من المحتمل أن يشهد الكتاب حفل توقيع ثانٍ في معرض الكتاب الدولي في بيروت.

وتقول ضو: «هذا الكتاب هو عُصارة روحي وشهيقي وزفيري، هو جُهد ثلاثة أعوام، أعبّر خلالها ليس فقط عن معاناتي وأوجاعي بصدقٍ وتجرّد، إنّما أيضًا عن الحب والأحاسيس والمشاعر، فكلّ فردٍ منّا هو إنسان عاشق، وأنا من الأشخاص الذين يجمّلون الوجع. لم أكتب مرة عن وجعي بحزنٍ، بل طرحت تساؤلاتٍ من مثال «أيها الضوء، هل من ثأرٍ لكَ عندي؟!»، وكتبتُ كذلك للحب، فقلتُ: «عندي من الشوق ما يحملك إليّ دون سفر». كما كتبتُ عن الأمومة والذّات البشرية، ونهلتُ من أسلوب الشاعر الكبير محمود درويش، الذي عشقتُ كتاباته وقصائده».

تستخدم تغريد تطبيق «قارئ الشاشة الناطق» (voice over) الذي يسعفها في القراءة والكتابة، وهي تحضّر حاليًا لكتابٍ ثانٍ، من المتوقع أن يتضمّن قصصًا قصيرة وخواطر طويلة ومقتطفات من الشعر الحر. وربّما يأتي يوم تكتب فيه قصة حياتها، وفق قولها «حيث أنّ الكثير من الأشخاص بحاجة لأن يقرأوا ويتعلّموا ويقتدوا بتجارب الآخرين وإرادتهم، لأنّنا جميعًا معرّضون».

عتبها على المجتمع أنّه بجزئه الأكبر «ينظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة بعين الشّفقة والعطف، وليس بعين التضامن، وهذه نظرة تذبحنا، غير أنّني ومن خلال كتابي نجحتُ في سحب نظرة الشفقة من عيون الناس»، تقول تغريد، خاتمةً ببضع كلمات: «أتشبّث بما تبقَّى منّي، كي أكمل بين مدِّ الحياة وجزرها حياة. أحمد الله أن في قلبي قلبًا يحبّني، فالحب يمنحني هذا الدافع للتمسّك أكثر بالحياة، لرؤيتها بعينٍ أفضل».


هيفاء سليم معضاد: «قادرون على تحقيق المستحيل»

رسمَتْ بالألوان وجع الحياة، آلامها وآمالها، فاختصرت تسعة وعشرين عامًا من الصراع مع الحياة، بحلوها ومرّها. أعوامٌ ارتأت الفنانة التشكيلية هيفاء سليم معضاد، أن تجسّدها من خلال لوحاتٍ ورسوماتٍ مضيئة، فجعلت من الريشة رفيقة دربٍ ومن الفن أداة للتعبير عن مكنوناتها ومشاعرها، وكانت أن رَوَت حكاية طفلة بريئة لم تنطق حروفها الأولى ولم تُمنح فرصة سماع أصوات ذويها ومحبّيها، ولا حتى صخب الطبيعة بغاباتها وطيورها وجريان مياهها.

من لوحات هيفاء معضاد.

هيفاء، الشابّة المتنية التي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، شاء القدر أن تفقد حاسّتَي السّمع والنطق على عمر صغير، بعد أن تعرّضت لحالاتٍ مُتكررة من مرض «الإنفلونزا» والالتهابات ودرجات الحرارة المرتفعة.

«فقدتُ سمعي على عمر السنة، وبدأتْ منذ ذلك الحين معاناة أهلي ومن ثمّ معاناتي»، تسرد ابنة بلدة بزبدين تفاصيل حياتها لمجلّة «الضّحى»، من خلال الكتابة، فتذكر الصدمة التي أصابتْ أهلها عند اكتشافهم فقدان ابنتهم للسمع، خصوصًا أنّها أولى أبنائهم، حيث حاولوا جاهدًا علاجها، فخضعت لعمليّتين جراحيّتين، وهي في السابعة من عمرها، لكن من دون أي جدوى تُذكر.

وتضيف معضاد: «تعرّضتُ للكثير من المواقف الصعبة، لعلّ أبرزها التنمُّر اللفظي والنفسي، ما دفع بأهلي إلى النهوض ومواجهة القدر والمجتمع بأسره، من منطلق أنّ مستقبل ابنتهم أهمّ من كلام الناس وذرف الدّموع، وأنّ الاستسلام لا يعدو كونه لغة الضعفاء. هكذا، احتضنتني عائلتي الصغيرة، رغم وضعنا المعيشي الصّعب، حيث بادر والداي إلى تسجيلي في «مدرسة رفيق الحريري» – دوحة عرمون، وأنا في الثامنة من عمري».

وتتابع: «تعلمتُ القراءة والكتابة باللّغتين العربية والانكليزية، كما أتقنتُ لغة الإشارات التي أتاحت لي التواصل مع الآخرين، لا سيّما مع أخي وأختي. غير أنّ حكايتي مع الرّسم والفن التشكيلي بدأت قبل ذلك بكثير، فقد برزت موهبتي وأنا في الخامسة من عمري، وتطوّرت على مقاعد الدراسة، حتى باتت وسيلتي الوحيدة للتعبير عمّا يخالجني من مشاعر وأحاسيس ومن آلامٍ رافقتني منذ نعومة أظافري».

