“جميع البشر عليهم العمل في جميع الفصول
من الفجــــر وحتى وقت الغـــــــــــــــــروب
وحدي أنا أجد نفســـــــي حرّا ودون عمـــل
ملتصقا بقوة بالمصــــــدر الذي جئت منـــه”
«الريح يعطيني
من أوراق الأشجار
ما يكفي لأوقد ناري»
من شعر الناسك الياباني
ريـــوكان
عندما تدرك أن شعري ليس من الشعر
عندها فقط يمكننا أن نبدأ الحديث عن الشعر
مثل سحابة في الفضاء لا يقيِّدها شيء
أترك نفسي لتنساب حيث تشاء الريح
هذه الدنيا البرّاقة لا تثير في نفسي أي اهتمام
وأقرب الأصدقاء إليّ هي الجبال والأنهار
قليل من قراء العربية لديه الإلمام بهذه الشخصية الفريدة في تاريخ التصوف البوذي، وتاريخ الشعر الصوفي النادر في شاعريته وجماليته، لذلك عندما اطلعنا منذ سنوات على ديوان الشاعر الياباني الأصل ريوكان وقعنا فيه على حديقة وارفة من أشعار الزهد والتأمل الروحي تثير المشاعر وتهز الأحاسيس، وهي تحدث هذا الأثر في النفوس ليس بسبب بلاغة في الصياغة أو بسبب موسيقاها بل بسبب ما تعكسه من روح الشاعر الناسك ورقته وعقيدة الحب والسلام التي تلهم كل لحظة من لحظات حياته. فريوكان يبدو لنا نموذجا نادرا للروح الحرة التاركة للعالم الملتصقة بالطبيعة والأزاهير والغابات والقمر والجبال والأنهار. وهذا الشاعر الناسك السائح في الأرض لا يؤلف شعرا من الخيال بل يصف حياته الحقيقية، حتى لتكاد قصائده تكون نوعا من اليوميات الشعرية لحياة النسك والتجوال. وبسبب انغماسه في الطبيعة وحبه لها وللعزلة في كوخه البعيد عن العمران فإن الكثير من شعر ريوكان يدور حول الطبيعة اليابانية الأخّاذة وحول تفاعله اليومي مع فصولها ورياحها وبردها وسكونها وأشجارها وينابيعها .. ولننتبه إلى أن شعر ريوكان يتعدى وصف الطبيعة إلى وصف حالتة الداخلية في التفاعل معها فهنا نجد ناسكا يشرح لنا معنى السلام الداخلي والتحرر من الحاجة ومن الخوف ومن كل ما تسببه الدنيا والتعلق بها من هموم وكدر وتعاسة. ولهذا ربما فإن القارئ لشعر ريوكان سيشعر بصورة عفوية براحة كبيرة وربما تمنى لو أن في إمكانه أن يعيش ولو على سبيل الاختبار تلك التجربة الفريدة للنسك وتأمل الوجود وسط الطبيعة وبعيدا عن الناس وقد كانت سلوى ريوكان الأولى هي اللعب مع الأطفال، وهو الذي يقول في شعره أنه يبحث عن رجل واحد يكون شبيها له لكي يشاركه الحديث في كوخه (لكنه لا يجد) وفي هذا القول ما يفيد عن عمق المسافة التي فصلت الشاعر عن الناس وعن زمانه وجعلته يقول في أحد أشعاره أن خير أصحابه هي الجبال والأنهار !! أي الطبيعة النقية الصافية. فمن هو هذا الشاعر وما الذي يمكننا أن نتعلم منه؟
ولد ريوكان الناسك في العام 1758 في منطقة أشيجو النائية في شمال اليابان والتي تتميز بطبيعة جبلية ساحرة وطقس ثلجي خلال أشهر الشتاء. وقد درس ريوكان الشاب الآثار الكلاسيكية للفكر الصيني والياباني، وكان والده رئيس البلدة كما أنه كان شاعراُ معروفاً في فن الهايكو وهو فن خاص من الشعر الياباني الذي يهتم بالطبيعة ويستخدم أسلوب الأبيات القصيرة والإيحائية للتعبير عن تجربة داخلية ذات عمق وجودي أو روحي.
