في النصف الثاني من القرن الماضي، بدأت زراعة الخضار التي كانت محصورة في مساحات قليلة تتطور وتزدهر حتى أصبحت مصدرًا أساسيًا في حقل الإنتاج الزراعي وتدرّ مالًا وفيرًا للمزارعين الذين أتقنوا هذا العمل من تأصيل للبذار والنبات وتحديد موعد الزرع مع ممارسة الدورة الزراعية، وذلك بفضل التقنيات الحديثة المتطورة التي تعتمدها هذه الزراعات وصولًا إلى المستوى الجيد في الإنتاج.
ومن خلال اكتشاف نباتات مرغوبة من قبل المستهلك اللبناني وحملها خصائص وراثية جيدة ومتطورة من حيث قدرتها على مقاومة الآفات الزراعية وجفاف التربة وتأقلمها مع جميع أنواعها، إضافة إلى قدرتها على إنتاج أكبر كمية ممكنة من الثمار والخضار الورقية والساقية مع مواصفات مميزة للبذور والثمار عن الأصناف السابقة، وكذلك من خلال تنظيم عملية التسميد الذواب وطرق الري والمكافحة العضوية والكيميائية حسب الحاجة لمنع إتلاف المحصول، وبعدها يتمّ نشرها بين المزارعين في مختلف المناطق الزراعية. كما يمكن تصدير الكثير من هذه المنتجات للأسواق الخارجية إضافة إلى تصنيع المنتجات الغذائية خاصة الخضار التي لا تصلح للتسويق والإستهلاك الطازج.
لما كانت زراعة الخضار من أهم الزراعات في لبنان والتي تعطي مردودًا ماديًا وفيرًا للمزارع خاصة إذا ما أتقن عمله واهتمّ بالمزروعات من حيث توقيت الزرع، أنواع الأتربة، المعاملة، المكافحة، الري، التغذية، القطاف ثم التوضيب، البيع، والتصنيع… فإنّ زراعة الخضار تلعب دورًا أساسيًا في الإقتصاد اللبناني وخاصة على صعيد زراعة الخضار الموسمية السريعة الإنتاج التي تعطي إنتاجها في وقت قصير لا يتجاوز ستة أشهر، نتكلم هنا على زراعة الأراضي أو المساحات الصغيرة، وغالبًا ما تستخدم هذه الزراعة في حدائق المنازل أو في الحقول الجبلية الصغيرة المساحة ممّا يزيد من أهمية التوسع في زراعة الخضار وزيادة إنتاجها وتحقيق عائدًا سريعًا من المال، أو توفير المصاريف التي تنفق على شراء الخضار، ويعلم أنّ الخضار التي زرعها واعتنى بها على ما تحتوي.
ومن المهم جدّا أن يلجأ الإنسان إلى زراعة وتأمين حاجاته اليومية من الخضار التي يستهلكها بشكل أساسي في غذائه، من خلال زراعة حدائق وشرفات وأسطح المنازل بواسطة الكثير من الأواني مثل الأصص والصناديق الخشبية والأكياس…..كما هو وارد في الصور المرفقة.
تنمو الخضار بشكل عام في جميع الأتربة لكنّها تفضل وتنمو جيدًا في الأراضي التي تحوي أتربة مختلطة وعميقة ومفككة وخصبة (أي غنية بالمواد الغذائية) والجيدة الصرف للمياه الزائد.
مواعيد الزرع: تختلف حسب أنواع الخضار وإلى أي مجموعة تنتمي، فمنها ينتمي إلى مجموعة الخضار الشتوية وأخرى إلى الربيعية أو الصيفية أو الخريفية، وإنّ ارتفاع مواقع الزرع عن سطح البحر يحدد في الكثير من الأحيان نوع الخضار وتوقيت الزرع.
