الجمعة, أيار 3, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, أيار 3, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

تربية النحل ذهـب لبنــان السائــل

في كل أوروبا 700 نوع من النباتات الرحيقية
وفي لبنان وحده وجد العلماء 500 نوع

النحل مهم جداً لتلقيح الأشجار المثمرة والمزروعات
ويساهم بأكثر من 08-90 %من تلقيح المواسم الحقلية

يقدّر عمر سلالة نحل العسل بحوالي 01-20 مليون عام أي منذ العصر الميوسي، وقد اكتشفت مستحثات للنحل عمرها ملايين السنين، وتعلم الإنسان جني العسل منذ أمد بعيد، فالآثار المتروكة في إسبانيا تشير إلى جني العسل منذ 7 آلاف سنة قبل الميلاد، وفي مصر منذ 5510 سنوات قبل الميلاد، في العراق منذ 2100 سنة قبل الميلاد. وأوضحت بعض المراجع أن تجارة العسل بدأت في تلك الحقبة أي قبل نحو ألفي عامٍ من ميلاد السيد المسيح(ع).
اختبر الإنسان فوائد العسل الغذائية والعلاجية، فحاول استئناس النحل على مرّ الأزمان محاولاً “تربيته” واجتذابه للإقامة في خلايا يبنيها له، واعتمد في البداية على المواد البدائية التي كان يبني منها القفير الطبيعي باستخدام الطمي الصلصالي والقش أو جذوع الأشجار ثم تمكّن عبر الاختبارات العلمية من اكتشاف إمكان صنع براويز وخلايا من صنع الإنسان يتقبلها النحل كأساس لبناء أقراص العسل الشمعية. وكانت هذه الخطوة هي بداية قيام تربية النحل كما نعرفها اليوم، إذ مكنت من تكثير النحل وجمعه في أماكن يسهل فيها التعامل معه وقطاف العسل الذي ينتجه. وزاد الإقبال على تربية النحل بعدما اتضح دوره في تلقيح الكثير من المحاصيل الزراعية والاشجار المثمرة وزيادة إنتاجيّتها. وقد دلت الدراسات على أن نسبة مساهمة نحل العسل في تلقيح النباتات البرية و المزروعات هي ما بين
(90%-80%)، أما النحل البري و الرياح وغيرها من الحشرات المفيدة فتساهم في تلقيح ما نسبته (20%-10%).
بدأت تربية النحل في لبنان منذ ما بدأ الوعي البشري، لكن معارف النحالين تقدمت إلى حدٍ كبير عبر الاحتكاك بالدول الأوروبية والتي كانت قد طوّرت علم النحل بصورة كبيرة.
تدلّ الإحصاءات على أن النباتات المسجلة والمعروفة في لبنان، هي بحدود 2700 نوع بينها 500 نوع من النباتات الرحيقية التي تعتبر مصدراً لإنتاج العسل وعلى سبيل المقارنة يوجد على مساحة القارة الأوروبية حوالي 3200 نوع من النباتات المسجلة من بينها 700 نوع من النباتات الرحيقية، أي أن لبنان يقترب في تعداد نباتاته على صغر مساحته من أعداد النباتات في قارة بكاملها، مما يجعل منه مرعى مثالياً للنحل و مورداً مميزاً لإنتاج العسل كمّاً ونوعاً.

ميزات العسل في لبنان
يمتاز لبنان بجودة عسله نظراً لتوفّر الأزهار في سهوله وجباله على مدار السنة. فموسم الزهر في لبنان متلاحق بعضه ببعض، فيستفيد النحال من موسم الربيع على الساحل والسفوح لتقوية جيوش النحل، وجني العسل الربيعي الرقيق المفعم غالباً برائحة الليمون، ومن موسم الصيف في الأعالي للحصول على الذهب السائل.

إدارة المناحل
لا بدّ لمربي النحل من الإلمام بأصول تربية النحل وقواعدها العلمية سواء ما يتعلق منها بالنحل و عاداته وسلوكه أو بالبيئة المحيطة في مكان التربية ومدى توفّر مصادر الغذاء، على أن يبدأ بالتدريب على عددٍ قليلٍ من القفران ليزيد بعد ذلك عددها مع تعمّق خبرته. وتذكر أوساط النحالين عدداً من الشروط المكانية المهمة لنجاح المنحل منها: إختيار المكان، وضعية كل خلية، عدد الخلايا في المنحل، المسافات بين المناحل، إدارة المنحل من خلال:
تقوية و دمج الطوائف الضعيفة وتبديل الملكات في الربيع وتضم:
1. اتباع القواعد اللازمة في فترة التطريد الطبيعي.
2. استخدام الطرود الطبيعية.
ضم الطوائف.
عدم اعتماد التطريد الطبيعي.
توسيع المنحل و تكوين طوائف جديدة.
ضم وتقوية الطوائف وتبديل الملكات في الخريف وتضم:
1. التغذية الصناعية .
2. المغذيات .
3. وقت التغذية وكمية الغذاء.

من “صيد” العسل في البراري
إلى مرحلة المناحل والصناعة

يعتقد علماء الطبيعة أن اكتشاف النحل العاسل (أي المنتج للعسل) تمّ بمحض الصدفة كما الكثير من الاكتشافات والمعارف البشرية، وقد يكون الإنسان الأول انتبه إلى العسل من خلال ملاحظة سيلان العسل من بعض الخلايا الممتلئة في الصخور أو الأشجار، ومن المؤكد أن تذوق الإنسان للعسل منذ المرة الأولى جعله يتعلق بهذا المنتج الطبيعي ويدرك فائدته الكبيرة للصحة، فضلاً عن كونه محلياً مهماً ويوفر للجسم طاقة كبيرة. وكان أول ما سعى الإنسان لتعلمه هو قطاف العسل من البراري عبر إبعاد النحل وذلك لتفادي اللسع المؤلم لمئات بل آلاف النحلات التي تدافع عن خليتها بشراسة. وقد اختبر الإنسان أن دخان الحرائق يبعد النحل ويشله عن الحركة فتعلم أسلوب “تدخين” الخلايا التي يسعى لقطاف العسل منها. واستمر الإنسان لآلاف السنين معتمدا على اقتفاء أثر النحل للعثور على خلاياه ثم قطافها من دون أن يعبأ بفن تربية النحل كما نعرفه اليوم.
لكن الإنسان عاد وتقدم باتجاه تربية النحل عندما بدأ يصنع له خلايا شبيهة بما يميل إلى الإقامة فيه في الطبيعة فاستخدمت جذوع الأشجار كما استخدمت القفران المصنوعة من القش والطين أو من القصب والجرار الفخارية، وتم تطوير القفران حسب بيئة كل شعب وما يتوافر حوله من مواد طبيعية أو ما يلاحظه من سلوك النحل. وقد استخدمت خلايا العود والطين والجرار و غيرها من المواعين منذ 2400 سنة قبل الميلاد وخاصة من قبل الحضارات القديمة من مصر واليونان وغيرهما وهذا النموذج من الخلايا ما زال يستخدم على نطاق محدود في بعض مناطق الشرق الأوسط.

آفات نحل العسل
رغم أن طائفة النحل مزودة بسلاح طبيعي لحماية نفسها من الأمراض والأعداد الاخرى إلا أن وجود العوامل المشجّعة أحياناً لإنتشار الأمراض والآفات في المناحل تتغلب على هذا السلاح الطبيعي لدى النحل و تصيبها ببعض الأمراض .

القيمة الغذائية والطبية لمنتجات النحل
عرفت منتجات نحل العسل منذ القدم بقيمتها الغذائية والشفائية وقد أكدت الأبحاث الحديثة هذه المقولة القديمة ورغم ما توصّل إليه العلم من تقدّم مدهش فما تزال خواص كثيرة من حيث القيمة الغذائية والدوائية الوقائية والعلاجية لمنتجات النحل غير معروفة حتى الآن. يستهلك ما يقارب الـ75% من إنتاج العسل العالمي بحالته الطبيعية ويستعمل حوالي الـ 10% منه للصناعة و15% في صناعات ٍمختلفة ويساهم العسل في الكثير من العلاجات الطبية والوقائية كما ذكرنا ومنها :
يستعمل العسل كمطهر ومضاد للبكتيريا
يساهم في التئام الجروح والقروح
يساعد في معالجة امراض المعدة والامعاء
يستخدم العسل في معالجة أمراض الجهاز التنفسي
يستخدم العسل في معالجة أمراض الشرايين والقلب.

خلايا نحل قديمة مصنوعة من القش
خلايا نحل قديمة مصنوعة من القش

نائب رئيس منتدى نحالي الجنوب الشيخ طارق أبو فاعور
عسل لبنان بين الأجود في العالم

الشيخ طارق أبو فاعور من أبرز العاملين في قطاع النحل وصناعة العسل في منطقة الجنوب. في هذا الحوار كانت لنا جولة سريعة استهدفت التعريف بتربية النحل وفوائدها الاقتصادية وقضاياها وبعض أبرز التحديات التي تواجهها. وهنا الحوار:

الشيخ طارق أبو فاعور
لشيخ طارق أبو فاعور

كيف تنظر إلى تربية النحل ؟
تعتبر تربية النحل أحد أهم مجالات العمل الزراعي في لبنان اذا أوليت الاهتمام اللازم لما لها من تأثير إيجابي على الاقتصاد الوطني وعلى دخل الافراد، وتعتبر البيئة في لبنان مثالية لتربية النحل من خلال الفصول الأربعة، إذ يساهم ذلك في تنوّع النباتات الرحيقية، كما أن الموقع الجغرافي وطبيعة التضاريس مفيدة لمربي النحل، إذ تمكنه من وضع النحل على مستويات ٍ مختلفة ابتداءً من الساحل حيث موسم زهر الليمون وبشكل متصاعد حتى قمم جبال لبنان خلال فصل الصيف.
هل تعتبر لبنان غنياً بالمراعي الطبيعية للنحل؟
نعم، إذا أقمنا مقارنة بين لبنان والقارة الاوروبية نجد وفق دراسة حديثة أن القارة الأوروبية تحتوي على ما يقارب الـ745 نوعاً من النباتات الرحيقية، في حين أن لبنان يحتوي على ما يزيد على 500 نوع من تلك النباتات، وهذا ما من شأنه أن يضفي جودة على العسل اللبناني من خلال اختبار ما بين العسل اللبناني والعسل الايطالي عندما كنا نجري دورة هناك فاثبت العسل اللبناني جدارته وجودته.

ما هي الآفات التي يتعرض لها النحل حاليا؟
يواجه النحالون العديد من أمراض النحل والتي يتم التعامل معها وفق الخبرة التقليدية والمكتسبة، بالإضافة إلى الأدوية المتوافرة، كما أن هناك أمراضاً لا يعرفها النحال وهذا يعود إلى غياب التنسيق ما بين النحالين ولاسيما خلال فترات الأمراض، وحين يتوجب وضع الأدوية و التنبه إلى هذا المرض من خلال التنسيق لكي لا تنتقل عدوى المرض إلى النحل المجاور . ونلفت إلى أنه يوجد اليوم في أوروبا وأميركا مرض يتمثل باضمحلال جماعات النحل وتراجع عددها في القفران ولم تُعرف أسبابه العلمية حتى اليوم لكن هذه الظاهرة لم تصل بعد إلى لبنان .

ماهي مواسم قطاف العسل ؟
نعتمد على موسمين، الموسم الربيعي و الموسم الصيفي، حيث يتم قطف الموسم الأول في نهاية فصل الربيع حيث يكون العسل يحوي رحيق أزهار هذا الموسم. و نلفت أن العسل ممكن أن يأخذ طبيعة الحقل الذي وجد فيه لاسيما العسل الذي يجنى من زهر الليمون حيث يكون غنياً لاسيما بالفيتامين c وهذا الموسم يجنى في أول الصيف. أما موسم العسل الصيفي فيتم جنيه في نهاية فصل الصيف.

كيف أثّر دخول النحل الأجنبي على النحل؟
هناك تأثير سلبي، فالنحلة الموجودة لدينا هي نحلة أصيلة وذات نوعية جيدة لكن النحل أو الملكات الغربية التي دخلت غير منتجة مثل الملكة الوطنية و ضعيفة المناعة بحيث هي قابلة للمرض بسرعة و هذا ما يجب العمل عليه من خلال إعادة تطوير وإنتاج الملكات الوطنية.

هل من أحد يعمل على تربية الملكات خارج قفرانها؟
توجد مجموعة قليلة من النحالين في لبنان الذين يهتمون في تربية الملكة وتأصيلها نحن من هذا الفريق إذ نعمد إلى تربية الملكات في قفران خاصة ونبدأ العملية عندما تكون النحلة ملكة يتم نقلها من قفيرها إلى كؤوس خاصة بطريقة نحافظ عليها.

كيف تصف لنا دور الملكة في القفير؟
الملكة كما يدل اسمها عليها أن تقود جيشاً من العاملات اللواتي يقع على عاتقهن إغناء قوالب الشمع بالعسل، وكلما كانت الملكة فتية ومحصنة كلما كانت النتيجة أفضل، وهنا فإن على المربي أن يعمد إلى تطوير الملكة بشكل مستمر كون عطاء الملكة يكون في السنتين الأولى والثانية من عمرها ثم يبدأ بالتراجع.

هل يتم أخذ العسل كله من داخل القوالب؟
كلا، لا يجوز قطاف كل ما ينتجه النحل من العسل داخل القفير، بل يجب ابقاء قوت لها كي تبقى قوية و منتجة. وعلى المربي الا يطمع في إخراج كل ما يحتويه القفير من العسل كي لا تتراجع قوة النحل العامل إذا لم يجد غذاءً. ونشير بصورة خاصة إلى عملية القطاف والفرز التي تتم في نهاية الصيف على أبواب فصل الشتاء وفي وقت تكون الطبيعة مفتقرة للأزهار الرحيقية فتصبح النحلة بحاجة إلى أن تأكل من داخل القفير من العسل التي تمّ جنيه في فصل الصيف .

ما هي نصيحتك للنحالين ؟
يجب ألا يتم التعامل مع النحل على أنه مسألة تجارية للكسب أو الربح، فالنحل يجب أن يأخذ حقه من الرعاية و الاهتمام و تربيته شبيهة بتربية الأبناء تماماً، ولأن أي جور على النحل قد يحقق كسباً قصير الأمد لكنه يؤدي إلى إتلاف القفران وخسارة النحال في نهاية المطاف.

تحقيق راشيا الوادي

راشيا الوادي خزانة التاريخ

مرّ عليها الكثير ولم تفقد أصالتها

القلعة التاريخية معرض جامع لتوالي الممالك
والسوق الأثرية تحمل بصمات الإرساليات الأوروبية

اللبنانيون يأكلون دبسها ويصطلون حول مدافئها
لكن قوافل الهجرة ذهبت بالمئات من شبابها

متربعة في صدر حرمون، حارسة لصدى استقلاله، مشرعةً نوافذها لهذا الجبل الشامخ بمجده التليد، غامزةً بعينٍ السهول المحيطة التي يأنس لها القمر في بدره الوضاء، وبأخرى لهضاب وأودية يفوح منها روح المكان التيمي، إنها راشيا الوادي، هذه البلدة العتيقة الوادعة التي تأنس العين لرؤيتها والتي شاء التاريخ أن تكون مسرحاً لأحداث كبيرة ونموذجاً للعيش المشترك منذ أن بزغ فجر الاستقلال من قلعتها وكان لوقفات أبنائها الكثير من المعاني والعبر في صناعة الصمود والتحدي والعنفوان.

معالمها الجغرافية والمناخية
على أقدام جبل الشيخ وعلى سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية تقع بلدة راشيا الوادي على علوٍ يقارب الـ 1200م، وهي المركز الإداري لقضاء راشيا الذي يضم 26 بلدة وقرية تحتضن تنوعاً بيئياً وتراثياً فريداً. تبعد هذه البلدة عن بيروت 85 كلم ويمكن الوصول إليها عبر طريق شتورا، المصنع، راشيا أو عن طريق مرجعيون، حاصبيا، راشيا. يبلغ عدد سكانها المقيمين 8500 نسمة، وتعتبر إحدى البلدات المصدّرة للإغتراب، إذ غذّت المغتربات القريبة والبعيدة بمئات الشبان الذين كان لهم دور مهم وفعّال في تنمية البلدة خصوصاً من خلال الأموال التي تمّ استثمارها في مجال البناء أو في النشاط الذي يقيمه المغتربون عند عودتهم للإستقرار مجدداً في لبنان أو في البلدة.

راشيا في التاريخ
دعيت راشيا الوادي نسبة الى وادي التيم وتمييزاً لها عن جارتها الجنوبية راشيا الفخار ويقال إن الاسم لفظة أّرامية مركبة من مقطعين “راش – أّيا” ويعني “رأس أيا“ هو إله المطر والعواصف، وللتسمية هذه علاقة قوية على الأرجح بتاريخ جبل حرمون.

قلعة راشيا
يعود تاريخ بناء قلعة راشيا إلى العهد الروماني، إذ بنى الرومان حصناً منيعاً لمراقبة القوافل التجارية، وفي العام 1099غزا الصليبيون المنطقة واختاروا القلعة حصناً لهم نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي تحيط به المنحدرات من ثلاث جهات، بينما تواجه الجهة الرابعة منه قمة حرمون المطلة على الأراضي السورية والفلسطينية واللبنانية. وأضاف الصليبيون إلى القلعة أبراجاً استعملت كمراكز للمراقبة والدفاع. وتختصر القلعة بأقسامها الأربعة المختلفة التاريخ العريق للبلدة وللعهود والممالك التي مرت عليها.
فالقسم الأول: يحتوي على بناء وآثار رومانية منها دهاليز من الجهة الجنوبية الغربية يؤدي الى خارجها.
والقسم الثاني: يحتوي على أبنية وآثار صليبية ولاسيما الآبار المنحوتة في الصخر والتي ردمت كلها ولم يبقَ منها سوى بئر واحد صالح للإستعمال، والاقبية السفلى للقلعة وهي القاعة الأثرية الكبرى والمخزن من الجهة الشمالية الشرقية والبرج من الجهة الغربية الجنوبية وهو أعلى نقطة في القلعة.
القسم الثالث: يضم أبنية وآثاراً شهابية يعود تاريخها إلى العام 1370عندما تولى الأمير أبو بكر الشهابي ولاية حاصبيا والذي كان يأتي برفقة زوجته وابنته للصيد في راشيا فبنى منزلاً داخل القلعة.
أما القسم الرابع: فيتمثل في ما أضافه الفرنسيون في العام 1920 عندما دخلوا القلعة وأكملوا بناء السور الشرقي مستخدمين حجارة المنازل المجاورة. وقام الفرنسيون بمسح معالم أثرية للقعلة عن طريق ترميم الجدران وكسائها بالورقة الاسمنتية.
يذكر أن الشهابيين هم الذين بنوأ مدخل القلعة والسور والقناطر من الجهة الجنوبية الغربية والتي توجد في صدرها لوحة حجرية منقوش عليها بعناية الأبيات التالية:
لله قصــــــر قـــد علـــــت أركـــــــانه وغـدا فريد الحســـــــن والإتقــــان
إيـــــوانه فيــــه المســــــرة والهنـــــــــا للــه مــــــا أحــــلاه من إيـــــــــــــوان
غـــــــرف حســـــان قــــــjد أنــــــورت من شمــــــس مشرق ذلك الديوان
بنــــيان عز للآلـــىء قد أعلمــــــت يعلو البنـــاء بفضـل جهد البانــــي

أهم ذكريات القلعة
وفي يوم 22 تشرين الثاني من العام 1925 أثناء الثورة السورية الكبرى كان نصيب راشيا وقلعتها معارك حامية، إذ حاول الثوار اقتحامها وكانت معقلاً للجيش الفرنسي وسقط 105 شهداء من أبناء منطقة راشيا في تلك المعركة.
وبين 11 و 22 تشرين الثاني من العام 1945 حوّلت السلطات الفرنسية القلعة التاريخية إلى معتقل لرجال الاستقلال وكان من بينهم بشارة الخوري، رئيس الجمهورية، ورياض الصلح رئيس الحكومة وسليم تقلا وزير الخارجية والأشغال العامة، والزعيم الطرابلسي عبد الحميد كرامي وعادل عسيران وزير التجارة والصناعة، وكميل شمعون وزير الداخلية.
وفي العام 1946 بعد جلاء الفرنسيين تمركّز فيها الدرك اللبناني وبعض إدارات الدولة الرسمية وبقي الوضع كذلك حتى نقل القلعة في العام 1964 إلى عهدة الجيش اللبناني.

سوق راشيا الأثرية
تعتبر سوق راشيا الأثرية أحد أهم و أبرز المعالم السياحية وقد تمّ بناؤها في عهد الفرنسيين وذلك على شكل شارع بطول 300م تحيط بها المحال على الجانبين مبنية من الحجر القديم وخصصت للمشاغل الحرفية والمنتوجات التراثية المحلية التي تتميز بها البلدة. وتمّ رصف الشارع داخل السوق بالحجارة البازلتية بأسلوب ملفت للنظر يضفي على السوق روعة تجعل من هذه السوق الأثرية من أبرز المعالم السياحية في البقاع وفي لبنان.

زراعة الكرمة ومعاصر دبس العنب
يلعب القطاع الزراعي دوراً مهماً وإن لم يعدّ رئيسياً في حياة أبناء البلدة، لكن على الرغم من التراجع النسبي في أهمية الزراعة فإن هناك الكثير من العائلات التي تعوّل على هذا القطاع ولاسيما زراعة الكرمة التي لا تزال إحدى أهم الزراعات التي تمتاز بها راشيا وجوارها.

صناعة الفضة من ينقذها

تعتبر صناعة الفضة من الصناعات القديمة في راشيا حيث تعود إلى القرن السابع عشر وحكم الشهابيين الذين كانوا يعتمدون على حرفيي راشيا لتزيين نسائهم . أما اليوم فقد تراجع هذا القطاع وهو مهددٌ بالزوال إذ لم يبقَ في البلدة سوى عدد قليل ممن يتعاطون هذه الحرفة.

