الثلاثاء, أيار 14, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الثلاثاء, أيار 14, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

ابو زيد

سلطان العارفين

أبو يزيد البسطامي

العـــــارف لا يكــــدره شــــيء ويصفــــو بــــه كــــل شــــيء
من عــــرف الله بهــــت، ولــــم يتفــــرغ للكــــــــلام

حسب المؤمن من عقله أن يعلم أن الله غني عن عمله

مَا النَّــــــــارُ؟ لأَسْتَنِــــــــدَنَّ إِلَيْهَــــا غــــَداً
وَأَقُــــوْلُ: اجعَلْنــــِي فَــــدَاءً لأَهْلِــــهَا

الجنة هي الحِجاب الأكبر لأن أهل الجنة سكنوا إلى الجنة
وكــــــــل من سكــــن إلــــى سِــــواه فهــــو محجــــوب

ازدان تاريخ الإسلام خصوصاً في عصوره الأولى بعدد كبير من أهل المعرفة اللدنية والأحوال والأسرار، وكان السالكون إلى الله يلجأون إليهم كما يلجأ المسافر في ليلة ظلماء إلى سراج مضيء في واحة وارفة. وكان أهل الله هؤلاء ملح الكون فعلاً وطلبة كل من هاجت في نفسه مشاعر الشوق إلى الله تعالى وإلى فتوحات الحق. ومن رحمة الله تعالى للناس أنه بعث العارفين على مقدار طبقات السالكين وأعطى لكل منهم صورة ولساناً يخاطب به أهل زمانه فيقرب إلى قلوبهم، حسب أفهامهم وبلغتهم الشعورية، معاني الربوبية ويرشدهم في الوقت نفسه إلى سبل التطهر والقرب لعلّ من كتب اسمه بين السعداء في كتاب الغيب يصل إلى غايته عن طريق حملة مفاتيح العرفان هؤلاء.
كان أبو زيد البسطامي (طيفور) من أعظم المصابيح التي أضاءت في عالم الإسلام والسلوك الحق إلى الله .وقد ذكره الإمام أبو عبد الرحمن السلمي صاحب طبقات الصوفية ضمن الطبقة الأولى مع أئمة التصوف من أمثال الحارث المحاسبي وذي النون المصري وأبي سليمان الدارني وترجم له المناوي وقال عنه: هو أمام أئمة العارفين وشيخ مشايخ الصوفية المحقِّقين، فضلاً عن وصف الخوافي له بـ “سلطان العارفين”.
أشار إليه الشيخ الاكبر محي الدين ابن عربي باسم “أبو يزيد الأكبر”، وقال عنه إنه كان القطب الغوث في زمانه، وقال العارف الهجويري في كشف المحجوب في ترجمته عن أبي يزيد: “كان من أجلّ المشايخ وأرفعهم حالاً وأعظمهم شأناً”، وقال عنه الجنيد: “أبو يزيد بمنزلة جبريل من الملائكة”.
في هذا العدد تعرض مجلة “الضحى” للجوانب المختلفة لشخصية البسطامي وأبرز تعاليمه والأقوال التي نقلت عنه، وهو الشخصية التي تعتبر بين أكثر الأولياء الصوفية إثارة للاهتمام إلى جانب أعلام مثل جلال الدين الرومي وأبو منصور حسين الحلاج ومحي الدين ابن عربي.

ولد أبو يزيد سنة 800 في بسطام في جبال طبرستان في عهد الخليفة العبّاسي هارون الرشيد، في القرن الثالث الهجري وتوفي عن ثلاثة وسبعين عاماً في عهد الخليفة المعتمد ، بذلك فقد عاش في عزّ الدولة العباسية كما شهد أول ملامح أفولها، وهو عايش بعض أكبر أعلام الصوفية البغداديين من أمثال المحاسبي والسر ي السقطي وأبو حمزة، كما رافق كبار الصوفية في مصر مثل ذو النون المصري، وصحب كبار صوفيي خراسان مثل ابن كرم ويحيى الرازي وصحب من صوفيي إيران سهل التستري.
كان جده زرادشتياً وأسلم أما والده فكان مسلماً تقياً وكان له شقيقان هما آدم وعلي وقد تكرسا أيضا لطريق القوم لكنهما لم يبلغا ما بلغه.
لم يُعرف مكان دفنه وإن كان بعض المؤرخين يعتقدون أنه في بسطام مسقط رأسه، لكن بسبب التقدير الهائل الذي حظي به بين المؤمنين عبر الأزمنة فإن للبسطامي على ما يعتقد، نحو 40 مزاراً وقبة وضريحاً في العالم الإسلامي.
التقى أبو يزيد العديد من أقطاب الصوفية والعرفان في زمانه لكنه لم ينسب علمه إلى شيخ محدّد، كما كان المألوف من أكثر أعلام الصوفية، بل ردّ علمه في أكثر من قول إلى الإلهامات والواردات الربانية التي منّ الله بها عليه اصطفاء وتقريباً، أي أنه أخذ العلم تعليماً من السماء من دون واسطة وهو القائل “ليس العالم من يحفظ من كتاب فإذا نسى ما حفظ صار جاهلاً بل من يأخذ العلم من ربه أي وقت شاء ولا درس، وهذا هو العالم الرباني “.
والعلم الرباني هو ثمرة إدمان الطاعة والمجاهدة، وهو المشار اليه بقوله تعالى: } وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ (البقرة: 282) أي أن صفوة الصفوة من أهل الله يعلمهم الله وعلمهم العلوي أو اللدني هو محض لا يداخله لبس ولا يعتريه خطأ، بخلاف العلم الكسبي الذي يعتريه الجدل والخلاف لأن للعقل مدخلاً اليه والعقول متفاوتة في الإحاطة.
وكان أبو يزيد يقول: “أخذوا ميتاً عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت”، لكن نور البسطامي أبهر كثيراً من العيون وفاق طاقة كثيرين على التحمّل فوقع كثيرون بسببه في الحيرة وعجزوا عن فهم إعجازه وتاهت عنهم بالتالي معانيه. وهذه في الحقيقة حال بعض أهل الكشوفات الذين يغلبهم نور الكشف وبحاره العظيمة فيندفعون، في محاولة وصف ما لا يوصف، إلى شتى الصور الكلامية ويعجزون، ويبقى الاختبار حبيساً في وجودهم كأنما كتب الحق على هؤلاء لحكمة منه أن يكتموا سرّ الإمنان وعجائب الفيض فلا ينبسون منه إلا بالقليل تورية ومجازاً.
وقد اختار البعض مثل الشهيد أبو منصور الحلاج الإفصاح فلم يتورّع عن كشف بعض أسرار الاختبار الأعظم فكان أن ناله ما ناله من الجهلة فدلّ بذلك على حاجة أهل العلم الخاص للكتم والحيطة في الحديث عن أسرار الاختبار العرفاني بين العامة وغوغاء أهل الزمان. واستفاض الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي أيضاً في شرح الفتوحات والحكم اللدنية فرمي من قبل ضيقي الأفق بالزندقة أو بمذهب وحدة الوجود وتعرّض ولا يزال إلى الأحكام المتسرعة ممن اعتقدوا أنهم في نقدهم له إنما يدافعون عن الدين وهم في الحقيقة يدافعون عن معتقدهم هم وتأويلهم للعقيدة كما يفهمونها.
وفي هذا التضاد بين عالم التحقق وأنواره وأسراره وبين سجن اللغة والتعبير البشري، كمنت معاناة العديد من الصوفية الذين اعتذر كثير منهم -كما فعل جلال الدين الرومي- عن الإفصاح متذرعين بأنهم يخافون أن يفتنوا عامة الناس ويزعزعوا عقائد العبادة الظاهرة للعامة. بل أن الرومي لم يجد سبيلاً للإفصاح عن تجربة التحقق الصوفي سوى اللجوء إلى باب آخر هو السماع أي الرقص الصوفي والدوران الرمزي للدراويش حول مركز وجودهم في الله تعالى وفنائهم الرمزي فيه.
أين نضع أبا يزيد البسطامي في هذا السياق. وهو الذي عرف بلغته الصادمة في التعبير عن دقائق الاختبار الروحي وعن أمور العقيدة والسلوك والعلاقة بالخالق والزهد والإيمان، وقد كان لتلك الجرأة ربما أثرها في ما رمي به من “شطح”، والشطح الصوفي هو في تعريف أهل العلم ما يصدر عن الصوفي العارف أثناء السكر الروحي أو الغيبة من وصف لاختباره الروحي يتجاوز به حدود الأدب مع الله وما قد يندم عليه عند الصحو. لكن اللافت أن أبا يزيد على الرغم من أنه تجرأ في إفصاحه أحياناً بالدرجة نفسها التي بلغها الحلاج وزاد على ذلك أحياناً إلا أنه لم يلقَ المصير الذي لقيه الأخير، بل هو حظي باحترامعام وإجلال عبر الأزمنة ولم يشكك سوى نفر قليل من الجهلة في إيمانه وصحة إسلامه.
حقيقة الأمر أن الطريقة الصادمة لأبي يزيد لم تتضمن أي معارضة للدين أو الشريعة إذ عرف عنه التزامه التام بفرائض الإسلام وبالعبادات كلها وأدبه الشديد مع الله ورسوله وأنبيائه وهو القائل:
“لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرفع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحد، وأداء الشريعة”.
وهذا التوضيح المهم لعقيدة أبي يزيد كان ربما من أهم الاسباب الذي شفعت له وبرّأته من تهمة المروق أو تهمة رفع التكاليف أو إسقاط الفروض.
ويعتقد بعض كبار الصوفية أن اللغة البليغة والقاطعة للبسطامي كانت تصدر عن مقام يقيني ورؤية مثل وضح النهار، لكنها في جرأتها وصدمها كانت أسلوباً في شدّ قلوب المريدين وعزائمهم وتنفيرهم في الوقت نفسه من الركون إلى العبادة الظاهرة أو الوقوف عند بعض الأحوال، حثهم بدلاً من ذلك على المضي في المجاهدات والطاعات حتى آخر الطريق وهو طريق الفناء في الله. أراد أبو يزيد أيضاً حثّ أهل زمانه على عدم التهاون في العبادة والإخلاص فيها، إذ كان يعتقد جازماً أن الإنسان الحق خُلِق ليكون عبداً لله لا يشغله عن عبادته والتقرّب منه أي شيء من أشياء هذه الدنيا.
رغم ذلك فقد وجد من يؤوِّل بعض أقوال أبي يزيد باعتبارها تشدّد على أهمية الإخلاص والإيمان القلبي أكثر من اهتمامها بالعبادات الظاهرة. وفي هذا المجال يروى عن سلطان العارفين قصتين:
القصة الأولى نقلها جلال الدين الرومي عن شيخه شمس تبريز وجاء فيها أن أبا يزيد أراد السفر إلى مكة لأداء فريضة الحج‏ّ، فلما وصل إلى البصرة التقى درويشاً من الصوفية فسأله هذا: ما هي غاية سفرك يا أبا يزيد؟
قال البسطامي‏:‏ أريد مكة وزيارة بيت الله‏ الحرام
قال الدرويش‏:‏ هل معك زاد لهذا السفر‏؟
قال البسطامي‏:‏ نعم لدي 200‏ درهم‏
قال الدرويش ‏:‏ أعطني الدراهم وتعال طُف حولي سبعة أشواط،‏ وكان الدرويش يشير بذلك إلى الحديث القدسي الذي جاء فيه‏:‏ “ما وسعتني أرضي ولا سمائي،‏ ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن‏”، كما قصد أيضاً- ومعه جلال الدين الرومي الذي أورد القصة- أن في عبادات الأكابر والواصلين من الأحوال والمقامات ما يصعب شرحه ويتجاوز كثيراً العبادات الظاهرة وتكاليفها.
القصة الثانية هي أن رجلاً من أهل الحديث قال لأبي يزيد وهو صبي: يا غلام، تُحسن أن تصلي؟
قال: نعم إن شاء الله
فقال له: كيف تصلي؟
قال: أكبر بالتلبية، واقر بالترتيل، وأركع بالتعظيم، وأسجد بالتواضع، وأسلم بالتوديع. فقال: يا غلام، إذا كان لك هذا الفهم والفضل والمعرفة فلم تَدَعِ الناس يتمسحون بك؟ قال أبو يزيد: ليس بي يتمسحون، لكن يتمسحون بحلية حلانيها ربي، فكيف أمنعهم من ذلك؟ وذلك لغيري؟ وتشير هذه الرواية إلى أن أبا يزيد كان قد اشتهر أمره وهو صغير السن كأحد أصفياء الله، وأن الناس بدأت تعامله بإجلال كبير وتطلب البركة في زيارته أو لمس ثيابه، كما تشير أيضاً إلى اعتباره أن الأصل في العبادة والركوع والسجود هو في الإخلاص وفي الموقف القلبي وليس في الحركات المجردة عن الخشوع والاستغراق في الله.

حج أبو يزيد

يروى أن أبا يزيد أخذ 12 عاماً لإنجاز رحلة الحج إلى مكّة، إذ كان عند مروره بكل مصلى على الطريق يبسط سجادة الصلاة ويصلي ركعتين وكان يقول في ذلك: إن الكعبة ليست مقاماً لملك من ملوك الأرض يمكن للمرء أن يسابق إليه.
وقد وصل أبو يزيد إلى مكة أخيراً لكنه لم يزر المدينة قائلاً: أخجل أن أعرج على النبي (ص) كما لو أن زيارته أمر بديهي بسبب بلوغي مكة، إنما سأعود إلى زيارته خصيصاً وبإحرام أصنعه للمناسبة،
وهذا ما عاد وقام به في السنة التالية.

مقام-أبا-يزيد-البسطامي-في-بسطام
مقام-أبا-يزيد-البسطامي-في-بسطام

تقواه في الصغر
رويت عن أبي يزيد من الأخبار المدهشة عن طفولته ومن ذلك أنه حفظ كتاب الله وهو في السابعة من عمره، وتهجد وقام الليل وهو ابن ثماني سنوات ، أي أنه قد تعشق التقوى من نعومة أظفاره، كما ورد عن ابن ظفر المكي في “أنباء نجباء الأبناء”:
وروي أنه كان صبياً صغيراً عندما استيقظ ذات ليلة فوجد أباه يصلي فقال: يا أبت علمني كيف أتطهر وأصلي معك.
فقال: يا بني أرقد فإنك صغير بعد. فقال: يا أبت إذا كان يوم يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فسألني ربي أقول له: قلت لأبي علمني كيف أتطهر لأصلي معك فقال لي أرقد فإنك صغير بعد؟!
فقال له أبوه: لا والله يا بني لا أحب هذا وعلمه فكان بعد ذلك يصلي معه.
وكان أبو يزيد صبياً صغيراً لما حفظ: “يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلاً “، فقال لأبيه: يا أبت من الذي قال له الله تعالى هذا؟ قال: يا بني كان ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا أبت فمالك لا تقوم الليل كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا بني لأن قيام الليل خُص به النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته !! فسكت الغلام .
فلما حفظ قوله سبحانه وتعالى”إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك” قال: يا أبت أسمع أن طائفة كانت تقوم الليل فمن هي؟ قال: يا بني هؤلاء الصحابة. فقال: يا أبت فأي خير في ترك ما عمله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته؟
فقال: صدقت، فكان أبوه بعد ذلك يقوم الليل .

قصته مع أمِّه
قيل أن أبا يزيد كان في مدرسة يتعلم القرآن عندما قرأ الأستاذ الآية 14 في سورة لقمان وفيها }أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ{ (لقمان: 14)، وقد أثرت فيه هذه الآية بحيث استأذن أُستاذه في الذهاب إلى البيت للتحدث مع والدته التي سألته عن السبب في عودته المبكرة إلى البيت، وعلى ذلك أجاب أبو يزيد بالقول: لا يوجد سبب محدد لكن لدى قراءتي للآية التي يدعوني الله فيها لأن أخدمه وأخدم والديّ شعرت بأنني في مأزق كبير لأنني لا أستطيع أن أخدم سيدين في آن. لذا فإني أرجوك يا أمي أن تسألي الله تعالى أن يسمح بأن أكون مكرساً لخدمتك بالكلية، أو أن تنذريني بالكلية له بحيث أكون عبداً خالصاً له جلّ جلاله”. وقد ردت الوالدة بالقول: “يا بني إني أسلمك لله عز وجلّ وأعفيك من أي واجب تجاهي، فاذهب وكن مع الله”.
ومع إجازة الوالدة له بأن يكرس حياته كلها لله غادر أبو يزيد بسطام وساح في الأرض لمدة 30 عاماً مخضعاً نفسه لشتى المجاهدات عبر قيام الليل والمناجاة والصوم، درس خلال تلك المدة على يد عدد كبير من المرشدين الروحيين. لكنه عاد في السنوات اللاحقة من عمره إلى حب الأم، بعد أن استيقن أنه لا يتعارض أبداً مع التكرّس لله. وقد ذكر في ما بعد كيف أنه عاد إلى منزل أسرته بعد تجواله الطويل ليرى والدته وقد انحنى ظهرها وفقدت البصر، وهو سمعها قبل الدخول منهمكة في الدعاء لابنها المهاجر. فألقى بنفسه باكياً بين يديها.

مجاهداته واشتهار أمره
ولد أبو يزيد في سنة 800 م في عهد الخليفة العبّاسي هارون الرشيد في القرن الثالث الهجري وتوفي عن ثلاثة وسبعين عاماً في عهد الخليفة المعتمد ، بذلك فقد عاش في عزّ الدولة العباسية كما شهد أول ملامح أفولها، وهو عايش بعض أكبر أعلام الصوفية البغداديين من أمثال المحاسبي والسري السقطي وأبو حمزة، كما رافق كبار الصوفية في مصر مثل ذو النون المصري، وصحب كبار صوفيي خراسان مثل ابن كرم ويحيى الرازي، وصحب من صوفيي إيران سهل التستري.
لم يعرف عن أبي يزيد البسطامي أنه اتخذ مريدين كثراً، لكن نفوذه امتد إلى أقاصي العالم الإسلامي وأصبح الكثير من أقواله والقصص المنسوبة إليه جزءاً من الإرث الروحي المتداول. ومما لا شك فيه أنه وكما حدث لجميع الأولياء ومنارات الروح فإن إرث أبي يزيد البسطامي تعرّض للزيادة سواء من المحبين المتحمسين أو من المغرضين الذين لم يستوعبوا الرمزية الرائعة في الكثير من أقواله أو ما نسب إليه من “شطحات” أرادوا اتهامه بالتطرف أو الخروج عن سراط الدين الحنيف.
لكنّ أبا يزيد البسطامي حظي على الدوام بمكانة رفيعة بين أعلام الصوفية وقد جعله العديد من فرق الصوفية أحد أركان السلسلة الذهبية التي تقوم عليها، أي سلسلة الورثة المحمديين الذين يتوارثون السر المحمدي بحيث يسلمه الشيخ إلى مريد مقدّم آمراً إياه بمتابعه مهمة الإرشاد وأمر التصرف بالقلوب وتسليك المريدين عبر المنازل والأحوال والمقامات.

دفاع الإمام الشعراني
تعرّض البسطامي مثل العديد من أعلام الصوفية إلى سياط بعض الأوساط الدينية المحافظة، والتي لم يكن ممكناً لها أن تفهم المغازي الحقيقية والبعيدة لأقواله فأخذتها على حرفيتها، لكنه بقي يحظى باحترام وإجلال كبيرين لدى أوساط العامة والسالكين على السواء بحيث أقيمت له الأضرحة والمزارات في فارس والعديد من بلدان المنطقة، كما أقيمت له القباب في الجزائر. كما تصدى العديد من أعلام الصوفية اللاحقين لناقدي أبي يزيد وكتبوا وألفوا بهدف تبيان المعاني الباطنة لأقواله وشرح الرمزية العميقة التي غلفت بعض ما سمي بـ “الشطحات”. وأحد أبرز من كتب في الدفاع عن أبي يزيد الصوفي الشهير عبد الوهاب الشعراني الذي ألّف كتاباً سماه “الفتح في تأويل ما صدر عن الكُمَّل من الشطح” ألفه في سنة 973 للهجرة.
يقول الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، في الدفاع عن أهل الأسرار: “إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله عز و جلّ ، فإن نطقوا به ، لم ينكره إلا أهل الاغترار بالله ، فلا تحقِّروا عالماً آتاه الله علمه ، فإن الله لم يحقره إذ أتاه إياه”.
قال عنه أبو نعيم في «الحلية»: «التائه الوحيد، الهائم الفريد، البسطامي أبو يزيد. تاه فغاب، وهاب فآب، غاب عن المحدودات إلى موجد المحسوسات والمعدومات. فارق الخلق ووافق الحق، فأُيِّد بأخلاء السر، وأُمِدَّ باستيلاء البر، إشاراته هائنة وعباراته كامنة، لعارفيها ضامنة، ولمنكريها فاتنة».

حوار طيفوري

سئل أبو يزيد عن ما هو أكبر عون للرجل في الطريق إلى الله فقال: أن يولد سعيداً. وتابع السائل الأسئلة فكان هذا الحوار:
فإن لم يكن له ذلك
جسد قوي
فإن كان يعوزه ذلك
أذن مصغية
ومن دون ذلك
قلب عارف
فإن لم يوجد
عين مبصرة
وإن لم توجد
أن يموت لساعته !

رسم-فار-سي-تخيلي-لأبا-يزيد
رسم-فار-سي-تخيلي-لأبا-يزيد

مواقف مأثورة عنه

سمع أبو يزيد رجلاً يكبر فقال له: ما معنى الله أكبر؟ قال: الله أكبر من كل ما سواه فقال أبو يزيد: ليس معه شيء فيكون أكبر منه. قال: فما معناه ؟ قال معناه أكبر من أن يقاس أو يدخل تحت القياس أو تدركه الحواس.
أبو موسى الديبلي قال: سمعت أبا يزيد يقول: الناس كلهم يهربون من الحساب ويتجافون عنه، وأنا أسأل الله تعالى أن يحاسبني فقيل له: لم ؟ قال: لعله أن يقول لي فيما بين ذلك: يا عبدي، فأقول: لبيك. فقوله لي: عبدي أعجب إلي من الدنيا وما فيها، ثم بعد ذلك يفعل بي ما يشاء .
أبو موسى الديبلي قال: سمعت أبا يزيد يقول: عرج قلبي إلى السماء فطاف ودار ورجع، فقلت: بأي شيء جئت معك ؟ قال: المحبة والرضا.
عبيد قال: قال أبو يزيد طلقت الدنيا ثلاثاً بتاتاً لا رجعة لي فيها، وصرت إلى ربي وحدي فناديته بالاستغاثة: إلهي أدعوك دعاء من لم يبقَ له غيرك. فلما عرف صدق الدعاء من قلبي، واليأس من نفسي، كان أول ما ورد علي من إجابة هذا الدعاء أن أنساني نفسي بالكلية ونصب الخلائق بين يدي مع إعراضي عنهم.
روى أبو يزيد أن “خرجت إلى الجامع يوم الجمعة في الشتاء فزلقت رجلي فأمسكت بجدار بيت، فذهبت إلى صاحبه فإذا هو مجوسي فقلت قد استمسكت بجدارك فاجعلني في حل قال أو في دينكم هذا الاحتياط قلت نعم قال أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله.
وقال أبو تراب: “سألته عن الفقير، هل له وصف” فقال: “نعم!، لا يملك شيئاً، ولا يملكه شيء.

من أقوال أبي يزيد البسطامي
في أصول وآداب السلوك إلى الله

الغفلـــــــة عن الله طرفة عين أشــدّ من النــــار

أهل الحــجّ يطـــــوفون حول البيت فيطلبون البقاء وأهل المحبة يطوفون حول العرش يطلبون اللقاء

إن لله عباداً لو احتجب عنهم في الدنيا أو فـــي الجنة لحظة لاستغاثوا كما يستغيث أهل النـار

كم بين من يقول أنا وأنت، ومن يقول: أنت أنت.

لو بدا للخلق منه ذرة ما بقي الكون ولا ما هو فيه

المعرفة
إذا علموه هربوا من الخلق
إن أهل المعرفة بالله اجتمعوا في الأصول على معرفة الواحد، ثم تفاوتوا من بعد اجتماعهم على مراد الله فيهم.
إن الله تعالى أمر العباد ونهاهم، فأطاعوه، فخلع عليهم خلعة من خلعه، فاشتغلوا بالخلع عنه، وإني لا أريد من الله إلا الله.
أوصيك بإقبالك على ربِّك أيام حياتك بكليتك، ولا تولّ عنه وجهك إلى وقت، فإن نواصيكم بيده، وإنه لا بدّ من لقائه، والوقوف بين يديه، وأنت المسؤول عن جميع أعمالك، فشمّر لذلك، واستعد لمعادك، ولا تغفل وانتبه عن رقدة الغفلة، وتيقظ من نومة الغافلين، وألقِ كتفك بين سيدك كل صباح ومساء، والزم ذكره، واحفظ خدمته، وأحسن ظنك به، ولا تؤثر أحداً عليه، واصبر على ما أصابك من البلاء، وارض بحكم الله وقضائه وقدرته، وبحسن اختياره لعبده، واقتنع بعطيته، وثق به، وأمن لموعده، وأيقن بوعده ووعيده، وتوكل على الحي الذي لا يموت، واذكر الله واستعن بالله في كل أمورك، واحذر منه ما دمت حيّاً، واهرب من الخلق إليه، وفوِّض أمرك إليه.
الجنة جنتان: جنة النعيم وجنة المعرفة، فجنة المعرفة أبدية وجنة النعيم مؤقتة.
الحق مثل الشمس مضيء إذا الناظر إليه أيقن به، فمن طلب البيان بعد البيان فهو في الخسران.
الزاهد همه أن لا يأكل، وهم العارف ما يأكل
النفس تنظر إلى الدنيا، والروح تنظر إلى العقبى، والمعرفة تنظر إلى المولى، فمن غلبت نفسه عليه فهو من الهالكين، ومن غلبت روحه عليه فهو من المجتهدين، ومن غلبت معرفته عليه فهو من المتقين.
عرفت الله بالله وعرفت ما دون الله بنور الله
لا يزال العارف يعرف، والمعارف تُعرَف، حتى يهلك العارف في المعارف، فيتكلم العارف عن العارف، ويبقى العارف بلا معارف.
معرفة العوام ومعرفة الخواص ومعرفة خواص الخواص: فمعرفة العوام: معرفة العبودية، ومعرفة الربوبية، ومعرفة الطاعة ومعرفة المعصية، ومعرفة العدو والنفس. ومعرفة الخواص: معرفة الإجلال والعظمة، ومعرفة الإحسان والمنة، ومعرفة التوفيق. وأما معرفة خاص الخواص: فمعرفة الإنس والمناجاة، ومعرفة اللطف والتلطّف، ثم معرفة القلب، ثم معرفة السر.
من عرف الله بهت، ولم يتفرغ للكلام.
من عرف الله فإنه يزهد في كل شيء يشغله عنه.