النضج: لكل نوع من الخضار موعد خاص لمراحل النضج (حسب الإستهلاك وليس النضج النهائي وتكوين البذور) بمعنى آخر، في أي مرحلة من نمو النبات أو الثمار يراد أكلها طازجة أو مطهية، وحسب الغاية من زراعته والأجزاء التي تؤكل (الأوراق، الدرنات، الساق، الثمار، الأبصال، الأزهار، السوق الهوائي والأرضية).
تقسم نباتات الخضار إلى عدة مجموعات من حيث تشابه صفاتها في كل مجموعة معينة أو بعدة صفات. هذا يسهل لنا دراسة أنواع النبات. إنّ التقسيم النباتي من أفضل الأعمال التي استخدمت في دراسة مورفولوجيا نباتات الخضار، لأنّ هذا التقسيم مبني على أساس الصفات الفيزيولوجية (الطبيعية) ودرجة القرابة الوراثية بينها، واتخذت الزهرة كأساس لتقسيم النبات، لأنّها عضو ثابت في تركيبتها ولا تتأثر أو تتغير بتغيّر الظروف البيئية المحيطة بها فتبقى كما هي وللعائلة التي تنتمي إليها.
يمكن من خلال هذا التقسيم التعرف على درجة القرابة الوراثية بين النبات وإمكانية تلقيحها بين بعضها البعض لإنتاج أصناف جديدة او أصناف محسنة من حيث جودة إنتاجها وشكلها ولونها ورغبة المستهلكين لها، كما يفيد التقسيم في العمليات الزراعية وحاجات النبات للخدمات الحقلية مثل الحراثة، مكافحة الأعشاب والآفات، التسميد العضوي والكيميائي،…
تمّ تقسيم الخضار حسب الأجزاء التي تؤكل وتضم المجموعات التالية:
1- خضار جذرية: تضم الخضار التي يؤكل جذرها، وتشمل الجزر، الفجل، اللفت، الشمندر، البطاطا الحلوة.
2- خضار ساقية: وتشمل الخضار التي تؤكل منها الساق في التغذية سواء كانت هذه الساق هوائية كما في: الهليون أو ساق منتفخة كما في: الكرنب، وإمّا ساقًا متحورة تحت سطح التربة مثل: البطاطا والقلقاس،…
3- خضار بصلية: تضم الخضار التي تؤكل أبصالها، وتشمل البصل، الثوم، الكراث.
4- خضار زهرية: تضم الخضار التي تؤكل منها الأجزاء الزهرية، وتشمل القرنبيط، أرضي شوكي، البروكولي.
5- خضار ورقية: تضم الخضار التي تؤكل أوراقها، وتشمل الملفوف، الخس، السبانخ، الرشاد، الهندباء، البقدونس، الشمرة، البقلة، الروكا.
6- خضار التي يؤكل منها أعناق الأوراق، وتشمل السلق، الكرفس.
7- خضار ثمرية: تضم الخضار التي تؤكل ثمارها قبل نضجها أو ناضجة. وتشمل الناضجة: البندورة، البطيخ الأحمر والأصفر. غير الناضجة: الكوسى، الخيار، المقتي أو القثاء، القرع، اللوبياء، البامية، الفليفلة، الباذنجان.
8- المحاصيل البذرية: تضم النباتات التي تؤكل بذورها، وتشمل البازيلا، الحمص، الفاصوليا، الفول، الذرة.
الزراعات الربيعية
تقسم بحسب موعد الزرع، وتضمّ مجموعتين:
– الزراعات الربيعية المبكرة للخضار التي تعطي إنتاجًا في فصل الربيع مثل: الفجل، الروكا، الرشاد…..