صالح-القضماني---مدفأة-لكل-ذوق
صالح-القضماني—مدفأة-لكل-ذوق

الزراعية للبلدة مما يبرّر وجود عدد من معاصر دبس العنب التي يبلغ عددها 4، وهي تستقبل كميات كبيرة من العنب سواءً من القرى المجاورة لها أو من قرى حاصبيا وهذا دليل على جودة دبس العنب الذي تفخر به راشيا ويجعل دبسها مطلوباً بقوة من المستهلك. وقد أصبحت صناعة الدبس اليوم أكثر حداثة من ذي قبل ولاسيما لناحية العصر والتوضيب . أما تصريف الإنتاج فهو لا يقتصر على سوق راشيا والجوار، إذ يقصد البلدة تجار من مختلف الأراضي اللبنانية لابتياع الدبس كونه لا يزال مادة أساسية على موائد الكثير من اللبنانيين لا بل أن محلول دبس العنب يقدّم مشروباً مثلجاً في أرقى المناسبات.

التعاونيات الزراعية
إلى جانب معاصر العنب التي تفخر بها البلدة هناك دور مهم تضطلع به التعاونية الزراعية التي تلعب دوراً مهماً في التصنيع الزراعي ولا سيما تصنيع الخضار والفواكه بطرق علمية مدروسة خالية من أي مواد من شأنها أن تضرّ بالصحة العامة، وهذا ما يساعد على تصريف المنتجات الزراعية، كما يخفف من كساد المواسم ويرفع عن كاهل المزارع عبء تخزين منتجات ومحاصيل يمكن أن تتراجع نوعيتها أو تتلف بمرور الوقت، أضف إلى ذلك أن التعاونية وفّرت فرص عمل لعدد من الصبايا اللواتي لا يستطعن أو لا يرغبن في العمل خارج البلدة.

دور تربوي بارز
تعتبر بلدة راشيا مرجعاً أساسياً في العملية التربوية، إذ يوجد فيها عدد من المدارس الرسمية والخاصة . وهناك على سبيل المثال مدرسة رسمية توفّر الدروس من الروضة حتى المرحلة المتوسطة وثانويتان رسميتان هما ثانوية حرمون ذات اللغة الفرنسية وثانوية أخرى تدرّس اللغة الانكليزية، بالإضافة إلى عدد من المدارس الخاصة الرائدة في المجال التربوي والتي تخفف عن كاهل أبناء البلدة وجوارها مشقة الانتقال إلى المدن لتوفير تعليم جيد لأبنائها.

راشيا تقود صناعة المدافئ
يعود تاريخ صناعة المدافئ في راشيا الى العام 1937 عندما كانت هذه حرفة يدوية قبل ان تصبح اليوم آلية بحتة بسبب الطلب الكبير على ما تنتجه البلدة من مختلف أنواع المدافئ. وقد ازداد عدد المشاغل التي تنتج المدافىء أو الصوبيات إلى إثني عشر مشغلاً وأصبحت هذه تنتج ما يقارب الـ 5 آلاف مدفئة سنوياً يتم تسويقها على كافة الاراضي اللبنانية.
كوّنت راشيا لنفسها شهرة واسعة في صناعة المدافئ التي تعمل على المازوت أو الحطب واشتهرت صناعتها بسبب الطابع الحرفي لتلك الصناعة التي تنتج مدافئ حسب الطلب وفي تصاميم مختلفة تراعي اختلاف الأذواق، وقد ارتقت راشيا بهذه الصناعة إلى حدٍ باتت معها أشبه بصناعة قطع فنية، إذ يتم تشكيل المدفأة وفق تصميم خاص مما يعطي لمنتجات راشيا تنوعاً كبيراً ونفحة فنية ترفع الصناعة إلى مرتبة الفن بكل معنى الكلمة. وبسبب هذه الشهرة فقد ازداد الإقبال على مدافئ راشيا حتى باتت هذه الصناعة –الحرفية بوسائلها- غير قادرة على تلبية الطلب. يشرح الشيخ صالح سلمان القضماني أحد مالكي مؤسسة أبناء الشيخ سلمان القضماني أوجه تميز إنتاجه بالتأكيد على أن مؤسسته لا تستخدم الآلات الحديثة كما يحصل في معظم مصانع المدافئ في المنطقة بهدف إنتاج أكبر كمية ممكنة بل تتخصص في إنتاج قطعة مميزة وفريدة تسرّ الزبون الذي يأخذها وهو متأكد بأنها فريدة ولا مثيل لها. وهذه القطعة لا يمكن لطريقة التصنيع الميكانيكية أن توازيها من حيث الجودة أو اللمسات الفنية اليدوية. ويشير إلى أن الحرفة التي يعمل فيها تطورت لجهة إدخال تقنيات تحقق الاحتراق الكامل خصوصاً في مدافئ المازوت وكذلك تقنيات توفير المازوت.

رئيس بلدية راشيا العميد مروان زاكي

علـى المغتربيــن لعــب دور أكبــر
فــي إنمــاء اقتصــاد راشيــا

مشاريع للتشجير وإقامة برك تجميع مياه الأمطار
وأربعة مولدات أنهت أزمة الكهرباء في البلدة

رئيس-بلدية-راشيا-العميد-مروان-زاكي
رئيس-بلدية-راشيا-العميد-مروان-زاكي

التقت مجلة “الضحى” رئيس البلدية العميد مروان زاكي في حوار تناول الوضع الإنمائي في راشيا والتحديات التي تواجه البلدية والآثار السلبية للاغتراب، كما تناول رؤية البلدية للمستقبل وأهم المشاريع التي تعمل عليها. وفي ما يلي الحوار.

هل هناك مشاريع قيد الدرس أو التنفيذ؟
نعم هناك مشروع الصرف الصحي الذي يتم درسه بغية تنفيذه في أقرب وقت، وهذا من شأنه حل مشكلة كبرى في زمنٍ بات فيه التمدد العمراني كبيراً جداً.

ما هي المشاريع الخدماتية التي تعدونها؟
نسعى بقوة لإنشاء مراكز خدماتية في راشيا وأول الغيث كان افتتاح مكتب للتنظيم المدني والعمل جارٍ لفتح فرع للضمان الاجتماعي لتوفير مشقة الانتقال الى زحلة على أن يكون هذا المركز في خدمة راشيا والجوار. كما أننا نعمل مع فعاليات المنطقة السياسية من أجل زيادة فروع للجامعة اللبنانية ومحاولة استقدام جامعة خاصة تخفف وطأة الانتقال إلى زحلة وجوارها.

راشيا بلدة غنية بالآثار والتراث كيف يمكن الإفادة من ذلك؟
نحن في صدد إقامة مهرجان سياحي في الصيف بغية الاستفادة من الواقع السياحي والتراثي، ولاسيما أن هناك قلعة تاريخية هي قلعة الاستقلال مع ما تحتويه من المعالم التاريخية.

كيف يتم التعامل مع الاغتراب ؟
هناك أعداد كبيرة من أبناء البلدة الذين كتب عليهم الاغتراب وعدد لا بأس منهم نجح في بلدان الاغتراب فأصبح متمسكاً بالغربة أكثر من الوطن وهو ما ينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي. فلا استثمارات في مشاريع من قبل المغتربين وجلّ ما نراه هو تشييد المنازل الفخمة والفيلات، في حين أن هناك الكثير من المجالات التي يمكن الإفادة منها مثل إقامة فندق في راشيا يستقطب السياح إلى البلدة، إذ لا يوجد مكان يمكن أن يستقبل السائح لليلة واحدة.
كما أن غياب المؤسسات والمصانع من شأنه أن يضعف فرص العمل للشباب ويساهم في الجمود الاقتصادي والمزيد من الهجرة.

هل هناك من دور تضطلع به البلدية على صعيد البيئة ؟
نعم البيئة هي أحد الاهداف الاساسية في العمل البلدي ولاسيما من ناحية زيادة المساحة الخضراء ولهذه الغاية تمّ توقيع عقد مع وزارة البيئة بغية تشجير أحد الجبال القريبة من البلدة بالاشجار الحرجية البرية،كما نسعى مع المشروع الاخضر لإقامة عدد من البرك الاصطناعية في منطقة اليابسة.

رئيس محترف الفن التشكيلي شوقي دلال

حمايــة تــراث راشيــا من زحــف الإسمنــت

تفعيل السوق التاريخي يحتاج إلى سياحة وإلى إحياء الحرف والصناعات التقليدية

شوقي-دلال
شوقي-دلال

تقع بلدة راشيا في موقع متميز فهي صلة وصل بين لبنان وسورية وفلسطين وتمثّل بسبب تراثها الغني وحجمها السكاني وقاعدة الصناعات والحرف التقليدية التي تضمها إحدى القرى الأولى لبنانياً في تعبيرها عن تراث البلد وتاريخه وثقافته. في هذا الحوار مع رئيس جمعية المحترف الفن التشكيلي الأستاذ شوقي دلال تستكشف “الضحى” آفاق الحركة الثقافية والنشاط الإبداعي في راشيا وتسأل الأستاذ دلال كيف يمكن تفعيل الغنى الثقافي لبلدة راشيا، وكيف يمكن توفير الحماية له من التقدّم العمراني الزاحف؟

بدأنا بسؤاله عن الغنى الثقافي في منطقة راشيا.
راشيا بلدة تراثية قديمة وكان لها دور بارز عبر التاريخ وهذا ما تدل عليه مكتشفاتها الأثرية والآثار القديمة الموجودة في أماكن مختلفة، فكانت بلدة للتبادل التجاري في العصور القديمة وهذا ماتدل عليه الخانات الموجودة في جوارها حتى أن منطقة “الفاقعة” المجاورة لها وجد فيها العديد من النقود القديمة وهذا دليل على وجود تجارة ناشطة ولاسيما أيام الفينيقيين كما أنها كانت مقصد تجار الفراعنة لإجراء عمليات التبادل .

كيف تفسرون لنا ظاهرة المنازل التراثية القديمة في راشيا التي تزينها؟
منازل راشيا التراثية المزدانة بالقرميد يعود تشييدها الى العام 1850 إبّان فترة الإرساليات الأجنبية إلى لبنان وتحديداً الفرنسية منها. فالنمط المعماري لمنازل القرميد بدأ عندما جاءت إحدى البعثات ودعت الى بناء منزل كمقر صيفي للمفوض السامي، ثم أخذ هذا النمط المعماري بالتكاثر مع معلمي الشوير ولا يزال القرميد الفرنسي يغطي معظم منازل راشيا حتى يومنا هذا .

كيف يمكن حماية هذا الإرث؟
المطلوب منا جميعاً المحافظة على هذا الإرث الجمالي الذي تركه لنا الأجداد وعلى الدولة سن القوانين التي من شأنها أن تساهم في المحافظة على التراث القديم في ظل إمتداد غابة الإسمنت المشوهة له.

سوق راشيا التاريخي معلم قل نظيره في البقاع وربما في لبنان. لماذا لا يتم تفعيله؟
لتفعيل دور سوق راشيا من الناحية التراثية السياحية والتجارية يلزمه مخطط ومشاريع سياحية تجعل منه مركزاً مهماً لا بل قبلة أنظار السياح ولاسيما لجهة تفعيل الصناعات الحرفية والأعمال اليدوية وما شابه ذلك.

ما هي أبرز الميزات الثقافية التي اتسمت بها راشيا؟
كما سبق وذكرنا الإرساليات الأجنبية أسهمت أسهاماً واسعاً في إغناء راشيا ثقافياً من خلال إنشاء مدارس مازال بعض أبنيتها ماثلاً حتى اليوم ومنها الإرساليات الروسية والفرنسية والإلمانية. كما كان للدور الثقافي أهمية في القرن الماضي، حيث صدرت بعض الصحف مثل صحيفة حرمون في أربعينات القرن الماضي.

كيف يساهم محترف الفن التشكيلي في الحفاظ على التراث الثقافي ؟
جمعية محترف الفن التشكيلي استندت في انطلاقها إلى هذا الكم من التراث الذي ذكرناه و السؤال الذي كنا نطرحه إذا كان لدينا هذا الكم من التاريخ لماذا لا نسلط الضوء عليه ومع هذا الشعار انطلقت الجمعية في نشاطها العام 1992.

منير مهنا مدير مركز الخدمات الإنمائية في راشيا

مشروع لكتابة تاريخ راشيا وحرمون
واستعدادات مبكرة لمئوية الثورة السورية الكبرى

من يحقق مشروع تلفريك التزلج من راشيا إلى جبل الشيخ؟

منير مهنا
منير مهنا

التنمية في نظره رؤية تقود المبادرات وإرادة سياسية وتكاتف وتنسيق ودور للبلدية والهيئات الأهلية وهي لا يمكن بالتالي أن تتم بصورة عفوية وبمبادرات متفرقة. في هذا الحوار يشرح مدير مركز الخدمات الإنمائية في راشيا منير مهنا رؤيته للوضع التنموي في راشيا ويعرض للعديد من الفرص والإمكانات المتاحة التي يجب تفعيلها.

كيف ترون واقع وأفق التنمية في راشيا؟
تنطلق العملية التنموية من الموارد المتوافرة في البيئة المحلية، سواء كانت تلك الموارد ثروات طبيعية أو مادية بالإضافة الى طاقات الأفراد والجماعات والمؤسسات وما تراكم من منجزات للجماعة عبر الزمن. وتحدث التنمية عندما يتم ربط تلك المدخلات في سياق مخطط يستهدف تحسين مستوى نوعية الحياة لدى الناس. وما نراه في راشيا على الصعيد التنموي ما زال في بداياته والموارد المتاحة لعملية التنمية ترتكز على تاريخ البلدة مثل وجود قلعتها التاريخية التي تعود الى القرن الحادي عشر أو إلى السوق الأثرية التي يعود تاريخها الى القرن السابع عشر مع بنية معمارية تظهر في بيوتها القرميدية الجميلة وتعدادها يزيد على 250 بيتاً، من دون أن ننسى أنها في حضن جبل الشيخ- حرمون وما يحمله من إرث حضاري عظيم. يعني ذلك أن المدخل الأساس للتنمية في راشيا يبدأ من هذه الوجهة السياحية والطبيعية، وهذا الإتجاه يشهد حركة دفع ضعيفة، لأن موقع راشيا ما زال غير مهيأ من ناحية البنية التحتية المناسبة لاستقبال السياح والوافدين رغم وجود تلك المقومات .

هل من أنشطة أو مبادرات لتفعيل السياحة في راشيا؟
الأنشطة وحدها لا تكفي إذا لم تكن جزءاً من مشروع متكامل ترعاه مؤسسات محلية وعلى المستوى الوطني. مثلاً، دور البلدية أساسي في هذا المجال وكذلك دور الجمعيات الأهلية، وقد عرفت البلدة خلال عقد التسعينات وحتى العام 2005 حركة مهرجانات سياحية ساهمت فيها البلدية مع الجمعيات الأهلية وفي طليعتها محترف الفن التشكيلي في راشيا الذي أطلق العديد من المبادرات وعلى رأسها مهرجان المغتربين ومهرجان الشعر الزجلي ورحلة التجلي في السادس من آب، كما أن البلدة تشهد توافد الآلاف من طلاب المدارس والمغتربين لزيارة قلعة راشيا على مدار العام وخلال فترة الإحتفالات بعيد الإستقلال.

هل هناك مشاريع معينة لقلعة راشيا؟
هناك اتجاه في قسم الشؤون الحرفية التابع لمركز الخدمات الإنمائية في راشيا لتطوير منتجات للتسويق السياحي ووضعها في قلعة راشيا، كما أن الفنان عارف أبولطيف يقيم معرضاً دائماً لمنحوتاته في جناح خاص في القلعة وقد أنجز الى جانبها تمثالاً خاصاً لقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش حيث تاريخ الثورة السورية الكبرى سنة 1925 تحتضنه قلعة راشيا على أسوارها ومن خلال اللوحة التي تحمل أسماء شهدائها الأربعمائة الذين سقطوا في مواجهة المحتل الفرنسي في تلك الحقبة من التاريخ ..

هل يمكن لراشيا أن تلعب دوراً أكبر ثقافياً وسياحياً؟
أعتقد أن من لديه هذا التاريخ يمكنه أن يقيم الكثير الكثير من المبادرات والأنشطة ذات الصلة .المهم هو توفّر الإرادة والرؤية وتكاتف الهمم والتعاون المشترك بين كل الإمكانيات لتحقيق تنمية مستدامة في راشيا والعودة بها الى ما كانت عليه في مطلع العشرينات من القرن الماضي كعاصمة مزدهرة لوادي التيم الأعلى ونقطة مضيئة على درب التواصل ما بين الشام والقدس … هذا ما نطمح اليه مع تطلعنا الى دور أساسي للحكومة اللبنانية في تحقيق التنمية المتوازنة في المناطق. فراشيا تملك الكثير لتقدمه للوطن الذي ما زالت حكوماته عاجزة عن تقديم مشاريع تنمية حقيقية تنقل راشيا من وضعية الى أخرى … فهل نشهد مثلاً تحقيق مشروع إقامة تلفريك التزلج من راشيا الى جبل الشيخ ، أو إقامة المنتجعات السياحية وحماية تراثنا المعماري من الإندثار والهدم ؟

هل من مشاريع مستقبلية تعملون عليها حالياً؟
إن المشروع الدائم هو حفظ تراث راشيا المادي وأرشفة إرثها الشفوي والمكتوب، هنا أشير الى مشروع كتابة تاريخ راشيا وجبل حرمون وهو مشروع مستمر منذ العام 2003 وما زال متواصلاً، ونعمل على التحضيرللإحتفال بالمئوية الأولى للثورة السورية الكبرى ( تحضير أفلام ، معرض صور ، متحف للثورة …) وهو مشروع كبير جداً ويلزمه إمكانيات كبيرة، نأمل أن ننجزه في حينه بما يليق بالمناسبة ورمزيتها.

أوقاف الدروز في التاريخ المعاصر

أوقاف الدروز في التاريخ المعاصر

الأمير السيد والشيخ أمين الدين وضعا أسسها
لكن الأهواء وضعف الإدارة عرقلا مسيرتها

تفاهم كمال جنبلاط الأمير مجيد أرسلان حسم الخلافات
وقانون 2006 وضع دستور مرحلة المؤسسات

اهتم الموحدون الدروز بالوقف كصدقة جارية، وطبقوا بشأنه نظمهم الاسلامية، ويعتبر الأمير السيد جمال الدين عبدالله التنوخي (ق)، أول من طبق مفهوم الوقف على نطاق واسع في الطائفة من خلال وقفيته المؤرخة سنة 884 هـ/ 1379 م، والتي سميت بالوقف التنوخي وشملت أموالاً معلومة، لمصلحة رجال الدين والمساكين والمهمشين. وسلك بعض المشايخ التقاة من الأعيان لاحقاً مسلك السيد الأمير، ومن أبرز هؤلاء الشيخ أحمد أمين الدين، الذي تولى مشيخة العقل وكان يتمتع بمكانة رفيعة في إمارة جبل لبنان. وقد أوصى الشيخ أمين الدين الذي توفي سنة 1224 هـ/ 1809م. بجميع أملاكه في عبيه والبنيه وغيرهما من قرى الشحار الغربي وقفاً لطائفة الموحدين الدروز، وهي أملاك واسعة تقدّر بمئات آلاف الأمتار. ومن هذه الأوقاف أنشئت مدرسة الداودية”.
هذا الوقف الخيري العام هو الأكبر مساحة، أما الأكبر من حيث القيمة المادية فهي أوقاف بيروت نظراً لأهمية العاصمة وللإرتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار الأراضي فيها.
تشكّل الوقف الخيري عند الموحدين الدروز من هاتين الكتلتين الوقفيتين (الامير السيد والشيخ أمين الدين)، وتكمن أهميتهما في أنهما وضعتا وبحسب إرادة الواقف في تصرف مشيخة العقل.
أما الأوقاف الخيرية الأخرى، وبالرغم من كثرتها وتنوّعها وتوزّعها على مناطق جبل لبنان، فلم يكن لها دور مهم في مجتمع الموحدين الدروز، ومع أنها شكّلت قضية خلافية في زمن ادارتها، الا أن آثارها المادية والمعنوية بقيت محدودة ومن بين تلك الأوقاف وقف الشيخ ناصيف أبو شقرا من قرية عماطور الذي دوّن وصيته بخط يده سنة 1161ه/ 1748م، وزاد عليها ملحقاً سنة 1164 ه/ 1750م.
هذا بالإضافة إلى أوقاف ذرية حلّت مع الزمن. وخفت مع مرور الوقت الحماسة لإجراء الوقفيات المهمة وتباطأت حركة الوقف خصوصا بسبب الأوضاع التي سادت بين الستينات والتسعينات من القرن الماضي، إلى أن توقفت الوقفيات الجديدة بصورة شبه كلية، أضف إلى ذلك أن الأوقاف القائمة نفسها تعرّضت للإهمال بسبب غياب إدارة فعّالة لها ثم بسبب تراجع ثقافة الوقف، كما حصلت انقسامات وخلافات داخل الطائفة وأدت تلك النزاعات إلى وضع اليد على الأوقاف من قبل بعض المستثمرين، ورسمت تلك الأمور صورة على قدر من السلبية أثرت كثيراً في دعم الجمهور الدرزي للأوقاف.