وكان ريوكان الشاب وسيما ومحط أنظار فتيات القرية، لكنه على أثر أزمة قلق وجودي وبحث عن معنى الحياة نذر الفقر وقرر ترك كل أملاكه ومكانة العائلة والالتحاق بدير للرهبان البوذيين وكان يومها في العشرين من عمره.
في العام 1780 أصبح ريوكان مريدا للمعلم البوذي كوكوسن وكان أشهر معلمي بوذية التشان Zen Budhism وهي الفرع النُّسُكي والصوفي للبوذية. وقد سلك ريوكان بثبات في ذلك المعتكف الجميل في قلب الجبال إلى أن مات معلمه في العام 1791، ورغم أن ريوكان كان قد أصبح المريد المُفضَّل لكوكوسن الذي اختاره كخليفة له لرئاسة المعبد والطريقة التي كان يتبعها، إلا أنَّه رفض القيام بتلك المهمة وقرر بدلا من ذلك التحول إلى ناسك جوال وأمضى السنوات العشر التالية من حياته متجولا في أنحاء اليابان. ومع بلوغه مطلع الأربعينات من عمره عاد إلى مسقط رأسه حيث أمضى البقية الباقية من أيامه يعيش حياة بسيطة وهادئة في معتكف جبلي بعيد عن الناس. وكان يحصل على قوته بالتسول وطلب الطعام من الناس وكان بعد ذلك يشارك في طعامه العصافير وحيوانات الغاب. وكما توحي أشعاره فإن ريوكان كان يمضي أيامه في التأمل الروحي في كوخه أو في النظر إلى القمر أو اللعب مع أطفال القرية أو يزور الأصدقاء ويحتسي معهم نبيذ الأرز أو يرقص في الاحتفالات ويخط أبياته الشعرية بريشته ومحبرته مخلفا بذلك مخطوطات رائعة الجمال وذات قيمة فنية نادرة.
كتب أحد أصدقائه يصفه بهذه الكلمات:
“عندما يأتي ريوكان لزيارة أحد فكأنما حل الربيع فجأة في يوم شتائي قاتم. لقد كان يتميز بشخصية شفافة ونقية لا تشوبها شائبة من تصنع أو ازدواجية. وكان يشبه كثيرا أولئك الخالدين من أعلام العبادة والزهد الذين بلغتنا أخبارهم ومآثرهم في الآداب والسير القديمة كان يشع حرارة ومحبة ولم يظهر في حياته أي غضب ولم يكن يستمع لأي نقد يوجه إلى آخرين، وكان مجرد اللقاء به يبرز في الناس أفضل ما في شخصهم وأطباعهم”.
في إحدى المرات طلب منه أحد أقاربه أن يساعده في إرشاد ابنه المنحرف، وقد أجاب ريوكان الطلب بأن قام بزيارة الأسرة وأمضى ليلته مع أفرادها، لكنه لم يتحدث إلى الشاب أو يسعى إلى وعظه، وفي الصباح وعندما كان يستعد للمغادرة كان الشاب يساعده في ربط صندله عندما أحس بنقطة ماء حارة تسقط عليه وعندما رفع نظره وجد ريوكان يبكي بحرارة لحاله. وكانت الحادثة المنعطف الذي ساعد الشاب على إصلاح نفسه.
روي أيضا أن أحد أمراء الساموراي بلغه أنباء ريوكان فأراد أن يكرمه وجاءه يوما يعرض عليه أن يبني له معبدا واسعا يسكنه. استمع الراهب إلى الأمير لكنه بقي صامتا ثم أخذ ورقة وخط عليها الأبيات التالية وسلمها إلى الأمير وقد كتب فيها:
«الريح يعطيني من أوراق الأشجار
ما يكفي لأوقد ناري»
أدرك الأمير مغزى الرسالة فانسحب وودع ريوكان باحترام وتوقير شديدين
مع تقدمه بالسن ظهرت علامات العجز على ريوكان فأقلع عن حياة التجوال والعزلة في البرية وقبل ضيافة أحد أصدقائه في منزل سكنه حتى وفاته عن عمر بلغ الثالثة والسبعين في سنة 1831.