– الزراعات الربيعية المتوسطة والمتأخرة للخضار التي تعطي إنتاجها خلال فصل الربيع وتمتد إلى فصلي الصيف والخريف، وهي التي تبدأ بالإنتاج بعد زراعتها بحوالي بين 20 إلى 50 يوما مثل: الخيار، القثاء، الكوسا، اللوبياء، السبانخ، الهندباء… ومنها ما يعطي إنتاجا في أواخر الربيع ويستمر حتى فصل الخريف مثل: الفليفلة، الباذنجان، السلق، البامية… ومنها يبدأ بالإنتاج بعد زراعته بحوالي 80 يوما مثل: البندورة والفاصولياء. أمّا البطاطا فتزرع في أوائل فصل الربيع وتقلع بعد حوالي من 90 الى 150 يوما أي بعد اكتمال نضج درنات البطاطا وحسب أنواعه ومعاملته أو العناية به من حيث الري والتسميد والتحضين أو التطمير والتعشيب ومكافحة الآفات التي تعتريه وتؤدي إلى تخفيض إنتاجيته….
الزراعات الخريفية
بعد أن ترتوي الأرض بمياه الأمطار خلال شهري أيلول وتشرين الأول ويكون قد تمّ إنبات غالبية بذور النباتات والأعشاب البرية التي تزاحم الخضار المراد زرعها على الغذاء والماء، وعندما (يطيب يد الأرض للحراثة) أي تصبح التربة قليلة الرطوبة نوعا ما نعمد إلى حراثتها حراثة عميقة بواسطة السكة على عمق حوالي 40 سم، التي تؤدي هذه الحراثة إلى موت النباتات البرية بالإضافة إلى خلط التربة مع السماد العضوي المخمر إذا ما وضع لتحسين خواص التربة وتغذية النباتات التي تزرع في المستقبل القريب، ثم تزرع بذور القمح أو الفول أو البازيلا مع الحراثة السطحية بواسطة الفرامة، وإذا ما أراد المزارع زراعة الثوم فيلجأ بعد الحراثة العميقة وموت النباتات البرية إلى تقسيم الأرض على خطوط وتحديد أماكن إنشاء الأثلام، ثم حفرها ووضع السماد العضوي المخمر في الأثلام وخلطه مع تراب قاعها وتسويتها وزراعتها بفصوص الثوم.
زراعة الخضار الصيفية
زراعة الخضار الصيفية في لبنان هي من الزراعات الهامة التي تلعب دورًا أساسيًا في الإقتصاد اللبناني وتعطي مردودًا جيدًا للمزارع، خاصة إذا ما أتقن عمله من حيث توقيت الزرع، العناية بالنبات من مكافحة الآفات، ري النبات، التسميد العضوي والكيميائي لتغذية النبات، القطاف والتوضيب ومن ثم البيع والتصنيع … وخاصة الخضار الموسمية التي تعطي إنتاجا مبكرًا ووفيرًا، هذا على صعيد زراعة الحيازات أو المشاريع الصغيرة (من دونم حتى خمسة دونم)، مما يزيد من أهمية التوسع في زراعة الخضار وزيادة إنتاجها وتحقيق عائدًا سريعًا.
تنحصر زراعة الخضار بشكل أساسي في لبنان على عدة محاصيل خضرية، أهمها:
– الفصيلة الباذنجانية تضمّ: البندورة، البطاطا، الباذنجان، الفليفلة.
– الفصيلة القرعية تضم: الخيار، الكوسا، البطيخ الأحمر والأصفر، القرع، القثاء، اللقطين أو اليقطين.
– الفصيلة البقولية أو القرنية تضم: الفاصولياء، اللوبياء، الفول، البازلاء، الحمص، العدس.
– الفصيلة الصليبية تضم: الملفوف، القرنبيط، اللفت، الفجل، البروكولي.
– الفصيلة الخيمية تضم: الجزر، البقدونس،…
– الفصيلة المركبة تضم: الخس،…
– الفصيلة النرجسية تضم: البصل، الثوم، الكراث.