أوفى صفـات العارف أن تجري فيه صفات الحق ويجري فيه جنس الربوبيـة

الطريق إلى الله
أطلب هواه في خلاف هواك، ومحبته في بغض نفسك، فإنه معروف عند مخالفة الهوى، محبوب عند بغض النفس.
الخلق يظنون أن الطريق إلى الله أشهر من الشمس، وأبين منها، وإنما سؤالي منه أن يفتح عليَّ من الطريق إليه ولو مقدار رأس إبرة.
الناس بحر عميق، والبعد عنهم سفينة، وقد نصحتك، فاحفظ لنفسك السكينة.
بالله أتقدم، وبنفسي أتأخر، إذا وجد نفسه كان مخيَّراً، وإذا فقد نفسه كان مختاراً.
رأيت رب العزة في المنام فقلت: كيف الطريق إليك؟ قال: اترك نفسك وتعال.
ربما أطلب لنفسي أشدّ عقوبات الله من سوء معاملتها إياي، فأجيل فكري في جميع عقوبات الله تعالى فلا أجد شيئاً أشدُّ من الغفلة؛ لأن الغفلة من الله طرفة عين أشد من النار.
قطعت المفاوز حتى بلغت البوادي، وقطعت البوادي حتى وصلت إلى الملكوت، وقطعت الملكوت حتى وصلت إلى المُلـْك، فقلت: الإجازة، قال: قد وهبتُ لك جميع ما رأيت، قلت: إنك تعلم إني لم أرَ شيئاً من ذلك، قال: فما تريد؟ قلت أريد أن لا أريد، قال: أعطيناك.
-كيف الطريق إلى الله؟ غِب عن الطريق تصل
لا تصل إلى المخلوق إلا بالسير إليه، ولا تصل إلى الخالق إلا بالصبر عليه، وإذا أردت أن تطلبه، فاطلبه في رجوعك عما دونه.
ما من شيء بأهون على أحدكم من تعظيمه لأخيه المسلم، وحفظ حرمته، ولا شيء أضرّ بكم في دينكم من تهاونكم بأخوانكم في تضييع حرمتهم.
من ترك قراءة القرآن، والتقشف بالجماعات، وحضور الجنائز، وعيادة المرضى، وادعى هذا الشأن، فهو مُدَّعٍ.

العارف الصوفي
أحِبَّ أولياء الله وتحبب إليهم ليُحِبوك، فإن الله تبارك وتعالى ينظر إلى قلوب أوليائه في كل يوم سبعين مرة، فلعلّه ينظر إلى اسمك في قلب وليّه، فيحبك ويغفر لك.
أدنى صفة العارف أن تجري فيه صفات الحق وجنس الربوبية
إذا عرف عيوب نفسه، فحينئذٍ يبلغ حدّ الرجال في هذا الأمر، فهذا مبلغه، ثم يقربه الحق تعالى على قدر هِمّته وإشرافه على نفسه الأمّارة.
أمل الزاهد في الدنيا الكرامات، وفي الآخرة المقامات، وأمل العارف في الدنيا بقاء الإيمان معه، وفي الآخرة العفو (يعني للخلق).
إن أهل الحج يطوفون حول البيت فيطلبون البقاء، وأهل المحبة يطوفون حول العرش يطلبون اللقاء.
أن تراه يؤاكلك ويشاربك ويمازجك ويبايعك وقلبه مع الملكوت القدس، هذه أعظم الآيات.
إن لله عباداً لو حجبوا عنه طرفة عين، ثم أعطوا الجنان كلها ما كان لهم إليها حاجة، وكيف يركنون إلى الدنيا وزينتها؟.
أهل خاصة الله تعالى على أربع منازل: فطائفة مقيمون مبهوتون، لا يحتملون ما يرِدُ عليهم، فهم يريدون الخلاص من ثقل ما يرد عليهم، إلا أنهم ممنوعون من الاختيار، وطائفة يوادّونهم فيقولون: لا نبرح. وطائفة قد أحاط بهم لا يمكنهم البراح.
أوفى صفات العارف أن تجري فيه صفات الحق ويجري فيه جنس الربوبية
الدنيا للعامّة، والآخرة للخاصة، فمن أراد أن يكون من الخاصة فحكمه أن لا يشارك العامّة في دنياهم، وإنما جعلت الدنيا مرآة الآخرة نظر منها إلى الآخرة نجا، ومن شغل بها عن الآخرة هلك وأظلم مرآته.
الرجل هو الرجل الذي يكون جالساً فتجيئه الأشياء، أو يكون جالساً وتخاطبه الأشياء حيث كان
الزاهد يقول: كيف أصنع؟ والعارف يقول: كيف يَصنع؟
العابد يعبده بالحال، والعارف الواصل يعبده في الحال
العارف فوق ما يقول، والعالم دون ما يقول، والعارف ما فرح بشيء قط، ولا يخاف من شيء قط، والعارف يلاحظ ربه، وثواب العارف من ربه هو، وكمال العارف احتراقه فيه له.
العارف لا يكدره شيء ويصفو به كل شيء.
علامة العارف أن يكون طعامه ما وجد، وبيته حيثما أدرك، وشغله بربه. فهو مشغول ساجداً راكعاً، فإن عجز عن ذلك استروح إلى ذكر اللسان والثناء، فإن عجز عن ذلك استروح إلى ذكر القلب، فأما من يحبه الله عزَّ وجلّ أعطاه سخاوة كسخاوة البحر، وشفقة كشفقة الشمس، وتواضعاً كتواضع الأرض.
قال الله تعالى للكافر: آمن، وللمنافق، أخلص، وللعاصي: ارجع، وللعارف: أبصر.
له عباد لو بدت لهم الجنة بزينتها لضجوا منها، كما يضج أهل النار من النار.
لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرفع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحد، وأداء الشريعة.
مررت على بابه فلم أرَ ثمَّ زحاماً؛ لأن أهل الدنيا حجبوا بالدنيا، وأهل الآخرة شغلوا بالآخرة، والمدَّعون من الصوفية حجبوا بالأكل والشرب والكدية، ومن فوقهم حجبوا بالسماع والشواهد، وأئمة الصوفية لا يحجبهم شيء من الأشياء، فرأيتهم حيارى سكارى.
من عرف الله صار على النار عذاباً، ومن جهل الله صارت عليه عذاباً، ومن عرف الله صار للجنة ثواباً، وصارت الجنة عليه وبالاً.
نعم القوم تكلموا من بحر صفاء الأحوال، وأنا أتكلم من بحر صفاء المِنَّة. فتكلموا ممزوجاً، وأكلم صرفاً، كم بين من يقول أنا وأنت، ومن يقول: أنت أنت.
مساكين أخذوا ميتاً عن ميِّت، وأخذت علماً من الحي الذي لا يموت.
صفاتي غائبة في غيبه، وليست للغيب صفات تعرف
ظاهر الصدق وباطنه سواء، ولقد اشترك الإيمان والحب في قلب الصِدِّيق، فكلما ازداد الإيمان ازداد الحب لله، قال الله تعالى
} وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ{ (البقرة:165) فإذا قال ذلك رمى قوس الدنيا بالفرقة، وقطع حلقوم الطمع بسكين الإياس، وألجم نفسه لجام الخوف، وساقها بسوط الرجاء، ولبيس قميص الصبر، وتردّى برداء التصابر، واستوى عنده المنع والعطاء، والشدّة والرخاء، والذمّ والثناء، فسقط من ظاهره وباطنه التصنع، فليس عنده فرق بين الدانق الدينار، لعلمه أنه لو بورك له في الدانق كان أعظم بركة من الدينار، ويعلم أنه لو سُلِّط عليه السنّور كان أضر عليه من الأسد، فإذا كانت هذه حالته قالت الجنَّة: اللهم أدخل هذا العبد بين ساكنيَّ، فكانت الجنَّة طالبة له دونه، وإذا رأته النار على هذه الحالة، علمت أن نوره يُطفئ شررها، فتعوَّذت النار منه، فلو عُرِج بذلك العبد أعلى عليين، لكان شكره ذلك الشكر الذي كان في أعظم البلاء، ولو أنزله الله من أعلى العليين، فأسكنه الدرك الأسفل من النار، لكان شكره ذلك الشكر الذي كان في أعلى العليين.
علامة العارف ألا يفتر من ذكره، ولا يملّ من حقِّه، ولا يستأنس بغيره.
علامة العارف أن يكون طعامه ما وجد، وبيته حيثما أدرك، وشغله بربه.
علامة العارف خمسة أشياء: أوله أن يقيم على باب ربه لا يرجع عن بابه بالبر، ويقبل إليه ولا يلتفت إلى شيء يحجبه عنه، ويكون دورانه وسيرانه في مجرَّة أنس ربِّه، وحول مناجاته، لا يرضى من نَفَسِه أن يشتغل بشيء دون الله عزَّ وجلّ، ويكون فراره من الخلق إلى الخالق، ومن جميع الأسباب إلى وليّ الأسباب.
لو أن ما خلق الله عزَّ وجلّ من العرش إلى الثرى، ومع ذلك كله أرض وسماء مع مائة ألف ألف آدم، لكلِّ آدم مائة ألف ألف ضعف مثل هذه الذريَّة، لكل واحد منهم مائة ألف ألف آلاف آلاف عالَم بحساب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل لاختفوا كلهم في زاوية من زوايا قلب العارف ، لم يحسّ به، ولا علم أنه في كون الله موجود.

مدخل-مقام-أبي-يزيد-في-بسطام
مدخل-مقام-أبي-يزيد-في-بسطام

الأسماء
الأسماء كلها اسم الصفات، والله اسم الذات، الاسم علامة المعنى، والمعنى علامة تعرف بها الذات، والأسماء علامة تعرف بها الصفات، والصفات علامة تعرف بها الذات، فمن أقرّ بالصفات ولم يقرّ بالذات فليس بمسلم، ومن أقرّ بالذات قبل الصفات فيسمى مسلماًـ ويجب أن يقر بالصفات، والدليل على ذلك لو أن رجلاً قال: لا إله إلا الرحمن، أو لا إله إلا الرحيم، ثم يأتي على الأسماء كلها لا يكون مسلماً حتى يقول: لا إله إلا الله، ومن أقرّ بهذا الاسم الواحد، وهو الله فالأسماء كلها داخلة في هذا السم، وخارج منها، يخرج من هذا الاسم معاني الأسماء كلها، ويدخل في هذا الاسم وجود الأسماء، ولا يحتاج هذا الاسم من سواها، والدليل على ذلك إن الله تعالى تفرّد بهذا الاسم دون خلقه، وأنه شارك خلقه في أسمائه كلها سوى هذا الاسم، ويجوز أن يسمى من الأسماء كلها إلا ولنفسه في ذلك نصيب، إلا (الله)، فإن ذلك حظ الله من عبده، ومعنى ذلك أن من طالب ربه برحمته فيقول: يا رحيم، ومن طالبه بكرمه فيقول: يا كريم، ومن طالبه بجوده فيقول: يا جواد، فكل اسم تحته معنى يدعوه إلى نصيب الناس من أمر الدين والدنيا إلا (الله) فإن هذا الاسم يدعوه إلى وحدانية الله تعالى، وليس للنفس في هذا نصيب، ومن أراد من الله عطاءً يدعو الله بأسماء الصفات، ومن أراد ذات الله يدعو الله بأسماء الذات.
لا يزال العبد عارفاً ما دام جاهلاً، فإذا زال عنه جهله زالت عنه معرفته.

عشرة أشياء

عشرة أشياء حصن البدن: حفظ العينين، ومعاودة اللسان بالذكر، ومحاسبة النفس، واستعمال العلم، وحفظ الأدب، وفراغ البدن من شغل الدنيا، والعزلة من الناس، ومجاهدة النفس، وكثرة العبادة، ومتابعة السنَّة. عشرة أشياء شرف البدن: الحلم، والحياء، والعلم، والورع، والتقى، والخلق الحسن، والاحتمال، والمداراة، وكظم الغيظ، وترك السؤال.
وعشرة أشياء تخرب البدن: مصاحبة من لا يهمه دينه، ومفارقة أهل الخير، ومتابعة النفس، ومجانبة الجماعة، ومجالسة أهل البدعة، وطلب ما لا يعنيه، وتهمة الخلق، وطلب العلوّ، وهم الدنيا.
وعشرة أشياء تميت البدن: قلة الأدب، وكثرة الجهل، ونعمة الخلق، وشهوة البدن، وطلب الرئاسة، والميل إلى الدنيا، ومحاباة النفس عند الحق، وكثرة الأكل.
وعشرة أشياء فيها ذلّ البدن: الحِدّة، والغضب، والكِبر، والبغي، والمجادلة، والبخل، وإظهار الجفاء، وترك حرمة المؤمن، وسوء الخلق، وترك الإنصاف.

الاتصال والأحوال
الاتصال بالله على أربعة مقامات:
المقام الأول واقفين متألمين من ثقل ما يرد عليهم من الواردات، وهم متضرعون.
والمقام الثاني يطردهم من حيث يعلمون، ويردّهم من باب آخر.
والمقام الثالث: يؤخرهم فيقولون: لا نبرح
والمقام الرابع قد أحاط بهم، فليس يمكنهم البراح
آخر نهايات الصدِّيقين أول أحوال الأنبياء، وليست لنهاية الأنبياء غاية تُدرَك.
للخلق أحوال، ولا حال للعارف: لأنه محيت رسومه، وفنيت هويته بهوية غيره، وغُيِّبت آثاره بآثار غيره.

الأدب
قعدت يوماً في محرابي فمددت رجلي، فهتف بي هاتف: من يجالس الملوك ينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب.

الإشارة
أكثر الناس إشارة إليه أبعدهم منه

الأزل
النعمة أزلية يجب أن يكون لها شكر أزلي.
من أظهر من نفسه علم الأزل يحتاج أن يكون معه نور الذات

الاصطفاء
ما من عبد اصطنعه الله لنفسه وشغله بذكره وحماه عن مخالفته، وجعل له محادثة بقلبه إلا وسلّط عليه فرعوناً على كل حال من ذلك ينكره ويؤذيه.

الأعمال
حسب المؤمن من عقله أن يعلم أن الله غني عن عمله.
ما من أحد إلا وقد غرق في بحر الأعمال غيري، فإني قد غرقت في بحر البِرّ.

الأنس
هلموا إلى رغبة الزاهدين، وشوق الدارجين، وركون المتناسين، وحب الواصلين وأنس رب العالمين

التجلّي
يا مسكين، وهل وصل إليه أحد، لو بدا للخلق منه ذرة ما بقي الكون ولا ما هو فيه.

التصوف
التصوف صفة الحق يلبسها العبد
التصوف طرح النفس في العبودية وتعليق القلب بالربوبية، واستعمال كل خلق سَنِي، والنظر إليه بالكلية.

التوبة
توبة المعصية واحدة، وتوبة الطاعة ألف توبة

التوحيد
يستزيد أبو يزيد، ولا مزيد على التوحيد
-شهادة لا إله إلا الله مفتاح الجنّة- ولكن لا يفتح بغير مِغلاق، ومِغلاق لا إلا الله أربعة أشياء: لسان بغير كذب ولا غيبة، وقلب بغير مكر ولا خيانة، وبطن بغير حرام ولا شبهة، وعمل بغير هوى ولا بدعة.

التوكُّل
حسبك من التوكل أن لا ترى لنفسك ناصراً غيره ولا لرزقك خازناً غيره ولا لعملك شاهداً غيره.

الجوع
الجوع سحاب، فإذا جاع العبد مطر القلب الحكمة.

الحق والخلق
اللهم أنك خلقت هذا الخلق بغير علمهم، وقلدتهم أمانة من غير إرادتهم، فإن لم تعنهم فمن يعينهم؟
الناس كلهم يقولون به، وأنا أقول منه.
إن زعمت أن صلاتك مواصلة فهي مفاصلة، إن تركتها كفرت، وإن شاهدتها أشركت.
إن لله عباداً لو احتجب عنهم في الدنيا أو في الجنة لحظة لاستغاثوا كما يستغيث أهل النار.

الدنيا والآخرة
من اختار الدنيا على الآخرة يغلب جهله علمه، وفضوله ذكره، ومعصيته طاعته، ومن اختار الآخرة على الدنيا يغلب سكونه كلامه، وفقره غناه، وهمُّه سروره، وقلبه محبته، وسِرُّه قربَه، فتصير نفسه مقيَّدة بقيد الخدمة، وقلبه أسيراً لخوف الفرقة، وسِرُّه مستأنساً بأنس الصحبة.

الذكر
ذكر الله باللسان غفلة
ذكري لله حظّي منه ووقت غفلتي حظّ الله مني
لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت ذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالاً لله أن أذكره.
ما ذكروه إلا بالغفلة وما خدموه إلا بالفترة
نظرت فإذا الناس في الدنيا متلذذون بالنكاح، والطعام والشراب، وفي الآخرة بالمنكوح والملذوذ، فجعلت لذَّتي في الدنيا ذكر الله عزّ وجلّ وفي الآخرة النظر إلى الله عزَّ وجلّ.

الذلة
نويت في سِرِّي، فقيل لي: خزانتنا مملوءة من الخدمة، فإن أردتنا فعليك بالذلة والافتقار.

رضا الله
إن أعطى عبداً من عباده رِضاه، فما يرجو بقصور الجنة؟
من لزم العبودية لزمه اثنان: يأخذه الخوف من ذنبه، ويفارقه العجب من عمله.
هذا فرحي بك وأنا أخافك، فكيف فرحي بك إذا أمنتك؟
السُّنَّة ترك الدنيا، والفريضة صحبة المولى؛ فمن يعمل السُّنَّة والفريضة كملت معرفته، لأن الكتاب كله يدل على صحبة المولى والسنة كلها تدلّ على ترك الدنيا، فمن تعلم السُّنَّة والفريضة فقد كمل.

عشر فرائض
عشرة أشياء فريضة على البدن: أداء الفريضة، واجتناب المحارم، والتواضع لله، وكف الأذى عن الإخوان، والنصيحة للبرّ والفاجر، وطلب المغفرة، وطلب مرضاة الله في جميع أموره، وترك الغضب والكِبر والبغي والمجادلة من ظهور الجفا، وأن يكون وصيّ نفسه: يتهيّأ للموت.
من سمع الكلام ليتكلم مع الناس رزقه الله فهماً يكلم به الناس، ومن سمعه ليعامل الله رزقه الله فهماً يناجي به ربَّه.
أقربهم إلى الله أوسعهم على خلقه
ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شرٌّ منه فهو متكبر
ليس العجب من حُبِّي لك وأنا عبد فقير إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير.
من نظر إلى الخلق بالخلق أبغضهم، ومن نظر إلى الخلق بالخالق رحمهم.
إذا عرف عيوب نفسه، وقويت همته عليها، فحينئذٍ يبلغ مبلغ الرجال.
دعوت نفسي إلى الله فأبت عليّ واستصعبت فتركتها ومضيت إلى الله.
لا يعرف نفسه من صحبته شهوته
إن المريدين ليسوا يهدأون من السياحة والطلب.. صاحبي مقيم ليس بمسافر وأنا معه مقيم لا أسافر.
سأله رجل: من أصحب؟
– من لا يحتاج أن تكتمه شيئاً مما يعلمه الله منك.
لذَات الدنيا ثلاث: صديق وادّ وصحبة ملك جواد ومجالسة مفيد ومفادّ

ثلاثة محجوبين عن الله

أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة: فأولهم الزاهد بزهده، والثاني العابد بعبادته، والثالث العالِم بعِلمِه. مسكين الزاهد قد ألبس زهده وجرى به في ميدان الزُهّاد، ولو علم المسكين أن الدنيا كلها سماها الله “قليلاً” فكم ملك من القليل، وفي كم زهد مما ملك، إن هذا الزهد شرك، لأنه اعتقاد مع الله. إن الزاهد يلحظ إليه بلحظة، فيبقى عنده، ثم لا ترجع نظرته إلى غيره، ولا إلى نفسه. وأما العابد فهو يرى مِنّةَ الله عليه في العبادة أكثر من العبادة، حتى تعرف عبادته في المِنَّة. وأما العالم فلو عَلِم أن جميع ما أبدى الله من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ. فكم علم هذا العالم من ذلك السطر؟ وكم عَلِم فيما عَلم؟ ويكون هؤلاء الثلاثة ذوي شيء إلى يوم القيامة: واحد محجوب بزهده، وآخر بعبادته، وآخر بعلمه، والجنة هي الحِجاب الأكبر لأن أهل الجنة سكنوا إلى الجنّة، وكل من سكن إلى سِواه فهو محجوب.

من شعره
عَجِبـــــــــت لمــــــن يقول ذكرت ربِّي وهل أنسى فأذكر ما نســــــــــــيت
شربت الحُبَّ كأساً بعد كــــــــــــأسٍ فما نفِد الشــرابُ وما رَوِيـــــــــــتُ

أشـار ســــِرّي إليــــــــــك حتــــــــــــــــى فنيــت عنـــــي ودمــت أنـــــــــــــــــتَ
محوت اسمي ورســـم جســمــــــــــي ســــألت عنّـــي فقــلت: أنــــــــــــــتَ
فأنت تســــــلو خيـــال عيــــنــــــــــــــــي فحيثــــما دُرتُ كنــت أنــــــــــــــــــتَ

غرَستَ الحب غَرساً في فــــــــؤادي فلا أسلو إلى يوم التنــــــــــــــادي
جرَحتَ القلب مني باتصــــــــــــــــالٍ فشــــوقٌ زائدٌ والحُــبُّ بــــــــــــادي
سقاني شــــــربةً أحيا فــــــــــــــــؤادي بكأس الحب من بحـــــــــــــر الوِداد
فلـــــولا الله يحفــــــظ عارفيـــــــــــــــه لهــام العــــارفون بكـــــــــــــل وادي

 

من مروءات التآزر الدرزي المسيحي

الأمير شكيب أرسلان في استنبول
الأمير شكيب أرسلان في استنبول
معلوم أن أحداث الثورة السورية الكبرى سنة 1925 امتدت بتأثيراتها إلى لبنان وخصوصاً جنوبه، وذلك نتيجة لجملة أسباب منها قرب الجنوب من جبل العرب وتأثر أبنائه بما كان يحدث هناك. كما أن الوجود الفرنسي في قرى الجنوب وخصوصاً حاصبيا وراشيا خاف من امتداد الثورة إلى لبنان فبدأ بتحريك العصبيات الطائفية وإثارة مخاوف المسيحيين بهدف اجتذابهم للتعاون مع الدولة الفرنسية ضد الوطنيين، وذلك باعتبار فرنسا الحامية الوحيدة للوجود المسيحي في لبنان وسوريا. نتيجة لهذا الاستقطاب حصلت مواجهات محدودة وفتن مدبرة سقط فيها مصابون وضحايا من الطرفين. وقد بلغ الامر أمير البيان شكيب أرسلان في منفاه الاختياري في أوروبا فاعتراه قلق شديد وسارع إلى إعداد رسالة بعث بها إلى الموحدين الدروز والمسيحيين في الشوف ومناطق التعايش المشترك بينهم من ضمنها حث الفريقين على الحفاظ على أواصر المودة، كما نوّه في رسالته برجالات المسيحيين والموحدين الدروز ملقياً على عاتقهم أمانة الحفاظ على التعايش وأواصر المحبة والصلات التاريخية بين الطائفتين العريقتين. ومما قاله الأمير شكيب أرسلان في رسالته ما يلي:
“وأنا وإن كنت بعيداً عن الوطن، غير أنني أعلم بكل ما يحدث فيه، ومن هو المصلح وغير المصلح، وذلك لأن الناس تكتب لي؛ ونظراً لخبرتي بأحوال الوطن إذا جاءني القليل فهمت منه الكثير، وأخص بالذكر مآثر سيادة المطران أغسطين بستاني (مطران الطائفة المارونية في بيت الدين) ، هذا الرئيس الروحي والذي ينبغي أن يوجد في مثل تلك الأوقات العصيبة.
وهنا نحمد الله على أن مياه الصفاء بين الطائفتين رجعت إلى مجاريها بحسن مساعي سيادته ومساعي العقلاء والأفاضل. وإنني وإن كنت غائباً أو حاضراً ليس لي من وصية عند أبناء وطني سوى الإتحاد والتّحاب، لأن الطوائف المتنوعة في الوطن الواحد ينبغي أن تكون بعضها لبعض ركناً، وكل واحد من هذه الفئة أو تلك يُسدي معروفاً إلى أبناء الفئة الأخرى. ويجب أن يعلم أنه يخدم جماعته بذلك قبل الجماعة الذين أسدى إليهم المعروف.
وأثناء الحرب الكبرى، معلوم أنني كنت أعظ الجميع بالوئام والإنضمام ولاسيما الدروز الذين كانوا يسمعون مني أولاً لاعتقادهم بإخلاصي لهم، وثانياً لنفوذي يومئذ عند الدولة فكنت أقول لهم من كان منكم له صديق مسيحي يزوره في الشهر مرة صار يلزمه في هذه الظروف أن يشاهده في كل جمعة، وأي إنسانية تقدرون عليها نحو أبناء وطنكم النصارى فهذا وقتها، لأن الإتحاد على كل الأحوال هو العماد والراحة، ولأن القبيح يُقابل بمثله، وأنتم تعرفون المستقبل. فالأجدر أن يأتي المستقبل وصحيفتكم بيضاء عند هؤلاء الجماعة ولا يقدرون أن يمسكوا عليكم ممسكاً.
ثم يختم وصيته بلفتة تقدير واحترام لوجهاء دير القمر والشوف معاً إذ يقول:
”اسألوا لي عن خاطر سيادة المطران أوغسطين بستاني جزيل الإحترام في بيت الدين. وإن زرتم دير القمر قبّلوا لي عوارض الأخ عبدالله أفندي أفرام، والأخ نمر أفندي شمعون الذي كنت قديماً مغتاظاً منه ولكنني نسيت ذلك وعادت إلى قلبي محبته المتينة، ثم أهدوا سلامي وأشواقي إلى جناب الوجيه سليمان أفندي شمعون، وإن كان الأستاذ العلامة جرجس أفندي صفا في الدير فاسألوا لي خاطره واهدوه مزيداً من أشواقي لأنه صديق قديم ورجل كبير بعلمه وعقله”.
هذا، واسألوا لنا خاطر سيادة شيخنا الشيخ حسين طليع (شيخ عقل الدروز في حينه)، والتمسوا لنا دعاءه، وقبلوا لنا عوارض الأخ أمين بك طليع، واهدوا وافر التحيات إلى حضرات الأجلاء المشايخ أبي محمد قاسم أبو شقرا، ومحمود أفندي نجم أبو شقرا، ومحمود أفندي رافع ومحفوظ أفندي حميه، وإلى أنس المجالس الشيخ أبي علي الفطايري، وسلامي وأشواقي إلى حضرة أخيكم محمد أفندي طليع”. 1

المخلص شكيب أرسلان

 

كيس ذهب من دير القمر
ينقذ حياة زعيم آل أبو شقرا

مقام-أبا-يزيد-البسطامي-في-بسطام
مقام-أبا-يزيد-البسطامي-في-بسطام

كان أجدادنا يتناقلون لعشرات العقود من الزمن حادثة مؤثرة حصلت قبل نحو 200 عام وحملت الكثير من العبر عن أهمية التآزر الدرزي المسيحي، وعن الفوائد العظيمة التي يجنيها الطرفان من جراء علاقات الوئام الدائم بينهما. موجز تلك الحادثة أنه وعلى أثر شر السمقانية سنة 1825 بين الأمير بشير الشهابي والشيخ بشير جنبلاط أخذ الأمير بعد انتصاره على خصمه الشيخ الجنبلاطي بالإنتقام من أنصاره وأتباعه ومنهم الشيخ بشير حسن أبو شقرا، والذي توارى عن بلدته عماطور إلى إقليم الشومر في الجنوب واختبأ في قرية تخص وجيهاً من بيت علي الصغير اسمه أحمد بك. وعبثاً فتش عنه رجال الأمير في مختلف أنحاء الجبل فلم يقفوا له على أثر. واتفق ذات يوم وهو يتجول في صيدا أن عرفه أحد جواسيس الأمير بشير ووشى به فقُبض عليه واقتيد مكبلاً إلى بيت الدين.
كان لهذا الحادث الوقع الأليم في نفوس أقاربه آل أبو شقرا، وخوفاً على حياته من بطش الأمير وتعسّفه استنجدوا بالشيخين النبيلين ناصيف وحمود النكديين أنصار الأمير. وتقول الرواية إن النكديـِّـيْن دخلا على الحاكم الرهيب في الساعة التي كانت الشرطة تستعد لتنفيذ حكم الإعدام بالشيخ أبو شقرا، فلاحظ الأمير على وجهيهما علامات الإضطراب والحاجة فسألهما:
-”خيراً إن شاء الله ، هذه الزيارة في هذا الوقت مش بلا ؟”
أجاباه : رجاء نعرضه على سعادتك.
دهاؤه حدثه برغبتهما، فقال: كل شيء إلا العفو عن بشير أبو شقرا.
أجاباه: العهد بيننا أننا حلفاؤك حتى الموت، وأنك لا تخيبنا ولا تكسر خاطرنا.
تأثر الأمير وأجاب: لكم ما تريدون فاطلبوا..
-العفو من شيم الكرام، ونحن نرجو أن تعفوَ عن ابن أبو شقرا.
قال الراوي: أسقط في يد الطاغية، ولبى رجاء الشيخين النكديين على مضض وكره، ولكنه اشترط أن لا يطلق سراحه إلا إذا أدّى خمسة وثلاثين كيساً وكان المبلغ باهظاً وعظيماً في ذلك الزمان، فسعى بنو أبوشقرا إلى تدبيره بشق النفس، وباعوا حُلي ومصاغ نسائهم والعديد من أرضهم، ثم ساعدهم أصدقاؤهم من عائلة أبو حسن في بعذران، وعائلة جودية في حارة جندل حتى تجمّع لديهم، بعد العناء الشديد، أربعة وثلاثين كيساً، وبقي عليهم كيس واحد، ولكن الأبواب سدّت في وجوههم فحرّكت المروءة الشيخ نادر بو عكر كبير أسرة آل نعمة في دير القمر، وهي أسرة صديقة لآل أبو شقرا منذ القدم وتربط بينهما أواصر المحبة ووحدة الفرضية، فجمع هذا الشهم الكيس من عائلته الكريمة وقدمها إلى أبو شقرا وأنقذ بعمله هذا حياة كبيرهم من الموت المحتم.
ومما يرويه المؤرخ حسين غضبان في كتابه “ الحركات في لبنان، ص 22 “ أن الشيخ قاسم معضاد أبو شقرا، شيخ قرية عماطور في حينه، نزل إلى بيروت سنة 1880 لشؤون خاصة، وعندما همّ بالعودة شعر أنه متوعك المزاج، فمرّ بالشويفات ليبيت عند صديقه فارس محمود أبو حسن، ولم تمضِ بضع ساعات على وصوله حتى حضرته الوفاة.
في الصباح حُمّل الفقيد بموكب نحو بلدته عماطور، وقبل أن يبلغ الموكب دير القمر، كان النعي قد وصل إليها فتداعى رجال آل نعمة لملاقاة الموكب في ظاهر البلدة، ومن هناك انضموا إلى الموكب وساروا إلى جانب آل أبي شقرا يساهمون في حمل الجثمان حتى وصلوا عماطور، فوقفوا يستقبلون المعزين مع آل أبوشقرا وكأنه فقيدهم.