إنشاء المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز:
كان التفاهم الذي تمّ في مطلع الستينات بين قطبي الطائفة كمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان واشترك فيه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ محمد أبو شقرا تطوراً إيجابياً مهماً بالنسبة لأوضاع الأوقاف، إذ تمكّن مجلس النواب اللبناني بسببه من إصدار قانوني 13 تموز 1962 اللذين نظما إنشاء “المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز”و “انتخاب شيخ عقل لطائفة الموحدين الدروز”. وأعطي المجلس المذهبي بموجب قانون العام 1962 في مادته الأولى حق “الإشراف على الأوقاف وعلى مؤسسات وجمعيات الطائفة الدرزية باستثناء خلوات البيّاضة التي أبقيت تحت إشراف وتصرف شيوخها.
وحمل القانون المشار إليه ما اعتبر في ذلك الوقت بداية التشريع لضبط الأوقاف ومعالجة حالة التسيب التي سادت لفترة من الزمن، إذ نصت المادة الثالثة من القانون على أنه”لا يجوز بيع أو شراء أو استبدال أو رهن أو تأجير جميع أو بعض الأوقاف العائدة للطائفة الدرزية، أو ايجاد حق عيني عليها أو تغيير بنائها من دون مصادقة المجلس”.
على الرغم من الاتفاق السياسي بشأن هذين القانونين فإنهما لم يستقبلا بالإجماع الذي كان مأمولا من الطائفة. فقد اعترض على القانون أولاً شيخ عقل الدروز الثاني الشيخ رشيد حماده وشاركه في الاعتراض متولي الأوقاف السيد عارف النكدي. ودعا الشيخ حمادة أبناء الطائفة الى مقاطعة انتخاب أعضاء المجلس المذهبي. أما النكدي فاعترض على “إهمال المدارس وبخاصة الداودية وإقحام المؤسسات الخيرية في قوانين عامة”. ويوم انتخاب المجلس المذهبي بتاريخ 23 تشرين الاول 1962 استقال عارف النكدي بموجب برقية معتبراً أن مهمته انتهت وأنه يقوم موقتاً بتصفية العلاقات التي تعود للأوقاف”، وبعد أخذ ورد قرر المجلس تعيين مدير عام جديد، واتخذت الاجراءات الإدارية الكفيلة بإحصاء الأوقاف العامة.
وقدمت دعاوى أمام القضاء المدني لتصحيح الملكية العقارية لعدد من العقارات، وصدرت أحكام ببعضها لصالح المجلس المذهبي وبعضها الآخر كان لا يزال قيد النظر حتى نهاية القرن العشرين، ومن المؤسسات التي أخرجت من حلبة التجاذب المدرسة الداودية وأوقافها والمدرسة المعنية.
استمر المجلس المذهبي المؤسس حسب قانون 1962 في إدارة الأوقاف العامة حتى سنة 1970 حيث تعذر إعادة تشكيله بطريقة الانتخاب لأسباب سياسية، كما شغر مركز المدير العام للأوقاف بعد 15 آذار 1992 وبالرغم من العثرات التي واجهت مشيخة العقل بشخص الشيخ محمد أبو شقرا، فقد كان هناك توافق ضمني ضمن الطائفة على الإبقاء على واقع الأوقاف العامة مجمداً بما فيه الدعاوى التي ينظر فيها القضاء المدني اللبناني.
وبعد وفاة الشيخ أبو شقرا سنة 1991 اختير الشيخ بهجت غيث، قائما مقام شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الذي كلف لجنة مؤقتة للأوقاف، الى أن صدر في 29 تشرين الثاني 1999 المرسوم الرقم 1767 الذي قضى بتأليف مجلس سمي “مجلس أمناء أوقاف الطائفة الدرزية” تمّ بموجبه نزع صلاحيات شيخ العقل من كل ما يتعلق بالأوقاف، ولكن هذا المرسوم طعن بدستوريته، فأبطل بعد سنة 2000.
بعد هذه المراحل المتقلبة في طائفة الموحدين الدروز وانعكاسها على “الأوقاف” التي غدت في حالة تجاذب مستمر، كان لا بد من اتخاذ قرارات حاسمة تنظمها. وجاءت الظروف الملائمة مع انتخاب المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بتاريخ 24 حزيران 2006، والذي انتخب “لجنة الأوقاف الدرزية” التي أوكل اليها وضع استراتيجيّة متكاملة للاهتمام بهذه الأوقاف بعد إجراء مسح شامل لأنواعها، وتوزُّعها الجغرافي، وحاجات ترميمها، ومساحات الإفادة من الخدمات الممكن أن تقدّمها بغية تعزيزها، أو الاستثمار فيها في ما لو كان يحكمها الشلّل، الى إطلاق آلية تدقيق في المحفظة المالية لكلّ منها، وتسوية أوضاع ما بات يحتاج منها الى ترتيب قانوني أو إداري أو مالي مع إزالة التعديات حتماً عن تلك التي تعرّضت لذلك، والدّفع باتجاه استملاكات جديدة.
تسلّمت رئاسة المجلس المذهبي الدرزي ولجنة الاوقاف، من مجلس الأمناء وبلغت قيمة المحفوظات 1.307.103 دولار أميركي. كما تسلّمت من الشيخ سلمان عبد الخالق محفظة مليئة بالشؤون القانونية والدعاوى المتعلقة بتنظيم الأوقاف. أمّا الشيخ بهجت غيث، وفي مراجعة معه لمحفظته، أفاد بأنّ الاموال النقدية التي كانت في عهدته استعملت في تحسين مقام النبي أيوب عليه السلام والطريق المؤدية اليه، كما أن مشيخة العقل ولجنة الاوقاف تسلمتا مقام الست شعوانة (ر) ، ومقام النبي أيوب (ع)، ومقام الامير السيد عبدالله (ق)، وبقيت محفظة خاصة لمقام الامير السيد( ق) في عبيه بأمانة الشيخ أبو محمود سعيد فرج.

ن. ع.

ما هو الوقف

الوقف قانوناً هو تخصيص عقارات وأموال لنفع عيال الله الذين يستحقونه من رجال الدين والفقراء الذين يستحقون المساعدة. وهذا الوقف على نوعين: وقف عام ووقف ذري.
الوقف العام الخيري يبقى موقوفاً ليوم الدين ولا يمكن حلّه بأي طريقة. أما الوقف الذري، فهو عائلي حيث يقف أحد الناس مالاً ويمنع التصرف به لفترة. وينص القانون على انه مع انقضاء طبقتين (جيلين) من تاريخ وقف هذا المال أو العين يستطيع الورثة التقدم بدعوى حل الوقف الذري الى المحكمة المذهبية الدرزية، وتبلّغ الأوقاف العامة الدرزية بالدعوى التي تتمثل بها للاستفادة من حصة خيرية قيمتها 15 % من قيمة الوقف المنوي حلّه وتجيّر لنفع العموم.

الصفحة الاخيرة

الصفحة الاخيرة

قايـين

لماذا يلجأ بعض الناس إلى النميمة؟ ولِمَ يضيعون وقتهم في نقل الأخبار السيئة وهدم الوفاق وأجواء العمل والخوض في وحول هذه الدنيا؟ ما يظن هذا البعض أنّه صانع، وإلى أي مبادئ في المسلك القويم وخصاله يستندون وأي قضية يخدمون في اعتقادهم؟

النميمة من أسوأ الخصال البشرية، وهي من معدن الأخلاق الضدية لأن الضد يتربص بالناس على الدوام ويؤذيه العمل الصالح ويقض مضجعه الوفاق والتآخي فلا يني يوسوس لهذا ويحرك غرائز ذاك حتى يقوم الشجار وينفرط عقد الجماعة وينهدم العمل وتزول البركة. عندها فقط يفرح الضد في سره وهو الذي يؤذيه مشهد الوفاق وقيام الصلح بين الناس.

النميمة بنت الحسد وبنت الفشل كما أنها لا يمكن أن تأتي من سالك في طريق تربية النفس وتزكيتها، ومن لا ينزّه نفسه عن هذه الكبيرة وما يشابهها لا أمل له مهما اعتقد في نفسه من العلم أن يتقدم خطوة واحدة على طريق المعرفة أو أن يقترب من أعتاب الحق المطهرة، فهذه السلاسل الثقيلة تقيد رجليه وتجره إلى الخلف على الدوام. لماذا؟ لأن هذا المرء منصرف في الغالب عن عيوبه إلى عيوب الناس، وعن التقرب من الله بالعمل الصالح إلى محاولة رفع شأنه على حساب الحط من قدر الآخرين. والسالك الحق زاهد في كل مظاهر الدنيا ولا وقت لديه للنظر شمالاً أو يميناً بل نظره الدائم مركز على قلبه، وعلى ما يقيده من أهواء وخصال ضدية، وما يؤخر سيره من أوزار النفس ومكرها.

ولا يوجد مرض من أمراض القلب أخطر على الإنسان من أن يتوهم أنه أفضل من الآخرين أو أنه أحق منهم بما قسم الله من حظوظ دنيوية أو معنوية. وقد بلغ من سلطان هذا المرض على النفس أن الله تعالى أظهر لنا أنه كان في أصل النشأة البشرية كما ترمز إليه قصة قتل قايين لأخيه هابيل. وقد ثارت حفيظة قايين لأن السماء تقبلت قرباناً من أخيه ولم تتقبله منه. ولم يتفكر قايين في الأسباب التي جعلت قربانه مردوداً ولم يسع ليجد السبب في نيته أو قلبه. لم يجد الخصم في نفسه بل وجده في أخيه فقتله شفاء لغليل النفس الأمارة الحاسدة. ومنذ ذلك الزمن بات شيء كثير من نفس قايين ورعونته موجوداً في كل إنسان، كأن في كل منّا نحن البشر في جميع الأزمنة قايين وهابيل في آن، وكما لو أن ازدواج الطاقات والملكات في النفس يمكن تلخيصه بهذه الثنائية التي قام عليها الخلق وما زال.

إنه بلاء عام لا سيما في هذه الأيام التي غلبت فيه قوى الفردية والتميز والسباق على كسب الجاه الفارغ دينياً كان أو دنيوياً على نفوس الكثيرين. وها نحن نرى فتنة قايين قائمة على نحو أعم في ما شجر بين الناس من خلافات وأحقاد وتكبر وتجبر وما أحدثوه ويحدثونه يومياً من فتن واقتتال وفوضى. وقد أمرهم الله تعالى بواجب المحبة والتآخي في كل الأزمان ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13) ولم يقل الحق تعالى لتخاصموا أو لتقاتلوا بل لتعارفوا أي لتحابوا ولتتآخوا.

لكن مهما كان من أمر صعوبات زماننا فإن واجبنا هو أن نتابع ما نقوم به بجد وسكينة، وأن نتحلى في الوقت نفسه بروح المسامحة فلا نلتفت إلى من يسيء إلينا، بل أكثر من ذلك إن علينا أن نرى في ما قد ينزل علينا من سهام الناس ابتلاء وامتحاناً للصبر أو ربما كفارة عن أخطائنا السابقة، ومن حسن ستر الله على العبد أحياناً أن يرى الناس بعض العيوب الصغيرة وأن ينشغلوا بها ولا يرون العيوب الأكبر وهي عيوب خفيه لا يراها إلا السالك الصادق في نفسه، وهذه العيوب هي أشد وطأة عليه من كلام يقال هنا أو هناك. والحمد الله الذي خفف عنا فسلط علينا بلاء الناس وأعاننا على بلاء أنفسنا.

العاصفة الشمسية

العاصفة الشمسية المقبلة
ما العمل وماذا ينتظرنا؟

عاصفة شباط عطّلت الاتصالات الفضائية وأربكت الطيران
لكن العلماء يتوقعون ذروة أشد خطورة في العامين المقبلين

أي عاصفة شمسية عنيفة ستؤدي إلى كارثة إنسانية
بسبب تدميرها المحتمل لأنظمة الإتصالات والكهرباء

الأزمة قد تطول أشهراً وتتسبب بفوضى ومجاعات
والدول الفقيرة ستكون الأقل تأثراً بالكارثة المحتملة

نصيحة الخبراء: استعدوا للطوارئ بتكوين مخزون
من الغذاء والماء والأشياء الضرورية للحياة

أنوار العاصفة الشمسية تلفح شمال الأرض في آب 2010
أنوار العاصفة الشمسية تلفح شمال الأرض في آب 2010

هناك عاصفة شمسية تضرب الأرض كل 11 عاماً تقريباً لكن العاصفة المقبلة والمتوقعة في العامين 2012 و2013 قد تكون حسب علماء الفضاء الذين يتابعون الانفجارات الشمسية من العيار الثقيل، وقد تجلب إلى الحضارة التكنولوجية كارثة تفوق في حجمها وآثارها جميع الكوارث الطبيعية التي عرفناها حتى الآن.

ي عددها الصادر في 20 شباط 2011 نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية المشهورة برصانتها تحذيراً من علماء الفضاء بأن الأرض قد تصبح في وقت قريب عرضة لـ “إعصار شمسي” يهدّد الحضارة بكل معنى الكلمة ويكلّف العالم دماراً إقتصادياً لا تقل تكلفته عن 2000 مليار دولار. وقالت الصحيفة إن علماء “مناخ الفضاء” في كل من الولايات المتحدة والسويد وبريطانيا أصبحوا متفقين على أن عاصفة شمسية ناتجة عن انفجارات على سطح الشمس قد تضرب الكرة الأرضية بقوة غير مسبوقة ابتداءً من العام المقبل، وأن على كافة الدول والسلطات المعنية أن تبدأ التحضير لخطط طوارئ بهذا الشأن. وفي الإجتماع السنوي الذي عقده هؤلاء العلماء في مقر الجمعية الأميركية لتقدم العلوم في واشنطن استمع الحضور إلى تقارير مقلقة تتوقع أن تكون دورة الانفجارات الشمسية التي تحصل كل 10 أو 11 سنة من الأعنف هذه المرة بحيث يترتب عليها نتائج لا يمكن التنبؤ بحجمها وخطورتها على الإقتصاد العالمي، وربما على الحياة اليومية للناس.
ويقول رئيس فريق العلماء البريطانيين السر جون بدينغتون: “علينا أن نأخذ الموضوع بكل جدية لأن الشمس تستفيق الآن من فترة هدوء طويلة، ولأن قابلية الإقتصاد العالمي للعطب زادت كثيراً منذ آخر دورة للإنفجارات على سطح الشمس في العام 2000” . ويقول جون لوبتشنكو رئيس إدارة المحيطات والفضاء في الولايات المتحدة الأميركية: “علينا أن نتسلح بتوقعات دقيقة وبتحضيرات كافية للتطورات الشمسية المقبلة ولاسيما وأن التطور التكنولوجي والاعتماد الكبير للعالم على أنظمة التواصل الإلكترونية أصبحا أعلى بكثير مما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات” .

أنوار الشمال فوق غرينلاند في العام 2009
أنوار الشمال فوق غرينلاند في العام 2009

الغضب الأحمر
تبدأ العاصفة الشمسية بإنفجارات لغازات شديدة الحرارة تنطلق من الشمس بسرعة خمسة ملايين ميل في الساعة، وغالباً ما تضرب الجزيئات المشحونة بالكهرباء الغلاف الجوي للأرض بعد 20 إلى 30 ساعة من تلك الانفجارات ويحدث ذلك على الفور اضطراب شديد في الحقل الإلكترومغناطيسي الذي يحيط بالأرض. وكانت عاصفة شمسية أولية قد ضربت الأرض في منتصف شباط الماضي واعتبرها العلماء الأقوى منذ العام 2007 لكنها كانت بالمقياس التاريخي خفيفة نسبياً. مع ذلك فقد تسببت تلك العاصفة ببعض المشكلات لأنظمة الراديو وبعض الإضطراب في حركة الطيران المدني، إذ اضطرت شركات الطيران لتوجيه رحلاتها بعيداً عن مناطق القطبين الشمالي والجنوبي التي تستقطب أكبر قدر من النشاط الشمسي.
إلا أن العلماء يعتبرون العاصفة تلك مجرد مؤشر على العاصفة الشمسية العنيفة المنتظرة والتي يتوقع البعض أن تعطل أقمار الإتصالات الفضائية لساعات طويلة أو ربما تخرب مكوناتها وتخرجها بالتالي من الخدمة. أما على الأرض فإن التقلبات الحادة في الحقل المغناطيسي للأرض قد تتسبب بارتفاع مفاجئ في الحمل الكهربائي يؤدي بدوره إلى تعطيل الشبكات الكهربائية وغرق مئات الملايين من البشر في الظلمة وتعطل كل شيء يعمل بالكهرباء. وكانت عاصفة شمسية أدت في العام 1989 إلى حرق المحولات الكهربائية للشبكة في منطقة كويبيك في كندا وغرق ملايين الناس في الظلام.
ويقول العلماء إن دورة النشاط الشمسي لا تتبع نمطاً واحداً، وإن الدورة الحالية تأتي متأخرة وبعد فترة من الهدوء غير العادي على سطح الشمس مع توقع أن تصل دورة النشاط الشمسي إلى ذروتها في العام 2013.

صورة من الفضاء للطلام في شمال أميركا وكندا بعد أن ضربت المنطقة عاصفة شمسية في العام 1989
صورة من الفضاء للطلام في شمال أميركا وكندا بعد أن ضربت المنطقة عاصفة شمسية في العام 1989

وكانت إحدى أقوى العواصف الشمسية ضربت الأرض في العام 1859 حصلت في سياق دورة شمسية ضعيفة وأدت العاصفة يومها إلى ضرب كل شبكات التلغراف المنشأة حديثاً في العالم وحصول حرائق على امتداد تلك الشبكات على جانب الأطلسي، أي في أميركا الشمالية وأوروبا وقيل يومها إن الإنفجارات الشمسية جعلت نور الشمس يتضاعف في الأماكن التي حصل فيها الانفجار على سطح الشمس، كما أن موجات البلازما الشمسية التي رافقت تلك العاصفة القياسية أضاءت الأجواء القطبية في ما يُعرف بأنوار الشمال Northern lights بصورة غير مسبوقة بحيث شوهدت تلك الأنوار لأول مرة في مدينة روما وجزر هاواي في المحيط الباسيفيكي.
لكن على الرغم من قوتها، فإن العاصفة الشمسية التي ضربت الأرض حينذاك لم تحدث ضرراً كبيراً لأن العالم كان في أول عهده بالكهرباء والإتصالات السلكية واللاسلكية. أما اليوم فإن عاصفة قوية يمكنها أن تضرب البنية التحتية لأنظمة الاتصالات والمعلومات في العالم وشبكات توزيع الكهرباء وهو ما قد يتسبب بأضرار غير مسبوقة. ويشير المراقبون إلى أن الخطر الأكبر على البشرية اليوم لا يكمن فقط في القوة المتوقعة للعاصفة الشمسية بل في التحولات الهائلة التي طرأت على الحضارة الإنسانية وخصوصاً تركّز نحو نصف سكان الأرض في المدن واعتماد كل نواحي الحياة الآن على الكهرباء وعلى أنظمة الاتصال عبر الفضاء وشبكات المعلومات.
ويقول جون لوبتشنكو رئيس إدارة المحيطات والفضاء في الولايات المتحدة الأميركية: “ليس الأمر هو هل ستكون هناك عاصفة شمسية، بل الأمر هو متى وبأي قوة ستهب تلك العاصفة، والأكيد هو أن هناك أحداثاً مناخية قادمة ومن المهم أن نستبق ذلك بالتحضير الجيد، لأننا ومع اقترابنا من ذروة النشاط الشمسي، وبالإستناد إلى ما حصل في 14 شباط الماضي فإن علينا ليس فقط أن نتوقع أحداثاً شمسية معينة، بل علينا انتظار أحداث في غاية الشدة أيضاً.”
يذكر أن لوبتشنكو كان يشير إلى العاصفة الشمسية التي هبت على الأرض في ذلك اليوم وأدت إلى تعطيل الاتصالات في الجانب الغربي من المحيط الباسيفيكي، وفي بعض مناطق آسيا وإلى عرقلة حركة الطيران.
ويتخوف علماء المناخ من أن الانفجارات المقبلة على الشمس قد تتسبب بأضرار أخطر بكثير خصوصاً لكل أنواع المحولات والمكثفات Capacitators الحساسة في شبكات الكهرباء، وقد يؤدي ذلك في بعض التوقعات إلى انقطاع التيار الكهربائي ليس فقط لأيام، بل ربما لأسابيع وأشهر بل ربما – وفي توقع متشائم- لسنوات. وحسب عالمة تعمل في وكالة الفضاء الأوروبية فإن الأمور هذه المرة قد تكون مختلفة جداً.
وكان النشاط الشمسي وصل في العام 2009 إلى أدنى مستوياته وسجلت الشمس لأول مرة أدنى مستوى من الانفجارات منذ مئة سنة وأكثر. لكن هذه الظاهرة اعتبرها العديد من العلماء بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة.

كيف تهاجم العاصفة الشمسية جو الأرض
كيف تهاجم العاصفة الشمسية جو الأرض

ويراقب العالم البقع الشمسية منذ أيام العالم غاليليو الذي لاحظ وجودها لأول مرة في مطلع القرن السابع عشر. ومنذ العام 1745 أحصى العالم 28 دورة شمسية كل منها يمتد في المتوسط لمدة 11 عاماً. وتبين للعلماء من دراسة سجلات العاصفة الشمسية التي هبت في العام 1859 أن تلك العاصفة الضخمة سبقتها أيضاً فترة غير عادية من الخمول في النشاط الشمسي. وقد انكب العلماء منذ سنوات على دراسة سجلات تلك العاصفة الشمسية على أمل أن يجدوا فيها ما يدلهم على ما يمكن أن يحدث في العام 2013 أو قبله. وقد استنتج العلماء وبناءً على تلك المقارنات أن الاحتمال قوي جداً بأن يتبع الخمول الشمسي الذي سجل في الدورة الحالية ذروة شمسية قياسية وهذه الذروة قد تحمل معها عاصفة شمسية غير مسبوقة في قوتها وفي تأثيرها المدمر على البنية الأساسية للحضارة البشرية.
ويأتي الخطر المحتمل من العاصفة المقبلة من أمرين:
قوة الانفجارات الشمسية وبالتالي ضخامة العاصفة التي قد تطلقها من على سطح الشمس باتجاه الأرض.
زاوية الاصطدام بين الموجة الشمسية والغلاف الجوي للكرة الأرضية، إذ غالباً ما يحدث الاصطدام بصورة غير مباشرة بحيث تتمكن نسبة معينة فقط من موجة الأشعة البلازمية من اختراق الغلاف الإلكترومغناطيسي الذي يحمي الكرة الأرضية. أما في العاصفة البالغة القوة التي يتوقعها العلماء، فإن العاصفة الشمسية تتجه بصورة مباشرة إلى الأرض وتتمكّن من اجتياح غلافها الجوي وإيصال أشعتها البلازمية إلى سطح الأرض وإيقاع التخريب بالقاعدة التكنولوجية للمدنية في ثوانٍ أو دقائق معدودة.
إن العاصفة عادةً تستغرق بين ثلاثة وأربعة أيام للوصول إلى الأرض، أما العاصفة من طراز تلك التي ضربت الأرض في العام 1859 فقد استغرق وصولها أقل من 17 ساعة، وهذا يعني أن أهل الأرض لن يكون لديهم الوقت الكبير لكي يستكملوا احتياطهم وأن العاصفة قد تضرب من دون سابق إنذار.