– الفصيلة الرمرامية تضم: السلق، السبانخ، الشمندر السكري،…
– الفصيلة الخبازية تضم: البامياء،…
وتختلف إنتاجية هذه الأصناف حسب اختلاف عوامل الوقت والمعاملة والأحوال الجوية وطبيعة التربة وعمقها، وصلاحيتها للزرع وإصابتها بالآفات الزراعية من حشرات وعناكب وفطريات وبكتيريا وفيروسات وغيرها. هذا بالإضافة إلى عامل نقص العناصر الغذائية التي تحتاجها النبات أو زيادة إستهلاك عنصر غذائي أكثر من غيره مما يؤدي إلى ظاهرة عدم امتصاص باقي العناصر.
ونظرًا لأهمية الدور الذي تلعبه الخضار في تحقيق الأمن الغذائي وفي رفع مستوى المعيشة وتدعيم الإقتصاد الوطني، نضع بين أيادي المزارع اللبناني، أكان محترفًا أو تقليديًا، هذا الموضوع الذي يتطرق إلى سبل كيفية زراعة الخضار بدءًا من تهيئة الأرض حتى القطاف.
أهمية الخضار الغذائية
تتصدر الخضار على اختلاف أنواعها قائمة المواد الغذائية التي تقدم لجسم الإنسان ما يحتاج إليه من الأملاح المعدنية والفيتامينات الضرورية إضافة إلى وجود الألياف النباتية الهامة للتغذية واستمرار الحيوية. فالإنسان منذ القدم أدرك حاجته لجميع أنواع الخضار الشتوية منها والصيفية، فاعتمدها في قوائم طعامه اليومي.
لذا، زراعة الخضار لها أهمية ملحوظة في تأمين أجزاء من الإحتياجات الغذائية للإنسان. والخضار هي نباتات عشبية حولية أو ثنائية الحول. الحول الواحد معروف بالموسم الواحد أي الخضار التي تزرع في وقت أقل من سنة على سبيل المثال: البندورة تزرع بدءًا من شهر نيسان في المناطق الساحلية حتى شهر حزيران في المناطق الجبلية، وتتوقف عن الإنتاج في شهر تشرين الثاني عند تدني الحرارة. الحولان أي موسمان وهي النباتات التي تعطي الجزء الذي يؤكل في الحول الأول والأزهار والبذور في الحول الثاني مثل البقدونس والسلق والملفوف…
وتزرع الخضار سنويّا حسب حاجة السوق، منها ما تستخدم أجزاؤها للتغذية فقد تؤكل ثمارها طازجة أو مطبوخة مثل البندورة، الملفوف، البازيلا،… ومنها ما تؤكل نوراتها الزهرية مثل القرنبيط، البروكولي،… أو أوراقها مثل الخس، البقدونس، السلق، الرشاد،… أو جذورها مثل الفجل، الجزر، الشمندر، اللفت، البطاطا الحلوة،… أو أبصالها مثل البصل، الثوم،…
تأصيل نباتات الخضار
إنّ تأصيل النبات يستوجب الأخذ بالإعتبار لعدة نقاط هامة. يجب مراقبة النبتة خلال الموسم لمعرفة قدرتها على تأقلمها مع المناخ والأرض المزروعة فيها، مقاومتها للأمراض والحشرات الضارة، تحملها للعطش، وأيضا مراقبتها من حيث النمو الخضري الجيد للخضار الورقية والإنتاجية العالية للأزهار والثمار، بالإضافة الى شكل الثمار المتناسق وجودتها العالية من حيث الحجم واللون والطعم هذا في الخضار الثمرية. تجمع بذور الخضار الورقية والزهرية بعد نضجها وتحفظ للموسم الذي يليه بعد تجفيفها ونقعها لمدة دقيقتين في محلول نحاسي مثل: البندورة، الفليفلة، القرنبيط، الباذنجان،… أمّا في الخضار الدرنية، فتجمع الدرنات الصغيرة بعد القلع لتزرع في الموسم القادم كما في البطاطا.