لم تكن هيفاء بمنأى عن التنمُّر والمضايقات، حتى بعد عودتها من المدرسة إلى بلدتها، ما أدّى إلى تراجع وضعها النفسي، فما كان من ذويها إلّا أن قصدوا معالجًا نفسيًّا أشرف على حالتها، فكان الداعم والمحفّز لنجاحها وتحوّلها إلى شابّة طموحة تثق بنفسها وبقدراتها، ترسم أحلامها وتستشعر نبض الطبيعة بألوانٍ متناغمة كسرت جدار الصَّمت وقساوة العذاب.

ولعلّ تسلّح معضاد بالإيمان والسلام الدَّاخلي، كان العامل الأساسي لانطلاقها وتفوّقها في مجال الرسم، حيث احتفلت مؤخّرًا بأكثر من مئة لوحة ضمن معرضٍ خاص تضمّن كذلك زاوية للأعمال اليدوية، وهي بصدد إنجاز لوحاتٍ جديدة، تشارك عبرها في معارض للرّسم والفن التشكيلي. كما أنّها تعمل لدى جمعية «حلمنا» للمسنّين، في بلدتها بزبدين، حيث ترسم لكبار السنِّ عبق الحياة والطبيعة، ليضفوا بدورهم لمستهم، معبّرين عن واقعهم ومشاعرهم وأحلامهم من خلال الرّيشة والألوان.

وتختم هيفاء بعبارة خطتها أناملها، لتقول: «ليست الإعاقة أن نكون من أفراد ذوي الاحتياجات الخاصّة، إنّما عندما نستسلم للمصيبة ونخضع للأمر الواقع، مع العلم أنّنا قادرون على تحقيق المستحيل».

من لوحات هيفاء معضاد.

معركة المزرعة

على اللّغة أن تتحرّك مع العصر

اللّغة «قاموسيّاً»: لفظ مشتقّ من «لَغِيَ» بالشيء، أي لهجَ به(١). و«اصطلاحاً»: «هي الكلام المُتّفق عليه بين كلّ قبيلة»، وقيل «هي اللفظ الموضوع للمعنى»(٢). و«علميّاً»: هي حركة لسانية – صوتيّة مقصودة(٣).

ويقول إنستاس الكرملي «لُغة مشتّق من (logo) اليونانيّة(٤)» وأنّى كان مصدر هذه الكلمة واشتقاقها، فإنّي أجد اللّغة أعظم قفزة في تاريخ الحضارة البشريّة، نقلت الإنسان من التّعبير بالإشارة، إلى التّعبير بالنُّطق، وأقامت أداة اللسان، وأرست وسيلة التفاهم بين البشر، فارتسم الفِكر باللّسان، وتنّفس الوجدان، وتولّدت المعرفة، وشاعت الحضارات.

ولن أستغرق في الجانب الأكاديمي القائم على شواهد السّلف وحدهم، باستثناء من سبق منهم عصره، ودعا إلى انفتاح العربيّة، كالشيخ ابراهيم اليازجي وأقياسه. وممّا لا رَيبَ فيه أنّ لغة شعبٍ من الشعوب، هي هُوِّيّته، وانتماؤه، وثوبُ فكره، ومن ذا يشكّ في أنّ (اللغة) وظيفةٌ تأثيريّة، وهِبَة طبيعيّة، خصَّ الله بها الإنسان، وهي حتماً شكلٌ متميّز من أشكال السلوك الإنسانيّ، فتاريخ البشريّة لم يعرف مجتمعاً لم تكن له لغة خاصة تربط أبناءه، وتشير إلى سلوكهم وقِيَمهم، ومواريثهم الاجتماعية، ولن أتوسّع – ها هنا – لأقول على علاقة الفكر بالكلمة، وصيرورة تطوّرها معه، أو لأردّدَ مع المفكّر المعلم كمال جنبلاط: «إنّ اللغة مضمون حياتي، وجوهرٌ من الجواهر التي يقوم عليها محضُ الإنسان»، كذلك فإنّي لا أكتب الآن لأدافع عن اللغة العربية، فأمّ اللغات لا تحتاج إلى من يدافع عنها، لا لأنّها لغة القرآن، ووعاءُ الإيمان فقط، ولا لأنها مخزون علوم العرب، وثقافتهم، وتاريخهم، وخبرتهم الإنسانيّة فحسب، بل لأنّ فيها من جذور التاريخ وأسرار الإبداع ما يغني عن ذلك، كما أنّني لا أرغب في استعمال الألفاظ (المُحنّطة) على شحّ دلالتها وهجانة تراكيبها، فأفوز باصطلاحات هذا العصر التاعس، (كالأقلويّة) و (الإسلامويّة) ومثيلاتها الشائعة عند بعض أهل الصّحافة وأساتذة المدارس والجامعات، ممّن يحرسون قبر اللغة، بإعادتهم المفردات إلى «العهد اللفظي الأوّل».