سيناريو الكارثة
على الرغم من التحذيرات التي صدرت عن وكالة الفضاء الأميركية والأكاديمية الوطنية للعلوم، وكذلك تلك التي صدرت عن اجتماعات علماء المناخ والعديد من الخبراء، فإن هناك في نظر البعض سعياً واضحاً من قبل المسؤولين السياسيين لعدم إثارة المخاوف بل تجاهل الموضوع على اعتبار أنه لا أحد يعلم مدى القوة التي قد تتسم بها العاصفة الشمسية المقبلة، فإن كانت العاصفة معتدلة فإنها قد تتسبب ببعض الأضرار التي يمكن التعامل معها، وإن كانت كما يتخوف البعض عنيفة فإن من الصعب على الحكومات أن تفعل شيئاً في جميع الأحوال وأن كل ما سيمكنها فعله هو الانتظار لانجلاء العاصفة وإحصاء الأضرار ومعالجة ذيول الكارثة. وفي هذه الحال فإن الحكومات والسياسيين يعتقدون أنهم لا يمتلكون وسائل كافية للاحتياط إزاء عاصفة شمسية قوية قد تهب فجأة ولذلك فإنه من الأفضل لذلك عدم إشاعة الذعر منذ الآن والأمل بأن لا يحصل الأسوأ الذي يتوقعه البعض.
لكن ما هو هذا “الأسوأ” الذي يمكن أن يحصل؟
يتفق العلماء الآن على أنه في حال اندفاع عاصفة شمسية بصورة مباشرة إلى سطح الأرض فإن هذه العاصفة يمكن أن تشل الحركة في العالم على أكثر من صعيد كالتالي:
إن العاصفة قد تؤدي فوراً إلى تعطيل الهواتف المحمولة والسيارات والشاحنات والطائرات والسفن ناهيك عن التلفزيون والراديو وبالطبع كل أجهزة التسلية فضلاً عن التجهيزات الطبية المعقدة.
نظراً لإحتمال تعطل الطاقة الكهربائية وأنظمة الاتصالات لمدة قد تطول، فإن العالم سيكون عندها من دون مصارف تعمل ولا بورصات وسيجعل ذلك بطاقات الدفع وسحب النقود بلا أي فائدة. وعلى العكس من ذلك، فإن الثروة الحقيقية تكون في ما قد يحمله الناس من أوراق نقدية أو عملات ذهبية أو فضية.
في ظل هذا السيناريو الكارثي وخصوصاً توقّف المواصلات والاتصالات، فإن الناس ستصاب بحالة من النقص في كل شيء وسيتم نهب المحلات والمخازن التجارية على الأرجح بحجة البقاء وسينفذ الوقود من المحطات في وقت قصير. في الوقت نفسه فإن تعطل الاتصالات الهاتفية الفضائية سيجعل من الصعب جداً على قوى الشرطة نجدة الناس ومعالجة الفوضى.
في أيام قليلة فإن نظام ضخ المياه إلى المنازل وكذلك أنظمة الصرف الصحي ستتوقف، وفي حال اعتمادك على مضخة كهربائية لسحب المياه فإنك ستفقد إمكان الحصول على ماء وقد يستمر هذا الوضع لأسابيع أو لأشهر وقد يحل العطش أو قد تحصل مجاعات حقيقية حتى في أكثر الدول تقدماً، وفي هذه الحال فإن النتيجة المرجحة لتلك المجاعة ولتوقف شرايين الحياة خصوصاً في المدن ستكون موت مئات الملايين بل ربما أكثر. وعلى العكس من ذلك، فإن الدول الفقيرة القليلة الاعتماد على التكنولوجيا ستكون الأقل تأثراً.
وبالمعنى نفسه، فإن أي عاصفة شمسية عنيفة تضرب الأرض قد توجه ضربة قاصمة على الأرجح للتكنولوجيا الحديثة وللحضارة كما نعرفها وقد تعود ببلدان متقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا ومن يبقى من سكانها قروناً إلى الوراء.
بالطبع لا يعكس هذا التوقع في نظر علماء المناخ سوى أسوأ الاحتمالات وهو احتمال يتمنى الجميع أن لا يحصل. لكن حقيقة الأمر أن الترابط التكنولوجي والاعتماد التام تقريباً في حياتنا اليومية بل في الأمن العالمي على الأجهزة الحديثة والحساسة لعاصفة الشمسية هو أكبر مصدر لقلق العلماء الآن، لأنها ستكون المرة الأولى التي تضرب فيها عاصفة شمسية عنيفة العالم بعد أن أصبح هذا مرتهناً في كل شيء بتلك الأجهزة والتكنولوجيات الدقيقة والسريعة العطب، والتي قد تكون لذلك الضحية الأولى لإندفاعة العاصفة الشمسية نحو الأرض.
أخيراً، فإنه إذا كان العالم المتقدم تكنولوجياً سيدفع الثمن الأكبر لأي عاصفة شمسية عنيفة فإن العالم الثالث وفقراء الأرض سيكونون في وضع أفضل بكثير لأنهم غير معتمدين في حياتهم إلا على الوسائل التي ورثوها من أجدادهم. أما نحن في هذه المنطقة فقد أصبحنا مع الأسف حلقة في سلسلة حضارة الاستهلاك والاعتماد على التكنولوجيا. لذلك يجب أن نحذر وأن نعود إلى حديث الرسول (ص) الذي نصح فيه أمته أن “اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم”.
بالطبع، فإن أضعف الإيمان في هذه الحال هو الاستعداد بتأمين مخزون كافٍ لأشهر عدة من الطعام والشراب والأساسيات. وعلينا في أي حال أن نرقب مع العالم ما ستفصح عنه الأيام ومجريات ما قد يدور على شمسنا في السنتين المقبلتين، وأن نستغفر في غضون لذنوبنا سائلين الله العفو واللطف.

موقف الموحدين الدروز من الزواج المختلط

موقف الموحدين الدروز
من الزواج المختلط

الزواج المختلط انقلاب أسري وعاطفي
له آثاره الجسيمة على الجميع وخصوصاً على الأولاد

الموحدون أكثر الناس انفتاحاً واعتدالاً تجاه بقية المذاهب
لكنهم متمسكون بمذهبهم التقدمي في شأن مساواة المرأة

الزواج المختلط 2
الزواج المختلط

أودّ الدخول إلى الموضوع من باب مذهب التوحيد الإسلامي، الذي لنا شرف الانتساب إليه وعلى سبيل التذكير وتبرئة الذمة أقول:
إن مذهب التوحيد مذهب إسلامي يتميّز عن غيره من المذاهب ببعض العادات والتقاليد المستمدة من تفسير لبعض الآيات القرآنية، وسنة الرسول (ص) وأقوال الأئمة (ع).
إن الدين الإسلامي وهو الأصل حرّم زواج المسلمة من غير المسلم، لكنّه أجاز زواج المسلم من غير المسلمة التي يمكنها الاحتفاظ بمعتقدها أو مذهبها، لكن مذهب التوحيد توسّع في التحريم بحيث شمل الذكور والإناث الموحدين من الزواج من غير أهل التوحيد . وقد يسأل سائلٌ: لماذا هذا التوسّع؟ وفي الحقيقة الجواب يكمن في أمرين:
الأول، هو أن مذهب التوحيد يعتبر جميع المذاهب والأديان مظاهر مختلفة لحقيقة واحدة ويقرّ بصحة جوهرها لكنه لا يزال مع الأسف عرضة لسوء الفهم أو الافتئات أحياناً لدى البعض وهو ما أوجب فضيلة حفظ الموحدين بعضهم لبعض وتفضيلهم ما هم فيه قائمون وذلك طلباً للوئام وحفظاً للإحترام المتبادل مع الآخر وطمأنينة الفؤاد.
أما الأمر الثاني، فهو الاختلاف البين في بعض الأحكام الشرعية الأساسية بين مذهب التوحيد وبين ما هو معتمد لدى الطوائف والمذاهب الأخرى، وبخاصة لجهة مساواة مذهب التوحيد بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات الدينية والدنيوية، وحرية الإيصاء، وتحريم إعادة المطلقة، وتعدّد الزوجات، ومعايير الحضانة للأولاد وتربيتهم، وعدم التعصب وغير ذلك.
وبالتالي، فإن مذهب التوحيد منع الزواج من غير الموحدين حفاظاً على مزايا التوحيد الإنسانية والدينية .
والواقع أنه وخلال ممارستنا للقضاء ما يقارب الأربعين عاماً صادفتنا مشاكل عدة في الزواج المختلط، وهذه المشاكل تحصل بعد انقضاء شهر العسل أو بعض شهور العسل لتبدأ بعدها شهور العلقم، وبخاصة بعد هدوء العاطفة وانقضاء جذوة الحب والغرام والهيام، وبعد دخول الواقع الى الحياة الزوجية، وحلول الحوائج والمتطلبات بدل العواطف، ويبدأ الزوجان أو أحدهما على الأقل يراجع حساباته بعد ذهاب السكرة وعودة الفكرة، وتبدأ المشاحنات عند كل مشكلة اجتماعية أو اقتصادية، والبعض يبدأ بمساحة واسعة من التنازلات المؤلمة عند وجود الاولاد كي يستقر وضع الأسرة في الحد الأدنى، وإن حصل الطلاق تكون الكارثة على الأولاد، حيث لا يجدّ الزوجان من يسعفهما، أو يتدخل لإصلاح ذات البين بينهما لكونهما غردا خارج سربهما وربما عمل الأهل على زيادة التوتر بهدف فسخ الزواج وإنهاء العلاقة بين الزوجين، وهذا يحصل أيضاً حتى ولو كان الزوجان من مذهب واحد، ولكن الأمر يختلف لجهة شعور الغير مع الزوجين المتجانسين حيث يتبرع البعض لرأب الصدع بينهما عكس ما يحصل في الزواج المختلط حيث يتحاشى الأهل وبعض الأصدقاء الدخول بينهما باعتبارهم لم يستشاروا في موضوع الزواج فلماذا ينبغي عليهم أن يهبوا لمساعدة الشريكين أو الابن العاق عندما يقع في ما حُذر منه مراراً.

من آثار الزواج المختلط
أولاً: لجهة الأسرة
لا يظنن أحد أن الزواج من خارج الطائفة هو زواج بسيط، بل هو انقلاب أسري وعائلي لأن الرجل يضم إلى أسرته بهذه الطريقة أسرة أخرى لها عاداتُها وتقاليدُها ومعتقداتُها الخاصة، فإذا لم يكن هناك توافق على الزواج يصبح الأمل ضعيفاً جداً في النجاح وتكملة الرحلة الزوجية. وبالطبع، فإن الأمر أصعب بكثير بالنسبة للفتاة التي تختار سلوك هذا الدرب الوعر.

ثانياً: لجهة الأولاد
تتأثر تربية الأولاد نتيجة هذا الزواج الهجين فهم يتأرجحون بين الإنضمام لأهل الأم أو الأب ويفقدون هويتهم الأصلية لتحل محلها الهوية المزدوجة التي لا محل لها في بلد يضم أدياناً ومذاهبَ مختلفة ومتباينة، ويصابون بانحلال الولاء وعدم استقراره، بالإضافة إلى مشاكل الحضانة بعد الطلاق عندما يحصل. وفي جميع الحالات فإن التباس الهوية غالبا ما يؤدي إلى تحاشي الكثيرين مصاهرة هؤلاء الأولاد مستقبلاً.

ثالثاً: لجهة المجتمع
الزواج المختلط يشكّل حالة غريبة وتحدياً لمجتمع كل أحد الزوجين أو كليهما، وكم من المشاكل تحصل بين الزوجين بسبب نظرة التجاهل أو اللامبالاة التي تواجه الزوجين وتسبب الحرج لأحدهما على الأقل مما قد يفقد الزواج متعة الشراكة الاجتماعية ويتسبب بانحلاله أو بانتقال الزوجين إلى مقام آخر أكثر انسجاماً مع واقعهما، لكن يترتب على هذا الإنتقال الإبتعاد عن الأهل والأقارب والأصدقاء. وفي الحالات التي يبدّل الرجل مذهبه أو دينه نتيجة الزواج المختلط فإن المجتمع المتمسك بتقاليده قد لا يسمح بدفنه في مدافن العائلة، وبالتالي يقع الإحراج الشديد لذوي القربى.

رابعاً: لجهة الميراث
إن التوارث لا يُقَر بين الزوجين في الزواج المختلط بسبب اختلاف الدين أو المذهب، فمن تزوج بإمرأة لأجل مالها وماتت والمال لا يزال بإسمها لا يرثها لاختلاف المذهب أو الدين، وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة .

الزواج المختلط والطائفية
يعتقد البعض أن الزواج المختلط يخفف من العصبية والتعصب المذهبي والطائفي لكن الردّ على ذلك هو أن بعض البلدان كالمملكة المتحدة لم يخفف الزواج المختلط أو الزواج المدني من التعصب والنزاعات التي تحصل بين الكاثوليك والبروتستانت، أو بين المسلمين البريطانيين وبين غيرهم، كما أن حالات الزواج المختلط الكثيرة في لبنان لم تحقق شيئاً بل بقي وضع التعصب على حاله لدى عامة الناس.

خلاصة
نختتم بالقول بأننا، ومع تنبيهنا إلى المشاكل العملية والاجتماعية التي يثيرها الزواج المختلط، حريصون مع ذلك على أن لا يعني ذلك دعوة إلى الانغلاق السياسي أو الديني أو الثقافي. على العكس من ذلك، فإن طائفة الموحدين الدروز هي أكثر الطوائف انفتاحاً وتقرباً من الآخرين وذلك يتجلى في الأمور التالية:
1. مذهب التوحيد يأمر بالتمسك بأوامر الله دون التعصب لها لأن الله هو الديان وليس غيره، ويرفض تكفير أو تفسيق أحد ويعتبر- بنظرته الشاملة – أن جميع الأديان والمذاهب قد تباين مظهرها واتحد جوهرها، وأن الدين يعرض ولا يفرض.
2. الموحّد الدرزي يوصي ما يشاء لمن شاء، أي أن اختلاف الملة أو المذهب لا يمنع الإيصاء بكل أو ببعض ما يملكه للغير، وهذا القانون يتميز عن كثير من القوانين الوضعية، ويدل على الانفتاح تجاه الآخرين.
3. الاعتدال السياسي والولاء المطلق للوطن والتعايش مع بقية المواطنين باحترام متبادل، والابتعاد عن التبشير والتجاذب المذهبي أو الديني للأفراد والجماعات بقصد تكثير الأتباع لهذا المذهب أو ذاك.
4. عدم الاعتداء على المكاسب الشرعية للآخرين أو عليهم أو كرامتهم، وهكذا فإن الانفتاح على الآخرين يتحقق دون الخروج عن التقاليد والأعراف التوحيدية بواسطة الزواج المختلط أو غير ذلك.

السبيل إلى التوحيـــد

مشيخـــة العقـــل تنشـــر دليـــل المهتميـــن والطالبيـــن
للتعـرُّف علـــى مرتكـــزات الإيمـــان والسلـــوك التوحيدييـــن

الحلقة الثانية

[su_accordion]

[su_spoiler title=” الفصل الثاني فرائض الإيمان التوحيدية ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الفصل الثاني: فَرائِضُ الإيمان التوحيدية

غلاف كتاب السبيل إلى التوحيد

إنَّ للإيمان فرائضَ وَاجِبَات شأنُهَا تحقِيق ثمرة الطّاعَة في ذاتِ المُوحِّد في العاجلة والآجلة. وسَبَقَ أن ذكَرنا مَا علَّمهُ جِبريل للنَّاسِ، بِواسِطَةِ النبيّ ، مِن أُسُس عَقائِد الدِّين ومفتَرَضاته. لكنَّ هذِه العَقائِد تحتَاجُ إلَى أعمَال الجَوارِح، وإشغَال خواطِر الصُّدُور، فيما يَقتضِي الوصُول إلى الغَايةِ مِنهَا مِن التزامٍ بقاعِدةِ العِلمِ والعمَل والإخلاص فيهِمَا، لِكَي يَستَشعِرَ المُوَحِّدُ الصِّلةَ بِالحقّ، وتَنكَشِفَ لبَصيرَتِهِ حقائِقُ نِعَم الله، وأسرَارُ لطائِفِ مَحبَّتِه. ومن أهم الفرائض الإيمانية الواجبة:

الطَّاعَـة
هِيَ الانقِيادُ لأمرِ الله ونَهيِه في الإقبالِ والعمل بالمَعروفِ، والإدبارِ عنِ المُنكَر، وَالانشِغَال بِكلِّ مَا فِيهِ رِضى وتقرُّبٌ إلى الله تَعالَى. وَالطَّاعةُ ثمرةُ المَحبَّة، فمَن أحَبَّ الحَقَّ، انقادَت جوارحُهُ وخَواطرُهُ فِي المَسالِكِ الحميدَة، والسُّبُل المُستقِيمَة، بِهَديِ التَّعالِيمِ الشَّريفَة، والسُّنَنِ الفَاضِلَة. قَالَ عزَّ مِن قائِل وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً (الأحزاب 71)، وَهُوَ أن يُصلِحَ باطنَهُ وقلبَهُ، فإنَّهُما مَوضعُ نَظَر الحقّ، ويُصلِحَ ظاهرَهُ بالأعمَال الطَّيِّبَة، واتِّبَاع طَرائَق الهُدَى.

العِبَادَة
هِيَ “اسمٌ يَجمَعُ كمَالَ الحُبِّ لله ونِهايتَهُ، وكَمالَ التضرّع والتذُّللِّ لله ونِهَايتَه”، لِذَلِكَ هِيَ تألِيهٌ وتَقدِيس لاَ يَستحقّهُمَا إلاَّ مَن لهُ العِزَّة والمُلك، رَبُّ السَّمَاواتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا فَاعبُدْهُ وَاصطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعلَمُ لَهُ سَمِيّاً (مريم 65)، أي أَطِعهُ بِجَسدِكَ وَنفسِكَ وَقَـلبِكَ وَسِرِّكَ ورُوحِكَ، مُتغْـذِيًا بِلطائِف العلم، ومُقتبِساً فَوائِدَ العَقـلِ مِن نُورِ الذِّكر الحَكِيم، ومآثِر أَهلِ العِفَّةِ وَالفضلِ والثِّقَة. وَلاَ تَصِحُّ العِبَادَةُ دُونَ استِشعَارٍ يَقِينيّ لله الواحِدِ المَوجُود، كمَا قالَ مَا يكُونُ مِن نَجوَى ثلاثَة إلاَّ هُوَ رَابِعُهُم وَلاَ خَمسَة إلاَّ هُوَ سَادِسُهُم وَلاَ أَدنَى مِن ذَلِك وَلاَ أَكثَر إلاَّ هُوَ مَعَهُم أَينَ مَا كَانُوا (المجادلة 7). وعن لِسانِ الإمام عليّ (ع) كمَا وردَ فِي شروح “نهج البلاغَة أنَّهُ قال: “إنَّ قوماً عبدُوا اللهَ رَغبةً، فتِلك عبادةُ التّجَّار، وإنَّ قوماً عبدُوا اللهَ رهبةً، فتلكَ عبادةُ العبِيد، وإنَّ قوماً عبدُوا اللهَ شكراً، فتلكَ عبادةُ الأحرار”.
الصَّلاة
عَدا عن كَونِها صلاة مخصُوصَةً مَوقُوتةً، بِهَا كلاَمٌ ودُعاءٌ وتسبيحٌ وركوعٌ وسجُودٌ لله، فإنَّ الصَّلاةَ فِعلٌ مِن أفعَال لَطائِف الرُّوح إذ تَتوجَّه بالتَّضرُّع والخُشوع والاستِغفَار إلى الواحِد الأحَد، ربِّ العِباد، وَغَايةِ الغَايَات. وأجمَلُ الصَّلاة هِيَ التِي تبلُغ حَدَّ الصِّلةِ باستِشعارِ الله سُبحَانَهُ وتَعالَى “كأنَّـك تَراه”، ولكِنه منزَّه لَيسَ كمِثـلِه شَيْء
(الشورى 11). وقَد جاءَ فِي الحَديثِ الشَّريف: “أقرَب مَا يَكُون العَبْدُ مِن رَبِّه إذَا سَجَد”.

النوايا الخيِّرة
النِّـيَّةُ عمَلٌ قلبيٌّ خالِص خصَّهَا الشَّرعُ بالإرادةِ المُتوجِّهَةِ نَحو الفِعل ابتغاءً لِوَجه الله، وامتِثالاً لحُكمِه. جاءَ فِي الحديث الشَّريف: “إنَّما الأعمَالُ بالنِّـيَّات، وإنَّـما لكلِّ امرئٍ مَا نَوى”. فالنِّـيَّةُ روحُ العمَل، يَصفو ويُثاب بصفائِهَا، ويخيبُ ويبور بِكَدَرهَا، لذلِكَ يقولُ السّالكون: “رُبَّ عمَلٍ صَغِير تُعظِّمُهُ النِّـيَّةُ، ورُبَّ عمَلٍ كبير تُصغِّرُهُ النِّـيَّة”.
يردِّدُ الموحِّدون الحَدِيثَ الشَّريف: “إنَّ اللهَ لاَ ينظُر إلَى أجسَادِكُم، ولاَ إلَى صُوَرِكُم، ولكِن يَنظُر إلَى قـلُوبِكُم”، ومَوضِع نَظَر ربِّ العِبَاد أولَى أن يَكُونَ نقيـّاً، بريئـاً مِن كلِّ شائبَةٍ، ليحصل التَّوفِيق، وتتحقَّـقُ الغَايةُ المرجوَّة. والثِّقات الكِبار يُدركُون مبلغ عظم صفو النيَّة، فالنَّوايَا عندَهُم قُطبُ الأعمَال وَسَابقَة لهَا، و”الأمُورُ بِمقاصِدِهَا”، ومَا مِن ميزانٍ راجحٍ فِي الخَير دُون نِيَّة طيِّبَة مَعقودَة بِه.