جميل ردّ الجميل لكن البادىء أفضل

الرجال سيفها ليس للعدوان
الرجال سيفها ليس للعدوان
مخطىء من خالج فكره يوماً أن الشعب المسالم في قراه ومدنه، كان السبب في تغيير مجرى الثورات من وطنية إلى فتن طائفية، فقد كان العامل الأهم هو الأيادي الخفية لعملاء السلطة المحتلة أو لعناصر الشر والمكائد من مخابرات محلية أو خارجية وجميعهم ممن ينطبق عليهم القول:”يفسدون في الأرض ولا يصلحون”.
هذا ما حدث يوم فتنة بلدة كوكبا في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني سنة 1925، بعد أن تناهى لسمع زوجة الشيخ أبو محمد أسعد الزغير، أزيز الرصاص وضجيج الغوغاء وارتفاع الأصوات والعياط، قرب بلدة كوكبا، وكانت لم تزل تصطاف مع عائلتها في بستانها القريب من البلدة المذكورة، صرخت قائلة: “يا أبا محمد ولدنا مهنا ذهب للصيد هناك، إذهب وابحث عنه وعسى أن لا يكون قد أصابه مكروه”.
اعتلى أبو محمد ظهر دابته وانطلق نحو العين غير آبهٍ بالخطر المحدق به، كونه لا علم له بما حدث أو لم يزل يحدث. لدى وصوله إلى مبتغاه، وجد مهنا يبحث عن طرائده رغم أن طرائد غيره كانت من الأبرياء الضعفاء. عند اقترابه من العين المذكورة، إذ بنسوة مع أولادهن وأطفالهن ويربو عددهن على الثلاثين، يركضن نحوه صارخات مولولات يلتمسن النجدة والخلاص.
تحركت النخوة والعزة والكرامة التي انفطر عليها هذا الشيخ وأمثاله، خصوصاً وأن العديد من أؤلئك النسوة كنَّ ممن يعرفهن أو يعرف أزواجهن. ورغم استغرابه لهذا المشهد انتفض قائلاً: “ويحكن، ماذا يحدث هنا، ولماذا هذا الهلع؟ فأنتن بإذنه تعالى سالمات ولن يصيبكن أي مكروه وأنا حيٌّ ولي عرق ينبض”.
إنطلق أمامهن عائداً من حيث أتى بعد أن أودع العديد من الحوائج المهمة كالمصاغات وسواها في خرج دابته ووضع أمامه وخلفه أربعة أطفال وسار أمام النسوة وابنه مهنا يرافقهن.
مع وصوله إلى بستان الحرفاني القريب من بستانه، وجد العديد من الثوار وبينهم من يمتّ إليه بصلة فاستوضحهم عن السبب، ثم طلب من بعض أصحابه وأقاربه أن يعودوا معه لمساعدته وحماية مرافقيه حتى وصوله إلى بيته في حاصبيا، وذلك تحسباً لأي إنتقام ممن فقدوا أولادهم أو أحد أقاربهم.
في منزله، رحّب أبو محمد بالنسوة ثم دعاهن إلى الدخول آمنات مطمئنات غير أنه فوجىء بإحداهن والدموع تملأ مقلتيها وهي تولول وتلطم خديها وتقول: “ولدي حبيب لم يزل في السرير”.
ذُهل واستغرب من هذا الكلام، ثم سألها: لماذا لم تقولي قبل مجيئنا؟  وقبل أن تستجمع قواها للجواب سارع إلى طمأنتها بالقول:لا تقلقي سأعود وأجلبه فأين بيتك، وزوجة من تكونين؟
-صحيح يا عمي أبو محمد؟ صحيح؟ وهل باستطاعتك أن تعود؟ فأنا زوجة شكري أبونقول وبيتنا في الجهة الشرقية من الكنيسة.
وصل إلى البلدة والنيران لم تزل تلتهم ما تبقى من المنازل وما يحيط بها لكن المنزل المقصود كان لم يزل سالماً. فاندس إلى داخله وأخرج الطفل من سريره ثم عاد به إلى والدته.
هنا مشهد يرويه حفيد الشيخ عن لسان والده فارس قائلاً: “ بقي ذلك المشهد طيلة حياته لا يبرح فكره، كيف أن الوالدة تلقفت الطفل، وكيف ركضت ثم ركعت أمام والده شكراً وامتناناً، لكن الجد استغفر الله وأجاب: “هذا واجبنا تجاه ضميرنا وتجاه الجميع وكيف وأنتم جيراننا وأحباؤنا”.
بقيت النسوة في المنزل مكرّمات فترة من الزمن، غير أن خوف مضيفهن من الأيام المقبلة وعاقبتها جعله يذهب إلى الشيخ حسين قيس قاضي المذهب الدرزي آنذاك، طالباً منه النصيحة في ما يجب أن يكون موقفه تجاه النسوة.
أيقن الشيخ خطورة الأمر، لذا أشار إليه أن يوصلهن إلى سهل إبل السقي على أن يكملن طريقهن من هناك إلى مرجعيون، حيث أن البلدة عادت إلى يد السلطة المستعمرة ولربما أزواجهن وأولادهن يتواجدون هناك.
هذا ما حدث بالفعل، إذ قام بإيصالهن مع بعض أقاربه إلى السهل المقصود، ومن هناك توجهن إلى مرجعيون، وكان اللقاء المؤثر بين الفاقد والمفقود.
رد الجميل لم يطل كثيراً لأبي محمد أسعد الزغير، من قبل آل أبو نقول، إذ بعد اندحار الثوار وتركهم لبلدتهم حاصبيا ودخولها وحرقها من قبل الجيش الفرنسي وبعض المتعاونين معه، كان أن سلم بيت الشيخ أبو محمد من الحريق وذلك بإيعاز وحضور من والد ذلك الطفل، وكان من جرّاء ذلك أن تعمّقت الصداقة وتجذّرت بين آل الزغير وآل أبونقول حتى اليوم الراهن. ويكمل الراوي فيقول إن السيدين شكري وميشال أبونقول بقيا يناديان والده فارس حتى وفاتهما بأخي فارس.
هذه المأثرة حدت بي إلى إعادة ما رواه أمامي الطيب الذكر الأديب سلام الراسي عن مأساة بلدة كوكبا فقال: “أقسم اليمين عما سأرويه حيث كنت في الرابعة عشرة من عمري عندما أتى إلى بلدتنا إبل السقي، وفد حكومة حاصبيا برئاسة نسيب أفندي غبريل، وعضوية كل من السادة نزيه مؤيد العظم، وشكيب وهاب وفي جعبتهم المنشور الموقع من القائد زيد الأطرش وفحواه: “إن قدوم الثوار الدروز إلى هذه البلاد هو لإنقاذها من السيطرة الأجنبية، وإن ثورتهم هذه باسم الوطن لا بإسم الطائفية، وإن جميع أبناء الوطن، إخواننا في النفس والمال والحرية الشخصية. وعلى مبدأ “الدين لله والوطن للجميع”، راجين التفّهم والتعاون والله من وراء القصد”. ثم أخبروهم أن الثوار سيمرون غداً قرب بلدتهم متلمسين منهم عدم التحرش أو إطلاق النار عليهم.
أثناء تواجد الوفد في منزل الوجيه يوسف أبو سمرا علمت المخابرات الفرنسية المتواجدة في مرجعيون بقدومهم، لذا أرسلت ثلاثة من عملائها لاعتقال الوفد المذكور، لكن حالما عرف أبو سمرا بالأمر حتى أرسل رجاله لمقابلتهم وأمرهم بالعودة من حيث أتوا.
في اليوم التالي، قَدِم الثوار من حاصبيا إلى مرجعيون وقصدهم طرد الحامية الفرنسية المتواجدة فيها سلماً، كما حصل في بلدة حاصبيا ذاتها، حيث طردت الحامية من موقعها في تلة زغلة من دون سفك أي نقطة دم وتمّ إيصال الجنود الفرنسيين إلى مصنع الحمّر، مع تزويدهم بالطعام والماء، كما سُمح لهم بنقل جميع معداتهم وأسلحتهم”، غير أن المخابرات المذكورة سابقاً ما كان منها إلا أن أرسلت العملاء الثلاثة ذاتهم إلى زيتون المغاريق المتواجدة أمام بلدة كوكبا، وحيال وصول الثوار إلى هناك فاجأوهم بإطلاق النار عليهم فقتل منهم على الفور ثلاثة هم: أسعد شرف وقاسم ومحمود أبودهن.
صادف أن حصل هذا الاعتداء الغادر على الثوار بينما كان قائد الحملة حمزة درويش يشرب القهوة عند خوري البلدة، ونظراً إلى أن القائد المحنط لم يكن موجوداً في الوقت المناسب فقد عمت الفوضة بين الثوار و”فلت الملقّ”، كما يقال بعد أن اعتقد الثوار أن أهالي كوكبا هم الذين هاجموهم لذا توجهوا نحو البلدة وحدث ما حدث، وقتل نحو ثلاثين من الذين قاوموا وكانوا يحملون السلاح.

ليردد بعد ذلك الأمير عادل أرسلان، أحد قادة تلك الثورة، جملته الشهيرة: “هكذا أرادتها فرنسا: من ثورة وطنية إلى فتنة طائفية”.

يا محترم حياتكم غالية جداً علينا

حدّثني الأديب سلام الراسي عن أريحية ومروءة الشيخ أبو اسماعيل سليم خير الدين، فقال: “بعد اندحار الجيش الفرنسي التابع لحكومة فيشي سنة 1940، أمام الجيش الفرنسي التابع لحكومة الجنرال ديغول في الجزائر في منطقتي مرجعيون وحاصبيا حدث فراغ أمني في بلدة حاصبيا من جرّاء ذلك.
القسيس إبراهيم داغر، راعي الكنيسة الإنجيلية، ومدير المدرسة التابعة لها في تلك البلدة، وكان لم يزل يقطن فيها.
إحدى الليالي، نظر من نافذته، فوجد ثلاثة مسلحين يتجوّلون قرب منزله، لكنهم لم يطرقوا الباب، ومع هذا بقي طوال الليل يترقب حدوث عمل مشين.
بعد طلوع الفجر بقليل، أسرع القسيس إلى صديقه الشيخ أبو اسماعيل خير الدين وحادثه قائلاً :
“شيخنا الكريم، إذا كان وجودي في بلدتكم غير مرغوب فيه، فأرجو من حضرتكم إعلامي بذلك، وإنني على استعداد للرحيل ساعة تشاؤون، والسبب أن ثلاثة مسلحين بقوا طوال الليل أمام منزلي”.
تبسّم الشيخ بعد أن استراحت تقاسيم وجهه، وأدار بيده فوق لحيته وقال:
“يا محترم، لا يغرُب عن بالكم أن حياتكم غالية جداً علينا، وأن وجودكم بيننا لا يقدّر بثمن. فأنتم المرشد الروحي والفكري لأولادنا وللجميع، وخوفاً من حدوث مكروه لحياتكم في هذه الأوقات العصيبة، قمنا بإرسال الشباب لحراستكم، والسهر على راحتكم”.
تبسّم القسيس بعد أن سمع ذلك، وبعد أن استراح فكره، نظر نحو الشيخ من جديد وقال: “حييتم وبييّتم أيها النبيل الشريف، وحقيقة أنكم خلقتم للمعروف يا بني معروف”.

 

 

من مروءات التآزر الدرزي المسيحي

[su_accordion]

[su_spoiler title=” من مروءات التآزر الدرزي المسيحي وصية عاجلة من الأمير شكيب أرسلان” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الأمير شكيب أرسلان في استنبول
الأمير شكيب أرسلان في استنبول

معلوم أن أحداث الثورة السورية الكبرى سنة 1925 امتدت بتأثيراتها إلى لبنان وخصوصاً جنوبه، وذلك نتيجة لجملة أسباب منها قرب الجنوب من جبل العرب وتأثر أبنائه بما كان يحدث هناك. كما أن الوجود الفرنسي في قرى الجنوب وخصوصاً حاصبيا وراشيا خاف من امتداد الثورة إلى لبنان فبدأ بتحريك العصبيات الطائفية وإثارة مخاوف المسيحيين بهدف اجتذابهم للتعاون مع الدولة الفرنسية ضد الوطنيين، وذلك باعتبار فرنسا الحامية الوحيدة للوجود المسيحي في لبنان وسوريا. نتيجة لهذا الاستقطاب حصلت مواجهات محدودة وفتن مدبرة سقط فيها مصابون وضحايا من الطرفين. وقد بلغ الامر أمير البيان شكيب أرسلان في منفاه الاختياري في أوروبا فاعتراه قلق شديد وسارع إلى إعداد رسالة بعث بها إلى الموحدين الدروز والمسيحيين في الشوف ومناطق التعايش المشترك بينهم من ضمنها حث الفريقين على الحفاظ على أواصر المودة، كما نوّه في رسالته برجالات المسيحيين والموحدين الدروز ملقياً على عاتقهم أمانة الحفاظ على التعايش وأواصر المحبة والصلات التاريخية بين الطائفتين العريقتين. ومما قاله الأمير شكيب أرسلان في رسالته ما يلي:
“وأنا وإن كنت بعيداً عن الوطن، غير أنني أعلم بكل ما يحدث فيه، ومن هو المصلح وغير المصلح، وذلك لأن الناس تكتب لي؛ ونظراً لخبرتي بأحوال الوطن إذا جاءني القليل فهمت منه الكثير، وأخص بالذكر مآثر سيادة المطران أغسطين بستاني (مطران الطائفة المارونية في بيت الدين) ، هذا الرئيس الروحي والذي ينبغي أن يوجد في مثل تلك الأوقات العصيبة.
وهنا نحمد الله على أن مياه الصفاء بين الطائفتين رجعت إلى مجاريها بحسن مساعي سيادته ومساعي العقلاء والأفاضل. وإنني وإن كنت غائباً أو حاضراً ليس لي من وصية عند أبناء وطني سوى الإتحاد والتّحاب، لأن الطوائف المتنوعة في الوطن الواحد ينبغي أن تكون بعضها لبعض ركناً، وكل واحد من هذه الفئة أو تلك يُسدي معروفاً إلى أبناء الفئة الأخرى. ويجب أن يعلم أنه يخدم جماعته بذلك قبل الجماعة الذين أسدى إليهم المعروف.
وأثناء الحرب الكبرى، معلوم أنني كنت أعظ الجميع بالوئام والإنضمام ولاسيما الدروز الذين كانوا يسمعون مني أولاً لاعتقادهم بإخلاصي لهم، وثانياً لنفوذي يومئذ عند الدولة فكنت أقول لهم من كان منكم له صديق مسيحي يزوره في الشهر مرة صار يلزمه في هذه الظروف أن يشاهده في كل جمعة، وأي إنسانية تقدرون عليها نحو أبناء وطنكم النصارى فهذا وقتها، لأن الإتحاد على كل الأحوال هو العماد والراحة، ولأن القبيح يُقابل بمثله، وأنتم تعرفون المستقبل. فالأجدر أن يأتي المستقبل وصحيفتكم بيضاء عند هؤلاء الجماعة ولا يقدرون أن يمسكوا عليكم ممسكاً.
ثم يختم وصيته بلفتة تقدير واحترام لوجهاء دير القمر والشوف معاً إذ يقول:
”اسألوا لي عن خاطر سيادة المطران أوغسطين بستاني جزيل الإحترام في بيت الدين. وإن زرتم دير القمر قبّلوا لي عوارض الأخ عبدالله أفندي أفرام، والأخ نمر أفندي شمعون الذي كنت قديماً مغتاظاً منه ولكنني نسيت ذلك وعادت إلى قلبي محبته المتينة، ثم أهدوا سلامي وأشواقي إلى جناب الوجيه سليمان أفندي شمعون، وإن كان الأستاذ العلامة جرجس أفندي صفا في الدير فاسألوا لي خاطره واهدوه مزيداً من أشواقي لأنه صديق قديم ورجل كبير بعلمه وعقله”.
هذا، واسألوا لنا خاطر سيادة شيخنا الشيخ حسين طليع (شيخ عقل الدروز في حينه)، والتمسوا لنا دعاءه، وقبلوا لنا عوارض الأخ أمين بك طليع، واهدوا وافر التحيات إلى حضرات الأجلاء المشايخ أبي محمد قاسم أبو شقرا، ومحمود أفندي نجم أبو شقرا، ومحمود أفندي رافع ومحفوظ أفندي حميه، وإلى أنس المجالس الشيخ أبي علي الفطايري، وسلامي وأشواقي إلى حضرة أخيكم محمد أفندي طليع”. 1

المخلص شكيب أرسلان

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”كيس ذهب من دير القمر ينقذ حياة زعيم آل أبو شقرا ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

دير-القمر-في-سبعينات-القرن-التاسع-عشر
دير-القمر-في-سبعينات-القرن-التاسع-عشر

كان أجدادنا يتناقلون لعشرات العقود من الزمن حادثة مؤثرة حصلت قبل نحو 200 عام وحملت الكثير من العبر عن أهمية التآزر الدرزي المسيحي، وعن الفوائد العظيمة التي يجنيها الطرفان من جراء علاقات الوئام الدائم بينهما. موجز تلك الحادثة أنه وعلى أثر شر السمقانية سنة 1825 بين الأمير بشير الشهابي والشيخ بشير جنبلاط أخذ الأمير بعد انتصاره على خصمه الشيخ الجنبلاطي بالإنتقام من أنصاره وأتباعه ومنهم الشيخ بشير حسن أبو شقرا، والذي توارى عن بلدته عماطور إلى إقليم الشومر في الجنوب واختبأ في قرية تخص وجيهاً من بيت علي الصغير اسمه أحمد بك. وعبثاً فتش عنه رجال الأمير في مختلف أنحاء الجبل فلم يقفوا له على أثر. واتفق ذات يوم وهو يتجول في صيدا أن عرفه أحد جواسيس الأمير بشير ووشى به فقُبض عليه واقتيد مكبلاً إلى بيت الدين.
كان لهذا الحادث الوقع الأليم في نفوس أقاربه آل أبو شقرا، وخوفاً على حياته من بطش الأمير وتعسّفه استنجدوا بالشيخين النبيلين ناصيف وحمود النكديين أنصار الأمير. وتقول الرواية إن النكديـِّـيْن دخلا على الحاكم الرهيب في الساعة التي كانت الشرطة تستعد لتنفيذ حكم الإعدام بالشيخ أبو شقرا، فلاحظ الأمير على وجهيهما علامات الإضطراب والحاجة فسألهما:
-”خيراً إن شاء الله ، هذه الزيارة في هذا الوقت مش بلا ؟”
أجاباه : رجاء نعرضه على سعادتك.
دهاؤه حدثه برغبتهما، فقال: كل شيء إلا العفو عن بشير أبو شقرا.
أجاباه: العهد بيننا أننا حلفاؤك حتى الموت، وأنك لا تخيبنا ولا تكسر خاطرنا.
تأثر الأمير وأجاب: لكم ما تريدون فاطلبوا..
-العفو من شيم الكرام، ونحن نرجو أن تعفوَ عن ابن أبو شقرا.
قال الراوي: أسقط في يد الطاغية، ولبى رجاء الشيخين النكديين على مضض وكره، ولكنه اشترط أن لا يطلق سراحه إلا إذا أدّى خمسة وثلاثين كيساً وكان المبلغ باهظاً وعظيماً في ذلك الزمان، فسعى بنو أبوشقرا إلى تدبيره بشق النفس، وباعوا حُلي ومصاغ نسائهم والعديد من أرضهم، ثم ساعدهم أصدقاؤهم من عائلة أبو حسن في بعذران، وعائلة جودية في حارة جندل حتى تجمّع لديهم، بعد العناء الشديد، أربعة وثلاثين كيساً، وبقي عليهم كيس واحد، ولكن الأبواب سدّت في وجوههم فحرّكت المروءة الشيخ نادر بو عكر كبير أسرة آل نعمة في دير القمر، وهي أسرة صديقة لآل أبو شقرا منذ القدم وتربط بينهما أواصر المحبة ووحدة الفرضية، فجمع هذا الشهم الكيس من عائلته الكريمة وقدمها إلى أبو شقرا وأنقذ بعمله هذا حياة كبيرهم من الموت المحتم.
ومما يرويه المؤرخ حسين غضبان في كتابه “ الحركات في لبنان، ص 22 “ أن الشيخ قاسم معضاد أبو شقرا، شيخ قرية عماطور في حينه، نزل إلى بيروت سنة 1880 لشؤون خاصة، وعندما همّ بالعودة شعر أنه متوعك المزاج، فمرّ بالشويفات ليبيت عند صديقه فارس محمود أبو حسن، ولم تمضِ بضع ساعات على وصوله حتى حضرته الوفاة.
في الصباح حُمّل الفقيد بموكب نحو بلدته عماطور، وقبل أن يبلغ الموكب دير القمر، كان النعي قد وصل إليها فتداعى رجال آل نعمة لملاقاة الموكب في ظاهر البلدة، ومن هناك انضموا إلى الموكب وساروا إلى جانب آل أبي شقرا يساهمون في حمل الجثمان حتى وصلوا عماطور، فوقفوا يستقبلون المعزين مع آل أبوشقرا وكأنه فقيدهم.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” جميل ردّ الجميل لكن البادىء أفضل” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الرجال سيفها ليس للعدوان
الرجال سيفها ليس للعدوان