تتصّل هذه الدراسة بموضوعٍ واحد، أشرنا إلى حاضنته قبل الخياضة فيه، وهو واجب تبسيط اللغة والدعوة إلى انفتاحها وتحركّها مع العصر. ولا يتأتّى لنا ذلك بالتحجّر والانكماش ولا بإهمال اللغات الأجنبيّة، ولا بإحياء الأوابد، ولا بفصل قواعد العربية عن بيانها، كما لا يتأتّى لنا ذلك (بعصرنة) تُسيء إلى كيان اللّغة، كاستعمال جيلنا الطالع بعض (الأرقام) بديلاً من بعض (الحروف)، وهم لا يعلمون أنّ للحروف أسراراً تختلف عن أسرار الأرقام(٥) وأنّ اللغة الحروفية هي التي ترتسم أشباحها في الأذهان لتعبّر عن الأفكار والشعور وليس (اللغة الرقمية) التي لا صلة لها بالوجدان.

وقد سبقت العربية أخواتها الساميّات إلى آفاق العلم، يوم كانت لغة العلوم، والفلسفة، والموسيقى، قبل اللغة الفرنسية، والإنكليزيّة، وقبل كلّ لغةٍ عصريّة أُخرى، وهذا تاريخ الأندلس، وعصرُ الرشيدِ والمأمون، يدلّنا على أنّ العلوم انتشرت – حتّى في أوروبا – بواسطة اللغة العربية، (فالجبرُ) و (الكيمياء) يحملان اسميهما من اللغة العربية، واللّسانُ الذي استطاع أن يَنشُرَ العلوم في القرون الوسطى باستطاعته (اليوم) أن يُحافظَ على كيانها، إذا ما أرادَ أهلُ هذا اللّسان ذلك.
وبعد، يواجه التعبيرُ اللغوي اليوم، صعوباتٍ جمّة، تتطلّبُ إعادةَ النظر في كثيرٍ من اللغة الوضعيّة التي لا يحتاج المعاصرون إلى استعمالها… بناءً على ذلك، ووقوفاً على مسؤوليتنا، ينبغي علينا أن نتيح للغتنا أسباب التوثّب والانطلاق، لتواكب العصر بمقدار ما يمليه التطوّر والحاجة، ولتتكامل وتوفّر أداة التعبير عن طلبات الحياة.

ولا رَيْب، في أنّ نِتاج التقدّم العلمي والتقني والثقافي الهائل، الذي ولّد مئات الاصطلاحات الجديدة، هو أحد أبرز الضّرورات اللغويّة التي ينبغي مجاراتها لكي تعيش اللغة وتستمرّ.. وقد سبقَنا الشيخ ابراهيم اليازجي، حين كتب سلسلة من المقالات بعنوان (اللغة والعصر)، وممّا قاله في مقدَّمة مقالته الأولى(٦): «لم يبقَ في أرباب الأقلام، من لم يشعر بما صارت إليه اللغة لعهدنا الحاضر من التقصير بخدمة أهلها (…) واللغة لا تزداد إلّا ضيقاً باتّساع مذاهب الحضارة، وتشعّب طرق التفنُّن في المُخترَعات والمُستحدثات».

ونعم، فاللغة التي لا تتسّع لحاجات عصرها ومُقتضيات التطوّر، مآلها الزوال، وللتطوّر أحكامه في مضمار اللغة، ما يجعلها وافيةً بحاجات عصرها، وفي بُرهةٍ رهيبة كالتي نعيشها، لا تكاد لغة – مهما تحصّنت ضدّ التغيير – أن تكون في نجوةٍ منه.

واعلم أنَّ اللغةُ تتّسع وتضيق على قدر المُعطى الحضاري (السياسي، والاقتصادي، والثّقافي، والاجتماعي)، رغم أنّها بطبيعتها لا تسير بسرعة التطوّر اللّاحق بالمجتمعات(٧)، فالحضارة إذن تفرضُ حاجاتها اللغوية فتدفعُ باللغة إلى النّمو والاتساع لكي تفي بهذه الحاجات، وما علينا نحن إلاّ أن نرفع من أمامها عقبات الطريق، وتسألون كيف يكون لنا ذلك؟ يكون لنا ذلك في النظر إلى(الموروث) و (الراهن) معاً… فنأتي جديداً ولا نتنكّر للقديم، أي أننا نحقّق دلالاتها القديمة، ثمّ نأخذ بفروع المعرفة الحديثة، بحيث تتناغم لغتنا المعاصرة مع مطالب الحضارة الحديثة. «وحبّذا من يأخذ اعتبارات المدرسة القديمة، على أنها اعتبارات فقط، لا على أنّها اللغة نفسها، أو قانون عملها الثابت»(٨) ولغتنا العربية – «لا يحيط بها إلّا نبيّ» فهي أوسع اللغات الحيّة وقد أحصى (الخليل بن أحمد) صاحب (كتاب العين) عدد كلمات اللغة المستعمل منه والمُهمل، فبلغَ 12،302،912 كلمة(٩) وهذا يفسّر قول (آرنست رينان) «العربيّة أمُّ اللغات، ساميّات وآريّات».