الفرق بين الحَلال والحَرَام
الحَلالُ هُوَ مَا أبَاحَهُ الشَّرعُ، وأمّا مَا نَهَى عنهُ وحظَّرهُ فهُوَ حَرام. إنَّهُ مِن قَواعِدِ الدِّينِ العِظَام معرفَةَ مَا هُوَ حِلّ ومَا هُوَ مُحرَّم وفقاً لِمَا رَسَمَتهُ الأصُولُ الدِّينيَّة الّتي أوحَى بِهَا اللهُ عزَّ وجَلّ. وَمَن يعدَم التَّمييز بينَهُمَا، لاِ يَستقِيمُ بهِ مَسلكٌ مُثمِر. وِيُسلِّمُ المُوَحِّدُ بحَقيقَةِ وُجُوب التِزام الحَلال فِي جُملَة أعمَالِهِ الظَّاهِرَة والبَاطِنَة، فِي سعيِهِ الحَمِيد إلَى المُحافَظَةِ علَى صفَاء القَـلبِ ونقَاءِ السَّريرَة، ويقِينُهُ أنَّ الخُبثَ يتأتَّى مِنَ الوُقُوعِ فِي الحَرَامِ لقَولِهِ تَعَالَى وَيُحِلُّ لهُمُ الطَّيّباتِ وَيُحَرِّمُ عَليهِمُ الخَبائِث (الأعراف 157).

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”  الفصل الثالث التخيير في الأعمال” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الفصل الثالث: التَّخيير في الأعمال

معرفة النفس
ان النفس صفوة المخلوقات، وانها من عالم البقاء، حيّة جوهرية شفافة، عالمة عاقلة قابلة للخير، معقولة بحبائل العقل، وهي أمّارة بالسوء، عاجزة جاهلة قابلة للشر، مهددة بحبائل ابليس.
يَعتبِرُ الشُّيُوخُ الثِّقات أنَّ الأخلاقَ في الحَقيقَة هِي سَجايَا الخَير فِي ذاتِ النَّفسِ، أي في جوهَر طبيعتِهَا الكامِن، فإذَا لم يحقِّقها الإنسانُ بِالفِعل، جَنحَت النَّفسُ الأمَّارَة إلَى مَا يُضَادِدُهَا، وارتدَت ثوبَ الأخلاق المذمُومَة. أمّا إذا جهدَ المرءُ فِي تغذِية سجَايَا الخَير بِالعِلم اللطيف الشَّريف، وبِالمسَالِك العَادِلة المستقيمَة، فيَظهَر مِنها بتوفيقِ الله الأفعال الجميلَة، والأخلاقُ الرَّضِيَّة، والآداب والسَّمت القويم المتولِّدة جميعها من تلك السّجايَا “المحمودَة السَّعيدَة” كمَا سمَّاها الشَّيخُ الفَاضِل، لأنَّها “مقـرُّ الدِّين ومعدنه، ولاَ ثباتَ للدِّين إلاَّ بِهَا”.فمَن يعملْ مثقالَ ذرَّةٍ خيراً يرهُ* ومَن يعملْ مثقالَ ذرَّةٍ شراً يرَه (الزلزلة 8-7).

الاجتِـنَاب والاكتِسابُ
يُنبِّهُ الشَّيخُ الفَاضِل فِي إرشَادِه الحَكِيم إلَى “أصْلٍ أَصِيل” فِي مَسلكِ الطَّاعَة، وهُو “أنَّ العِبادَةَ شَطرَان، شطرُ الاجتِـنَاب وشطرُ الاكتِسَاب، فالاكتِسَابُ فِعلُ الطّاعَات، والاجتِنَابُ الامتِنَاعُ عن المَعَاصِي والسيِّئَات، وهُوَ التَّقوَى. وأنَّ شطرَ الاجتِـنَابِ أسلَم وأصلَح وأفضَل وأشرَف لِلعَبدِ مِن شطر الاكتِساب. ويَشتغِلُ أولُو البصَائِر مِنَ أهلِ العِبَادَة بِشطر الاجتِـنَاب، إنَّما همَّتُهُم أن يَحفَظوا قلوبَهُم عنِ المَيلِ إلَى غَير الله، وبطُونَهُم عنِ الفُضُول، وألسِنتَهُم عنِ اللَّغـو، وأعيُنَهُم عنِ النَّظَر إلَى مَا لاَ يعنيهم.” ويؤكِّدُ الشَّيخُ الفَاضِل أنَّ حصُولَ الشَّطرَين فِيهِ استِكمَالُ الأمر، وبلوغُ المراد، وتحقِيقُ السَّلامَة وَالفَلاَح.

الأمر بالمَعروف والنَّهي عن المُنكَر
تكرَّر أمرُ البَارِي تعالَى فِي العَدِيد مِن آياتِ الكِتَابِ الكَريم اسْجُدُوا لآدَم (البقرة 34)، “فكأنَّهُ تَعالَى، لمّا خلقَهُ بحيث يكونُ نَموذجاً للمُبدَعاتِ كلِّها بَل المَوجُودَات بِأسرِها، ونُسخةً لِما فِي العالَمِ الرُّوحانِيّ والجِسمانيّ، أمرَهُم بالسُّجود تذلُّلاً لِما رَأوا فيه مِن عظيمِ قدرتِه، وبَاهِر آياتِه، وَشكراً لِمَا أنعمَ عَليهِم بِواسِطَتِه”(البيضاوي). فسَجدوا إلاَّ إبليسَ أبَى واستكبرَ (البقرة 34)، وَيَصِفُ المُوَحِّدُون عِصيَانَ الأمرِ هذا بالمُضَادَدة، ويردُّوه إلى اختلافٍ جوهريٍّ في الطِّباع هُوَ فِي أسَاسِ التَّميِيز بينَ الخَير وَالشَّرّ، وَبَينَ المَحمُود وَالمَذمُوم، وَبَينَ المَعرُوف وَالمُنكَر، وَبمَعنَى أعمّ، بَينَ التَّوحِيد وَالشِّرك.
الضِّدِّيَّةُ هَذِه، جَسَّدَهَا إبليسُ بالخُبثِ والبُعدِ عنِ الحَقّ، وعَدَم الامتِثَال لأمر الله عزَّ وجلّ، وَمِن طَبعِه، فِي بَعضِ مَا وُصِفَ بهِ في الكتابِ العزيز، الأمرُ بالفحشاء والتضليل والكَيْد والوسوَسَة والإغواء والمعصية والفِتـنة ومَا شاكَل ذلك، لِهذَا كانَ الشَّيطانُ للإنسَانِ خَذولا (الفرقان 29)، أيْ “يخـذُلُه عنِ الحَقّ، ويَصرِفُه عنه، ويستعـمِلُه في الباطل، ويَدعُـوه إلَيه” (ابن كثير) وَ”يُواليه حَتَّى يُؤدّيه إلَى الهَلاك ثم يتركه ولا ينفعه” (البيضاوي).
إنَّ طبيعَةَ العَقـلِ المُتَّصِل بالحَقائِق اللطِيفَة هِيَ طبيعةٌ حَاكِمَة، فِي حِين أنَّهُ يَتوجَّب علَى النَّفسِ الأمّارَةِ الجَامِحَةِ عَن طَريقِ الحَقّ أن تَكونَ مَحكُومَة، ليَستَقيمَ مسلكُ الإنسانِ فِي طَريقِ الفضِيلَة. وقد مثَّـل أحدُ الحُكَمَاء العقـلَ بقَائدِ العَربَة الَّتي يقودُها جَوادَان. فَالعَربَةُ هِيَ الجِسمُ، والجَوادان أحدهُمَا قوّةُ الغَضَب، والآخَر قوَّةُ الشَّهوَة، فإذَا جَمَحَا وعَصَيَا القَائِد الَّذي هوَ العقل، ابتَعَدتِ العرَبَةُ عنِ الوُصُولِ إلَى غَايَةِ الطَّريق، وجَنَحَت عنِ السَّبيلِ السَّويّ وُصُولاً إلَى مَا لا تُحمَد عُقبَاه، ألاَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرانُ المُبِين (الزمر 15). وكَفَى بِالعَقـلِ نَاصِحًا أنَّهُ المُوضِحُ سبيلَ الحقّ، وقد قال الإمامُ عليّ (ع) فِي هذَا المعنَى: “كَفاكَ مِن عَقـلِكَ ما أوْضَحَ لَكَ سُبُلَ غَيّـكَ مِن رُشْدِكَ”.

العِلمُ والعَمَل
يُردِّدُ الشّيُوخُ الثِّقات قولاً راسِخاً فِي عُقولِهِم باعتِبَاره حِكمَة بالِغَة فِي محلّ أدقّ النَّصائِح وألطفها: “عِلمٌ بِلا عمَلٍ عقِيم، وعمَلٌ بِلا عِلمٍ سَقِيم، وعِلمٌ وعَمَلٌ صِراطٌ مُستقِيم”. إنَّ واجِبَ الارتِبَاط الجوهريّ بينَ العِلم والعمَل هوَ قاعِدَة ضَروريَّة فِي قـلبِ المَسلك السَّلِيم مِن آفاتِ الغَـفلةِ الباطِنَة. ذكر الأمير السيد(ق) في إحدى رسائله “أجهلُ النَّاس مَن تركَ العَمَلَ بِمَا يَعلم، وَأعلمُ النَّاس مَن عَمِل بِمَا يَعلم، وَالحُكمُ جَازِمٌ بِأنّ العالِمَ إذَا لَم يَعمَلْ بِعِلمِه فليسَ بِعالِم.” كذَلِكَ، فإنَّ الشَّيخَ الفَاضِل حذَّرَ مِن خُطورَةِ العِلم وإثمِهِ الكبير إذَا لم يقتَرن بالعَمَل والإخلاص فِيه لله تَعَالَى، وقال الإمام علي (ع) ان لسان العلم يعبر عن الحلال والحرام والحدود والاحكام، وهو زين المؤمن وفضيلته (ختم الانبياء). وقالَ عن أحدِ الحُكمَاء ناصِحاً:” لِيكُن طلبُ العِلم طلبَ دِرَاية لاَ طَلب روَاية، فمَن طلبَ العِلمَ ليَصرِف بهِ وُجُوهَ النَّاس إلَيه، أوْ يُجالِس بهِ الأُمَراء، وَيُباهِي بهِ النُّظرَاء، أو يَتصيَّد بهِ الحُطامَ، فتِجارتُه بَائِرة، وَصفقـتُهُ خَاسِرة.” ومِن نَصَائح أصحَابِ الفَضل فِي تفضِيل العمَل الصَّالِح علَى كلِّ شيءٍ سواه، قولُهم: “قـلِيلٌ مِنَ العِلم مَع العَمَل بِه، خَيرٌ مِنَ الكَثِير مِنهُ مَع عَدَم العمَل به”.

الدنيا دار مَمَر لا دار مُستَقر
إنَّ الله سبحانه وتعالى أوجَدَ الدّنيا كاملة النظام لإرادة له فيها، هي الإنسان، لإرادة له منه. وقد جعلها في ظاهرهَا محبوبة مطلوبة، موهوبة مسلوبة، وجعل فيها مَسَالك ومَهَالك، كما جعل لها طرقاً شتى منها ما يُحمد، ومِنهَا مَا يُذمّ. والإنسَان محتاجٌ إلَى الدّنيا ولا غنى له عنها، فيها غذاء جسده وتمام قصده، وجعل الفوز في تجاوز عقباتها.
هَذه الدُّنيَا وُصِفَت فِي الكِتابِ الكريم بأنَّها ليسَت إلاّ مَتاعُ الغُرُور (الحديد 20) لأنَّها “مُعَرَّضَةٌ للزَّوال، غيرُ لابِثةٍ ولا ماكِثـة، فَمَن طلَبَها لِذاتها قَسَا قـلبُه، وصَدِئت مِرآةُ بصيرتِه، والتَبَست في خَواطِره معالِمُ التَّمييز بينَ موجِبات اكتِسابِ الفضيلة مِن جانِب، وبَينَ متطلِّبات المصالِح الأنانية مِن جانبٍ آخَر. ومَن سعَى فيهَا فِي الحَلال، وجَعلَ فرصتَهَا وَسيلةً لبَذل الخَير، واقتِناء الزَّاد، ونفع النَّاس بالمعرُوف، فإنَّهُ بها وفيها ومنها يَسعد السّعادة الكُبرى، ويَتَـبَوَّأ مقعدَهُ منَ النّـعيم في الدّار الأُخرى، لأنَّه جَعَلهَا سبيلَ الجَـنَّة، ومِضمارَ السِّباق، وميدانَ اللِّحاق، ومَتْجرَ الاكتساب، وشِعارَ ذَوي الألباب، ومَوْقفَ العِلم، ومُـدَّةَ العَمَل، وَبَدْوَ الثَّواب، وفرْصةَ ذَوي الهِـمَّة، وبَيتَ الاجتِهَاد، ومحَلَّ التّقوى.

التَّـوبَة
قالَ عَزَّ مِن قائِل فأَقِم وَجهَكَ لِلدِّين حَنيفًا فِطرةَ الله الَّتي فَطَر النَّاسَ علَيها (الروم 30)، أي أخلِص قصدَكَ لله، واحفَظ عهدَك مع الله، واقبِل إليهِ واستقِم لأنَّهُ سُبحَانَهُ وتَعالَى أوجَدَ الخَلق وفِي طبيعتِهِم الإنسَانيَّة القُدرة علَى قبول الحقّ، وَالمَكِنَة مِن إدراكِه، والتَّهيُّوء العَادِل ليكونَ مِن جُملَةِ الَّذينَ يُوفُونَ بِعهدِ الله ولاَ يَنقُضُونَ المِيثاق
(الرعد 20)، وهُوَ “مَا عقدُوهُ علَى أنفُسِهِم منَ الاعتِرافِ بربُوبيَّتِه حينَ قالوا بلى، أو مَا عهدَ اللهُ تعَالَى عليهِم فِي كُتُبِه” (البيضاوي).
إنَّ ارتِكابَ الذّنُوب والآثَام يُورِثُ فاعلَهُ العَجزَ عَن دَركِ العِبادة، ويُصيِّرُهُ عَرَضاً مِن عَالَم الحِسِّ والهَوَى، ويُخرِجُهُ مِن غَايَات المَعَانِي، ويُبعِدُهُ عنْ كَنَف الأُنس بِالخَيراتِ المعنويَّة إلَى وَحشةِ الحيْـرَة والتكلُّف كما أوضحه الأمير السيد (ق) بأفصح العبارات. لِذَلِك، كانتِ التَّوبَةُ بَاباً مِن أبوابِ رحمَة الله الَّتي وسِعَت كلَّ شيء، بَل مِن الأبوابِ إلى مَحبَّتِه كمَا قالَ تعَالَى إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ المُتطَهِّرِين(البقرة 222).
والتَّوبُة هُي تركُ الذَّنب علَى أجمَل الوُجُوه، يعنِي بالاعتِرافِ والنَّدَم والإقلاع. والتَّوبةُ كمَا وردَ فِي الحدِيثِ الشَّريف: “أن تبدلَ بدَل الجَهل العِلم، وبدَل النِّسيَان الذِّكر، وبدَل المَعصِيَة الطَّاعَة”. وَهِيَ الرُّجُوع عنِ المَذمُومَات فِي الشَّرع إلَى المَحمودَات فِيه، أي مِنَ المخالفَة إلَى الموافقَة، ومِنَ الطَّبع إلَى الشَّرع، ومِن الغَـفلَةِ عنِ الحقّ إلَى السَّعي فِيه، قبُولاً لأمر إلَه العَالمِين فِي قوله يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى الله توبةً نَصُوحا (التحريم 8)، والتَّوبة النَّصُوح هِيَ تَوثيقُ العَزمِ علَى ألاَّ يعُود بمِثـلِهِ، وَهِيَ “مِن أعمَال القـلب، يعنِي تنزِيه القَـلب عنِ الذُّنُوب، وعلامتُهَا أن يكرهَ العبدُ المَعصِيَة ويستقبِحَهَا، فلاَ تخطُر علَى بالهِ، ولاَ ترِدُ فِي خَاطِرهِ أصلاً (التهانوي).

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”الفصل الرابع المسلك الروحاني البسيط  ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الفصل الرابع
المسلك الروحاني البسيط

الصِّدق
يعتبِرُ المُوحِّدونَ أنَّ الصِّدقَ هـوَ “عمادُ الأمر، وبهِ تمَامُه”، قالَ تَعَالَى يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّـقوا اللهَ وكُونُوا معَ الصّادِقين
(التوبة 119)، قِيل: همُ الَّذينَ اسْتوَت ظَواهِرُهُم معَ بَواطِنِهم. والمَعنَى الأشمَل للصِّدقِ عندَهُم هوَ التَّصدِيقُ بِخَالِقِ الكَون الأحد، وبأصفِيائه الأنبياء، وبِرسَالاتِهِم التَّوحِيديَّة، وبِاليَومِ الآخِر، وبِأنَّ الخَيرَ غايةُ الكَون، وبأنَّ الحقَّ هوَ الغَرَضُ مِن خَلقِ الإنسَان، وبأنَّ السَّعيَ فِي تحقِيقِ خِصَالِ الخَير هوَ السَّبيلُ إلى رِضَى الله حيثُ السَّعادة الَّتي هيَ الثَّواب الأعظَم. لِذَلكَ، يَكُون الثَّباتُ فِي قَولِ الصِّدق ثَمرةَ حُسن الاعتِقادِ، وصَفاء القَـلب، ونقاء النيَّة، وَالرَسُوخ الحمِيد في استِكناه معنَى الفَضيلَة والالتِزام بموجِباتِهَا.
تنعقـدُ أمورُ المَسلك عندَ الموحِّدِين بالصِّدق، فهُو كالنَّواةِ التي لاَ يصِحُّ دون صَلاحِها دِين. لِذلِك، تـزخَرُ الآثارُ الوَعـظيَّةُ لثِقاتِ المُوحِّدِين بالحَثِّ علَى إيلاءِ أَمر الصِّدق فِي الأقوال والأفعَال العنايَة القصوَى. والصَّادِق عندَ الشَّيخ الفَاضِل هوَ المُتَّقِي الَّذي إذا قالَ قالَ لله، وإذا عمِلَ عمِلَ لله، فِي السِّرّ، أي فِي أعمال القـلب، ونقاء السِّرِّ وصفاه، وفِي العلانيَة، وهوَ مَا يَظهَر مِن أفعال الجَوارح.
تَهذِيبُ الأخلاق واستِشعَار الخلاَّق
التَّسليمُ عند الأمير السيد (ق) هُـوَ الفِعـلُ الَّذِي يُقدِمُ عَليهِ المَرءُ بَعدَ الرِّضى بِعَهدِ الله المُتمثِّـل بِحُسنِ الاعتِقاد، وَقواعِـد الأمر والنَّهي الدِّينيَّة. وبَعدَ أنْ يُؤَكِّدَ علَى أنَّ أوَّلَ المَواجِب اللازِمَة علَى السَّالِك المُريدِ هُـوَ مَعرفَةُ النَّفس مَدخلاً إلى السَّبيلِ القائِد إلَى تحقِيق الفَضِيلةِ والثَّبَات، يُحَدِّدُ القَاعِدةَ الَّتي هِيَ “الينبُوع الأعظَم” لِفِعلِ الطّاعات، وَالَّتِي اعتبرَهَا الشَّيخُ الفَاضِلُ أنَّهَا “أسَاسُ الخَيْر كلّه”، وهِي “تَهذِيبُ الأخلاَق واستِشعَار الخلاَّق”.
وأسْمَى الأفعَال الأخلاقيَّة عندَ الموحِّدين هِي الفَضل، أي بذل الخَير والإحسَان وَالمَعرُوف لِوَجه الله بِخالِص النِّيَّة، وأصلُ الفَضل هُو بِيَدِ الله يُؤتِيهِ مَن يَشَاء (آل عمران 73). وَالشَّرَف وهُوَ فِي المَعنى المسلَكيّ سُموّ وارتِقَـاء عَنِ الغَايَات الدّنيويَّة إلَى التّعلّق بالفَضيلَة ومُوجِبات تَحقِيقها فِي القـلب. والعَفاف وهُوَ الكفُّ عمَّا لاَ يَحِلُّ، وَعنِ طَلب الحُظوظِ، وضبْطُ النَّفسِ عنِ النّزوع إلَى شَهوَاتِهَا، واجتـِناب السَّرَف، وقَصد الاعتِدَال.
والبَابُ الأعدَل لتهذِيب الأخلاق هُوَ التَّقوىَ، لأنَّ “فِيهَا جَمَاعُ الخَير كلّه” كمَا وردَ فِي آثار الشَّيخ الفاضِل، الَّذي عدَّد الشّروط الواجِبَة علَى كلِّ مَن أرادَ الخَير، ومِنهَا: معرفَة الفَرائض الإلهيَّة، والمَواجِب الدِّينيَّة، وحُسن المُعامَلة، وحُسن الخُلُق، وترك الزِّينَة والتَّكبُّر والحَسَد والغِيبَة والنَّمِيمَة، والتَّحرّز مِن حبِّ المَجد والجَاه وطلَب الرِّئاسَة.

إنَّمَا المُؤمِنُونَ إخْوَةٌ
الأُخوَّةُ الرّوحيَّة تَرعَاهَا آدابُ الدِّين وأوامرُه ونوَاهيه، وهِيَ حقولُ المسَالكِ الَّتي يُعبِّـرُ بِهَا الموحِّدُ عَن مدَى ارْتِبَاطِ آثار العَقـل، الَّتي هيَ هُنَا عُلومُ الدِّين اللطِيفَة، بِالنَّفس ومَا تُظهِرُهُ مِن أعمال، ذَلكَ أنَّ عِلاقةَ المُؤمنِ بأخِيه المؤمِن تتطـلَّبُ حِفظ العُهُود، وصِيانة الذِّمَم، ومواظَبَة الخِدمَة، وقضَاء الحَوائج، ومَحض المَحبَّة، والذَّبّ عـنهُ بِالمَال واليَدِ واللِّسَان، وإدراك المِيزَة بمِيزان العِلمِ والعمَل والعِفَّةِ عنِ الزَّلل. كمَا تتطلَّب إسْدَاء النُّصح، والتنزُّه عنِ الغِيبَةِ والنَّمِيمَة، ومعرفَة مَنزلة المُفِيد الفَاضِل لاستِدراكِ حُسن الاقتِداء والمُشابَهَة لِقولِه “المؤمِنُ مِرآةُ المُؤمِن”.
لِهَذا، يرتَقي المُوحِّدُونَ بِمَعنَى الأخُوَّة إلَى حَدِّ اعتِبارهَا امتِحَاناً حقيقيّاً لمَدَى تزكِية النَّفس، واختِبَاراً حَاسِماً لِمدَى انطِبَاق الأفعَال النَّاجِزَة علَى الأقوَال الواعِدَة.