مخطىء من خالج فكره يوماً أن الشعب المسالم في قراه ومدنه، كان السبب في تغيير مجرى الثورات من وطنية إلى فتن طائفية، فقد كان العامل الأهم هو الأيادي الخفية لعملاء السلطة المحتلة أو لعناصر الشر والمكائد من مخابرات محلية أو خارجية وجميعهم ممن ينطبق عليهم القول:”يفسدون في الأرض ولا يصلحون”.
هذا ما حدث يوم فتنة بلدة كوكبا في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني سنة 1925، بعد أن تناهى لسمع زوجة الشيخ أبو محمد أسعد الزغير، أزيز الرصاص وضجيج الغوغاء وارتفاع الأصوات والعياط، قرب بلدة كوكبا، وكانت لم تزل تصطاف مع عائلتها في بستانها القريب من البلدة المذكورة، صرخت قائلة: “يا أبا محمد ولدنا مهنا ذهب للصيد هناك، إذهب وابحث عنه وعسى أن لا يكون قد أصابه مكروه”.
اعتلى أبو محمد ظهر دابته وانطلق نحو العين غير آبهٍ بالخطر المحدق به، كونه لا علم له بما حدث أو لم يزل يحدث. لدى وصوله إلى مبتغاه، وجد مهنا يبحث عن طرائده رغم أن طرائد غيره كانت من الأبرياء الضعفاء. عند اقترابه من العين المذكورة، إذ بنسوة مع أولادهن وأطفالهن ويربو عددهن على الثلاثين، يركضن نحوه صارخات مولولات يلتمسن النجدة والخلاص.
تحركت النخوة والعزة والكرامة التي انفطر عليها هذا الشيخ وأمثاله، خصوصاً وأن العديد من أؤلئك النسوة كنَّ ممن يعرفهن أو يعرف أزواجهن. ورغم استغرابه لهذا المشهد انتفض قائلاً: “ويحكن، ماذا يحدث هنا، ولماذا هذا الهلع؟ فأنتن بإذنه تعالى سالمات ولن يصيبكن أي مكروه وأنا حيٌّ ولي عرق ينبض”.
إنطلق أمامهن عائداً من حيث أتى بعد أن أودع العديد من الحوائج المهمة كالمصاغات وسواها في خرج دابته ووضع أمامه وخلفه أربعة أطفال وسار أمام النسوة وابنه مهنا يرافقهن.
مع وصوله إلى بستان الحرفاني القريب من بستانه، وجد العديد من الثوار وبينهم من يمتّ إليه بصلة فاستوضحهم عن السبب، ثم طلب من بعض أصحابه وأقاربه أن يعودوا معه لمساعدته وحماية مرافقيه حتى وصوله إلى بيته في حاصبيا، وذلك تحسباً لأي إنتقام ممن فقدوا أولادهم أو أحد أقاربهم.
في منزله، رحّب أبو محمد بالنسوة ثم دعاهن إلى الدخول آمنات مطمئنات غير أنه فوجىء بإحداهن والدموع تملأ مقلتيها وهي تولول وتلطم خديها وتقول: “ولدي حبيب لم يزل في السرير”.
ذُهل واستغرب من هذا الكلام، ثم سألها: لماذا لم تقولي قبل مجيئنا؟ وقبل أن تستجمع قواها للجواب سارع إلى طمأنتها بالقول:لا تقلقي سأعود وأجلبه فأين بيتك، وزوجة من تكونين؟
-صحيح يا عمي أبو محمد؟ صحيح؟ وهل باستطاعتك أن تعود؟ فأنا زوجة شكري أبونقول وبيتنا في الجهة الشرقية من الكنيسة.
وصل إلى البلدة والنيران لم تزل تلتهم ما تبقى من المنازل وما يحيط بها لكن المنزل المقصود كان لم يزل سالماً. فاندس إلى داخله وأخرج الطفل من سريره ثم عاد به إلى والدته.
هنا مشهد يرويه حفيد الشيخ عن لسان والده فارس قائلاً: “ بقي ذلك المشهد طيلة حياته لا يبرح فكره، كيف أن الوالدة تلقفت الطفل، وكيف ركضت ثم ركعت أمام والده شكراً وامتناناً، لكن الجد استغفر الله وأجاب: “هذا واجبنا تجاه ضميرنا وتجاه الجميع وكيف وأنتم جيراننا وأحباؤنا”.
بقيت النسوة في المنزل مكرّمات فترة من الزمن، غير أن خوف مضيفهن من الأيام المقبلة وعاقبتها جعله يذهب إلى الشيخ حسين قيس قاضي المذهب الدرزي آنذاك، طالباً منه النصيحة في ما يجب أن يكون موقفه تجاه النسوة.
أيقن الشيخ خطورة الأمر، لذا أشار إليه أن يوصلهن إلى سهل إبل السقي على أن يكملن طريقهن من هناك إلى مرجعيون، حيث أن البلدة عادت إلى يد السلطة المستعمرة ولربما أزواجهن وأولادهن يتواجدون هناك.
هذا ما حدث بالفعل، إذ قام بإيصالهن مع بعض أقاربه إلى السهل المقصود، ومن هناك توجهن إلى مرجعيون، وكان اللقاء المؤثر بين الفاقد والمفقود.
رد الجميل لم يطل كثيراً لأبي محمد أسعد الزغير، من قبل آل أبو نقول، إذ بعد اندحار الثوار وتركهم لبلدتهم حاصبيا ودخولها وحرقها من قبل الجيش الفرنسي وبعض المتعاونين معه، كان أن سلم بيت الشيخ أبو محمد من الحريق وذلك بإيعاز وحضور من والد ذلك الطفل، وكان من جرّاء ذلك أن تعمّقت الصداقة وتجذّرت بين آل الزغير وآل أبونقول حتى اليوم الراهن. ويكمل الراوي فيقول إن السيدين شكري وميشال أبونقول بقيا يناديان والده فارس حتى وفاتهما بأخي فارس.
هذه المأثرة حدت بي إلى إعادة ما رواه أمامي الطيب الذكر الأديب سلام الراسي عن مأساة بلدة كوكبا فقال: “أقسم اليمين عما سأرويه حيث كنت في الرابعة عشرة من عمري عندما أتى إلى بلدتنا إبل السقي، وفد حكومة حاصبيا برئاسة نسيب أفندي غبريل، وعضوية كل من السادة نزيه مؤيد العظم، وشكيب وهاب وفي جعبتهم المنشور الموقع من القائد زيد الأطرش وفحواه: “إن قدوم الثوار الدروز إلى هذه البلاد هو لإنقاذها من السيطرة الأجنبية، وإن ثورتهم هذه باسم الوطن لا بإسم الطائفية، وإن جميع أبناء الوطن، إخواننا في النفس والمال والحرية الشخصية. وعلى مبدأ “الدين لله والوطن للجميع”، راجين التفّهم والتعاون والله من وراء القصد”. ثم أخبروهم أن الثوار سيمرون غداً قرب بلدتهم متلمسين منهم عدم التحرش أو إطلاق النار عليهم.
أثناء تواجد الوفد في منزل الوجيه يوسف أبو سمرا علمت المخابرات الفرنسية المتواجدة في مرجعيون بقدومهم، لذا أرسلت ثلاثة من عملائها لاعتقال الوفد المذكور، لكن حالما عرف أبو سمرا بالأمر حتى أرسل رجاله لمقابلتهم وأمرهم بالعودة من حيث أتوا.
في اليوم التالي، قَدِم الثوار من حاصبيا إلى مرجعيون وقصدهم طرد الحامية الفرنسية المتواجدة فيها سلماً، كما حصل في بلدة حاصبيا ذاتها، حيث طردت الحامية من موقعها في تلة زغلة من دون سفك أي نقطة دم وتمّ إيصال الجنود الفرنسيين إلى مصنع الحمّر، مع تزويدهم بالطعام والماء، كما سُمح لهم بنقل جميع معداتهم وأسلحتهم”، غير أن المخابرات المذكورة سابقاً ما كان منها إلا أن أرسلت العملاء الثلاثة ذاتهم إلى زيتون المغاريق المتواجدة أمام بلدة كوكبا، وحيال وصول الثوار إلى هناك فاجأوهم بإطلاق النار عليهم فقتل منهم على الفور ثلاثة هم: أسعد شرف وقاسم ومحمود أبودهن.
صادف أن حصل هذا الاعتداء الغادر على الثوار بينما كان قائد الحملة حمزة درويش يشرب القهوة عند خوري البلدة، ونظراً إلى أن القائد المحنط لم يكن موجوداً في الوقت المناسب فقد عمت الفوضة بين الثوار و”فلت الملقّ”، كما يقال بعد أن اعتقد الثوار أن أهالي كوكبا هم الذين هاجموهم لذا توجهوا نحو البلدة وحدث ما حدث، وقتل نحو ثلاثين من الذين قاوموا وكانوا يحملون السلاح.
ليردد بعد ذلك الأمير عادل أرسلان، أحد قادة تلك الثورة، جملته الشهيرة: “هكذا أرادتها فرنسا: من ثورة وطنية إلى فتنة طائفية”.

 

 

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”يا محترم حياتكم غالية جداً علينا” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

حدّثني الأديب سلام الراسي عن أريحية ومروءة الشيخ أبو اسماعيل سليم خير الدين، فقال: “بعد اندحار الجيش الفرنسي التابع لحكومة فيشي سنة 1940، أمام الجيش الفرنسي التابع لحكومة الجنرال ديغول في الجزائر في منطقتي مرجعيون وحاصبيا حدث فراغ أمني في بلدة حاصبيا من جرّاء ذلك.
القسيس إبراهيم داغر، راعي الكنيسة الإنجيلية، ومدير المدرسة التابعة لها في تلك البلدة، وكان لم يزل يقطن فيها.
إحدى الليالي، نظر من نافذته، فوجد ثلاثة مسلحين يتجوّلون قرب منزله، لكنهم لم يطرقوا الباب، ومع هذا بقي طوال الليل يترقب حدوث عمل مشين.
بعد طلوع الفجر بقليل، أسرع القسيس إلى صديقه الشيخ أبو اسماعيل خير الدين وحادثه قائلاً :
“شيخنا الكريم، إذا كان وجودي في بلدتكم غير مرغوب فيه، فأرجو من حضرتكم إعلامي بذلك، وإنني على استعداد للرحيل ساعة تشاؤون، والسبب أن ثلاثة مسلحين بقوا طوال الليل أمام منزلي”.
تبسّم الشيخ بعد أن استراحت تقاسيم وجهه، وأدار بيده فوق لحيته وقال:
“يا محترم، لا يغرُب عن بالكم أن حياتكم غالية جداً علينا، وأن وجودكم بيننا لا يقدّر بثمن. فأنتم المرشد الروحي والفكري لأولادنا وللجميع، وخوفاً من حدوث مكروه لحياتكم في هذه الأوقات العصيبة، قمنا بإرسال الشباب لحراستكم، والسهر على راحتكم”.
تبسّم القسيس بعد أن سمع ذلك، وبعد أن استراح فكره، نظر نحو الشيخ من جديد وقال: “حييتم وبييّتم أيها النبيل الشريف، وحقيقة أنكم خلقتم للمعروف يا بني معروف”.

[/su_spoiler]
[/su_accordion]

حكايات الأمثال في جبل العرب

حكايات الأمثال في جبل العرب

تنشر مجلة الضحى بدءاً مع هذا العدد مقتطفات من كتاب الأديب السوري فوزات رزق الذي تناول فيه حكايات الأمثال في الأدب الشعبي في جبل العرب وفي بلاد الشام بصورة أعم. وقام المؤلف بجمع قصص الكتاب بالاعتماد على مجموعة متنوعة من المصادر المكتوبة والروايات الشفهية التي حققها في قرى جبل العرب بصورة خاصة. ومن المصادر التي يعترف المؤلف بفضلها كتاب”أمثال وتعابير شعبية من السويداء” لمؤلفه سلامة عبيد، وكذلك معجم أحمد أبو سعد، ومعجم أحمد تيمور باشا، ومؤلفات الكاتب التراثي اللبناني سلامة الراسي.
ويوضح المؤلف في المقدمة التي وضعها لكتابه أن العديد من أمثال الجبل وحكايات الأمثال لها جذور لبنانية، والسبب في ذلك يعود “إلى العلاقة الوشيجة بين جبل العرب وجبل لبنان؛ فغالبية سكان جبل العرب إنما أتوا من لبنان، ولا تزال عائلات عديدة في الجبل تحمل أسماء القرى اللبنانية التي أتوا منها مثل: الريشاني والحاصباني والعماطوري والباروكي والشوفي والعنداري والبكفاني والمتني، وغير ذلك كثير، فحينما نزحوا من جبل لبنان إلى جبل حوران، حملوا في ما حملوا عباراتهم، وأمثالهم التي جرت حكاياتها في لبنان”.
ويوضح الكاتب الأستاذ فوزات رزق في مقدمة الكتاب السبب الذي جعله يعتمد في لغة السرد أسلوبي الفصحى حيناً واللهجة المحكية حيناً آخر، وهو “اعتقدنا أن بعض الحكايات، وبخاصة الخيالية منها، إنما تفقد بهاءها ورونقها إذا غادرت الثوب الذي ولدت فيه وهو اللهجة المحكية. أما الأمثولات، والحكايات الواقعية، فإن نقلها بالمحكية يضعف من قيمتها، بيد أننا حافظنا أحياناً على المحكية في الحوار القائم في هذه الحكايات فقط”.
ويلفت الكاتب إلى التعارض الذي قد يجده القارئ بين روايته لبعض الحكايات مع ما يعرفه البعض من أبناء المنطقة، “وهذا أمر طبيعي ما دامت المصادر متعددة وشفهية إذ قد تطرأ على الرواية زيادات وتفاصيل تلائم اكثر البيئة التي تروى فيها، وقد تستعير من تلك البيئة موادا،ً ومعطيات تكون أكثر واقعية وتساعد أكثر على فهم المثل أو الرواية. ويلاحظ رزق “أن المصادر المكتوبة التي كنّا نرجع إليها كانت تختلف أحياناً في رواية بعض هذه الحكايات”.

تغرق ولا يردها الأبلق

الأبلق هو الأبيض من البغال وغيرها من الحيوانات وقد خالطه سواد.
وقد سمعت هذا المثل بصيغتين، ولكل رواية غرض مختلف في التمثيل، فمن قائل: “ يا بتغرق , يا بردها الأبلق “. ويضرب هذا المثل عند المغامرة غير المضمونة النتائج. ومن قائل آخر: “ تغرق، ولا يردها الأبلق “. ويضرب هذا المثل في الأنفة ورفض المساعدة من نذل.
غير أن حكاية المثل التي رواها لي السيد تركي رزق من قرية خازمة وعمره ستون عاماً ترجح أن الصيغة الثانية هي الأصل بحسب مضمون الحكاية.
وتقول الحكاية إن فرساً أصيلة جمحت، نحو مستنقع لو دخلت فيه لغرقت، فحار القوم في الأمر من دون أن يستطيعوا إدراكها، وحين وصلت إلى بداية المستنقع أبطأت في عدوها، فأدركها بغل أبلق كاد صاحبه أن يحرفها عن المستنقع، فاستعظم صاحب الفرس الأمر، واعتبرها إهانة لفرسه أن يدركها بغل، فصاح “ تغرق ولا يردها الأبلق “ فذهبت مثلاً في الأنفة من مساعدة الضعيف.
وهناك رواية ثانية لهذا المثل عند الأستاذ سلامة عبيد يقول فيها إن المثل هو شطر من بيت شعر شعبي، يقول: “ تهفى الأصيلة ولا بليق يردها”. وحكاية المثل كما رواها سلامة عبيد هي أن لصاً سرق فرساً أصيلة من خيول أحد أمراء البدو وفرّ بها. فلحقه الأمير وفرسانه لاسترداد الفرس. ولكن الخيل عجزت عن اللحاق بتلك الفرس السبوق، وعندما وصلت الفرس إلى أرض وعرة، كثيرة الحجارة والصخور، بدأت سرعتها تخف. وبدأت سرعة البغل بليق الذي يركبه أحد أتباع الأمير تتزايد حتى كاد يدرك الفرس، عندئذِ أمر الأمير تابعه أن يتوقف قائلاً: “ تهفى الأصيلة ولا بليق يردها “ أي لتذهب هباء. ويقال هذا المثل في رفض المساعدة المهينة.
ويذكر سلام الراسي حكاية هذا المثل تحت عنوان “ تهفى ولا بليق يردها “. وروايته قريبة من رواية سلامة عبيد.

أهل المجيمر عرّسوا والدف يرقع في وِطْر

المجيمر قرية في محافظة السويداء، تقع فوق تل على مسافة 15 كم جنوبي السويداء، وهي التي مرّ بها امرؤ القيس في رحلته الشهيرة إلى قيصر الروم، وقال فيها:
كأن ذرا رأس المجيمر غدوة من السيل والغثّاء فلكة مغزل
والمثل يضرب في القوم الذين يبتهجون في مكان على حين الفرح الذي يبتهجون به في مكان آخر. وحكاية المثل رواها لي السيد معذى الجباعي من قرية المجيمر نقلاً عن أم غازي هنية الجباعي من قرية المجيمر وعمرها ثمانون عاماً، وقد كانت عمتها ياسمين بنت سليم الجباعي بطلة الحكاية.
والحكاية كما روتها هنية أن عمتها ياسمين تزوجت من شحاذة الجباعي. وكان بيت شحاذة العريس متطرفاً عن القرية على طريق “خربة وَطْر” التي تبعد أكثر من كيلومتر عن المجيمر وقد قاد الشبين فرس العروس إلى بيت زوجها، ومن حوله الفاردة. وحينما ابتعدت الفاردة عن بيوت القرية استهجنوا الأمر وكأنهم يزفون العروس إلى قرية أخرى، عندئذ أخذت الفاردة تغني:
أهل المجيمر عرسوا والدف يرقع في وطر 1
كناية عن أن العرس في مكان والفرح في مكان آخر. فصارت الأغنية مثلاً 2.
غير أنني وقعت في كتاب الأستاذ سلامة عبيد على رواية أخرى، لم يسمِ أبطالها واكتفى بالقول إن إحدى بنات القرية قد هربت مع حبيبها الأول في ليلة عرسها إلى خربة وطر”.
وتبدو رواية الأستاذ عبيد أقرب إلى مآل المثل الذي ابتعد عن التصريح، لكنه كنَّى عن التئام شمل الزوجين بالدف الذي يرقع في مكان اختفائهما.
وفي هذا المعنى يقولون في مصر: “ العروسة في صندفا، وأهل المحلة متحففة “. وصندفا والمحلة مدينتان متباعدتان في مصر. والتحفيف نتف الشعر استعداداً للعرس، فمن مظاهر زينة النساء أن يتحففن عند كل عرس.

بدي إدحلها دحل

تطلق هذه العبارة في معرض التهكم حينما يسرف أحدهم في المبالغة عند سرد وقائع جرت معه، والعبارة منتشرة ومعروفة في أنحاء الجبل، وأصل هذه العبارة أن رجلاً معروفاً بمبالغته أثناء حديثه عن مغامراته ومعاركه الوهمية، أخذ ذات يوم يسرد ما جرى له في إحدى المعارك والغزوات، فقال إنه أثناء هجومه في إحدى المعارك أصابت رصاصة إحدى قوائم فرسه، لكن الفرس لم تخذله، وتابعت الإغارة، لكن رصاصة ثانية أصابت قائمة أخرى من قوائم الفرس، واستمرت الفرس بالهجوم، ولم تخطء الرصاصة الثالثة قائمة الفرس الثالثة، لكن الفرس ظلت تقتحم المعركة كأنّ شيئاً لم يكن. وهنا تدخل أحد الحاضرين مستنكراً أن تستطيع الفرس بعد إصابة قوائمها الثلاث الاستمرار في السير، فكيف بها تعدو؟! . . وهنا قال الرجل لمحدثه:
“ أنا حر … بدي إدحلها دحل “ .
وقد ذكر سلامة عبيد هذه العبارة، وأورد حكايتها على نحو لا يختلف عن روايتنا.
وقد وقعت على حكاية مشابهة رواها لي أحد الصيادين. والصيادون معروفون بتزيدهم في الأخبار. قال الصياد:
إن أحد الصيادين حدّث جلساءه عن نشاطه في الصيد، إذ عُرض له في إحدى المرات رف من الحجل، ومعه بارودة خلع، فصوب نحو ديك حجل فرماه. فما لبث أن عُرض له ديك آخر، فبادر إلى رميه، فعرض له ثالث، وهكذا حتى اصطاد أربع أو خمس طرائد متتابعة. فصاح به أحد الجلساء:
ـ دِكّها يارجال … دِكّها. أي ضع بالبارودة طلقات؛ فهي بارودة خلع وليست رشاشاً .

تفضلوا على دار خيي
تفضلوا على دار خيي

 

تفضلوا على دار خيِّي

هذا المثل يضرب للرجل الذي يدعو الضيوف إلى بيوت الآخرين، بدلاً من دعوتهم إلى بيته. وقد ترجموا هذا الفعل بقولهم: “يا ضربة من كيس غيري”.
وحكاية هذا المثل معروفة في أنحاء الجبل، غير أنهم يتناقلونها بغير إسم أحمد أحياناً.
ومن السائد في الجبل أنه إذا حلّ ضيوف على أحد رجال القرية، فمن واجب هذا المُضيف أن يدعو رجال القرية للسلام على الضيوف بقوله: “شرفوا اشربوا قهوة، عندنا ضيوف”، فيتقاطر الرجال إلى المضافة للسلام على الضيوف، ومن ثم يدعونهم للزيارة، ومن واجب الضيوف تلبية دعوة كل من جاء للسلام عليهم.
وخلاصة الحكاية أن أحمد كان إذا أراد دعوة ضيوف في القرية، لا يدعوهم إلى مضافته، وإنما إلى مضافة أخيه.
وقد سمعت أكثر من شخص مدعياً أن هذه الحادثة قد وقعت في قريته، ولا يتورعون عن ذكر اسم الرجل الذي كان يدعو الضيوف إلى مضافة أخيه باسم آخر.
وقد أورد سلامة عبيد هذا المثل بصيغة أخرى واسم آخر، إذ جاء عنده: “كرم خير بدار بَيُّو”، أو بدار خَيُّو، أي بدار أبيه أو أخيه. وقال في حكاية المثل إن خير هذا اشتهر بأنه يدعو الضيوف إلى دار أخيه أو دار أبيه، وقلما يدعوهم إلى بيته.

توبة نصوحة

أنقل هذه الحكاية من الذاكرة البعيدة. وقد سمعتها مراراً حديثاً دينياً وعظياً، في معرض قبول توبة التائب إلى الله توبة خالصة، وأن باب الله لا يقفل في وجه من طرقه صادقاً، مهما بلغت ذنوبه. تاريخ التدوين صيف 2004 .
والحكاية أنه كان هناك رجل تاب بعد ارتكاب العديد من الجرائم فكانت توبته حقيقية خالصة لله، ولوجه الله، فصاروا يطلقون على كل توبة حقيقية خالصة، توبة نصوحة.
المهم أن الرجل كان كسّاراً، قتل في حياته تسعةً وتسعين قتيلاً، وفيما كان يتابع مسيرته الشقية، إذ مر ليلاً الى جانب مقبرة، وحينما حاذاها، تناهى له من الداخل صوت يقول:
ـ “ إن ما وصلت لك طيّبة، بوصلك وإنتِ ميّتة”.
فاستوقفه الصوت، ودخل المقبرة، فشاهد رجلاً ينبش قبراً، وينتشل جثة امرأة ماتت ليومها، يريد أن يطأها. وكان الرجل يحمل بيده مذروباً “عصا غليظة “. فضرب الرجل المعتدي على رأسه، فطرحه ميتاً، ثم تابع طريقه. وعلى الطريق هداه الله بعد هذه الحادثة، وأرشده إلى الطريق القويم. فخطر له أن يستغفر ربه، ويعلن توبته على ملأ من رجال الدين في المجلس “ بيت العبادة “. ومن ساعته اتخذ طريق المجلس، ودق بابه بمذروبه، ففتحوا له، ودهشوا لقدومه إلى المجلس وبيده المذروب. فقال لهم:
ـ “ يا حضرات المشايخ ! أنا تايب لله ولوجه الله، سامحوني عن الماضي، وعاملوني على المستقبل “ .
فضحكوا سخراً، لعلمهم أن هذا الذي قتل تسعة وتسعين قتيلاً لن يكون له مكان إلا في النار.
لكنهم من جهة أخرى لم يستطيعوا أن يقفلوا في وجهه باب التوبة، فقال له الشيخ سائس المجلس:
ـ اذهب وازرع مذروبك هذا في المزبلة، فإن أورقَ تكون توبتك ناصحة.
ولم يكذّب الرجل الخبر، فانصرف من ساعته إلى المزبلة، وغرس مذروبه الخشبي فيها، وانصرف.
في اليوم التالي عاد إلى المزبلة، فوجد مذروبه قد أورق، فحمله، واتجه إلى المجلس. فأيقن الجميع أن توبته خالصة، وسألوه عن سر ذلك، فأخبرهم بحكاية الرجل الذي صادفه في المقبرة، فقالوا له:
“ هذي توبة نصوحة . والله يا عمي شكارتك غلبت بيادرنا .

-2 جبر من بطن أمه للقبر

جبر من بطن أمه للقبر

يضرب هذا المثل للرجل إذا لازمته التعاسة منذ ولادته حتى نهاية حياته.
والمثل معروف في غير محافظة السويداء. وقد ورد في “معجم الأمثال الشعبية الفلسطينية “ لمؤلفيه فؤاد إبراهيم عباس وأحمد عمر شاهين.
وحكاية المثل أنقلها من الذاكرة البعيدة. تاريخ التدوين شتاء 2006.
والحكاية أن رجلاً يدعى جبر كان يعمل في إحدى المدن عاملاً، يشتغل يوماً ويقعد عاطلاً عن العمل أياماً، وصادف أن مر بمقبرة المدينة، فلفت نظره أنه قد ارتفعت فوق كل قبر شاهدة دوّن عليها اسم المتوفى وعمره، وقد استغرب أن هؤلاء المتوفين قد قضوا في سن مبكرة؛ هذا عمره سنة، هذا سنة وستة أشهر، هذا عمره سنتان وهكذا. فاستغرب ذلك وذهب إلى حارس المقبرة يسأله عن سر وفاة هؤلاء في سن مبكرة. فأفاده الحارس أنهم في هذه المقبرة لا يسجلون إلا أيام السعادة التي عاشها الإنسان.
فقال له جبر :
إذا مت في مدينتكم فسجل على شاهدة قبري: “ جبر من بطن أمه للقبر “
وقد عثرت على حكاية هذا المثل في الموسوعة الحورانية وأضاف صاحبا الموسوعة أن جبر هذا إنما هو طنوس الجبر من لبنان سافر إلى الأميركيتين، وهناك حدث له ما حدث . 3

جازة حمزي براس الإمّان 4

والمثل معروف في أنحاء الجبل كافة، وقد ذكره الأستاذ سلامة عبيد في أمثاله على نحو مختلف “ جازة حمزي براس المعناي . 5
ويضرب المثل في الرجل إذا ألح في طلب الشيء دون مراعاة الوقت المناسب . وحكاية المثل أرويها من الذاكرة البعيدة، وهي لا تختلف كثيراً عن رواية الأستاذ عبيد. ولم أقع على المكان الذي جرت فيه واقعة الحكاية غير أنهم يذكرون أن حمزة هذا خطر له أن يتزوج في موسم الحصاد، لأمر ما بينه وبين عروسه. ولما أنه لم يكن من المنطق أن يتوقف عن الحصيدة ليتزوج، فقد طلب منه أهله التريث ريثما ينتهون من عملية الحصاد، لكنه أبَى، وأصرّ على الزواج قبل إتمام الحصاد، فذهبت زيجته مثلاً في الأمر إذا أُلحّ في طلبه في وقت غير ملائم فقالوا: “ جازة حمزي براس الإمّان “

تجارة المجدلاني

هذا المثل معروف في بلدة عرمان وما حولها. ويضرب في الرجل إذا اتَجر فخسرت تجارته. وحكاية المثل ما زلت أسمعها عند كل خسارة تلحق أحد الناس جراء غفلة أو خطأ في الحساب. تاريخ التدوين صيف 2007.
والمجدلاني رجل من مجدلبعنا في لبنان، فقير الحال، وفد إلى الجبل وكان يتعاطى تجارة العنب على حماره مقايضة، فحدث أن اشترى حمل العنب بمدِ من القمح، لكنه بعد بيع العنب تجمّع لديه ثلاث أرباعِ المدّ من القمح لكنه لم يدرك خسارته، وذهب يستعين بمن هو أكثر خبرة منه قائلاً له: “ احسب لي هالحسبة؛ إذا قلنا: اشترينا حمل العنب بمد قمح، وبعناه بثلاث أرباع. قديش بنكون ربحنا؟.