وإني لأعجب – بعد هذا – من بعض رجال اللغة، يتوهّمون ضيق الأصول العربية عن الإتيان بالتعابير على اختلافِ مراميها، ولو أنّهم دقّقوا في الصِّيغ الأجنبيّة التي بُنيت عليها ألفاظُ الأوروبيين للدلالةِ على المعاني، لاتّضح لهم أنّ هذه الصِّيَغ أضيَق بما لا يُقاس من الأصول العربيّة، فكلمة (service) مثلاً، في الفرنسية، تعني (الخدمة) (إسماً لفعل)، ولكنّ الفرنسييّن يضمّنونها معنى (الإدارة) التي تقومُ بهذه الخِدمة، ومعنى (المكان) أيضاً… وقِس على هذه الكلمة أُلوفاً من الكلمات التي قادَ الغربُ لغتهَم فيها إلى مرونةٍ فرضَها العصر، وأقرّها التساهُل، وأخذَ بها الإجماع.

ونحن اليوم في حاجةٍ الى أكثرْ من ذلك، فالفُصحى لا تعجز عن وضعِ تسمياتٍ لكلِّ ما يطرأ من ألفاظٍ (تكنولوجية) لأنّ في لُغتنا من الطواعية(10)، والثروة اللفظيّة، والتوليد والقياس، والاشتقاق.. وفيها من الموازين، أي من تنوّع حروفيّة الأفعال وتوقيع الأصوات، ما يضمن لها ذلك ويجعلها قابلة للاستمرار، بيد أنّ بعضها يأتي ابتكاراً بعيداً من قواعد التعريب ولا أساس له في العربيّة، ككلمة (تلفاز) التي لا تعبّر بتاتاً عن وظيفة هذا الجهاز في الحيّز العملي، فضلاً عن أنّ فعل (تلفز) لا وجود له في لغة العرب… ويأتي بعضها الآخر غريباً لا يفهمه الكُهول، (وشبابنا الطالع بنوعٍ خاص)… فقبل أن يُسمّى (التلفون) بالهاتف، أسمَوهُ (إرزيزاً)! وأراكم تعرفون أنّ وظيفة اللغة أصلاً، هي التواصل والتفهيم، فما يمنعُنا، إذا عزَّ التوليد، من استعمال اللفظ (التكنولوجي) كما هو، بحروفٍ عربية، مثل: (الكومبيوتر) و (الانترنت) و (التلفزيون) و (التّلفون) وسواها، مثلما سمّاها مخترعوها الغربيون، وما يمنعنا من القول: (تلفن، يتلفن، سيتلفن) ما دام كل ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم، كما قال (المازني) في كتابه (الاقتراح).

إنّ التسميات التي وضعَتها وتضعها المجامع اللغوية والعلمية، غير كافية للدلالة على المعنى الوضعي والمعنى الاستعمالي للأجهزة التقنية، ما لم نشتقّ من الاسم السّهل اللّفظ – أفعالاً تراعي الدقّة العلمية والدلالة العملانيّة للوظيفة التي تقوم بها هذه الأجهزة في حيّز الاستعمال، فاللغة كما نعلم، هي كائن حيّ يولد ويموت، وقَدَرها أن تأخذ وتعطي، وتتلاقح مع سائر اللغات الحيّة، لأنّه لا يمكنها أن تتقدم إلاّ إذا كانت لغةً حيّة تعبّر بوضوح عن ثقافة الأحياء وشعورهم وأغراضهم، ولكي تكون كذلك، علينا أن نقنع المتحّمسين لها – على غير هداية – بأنّ اللّفظ الدخيل ليس عدوّاً لنا، بل هو صديق، يقول الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر(١١): «اللُغة العربية أوسع اللغات مذهباً(١٢)، وهي واسعة الصدر للدخيل، ما أن تراه حتى تخلع عليه ثوباً من ثيابها، وتردّه إلى أوزانها، وتتّخذه ولداً من أولادها، تعامله معاملتها فتنشقّ منه وتنصرف فيه».

فلندعُ إلى التساهل والمُلاينة، ضمن حدود، لكي تبقى العربية ماثلةً ومشّعة، «فغلبةُ اللغة – كما يقول ابن خلدون – بغلبة أهلها، ومنزلتها بين اللغات، صورة لمنزلة دولتها بين الأمم».

إنّنا – يعلم الله – نحبُّ هذه اللغة العريقة حبّاً جَمّا، ونغار عليها غَيرة بصيرة، ولقد أحرقنا رؤوسنا في دراستها والتعمّق في علومها، سحابة نصف قرن، غير أنّنا نُحبّها بموضوعية وانفتاح، لا بعصبيةٍ وانغلاق، ونريد لها أن تتوسع في رحاب العصر، وأن تفي بمتطلبات العلم. وما يحتاج إليه ذلك من تحقيق وتصحيح، لأننا نريد أن نحافظ على لغتنا، بوعي مسؤول، وأن نحرسها بعقولنا، خلافاً عن الذين يتوهّمون أنّ المحافظة عليها، تكون في وضعها داخل صندوق مغلق، تحرُسه غابةٌ من الرماح. إنّنا على مذهب الشيخ عبد الله العلايلي، ونحن مع شعاره القائل: «ليس محافظةً التقليد مع الخطأ، وليس خروجاً التصحيح الذي يحقّق المعرفة».