خلال حياته الصوفية كتب ريوكان ألاف الأشعار بخط رائع جعل منه أحد أبرز وأشهر خطاطي الأسلوبين الصيني والياباني الكلاسيكيين واحتفظ الناس بآثاره وحرصوا عليها، ثم قام الشاعر تي تشن بجمع تلك الأشعار فصدرت كمختارات تحت عنوان “نقاط من الندى على ورقة اللوتس” سنة 1835 أي بعد أربع سنوات من وفاة الشاعر
ويعتبر ريوكان أعظم شعراء مدرسة التصوف البوذي Zen Budhism على الإطلاق كما أنه لغاية اليوم أعظم خطاطي اللغة اليابانية الكلاسيكية.
في الجزء التالي أشعار مختارة قمنا بترجمتها عن النسخة الإنكليزية للديوان الذي ترجمه عن اليابانية جون ستيفنس وصدر عن دار شامبالا في العام 1993.
شعري ليس من الشعر!
من قال أن شعري هو من الشعر؟
إن شعري ليس من الشعر
لذلك، وعندما تدرك أن شعري ليس من الشعر
عندها فقط يمكننا أن نبدأ الحديث عن الشعر
إلى مرشدي
قبر قديم بعيد عن الأنظار في أسفل تلّه مهجورة
تغطي جوانبه أعشاب تنمو وترتفع عاماً بعد عام
لم يعد هناك من يعتني بالقبر
وربما مر أحد الحطابين بالمكان من حين لآخر
كنت يوما مريده وكنت شابّاً أشعث الشعر
ونهلت العلم منه على ضفة النهر.
وفي أحد الأيام غادرته مسافراً لوحدي
ومرت الأيام والسنين على افتراقنا بصمت
وهاأنذا أعود، لأجده راقدا في المكان
كيف أكرم ذكرى روحه؟
أسكب إبريقا من الماء فوق شاهد قبره
وأتبع ذلك بصلاة صامتة
فجأة، تختفي الشمس خلف التلال
ويلفُّني هدير ريح يعصف بين أشجار الصنوبر
أحاول أن أنتشل نفسي بعيدا لكنني لا أستطيع
سيل من الدمع يبلل أطراف أكمامي
كوخي الجميل
في شبابي وضعت جانبا هم الدرس
وأخذني طموح بأن أكون قديسا
أن أحيا كراهب متجول يعيش على الصدقات
وقد جلت الفيافي في كل اتجاه لأكثر من ربيع
أخيرا عدت من حيث انطلقت لأقيم تحت قمة وعرة
وهاأنا الآن أعيش بسلام داخل كوخ من القش
أصغي إلى العصافير وموسيقاها الجميلة
والسحب في السماء أفضل جيران لي
وفي أسفل التلّه ينبوع رقراق حيث أطهر الجسد والروح
وفي أعلاها أشجار سنديان وصنوبر باسقة تمدني بالظل وبالحطب
ها هنا أتنفس الحرية في النهار وفي الليل
ليست لي رغبة بترك هذا المكان أبدا
إن سأل أحد عن مسكني
فإنني سأجيب:
مسكني على الحافة الشرقية
من مجرّة درب التبانة
مثل سحابة في الفضاء
لا يقيِّدها شيء
فإنني أترك نفسي
لتنساب حيث تشاء الريح
هذه الحياة!