التـربية
يُعرَّفُ مفهومُ الزواج عندَ إجراء العقد وفق طقوس الموحِّدين بأنَّهُ “سُنَّةٌ من سُنن الأنبياء، وشِرعةٌ من شرائع البقاء، وصونٌ عن الفحشاء، ووقايةٌ من ربِّ الأرض والسماء.
يقول الأميرُ السيِّدُ (ق) إنَّ طريقَ الزواج ركنٌ عظيمٌ في الدِّين، قاعدته الرِّضى، وغايته الائتلاف. وهذا أمر تأسيسيّ لنواة المجتمع الأولى: الأسرة. ولا يؤسِّسُ العاقـلُ صورةَ حياته ومستقبلها فوق جُرْف هار، وإنَّما على بيِّنةٍ راسخةٍ من حسن التدبير، وأهمّها الوعي ووَحدة القـلب والعقل معاً.
إنَّ تثبيت أواصر الكَنف العائلي بالألُفة والتفهُّم والتفاهُم وتبادُل العلاقات الواعية، وتوفير الأجواء الهادِئَة والرَّشيدة داخل حرمة البيت الأسري ومَا شابهها من أمور، من شأنِه أن يوطِّد أسُس التربية السّليمة التي تسهِم في بناء شخصيَّة إنسانيَّة مستقرَّة وقادرة لاحقاً على مجابهَة تحدّيات الحياة العمليَّة والفكريَّة وتطوّرها الرّوحِي المستقيم لتجنب مخاطر الفساد مهما بلغت نظريات التطور العلمي والتقني على كافة المستويات.
لقد أوصَى الأفاضل الثِّقات بتعليم الأبناء منذ بدو نشوهم قول بِسْم الله الرَّحمَن الرَّحِيم لدى المباشرة بأي عمل، ومثـله قول الحمدُ لله ربّ العالَمين لدَى الانتِهاء مِنه بداية لطريق الهداية والارشاد. إنَّ اكتِسابَ هذه العَادَة الجلِيلة، وما يتبعها من التَّذكير الدائم برِفعَة المسلك الخُلقي الحميد، يزرع في النّفوس وفِي القـلوب بذورَ الاستِشعار، ويفتَح البَابَ لِسوانِح البَركَة والتَّوفيق، ويُكسِب النفس سجايا الخَير والحياء والأدب، فلا تنزلق بسهولة، عند أولى التجارب، فِي التشبّه بمَعشر السوء، والتعلق برغباتٍ مُفسِدة للمروءة، وهادِمَة لطريق بناء المستقبل كما قال تعالى في كتابه الكريم:
انما اموالكم واولادكم فتنة (سورة التغابن 15) والمقصود هنا الولد العاق والمال الذي جُمع من الحرام.
إنَّ التربية العائليَّة الرَّشيدة، هي الكنف الأوّل الحاضِن للنفوس اليانِعَة لأبنائِنا الأعزّاء الأحبّاء، وَهيَ التي تبني المَداميك الراسخة الصلبة لكيانهم الإنساني، وهيَ التي تُمهِّد السُّبُل لفُسحَة العقـل عند النّضوج، لفَهم المسائِل الكُبرى المتعلِّقَة بمَصِير الإنسَان ومثوله أمام خالِقه، وأهمها محاسبة النفس فيبني في ذاته معبداً قبل ذهابه إلى المعبد. ولا بد لتحقيق ذلك من تربية مكتملة تجمع بين غذاء الجسد وغذاء الروح. انه ادب الحياة بجناحيه ومن ظن ان التربية تجري حسب الأهواء ولا يضبطها نظام فقد ظن سوءاً.

الرِّضَى
لُغةً، هُـوَ الاختِيَار والقبول، فإذَا تَحقَّـق خُـلُقاً توحِيديّاً كانَ ثمرةً مِن ثمَراتِ المَعرِفَة الرُّوحيَّة المترتِّبَة عَن اليَقين بِالحَقّ، المُوَلِّدَة لاستِشعَارِ وُجُود الله وتَنزيهِه. والمَعرِفَةُ فِي هذِهِ المَنزِلة تملأُ قـلبَ المؤمِن بالمَحبَّةِ والخَوفِ والرَّجاء، فَيصِير الرِّضَى كمَا يقُولُ السَّالكون “سُرُورَ القَـلب بِمَرِّ القَضَا، وسُكُونَهُ تَحتَ جَريَان الحُكم بِمَا أرادَ مَن لهُ المُلك.” فمَن رَضِيَ قَانِتاً، كانَ منَ الَّذِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ
(البينة 8)، فَرِضَى العَبد عنِ الله أن لاَ يَكرَهَ مَا يَجرِي بهِ قَضَاؤه، وَرِضَى الله عنِ العَبدِ هُـوَ أن يَراهُ مُؤتَمِراً بأمرِه ومُنتَهياً عَن نَهيِه.

التَّسلِيم
لمّا كانَ الرِّضَى متَرتِّـباً عَن المَعرفَة والمَحبَّة والقبُول، كانَت ثَمرتُه التَّسلِيم، وهُـو الفِعلُ والالتِزام المَسلكيّ بِما ثبتَ لِلنَّفسِ علَى خِلاف مُقتَضَى طبعهَا، مثل لزُوم الحِلم مَكان الطّيش، والعقل مَكان الجهل، والتّواضُع مَكان الكِبر، والتّحلِّي بالأخلاق المَحمُودَة عوض النّزوع نَحوَ النّزَق واللجاجَة وإفراط الرَّغبَة. وهَذِه الأفعَال الشَّريفَة قائِدَة حَتماً، مَع صِدق النَّوايا وإخلاص القَـلب، إلَى القُربِ كمَا قال تعالى أولئِكَ المُقرَّبُون (الواقعة 11)، “أي الَّذِين قربَت دَرَجَاتهم، وأُعـلِيَت مَراتبُهُم، ورقيَت إلَى حَظائِر القُدس نفُوسُهُم الزَّكيَّة” (روح البيان).وَمَن أَحسَنُ دِيناً مِمَّن أسلَمَ وَجهَهُ لله وهُو مُحسِنٌ
(الواقعة 11).
تسلِيمُ الوَجْه لله بإخلاَصِ النَّفس له، والرضى بقضائه في السراء والضراء، والإتيَان بالحَسنَات، وترْك السَّيِّئات، وبالإجمَال كمَا قالَ القُشيريّ: “لم يدَّخِرْ شيئاً عنِ الله، لاَ مِن مالِه ولاَ مِن جَسدِه، ولاَ مِن روحِه ولاَ مِن جَلَدِه، ولاَ مِن أهلِه ولاَ مِن وَلَدِه”.

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

الزواج المدني المختلط

عقدُ الزواج الديني فيه تشريفٌ للرابطة الزوجية
وضمانةٌ للاستقرار العائلي وتكريمٌ للمرأة الزوجة

قانون الأحوال الشخصية للموحّدين الدروز متطوّرٌ وقريبٌ من القانون المدني في كثيرٍ من الجوانب، بل يزيد عليه، من حيث المساواة بين الزوجين وتوخّي العدالة بينهما

ينبغي لأي نقاش حول موضوع الزواج المدني أن ينطلق من قاعدة ثابتة هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالتعاليم والتشريعات المستودعة في الكتب السماوية، وبأن هذه التعاليم والتشريعات الربانيّة تهدف الى خير الإنسان بما تراعيه من حاجاته الروحية والجسدية وطبيعته الإنسانية وقوانين علاقته بالكون وبالمجتمع. أمّا التشريعات الوضعية، فمع توخّي الدقة أحياناً في وضعها، فإنها لا يمكن أن تكون كاملة لأن من وضعها لا يتَّصفُ بالكمال ولا يمكن أن يتنزه عن الجور والظلم والميول البشرية الذاتية.
لقد أبدع الله تعالى نظاماً للطبيعة وكافة المخلوقات وفصل هذا النظام في الكتب السماوية والشرائع وخصّ الإنسان بتشريف كبير عندما جعل منه غاية الله من هذا الوجود وخليفته في الأرض، لكنه ألزمه في المقابل بقواعد شرعية وسلوكية الهدف منها حمايته من نزوات الهوى ودسائس النفس الشيطانية وكذلك حماية المجتمع وإقامة العدل في الأرض. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل:90). ومن أهم أحكام التقوى والعدل التي شرعها الله هي تلك التي تنظم علاقات الأسرة وواجبات الأهل والأولاد وحقوق كل منهم وعلى رأس هذه العلاقات مسألة الزواج والعلاقة بين الرجل والمرأة.

مذهب الموحدين الدروز يركّز على ضرورة إشهار الزواج ورضا الولي كفريضة حفاظاً على العائلة والقيم الاجتماعية

لهذا السبب وبسبب أن الله تعالى وضع أحكاماً واضحة لكل المسائل المتعلقة بسلوك الإنسان ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾
(الأنعام: 38) فإنه لا يمكن لأيِّ تشريعٍ مدنيٍّ أن يحلَّ مكانَ التشريع الديني، كما أن عقدَ الزواج بصورة خاصة يحتاج إلى نوع من الصيانة الدينية، والزوجان يجب أن يشعرا بأن عقدهما ليس عقدَ شراكة حرة (العقد شريعة الطرفين) تُحدَّدُ فيه الحقوق والواجبات حسب المصالح والأهواء، بل هو إنعام من الله على بني آدم وضع له أسساً وأحكاماً. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم:21) ولهذا، فإن أي بحثَ أو تعديلٍ أو تشريع في هذا المجال يستوجب التعاطي مع المرجعيات الأساسية من قبل أبناء كلّ طائفة فلا يكون موضوعاً مفتوحاً لكل ذي هوى أو لأفراد متنوعي التوجّهات والمشارب. وهذا الحصر في شأن مؤسسة الزواج أسلمُ للمجتمع وللوطن، كما أن رجوعَ كلِّ مجموعةٍ أو طائفة إلى قوانينها الخاصة بالأحوال الشخصية هو أكثر ضمانةً للاستقرار العام وللاستمرار. ولا يضرُّ تنوعُ الأديانِ والمعتقدات، فكلُّها تركّزُ على خير الإنسان وسموّه وشرفه، وهل تنوُّعُ الأشجار في البستان يقلّلُ من قيمةِ الأثمار الزكية؟ وهل تنوُّعُ الزهورِ البهيةِ يُزعجُ النظرَ؟
– إن الانصهار الوطني لا يكون بالزواج المدني، بل بإلغاء أسباب الطائفية السياسية، ودمج الاحزاب السياسية لا العائلات، لتكون مصهراً حقيقياً لجميع أبناء الوطن من كل الطوائف، وإلغاء الفروقات بين المواطنين. وخير دليل على ذلك هو أن المجتمعات المدنيّة لم تسلَمْ من الحروب والفتن، فالزواج المدني لم يكن حلاًّ للنزاعات بين الناس، بل أدّى إلى تفكك الأُسر والنسيج المجتمعي. بل أن الرأي الغالب هو أن تشريعَ الزواج المدني لا يوجدُ حلاًّ وطنياً شاملاً يوحِّدُ اللبنانيين تحت قانونٍ مشترَك، بل يُضيف طائفة جديدة هي “طائفة الذين لا طائفة لهم”.
إن من لا يَقتنعُ بالزواج الديني لا يضرُّ الوطنَ بشيء إذا عقدَ زواجه خارجَ بلده، وهو حُرٌّ في اختياره ويتحمل مسؤولية اختياره. ولكن لا يجوز أن نعتبرَ ذلك ذريعةً لنجدَ له تشريعاً خاصاً في مواجهةِ التشريع الديني.

قانون الأحوال الشخصية للموحدين الدروز
للإضاءة على الموضوع من وجهة نظر الموحدين الدروز، لا بدّ من التأكيد على بعض النقاط في قانون الأحوال الشخصية للموحّدين الدروز:
-إن التشريعات وقوانين الأحوال الشخصية عند الموحدين ترتكز على التشريعات الإسلامية الأساسية وتتّجهُ الى كمالها وتمامها، أي الى العدل والخير العام وصيانة الإنسان والمجتمع.
-قانون الأحوال الشخصية للموحّدين الدروز متطوّرٌ وقريبٌ الى القانون المدني في كثيرٍ من الجوانب، بل يزيد عليه، من حيث المساواة بين الزوجين وتوخّي العدالة بينهما، وحريةُ الرأي والقبول، وضرورة توقيع العقد من الزوجين والشهود، وعدم حلّ العقد بالطلاق إلاّ بحكم القاضي، ومنع تعدّد الزوجات، وإعطاء الحق للزوجين بطلب فسخ العقد بالتراضي، وإعطاء الحق للقاضي بتحديد العطل والضرر إذا لم يرَ سبباً شرعياً للطلاق، وحرية الإيصاء…

الانصهار الوطني لا يكون بالزواج المدني، بل بإلغاء أسباب الطائفية السياسية وبنظام تربوي يعزز الانفتاح واحترام الآخر

كما أن هناك نقاطاً إضافية، يجب التأكيد عليها:
وجوب مباركة العقد وضرورة تعريف الزوجين بواجباتهما وحقوقهما وبأهمية زواجهما.
وجوب احترام التقاليد الاجتماعية المنسجمة مع القانون ومع العُرف السائد.
وجوب إشهار الزواج ووجود الشهود الثقات، تأكيداً على أهمية عقد الزواج وتكريماً للزوجين.
التركيز على رضى الولي كفريضة في زواج الموحدين، وفي هذا حفاظٌ على العائلة والقيم الاجتماعية، ويُحدّد ذلك بحسب سنِّ الزوج والزوجة، وبالإستناد الى العادات الاجتماعية المتّبعة.
منع الزواج من غير الطائفة، مع احترام الأديان وتعدُّدها: ﴿لكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ (سورة المائدة:48) واعتبار أن الزواج السليم يقضي بتقارب الزوجين سنَّاً وعقلاً وطباعاً وعاداتٍ، فكيف إذا اختلفا عقائدياً، وهذا ما ينعكسُ على الأولاد في المستقبل…
اعتبار الزواج تجانساً وتآلفاً في الأرواح، وهو نوعٌ من التوحُّد بين اثنين، إذا كان مبنياً على “الحبّ الحقيقي الذي هو مقياسُ كلِّ حلال، كما أن انعدامه مقياسُ كلِّ حرامٍ وضلال”، على حدِّ قول الشهيد كمال جنبلاط.
يجبُ أن يَسعى طالباً الزواج إلى هذا التجانس والتقارب، ولا يجوزُ الاستهانة بذلك، وفي ذلك بُعدُ نظرٍ وتفكرٌ بالمستقبل، حفاظاً على الاستمرارية، وتبصُّراً بالعواقب، لما ينتج عن الزواج من مفاعيل، خصوصاً في ما يخصُّ الأولاد الذين لا يجوز سلخهم عن دينهم، كما لا يجوز أخذهم الى هنا وهناك ممّا يؤدّي الى ضياعهم ويسبّب مشاكل اجتماعية ونفسية لهم.

الزواج من غير الطائفة
إنَّ التشدُّدَ في عدم الزواج من غير الطائفة عند الموحدين ساهم في إبقاء هذه الطائفة في لبنان وفي سورية وفي فلسطين والأردن، متماسكة الى حدٍّ كبير، محافظةً على أصولها العربية ودورها الوطنيِّ والقوميِّ والدينيِّ. وذلك لا يعني تعالياً على الآخرين أو انتقاصاً من أبناءِ الطوائف الأخرى، بل يعني السعي للمحافظة على وجود الموحدين الدروز كجماعة لها خصوصياتها ومنهاجها، ولأن التهاون في ذلك لا يفيد الآخر لكنه يصيب الطائفة بالضعف ويوهن أواصر التضامن بين أبنائها.
هناك تجاوزات ومخالفات فردية محصورة نوعاً ما، ولا تؤثر على المجتمع تأثيراً كبيراً، إنما تشريع ذلك والسماحُ به تحت شعار التقارب مع الآخرين فإنّه لا ينفعُ أحداً ويُسيء في الوقت نفسه الى الطائفة والى القيم التي تُمثلُها والموقع الوطني والقومي والديني الذي ما زالت تحافظُ عليه.

التعامل مع الحالات الخاصة
إن الحالات الخاصة موجودة في المجتمع، ولكن لا يمكن التشريع لها، بل على أصحابها تحمُّلُ المسؤولية بخروجهم عن التشريع الديني، علينا أن نوجِّهَ ونُرشدَ ونُحذِّر وندعو بمحبّةٍ كلَّ الشباب والأخوةِ والأخوات الى عدمِ تجاوزِ التشريع الديني والى مباركةِ عقودِ زواجهم، بعيداً عن أيِّ نزوةٍ عاطفية أو هوسٍ أو شعورٍ بالغبن والظلم، فالدينُ لا يظلُمُ بل يقودُ الى خيرِ الإنسانِ والمجتمع.
إن علينا أن نتعاطى مع الحالات الخاصة ومع المشاكل التي تعقبُ الزواج بالرعاية وخصوصاً في ما يتعلق بالمشاكل العائلية والاجتماعية والنفسية. هذا الموضوع قابلٌ للبحث والدراسة، أمّا البحثُ في استبدال التشريع الديني بتشريع مدني والعمل على وضع المسامير في نعشِ “التدخل الديني” كما يسميه بعض العلمانيين فهذا غير مقبول، لأن مكانة الدين يجب أن تبقى رحمةً بالناس وبالمجتمعات وبالبشرية، والدينُ بحدِّ ذاته حكمة ورحمةٌ منزلة من الله سبحانه وتعالى اتقاء لظلم البشر بعضهم لبعض..

نشطات

[su_accordion]

[su_spoiler title=لقاء شعبي للجنة الاجتماعية في حاصبيا
ة” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

العميد عصام أبو زكي رئيس اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي copy
العميد عصام أبو زكي رئيس اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي

]

تنظّم اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز برئاسة العميد أنيس أبو زكي جلسة حوار عامة مع رؤساء البلديات والمخاتير والفعاليات في منطقة حاصبيا وذلك نهار 24 نيسان الساعة الثالثة بعد الظهر في النادي الرياضي في حاصبيا.
وستقوم اللجنة بتقديم بيان مفّصل عن الأعمال والإنجازات التي حققتها في السنوات الثلاث المنصرمة من ولايتها، كما ستتناول المشاريع المستقبلية التي تنوي تنفيذها في المرحلة المقبلة.
وقال العميد أبو زكي إن الحوار الشعبي المزمع تنظيمه في حاصبيا “يندرج ضمن السياسة العامة للجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي والذي يقوم على الإطلاع بصورة مباشرة على أوضاع الموحدين الدروز في مختلف المناطق والتعاون على تقييم تلك الحاجات مع الفعاليات المحلية والتباحث مع تلك الفعاليات في سُبل تحسن خدمات اللجنة وفي الوقت نفسه تحسين مواردها المتاحة”. وأضاف القول “إننا في اللجنة الاجتماعية ندرك تماماً دقة الأوضاع الاجتماعية ووجود فئة اجتماعية واسعة بين إخواننا ممن يحتاجون إلى أشكال متعددة للدعم سواء في مجالات التعليم أم الصحة أو المساعدات المباشرة ونحن نأمل أن يستشعر إخواننا الذين أنعم الله عليهم باليسر والإمكانات هذه الحاجات وأن يساعدونا في تلبية ما أمكن منها” وعبّر العميد أبو زكي في الختام عن شكر اللجنة والمجلس المذهبي البالغ للدعم الذين يتلقونه من أصحاب اليسر في الطائفة وعن أملها في حصول تحسن في المساهمات المالية لفعاليات الطائفة بما يتلاءم مع تزايد الحاجات وارتفاع الأسعار والضائقة المالية لدى الكثيرين. يذكر أن اللجنة الاجتماعية كانت قد نظمت في الأشهر الأولى من هذه السنة عدة لقاءات حوارية عامة شملت مناطق الشوف وعاليه وراشيا.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”سلسلة الندوات الثقافية والدينية” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

 

أقامت اللجنتان الثقافية والدينية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بتاريخ 15نيسان 2011 وبالتعاون مع رابطة آل أبو سعيد لقاءً توجيهياً في بلدة شويت استضاف كلاً من الشيخ غسان الحلبي، المستشار في مشيخة العقل، والشيخ سامي أبي المنى، رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي، وتناول اللقاء موضوع “التوحيد والحياة المعاصرة”.
وتبع ذلك ندوة أخرى مماثلة في بلدة بيصور بتاريخ 23 نيسان2011 بالتعاون مع الرابطة الثقافية الرياضية وشارك في الندوة الشيخ الحلبي، والشيخ فاضل سليم رئيس مصلحة الشؤون التربوية والدينية في المجلس.
وجاء اللقاءان على أثر لقاءين مماثلين تمّ الأول في بلدة غريفة الشوف والآخر في بلدة عين عنوب قضاء عاليه.
وقامت اللجنة بتكثيف هذه الندوات واللقاءات وتطوير مضمونها التوجيهي والديني استناداً إلى توجيهات مشيخة العقل، وكذلك في نطاق تنفيذ خطة العمل الهادفة إلى تعميم الثقافة التوحيدية والتوجُّه نحو الشباب لتغذيتهم بما هو أنفع وأبقى لنفوسهم وما يساهم في تحصين المجتمع ولاسيما الشباب في مواجهة آفات العصر، وهي تأتي تلبية للحاجة الملحّة في المجتمع وللمطالبة الواسعة من أبنائه عموماً ومن العاملين في المجتمع الأهلي ومؤسساته خصوصاً لمثل هذا التوجُّه والدور.
ومن أجل الاستعلام عن الندوات ومواعيدها يمكن التواصل مع اللجنة الثقافية والدينية عبر مصلحة الشؤون التربوية والدينية في المديرية العامة للمجلس المذهبي، هاتف: 754902 01.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” يوم ثقافي تنظيمي لنادي أمد في عاليه” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