وإليك – أيها القارئ – طائفةٌ من الأسماء (الجامدة السهلة) التي وضَعَها علماء اللغة (اللبنانيون) في عصر النهضة والانبعاث، والتي لم يزل العرب يستعملونها في شتّى ديارهم منذ (مائة) عامٍ ويزيد.

وضع اللبناني أحمد فارس الشدياق:

  • الموصِل البرقي        للتلغراف
  • الحافلة                  للأُتوبيس
  • المنطاد                 للبالون

ووضعَ الشيخ ابراهيم اليازجي:

  • الحاكي                 للفونوغراف
  • الطّلاء                  للفرنيش
  • المجلّة                  للجورنال

ووضع الدكتور يعقوب صرّوف:

  • الصُّلْب                 للفولاذ

ووضع سعيد الشرتوني:

  • العاديات               للمصائب الكُبرى
  • القِطار                 لترام السكة لحديد

ووضع بشارة زلزل:

  • لبونة                   (للحيوانات الولودة) التي تغّذي صغارها بلبنها

ووضع الشيخ عبد الله البستاني:

  • «عقيلة»               مُقابل «مدام»

ولم ينشد أحد من هؤلاء العلماء، استعمال الألفاظ الوحشيّة الجافية، فالمشكلة عندنا في المتفاصحين الجُدُد، لا في القدماء. واقرأ معي – أخيراً – ألفاظاً ليس فيها لفظ عربي واحد، وقد استمرأتها الألسن وألِفَتها الآذان وغدت، لانسيابها، في صلب لغتنا:

ألفاظ آراميّة: قمح – غدير – صَنَم – كمين – نبراس – منارة – ملاك – بيدَر – سفينة – سكّين – سُلطان – سِوار – سيف.

ألفاظ لاتينية: منديل – إسطبل – بترول – صقر – قُرصان – قِنديل – فُرن.

ألفاظ إيطالية: برميل – كمبيالة – بُرتُقان.

ألفاظ فارسية: بُستان – مِيدان – وزير – فُنجان – إبريق – بلّور – دستور – صندوق – زهور – طراز – ديباج.

ألفاظ يونانيّة: لجنة – نَرجِس – قِرميد – قِرط – مرهَم – إقليم – سفير – بُرج – بطاقة.

فنحن إذاً مطالبون بالتّوسع فيما لم يتوسّع فيه الغابرون، فإذا تخطيّنا باللّغة الأدب والدّين والإنسانيّات، إلى العلوم والتّقنيات، نكون قد اختزنّا تراثنا العريق، وتطلّعنا – عبر العربيّة – إلى إرساء الاصطلاح العلميّ الذي نتمنّى أن يكون مُوحَّداً على امتداد بلاد العروبة.


المراجع:
  1. كتاب أقرب الموارد في فُصح العربية والشوارد، لسعيد الشرتوني بيروت سنة 1889.
  2. كتاب «محيط المحيط» للمعلّم بطرس البستاني، بيروت 1867.
  3. درس الألسنية العامة – فردينان دوسوسير (1857 – 1913).
  4. مجلة «لغة العرب» لإنستاس الكرملي، بغداد 1912.
  5. الألفاظ والحروف، للفارابي (مخطوط) نسخه العبد الضعيف عبد الله الخفيف، سنة 1124 هـ / 1712 م (مكتبة شوقي حماده).
  6. مجلة البيان / يونيو 1897، السنة الأولى – الجزء الرابع.
  7. وهذا هو رأي أستاذنا الشيخ عبد الله العلايلي.
  8. وهذا هو رأي العلايلي أيضاً.
  9. كتاب التهذيب في أصول التعريب، للدكتور أحمد بك عيسى – ط 1 – القاهرة 1923.
  10. كان كارنيليوس فانديك الكبير من معسكر القائلين بطواعية العربية لتكون لغة علم.
  11. الشيخ مصطفى المراغي، شيخ الأزهر (1935 – 1945).
  12. يريد بمذاهب اللغة، المجاز في النسبة، والمجاز في المفردات، والمجاز في المركبات، والتشبيه والكناية.
  13. نماذج من كتاب (مرجع الألفاظ الدخيلة على اللغة العربية) يحتوي على 1014 كلمة دخيلة، مخطوط لشوقي حمادة.

نجيب البعيني….

انعقد في المكتبة الوطنية في بعقلين، نهار السبت في ١٦ حزيران ٢٠١٩، حفل تكريم للمرحوم الأديب الأستاذ نجيب البعيني بحضور شعبي وثقافي حاشد. عرّف بالمتحدثين الشاعرة زلفا أبو علي، وكانت كلمات للأستاذ غازي صعب، الدكتور ميشال كعدي، الدكتور رياض غنام، الأستاذ فادي الشامي، ورئيس تحرير مجلة الضّحى، الدكتور محمد شيّا.

وفي ما يلي أجزاء من كلمة رئيس تحرير مجلة الضّحى.