ممزقة ومهلهلة، ممزقة ومهلهلة
ممزقة ومهلهلة هذه الحياة
تسألني عن الطعام؟ إنني أجمعه من الطريق
والشجيرات والعليّق استولت على كوخي منذ زمن
غالبا أجلس أنا والقمر كل الليل
وكم من مرة نسيت نفسي وسط الأزهار البرية
فغاب عن ذهني أمر العودة إلى البيت
لا تعجب إذن لم تركت الحياة مع الناس
كيف يمكن لراهب مجذوب مثلي أن يعيش في معبد؟
قصيدتان إلى الصديق بوزاي
حقا أنني رجل محدود الفهم
أعيش بين الشجر والنباتات
لا تسألني عن مسائل مثل وهم الوجود والتجليات
فهذا الرجل البسيط كل همه أن يبتسم لنفسه
أشق طريقي وسط الجداول برجلين نحيلتين
أحمل كيسا عندما يكون الطقس ربيعيا
تلك هي حياتي
ولست مدينا بشيء لهذا العالم
هذه الدنيا البرّاقة لا تثير في نفسي أي اهتمام
وأقرب الأصدقاء إليّ هي الجبال والأنهار
السحب تبتلع ظلي عندما أسير
وعندما أجلس على قمة الجرف تحلق فوقي الطيور
مرتديا صندلا من القش، يعلوه الثلج، أزور قرى باردة
حاول كل جهدك أن تتعمق في معنى الحياة
وسيمكنك عندها أن تدير ظهرك حتى للأزهار الجميلة
لم يأت الخريف بعد
طريق فريد بين عشرة آلاف شجرة
وادٍ غارق في الضباب، محتجب بين آلاف القمم
لم يأت الخريف بعد، لكن أوراق الشجر بدأت تتساقط
لم يهطل المطر بغزارة، لكن الصخور اتخذت لونا قاتما
مع سلتي الصغيرة أقطف الفطر
وبهذا الطاس الصغير أغترف مياه الينابيع النقية
وما لم تلق بنفسك –عمداً- في حالة من الضياع التام
فإنك لن تصل -بعيدا- إلى حيث وصلت
مرآة الماء
أرتقي إلى قاعة الحب الكبرى
وأسرح بنظري نحو الغيوم ووهج الغروب
أشجار موغلة في القدم تمتد إلى حدود السماء
ونسيم عليل يُحدِّث عن عشرة آلاف جيل من البشر
وفي الأسفل نبع التنين الملك
وهو من الصفاء بحيث يمكنك أن ترى أول منبعه
لذا فإنني أن صادفت أحد المارة أناديه:
تعال وشاهد نفسك في مرآة الماء
ليل لا ينتهي
في حلكة الليل وعمق الجبال
أجلس متربعا للتأمّل
شؤون الدنيا لا طريق لها إلى هذا المكان
كل شيء هنا هدوء تام وفراغ
كل البخور ابتلعه ليلٌ لا ينتهي
وقفطاني أصبح ثوب من ندى
لم أستطع النوم، لذلك خرجت أتمشى في الغابة
فجأة، من خلف أعلى قمة، ظهر البدر التمام
قصائد جبل الصقيع
في كوخي وجدت نسخة من كتاب “قصائد جبل الصقيع”
أجده خيراً من كتب الأصول الفلسفية
لذلك أقوم بنسخ أبياته الجميلة
وأعلقها حولي على الجدران
متذوقا كل منها مرارا وتكرارا
هرّة ..وفأر
في صومعتي يعيش معي هرة وفأر
كلاهما من الحيوانات ذات الفراء
الهِرّة سمينة وتغط في النوم في عز النهار
أما الفأر فنحيل ويتحرك في الظلمة
الهِرّة أنعمت عليها الطبيعية بمواهب ومهارات
مثل قدرتها على اصطياد الكائنات الغبية واتخاذها طعاما
أما الفأر فتلاحقه اللعنات
وهو يسرق الفتات من هنا أو هناك لسد رمقه
الفأر أحيانا يصيب بالتلف مؤونة البيت
لكن المؤونة يمكن أن نأتي ببديل لها
بينما الكائن الحي، إن مات، لا يمكن أن تجد له بديلا
لذلك فإنك إن سألتني أي الاثنين يحمل وزراً أكبر
فإنني سأقول: الهِرّة
تسليتي اليومية
تسليتي اليومية هي اللعب مع أولاد القرية
وأنا، من أجل ذلك، أخبئ في كم ثوبي دوما كرة من قماش
لا فائدة منها لغير اللعب
كذلك، فإنني أعرف كيف أتمتع بهدوء الربيع
كرة القماش التي في كم ثوبي بالنسبة لي
أثمن من ألف قطعة من الذهب
وأنا ماهر جداً في اللعب بكرة القماش
لذلك إن سألني أحدهم عن سرِّي فإنني سأجيبه:
هذا هو سرّي: “واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة…..”