جراب الكردي

مثل يطلقونه على الشيء، يدعي صاحبه أنه نفيس، وهو في حقيقة الأمر لا يساوي شيئاً.
وأصل المثل كما رواه سلام الراسي أن كردياً أراد أن يذهب إلى الحج، فاستودع جاره جراباً، ريثما يعود من حجته. وعندما عاد افتقد جاره الجراب فلم يجده، فأعلن استعداده لدفع ثمن محتوياته. لكن الكردي أبَى، إلا أن يرفع قضيته إلى القاضي.
فسأله القاضي عن محتويات الجراب فقال:
“ فيه جواهر ونقود، وخلاخل وعقود، وعباءات وملاءات، وصوانٍ وأوانٍ؛ وفيه سيوف مرصعة، ودروع مدرّعة، وخناجر وطناجر؛ وفيه أربعة رماح مشرفية، وخمس سجاجيد أعجمية “.
فقاطعه القاضي وصاح به: كفى ! أنت استودعته جراباً ؟ أم بناية بخمسة أبواب؟! . 6

راماكريشنا الحكيم

راماكريشنا الحكيم

عاش نصف حياته في حال السكر الروحي
وترك للعالم إنجيلاً كاملاً حول السلوك إلى الله

من أقواله الشهيرة

> كـــل الأديـــان هي طـــرق إلـــى الله لكـــن الطـــرق ليســـت الله

> الله المنـــزه عـــن الحدثـــان يمكنـــه أن يتلبـــس أي شكـــل
لكنـــه يبقـــى منـــزهاً عـــن جميـــع الصـــور والأشـــكال

> النـــاس يذرفـــون سيـــلاً مـــن الدموع من أجـــل نسائهـــم أو أموالهـــم
لكـــن أيـــن هـــم أولئـــك الذيـــن يبكـــون فـــي محبـــة الله؟

يعتبر الحكيم راماكريشنا ظاهرة فريدة طبعت الإرث الروحي لشبه القارة الهندية في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين. ويوضح هذا العرض الموجز لتعاليمه بأنها لا تختلف في جوهرها عن تعبيرات الاختبار العرفاني والإيمان كما عرفته العديد من التيارات الفلسفية الإنسانية ومدارس الترقي الروحي في أزمنة وأماكن مختلفة. ولا بد من الملاحظة أن تعبيرات الحقيقة اختلفت لدى الحضارات والشعوب باختلاف الثقافات والاستعدادات وبسبب حاجة أهل الحقيقة لتقديم المعاني اللطيفة بلغة يفهمها أهل المكان والزمان على حدّ سواء. وقد شبه أحدهم الحقيقة التي يسعى الحكماء للتعبير عنها بالماء الذي يتخذ شكل الإناء ولونه لكنّه يبقى في جوهره الماء الصافي الذي لا يداخله شكل ولا لون. وهذا ما يجعل من الضروري النظر بسعة أفق وتبصر في التنوع الكبير الذي عبّر عنه حكماء كل شعب أو بلد عن اختبار الحقائق، وقد جاء في الريغ فيدا Rig Veda أن “الحقيقة واحدة لكن الحكماء أعطوها أسماء مختلفة”، أو كما عبر راماكريشنا نفسه عن ذلك بالقول “أن الله تعالى المنزه عن الحدثان يمكنه أن يتلبس أي شكل لكنّه يبقى منزهاً عن جميع الصور والأشكال.”
ولد راماكريشنا سنة 1835، وكما في العديد من ولادات الصالحين فقد سبقت ولادته بشارات ورؤى بشرت فيها والدته بقدوم طفل نوراني يكون له شأن كبير في العالم. ويروى أن الطفل وقع في أول مشاهدة وغيبة روحية وكان بعد في السادسة من عمره، وقد روى بنفسه أنه كان يوماً ماراً في حقل منبسط حتى الأفق، وكان يتأمل في سحابة ماطرة سوداء تتجمع في السماء عندما مرّ رهط من طيور البجع البيضاء وارتسم بذلك منظر رائع يتكامل فيه السواد والبياض في وحدة الطبيعة، وكان لهذا المشهد وقع روحي لا واعي على الطفل الذي سقط أرضاً في نوع من الحال الصوفي. وتذكر السيرة التي تركها مريدو راماكريشنا ولا سيما تلميذه المقرب ماهندرانات غوبتا أن الحكيم أمضى نصف حياته تقريباً في حال من السكر الصوفي Ecstasy وقد احتفظ تلامذة الحكيم بصورة شهيرة له وهو يدور في مجلسه في حال من الطرب الروحي الذي يغيب فيه عن الوجود وقد أمسك به أحد تلامذته ليساعده على حفظ توازنه.
على الرغم من أن الحكيم لم يكتب مطلقاً، فقد أمضى حياته كلها في التعليم الحكمي واجتمع من ذلك عدد كبير من المؤلفات التي جمع فيها تلامذته تعاليم راماكريشنا، وأحد أهم تلك المؤلفات قطعاً هو المعنون “إنجيل راماكريشنا” كما جمعه ماهندرانات غوبتا.
يتحدث راماكريشنا عن الأنبياء والحكماء فيعتبرهم مثل الأمواج التي تصل إلى الشاطئ قادمة من المحيط، أي أن حقيقتهم من حقيقة المحيط الذي يرسلهم إلى شاطئ البشرية المتعبة رحمة منه وبحيث يستدل من تلك الأمواج على حقيقة المحيط.
في وصفه لمساره الروحي حدث بهذه الكلمات: “لقد مارست وعشت جميع الأديان كما اتبعت مختلف الطرق والمذاهب الهندوسية فوجدت أن كل هذه الأديان والطرق تتوجه إلى الله الواحد ولكن بأساليب وطرق مختلفة. لكني أرى العديد من الناس يتقاتلون باسم الدين في وقت الجميع يبحثون عن الجوهر نفسه وإن تحت أسماء مختلفة. وما سبب اختلاف الأسماء سوى اختلاف المكان والأمزجة والمناخ لكن الجوهر الذي نبحث عنه جميعاً واحد لا يتغير.
قال يوماً لجلسائه:” في أحد الأيام جاءني رجل وقرأ لي كتاباً عن المسيحية حيث كان التركيز دوماً على الخطيئة. في الحقيقة أن الذي يستمر في الاعتقاد بأنه خاطئ أو آثم ينتهي به الأمر بأن يصبح كذلك فعلاً. من المهم أن يكون إيماننا بالله من القوة بحيث يمكننا أن نبتهل بصوت عالٍ قائلين:”كيف يمكن لي وأنا الذي أنكب بكليتي على عبادة الله أن أكون خاطئاً؟ إلهي لقد ارتكبت بالتأكيد الكثير من الآثام والمعاصي إلا أني أتوب إليك وأشهد بأني لن أعود إليها أبداً. أنك أنت أملي ومقصدي”. وعند هذه النقطة وقع راماكريشنا في الحال وغاب عن وجوده بالتمام. (إنجيل راماكريشنا: ص 138)
وأضاف القول داعياً جلساءه: “اذكروا الله بكل وجدانكم ومن صميم كيانكم. تأوهوا وابكوا عند ذكره. إن الناس يذرفون سيلاً من الدموع من أجل نسائهم أو أطفالهم، بل هم يسبحون في بحر من الدموع بسبب الركض وراء المال، لكن أين هم أولئك الذين يبكون في محبة الله؟” (إنجيل راماكريشنا: ص83).

من تعاليم الحكيم راماكريشنا

وجود الله وصفاته
في الليل يمكنكم بسهولة أن تروا عدداً لا يحصى من النجوم تتلألأ في الظلام، لكنكم لن تروا تلك النجوم عند بزوغ الشمس في الصباح. فهل يمكنكم في هذه الحال القول أنه لا توجد نجوم ومجرات في وقت النهار؟ بنفس المعنى أيها الناس إذا كنتم لا ترون المولى جل وعلا في نهار جهلكم لا تقولوا بسبب ذلك أن الرب غير موجود.
كان راماكريشنا يتحدث يوماً عن الله وقوته وسلطانه عندما علق أحد الحاضرين المتشككين بالقول:”إن الله يعمل أيضاً وفق قوانين الطبيعة” عندها أجاب راماكريشنا على الفور بالقول:”ماذا تقول؟ أن الله هو القوي الجبار وهو فعال لما يريد وفق ما يشاء. عندها رد السائل نفسه بالقول: “إذن هل يمكنه أن يخلق فقط بفعل إرادته وردة بيضاء على شجرة الورد الحمراء تلك (وأشار إلى شجيرة ورد كانت بادية للحاضرين). “بكل تأكيد”، أجاب راماكريشنا “إذا أراد الله لهذه الوردة الحمراء أن تحمل ورداً أبيض فسيكون له ذلك”. وانتهى الحوار لكن بدا أن السائل لم يقتنع بالجواب.
لكن حصل بعد بضعة أيام أن نبتت على شجرة الورد الحمراء في حديقة معبد داكشيناوار وردتان واحدة بيضاء والأخرى حمراء على الغصن نفسه. فما كان من راماكريشنا إلا أن حمل الغصن وعليه الوردتان إلى المريد المتشكك الذي ذهل لما شاهده وتاب إلى المعلم قائلاً: أيها المعلم أقسم على نفسي بأني لم أجادلك في أمر بعد ذلك أبداً.
خاطب راماكريشنا جلساءه يوماً بالقول:”لو أني وضعت بيني وبينكم حجاباً من القماش فإنكم لن تروني على الرغم من أنني أجلس معكم كالمعتاد. كذلك، رغم أن الله هو أقرب إليكم من كل شيء فإن حجاب النفس لديكم يحرمكم من مشاهدته”.
الله وحده يعرف حقيقة ذاته

وحدة الله في الأديان
كل الأديان هي طرق تقود إلى الله لكن الطرق ليست الله
كما أن الذهب الخالص يتم تشكيله في مختلف أنواع وأشكال الحلي كذلك يعبد الله جل وعلا بصور مختلفة في كل زوايا الأرض وفي كل الأزمنة، كل ينسب إليه اسماً أو تصوراً أو وصفاً ويعبده وفق مستوى إدراكه أو طريقته. لكن في الحقيقة الله الواحد المنزه عن كل وصف هو المعبود في كل تلك الحالات والتصورات.

ذكر الله وتجليات الرحمة
سواء بعلم أو بغير علم وبقصد أو غير قصد فإن مجرد ذكر الله في أي حال أو أي صيغة يعطي للذاكر الفائدة والبركة على الفور. إن الرجل الذي ينزل إلى النهر بقصد الاستحمام ينال الفائدة من الماء. كذلك الأمر لذاك الذي دفع دفعاً إلى النهر من قبل شخص آخر أو ذاك الذي بينما هو نائم ملء جفنيه جاء أحدهم بالماء وألقى به عليه.
في بعض الفصول لا يمكن الحصول على الماء إلا بشق النفس ومن عمق الآبار. لكن في موسم الأمطار وعندما تفيض الأنهار يصبح الحصول على الماء هيناً في كل مكان. كذلك الأمر فإن بلوغ أعتاب الحق يتم بكثير من المشقة وما لا يحصى من العبادات وقهر النفس. لكن عندما ينزل فيض التجلي فإن الله سيرى في كل وقت وفي كل مكان.

رجال الله
هناك أسطورة تتحدث عن جنس من الطيور تسمى “الهوما” وتعيش في أعالي السماوات وتتعلق بعالمها إلى درجة تأنف معها الهبوط إلى الأرض . حتى بيض تلك الطيور عندما يتم وضعه يبدأ بالسقوط بفعل الجاذبية الأرضية لكنه يفقس في الطريق إلى الأرض وتخرج منه صغار تلك الطيور، وهذه ما أن تشعر بأنها متجهة نحو الأرض حتى تبدل بصورة غريزية مجرى طيرانها وتحلق مجدداً إلى الأعالي إلى حيث موطنها الأصلي. إن الأنبياء والحكماء العظام هم مثل تلك الطيور فهم حتى في طفولتهم أو صباهم يلقون بكل علائق الدنيا وينطلقون بروحهم إلى أعلى ذرى المعرفة والنور الرباني. وهؤلاء يطلق عليهم اسم “المولودون أحراراً”.
أحد رجال الله كان يوماً سائراً في الطريق عندما وقع طرف عصاه من دون قصد على قدم رجل شرير الذي استشاط غضباً وألقى بالحكيم على الأرض وأوسعه ضرباً حتى غاب عن الوعي. وأسرع مريدو الحكيم إليه يحاولون إسعافه حتى إذا أحسوا بأن الرجل المسكين بدأ يستعيد وعيه سألوه: هل تعرف يا مولانا من الذي يقف إلى جانبك الآن. أجاب الحكيم دون تردد: هو نفسه الذي ضربني. كذلك فإن العابد الحق لا يفرق في حال التسليم الكامل بين عدو وصديق.

الاختبار الروحي في الحياة اليومية
يمكن للذبابة أن تحط على جرح متقيح لكنها قد تحط أيضاً على هدايا الفاكهة أو التقدمات التي يجلبها المؤمنون إلى المعبد. كذلك فإن الجاهل قد يخوض أحياناً في أمور الدين لكنه سرعان ما ينغمس بعد ذلك في متاع الحياة الدنيا ومشاغلها.
لا ضير أبداً في أن تعوم السفينة على مياه المحيط لكن شرط أن لا يحوي أسفلها ثقوباً تجعل الماء يتسرب إلى جوفها فيغرقها. كذلك فإن السالك إلى الله يمكنه أن يعيش حياته في الدنيا لكن عليه أن لا يسمح بأن يدخل العالم وحب الدنيا في وجدانه.
الريح يحمل عبق الصندل والبخور كما أنه يحمل أيضاً رائحة القاذورات لكن الريح في الحالين لا يختلط بأي منهما أو يبدل طبيعته. كذلك فإن الإنسان الكامل يعيش في هذا العالم لكنه لا يخالطه أو يمتزج به.
العقبات أمام التقدم الروحي
مهما كان الثقب صغيراً في جرة الماء فإنه سيؤدي إلى تسربه وضياعه حتى لا يبقى منه شيء. كذلك فإن كل الجهود التي يبذلها السالك تبقى هباء لا فائدة منه طالما بقيت فيه ذرة من التعلق بهذا العالم.
إني أبحث دون جدوى وللأسف عن أشخاص يرغبون في ما هو أرفع من الأغراض التافهة لهذا العالم. الكل يركض خلف المرأة والذهب وقليل هم الذين يتطلعون إلى معالي الأمور. كل ما يجذبهم هو جمال الشكل أو المال أو الجاه والألقاب، وهؤلاء الناس لا يدركون أن ما يعتبرونه أغلى الأشياء أو أرفع المراتب يبدو مثل حطام لا قيمة له إطلاقاً في نظر أولئك الذين أنعم الله عليهم بمشاهدة جماله.
قليل من الناس هم الذين ينجحون في قتل “الأنا” أو الوصول إلى حالة السلام والفرح، لأن فكرة “الأنا” شديدة العناد ولا تغادر النفس إلا بصعوبة شديدة. وهي تشبه في ذلك شجرة العليق التي تقطعها كل مرة لكنها تعود دوماً فتنبت فروعاً جديدة.
الذين يركضون وراء السمعة والمجد الشخصي يخدعون أنفسهم، لأنهم ينسون أن كل ما لديهم إنما هو من إنعام مقسم الأشياء ومسببها وأن كل شيء في النهاية هو ملك لله ولا أحد سواه. الرجل العاقل يردد دوماً: “أنت يا مولاي أنت!” أما الجاهل والمحروم فيردد على الدوام: “أنا، أنا!”

مجاهدة النفس
سأل أحد المريدين راماكريشنا يوماً عن ما ينبغي له أن يفعله لكي يطرد خواطر السوء التي ترد على فكره، وهذا رغم حرصه على السلوك القويم والعبادة. أجاب الحكيم بالقول:” كان لأحد الناس كلب يحبه كثيراً وكان غالباً ما يلاعبه أو يربت عليه أو حتى يعانقه. ومرّ به يوماً أحد الصالحين فنصحه ونهاه عن رفقة هذا الكلب. وبالفعل قرر الرجل العمل بنصيحة الرجل الصالح فأصبح لا يلقي بالاً لكلبه. لكن هذا الأخير لم يفهم هذا التبدل في سلوك صاحبه، وبقي يتمسح به ويتودد إليه بإلحاح طلباً لاهتمامه ومحبته. ولم يجد الرجل بدا من أن يحمل عصاً يهول بها على الكلب أو يضربه بها كلما اقترب منه، وعندها يئس الكلب وفارق صاحبه ولم يعد إليه. كذلك الأمر بالنسبة لنفسك، والتي وعلى الرغم من سعيك لطرد الكلب الذي قمت بتغذيته وتدليله لسنوات فإن هذا يرفض مفارقتك. لا بأس في ذلك، لكن عليك أن تواظب على تأديبه والنفور منه كلما اقترب منك، فإن واظبت على ذلك فإن كلب نفسك سيقرر تركك وشأنك في نهاية الأمر.
الصخرة الممغنطة تجتذب إليها السفينة التي قد تمر فوقها فتقتلع مسامير السفينة وتخلِّع أخشابها وتؤدي في النهاية إلى غرقها في أعماق المحيط. كذلك عندما تنجذب الروح البشرية بمغناطيس الوعي المطلق فإن هذا الأخير يدمر في لحظة فرديتها وحس “الأنا” الذي يختلط بها ويجعلها تغرق في محيط المحبة اللامتناهي لله.
لا يمكن لمياه الأمطار أن تمكث في الأماكن المرتفعة من الأرض، بل هي تنساب على المنحدر لتصل إلى أدنى نقطة من التراب. كذلك فإن نعمة الله تمكث في قلوب البسطاء ولا يمكنها أن تبقى في قلوب أي متكبر أو معتد بنفسه.

رغم أن الله هو أقرب إليكم من كل شــيء
فإن حجاب النفس لديكم يحرمكم من مشاهدته

راماكريشنا في حال من الغيبة الروحية ويبدو أحد مريديه المقربين يسنده
راماكريشنا في حال من الغيبة الروحية ويبدو أحد مريديه المقربين يسنده

الإيمان والتسليم بمشيئة الله
إذ نظرت إلى أوراق الخريف رأيت الريح تدفع بها ذات اليمين وذات الشمال دون أن يكون لهذه الأوراق الميتة الخيار في الوجهة أو الهدف التالي من حركتها. كذلك فإن الذين يتوكلون على الله في كل شيء يجعلون قيادهم بالكلية رهن مشيئته وهم يقولون (آمين) ويلقون بأنفسهم بين يديه بتسليم تام.
الفكر ضعيف. لكن الإيمان قوته غير محدودة. الفكر لا يمكنه الذهاب بعيداً إذ لا بد أن يتوقف عند حد معين. لكن بواسطة الإيمان يمكن للإنسان أن يجتاز المحيطات دون صعوبة، بل أن كل قوى الأسباب والطبيعة يزول مفعولها في مواجهة الإيمان. بل أكثر من ذلك فإن كافة الأدران والمفاسد والجهل تفر هاربة في حضور الإيمان.

كل الجهود التي يبذلها السالك تبقى هباء لا فائدة منه طالما بقيت فيه ذرة من التعلق بهذا العالم

لا تغتر بعلمك
جاء أحد المريدين إلى مرشده قائلاً:” إن إيماني بك يا سيدي هو من القوة والرسوخ بحيث أعدك أن في إمكاني أن أجتاز هذا النهر العميق سيراً على الماء فقط بمجرد ترداد اسمك. وبالفعل قطع المريد النهر مشياً على الماء وهو يردد بإيمان وخشوع اسم مرشده. لكن هذا الأخير الذي شهد تلك الكرامة لمريده لم يأتِه مما شاهد إلا الاغترار بالنفس فهو قال في سره: كم يجب أن أكون عظيماً وذا سلطان ليكون مجرد ذكر اسمي كافياً لأن يجتاز ذاك الرجل النهر مشياً؟ وفي اليوم التالي جاء المرشد إلى النهر وقرر اجتيازه كما فعل المريد. لكنه لم يجد ما يذكره خلال اجتياز النهر سوى كلمة “أنا ..أنا..” فكان كلما تقدم في النهر كلما غاب جسمه في مياهه إلى أن غرق وهلك في النهاية لأنه لم يكن يحسن السباحة.
يمكن لشعور الغرور أو الخيلاء السطحي لدى الجهّال أن يخف أو يلين مع الزمن، لكن شعور العجب أو الاغترار الذي قد يصيب الرجل الصالح بعد بلوغه بعض الدرجات هو أشد عناداً وأعصى على العلاج.

الذوق الروحي يوجب الصمت
كما أن الكثيرين يسمعون عن الثلج لكنهم لم يروه في حياتهم كذلك فإن العديد ممن يتحدثون ويعظون بالدين قرأوا في الكتب عن صفات الله لكنهم لم يصلوا إلى تحقيق تلك الصفات في حياتهم. البعض الآخر ربما رأوا الثلج لكنهم لم يتذوقوا طعمه كذلك فإن العديد من السالكين أو المتدينين قد يحظون بالتماعة خاطفة عن حقيقة الله وعظمته لكنهم لم يدركوا مع ذلك جوهره الحقيقي. إن الذي يتذوق الثلج وحده يمكنه أن يخبر عنه وعن مذاقه، وكذلك فإن ذاك الذي حظي بإنس الله والقرب منه تارة كعابد وتارة كخليل وتارة كعاشق وتارة كفاقد لوجوده في حضرته هذا الشخص وحده يمكنه أن يشرح عن حقيقة الله وصفاته.
عندما نبدأ بملء جرة الماء فإننا نسمع قرقرة لكن ما أن تمتلئ الجرة حتى يتوقف ضجيج الماء. كذلك الأمر فإن الرجل الذي لم يتذوق حقيقة الله يصرف الوقت في تقديم الشروحات والبراهين على وجود الله وصفاته. لكن الذي عرف الله يتذوق النعمة في صمت ولا يحدث فيها.
النحلة تستمر في الطنين طالما بقيت تحوم فوق كأس الزهرة ولم تحط عليها لتذوق الرحيق. لكن ما أن تدخل النحلة جوف الزهرة وتبدأ بارتشاف الرحيق حتى يتوقف الطنين ويحل السكون التام. كذلك فإن الرجل الذي ينهمك بمناقشة المذاهب والأفكار يدل على أنه لم يتذوق بعد رحيق المعرفة الحقة. فلو كان تذوقها للزم الصمت.
احتفظ بإيمانك ومشاعرك لنفسك ولا تحدث بها الآخرين لأنك ستضيع الكثير منها في هذه الحال. وكلما أمكنك أن تخفي رياضاتك الروحية كلما كان ذلك أفضل.

لا تتلهوا بتوافه الأمور
دخل رجلان بستاناً من أشجار الفاكهة. الأول وهو من الذين ما زالوا متعلقين بالأشياء الدنيوية بدأ وفور دخول البستان بعدّ الأشجار وملاحظة كم تحمل من الثمار، وكم تساوي تلك الثمار لو بيعت في السوق. أما رفيقه فقد ذهب فور دخوله إلى صاحب البستان وتعرف عليه ثم توجه إلى إحدى أشجار المانجو وبدأ يقطف منها ويتذوق ثمارها الشهية. فأي الرجلين أعقل يا ترى؟ وأي فائدة تأتي من التلهي بعدّ الأشجار وثمارها وإجراء الحسابات؟ كذلك فإن الرجل المغتر بعلمه أو ذكائه يضيع الوقت بالمناقشات والجدالات حول الدين والله. أما الرجل العاقل والمحب لـ لله فإنه وقد فاضت عليه النعم الربانية يعيش بالغبطة والسكينة في هذا العالم.

الشاعر الفارسي سنائي

سنـــائي

كـــان حجـابـــاً مـــن نـــور
وكـــل حجـابٍ كـــان حجـــاباً لِحِجابْ

كــلام بليــغ مـن مجنون في حديقـة
بـدل مجرى حياته نحو الزهـد والخلوة

تلفظت بقول هو بمثابة أثر كامل ونطقت ببيت شعر هو بحجم ديوان
(سنائي)

يعتبر الشاعر الفارسي الكبير سنائي أحد أبرز عمالقة الشعر الصوفي في القرن الثاني عشر الميلادي، ومن غريب المصادفات أنه عاصر كلاً من فريد الدين العطار وجلال الدين الرومي اللذين تربعا إلى جانب سنائي في أعلى مقامات الشعر والحكمة، وقد كان الثلاثة أكثر من شعراء لأنهم كانوا متحققين ومرشدين كاملين جلسوا للإرشاد وقبلوا المريدين وكان لكل منهم أثره الذي لا يمحى، بل أن السنين لم تزد هؤلاء الثلاثة إلا شهرة وتعظيماً بحيث ما زال شعرهم يتردّد على كل شفة ولسان وعشرات اللغات حول العالم.

فضل سنائي
لكن من الممكن القول إن سنائي الذي سبق في الزمان كلاً من الرومي والعطار كان السبّاق بين الثلاثة إلى بلورة الأسلوب الشعري الزاخر بالقصص والصور والأمثلة من القرآن والسيرة النبوية وسير الصالحين، وقد كان شاعر الصوفية الأكبر جلال الدين الرومي أول معترف بفضل سنائي وبسبقه في ميدان العشق ولغة القلوب. وها هو يقول شعراً في ذلك:
تركت طريق الصبابة ولم أكن قد نضجت بعد
فلتستمع الآن إلى القصة الكاملة لحكيم غزنة

كما أنشد في مكان آخر يقول:
كان العطار هو الروح، وكان سنائي العينان
أما نحن فنسير على أثر سنائي والعطار

ولد الشاعر الحكيم سنائي (واسمه الكامل أبو المجد بن مجدود بن آدم سنائي) في “غزنة“ التي تقع اليوم في ما يعرف بأفغانستان، وذلك في أواسط القرن الخامس الهجري، وعاش في ظل حكم الملك بهرمشاه. وقد حظيّ سنائي منذ يفاعه بمكانة رفيعة، إذ اشتهر باعتباره أحد أبرز العلماء والصالحين في زمانه، كما حظيّ بأسمى عبارات التقدير والتعظيم على ألسنة الخلق، إذ أنه جمع إلى مسلكه الصوفي وحكمته قلباً رقيقاً وأدباً رفيعاً وموهبة فريدة في نظم الشعر والتعبير الشعري عن أعقد المسائل الروحية والدينية.
اعتزل الدنيا وانقطع عن مشاغلها ومتعها وهو بعد في عز الشباب، ويقال إنه اتخذ قراره بصورة مفاجئة وعلى أثر حادثة عجيبة تروى كالتالي:
كان الحكيم سنائي ضيفاً دائماً على بلاط الملوك والأمراء، حيث كان ينظم الشعر في مدح خصالهم وإسهامهم وما ينجزونه من عمارة وعدل في الملك وازدهار. وحدث أن قرر السلطان إبراهيم الغزنوي شن هجوم على “عَبَدة الأصنام” في الهند المجاورة، فنظم سنائي قصيدة في مدح السلطان إبراهيم وأخذ طريقه نحو القصر ليلقيها بين يديه قبل انطلاقه بالحملة على شمال الهند.

قصته مع مجنون غزنة
وكان في غزنة في ذلك الوقت رجل غامض “مجنون” يلقب بـ “لاي كور” (أي آكل الثيران)، وكان معروفاً عنه أنه كان ينطق وأسلوبه الخاص بأقوال فيها القدر الكبير من الحكمة وغالباً ما كان لكلامه وهو المجنون في الظاهر وقعٌ عميقٌ على الناس لأنه يلامس لا وعيهم ويشير إلى حقائق كبرى ومواقف لا يجرؤ الناس العاديون على اتخاذها. وكان “لاي كور” يعاقر الخمرة ويتردد كثيراً على الحمام العام . وحصل في ذلك اليوم أن مر ّسنائي في طريقه إلى قصر السلطان بحديقة فتناهى إلى سمعه شعر وغناء فتوقف قليلاً وأصغى لما يقال. وبعد قليل كان المغني – الذي كان في الواقع المجنونة “لاي كور“- يخاطب الساقي بالقول: أيّها الساقي املأ لي كأساً ولنشرب على نية أن يحل العمى بالسلطان إبراهيم. وسمع سنائي الساقي يوبخ المجنون بالقول: “حرام عليك أن تدعو بالعمى على ملك عادل مثل السلطان إبراهيم، فأجاب المجنون بأن السلطان يستحق العمى بسبب حماقته وتركه لمدينة رائعة مثل “غزنة“ التي تحتاج لوجوده ورعايته في سبيل مغامرة حمقاء في أرض بعيدة وفي عز الشتاء القارس.“ وتابع المجنون فطلب من الساقي أن يترع له كأساً ليشرب هذه المرة على نية أن يصاب الحكيم سنائي بالعمى أيضاً. وعندها وبخه الساقي بعبارات أقوى، إذ كيف يعقل أن تتمنى العمى لرجل لا يكن الناس له سوى المحبة والتعظيم؟ وعلى هذا أجاب المجنون بالقول: أما سنائي يستحق اللعن حتى أكثر من الملك لأنه ومع كل علمه ورجاحة عقله لا يبدو أنه يعلم لأي هدف خلقه الله، ولأنه عندما سيواجه الخالق ويسأل عمّا حمل معه من الأعمال الصالحات لن يكون لديه ما يعرضه سوى قصائد المديح للملوك والأمراء وهم من عبيد الفناء مثلهم مثل الشاعر.
ويبدو أن هذه الكلمات كان لها وقع الصاعقة على سنائي وشخصيته الرقيقة والورعة، وقد قرر الشاعر على الفور اعتزال الدنيا والتخلي عن كل مباهج الحياة ومخالطة البلاط وجاهه الفارغ.