السيّدات والسّادة،

تأتي مُبادرة الاحتفال بذكرى الأديب الأستاذ نجيب البعيني في مَحَلِّها الصّحيح وزمنها الصّحيح؛ فلطالما شكّلت المكتبة الوطنيّة في بعقلين للمرحوم الأستاذ نجيب مكاناً أثيراً على قلبه، وفسحة ثقافية يعود إليها باستمرار لمتابعة آخر ما وصلها من مؤلفات، أو ليهديها أعماله، أو ليشارك في ندوة أو احتفال. والمكتبة الوطنيّة على ما أعرف، وكما عبّر مديرها بُعَيْد وفاة الأستاذ نجيب، كانت تعتبره من أصدقائها المُقرّبين، بل ربما الأكثر قُرباً.

أمّا بخصوص زمن هذه اللفتة التكريمية لذكرى الأستاذ نجيب فهي أكثر من ضروريّة، ليس فقط لإعطاء نجيب البعيني الشخص حقّه من التكريم والتقدير، وإنّما أكثر من ذلك لأخذ العِبرة الصّحيحة من عطاءات الأستاذ نجيب الواسعة، ومن نوعيّة إنتاجه، والقيمة المُضافة الكامنة في إنتاج المرحوم الصديق الأستاذ نجيب.

في هذا الباب حصراً، رغبتُ أن أُسهمَ بشيء يُضاف إلى كل ما قيل على أهميته في نجيب البعيني وإنتاجه.

من هذه الجهة بالذات سأقرأ سيرة المرحوم نجيب وإسهامه الثقافي من منظارين مُتكاملين: منظار أنطونيو غرامشي، الفيلسوف الإيطالي اليساري في ثلاثينيّات القرن الماضي، ومنظار المُعلِّم الخالد الشهيد كمال جنبلاط في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي أيضاً.

طَوّر أنطونيو غرامشي، الفيلسوف والمفكّر الإيطالي اليساري، والذي مات تحت التعذيب في سجون الديكتاتور موسوليني سنة 1937، نظريّة البراكسيس الثقافي، وهي تعني الممارسة الصحيحة المستندة إلى نظريّة أو إطار نظري صحيح. المُمارسة هنا هي الأفكار وقد أصبحت قيد الإنجاز. جوهر البراكسيس هو وحدة النظريّة والممارسة، أي وحدة الأفكار وتجلّياتها على أرض الواقع، في سياق الانتماء لهموم وقضايا أوسع الشرائح الشعبية الأكثر حاجة وفقراً. وترجمة النظرية والأفكار على الوجه الصحيح إنّما تكون بالالتزام الداخلي العميق بنشر الوعي بين الشرائح الشعبيّة تلك، وتعميقه جذرياً برفعه من مستوى الوعي اليومي الحدثي الآني والعارض إلى مستوى الوعي الجذري الذي بات في وسعه أن يلتقط ويدرك ليس فقط تعاقب الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة وإنّما ترابطها وأسبابها ومكمن الأزمة فيها؛ وإذ ينجح المثقّف في إداء رسالته فهو يسهم في جعل ردّ الجماهير على أزماتها ردّاً شاملاً عميقاً، لا سطحياً، مُجتزءاً، أو متفرّقاً. وعلى أساس هذه المرجعيّة الفكرية يصبح بمقدور الشرائح الشعبية الأكثر فقراً وحاجة أن تكتشف – وهو الأهم – نوعية المشاريع والقادة الذين يحملون همومها بصدق ويتحمّلون في ذلك ما يتحملون من تضحيات، ونوعية الساسة الآخرين المعادين للقضايا الشعبيّة عند كلّ مفصل حقيقي، والمدافعين بطرق مختلفة عن مصالحهم الفئوية أو الطبقية أو الشخصيّة لا أكثر. وبسبب من إدراك غرامشي العميق لأهميّة الثقافة والمثقّف فهو يميّز بين نمطين من المثقّفين: الأوّل هو المثقّف التقليدي الذي يعيش في برجه العاجي ويعتقد أنّه أعلى من كلّ الناس، أمّا الثاني فهو المثقّف العضوي المُنخرط في هموم عصره والمرتبط عضوياً بقضايا شعبه، وبخاصّة هموم الطبقات الكادحة وسائر المظلومين والمُهمّشين فيه. كان غرامشي يؤمن بالأهمّية القصوى لفئة المثقفين، وكان له نقده لنظريات ماركس ولينين، وبخاصة ستالين، تلك النظريّات الحتميّة التي تقول إنّ في وسع العمّال أن ينجزوا ثورتهم على نحو حتمي حين تصل البروليتاريا إلى حافة المجاعة. رأيُ غرامشي أنّ الأمر لن يكون كذلك فعليّاً، وأنّ الثورة، والبروليتاريا، بحاجة دائماً للمثقّف الثوري العضوي المُنتمي.

وظيفة الثقافة، ووظيفة المثقف، أن يقوما،إذاً، بهذا التمييز؛ وحين لا يفعلان ذلك فهما وفق غرامشي لا يستحقّان عنوان الثقافة والمثقّف الحقيقيين وينزلقان بسرعة ليتحوّلا إلى ثقافة رجعيّة ومثقف رجعي – وما أكثرهم في أيامنا هذه رغم اللبوس الخادع الذي يرتدونه.