لا أحد هنا لأحدّثه
أي حياة هذه التي أعيشها؟
سائحا في الأرض فإني أسلم نفسي للقدر
ضاحكا أحيانا، وأحيانا أمسح الدموع
لست برجل دنيا ولا أنا براهب
مطر ربيعي مبكر ينهمر وينهمر
لكن أزهار الخوخ لم تلق بعد بأنوارها على الأشياء
طيلة الصباح، أجالس المدفأة
لا أحد هنا لأحدثه
أبحث عن كراستي
ثم أخط بريشتي بعض الأشعار
عندما فارقت الأهل
وجود البشر على هذه الأرض
مثل زغب طير في تيار جارف
من أين إذن سيأتي الشعور بالأمان؟
لهذا السبب
أخذت عِدَّة النُسَّاك وفارقت أهلي
وودعت الأصدقاء
كل ما أملك الآن ثوب وحيد
وطاس قام بأودي كل تلك السنين
أنا وكوخي
أحب كثيرا هذا الكوخ الصغير
وغالبا ما أمضي وقتي في أحضانه
فنحن روحان متلازمان
لا يهم من منا هو الضيف ومن هو المضيف
ريح عاصفة تهب عبر أشجار الصنوبر
والصقيع يجمد ما تبقى من أزهار الأقحوان
يدا بيد –أنا وكوخي- نقف معا فوق الغيوم
متحدين كجسد واحد نجول في ما يتعدى الوجود
حُرّا .. ودون عمل
ريح شرقية جلبت معها غيثا يروي الأرض
في كوخي البسيط
مطر ينهمر فوق سقف من الأغصان والقش
بينما الناسك يغطُّ في نوم عميق
غير عابئ بما يجري خارج الجدران
الجبال الخضراء تستحم في ضوء الصباح
وطيور الربيع تُغرِّد فوق الأغصان
أمّا أنا فأخرج لأمشي ولا أعرف إلى أين!
جداول رقراقة تنساب نحو القرى البعيدة
وبساط من أزهار رائعة يكسو المنحدرات
فجأة تقع عيناي على فلاح يقود ثورا
وولد يافع يحمل معولا..
جميع البشر عليهم العمل في جميع الفصول
من الفجر وحتى الغروب
وحدي أنا أجد نفسي حرّا ودون عمل
ملتصقا بقوة بالمصدر الذي جئت منه
بدر الخريف
يظهر القمر في جميع الفصول، هذا صحيح،
لكن أفضل بدر في السنة هو بدر الخريف
في الخريف تضاء الجبال بالألوان وتصفو الينابيع
ويسبح قرص من الضوء في السماء اللانهائية
تنمحي الفوارق بين الضوء والعتمة
وكل الأشياء تغدو مشبعة بحضوره
الفضاء اللامحدود فوقي وهواء بارد يلفح وجهي
آخذ متاعي العزيز وأنطلق هائما بين التلال
لا يوجد هنا أثر حتى لغبرة واحدة من غبار العالم
لا يوجد إلا الضوء المتوهج للقمر
أرجو أن يكون هناك آخرين كثر ينظرون هذا البدر الليلة
هذا البدر الذي يسطع نوره على جميع أصناف البشر
خريف بعد خريف يأتي القمر ثم يمضي
وسيبقى البشر يتأملونه في السماء إلى الأبد
تعليم البوذا أو مواعظ إينو
لابدَّ أنها أيضا حصلت تحت ضوء هذا القمر
لذلك أجلس متأملا القمر طوال الليل وأتساءل
أي مسافر سينظر هذه الليلة إلى القمر ؟
وأي بيت سينهل الليلة أكثر من ضيائه؟
شهر شباط
الثلج يتساقط
مختلطا بالريح
والريح تزأر
مختلطة بالثلج
وأنا، مستلقٍ جنب الموقد
أمد رِجليّ
مسترخيا غير عابئ بالوقت
منعزلاً في هذا الكوخ
أعدُّ الأيام
وإنني لأجد
أن شهر شباط أيضا
أتى ثم ذهب
مثل حلم
دعاء للطبيعة
أمطار الربيع
زخّات الصيف
والخريف الجاف
دعائي أن تبتسم الطبيعة لنا
وأن نأخذ جميعا من نعمها الوفيرة
ماذا فعلت؟
أرجوك لا تظنني عصفورا
إن رأيتني أدخل الحديقة
لآكل من ثمار التفاح
لقد جئت إلى هنا
طلبا لحفنة من الأرُزّ
لكن مروج النفل
المتفتحة بين الصخور
جعلتني أنسى السبب
الذي من أجله قدمت إلى المكان
يوم جوع
لا حظَّ لي اليوم
في تسوّل الطعام
من قرية إلى قر%