سلوكه طريق التصوف
وتبع سنائي اعتزاله بالسعي لأخذ مرشد روحي كامل وجده في شخص الشيخ القطب يوسف الحمداني، والذي كانت زاويته الصوفية قد اشتهرت باسم “كعبة خراسان”.
ويبدو أن أهل البلاط صدموا بهذا الانقلاب الكبير في حياة الشاعر وافتقدوا حضوره، الأمر الذي دفع السلطان برهم شاه بعرض تزويج الشاعر سنائي من شقيقته، وهو شرف لم يتردد سنائي في شكر السلطان عليه لكن مع الاعتذار في الوقت نفسه عن عدم قبوله، وقرأ سنائي في ذلك العرض أن عليه أخذ خطوة حاسمة تبعده عن غزنة فحث السير بهدف الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ويشير سنائي في ديوانه الشهير “الحديقة” الذي كتبه بعد العودة من مكة المكرمة إلى هذه الحادثة مكرراً بالصيغة الشعرية اعتذاره من الملك بالقول:
لست من أولئك الذين يهمم الذهب
أو الحصول على زوجة،
أو على مكانة رفيعة بين الناس.
بالله العظيم أحلف لك،
بأني لا أسعى وراء تلك الأشياء
ولا أرغب فيها.
بل أنك لو قررت بوافر فضلك وإنعامك
أن تقدم لي تاج الملك
فإني أقسم برأسك أنني لن أقبل به.

مذهبه
هوجم سنائي أثناء حياته في أكثر من مرة بتهمة الخروج عن الشريعة لكن بلاط الخليفة في بغداد ردّ على هذه التهم بإصدار فتوى تؤكد الإيمان الصحيح لسنائي والتزامه الدين الحنيف.
لكن من المرجح أن تكون تلك التهم قد صدرت بسبب المنحى الخاص الذي اتبعه سنائي، والذي تميّز برفض التفريق بين المذاهب، فهو أخذ مسلك العرفان على يد أحد أقطاب الصوفية المسلمين السنة لكنه أظهر في الوقت نفسه حبه للإمام علي (ر) وآل البيت.
ومن الصعب في الواقع تشخيص مذهب سنائي إذا ما قرأنا شعره في “حديقة الحقيقة”، وهي مجموعته الشهيرة والرئيسية والتي توازي في أهميتها “مثنوي” جلال الدين الرومي، فقد عبّر في ذلك الديوان عن نزعة واضحة إلى الوحدة فاستهل ديوانه بمدح رسول اللّه (ص) ثم ثنّى بأبي بكر وثـلّث بعمر ثم عرج على عثمان وخـلـص أخـيراً إلى مدح الإمام علي (ر) وتساوي الصفحات المخصوصة بـبـيـان مـنـاقـب الإمـام الـصـفـحات التي تتحدث عن الخلفاء الثلاثة، وحين فرغ الشاعر من مدح أمـير المؤمنين، انتقل إلى مدح الإمام الحسن، فالإمام الحسين وأخيراً أبي حنيفة والشافعي. لكن سنائي يحرص في كلماته على إظهار المحبة للإمام علي (ر) والذي كتب عنه بهذه الأبيات في “الحديقة”:
نصب اللّه خليفة المصطفى أميراً يوم الغدير
و لأجله دعـا الـمـصـطـفـى ربـه قـائلاً:
“الـلـهـم والِ مـن والاه”.
هو للنبي وصي و صهر
وسُرَّت روح النبي لجماله”
ولهذا السبب ربما فإن الملا محمد طاهر القُـمِّي المناهض للصوفية ينكر عدّ سنائي من شعراء الـصـوفية، كما ينكر تشيّعه ومن أدلته على ذلك أن أحداً من العلماء المتقدمين لم ينص على تشيعه.
يبقى القول إن الفصل حول معتقد سنائي نجده في شعره العرفاني الذي يستوعب الإنسانية كلها وليس مذاهب الإسلام فحسب، في رؤيته التوحيدية التي تستصغر كل ما في الدنيا وتنشد التقرب من الله وحده ولا ترى مكاناً لإضاعة الوقت في الاختلاف، وهذا شعر سنائي يدعونا تكراراً أن نأخذ طريق المحو والتجرد التام من كل التعلقات أملاً في القرب من الله تعالى والانكشاف على نوره وحقيقته. فكيف يمكن لشاعر كهذا أن يبقي في صدره ولو خاطراً صغيراً يجعله في صف هذا أو ذاك ومخاصماً لهذا أو ذاك من الناس أو المذاهب.

آثاره الشعرية
تشتمل آثار سنائي باللغة الفارسية على سبع مثنويات وديوان. أما المثنويات فهي:
حديقة الحقيقة: وهي الديوان الأشهر ويبلغ عدد أبياته أحد عشر ألف بيت – طريق التحقيق – غريب ‌نامه – سير العباد – كارنامه – عشق نامه – عقل نامه
أما الديوان: فهو صدر بعنوان “ديوان” ويشتمل على اثني عشر ألف بيت من الشعر، موزّعة بين القصائد والترجيعات والتركيبات والغزليات والرباعيات.
وفي ما يلي نعرض لباقة رائعة من شعر سنائي، وكما يلاحظ فإن مضمون كافة الأبيات التي كتبها سنائي يتعلق بترك الدنيا والتقرّب من الله والاقتداء بالصالحين.

مختارات من شعر الحكيم سنائي

التصديق
تصديقي بك يقربني إليك
لكن فقط حتى الباب
فقط عندما أغيب في سرك
سيمكنني الدخول

مثل وردة
نارك المحرقة
جعلتني أتفتح مثل وردة
متُّ على قدميك
وعدت بسرعة إلى الحياة
حريتي الوليدة
لم تحمل لي أي مغنم
لكنني الآن حرّ
بعد أن أصبحت عبداً لك

تفكر ساعة
اجمع فتات الفكر
واملأ نفسك
شيئا فشيئاً بالمعاني
إن العبد الذي يتفكر
ستين دقيقة
في أسرار الخلق
يحصل من الشرف والمقامات
قدر ما يحصله الناس
في ستين عاماً من الصلاة والصوم
التفكر يجعل باز الفكر المحلق عالياً
يهبط أخيراً على فرع مزهر
ينبثق من القلب

حديث في الألغاز
يا عزيزي
لا أعتقد أن رجليك
تقويان على هذا الطريق
فلم هذا الجهد المضني
ليست لك فكرة أين توجد الأصنام
فلم هذا الحديث الروحي الطويل؟
ما الذي يمكن عمله مع رفاق الطريق
الذين يجادلون باستمرار
الممتلئون زهواً مثل تجار البازار
أنت روح صافية
لكنك تظن نفسك جثماناً
أنت ماء قراح لكنك تظن نفسك الوعاء
كل ما تريده عليك البحث عنه
..إلا الصديق
لأنك إن لم تجده
فإنه لن يكون بإمكانك حتى أن ترى أي شيء
نعم يمكن القول دوماً بأنك لست هو
إلا إن أمكنك أن ترفع حجاب نفسك
من بين وجودك ووجوده
لأنك في هذه الحال سترى أنك أنت هو

لسان وأذن
لا يوجد في الدنيا لسان يمكنه أن يفصح عن سرك
لأن قياس الكلام يغشى على حقيقتك
لكن موهبة الأذن أنها تسمع
ما لا يمكن للسان أن يشرحه

حب الوحدانية
عندما يضيء قلب رجل على الطريق
لا يبقى أحد في مكانه
القدم تطأ الأرض لكن ليس لوقت طويل
ولأنه حيث يبدأ القلب البوح بأسراه
لا يوجد هناك “أنت” ولا يوجد فكر
الفارس يحث حصانه على الانطلاق
لكنه بذلك يلقي بنفسه تحت الحوافر الطائرة
في حب الوحدانية لا يوجد قديم أو جديد
كل شيء هناك لا شيء
الله وحده هو الموجود

كن عارياً مثل حبة القمح
في أعين الأحبة فإن حجاب الظاهر
لا يخفي شيئاً
يداك وقدماك يجب أن يتحركا
كما يتحرك الينبوع في مساره الحثيث نحو المحيط
عندها لن يبقى هناك من يتحدث عن البحث
أن تكون شهيراً أو منبوذاً،
أن تكون في المقدمة أو في الخلف،
تلك اعتبارات أشبه بالحجارة التي تؤخرك عن السير
فكن عارياً مثل حبة القمح الخارجة من غلافها
كن مضيئاً مثل آدم
لا تسأل عن أي شيء سوى الحضرة
لا تتحدث عن “أنت” يكون منفصلاً عن “ذاك”
الوعاء الممتلئ لا يمكنه أن يكون أكثر امتلاءً
فكن كل شيء ولا شيء


عالم بلا أرض ولا زمان
عندما تواجه الطريق لأول وهلة، تشعر بأنها مظلمة.
ترى فيها جبالاً شاهقة شامخة،
وترى فيها جماعات من السباع والوحوش الضارية.
اصعد إلى الدرجة التي ترى فيها العالم كله، فسترى مُلكاً بدون أحزان
وسترى عالماً بلا أرض أو زمان، وملكاً دون مكين أو مكان
فارتفع واتجه إلى العلا، حتى ترفع رأسك شرفاً وعزة
وعندما تصل إلى العلا، فسوف نبعد عنك الدنايا
حتى نفتح عيون قلبك، وننظر إليك بدون حجاب
وعندما تنظر إلينا بعين العقل، سوف تدرك ضآلة نفسك وعجزك
وتتجرد من التخيل والتخمين، ولن تستطيع أن تعد نفسك شيئا
فهدئ من غلوّ كبريائك، واستعد
لترى في قلبك برهاننا، لترى التاج والعرش وملكنا.
إن الجاهل يسمع كلامه فحسب، ولا يلقي بالاً إلى كلام الآخرين
خطاب إلى النفس
عندما حل العشق في قلبي، نزع قيد العبودية عني
ورفع عني جميع القيود، فصرت مولى بعد أن كنت عبداً
فتحولت جميع أحوالنا، وتبدلت جميع صفاتنا
فرفع القيد عني ووضعه عليك، فأنت الآن عبد، وأنا حر
أنت أسيري وأنا أميرك، فكيف يقترب الأسير من الأمير؟

إذا استيقظ القلب
العارفون طيور هذا البستان
والعاشقون صيادو هذه الغابة
بصرهم حاد في ظلمة الليل
في هذا الزمن الأعمى والعالم الغادر
يرون النار وجنة الخلد عيانا
نار العشق في قلوبهم، والدموع في أعينهم
إذا استيقظ القلب فالكلام ذِكر
وإلا فهو مجرد صوت

مأساة حمار
مر حمار ذات يوم على دكان حداد
شاء القدر أن تنبعث شرارة من الكير فتصيب حزمة الحطب
انبعثت النار في الحطب فاحترق، وفي النهاية احترق الحمار بين ذلك
ومن العجب أن تمر على نار وأنت تحمل الحطب ثم تنجو بنفسك !!
لأنك لن تمر وتتجاوز النار بسبب ثقل الحمل
فأنت رهينة ذلك الحمل
والأكل والنوم عادتك،
وهذا كل نصيبك من السعادة.

عصر الظلم
لقد خرب الظلم أساس بنيان العالم
واختفى وجه شمس العدل تحت السحاب
الظلم أياً كان فاعله خطب عظيم، والظالم قبيح لعين
أينما توجه العدل بوجهه، حلّت النعمة وفاضت
وكل مكان تُزرع فيه شجرة الظلم، تُقتلع منه جذور المُلك
العدل شمعة تضيء الدنيا، وظلم الملِك نار تحرق الممالك
فأنا كالشمع أنير المجلس، ودائماً ما احرق خيوط روحي
هذه الأشعار من لب روحي، فان خرجت طيبة أو سيئة فمن لساني
فلست في الشعر عالة على أحد، ولا أطير بأجنحة أحد أو قوادمه.

آلام الطريق
كان اثر خدي على الطريق، كأثر خف الإبل
كنت كالطفل الذي فرض عليه صعود الجبل
فكانت دموعي تجري مثل اللؤلؤ
وكان السيف من كثرة سقوط البرد عليه مثل الماس
صار قلبي كالحجر، وعيني دامعة كالبدر
ووجهي مصفراً من دموعي، وظهرت فيه نقاط مثل جلد الفهد
وعندما كان الفهد يرى هذا المنظر،
كان يفرّ خوفاً على نفسه وليس من الغضب
لم يمكث أحد على تلك الجبال، إلا وكسرت عظامه
أصبحت دموعي كالياقوت، برغم انعدام قوُتي، وانتهاء قوَّتي
و كان مؤنسي في هذه الطريق، صوت السباع والحمير
حجاب النور
جلت سنوات طويلة في تلك المقامات
للعبرة والنظر والتدبر في الكون
فحيناً كنت في بغداد للعلم
وحيناً كنت في بيداء الوهم
وحيناً كنت في الفردوس وآخر كنت في الهاوية
حيناً كان قلبي شمع طريق الغيرة،
وحيناً كانت نفسي غريقة في بحر الحيرة
حيناً كنت في الكشف والمكاشفة، وآخر كنت تحت الحجب والستور
حيناً كان لطف البسط يسكرني، وحيناً كان عنف القبض يرهقني
وحينما مزقت هذه الحجب، وصلت إلى حجاب آخر
حجاب ذاته الذي كان من النور،
كان حجباً، وكل حجاب كان حجابا لحجاب.

لا تبحث عنه
لا تحكي عن عذابك لأنه هو يحكي
لا تبحث عنه في كل مكان، لأنه هو يبحث عنك
لو أن رجل النملة لامست ورقة الشجر فسيشعر بها
لو أن حصى النهر تحرك من مكانه فإنه سيعلمه
لو أن دودة من ديدان الأرض اختبأت في صخرة
فإنه سيعرف عن جسدها حتى ولو كان أدق من الذرة
كما أنه سيسمع همهمة تسبيحها ونشوتها في السرّ
كل ذلك يعلمه هو بالعلم الرباني
وهو الذي أعطى أصغر الديدان قوتها
وهو الذي فتح لك الطريق إلى أهل الله

الطريق إليك
الطريق إليك
تشق مسارها كالنهار في قلبي
لكن لا يمكن للفكر أن يراها أو يعرفها
وعندما تتحول كلماتي نحو الصمت
فإن حلاوتك تحيط بكل كياني

وردة التسبيح البرية
أولئك الذين لا يعرفون كيف يحزنون
أو كيف يتحدثون عن حبهم
أو كيف يشكرون،
أولئك الذين ليس في مقدورهم
أن يتذكروا الله
باعتباره منبع كل شيء
هؤلاء يمكن وصفهم بأنهم مثل الريح الأجوف
أو مثل السدان البارد للحداد
أو مثل جماعة من الكهول المذعورين
ألا فلتنطق باسمه واجعل لسانك رطباً بذكره
وكن مثل بساط الربيع
وعندما تبدأ الامتلاء بالحكمة
وعندما يمتلئ قلبك حباً
فلن تظمأ بعدها أبداً
كل ما يبقى هو الاصطبار
وأنت واقف على عتبة الباب
غير مبالٍ بما تسمعه
من نصيحة المارة في الطريق

1 التطبيقات المنزلية للطاقة البديلة

التطبيقات المنزلية للطاقة البديلة

حلـــــول اقتصاديـــــة وصديقـــــة للبيئـــــة
تؤمـــــن الطاقـــــة المستديمـــــة للمنـــــزل

في هذا العدد سوف نقوم بدراسة وتجهيز أحد البيوت الجبلية بالطاقة الكهربائية عبر تزويدها بألواح شمسية وبتوربين هوائي على أن يفي ذلك بحاجة المستهلك لتغطية مصروفه اليومي الضروري من الطاقة الكهربائية. ونشدّد على كلمة الضروري لأن أكثر الناس يستهلكون من الطاقة ربما ضعف ما يحتاجونه نتيجة الهدر أو البذخ الفارغ ولو أنهم بحثوا عن تقنيات ووسائل توفير الطاقة لأدى ذلك حتماً إلى خفض الاستهلاك بصورة كبيرة وربما بأكثر من النصف.
نشير إلى أن الحالة التي نعرضها هنا هي لمنزل ما زال بعيداً عن اقرب نقطة لشبكة الكهرباء، وهذا إضافة إلى كون صاحب المنزل من أصدقاء البيئة ويرغب بأن يقدم نموذجاً عملياً يشجّع الناس على تبني حلول الطاقة البديلة والمساهمة بالتالي في تخفيف انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تنتجها المولدات العاملة على المازوت أو البنزين. أضف إلى ذلك الرغبة في التخلص من الضجيج والأدخنة الضارة والمنفِّرة التي تصدر عن المولدات وتوفير التكلفة العالية للمحروقات بما في ذلك المازوت. أخيراً فإن صاحب المنزل الذي ندرسه يعتقد بأن الحصول على نظام للطاقة الكهربائية يعمل بطاقة الشمس والرياح يحقق له «الأمن الكهربائي» بحيث لا يكون مصدر الطاقة الذي يستمتعون به مرتهناً بأي تقلبات أو عوامل خارجية وهذه العوامل كثيرة وغالباً ما نشهد أمثلة عليها في لبنان. وبالطبع فإن ميزة الاستقلال الكهربائي مهمة لجميع قاطني الجبال الذين يحتاجون إلى تأمين مقومات العيش في جميع الظروف خصوصاً مع احتمال تفاقم معضلة التقنين أو حصول انقطاع في توافر المحروقات في حال وقوع أزمات تموين أو حالات تعتيم مشابهة لما أصاب البلد أثناء عدوان تموز 2006.

متطلبات أساسية
يحتاج إدخال نظام للطاقة البديلة إلى عملية تقييم ودرس أولية تستهدف تعيين كمية الطاقة التي يحتاجها المنزل ثم اختيار المكونات المثلى التي تسمح لهذا النظام بتوفير الطاقة المتوقعة منه في جميع الظروف المناخية.
والخطوة الأولى في نطاق عملية التقييم يجب أن تكون زيارة الموقع لتفحص مسارب الهواء في المكان ولمعرفة ما إذا كانت هناك أي تكوينات طبيعية أو غابات أو أبنية قريبة تعيق حركة الرياح. ومن ثم يجب القيام بتحديد المكان الأنسب لتركيب الطاقة الشمسية وهي الجهة الجنوبية حيث لا توجد أي أشياء تظلل المكان أو تعيق وصول أشعة الشمس باستمرار إلى الألواح الفوتوفولطية. بعد ذلك نقوم بتحديد الحاجة الكهربائية للمستهلك ثم تحديد اللوازم الكهربائية منخفضة المصروف التي تسمح بعمل النظام براحة تامة ودون تعرضه لضغوط السحب التي قد لا يتحملها. ومن الأمثلة على اللوازم الموفرة للطاقة أنظمة الإضاءة العاملة بنظام LED أو نظام DLP (وهو الأحدث والأكثر توفيراً) أو البراد المصمم خصيصاً لتوفير الطاقة بحيث لا يتعدى مصروفه الـ 0.6 أمبير في الساعة، ومن الأمثلة أيضا التلفاز العامل بشاشة LED و LCD الذي لا يتعدى مصروفه 75 واط في الساعة في مقابل التلفاز التقليدي الذي يصرف 300 واط على الأقل في الساعة أي أربعة أضعاف مصروف التلفاز الموفر للطاقة. ولكي نعرف كمية الطاقة المطلوبة لتأمين حاجات المنزل من الكهرباء يجب تحديد نوع الأجهزة اللازمة وعددها ومصروفها ومدة استعمالها خلال النهار أو الليل وهي كالتالي:
1. لمبات توفير عدد 10 تصرف 300 واط في الساعة، في حال استعملت لمدة 7 ساعات في اليوم فإن مصروفها الإجمالي يكون 2100 واط في اليوم.
2. براد Economy يصرف 130 واط في الساعة، وفي حال تمّ تشغيله لمدة 15 ساعة في اليوم يصرف 1950 واط .
3. تلفاز بشاشة LED يصرف 75 واط وجهاز استقبال Receiver يصرف 15 واط في الساعة، لمدة 7 ساعات يومياً مما يجعل المصروف الإجمالي للتلفاز 630 واط.
4. مكواة Economy تصرف 200 واط بالساعة لمدة 3 ساعات أسبوعيا أو نحو 600 واط في الأسبوع ونحو 85 واط في اليوم.
5. جهاز كمبيوتر محمول يصرف 20 واط، يشحن لمدة 6 ساعات في اليوم، يصرف 120 واط.
6. نشاف شعر، مثقاب Drill، ومروحة، مصروفات متفرقة مختلفة = 750 واط في اليوم.
طبعاً هناك المزيد من الأجهزة الكهربائية ما زالت ناقصة كالتبريد(المكيّف) في فصل الصيف والتدفئة في فصل الشتاء. ولكن في هذه الحالة تتم التدفئة عبر الحطب أو عبر تركيب توربين هوائي يعمل في فصل الشتاء كثيراً لكثرة وجود عواصف تجعل من التوربينات تدور بسرعة لتنتج كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية، أما التبريد فيتم عبر المراوح المجهزة برذاذ المياه ذات المصروف القليل.
كما ترون في هذه الدراسة فإن إجمالي المصروف اليومي لهذا المنزل بلغ حوالي 5635 واط ، طبعاً هناك بعض اللوازم الكهربائية التي لا تستعمل يومياً كالغسالة مثلاً ولكن يمكن شراء غسالة صغيرة بطاقة 300 واط لا تصرف المياه والكهرباء كالغسالات الأوتوماتيكية.
من أجل تأمين هذه الحاجة تمّ تركيب أربعة ألواح فوتوفولطية بقوة 230 واط لكل منها، وهذه الألواح يمكنها شحن أربع بطاريات بقوة 250 أمبير للواحدة، وسيتم لاحقاً الاستعانة بتوربين هوائي بقوة 1500 واط يستخدم في فصل الشتاء أو عند هبوب الرياح وتراجع ضوء الشمس بسبب الغيوم الكثيفة والأمطار والضباب، وهذا مع العلم أن المنزل موضوع البحث يقع في ممر هوائي على قمة جبل مواجهة للبحر وهو على علو يزيد على 1000 متر عن سطح البحر.
إن أربع بطاريات موصلة مع بعضها البعض قادرة على تخزين ما يعادل 12000 واط أي أن هذه البطاريات قد تكفي حاجة هذا المنزل لمدة يومين أو على الأقل في حال تمّ فصلها عن الطاقتين الشمسية والهوائية، وهذا الاحتياط يساعد في المحافظة على قوة التيار الكهربائي في حال ضعفت التوربينات الهوائية أو انخفضت الطاقة الشمسية في فصل الشتاء، كما أنه يساعد في إراحة البطاريات باستخدام نصف كمية الأمبير المطلوبة وهذا يساعد في زيادة عمرها الافتراضي.
أما مجمل الإنتاج الكهربائي فسيتم عن طريق الطاقتين الهوائية والشمسية بشكل دائم ومستمر، فما أن تطلع الشمس حتى تبدأ عملية إنتاج الكهرباء من الخلايا الشمسية وتنضم إليها الطاقة الهوائية والتي بدورها قد تستمر في إنتاج الكهرباء في الليل كما في النهار.
هذا النظام يستعمل في المنازل البعيدة عن الشبكة الكهربائية وكلفته حوالي 12000 دولار أميركي . أما البيوت المتصلة بالشبكة العامة فتكون أقل تكلفة لسبب بسيط هو أن شحن البطاريات يتم عبر توصيلها بكهرباء لبنان. ولكن لسوء الحظ هناك انقطاع كثير بالتيار لأسباب التقنين ولأعطال فنية كثيرة وخصوصا في فصل الشتاء. لذا يضطر المواطن إلى أن يشتري مولدا خاصا له يستعمله عند الحاجة أو يشترك مع آخرين في مولد عام قريب في المسافة من المنزل، وكل هذا يؤدي إلى زيادة المصروف الشهري من شراء محروقات للمولد الخاص أو دفع الاشتراك الشهري لصاحب المولد العام، علما أن أسعار المحروقات كلها في ارتفاع مستمر. على العكس من ذلك فإن تركيب نظام يعمل بالطاقة الشمسية وحدها أو بطاقتي الشمس والرياح يتم بتكلفة تنخفض سنة بعد سنة بسبب تقدم التقنيات وزيادة فعالية الخلايا الشمسية، كما أنه وبعد تركيبه لا يكلف أي مصاريف جارية إطلاقاً.
لذلك وبدلاً من شراء مولد خاص وتحمّل تكلفة المازوت والصيانة واستهلاك المولد في سنوات قليلة وبدلاً من الاشتراك في مولد عام وتكبّد تكلفة الاشتراك كل شهر فإن الحل الأفضل يكون بتجهيز منزلنا بنظام للطاقة البديلة يريحنا من العناء ويريح سماءنا من الأدخنة السوداء الملوثة.

تراجع تكلفة الطاقة البديلة وتطور جيل المصابيح والأدوات المنزلية الموفرة للطاقة يجعلان من الطاقة البديلة حلا أفضل من الاشتراك أو اقتناء المولدات الخاصة

الخطوات المطلوبة لتشغيل نظام الطاقة البديلة
1. يجب استبدال ادواتنا الكهربائية ذات المصروف العالي بأدوات منخفضة المصروف. فعلى سبيل المثال بدلاً من استعمال التلفاز التقليدي الذي يصرف 400 واط نستبدله بشاشة بنفس المقاس تعمل بنظام LED تصرف 75 واط وهكذا دواليك….
2. نستبدل السخان الكهربائي بنظام تسخين المياه على الطاقة الشمسية .
3. بعد كل هذه التجهيزات يصبح تيار بطاقة 5 إلى 10 أمبير كافياً لتزويد منزلنا بالطاقة الكهربائية .
4. نقوم أخيراً باستبدال المولد والاشتراك بجهاز UPS أو APS اللذين يعملان فوراً عند انقطاع التيار. وهذا الجهاز يتم توصيله على الشبكة ويمكن شحن البطاريات عبر شركة كهرباء لبنان أو عبر ألواح فوتوفولطية أو توربين هوائي، وهذا إذا كان صاحب المنزل قادراً على توفير هذا الاستثمار. نشير إلى أن تكلفة تركيب جهاز UPS أوAPS بقدرة 10 أمبير وبنظام sine wave وكذلك تكلفة البطاريات اللازمة له وربطه بشبكة المنزل لا يتعدى الـ 1500 دولار أميركي، وهذا المبلغ يعادل تكلفة الاشتراك في مولد لمدة سنة.
على سبيل الاستنتاج نقول بأن الجدوى الاقتصادية في تركيب أجهزة كهربائية مؤكدة ضمن شرط معينة، كما أن ربط شبكة المنزل بالأجهزة المذكورة قد يوفر على أصحاب المنازل حوالي 70 % من فاتورة الكهرباء الإجمالية، وهذا بالإضافة إلى حماية البيئة في المدينة والقرية لما تؤديه تلك الأجهزة من فائدة في توفير الطاقة النظيفة والصامتة ومكافحة التلوث والضجيج خصوصاً التلوث والضجيج اللذين يلازمان عمل القسم الأكبر من الموتورات.

أبرز ميزات أنظمة الطاقة البديلة العاملة على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح

تكلفة نظام الطاقة البديلة تدفع مرة واحدة وهي عبارة عن تكلفة الألواح الشمسية أو المروحة الهوائية والبطاريات وأجهزة التحكم وجهاز التغذية UPS والكابلات الكهربائية.
لا يتطلب تشغيل النظام أي مصاريف جارية كما هي الحال مع اشتراك المولد العام أو تكلفة المازوت عند اقتناء المولدات الخاصة
في حال اختيار الأجهزة ذات النوعية الجيدة وإتباع تعليمات التشغيل بدقة فإن النظام لا يحتاج إلى صيانة لسنوات طويلة.
يتمتع نظام الطاقة البديلة بمرونة كبيرة وبإمكان التكيف مع القدرة المالية للمستهلك، إذ يمكن تركيب نظام بتكلفة لا تزيد على 3000 دولار لتأمين الإضاءة الدائمة لبيت واسع بالإضافة الى التلفزيون والكمبيوترات المحمولة.
يمكن زيادة الطاقة المولدة من نظام الطاقة البديلة في أي وقت عبر زيادة الألواح الشمسية أو إضافة توربين هوائي أو مضاعفة عدد البطاريات.
من الضروري تكملة نظام الطاقة البديلة بتركيب سخان للماء على الطاقة الشمسية لأن ذلك يوفّر قدراً كبيراً من الطاقة الكهربائية التي تذهب لتسخين قارورة المياه الساخنة، ويذكر أن تكلفة جهاز تسخين المياه على الطاقة الشمسية تتراوح بين 600 و1000 دولار.
أهم شيء في هذا النظام أن المستهلك سيتمتع بطاقة كهربائية نظيفة ومن دون ضجيج المحرك أو رائحة المازوت 24 ساعة على 24 ساعة وطيلة أيام السنة صيفا وشتاءً.