هذا هو دور، بل تعريف، المثقّف العُضوي المُندمج والمُنتمي حسب غرامشي. وإذا أمعنتم النّظر جيّداً في سيرة الأديب نجيب البعيني اليوميّة، وفي إنتاجه على وجه العموم، لاستنتجتم من دون صعوبة أنّ المرحوم الأديب نجيب البعيني كان مثقّفاً عضويّاً منتمياً بامتياز؛ هكذا عاش قضايا مجتمعه وشعبه مدافعاً عن مصالحه ومطالبه دون هوادة ومن على كل المنابر، وهكذا مارس قناعاته تلك حتى لحظات عمره الأخيرة معنا من على صفحات مجلّة الضّحى، كما في منابر ومُنتديات ثقافيّة أُخرى عدة؛ له نرفع القُبَّعة هذه الأمسية وفي كلِّ حين تقديراً واحتراماً.

المقارنة الثانية والأخيرة التي سأجريها باختصار شديد هي مع تعريف كمال جنبلاط للمثقّف الحقيقي، المُثقّف الملتزم، المثقف الذي يستحق شرف حمل رسالة الثقافة في المجتمع، وذلك من أجل فَهم أفضل لحقيقة الوظيفة التي تمثّلها وقد أدّاها فقيدنا الأديب الأستاذ نجيب البعيني.

إذا راجعنا كتابات المعلم كمال جنبلاط بعامّة، وبخاصّة محاضرته التي افتتح بها اجتماع كتّاب آسيا وإفريقيا في بيروت سنة 1967، لرأيناه لا يملّ من التأكيد أنّ للأدب دائما وظيفة ودوراً بالغ الأهميّة في حياة الجماعات؛ وأنَّ للأدب رسالة مُحدّدة حدّدها جنبلاط بأنّها «التزامٌ ما أمكن، لا إلزام»؛ وأنّ للأدب قضيّة، إذ لا يمكن لأدب حقيقي إلّا أن يحمل قضية سامية يدافع عنها، وقضيّة الحريّة برأي جنبلاط هي القضيّة الحقيقيّة في كلّ أدب حقيقي، يقول في محاضرته تلك: «قضيّة الحريّة التي نجتمع لمناقشتها… هي قضيّة الإنسان منذ أن وُجد…. والأدب استثارة لهذه المعرفة الحقيقيّة الدائمة، وليس هو تغشية للواقع أو تخيُّلاً أو خلقاً من عدم، أو إبداعاً من الخواء الفارغ، أو تقليداً أجوف للحرف والخطّ الميت» ونصح جنبلاط المؤلّفين عمليّاً بالتنقيب عن كنوز حضارتنا وثقافتنا المعنويّة والروحيّة والتي نكاد ننساها من فرط أخذنا بالمعايير الغربيّة وتركْنا لحضارتنا وثقافتنا ورموزنا التي صَنعت عبر التاريخ ثقافتنا وحضارتنا. يقول جنبلاط: «يجب أن ننظر إلى فنونها وآدابها وعلومها الدّفينة وعاداتها بعين شعوبها، أي ببصيرة فتوّة الإنسان فينا، لا بمنظار مدنيّتنا الغربيّة التي هي في معظم الأحيان سطحيّة في نظرتها للغير وغروره وتبتعد بنا عن الطبيعة».

لهذه الفئة المُتغرّبة من المثقّفين، يوجّه جنبلاط النقد القاسي، فقد انقطعت الفئة تلك عن جذورها وحيّدت نفسها عن قضايا مجتمعها وأمّتها وباتت غريبة عنه وعن شعبها، وتخلّت عن شرف قيادة مجتمعها وشرف الخدمة العامّة فيه، ويضيف جنبلاط على نحو لا يُصَدّق: «.. لقد كان همّ معظم هؤلاء التعلّم لأجل بلوغ وظيفة أو تحصيل أو التميّز بجاه…وهكذا تحوّل أكثر المثقفين»، يضيف جنبلاط، «إلى طبقة ارستقراطية برجوازيّة جديدة.. وانفصلوا بشعورهم وبتفكيرهم وتوجُّههم عن الشّعب ومصالحه الأساسية». وينهي المعلّم بملاحظة ميدانيّة ثاقبة ولافتة، ومُحزنة، إذ يقول: «قليل من المثقفين في بلادنا من يستطيع أن يكون مُختاراً في قريته أو عضواً في بلديّة بلدته، نتيجة هذا التأفّف والانفصال والابتعاد».

أكتفي بهذا القدر من المعايير التي وضعها الشهيد كمال جنبلاط للتمييز بين المُثقّف الحقيقي والمثقف الزائف، المثقّف الذي يبذل كلّ ما يستطيع لخدمة قضايا مجتمعه وشعبه، والآخر الذي لا يعنيه غير طموحاته الشخصية الصغيرة، الماديّة والمعنويّة.

لن استرسل أكثر لضيق الوقت، إلّا أنّ ما أوردته مُختصراً هو كاف كما أعتقد لإظهار المعدِن الحقيقي الذي تتكوّن منه شخصية الأديب المرحوم نجيب البعيني، شخصيّة المثقف العضوي المُلتزم قضايا الناس؛ وكما تعرفون فقد بادلته الناس في غير مناسبة في بلدته ومنطقته وفي لبنان بعامّة الحبَّ نفسه، والتقدير والاحترام في كلّ مناسبة.