ورشة العمل حول أساليب التنظيم
ورشة العمل حول أساليب التنظيم
د. أسعد اللبتديني
د. أسعد اللبتديني
السيدة نايلة أبي غنام
السيدة نايلة أبي غنام
علاء رضوان
علاء رضوان

نظم نادي أمد بالتعاون مع مجلة الضحى الشبابية ” لقاء الشباب الجامعي” في قاعة آل رضوان في عاليه وذلك نهار الأحد 12-3-2011 وقد حضر هذا اللقاء وفد من المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ضم كل من الشيخ غسان الحلبي، الشيخ سامي أبو المنى، الشيخ فاضل سليم، الشيخة رانيا التيماني، السيدة نايلة ابو غنام، وعدد من رؤساء الجمعيات في المنطقة بالإضافة إلى شخصيات اخرى والى الطلاب المشاركين من مختلف الجامعات وجمعٌ من أصدقاء نادي أمد. قدم الحفل المسؤول الإعلامي في نادي أمد باسل ملاعب.
أستهلّ اللّقاء بالنشيد الوطني اللبناني ثم بعرض فيلمٍ قصيرٍ عن مسيرة نادي أمد وبعدها ألقى رئيس النادي المهندس علاء رضوان كلمة أشار فيها الى روحيّة النادي وأهدافه ومسيرة التأسيس مشيرا كيف بدأت علاقات الأعضاء في الجامعة اللبنانية ثم تطورت لتستمر بعد التخرج ولتثمر تأسيسا لنادي أمد بموجب علم وخبر في العام 2009 ثم مشاريع مثل مشروع المنح الطلاب وقال: “رفضنا الاستسلام لواقع مجتمعنا المحبط ونحن فخورون بتراثنا ورافضون هذه الفوضى القائمة في مجتمعنا، نريد تعزيز العمل التطوعي وتشجيع شبابنا عليه لسد الفراغ الموجود. معنوياتنا مرتفعة ونريد أن نعمل، وكل شاب يمكنه العمل حسب قدرته وموقعه” ودعا رضوان “الجميع وبخاصة الشباب للتعاون والعمل لخدمة الأهداف الجوهرية بعيداَ عن الأهداف الخاصة الضّيقة أو حب الظهور”.
ومن ثمّ قدمت السيدة نايلة أبو غنام، رئيسة الدائرة التربويّة والدينية في المديرية العامة للمجلس المذهبيّ محاضرة بعنوان “دور الشباب في خدمة المجتمع”. ثمّ قدم الدكتور أسعد البتديني محاضرة بعنوان “فلسفة الأخلاق عند الموحدين الدروز”. بعدها توجه الحضور لتناول الغداء ومن ثم أقيمت ورشة عمل تحت عنوان “كيفية تخطيط وتنفيذ المشاريع” أدارها المسؤول التنظيمي في نادي أمد المهندس ناهي ذبيان وشارك فيها طلاب الجامعات المشاركين، تخللها أعمالاً تطبيقيّة ومناقشة للاقتراحات.
الشيخ سامي أبو المنى، رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي أبدى تقديره لجهود شباب نادي أمد الذين “يتقنون العمل وتنمية القدرات وتصويب مسار شباب الجامعات” معلنا عن استعداد المجلس المذهبي لدعم أنشطة وبرامج تهدف إلى دعم الشباب والنهوض بالمجتمع.
أما الشيخ غسان الحلبي فقال تعليقا على المناسبة “أن نادي يقدم أمثولة ناجحة و مفعمة بـ”النخوة” لكلّ من لديه “الحماسة والمروءة” (وهما المعنى اللغوي الدقيق للنخوة) لإحياء نهضة حقيقية في مجتمعنا الإنسانيّ.”
وأثنت السيدة مي مكارم هلال في رسالة على جهود للنادي وجاء فيها “عندما نتلمس الاندفاع وحب العطاء والجديّة عند هؤلاء الشباب والشابات نزداد ثقة بطيب نفوسهم وأصالتهم وبقوة الانتماء والالتزام لديهم”.
وتوجّهت السيدة نجاة العنداري بو فخر الدين رئيسة الرابطة النسائية العاملة في قبيع برسالة شكرٍ خاطبت فيها أعضاء نادي أمد بالقول “هنيئاً لكم أخلاقياتكم وهنيئاً للمجتمع بأمثالكم، شباب الوعي الطامع بالثقافة والعطاء، الطامح الى تكوين مجتمع صالح من خلال توجيه الشباب والتواصل معهم”
تتقدم الهيئة الإداريّة لنادي أمد بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إنجاح هذا إلقاء وتخص بالشكر السيد علي عبد اللطيف لرعايته هذا اللقاء والقيمين على قاعة آل رضوان لاستضافتهم اللقاء في القاعة المذكورة والشكر موصول لستديو النجوم -قبر شمون- لتقديمه تجهيزات الصوت والتصوير.

[/su_spoiler][/su_accordion]

ندوة الضحى الشبابية حول الزواج المختلط

ندوة الضحى الشبابية

الشبـاب والــــزواج المختــــلط

المنصة ويبدو من اليمين رئيس التحرير، الشيخ مرسل نصر، الشيخ دنيل عبد الخالق والمهندس علاء رضوان

الشيخ مرسل نصر
الاختلاط والتربية والعاطفة والسفر والتعلم في دول أجنبية
عوامل مسببة ونعترف بتقصير المؤسسات الدينية في السابق

بعض الشباب أصبح يذهب في مسالك جانبية
بسبب شروط أهل العروس والتكلفة الباهظة للزواج

دانيل عبد الخالق
الشباب لا يدرك تبعات الانجراف إلا بعد خمود العاطفة
لكنه يحمّل النتائج الاجتماعية وحده في غالب الأحيان

علاء رضوان
نحن فرقة مسلمة لكن عندنا خصوصيات ثقافية وسلوكية
ومن الصعب على الشخص الاستقالة من بيئته الطبيعية

نظّمت “الضحى الشبابية” ندوة حول موضوع الزواج المختلط استضافت سماحة الشيخ مرسل نصر، الرئيس السابق لمحاكم الاستئناف الدرزية، وشارك في الندوة عن الشباب كلٌ من دانيل عبد الخالق، عضو مجلس الأمناء، والمهندس علاء رضوان، رئيس نادي أمد، وبشرى غرز الدين، أمينة السر في نادي عقول وميساء نصر. وتولى رئيس التحرير تقديم المشاركين وإدارة الندوة. وفي ما يلي عرض موجز بالمداخلات والمشاركات.

رئيس التحرير: سنحاول وبناءً على الخبرة المشتركة لكل من أعضاء هذه اللجنة الحوارية وكذلك تجربة الحاضرين أن نعرض لما يعتبره البعض الإشكالات المحددة الاجتماعية والنفسية والتربوية التي يثيرها موضوع الزواج المختلط. وسنعوّل في هذا المجال بصورة خاصة على الخبرة الطويلة والحكمة اللتين يتمتع بهما الشيخ مرسل نصر، الرئيس السابق لمحاكم الاستئناف الدرزية، وسنحاول أخيراً الخروج ببعض النتائج بشأن الظاهرة وكيف يمكن توفير إدراك موضوعي لأبعادها وذلك لاعتقادنا أن موضوع الزواج المختلط ليس واضحاً بكل تبعاته لمن يقرر دخول هذه التجربة، نظراً لأن أصحاب هذه التجارب غالباً ما يكون تركيزهم الرئيسي على الرابطة العاطفية والفكرية، كما أن الزواج المختلط في نظرهم هو في حدّ ذاته نوع من التمرد على المجتمع أو المحيط المباشر للأشخاص، وبالتالي فإن موضوع الانعكاسات الاجتماعية على المدى الطويل قد لا يكون في أبرز أولوياتهم.

الشيخ مرسل نصر : مذهب التوحيد من المذاهب الإسلامية يتميز عن غيره عبر التفسير الذي يعطيه الموحدون الدروز لبعض أحكام القرآن والسنة النبوية وأحكام الأئمة عليهم السلام. “احياء في الدين”، وسندخل الموضوع من بابه العريض وهو أن مذهب التوحيد يحرّم الزواج المختلط للأسباب التالية:
أولاً : لأن الدين الإسلامي وهو الأصل قد حرّم زواج المسلمة من غير المسلم ، وأجاز زواج المسلم من غير المسلمة ، غير أن مذهب التوحيد توسع في التحريم بحيث شمل الذكور والإناث الموحدين من الزواج من غير أهل التوحيد .
ثانياً:لأن مذهب التوحيد يعتبر جميع المذاهب والأديان مظاهر مختلفة لحقيقة واحدة، وعليه فإن الموحدين يقرون بصحة جوهرها، بينما أتباع المذاهب والأديان الأخرى لا يقرون بصحة جوهر مذهب التوحيد .
ثالثاً:إن مفاهيم مذهب التوحيد تختلف في بعض الأمور عن المفاهيم المعتمدة لدى الطوائف والمذاهب الأخرى وبخاصة لجهة المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات الدينية والدنيوية، وحرية الإيصاء، وعدم إعادة المطلقة، وعدم تعدّد الزوجات، ومعايير الحضانة للأولاد وتربيتهم، وعدم التعصب، وغير ذلك.
وبالتالي، فإن مذهب التوحيد حرّم الزواج من غير الموحدين حفاظاً على مزايا التوحيد الإنسانية والدينية .
وعرض الشيخ مرسل نصر بالاستناد إلى خبرته الطويلة لموضوع الزواج المختلط والإشكالات التي يثيرها في مداخلة مكتوبة قررنا نشرها كوجهة نظر متكاملة إلى جانب هذا الكلام.

رئيس التحرير: سماحة الشيخ تحدّث عن الإشكالات التي لا تظهر دائماً عند الإقدام على الزواج المختلط. لكن السؤال مطروح، لماذا يقبل الشباب على الزواج المختلط رغم هذه المحاذير، وما هي العوامل التي تدفع البعض لتحمّل أعباء هذا القرار على الرغم من تبعاته؟ أود أن أطرح السؤال على الزميل دانيل عبد الخالق .

الشيخ مرسل نصر: مذهب التوحيد يجعل الزوجين شريكين شراكة كاملة في كل ما يملكانه ويجنيانه وهذا مبدأ تقدميٌّ ينفرد به الموحدون الدروز

دانيل عبد الخالق: الموضوع في نظري يتعلق بالوعي والهدف اللذين يحددهما الإنسان لنفسه. إذا كان الهدف السامي هو ما يشغل الشخص فإن موضوع الزواج لا يتخذ هذه الأهمية المركزية في حياة البعض، بل ينظر إليه كمساعد على أداء مهمات الحياة الجسدية والروحية. قمة الشهوة وطلب الجنس الآخر يكونان في عمر المراهقة لكن هذه الرغبة تبدأ بالاعتدال مع تقدم السن وربما التجربة. يبدأ عندها طرح أسئلة جديدة تتعلق بمعرفة الوجود ومعرفة الله وسر وجوده. أذكر أنه في بداية الدراسة الجامعية لم أكن أجد سوى قلة يهتمون بهذه المسائل. الغالبية تهمها السيارة أو الأصحاب وتمضية الوقت بأمور عامة يومية أو حياتية أو جدل سياسي.. لكن الملاحظ أن أكثر الشباب بعد الأربعين وبعد الزواج وتربية الأسرة يبدأون بطرح الأسئلة الجدية. أفلاطون الحكيم وصف الإنسان بأنه حيوان متحضر وكان يقصد بذلك أنه يختلف عن الحيوان بوجود حاجات ترتفع عن الضرورات الوجودية مثل الطعام والتناسل. بعض الناس تتفتح عندهم ملكة العقل والتحضر باكراً فيبدأون في البحث وبعضهم مع الأسف يتخلف ويبقى في حدود الضروريات. وغالباً وبسبب قوة الحاجات المباشرة غير العقلانية مثل الجسدية والنفسية قد يندفع الشاب أو الشابة من دون أن يقيم أحدهما وزناً لما سيأتي بعد، وغالباً ما يحصل الانجراف ولا يدرك الشخص تبعاته إلا بعد حين عندما تكون قوة العواطف قد خمدت وبقيت النتائج الاجتماعية للعمل. لكن عندها سيواجه الواقع ويجد صعوبة في العودة إلى الخلف. كل إنسان حرٌّ في معتقده وبعض الناس عندهم توجه اليوم نحو العلمانية لكنهم يفسرون العلمانية بالزواج المختلط، وهذا استباق في غير محله لأن العلمانية المقصود بها أولاً تحقيق درجة من التطور الوطني والاندماج السياسي، وهناك مسافة كبيرة بين ذلك وبين القفز إلى الزواج المختلط واعتباره تعبيراً عن هذه العلمانية، لأن الواقع غير ذلك. هناك أيضاً فكرة ينطلق أصحابها من نية سليمة ولا شك لكنها فكرة ساذجة، وهي أن الزواج المختلط يقرّب الطوائف من بعضها البعض. في الحقيقة هو يخلق هوة بين الشخص وبيئته ويفكك لحمة الجماعة من دون أن يؤثر بأي شكل في التقريب، أي أننا نبقى مع المشكلة الشخصية والعائلية لكن دون الأثر المأمول على مستوى الدمج الوطني. وأعتقد أن الوئام يحصل في الزواج المختلط في حال كان الزوجان غير متدينين ولا يهمهما الموضوع. لكن لو بدأ أي منهما التفكير في الشأن الروحي وقرر مثلاً العودة إلى الجذور، فإن الآخر سيواجه حينذاك مشكلة وقد تتفاقم المشكلة وقد تنعكس بصورة خاصة على الأولاد وخيارهم الديني لأن كل شخص سيبدأ بالفطرة بالميل إلى دينه.

علاء رضوان: هناك أهمية للوعي المبكر . ومن المهم أيضاً طرح السؤال: ما هي الغاية من الزواج، ربما يساعد الجواب على جلاء مسألة الزواج المختلط. أرسطو يحدّد العلاقات الاجتماعية بالقول إن أياً منها سيصبّ في ثلاثة أمور، إمّا في منفعة مشتركة أو في لذة معينة أو بعلاقة لها أهداف معينة. الزواج يؤسس لعائلة. العلاقة بين رجل وامرأة هل الغاية منها هي اللذة؟ إذا نظرنا إلى من يختار الزواج من خارج الطائفة نرى أنه لا يفكر غالباً بالنتائج أو الأطراف الأخرى المعنية بالزواج. عند التفكير في الزواج قد يتوقع الشخص المدرك وجود فضائل وميزات معينة عند الشخص الآخر، وهذه الفضائل موجودة عند الكل ولا نقول إنها مقتصرة على جماعة، لكن هناك خصوصيات ثقافية ونفسية لكل جماعة تسهل التواصل والتضامن بين أفرادها. نحن فرقة مسلمة لكن عندنا خاصيات معينة في السلوك والتعامل. إذا فكر الشاب بهذا الجانب فإنه سيجد أنه من الأسلم والأسهل لبناء الأسرة أن تكون متفرّعة عن الأسرة الكبيرة وليس مناقضة لها أو خارجة عنها وعندها فإن خيار الزواج المختلط لن يطرح بالنسبة له. الإرث الجماعي هو نتاج تاريخ طويل وتراكم، وأي شخص له جذور ويعيش حقاً داخل الجماعة لا يجدّ من السهولة اقتلاع نفسه من وسطها وهو سيسأل نفسه هل هذا الثمن مبررٌ من أجل علاقة عاطفية أو تعلق لا يدوم غالباً بشخص؟ المهم أن يكون للشخص أفكار واضحة عن الهدف من حياته ومن الزواج وعن العلاقة بالبيئة التي ينتمي إليها، وهي علاقة تفاعلية. ويجب أن ننتبه إلى أن العلاقات تتغير ولا يوجد ثبات في الحياة وهذا يشير إلى أن المخاطرة أكبر مما يظن البعض عند الإقدام على الزواج المختلط. ولهذا أيضاً نجدّ أن نسبة المشكلات في هذا النوع من الزواج مرتفعة وكذلك نسبة الحالات التي تنتهي بالطلاق لأن كلا الطرفين أو أحدهما سيستفيق لاحقاً على الصعوبات التي تحيط بالعلاقة، الأمر الذي يخلق توتراً وقد يذهب بالحب الأصلي ليحل محله الآلام والمشاكل.

رئيس التحرير: أقترح أن نواجه موضوع الزواج المختلط ليس فقط من منظور ديني، لأن الموضوع الديني يشدّد على موضوع التحريم. بغض النظر عن موقف الدين، فإن الذي ينتقل إلى ضفة أخرى إنما يقوم بذلك عن قناعة وإن كانت تلك القناعة هي بنت الظرف والوقت الذي يعيشه، لذلك أقترح أن نركّز أكثر على الناحية العملية.

بشرى غرز الدين
عامل المعتقد واختلاف البيئات وراء النسبة العالية للفشل

 بشرى-غرز-الدين

بشرى-غرز-الدين

 


الشيخ-مرسل-نصر

 

 

ميساء-نصر
ميساء-نصر

بشرى غرز الدين:أوّد الكلام عن قصة العاطفة. موضوع الحب. لا ينتبهوا إلا إلى تلك الناحية تغيب عنهم النواحي الإشكالية مثل احتمال التحول إلى علاقة روتينية أو حتى غير سعيدة بعد سنوات ومثل مشكلة هوية الأولاد وغير ذلك مما ينطبق عليه قول سماحة الشيخ مرسل نصر “تذهب السكرة وتأتي الفكرة”. الموضوع العاطفي غير مبرر لأن العديد من شبابنا نزل إلى الجامعات وتعاطى مع مختلف الفئات لكن أكثرهم قرر في النهاية أن الخيار الأفضل هو الاختيار من البيئة التي يعرفها.
وجود المناعة أمر مهم، وعندما نتعرّف على شخص من خارج البيئة يجب أن لا نترك العنان للعاطفة لأنها تقودنا، بل علينا نحن أن نقود العاطفة ونحكم عليها بالعقل. الذين ينتهون إلى تبرير الزواج المختلط بعامل العاطفة أخطأوا في الأصل عندما سمحوا للنفس أو للهوى بأن يقودهم في طريق يعرفون أنها شائكة ووعرة. لم يدركوا مثلاً أن عامل المعتقد مهم وأن اختلاف البيئات مهم لذلك كثيراً ما تنتكس هذه العلاقات بدليل النسبة العالية للفشل التي تسجلها. لماذا علينا أن نختبر ونفشل ولا نتعلم من اختبارات الآخرين؟. أخاطب الصبايا الزميلات لألفتهن أن أحكام الزواج في الشرع التوحيدي تحمي الزوجة وحقوقها وكرامتها، بينما الزواج المدني غالباً ما يتم كعقد وهو عرضة لتبدل القناعات أو الأهواء.

ميساء نصر
تأثير المدينة يختلف حسب الأشخاص ودور كبير للتربية الأسرية

ميساء نصر: الموضوع ليس عاطفياً بل الدين له أهمية لأن الشخص الموحد عندما يعرف معنى توحيده ويعمل به لا يحتاج لأي سبب لكي يضع الزواج المختلط خارج خياراته باعتبار أنه لا ينسجم مع قناعاته الروحية. العامل الثاني الذي يؤثر في الموقف من الزواج المختلط هو عامل التربية، إذا كان الأهل ساهرين على أولادهم فلن يكون الزواج المختلط خياراً مطروحاً. في حال توافر هذين العاملين أي الإيمان بالتوحيد والتربية الأسرية فإنه من الصعب أن تؤثر نزوة معينة أو انجراف في قرار الشاب الدرزي أو الشابة الدرزية.
بالنسبة لتأثير المدينة يختلف الأمر حسب الحالات وحسب الشخص. أنا شخصياً عشت في المدينة فكان تأثيرها عليّ زيادة في الاهتمام بقناعاتي وثوابتي الفكرية والروحية. على العكس من ذلك، فإن الصبية قد تكون تربّت في القرية لكن عند نزولها إلى المدينة لا تجد في نفسها المناعة الكافية أو الفهم الكافي للبيئة الجديدة فتقع في مشاكل. في ما خص العلاقات قبل الزواج، أعتقد أن الاقتصار على الصداقة يوسع الأفق ويظهر للشباب الموحدين الفوارق والتمايزات الثقافية لذلك يجعلهم على بينة من المحاذير، لكن شرط عدم التمادي بالطبع في تلك العلاقات.
أوّد هنا طرح السؤال، إذا كنا لا نريد التشجيع على الزواج المختلط، باعتبار أننا مدركون لسلبياته فلماذا نجيز إذاً للرجال الدروز الذين يتزوجون من خارج الطائفة وفق أحكام الزواج المدني أن يحتفظوا بهويتهم وأن يسجلوا أولادهم كموحدين دروز؟. هذا يطرح مشكلة بالنسبة للذين يهمهم أن يكون الشريك الآخر من أبوين درزيين لأننا مع توالي الأجيال لم يعد التأكد من ذلك سهلاً أو في متناول الفتاة أو الشاب.

الشيخ مرسل نصر
الأولاد يلحقون بالأب

الشيخ مرسل نصر :حسب الانتظام العام، الأولاد يلحقون بالأب. عندما يتزوج المرء من سنية مثلاً، وبين هلالين أقول إننا مذهب إسلامي له تفسيره الخاص للشريعة. أعود لأقول إن الأولاد يلحقون بآبائهم. هذه القاعدة لا يمكننا تخطيها، إذا كان الوالد درزياً فإن الأولاد يتبعونه.

رئيس التحرير: الصبايا ركزوا على اعتبار أن المعتقد أو التمسك به يجب أن يكون عاصماً للشباب من الانجراف باتجاه الزواج المختلط. لكن يجب أن لا ننسى أن قسماً كبيراً من الشباب والشابات اليوم ليس له بالضرورة التزام ديني. ربما له اهتمام بالعصبية أو بالعشيرة بحيث يهب إلى مؤازرة إخوانه أو الجماعة في حالات التعدي لكن موضوع الالتزام الديني ليس عاملاً أساسياً في تقرير الزواج. المشكلة اجتماعية ثقافية، وأي معالجات لموضوع الزواج المختلط يجب أن تركز بصدق وموضوعية كاملة من دون تهويل أو أحكام على الأشخاص. الشباب يقتنعون أكثر إذا قمنا بعرض الواقع كما هو والنتائج والمحاذير أكثر من اقتناعهم بأنهم سيُـكَفّرون أو سيخرجون من الدين إذا تزوجوا من خارج الطائفة. المهم هو أن يفهم الشباب إشكالات الزواج المختلط. هناك شباب مستعدون لتحمل النتائج ولا مشكلة بالنسبة لهم. لكن المهم أن يعرفوا وأن يكون هناك حوار عقلاني حول الموضوع.