الجبن يفسد الميل ويقطع الحيل

شـــــاور ســـــواك إذا نــابتك نائبة وإن كنـــت من أهل المشـــــورات
فالعـــــين تنـظر ما دنا وما نــــأى ولا ترى نفســـــــــها إلاّ بــــــــمرأة
(أحد الشعراء)

كلمة “أجير” شائعة عند القرويين للرجل الذي يخدم عند سيده طيلة حول كامل لينقده أجره آخر السنة بعد تقديم المأكل والمشرب والكساء وحتى الحذاء خلال خدمته.
أما الأجر السنوي للأجير، فيختلف من فلاح إلى آخر، أو من سيد الى سيد حسب الاتفاق، وحسب المحاصيل والمداخيل.
فمنهم من يأخذ أجره قمحاً أو حبوباً عند الذين يتعاطون زراعة المحاصيل، ومنهم من يأخذه زيتاً أو زيتوناً عند أصحاب كروم الزيتون، ومنهم من يأخذه ماعزاً أو غنماً أو عجولاً عند مالكي المواشي، وذلك كله حسب المتفق عليه.
أما ما نحن بصدده، فهو أجير يرعى الماعز عند أصحابها في إحدى قرى وادي التيم الأعلى. وكان الإتفاق بينه وبين المالك عند نهاية العام أن يقف الأجير وسط الزريبة، وكل رأس ماشية يتمكن من رفعه ورميه خارجها يكون من نصيبه، أي من أجره. صاحب الماعز عارف وعالم بنتيجة الاتفاق، حيث دأب على تزويد الراعي بالجبن كغذاء يومي حسب الاتفاق، إلى أن كانت نهاية العام (العام الزمني عند القرويين للأجراء يبدأ من عيد الصليب في أواخر أيلول وينتهي في التاريخ نفسه من السنة التالية).
عندما بدأ الأجير، محاولاً أن يرفع أحد الرؤوس الكبيرة (أي ما يسمى بالكراز) قصد رميه خارج الزريبة، وقف عاجزاً عن إتمام ذلك. ثم استصغر رأساً آخر، ولكن النتيجة كانت نفسها، بعدها تقدم جدي صغير، ولم تكن النتيجة أفضل من سابقاتها أيضاً اصفرَّ وجهه، ثم لوى برأسه وخرج كسير الخاطر الى والدته التي تنتظر أجره كي تعتاش منه وتفي دينها المتراكم طوال العام.
احتارت الأم في أمرها، وكيف يأكل تعب ابنها رجل غني محتال، وهي فقيرة معتلة الجسم والجيب أيضاً؟ ماذا تفعل؟ وكيف تتصرف؟ وما العمل لاسترجاع حق ابنها؟
راود فكرها مثل يقول: “شاور ألف، وخالف ألف، ثم ارجع لمشورة نفسك”. إذاً، عليها مشورة جارها أبو علي، ذلك الرجل الرصين العاقل علّه يرشدها إلى سبيل استرجاع حق ابنها، أو – وهذا هو الأهم- علّه يعرف ما السبب في تأخر قدرة جسم ابنها، مع العلم أنه كان كالحصان يسابق الريح والفرسان.
قصّت لجارها ما حدث مع ابنها، وكيف فشل في رفع حتى جدي صغير وخسر بالتالي الشرط وأجر العام.
هزّ أبو علي رأسه وقال: “ماذا كان يقدم صاحب الماعز لولدك من طعام؟ قالت: “أنه كان يكرمه بتقديم الجبن له يومياً، فيأكله وهو مسرور بطعمه اللذيذ الطيب”.
هنا تكمن الحيلة يا أختي عند صاحب الماعز، ألا تعلمين أن الجبن يقطع الحيل ويفشل الجسد. اذهبي لصاحب الماعز من جديد، وجددي الاتفاق معه شرط أن لا تعلميه بشيء، وعندما يتم الاتفاق أوصي ولدك بأكل الحليب الطازج يومياً ورمي الجبن جانباً، وأنا الكفيل بأنه سيرفع الكراز وليس الجدي آخر السنة.
وهكذا حدث. فعندما عاد الشاب يرعى الماعز، كان يضع الجبن في جوف (قرقارة) زيتونة رومانية قريبة من الزريبة، ثم يعمد إلى شاة فيحلبها ويأكل حليبها الطازج.
في نهاية العام، وعندما حان أخذ الأجر، وقف الشاب كالمارد وسط الزريبة يختار أفضل الماعز وأكبرها، ثم يرفعها ويرميها خارجها الى أن أتى على آخرها وصاحبها واقف ذاهل مندهش. كيف تغيّرت قوة الراعي؟ ثم صرخ به :”ألا تترك لي رأساً واحداً؟”.
ضحك الشاب بسخرية، وقال :”ألم يكن في إمكانك إعطائي رأساً واحداً بدل إيجار العام الماضي؟”.
تمتم صاحب الماعز، ثم قال: “لك ما تريد، لكن أخبرني ماذا كنت تفعل بالجبن الذي أزودك به يومياً؟”.
ضحك الراعي وأجاب:”أنظر الى تلك الزيتونة كيف يبست من جذورها، وقد حصل لها ذلك بفضل جبنك الذي يقطع الحيل ويقضي على الأخضر واليابس”.


المكاري الفطن
كذب المنجمون ولو صدقوا
(حديث شريف)

“للخط”، والشعوذة، والسحر مفعول خطير على البسطاء من الناس خصوصاً في العصور السابقة وربما عند البعض في عصرنا الحاضر.
روى أمامي أحد أبناء قريتنا، وكان قد قضى قسماًَ من حياته مغترباً في المهجر، عن رجل رافقه في غربته يدعى علي من بلدة نيحا الشوف. كان يعمل قبل سفره مكارياً في نقل الحبوب من جبل الدروز الى بلدته قصد التجارة وتأمين رزق عياله.
قال: “بينما كنت عائداً بتجارتي يوماً، مررت بإحدى قرى وادي التيم الأعلى، وكان الوقت ليلاً، والطقس ماطراً، والبرد والزمهرير يعضان كياني. طرقت عدداً من أبواب المنازل، فلم يرد على طرق الباب إلا القليل. وعندما كان البعض يفتحون الباب ويشاهدون دابّتي معي، يقولون ربما كان في ودنا استقبالك، غير أن دابتك ليس لها مكان عندنا. وقد بقيت حتى الهزيع الأخير من الليل، وأنا أتنقل من منزل إلى منزل، ومن حارة إلى حارة، والأجوبة نفسها تطرق سمعي”.
“بعدما أعياني الصبر وأنهكني البرد وانهمار المطر، شاهدت من بعيد بيتاً منعزلاً يلتمع ضوء في داخله. وعندما اقتربت منه، سمعت صوت هرج ومرج، وصراخ وتوجّع. لكنني تجاسرت وطرقت بابه، وإذا برجل يطل من النافذة ويقول :”يا أخي، كان أهلاً وسهلاً بك لولا أن المرأة جاءها المخاض، وهي بحالة صعبة من الضيق وعسر الولادة، ولا نعلم ما العمل، وكيف الخلاص؟”.”
ربما عسر المكاري يوازي تعسّر المرأة التي تلد. لهذا، فما أن حادثه زوجها، حتى أجابه قائلاً :”يا أخي، أعتقد أن خلاصها على يدي سهل بإذن الله”.
ما إن سمع الزوج هذه العبارة، حتى خرج من الباب مهللاً ومرحباً، قائلاً:”كيف ذلك؟”، أجاب المكاري:”إعتدت في قريتي ان أكتب بعض الحجابات لمثل هذه الأمور، وعندما تضعها النساء تحت رأس المولّدة، لا يمضي من الوقت إلا قليله حتى تكون المرأة قد انجبت وتخلصت من آلام المخاض”.
رحّب زوج المرأة أجمل ترحيب بالضيف، ثم ادخله منزله بسرعة كي يكتب الحجاب.
أخرج صاحبنا المكاري من جيبه ورقة وكتب عليها بعض العبارات، ثم طواها بشكل مثلث وربطها بقطعة قماش محكمة الربط وناولها لزوجها، قائلاً:”الفرج قريب بإذن الله، شرط أن لا يفتحها أحد كي لا يتغيّر فحوى مدلولها”.
وما أن وُضِع الحجاب تحت رأس المرأة بعض الوقت، حتى علا الهرج من غرفة النساء، ورنات الضحك والفرح والمرح والمنادات – صبي – صبي – صبي، لنا البشارة، منادين على زوجها، مهلّلات مزغردات .


لا تسل كم كان لصاحبنا المكاري من تكريم وتبجيل بعد الذي حصل. فالدجاج المحشي عشاؤه، والمغلي مع الجوز واللوز مشروبه، والشعير والتبن للحمار غذاؤه.
حدث هذا، والمكاري صاحب الحظ السعيد ذاهل بين الحقيقة والحلم. فبعد التهنئة والمباركة عمد الى طلب الحجاب كي لا يفضح أمره قائلاً:”لربما إحتاجته إمرأة أخرى”.
عند الصباح، ودّع من قبل مضيفه بكل إكرام واحترام، محموداً مشكوراً، مزوداً بالعديد من الهدايا.
فالمولود وحيد ومن بعد طول انتظار، لكنه في قرارة نفسه، وهو معتل ظهر الحمار راجعاً، كاد ينفلق من الضحك ويسقط أرضاً وهو يردد ما كتبه في حجابه:”ما زال تأوى علي والحمار، إن ما ولدت بالليل بتولد بالنهار”. لكن الولادة كانت ليلاً، والحظ جلب لهذا المكاري الفطن أكثر بكثير مما كان يحتسب ويطلب.

للتاريخ فقط عروس تُزَفّ من المختارة إلى حاصبيا فلا تمر إلاّ في أرض زوجها وبيّا
للذكرى، للتذكير، للرجوع إلى الماضي القريب. وإن يكن لا يروق للبعض سماعه، إلا أن الحقيقة والواقع يجب أن يقالا دوماً.
منتصف العقد الثاني من القرن التاسع عشر، رغب زعيم وادي التيم الجنوبي آنذاك، الوجيه سليم بك شمس، في زفاف ولده طاهر من زاهيّة ابنة نجيب بك جنبلاط، زعيم الشوف وسيّد المختارة.
أعدّت العدّة لذلك الفرح الكبير، فالوقت صيف، والناس جنوا المواسم وملئت الكواير والجرار، وتلبية دعوة الكبار واجب وتقرِّب من هم أسياج الأرض وحماة الدار والجار.
الدعوة وجّهت للجميع، كباراً وصغاراً فرساناً ومشاةً، وجمهور المحتفين يزداد عدده كلما مرّ بقرية إذ ينضم إليه شيوخها وشبانها حتى بلغ الوفد المرافق للعريس المئات عند وصوله إلى قصر المختارة منزل والد العروس.
بقيت الأفراح عامرة نحو يومين كاملين، والكل ممتلئ فرحاً ومرحاً وغبطة وتكريماً، إذ غصّت الباحات الداخلية والخارجية بحلقات الرقص والدبكة ولعب السيف والترس، ونصب ميادين الخيل، والكر والفر من وقت لآخر.
حدثني عن هذا الفرح رجل غيبه الموت منذ أمد بعيد، من بلدة راشيا الفخار، بعدما عاش عمره كاملاً، قال:
“كان من جملة من دعي للذهاب الى جلب العروس، جدي لأمي، نقولا عبدالله الخوري، شاعر الفرديس والمنطقة آنذاك، لأنه بالحقيقة كانت لا تتم الأفراح إلا بحضوره فهو سيّدها وشاعرها، وللمناسبات الاجتماعية علَمُها وقيدومها.
المهم أن حلقات الرقص والدبكة، أقيمت يومها، وفقاً للتقاليد، لكل جنس بمفرده فالرجال تغص بهم باحات القصر الخارجية وجنائنه، والنساء ملأن القاعات الداخلية، والكل يتبارون رقصاً ودبكة وغناء وحداء، وسيّد ذلك كله، الزجل والشعر الشعبي والتباري بهما. سيّد الشعراء الموجودين هنالك، كان شاعر الفرديس ومختارها نقولا الخوري، من حيث بلاغة شعره وتنظيم فرقته المرافقة له. وفرقة الزجل مع الدف والشبّابة، آنذاك، لا يوازيها أو يشابهها في عصرنا الحاضر أي فرقة موسيقية مهما علا تنظيمها وكثرت آلاتها. وبالطبع، وبسبب ما كان لشاعر الفرديس وفرقته من شهرة ومكانة في طول الجبل وعرضه فقد بادرت والدة العروس وأنجالها، علي وفؤاد، والد الزعيم كمال جنبلاط الى استدعائه للغناء والقول أمامهما وأمام جمهور المحتفلين والمحتفلات. فكانت له قصيدة زجلية طويلة يفوق عدد أبياتها المئة بيت، توّج مطلعها بالأبيات التالية:


يــللـــي مـــــا شــــاف الجـنــة يقصــــد دار المخـــــــــــــتارة
الله يخليـــــــــــلك هِنــــّـــــــــي هالجوز مـثـــل القــــــــــمارة
أنا شاعــر من الفرديـــــــس هزّلي الشــــوق ســريــــــري
بقـدّس هالديري تقديــــس الِمثــــلا مـــا خلــــق ديــــــري
أسّســـــنا الإلفـــي تأسيــــس وعـنا لو سْألتــــو الجيــــري
عشنــــــا زنبــــق عمبيمــيس سنـــــّي ودروز ونـصـــــــارى
ويلـــــّي مـــا شـــاف الجــــنـة يقصـــــــد دار المخــــــتــــارة
بعد فراغ الشاعر من إنشاد قصيدته، قلّدته والدة العروس عباءة وضعها على كتفه نجلها فؤاد، بقيت بحوزته يفاخر بها أكثر من نصف قرن، بعد أن وضعها في خزانة زجاجية زين بها صدر منزله.
لكن، بعد وفاته، توجه أولاده نحو المهجر، فانتقلت العباءة إلى بيت حفيده في بلدة راشيا الفخار لتضيع أو تهمل في ما بعد.عند الانتهاء من مراسم الأفراح، نهض الموكب صباحاً إلى سهل بسري، فقرى وادي جزين، فإلى عين مجدلي، ثم كفرحونة، وصولاً إلى القطرانة.
وجميع هذه القرى التي مرّ بها المحتفلون وما يحيط بها من أملاك تخص آل جنبلاط والد العروس. بعدها إنتقل الوفد عبر طريق مزرعة حورتا، فإلى برغز، ثم كوكبا، فوصولاً إلى منزل زوجها في حاصبيا، وهذه أيضا أملاك تخص زوجها، مع العلم أن مزرعة حورتا كان قدّمها جدّها لأبيها، الشيخ بشير جنبلاط، إلى جدّي عريسها، الشيخ خليل شمس بعد اقترانه بإبنة الست إم علي نايفة جنبلاط شمس. وهكذا صح القول الذي تداوله الناس لفترة من الزمن:
“عروس تنتقل من المختارة إلى حاصبيا، فلا تمر إلا بأرض زوجها وبيّا”.

الوصايا الفيثاغورسية

الوصــــــــايا

موجز التعليم الفيثاغورسي
على لسان بعض كبار تلامذة الحكيم

الحلقة الأخيرة

هذا هو القسم الأخير من هذه السلسلة عن حياة وتعليم الحكيم فيثاغوراس وعن الأثر الهائل الذي تركه عبر شخصيته الفذّة ومذهبه وأتباعه على العرفان اليوناني عبر الأزمنة والعصور.
اختلف فيثاغوراس عن بقية حكماء تلك الفترة الذهبية بأنه لم يقتصر على الجلوس للتعليم أو التحاور مع مريديه، بل في اهتمامه ومنذ عهد مبكر من حياته بتحويل تعليمه إلى رسالة، وإلى معتقد يضع الأسس للسلوك الفردي والإنساني ويرسم الطريق للأخلاق القويمة وللمجاهدة المؤدية إلى الحقيقة وإلى الخلاص الروحي. وسبق القول إن العناية قدرت لهذا المذهب أن يتجسّد بنظام نموذجي تمّ تطبيقه في منطقة كروتونا والعديد من نواحي جنوب الجزيرة الإيطالية حيث ازدهرت الفيثاغورسية بعد هجرتها من ساموس في اليونان. وقد أتاح المثال العملي والتكريم اللذان حظيّ بهما فيثاغوراس وأتباعه للدعوة أن تغرس جذورها عميقاً في النفوس وأن يتتلمذّ عليها مئات المريدين البارزين والدعاة الذين نشطوا في نشر التعليم الفيثاغورسي حتى بعد المحنة التي تعرضت لها الطائفة في كروتونا.
وفي هذه الحلقة الثالثة والأخيرة حول فيثاغوراس والفيثاغورسية نعرض لخلاصة ثمينة من التعليم الفيثاغورسي كما نقله تلامذة الحكيم عنه في عصره وفي العصور التي تلت المحنة، وقد قسمنا هذه التعاليم أو الوصايا إلى قسمين:
القسم الأول: يتعلق بما يمكن اعتباره “الإلهيات”، أي تعليم الفيثاغورسية حول المفاهيم الكلية الكبرى مثل الله والحكيم والإيمان وآداب السلوك وسُبل التدرج الروحي.
القسم الثاني: يمكن اعتباره متعلقاً بـ “المعاملات” أو الأخلاقيات. وقد اخترنا في هذا المجال مقتطفات حول رأي الفيثاغورسيين في قدسية الأسرة وفي واجبات المرأة الفاضلة ودورها.
ويذكر هنا أن الإرث العام لهذه الجماعة غني جداً، وقد ساهم فيه عدد كبير من التلامذة البارزين للحكيم كما ساهمت فيه أيضاً نساء صالحات كن يتمتعن باحترام كبير وسط المجتمع الفيثاغورسي، لكن يجب القول إن أكثر الوصايا والحكم المعروضة تعود في أصلها إلى الحكيم، وهي غالباً ما تمثل ما سمعه المريدون المقربون مباشرة منه. ومن أبرز دلائل القوة الهائلة لفيثاغوراس هي الطريقة التي طبع فيها تفكير الألوف من المريدين والتابعين وأنتج نهجاً واحداً متسقاً على صعيدي الفكر والعمل. وهذه الوحدة التامة في الفكر والعمل هو ما مكّن الفيثاغورسية من التحول إلى مذهب وإلى مسلك ونظام اجتماعي ساد لفترة غير وجيزة وأثبت فعاليته في الإدارة الرشيدة للمجتمع.

[su_accordion]

[su_spoiler title=”القسم الأول: الحكمة وآداب الطريق” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

سكتوس الفيثاغورسي (300 قبل الميلاد)
الله، العقل،الحكيم وآداب الطريق

الله هو النور الذي لا يمكنه أن يتصل بضده (أي الظلمة)
إن أكبر تعظيم لله هو أن تعرفه وأن تتشبه به

من أقوال سكتوس الفيثاغورسي

1. إهمال الأشياء الصغيرة ليس أبداً من الصغائر في الحياة.
2. الحكيم والذي يحتقر الثروة هما أكثر الناس تشبهاً بالله.
3. لا تبحث في اسم الله لأنك لن تجده. لأن كل شيء يعطى اسماً إنما يتلقى الاسم من جهة تعلوه في المكانة. فهناك شخص ينادي وآخر يسمع النداء. من هو إذاً ذاك الذي يمكنه أن يعطي اسماً لله. وحتى اسم “الله” لا يدل على حقيقته وإنما يدل على صورة الله في فكرنا.
4. الله هو النور الذي لا يمكنه أن يتصل بضده (أي الظلمة).
5. إن في ذاتك شيئاً مشابهاً لحقيقة الله لذلك إجعل من نفسك معبداً له تمجيداً لهذا الذي فيك منه.
6. مجِّد الخالق فوق جميع الأشياء لعلّه يأخذ بناصيتك ويجعلك تحت حكمه.
7. كل شيء تمجده فوق جميع الأشياء يكتسب سلطاناً عليك، لكن إذا وضعت نفسك تحت سلطان الله فإنك بذلك ستعطى سلطاناً فوق جميع الأشياء.
8. إن أكبر تعظيم لله هو أن تعرفه وأن تتشبه به.
9. لا يوجد في الكون إطلاقاً ما هو شبه لله، لكن الله يرضى ويحب أن تسعى المخلوقات الدنيا لأن تتشبه به.
10. الله غني حقيقة عن كل شيء والرجل الحكيم مفتقر إليه وحده. لذلك، فإن من يستغني عن كل شيء ويقنع بالقليل الضروري فإنما يتشبه لهذه الجهة بمن هو غني عن كل شيء.
11. اسعَ بكل قواك لكي ترتفع في عين الله ولا تمد نظرك إلى ما متع الله به غيرك من الخلق.
12. الحكيم الذي لا يحصل على حقه في التعظيم من الناس أثناء حياته يشتهر وتعرف حقيقته بعد موته.
13. كل لحظة لا تفكر فيها في المعبود هي وقت ضائع من عمرك.
14. العقل الراجح هو آلة الله.
15. العقل الخرب هو آلة الشيطان.
16. اخضع لما هو حق لمجرد أنه حق.
17. لن تخفى عن عين الله عندما تعمل سيئة ولا حتى عندما تحدث نفسك بها في خاطرك.
18. أساس التقوى هو العفاف لكن قمتها هو محبة الله.
19. أدعو الله أن يعطيك ما ينفعك لا ما يسرك.
20. كل ما تتمنى من جارك أن يؤديه لك من حق الجيرة أده أنت له.
21. كل ما أعطاك الله لا يمكن لأحد أن يأخذه منك.
22. لا تفعل ولا حتى تفكر بخاطرك بفعل ما لا تريد لله أن يعلمه عنك.
23. قبل القيام بأي عمل اذكر الله لعل نوره وحكمته يسبقان قوتك.
24. ذكر الله نور القلب.
25. أكل الطعام الحيواني لا ضير فيه لكن الأفضل هو الامتناع عنه.
26. لا يمكن أن ينسب لله أي شر.
27. لا يجب أن تمتلك ما يزيد على حاجة جسدك وقوتك.
28. وامتلك تلك الأشياء التي لا يمكن لأحد أن يأخذها منك.
29. استحوذ على ما هو ضروري طالما بقي ضرورياً.
30. اسأل الله من العطايا ما يليق بقدسه أن يمنح لعباده.
31. العقل الذي فيك هو النور الذي يقود حياتك.
32. اسأل الله ما ليس في استطاعة البشر أن يمنحوك إياه.
33. لا ترغب في أن تحصل من دون جهد على الأشياء التي لا بدّ من جهد للحصول عليها.
34. لا تشغل فكرك في مراضاة الناس.
35. من الخطأ أن تهمل العمل على ما ستحتاجه بقوة بعد أن يزول الجسد.
36. لا تطلب من الشرف ما لا يمكنك الحفاظ عليه إلى الأبد بعد أن تناله.
37. عوِّد نفسك (بعد تعرفها على صفات الربوبية) على أن تقوم بما يجعل منها ربانية أيضاً.
38. أي شيء يمكن لإنسان شرير أن يأخذه منك أنظر إليه كهباء لا قيمة له.
39. يكبر الرجل في عين الله عندما يعتبر معالي الأمور ما يعتبره الله كذلك.
40. كل ما هو سطحي هو ضرر لنفسك.
41. الذي يعمل لمعالي الأمور لا يمكن أن يميل قلبه إلى صغائرها.
42. عقل الحكيم هو دائماً في حضرة الحق.
43. والله مقيم في عقل الرجل الحكيم.
44. الرجل الحكيم له حقيقة دائمة لا تتغير ولا تتبدل.
45. لا توجد رغبة يمكن إشباعها ، وكل رغبة هي لذلك في حالة افتقار.
46. العلم بالله والتشبه به وحدهما كافيان لنيل السعادة الأبدية.
47. تجرّع الكذب كما تتجرّع السمّ.
48. لا شيء تتفرد فيه الحكمة مثل تفردها بالحقيقة.
49. إذا كنت حاكماً على الناس فتذكر أن الرب حاكم عليك.
50. تذكر دوماً أن هدف الحياة هو أن تعيشها وفقاً لمرضاة الخالق.
51. الأهواء الفاسدة هي أول طريق الأحزان.
52. الأفكار الآثمة هي مرض الروح لكن الظلم وجحود الخالق موتها.
53. تعامل مع الناس كما لو كنت بعد الله الموكل على جميع الأشياء.
54. الذي يسيء معاملة البشر يسيء معاملة نفسه.
55. فكّر في أن تكون مفيداً حتى لأعدائك.
56. اصطبر على كل شيء في سبيل أن تعيش حياتك بما يرضي الله.
57. تكريمك للرجل العاقل هو تكريم لنفسك.
58. في جميع أعمالك اجعل الله دوماً نصب عينيك.
59. قد تحجم عن الزواج من أجل أن تكرّس حياتك كلها لتكون مع الله، لكن إن كنت خبيراً في مصارعة النفس وراغباً في مجاهدتها فاتخذ زوجة وأنجب منها الذرية.
60. أن نعيش عمراً محدداً هو في الحقيقة خارج قدرتنا لكن أن نعيش عيشاً صالحاً هو في مقدورنا بالتأكيد.
61. لا تسمح بأن يقدم أحد في حضورك على القدح في أهل الصلاح والحكمة أو اتهامهم.
62. إن كنت راغباً في أن تعيش حياة ناجحة فاجتنب الكثير مما لا يمكنك فيه أن تسبق الجميع.
63. كل كأس يداوي عطشك تذوقه كما لو كان طعمه حلواً كالعسل.
64. اهرب من السِّكْر كما تهرب من الجنون.
65. لا خير يأتي من الجسد.
66. اعتبر أنك قد تعرضت لعقوبة كبيرة في كل مرة تحصل فيها على غرض شهوتك، لأن الشهوة لا يمكن أن ترضى بالحصول على أغراضها.
67. اذكر ربك دوماً باعتباره الشاهد على أعمالك.
68. الرجل الشرير لا يتجه فكره إلى العناية الربانية.
69. الرجل الحق هو ذاك الذي في داخلك يمدك بالحكمة.
70. الرجل الحكيم يشترك في صفات الله.
71. حيث توجد الحكمة فيك يوجد خير ما فيك.
72. كل ما لا يؤذي الروح لا يؤذي الإنسان.
73. كل من يطرد ظلماً وعدواناً رجلاً حكيماً من صحبته فهو يقدّم لضحيته بهذا الظلم أفضل خدمة لأنه بذلك يحرره من قيوده.
74. السبب الوحيد لاكتئاب الإنسان وخوفه من الموت هو الجهل بحقيقة الروح.
75. لن يمكنك اكتساب العقل قبل أن تقتنع بأنك تمتلكه أصلاً.
76. عندما تدرك بأن جسدك إنما هو مجرد وعاء للروح فإنك ستعنى به وتبقيه طاهراً.
77. المطبوع على الفساد ينجذب بطبيعة نفسه إلى الأرواح الفاسدة.
78. لا تحدث عن الله من هو غير أهل لذلك.
79. هناك مخاطرة حقيقية في الكلام عن الله حتى في الأمور التي قد تكون صحيحة.
80. أي تأكيد حول حقيقة الله هو من إلهام الله.
81. إياك ثم إياك أن تتحدث عن الله للدهماء من عامة الناس.
82. من لا يعبد الله لا يمكن أن يعرفه.
83. من هو جدير بالوقوف بين يدي الحق هو بالضرورة من أخيار البشر.
84. من الأفضل أن تحوز القليل بدلاً من امتلاك الكثير الذي لن تنفع به أحداً.
85. الذي يعتقد بوجود الله لكن ينكر محبته لا يختلف أبداً عن رجل لا يؤمن بوجود الله.
86. أفضل تعظيم لله هو أن تأخذ طريق التشبه به بأكبر قدر ممكن.
87. من لا يؤذي أحداً لا يمكنه أن يخاف من أحد.
88. لا توجد الحكمة في من يمشي باستعلاء في الأرض.
89. أن تكذب هو أن تخدع الآخر وتخدع نفسك.
90. اعرف الله واعرف ذاك الذي في داخلك يعرف الله.
91. ليس الموت سبباً في فساد الروح بل هي الحياة الفاسدة.
92. إذا عرفت ذاك الذي صنعك عرفت نفسك.
93. لا يمكن لإنسان أن يحيا وفقاً لما يأمر به الله ما لم يكن متواضعاً حقاً.
94. الحكمة الربانية هي العلم الحقيقي.
95. إياك أن تتحدث عن الله إلى نفس نجسة.
96. الرجل الحكيم هو في معية الله والله في معية روح الرجل الحكيم.