المرحوم الأستاذ نجيب البعيني، مثقَّف حقيقي، سنفتقد باستمرار عطاءاته وكتاباته وأنشطته الثقافية الواسعة؛ وسنفتقد أكثر شعوره الإنسانيّ العميق وتواضعه الجمّ وحبّه لأصدقائه، وإخلاصه للقضايا العامة، وعلى نحو يكاد ينسى فيه نفسه ومصلحته…. لم يعمل يوماً لمنفعة شخصيّة أو لجاه أو لمركز… على ما بات سائداً هذه الأيام مع الأسف.

رحمة الله لروح فقيدنا الأديب الكبير الأستاذ نجيب البعيني، وهو باق فينا وفي أسرته ومجتمعه بالتأكيد.

الدِّيك الفصيح منَ البيضةِ يصيح

في أحد الأيّام الدّراسية لعام 1928 قام مفتّش التّربية والتعليم في وزارة المعارف المصريّة بتفقُّد مدرسة قرية (الخطاطبة) ، ثم وجّه سؤالاً إلى طلّاب أحد الصفوف الابتدائية، ووعد من يُحسن الإجابة بأنّه سيقدّم له عشرين قرشاً مكافأة. أمّا السؤال فكان: «لو افترضنا جدلاً أنّكم ضعتم في إحدى الصّحارى ولم تتمكنوا من معرفة اتجاهكم، وفجأة ظهر أمامكم رجل ومعه بوصلة ثم طلب منكم عشرين قرشاً عن كل جهة يرشدكم إليها فكم تنقدونه؟» صرخ الأطفال جميعاً: نعطيه ثمانين قرشاً. غير أنّ طالباً وحيداً من بين خمسين طالباً خالف زملاءه وقال: «نعطيه عشرين قرشاً لا غير والسبب أنّنا متى عرفنا جهة واحدة أصبح باستطاعتنا معرفة بقية الجهات». أثار هذا الجواب العميق دهشة المفتّش واستغرابه في آن معاً وكان ذلك الطفل هو جمال عبدالناصر ولم يكن يخطر ببال أحد أنّ ذلك الطفل سيصبح عظيماً من عظماء العالم فيما بعد.

ثقافة و آداب

عادل صالحة، من رأس المتن، المتن الأعلى، مبدعٌ في تشكيله للحجر والرخام وغيرها من المواد كما يشتهي. بلغ تطويعه للمادة الحد الأقصى …

احفظْ لِسانَكَ فهو حصانُك إنْ خُنْتَه خانَك   أيامُ التُّرام الكهربائي ركب أحدُهم من ساحة البُرج إلى حيِّ وَطى المصَيطبه في بيروت …

كما تزرع تحصد ولكلّ جميل جميلٌ يماثله فلاح فقير معدمٌ يعيشُ في إحدى المزارع الاسكتلندية يدعى «فلمنج». ورغم الفقر الشديد لم يكن …

«عادياتُ اليَمَن»: مُذكِّرات المُتَصرِّف «يوسف بك حسن»، 1909 – 1921   صدرت عن الدّار التقدمية في كتاب، من القطع الكبير، عدد صفحاته 587 …

 لا تملُّ الشاعرة سناء من إعلان استحالة العيش بلا شِعر. هو ذا ما تشعر به وأنت تطوي الصّفحة الأخيرة من ديوان سناء …

هذا هو فؤاد الخشن، كما عَرَفْتُهُ شخصياً، أَحَد كبارِ شعراءِ الضاد في القرن العشرين، وممّن نبغوا فتركوا آثاراً شعريّة بعدهم تدُلُ عليهم، …

تلاقيْنَ عند قارعة الطريق، وتراقصن بين حروف الشِعر وفلسفة الوجود. أديباتٌ، شاعراتٌ وفنّاناتٌ تشكيليّات من المجتمع التوحيدي المعروفي، تقاسمْن الآلام والأحلام، فأبحرْنَ …

اخترنَ الحياة، كافحنَ وقاومنَ شتّى المعوّقات والصعاب، فانسابت أحلامهنّ وآمالهنّ إبداعاتٍ أدبيّة، نثريّة وشعرية، وفنونًا تشكيلية، رسمت جسر العبور إلى حيث النور …

This content is locked Login To Unlock The Content! تذكرني Lost your password?

اللّغة «قاموسيّاً»: لفظ مشتقّ من «لَغِيَ» بالشيء، أي لهجَ به(١). و«اصطلاحاً»: «هي الكلام المُتّفق عليه بين كلّ قبيلة»، وقيل «هي اللفظ الموضوع …

انعقد في المكتبة الوطنية في بعقلين، نهار السبت في ١٦ حزيران ٢٠١٩، حفل تكريم للمرحوم الأديب الأستاذ نجيب البعيني بحضور شعبي وثقافي …

في أحد الأيّام الدّراسية لعام 1928 قام مفتّش التّربية والتعليم في وزارة المعارف المصريّة بتفقُّد مدرسة قرية (الخطاطبة) ، ثم وجّه سؤالاً …