الشيخ مرسل نصر : هناك ذرائع كنت أسمعها من بعض الشباب وهي أن الطائفة ليست فيها بنات متعلمات وهذا لم يعد قائماً لأن معدل التعليم بين الفتيات الدرزيات مرتفع جداً وقسمٌ كبيرٌ منهن يعمل في المؤسسات، وبالتالي يعتبر منتجاً أيضاً، الأمر الآخر المهم يتعلق ربما بسلوك أهل الفتيات وطلباتهم الكثيرة من الخطيب أو المتقدم للزواج من بناتهم، وهذا الأمر قائم وقد يكون أحد أسباب التحوّل عن الزواج بصيغته الشرعيّة والمطلوبة. لذا أقول إن من المعيب أن تكون البنت بضاعة وأن يعتقد الأهل أنهم يعملون مصلحة ابنتهم عندما يرفعون المهر ويلقون بشتى الطلبات على طالب الزواج. ولا ننسى هذه الأيام نفقات ما قبل العرس ونفقات العرس والجهاز والمصاغ وغيره. وأعتقد أن هذا قد ينفر بعض الشباب ويجعلهم يندفعون في مسالك أخرى. كل هذه الطلبات في غير محلها لأن مذهب التوحيد يجعل الزوجين شريكين شراكة كاملة في كل ما يملكانه ويجنيانه وهذا مبدأ تقدميٌّ ينفرد به الموحدون الدروز. ومن أجل تكريس هذا المبدأ في القانون الوضعي تقدمت بمشروع لم يقر حتى الآن ينص على أن كل ما يتحصل من أموال منقولة وغير منقولة أثناء الحياة الزوجية تكون ملكيته مشتركة بين الزوجين. وبهذا المعنى فإنه في حال الطلاق يجب أن يقسم المال الذي استجدّ خلال فترة الزواج مناصفة على أن يدفع من يظلم أو يتحمل مسؤولية الطلاق تعويض عطل وضرر للفريق المظلوم قد يتجاوز قيمة الأملاك. لذلك أخاطب الأهل بأن يتقوا الله في الطلبات التي يقدمونها لطالبي الزواج.
في نهاية الندوة فتح باب الأسئلة وطرح أحد المشاركين على المحاضرين سؤالاً عن الأسباب التي تدفع في نظرهم الشباب للتفكير في الزواج المختلط. وهل السبب هو التربية أم هو المعشر والرفقة، وهل هناك فارق بين اختيار الشاب للزواج المختلط وبين اختيار الفتاة للزواج المختلط. وأثار السائل موضوع المناعة الذاتية سائلاً كيف تحصل هذه المناعة وما هو طريقها؟
الشيخ مرسل نصر: الأسئلة التي طرحت تتضمن الأجوبة: هناك ولا شك أثر للاختلاط وللتربية وللعاطفة الجياشة التي تشل التفكير العقلاني، السفر والتعلم في دول أجنبية أيضاً عنصر، لأن الكثير من الشبان سافروا في سن صغيرة وعانوا من الغربة ووجدوا هناك من يؤانسهم فاطمأنوا ودخلوا في تلك العلاقات وتزوجوا من جنسيات أجنبية. مشكلتنا هي أننا نستسلم للعاطفة ولا نهتم بالإطلاع على الواقع إن لم يكن على المذهب فعلى الأقل على واقعنا الاجتماعي. غياب عملية التفكير هذه ودرس العواقب سبب أساسي. طبعاً أنا لا أوافق على بعض من يقسون على الذين يقومون بتلك الخطوة لأنني أسأل أياً منهم: لو كنت في مكان هذا الشاب أو الشابة هل كنت ستصمد أو ربما وقعت في الأمر نفسه؟ فيجب علينا أن لا نحكم بل علينا أن نرحم ونسعى للحفاظ على الشخص ونرمم علاقته بالبيئة. يجب توعية الشباب قبل السفر. هناك من يحرص على أن يخطب للشاب قبل سفره وهذا أمر جيد ويدل على بعد نظر.
أحد المشاركين قال إن على الشاب الدرزي أن يدرك معنى كونه موحداً تختلف قراراته بشأن موضوع الزواج وغيره عن من لا يدرك أو يعرف حقيقة انتمائه، حتى لو نجح الزواج المختلط بين شخصين فإن ذلك ليس قاعدة ولا ينفي المشكلات الاجتماعية الكثيرة التي يثيرها.

جانب-من-الحضور-النسائي-في-الندوة
جانب-من-الحضور-النسائي-في-الندوة

الشيخ مرسل نصر : في الزواج المدني أي خلاف يحصل بين الزوجين يعاد إلى المحاكم المدنية. في المحاكم المدنية أحكام مخالفة للشرع مثلاً في القانون المدني الحضانة للأم حتى سن الـ15 للبنات، في الشرع حتى التاسعة. في الزواج المدني أحكام الإيصاء أيضاً تختلف .
أحد الحاضرين سأل أين التوعية وأين المرجع لهذه المواضيع؟
الشيخ مرسل نصر: السؤال يتضمن نقداً خفيّاً وهو سؤال محق. نحن كمسؤولين قصرنا كثيراً. لذلك لا يمكننا أن نلوم من يتخطى الأصول إذا لم يكن يعلم. لذلك نتكلم مع سماحة شيخ العقل لتأسيس لجنة أو مؤسسة لتوعية الشباب نحن ليست عندنا إذاعة دينية ولا تلفزيون . وهناك تقصير. البعض قد يتوجه بالسؤال إلى شيخ العقل. لكن لا تطلب من شيخ العقل بل قدّم مشروعاً، عندها يدرس ويبت.. لا نرى مشاريع. الشباب أيضاً يحتاجون إلى وعظ عصري يخاطبهم على مستواهم ويكون الحديث علمياً ومبنياً على وقائع. ونحن نشعر بهذا النقص وهذا التعطش للتوجيه في أماكن كثيرة. نقول إنشاء الله يحصل خير.

يوم البيارق في القريّا

يوم البيارق في القريّا

أبَـــــا هِنْـــــدٍ فــــَلاَ تَعْجــــَـلْ عَلَيْنَـــــا وَأَنْظِـــــرْنَا نُخَبِّـــــــــــرْكَ اليَقِيْنَــــــــــــــا
بِـــــأَنَّـــــا نُــــــوْرِدُ الـرَّايَـــــاتِ بِيْضــــــاً وَنُصْـدِرُهـــُنَّ حُمـــْراً قَـــــدْ رُوِيْنَــــــا

البيـــرق مهمـــاز البطولـــة فـي المعــارك
كـــــم مـن الشهـــــداء سقطـــوا لحمايتــــه

شهد صرح الثورة في القريّا في سورية في 21 آذار الماضي احتفالاً مهيباً بإيداع بيارق جبل العرب في صرح سلطان باشا الأطرش الذي يتحول بذلك يوماً بعد يوم إلى متحف متكامل للثورة السورية الكبرى، إضافة إلى احتضانه ضريح بطل الثورة وقائدها المغفور له سلطان باشا الأطرش. وقد جرى الاحتفال بحضور جمهور غفير من ممثلي القرى وحملة بيارقها الذين هم غالباً من أبناء أو أحفاد أبطال الثورة والمعارك العديدة التي جرت خلالها، وكانت المشاعر الجياشة واضحة في هذه المناسبة نظراً للرمزية الكبرى التي يحملها البيرق بالنسبة لكل من قرى الجبل العديدة ولما يحاط به من اهتمام ورعاية، وما يثيره أحياناً من تنافس بين العائلات ووجهائها على شرف الاحتفاظ به وحمله في المناسبات .
أما سبب ذلك التنافس فهو كون البيرق الراية التي حملها الثوار أثناء معاركهم التي خاضوها عبر التاريخ ضد قوى كبرى سعت لإخضاع الجبل المسالم فاستفزت مشاعر الكرامة والعزة بين أبنائه الذين كانوا يردون دوماً بعنف واستبسال في الدفاع عن حماهم وكرامتهم، بسبب الأنفة التي تميزهم وتمسكهم الشديد بكرامتهم، فقد وجد ثوار جبل العرب أنفسهم في مرات كثيرة في صدام مباشر مع قوى كبرى مثل العثمانيين والمصريين (حملة إبراهيم باشا) والفرنسيين، بحيث يمكن القول إن تاريخ الجبل كله هو تاريخ ملاحم ومواجهات بطولية استغرقت قسماً كبيراً من تاريخ الجبل الأشم.
والبيرق هو عبارة عن قطعة من القماش الأحمر مستطيلة الشكل ومكتوب عليها بعض العبارات التي تدل على اسم القرية التي يعود لها، وذلك لحث شبابها على القتال والشد من عزيمتهم. وجرت العادة أن يكون حامل البيرق من الرجال الشجعان لأن له مكانة خاصة في النفوس على اعتباره راية من رايات الحرب، وله مفاهيم عديدة منها أنه لا يجوز أن يقع البيرق على الأرض في ساحة المعركة، حيث يلتف المحاربون حول البيرق أثناء المعركة لحمايته من الوقوع في أيدي الأعداء، وإذا ما استشهد حامله تناوله شاب آخر قد يكون أخوه وكثيراً ما قام الثوار بغرسه بصدورهم بعد إصابتهم خوفاً من وقوعه، كما أن تاريخ الجبل والعائلات فيه زاخر بالقصص عن كل بيرق وكم من الشهداء سقط تحته في هذه المعركة أو تلك. وعلى سبيل المثال فإن بيرق السويداء سقط تحته في إحدى المعارك سبعة من أسرة واحدة في سعيهم المستميت للحفاظ عليه.

من يحمل البيرق؟
حمل البيرق شرفٌ لا يعطى إلا لأنبل شاب في القرية أدباً وأخلاقاً وفتوة وفروسية، بحيث يكون أهلاً لحمل بيرقها، لكن غالباً ما كانت تراعى في الاختيار اعتبارات أخرى مثل أن يكون حامل البيرق من عائلة شبابها كثيرون ومشهورون بتماسكهم وشدة بأسهم أثناء القتال، وذلك بما يضمن تكاتفهم واستماتتهم في الدفاع عن البيرق. وهذا ما يجعل العائلة التي يتم اختيارها لحمل البيرق ترى في ذلك شرفاً عظيماً لها لا تتنازل عنه مهما كلفها ذلك من تضحيات.

متى يخرج البيرق؟
لخروج البيارق في جبل العرب مغزى عظيم وجسيم لأنه لا يتم إلا في حالات الخطر الداهم والتنادي للذود عن الحياض. ففي أثناء الحرب يأتي النذير ويعلم أول من يصادفه من أبناء القرية بأن العدو في المكان الفلاني وأن عليهم الاستعداد على الفور للمواجهة. وغالباً ما يتابع النذير سيره خيالاً كان أو راجلاً على وجه السرعة بهدف إعلام القرى المجاورة التي تنتدب بدورها منذرين يتصلون بالقرى التالية. وغالباً ما تكون وظيفة النذير أن يصعد إلى أعلى مكان ويصيح (وين راحوا النشامى وين راحوا حماة الوطن) فتتناخى الشباب ويجتمعون في ساحة القرية ومعهم حامل البيرق وتبدأ “النخوات”.
ويحضر (عازف المجوز) إلى جانب البيرق ويبدأ بعزف نغمة تثير الهمم وترفع المعنوية في النفوس وتسمى هذه النغمة “الجرودي” ومعناها (تجريد السيوف من أغمادها استعداداً لمواجهة منتظم العدو).
وعادةً ما يخرج البيرق بعد اجتماع عام عند كبير القوم، حيث يقف حامل البيرق ومن معه من الفرسان في الساحة استعداداً للانطلاق إلى المعركة حيث تلتقي بيارق الثوار جميعها. وللبيارق منظر مهيب في ساحة المعركة، إذ يدخل الرعب في قلوب الأعداء. ومن العادات السائدة أيضاً أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال طي البيارق قبل انتهاء المعركة كما لا يجوز بأي شكل من الأشكال رمي البيرق على الأرض، وخير مثال على ذلك عندما استشهد “شهاب غزالي” (من قرية ملح في جبل العرب) غرس “البيرق” بصدره كي يحول دون سقوطه..

ضريح ومتحف سلطان باشا الذي استقبل بيارق قرى جبل العرب
ضريح ومتحف سلطان باشا الذي استقبل بيارق قرى جبل العرب

دور البيرق في المعركة
عند بدء المعركة يندفع حامل البيرق إلى موقع متقدم حتى يلحق به كل شباب القرية ويلتفّون جميعهم حول البيرق كالسوار وبشكل دائم، فإن استشهد حامله تلقف البيرق مقاتل آخر حتى انتهاء المعركة فيثبت البيرق عندها في مكان واضح كي يهتدي إليه كافة شباب القرية للعودة به، وبعد ذلك يعزف لاعب المجوز أنغام النصر ويتحلق المقاتلون لأداء رقصات حربية على أنغام المجوز الحماسية وتصفيق الأيادي احتفاء بالنصر الذي تحقق بجهودهم وتضحيات رفاقهم من شهداء وجرحى.
إن أهمية البيرق في التكتيكات العسكرية للمقاتلين في جبل العرب هو أنه يعتبر أهم وسيلة للتشجيع على ثبات المقاتلين في موقفهم واجتناب الانهزام مهما اشتدت الضغوط. بمعنى أن العنصر الأهم في معارك الموحدين الدروز في جبل العرب، والعامل الأساسي الذي وقف وراء انتصاراتهم الباهرة على جيوش جرارة كان دوماً الروح المعنوية والاستعداد للبذل وعدم الخشية من الموت، بل الإقبال عليه دون تردد وفي الحكمة الشريفة (لا تخافوا من تمزيق أقمصتكم) أي لا تخافوا من خسارة الجسد الذي هو مجرد قميص للروح ولا يكون التعلق بالحياة سبباً للهوان والعيش الذليل.
من أجل توضيح المغزى الكبير للبيرق في تاريخ جيل العرب وأبنائه نورد في ما يلي بعض المقتطفات من الشعر الشعبي الذي قيل في البيرق من بعض الشعراء المعروفين.

هلال الأطرش على فرسه 1925 وخلفه حملة البيارق
هلال الأطرش على فرسه 1925 وخلفه حملة البيارق

تاريخنــا وضــاح مابــه عروجــــي ومجــد ليعــرب طافــح بكــل الــوزان
ويوم البيارق في المعامع خفوجي وين إنت يلي مصنف الناس غفلان
محمد جادو شجاع

شدوا على قب الرمك والبكارة وخلوا البيــارق فوقهــــا ترجف رجــوف
ويا ما حلا عند الصباح المثارة ويضحى سماها بأصفر العج مكسوف
إسماعيل العبد لله

حمر البيارق ما إنطـــوت عاذلة وعاداتنــــــا جيـــــش العــــدو نذلـــــــــــه
بصوله تــــــــروي للقـــلب والغلــة وأرض العــــرب لا بد من تكنيســـــــــــا
عيسى عصفور

حمر البيارق والسيوف رعافــــي شيـــالة ضيــــم الدخيــــــــل العــــافــــي
والديرة اللما أنتم بهـــــا تنعـــافي لو أنها جنــــة عـــدن والطـــــــــايـــــــــفِ
عيسى عصفور

يــا سيوف تزنري بلون الـــــورود وحزي رقاب البِطْل والعنق إقطعــــــي
ويــا بيــارق لوحي فــوق الـــــزنود شقـي الفضا وكفي طريقك وإطلعـــي
علي شعبان

سلطان متحــــف للبيارق والعلام للهنــــــــادى.للمــــدى. للمطـــــــــــــــــال
سلطان يمكن من بعد ألفــين عام بيظل بيــرق للمحـــبــة والســـــــــــــلام
حمد المصفي

بيــــــــــــــــــرق جبلنا إلي إنتـــــصب فـــــــــــــوق الليــــــــــــــــــوث بغابهــــــــــــا
وجبـــــــــــــــال بركـــــان الغــــــــضب عســـــــــــــــرت علــــــــــــى طلابـــــهـــــــا
شاعر من الجبل

بيارق العز – قصيدة الدكتور عبدي صياح الأطرش

بيارق العز

هذا نص القصيدة التي ألقاها الدكتور عبدي صياح الأطرش في احتفال جمع بيارق جبل العرب في صرح المغفور له سلطان باشا الأطرش المناضل العربي والقائد العام للثورة السورية الكبرى.

يـــــــــــابــــــــــيرقَ العــــــــزّ ويــــــــــــا رمــــــــــــــزَ الفِــــــــــــــدا يـــــــــــــــــامَــــــــنْ حــللــــــــــــت مـكــرّمـــــــــــاً وممجّــــــــدا
رفـــــــــــرفْ وخبّـــــــــــــــــرْ فالمشـــــــــــــــاعرُ لَوْعـــــــــــــــــة ترنـــــــــــــــــــــو لخفقــــــــــــــــــــــكَ دونَ أن تـتــــــــــــــــردّدا
وانفــــــــــــَحْ بعِــــطــــــــــــرٍ قــــــــد تـعَمّـــــــــــــدَ بالدّمــــــــــــا واحـــــــــــكِ الملاحــــــــــمَ والكفـــــــــــــــاحَ المُنـــــــــــــجدا
خـــــــــذني إليــــــــك ؛ إلــــــــــــى الفِخــــــــار وغَطّـــــــــــني لأشــــــــمّ مجــــــــــــداً فــــــــي النــفـــــــــــوسِ مُوَسّــــــٍــــــدا
وأضـــــــــــمَّ حمّـــــــــالَ االحميّـــــــــــــةِ فــــــــي الوغـــــــــــــــى يَــــــــــــــــرِدُ الصّعـــــــــــــــابَ مقاومـــــــــــاً ومُسَــــــــــــــدَّدا
حمَــــــــــــلوكَ فــــــــي جَفــــــــنِ الوطيــــــــسِ وودّعــــــــــــــوا ثَــــــــــــــــــوبَ الـــحيــــــــــــــــــــاةِ إرادةً وتـــــجَلُّــــــــــــــــــدا
هـــــــــــذا شهيــــــــــــــــــــدٌ خالــــــــــــــدٌ فــــــــي خُلــــــــدِه أعظِــــــــمْ بــــــــــــهِ شـــــهمــــــــاً وَأكــــــــرِم مَحــــــــــــــــتِدا
ضحّــــــــــى فأضحــــــــــــى للبيــــــــــــــــــــارق لونـَـــــــــــــــها بــــــــل عطرَهــــــــا المعـــــــــــطارَ فــــــــي صــــدرِ النـــــّدا
يتلــــــــوه مــــــــن بــــــــــــاع الحيــــــــــــــــــاةَ رخيصــــــــــــــــــةً ومضــــــــــــى سخيـــــــــــــــــاً بــــــــل أبيّـــــــــــاً ســــــــــيّدا
طــــــــوبى لهــــــــم أوفُــــــــــــوْا ولســـــــــــــتُ مبـــــــــــالغــــــاً إن قـــــــــــــلتُ فيهـــــــــــم مــــــــا يليــــــــقُ ويُقتـــــــــــــــدى
فتراهــــــــــــمُ سلّــــــــــــــــــــوا الصـــــــــــــــوارمَ وانتــــقَــــــــــوْا شــــــــرَفَ الشهـــــــــادةِ دون أن يخشـــــــــــوا الــــــــــــرّدى
ليــــــــظــــلّ هامــــــــُك فــــــــي الجهـــــــــــاد مُجلّيـــــــــــــــــــاً وتــــــــــــــــــــظلَّ مرفـــــــــــــــوعاً ورمحـــــــــــاً صــــــــــــامدا
كُــــــــــــــــرمى لأرضٍ فــــــــــــــــي الخواطــــــــر والحشــــــــــــا طابــــــــت بنــــــــــــــــا وطنـــــــــــــــاً وطابـــــــــت مــــَوْرِدا
جبــــلــــت ثراهـــــــــــــــا بالـــــــــــــــــــدماء جليّـــــــــــــــــــــةً وغــــــــــــدت طـــــــــــــــريقاً للجــــــــــــــــــهاد مُعبّـــــــــــــدا
هــــــــــــذي البيــــــــــــارقُ يــــــــــــا ” قُريَّــــــــــــا ” نخــــــــوةٌ تنخــــــــــــو الـــعــــــــــروبةَ كــــــــي تــــــــــذودَ وتصمـــــــدا
والذكريــــــــــــــــــاتُ الهاتفــــــــــــــــــــاتُ بِرَوْعِنــــــــــــــــــــــــا توصــــــــــــي ليُصنـــــــــــــــعَ مــــــــن صداهـــــا مِصعـــــدا
والصّــــــــرحُ أصبــــــــــح فــــــــي رحابِــــــــــــك قـــــبلــــــــــةً ولســــــــــــــوفَ يـــــــــــبــــــــقى للبطــــــــولــــــــةِ مقعــــــــــدا
وضريـــــــــــــح ” سلــــــــطانِ ” العـــــــــــروبةِ قــــــــد غـــدا فــــــــي معجــــــــمِ التـــاريــــــــخِ تـــــــــاجــــاً عَسْـــــجــــدا
وتحيطـــــــــــــــــــهُ غُــــــــــــــــررُ البيـــــــــــــارقِ والقنــــــــــــــــا منقوشـــــــــــــــــةٌ بقلوبنـــــــــــــــا طــــــــــــــولَ المـــــــــــــــدى
فــــتعيــــــــشُ فــــــــي شَمــــــــــمِ المناظـــــــــــــــرِ شائقــــــــــاً تستــــــــــــافُ ذِكْــــــــــــــــراً زاهــــــــــــــــــراً ومــــُــــــــــوَرّدا
وتحــــــــــــــسُّ أنّــــــــــــــــــــــــك فــــــــي المــــــــــــــــواردِ واردٌ والشّعــــــــــــــــرُ يفخــــــــــــــــــــرُ بالمفاخــــــــرِ مُنشــــــــــداً

العدد 3