97. رعية الملك هم مصدر سعادته، كذلك فإن الله يبتهج بالرجل الحكيم. والحاكم لا ينفصل عن من يحكمهم كذلك فإن الله لا ينفصل عن روح الرجل الحكيم بل ينصره وييسِّر حياته.
98. الرجل الحكيم أمره كله في يد الله ولهذا السبب فهو مبارك على الدوام.
99. المعرفة الحقيقية بالله تجعل الرجل في حاجة للقليل من الكلام.
100. استخدام الكلام الكثير في الحديث عن الله يحجب الكثير من حقيقة الموضوع.
101. من يعرف الله لا يمكن أن يلهيه طموح كبير لهذه الدنيا.
102. العالِم العفيف والحكيم هو النبي المبشر بحقيقة الله.
103. عود نفسك على التطبع دوماً باتجاه الربوبية.
104. عقل الحكيم مرآة الحق.

مختارات من الحكم الفيثاغورسية
كما سجلها ستوبيوس

• لا تقل القليل بكلمات كثيرة بل قل الكثير بكلمات قليلة
• تخلّق بالعفاف لأنه أكبر مصادر القوة وصحة الجسد
• عندما يفتح العاقل فمه ينساب جمال الروح من كلماته

1. لا تسمح حتى بمجرد التفكير بفعل ما لا يجب فعله.
2. اعتنِ بقوة الروح أكثر من اعتنائك بقوة الجسد.
3. كن على ثقة بأن الأعمال التي تتطلب جهداً تسهم أكثر من الملذات في تكوين الشخصية الفاضلة.
4. كل انفعال للنفس هو من أشد القواطع أمام خلاصها.
5. قال فيثاغوراس إن من الصعب جداً أن يختط الإنسان مساراً في الحياة ثم يضيف إليه مسارات عدة أخرى في الوقت نفسه.
6. قال فيثاغوراس إن من واجب الإنسان أن يعيش أفضل حياة ممكنة لكنه قال أيضا إن الثروة أساس هش للسعادة أما الجاه فهو أكثر هشاشة والجسد أيضاً، والمُلك والألقاب كل هذه أمور فارغة ولا قوة لها إطلاقاً. ما هي إذاً الأسس المتينة للحياة المثلى؟ إنها الحكمة وكرم النفس والثبات على الطريق. فهذه الفضائل لا يمكن لأي عاصفة أن تهزها. قانون الله تعالى هو أن الفضيلة هي الأمر الوحيد الذي يمنح القوة وأن كل الأمور الأخرى عبث.
7. كل أوجه الحياة مثلها مثل الأوجه العديدة لتمثال رائع يجب أن تكون جميلة.
8. احرق البخور للإله وقدم الاحترام والتمجيد لأهل الفضيلة والصلاح.
9. إن من الواجب الدفاع عن المظلومين الذين يتهمون زوراً بارتكاب جرائم، ومن الواجب أيضاً أن تقدم المديح لأولئك الذين يقدمون الكثير في مجال البرّ.
10. لا يقال عن الحصان أنه أصيل بسبب ما يوضع عليه من الزينة بل بما يظهره في الميدان من قوة وأصالة، كذلك فإن الرجل لا يعطى المقامات بسبب ثروة يمتلكها بل بسبب أصالته وكرم نفسه.
11. عندما يفتح العاقل فمه ينساب جمال الروح من كلماته.
12. قال فيثاغوراس إن أكثر الناس يقرون بأن الحكمة هي أثمن الأشياء في الحياة لكنْ قليلون هم الذين يجاهدون حقاً للحصول على هذا الكنز.
13. عليك باجتناب الخمر وأن تكون مستعداً للإيمان، لأن اليقظة والتصديق هما عماد الحكمة.
14. من الأفضل لك أن تجعل سريرك عشب الحقل على أن تنام على سرير من ذهب قلقاً مشوشاً.
15. قال فيثاغوراس: لا تشعر بالإفتقار لأي شيء يمكن للنعمة أن تمنحك إياه أو تحرمك منه.
16. انظر باحتقار إلى جميع الأشياء التي لن تكون في حاجة إليها عند تحررك من الجسد وجاهد لأن تكتسب تلك الأشياء التي ستحتاجها عند انعتاق الروح. واذكر الله دوماً واسأله العون.
17. قال ديموفيليوس: من المستحيل إخفاء الدناءة في السلوك القويم كما يستحيل إخفاء النار المشتعلة في الثوب.
18. الريح تزيد النار اشتعالاً لكن العشرة تزيد المحبة.
19. الله يحب أولئك الذين ينتفضون في وجه الظلم.
20. قال أريستوكزينوس الفيثاغورسي: إن حاجات الجسد الضرورية متاحة لأي كان من دون إرهاق. لكن متاع الدنيا التي تتطلب الكثير من الجهد والضنك لتحصيلها هي حاجات الشهوة لا الجسد، وهي وليد فساد الرأي.
21. قال أريستوكزينوس: تحدث فيثاغوراس عن الشهوة بهذه الكلمات: الشهوة متعددة الأشكال ويلازمها الجهد في جميع الأحوال. بعض الشهوات يتم اكتسابها بالتعود أو التطبع وبعضها الآخر مستبطن بالغريزة. والشهوة هي اندفاع في النفس ورغبة في الإشباع كما أنها بنت الحواس أو نتيجة الفراغ كما أنها نتيجة الوهم. وأنواع الشهوة الثلاث الأكثر فساداً أو انحرافاً هي الشهوة الفاسقة والشهوة العارمة والشهوة الشاذة. والشهوة غير لائقة في كل مظاهرها كما أنها غالباً ما تكون فظة ومثيرة للبلبلة. وحتى لو لم تكن كذلك فإن الشهوة تتميز بالطيش والإلحاح ، وفي المقام الأخير فإن الشهوة قد تنشأ في الوقت الخطأ أو تتركز على الموضوع غير المناسب.
22. قال فيثاغوراس: لا تحاول أن تغطي أخطاءك بالجدال بل جاهد لإصلاحها بتأنيب النفس.
23. قال فيثاغوراس: كما أن من الصعب جداً مداواة المرض إذا تم إخفاؤه أو التمويه على وجوده فإن من أصعب الأمور مداواة النفس العليلة التي يكابر صاحبها ويصر على إخفاء علته.
24. أن تمتلك حساماً غير قاطع أمر لا جدوى منه مثل استخدام حرية التعبير في غير محلها.
25. قال فيثاغوراس: أكرم من ينتقدك بالنصح لا من يمدحك. واهرب من المتملقين كفرارك من عدوك.
26. حياة الإنسان الجشع أشبه بمأدبة في مأتم. فعلى الرغم من احتوائها على كل ما هو مرغوب إلا أنه لا أحد يشعر بالسرور حولها.
27. قال فيثاغوراس: تخلّق بالعفاف لأنه أكبر مصادر القوة وصحة الجسد.
28. قال فيثاغوراس: عبد الشهوات لا يمكن أن يكون حراً.
29. قال فيثاغوراس: معاقرة الخمر والسكر هي الطريق نحو الجنون.
30. سئل فيثاغوراس: كيف يمكن لمدمن الخمر أن يقلع عن إدمانه؟ أجاب بالقول: يمكنه ذلك إذا استذكر كيف تكون عليه حاله وأفعاله عندما يكون ثملاً.
31. قال فيثاغوراس: ما لم يكن لديك شيء أفضل من الصمت فمن الأفضل لك أن تبقى صامتاً.
32. أفضل لك أن ترمي بحجر دون هدف من أن تنطق بكلمة لا فائدة منها.
33. قال فيثاغوراس: لا تقل القليل بكلمات كثيرة بل قل الكثير بكلمات قليلة.
34. سئل فيثاغوراس: كيف ينبغي للفرد أن يتصرف عندما يقع عليه الظلم من بلده؟ فأجاب: كما يتصرف الولد تجاه أمه.
35. الحكيم يجد في كل بقعة من بقاع الدنيا مقاماً مناسباً له لأن الروح المنعتقة وطنها العالم بأسره.
36. قال فيثاغوراس: أول ما يدخل المدن الرفاهية ويتبع ذلك التخمة ثم يتبع التخمة الفسق ثم يتبع الفسق الفجور ثم يتبع كل ذلك دمار المدينة على أهلها.
37. قال فيثاغوراس: أفضل المدن هي التي يسكنها أفضل الرجال.
38. قال فيثاغوراس: الذين لا يوقعون القصاص بشرار الناس يودون فعلاً إيقاع الأذى بخيار الناس.
39. قال فيثاغوراس: كما أن من غير الممكن ضبط الفرس من دون لجام كذلك من الصعب ضبط الثروة من دون التعقل في الإنفاق.
40. صاحب المال المغرور بنفسه هو أشبه بحصان السباق المندفع في ميدان مليء بالمنزلقات.
41. الرجل الحكيم يحتمل الفقر بالرضى والاتزان.
42. قال فيثاغوراس: احفظ حياتك وإلا فإنك ستنفقها في الأحزان والهموم.
43. في كلام لفافورينوس عن الشيخوخة قال: عليّ أن أذكر بأن أفلاطون وفيثاغوراس كلاهما لم ينظرا إلى الكهولة باعتبارها نهاية للحياة الحاضرة بل باعتبارها بداية لحياة جديدة ومباركة.
44. يقول فيلالاوس عن فيثاغوراس إن الحكماء القدماء والكهنة أكدوا دوماً أن الروح متحدة بالجسد كنوع من العقوبة وأنها دفنت في البدن كما يدفن الميت في القبر.
45. يقول فيثاغوراس: “أي شيء تراه في اليقظة هو الموت وأي شيء تراه في النوم هو الحلم”.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”القسم الثاني: قدسية الأسرة والمرأة الفاضلة” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

لا يجوز إيذاء الوالدين سواء بالقول أو بالفعل، وبغض النظر عن مكانتهما في الحياة سواء أكانت عظيمة أو وضيعة فإن الواجب طاعتهما. وعلى الأولاد أن يبقوا معهما وأن لا يتخلوا عنهما أبداً وأن يطيعوهما إلى حد الخضوع لهما حتى ولو أصابهما أو أحدهما الخرف ومهما نابهما من زمانهما من أمراض البدن أو النفس أو من الابتلاءات الأخرى في الصحة والمال والسمعة والمكانة الاجتماعية. وهذا الالتزام التام بالأهل يقبل عليه الرجل الورع بكل رضى وسرور. أما ذاك الذي يحتقر والديه فإنه سينال أشد العقاب من الله في حياته وفي موته، وسيحتقره الناس وسيلقى تحت التراب جنباً إلى جنب مع السفهاء والمارقين أشد العقاب من قبل ملائكة الموت التي يختص عملهم بالتدقيق في هذا النوع من الأعمال.
وعلينا أن نجل والدينا في حياتهما وبعد موتهما، وأن لا نعارضهما في شيء يقولانه أو يعملانه. وحتى إذا ما فقدا التمييز بسبب كبر السن أو المرض فإن علينا أن نهوّن عليهما ونواسيهما لكن دون أي تذمر أو تأفف أو عداء لأنه لا توجد جريمة أو إثم في الحياة يفوق عقوق الوالدين وعدم احترامهما من قبل الأولاد.

حول رسالة المرأة

فينتس ابنة كاليكراتيس (400 ق.م.)

على المرأة أن تكون صالحة ومتواضعة، لكنها لن تبلغ ذلك من دون الفضيلة والتي ترفع قيمة صاحبتها. وفضيلة العين هي النظر وفضيلة الأذن هي السمع وأول الفضائل التي يجب أن تتمتع بها المرأة هي الاستقامة لأنها بهذه الصفة يمكنها أن تحب وتكرّم زوجها.
قد يعتقد البعض أنه لا يليق بالمرأة أن تنخرط في شؤون الفلسفة كما أنه لا يليق بها أن تركب الخيل مثلاً أو أن تخطب في الناس. وأنه على الرغم من وجود أعمال مخصصة لكل من الرجل والمرأة فإن هناك أيضاً وظائف مشتركة بينهما. بالنسبة لما يعود لكل من الجنسين فإن وظيفة الرجل أن يقود الجيش وأن يتولى الشأن العام ويخطب في الناس بينما وظيفة المرأة أن تعتني بالمنزل وأن تخدم الزوج والأسرة كما أن عليها التحلي بالجَلَد والإنصاف ورجاحة العقل.
لكن في ما يتعلق بما هو مشترك، فإن على الرجل والمرأة كليهما أن يصونا الجسد والروح. وكما أن صحة البدن مفيدة لهما فإن صحة الروح مهمة لكليهما. وفضيلة الجسد هي في الصحة والقوة والنشاط والجمال. لكن أهم فضائل المرأة هو الاستقامة. وهذه الفضيلة تتبدى في خمسة أشياء:
أولاً: الحرص على قداسة الرابطة الزوجية والسرير الزوجي.
ثانياً:طريقة التزين واللباس.
ثالثاً: في تنقلها خارج المنزل.
رابعاً: في الابتعاد عن الطقوس الماجنة للعامة.
خامساً: الاعتدال والحيطة في تقديم الأضاحي.
لكن بين هذه الفضائل فإن أهمها هو عدم تدنيس السرير الزوجي وعدم التطلع إلى أي رجل سوى الزوج. إن استهتار المرأة بهذا الواجب يعتبر إثماً عظيماً تجاه الله الذي أمر بحفظ الأنساب كما أنها تخون عهدها الذي التزمت بموجبه بإقامة علاقة شرعية مع الزوج الهدف منها الشراكة في الحياة وإنجاب الأولاد. كما أن تدنيس الرابطة الزوجية يؤذي الجماعة وقوانينها لأنه يضحي باستقرارها في سبيل ملذات عابرة وسلوك وقح وغير مقبول، وهذا السلوك الشائن يحكم عليه بالموت كما أن الله لا يغفره.
أما في ما يتعلق بزينة المرأة فإن لباسها يجب أن يكون أبيض وبسيطاً ومحتشماً. ولكي يكون ثوب المرأة كذلك يجب ألا يكون شفافاً أو ملوناً أو مصنوعاً من الحرير وأن لا يكون باهظ الثمن. بذلك تجتنب المرأة الصالحة الاقتداء بالنساء الفاسدات والسطحيات. ولا يجوز للمرأة لبس الذهب والجواهر لأنها غالية الثمن وتعكس حب الظهور ومحاباة الدهماء، بل أن الحكم الرشيد في أي مدينة يجب أن يقضي بإخراج صانعي المجوهرات منها.
إن على المرأة أيضاً أن تزين وجهها ليس بالمساحيق أو الحمرة بل بالنور الطبيعي للرداء الأبيض الذي تضعه ويزينها بالحشمة بدلاً من فنون الزينة. بذلك فإنها ستكسب الشرف لنفسها ولزوجها.
بالنسبة للتنقل خارج المنزل فإنه لا يجوز للمرأة ترك منزلها قبل الفجر أو بعد المغيب أو دخول السوق قبل أن يكون عامراً بالناس على أن يكون في رفقتها على الأقل خادم أو إثنان.

واجبــــات المـــرأة الفاضلـــة

الفيثاغورسية بريكتيون (430 ق.م)

المرأة الفاضلة يسرّها ما يسرّ زوجها ويكدّرها ما يكدّره، وهي توافقه في أمور المنزل وتستقبل ببشاشة جميع الأقارب والأصدقاء الذين يقدمون لصحبته أو ضيافته.

لا يجوز للمرأة ترك منزلها قبل الفجر أو بعد المغيب أو دخول السوق قبل أن يكون عامراً بالناس على أن يكون في رفقتها على الأقل خادم أو إثنان

على المرأة أن تمثل تناغماً بين الحصافة وضبط النفس، ويجب أن تكون متحمسة لإكتساب الفضيلة وأن تنفر من الشهرة الفارغة، حتى إذا أصبحت زوجة كانت مثال السلوك الحسن تجاه زوجها وأولادها وأسرتها. وعليها أن تكون وفية لزوجها وأن تحاذر الوقوع في الزنى لأن فيه دمار كل رابطة بين الرجل والمرأة.
عليها أن تدرب جسدها على الاعتدال في الطعام واللباس والاستحمام وتصفيف الشعر وارتداء الحلي. إذ يكفي للطعام والماء أن يسدا الجوع والعطش، وهو ما يمكن تأمينه من أشياء بسيطة ومتوفرة بسهولة. كما أن في إمكان المرأة حماية نفسها من البرد عبر ارتداء أكثر الثياب بساطة، ومن الإثم أن يأكل السالك من أطعمة مستوردة من بلدان بعيدة يتم شراؤها بأغلى الأثمان، كما أن من الحماقة البحث عن الثياب الباهظة الثمن واللماعة والموشاة باللون الأحمر وغيره من الألوان الثمينة.
إن الجسد نفسه لا يطلب منا سوى حمايته من البرد والعري وهذا كل ما يحتاجه. وبسبب الجهل والحمق يطلب الرجال توافِه الأمور والفضول. لا يجوز للمرأة التزين بالذهب أو الجواهر المستقدمة من الهند أو أي بلد آخر ولا أن تتفنن في جدل أو تصفيف شعرها ولا أن تتعطر بالعطور العربية ولا أن تصبغ وجهها بحيث يزداد بياضاً أو احمراراً ولا أن تكحل حاجبيها أو جفونها ولا أن تصبغ شعرها عندما يبدأ الشيب بالظهور ولا أن تكثر الاستحمام. لأن المرأة التي تفعل كل ذلك إنما هي مسرفة وتسعى لاجتذاب الأنظار. على العكس من ذلك فإن الجمال الناجم عن سمو الروح والاستقامة وحده يجلب السرور للمرأة الأصيلة.
ولا ينبغي للمرأة أن تبحث عن الثروة أو الجاه أو صداقة كبار القوم أو حاشية الحكام. وعلى روحها أن تأنف هذه الرغائب ولا تحلم بها لأن هذه الأمور ضررها أكثر بكثير من نفعها ولأنها تسوق المرء في طريق الضلال والمِحَن، والخيانة والحسد والنميمة وتقضّ بالتالي مضاجع أصحابها وتحرمهم هناء العيش.
على المرأة الفاضلة أن تعيش مع زوجها برضى تام وأن تصطبر على مصاعب العيش التي قد تصيب الزوج سواء كان ذلك في خسارة تجارة أم في ارتكاب الحماقات، وسواء كان الزوج مريضاً أو مخموراً أو حتى غير وفيّ، وعليها أيضاً أن تتحمل غضب الزوج أو تقتيره أو شكواه من سوء حاله أو غيرته وأي أخطاء قد تكون في طبعه. كل ذلك باصطبار تام ومع دوام الاحترام والطاعة للزوج.
عليها أيضاً أن لا تحب زوجها فقط بل أولادها وأقاربها وخدمها وجميع أفراد عائلتها، وعليها أيضاً أن توافق رأي زوجها في أمور المنزل وأن تستقبل ببشاشة جميع الأقارب والأصدقاء الذين يقدمون لصحبته أو ضيافته، وما لم تكن مفتقدة للمودّة فإن المرأة الفاضلة يسرّها ما يسرّ زوجها ويكدّرها ما يكدّره.

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

أبو بكر الشبلي

الشيــــخ الزاهــــد وشاعــــر الوجــــد والفنــــاء بالله

أبو بكر الشبلي

هو الشيخ الزاهد أبو بكر دلف بن جعفر بن يونس الشبلي، ولد في بغداد وبعضهم يقول في سامراء عام 247هـ، الموافق 861م، وكان أبوه من رجال دار الخلافة بسامراء، وهو تركي الأصل من قرية شبلية من أعمال أشروسنة. نشأ الشبلي مع أولاد الأمراء والوزراء، وانخرط في سلك الوظيفة بدار الخلافة، وحظي من الأمراء بالنعم الوافرة، وعين أميرا على (دوماند) من توابع طبرستان. وكان يرى المظالم في عمله والسعايات بين الحكام بالباطل فيؤلمه ذلك إذ لم يكن يوافق طبعه وخلقه الرفيع، وأحس بقيود الوظيفة، وأراد خلعها لأنه يرى مصيره سيئا في الدنيا والآخرة إذا إستمر بالعمل مع هؤلاء المتكالبين على الدنيا، والتقى بالرجل الصالح (خير النساج) وكان من مشاهير الوعاظ في عصره، وقد وجهه هذا نحو الجنيد البغدادي.
التقى الشبلي بالجنيد البغدادي فرحّب به الجنيد وأكرمه وحبب إليه العبادات والتصوف والانصراف عن الدنيا.
جزع الشبلي من الاستمرار في العمل أميراً عند الولاة وقرر الاستقالة من عمله. لكن الجنيد طلب منه أن يعود إلى وظيفته ويسترضي الناس، فرجع الشبلي لعمله وأقام فيها سنة، يسترضي خلالها الناس ويطلب المسامحة منهم، ثم عاد إلى بغداد، وسلك سبيل التصوف وكان يعرف الزهد بقوله: (تحول القلوب من الأشياء إلى رب الأشياء).
هو أول من سمّى التصوف بعلم الخِرَق، أو علم الحقيقة في مقابل “علم الورق” (أي العلم الظاهر أو علم الشريعة)، والخِرقة هي ثوب فقر كان غالباً من الصوف وكان المرشد يُلبِسَه للمريد عند نضجه في الطريق. وقد ورد ذلك في شعر قال فيه:
تســـربلتُ للحــرب ثــوب الغـــرق وهمــتُ البــلاد لوجــــد القلــــــق
ففيــــك هتكــــت قنــــاع الغِـــوى وعنــــك نطقتُ لدى من نطـــــق
اذا خــــاطبوني بعلـــــــــم الـــــورق برزت عليهـــم بعلــــم الخـــــــــرق

قال الجنيد عنه: لا تنظروا إلى أبي بكر الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض فإنه عين من عيون الله .وقال أيضاً: لكل قوم تاج، وتاج هذا القوم الشبلي.
اشتهر بمجاهداته في أول أمره وكان يكتحل بالملح ليعتاد السهر، وكان يبالغ في تعظيم الشرع المكرم. وكان يأخذه الوله فيغيب ويُـرَدّ في أوقات الصلوات إلى حِسِّه حتى لا يفوته شيء مما يتوجب عليه من التكاليف فإذا فرغ من صلاته أخذه الوله وصار لا يعقل .
قال عن التصوف: هو ترويح القلوب، وتجليل الخواطر بأردية الوفاء، والتخلق بالسخاء والبِشر في اللقاء، وهو الجلوس مع الله بلا هم.
توفي الشيخ الشبلي ليلة السبت 27 من ذي الحجة في سنة 334هـ، الموافق 945م، ودفن ضحى في مقبرة الخيزران، وقبره ظاهر يزار وعليه قبة، ودفن إلى جواره بعض طلابه ومحبيه.

من أقواله
التصوف ضبط حواسك، ومراعاة أنفاسك
من عرف الله خضع له كل شيء؛ لأنه عاين أثر ملكه فيه.
الفرح بالله أولى من الحزن بين يدي الله.
ليس للمريد فترة ولا لعارف معرفة ولا للمعرفة علاقة ولا للمحب سكون ولا للصادق دعوى ولا للخائف قرار ولا للخلق من الله فرار.
سئل في معنى قول القرآن: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ). النور:30) فقال: “أبصار الرءوس عن المحارم، وأبصار القلوب عما سوى الله عز وجل”.

من شعره

عودوني الوصال والوصل عـذب ورمـوني بالصـد والصـدّ صعـب
زعمـــوا حـــين عاتبــــوا أن ذنـــبي فرط حـبي لهـم ومــا ذاك ذنــب
لا وحسن الخضوع عند التلاقــي ما جـزا من يحــب إلا أن يُحــبّ

رآنـــي فــــأوراني عجائب لطفـــه فهِمــتُ وقلــــبي بالفــــراق يــذوب
فــــلا غائــب عــني فأسلو بذكـرهِ ولا هــو عــني معــرضٌ فأغيـــبُ

لــها فــي طرفهــا لحــظات سحــر تميــت بهــــا وتحيــــي مــن تــريـــد
وتســــــــبي العالمــــــــين بمقلتيــــــــها كــــــأن العالمــــــين لهــــــــا عبيـــــد
ألاحــــظها فتعــــلم مــــا بقــــلــبي وألحظهــــــا فتعلــــــم مــــــا أريــــد

الناس في عيد قد سروا وقد فرحوا وما ســــررت به والواحد الصمدِ
لمــــا تيقنــــت إنــــي لا أعاينكــــم غمضت طرفي فلم أنظر إلى أحدِ

تزيــــن النــــاس يــــوم العيـــد للعيد وقد لبست ثياب الزرق والسـودِ
أعــــددت نوحــاً وتعديدا وباكيةً ضدّا من الراح والريحـان والعــودِ
وأصبــــح الكل مسرورا بعيدهم ورحت فيكــم إلى نــوح وتعديــدِ
أصبحت في ترحٍ والناس في فرحٍ شتان بيني وبين النــاس في العيــدِ

بــــــــاح مجنــون عامــــــرٍ بهــــــــواه وكــتمت الهــوى ففــزتُ بوجدي
وإذا كــان فــي القيامــــــة نــــودي أيــن أهل الهوى تقدمت وحدي

أُقــــلّل ما بـــي فيك وهـو كثــــــير وأزجرُ دمعي فيك وهو غزيــــــرُ
وعندي دموع، لو بكيت ببعضـها لفاضـــت بحـــور بعدهنَّ بحـــــورُ
قبول الورى تحت التراب وللهــوى رجالٌ هم تحت الثيــاب قُبــــــورُ
سأبكــــــي بأجفان عليك قريحـةٌ وأرنــــو بألحاظٍ إليــــــك تشــــــيرُ
إن مــــوت المحــــب من ألم الشـــوقِ وخوف الفِــراقِ يــــورث عــــذرا
صابَرَ الصبرَ فاستغاث به الصَّبــــرُ فصــــاح المحبُّ بالصـــبرِ صــــبراً

دعِ الأقمـــــــار تغــــرُب أو تنــــــــيرُ لنــــا بــــدرٌ تــــذِلُّ لــــه البــــــدور
لنــــا مــــن نــــورهِ فــــي كـــل وقتٍ ضيــــاءً مــــات غيِّــــره الدّهـــورُ

الـــــدهر لي مأتمٌ إن غبت يا أمـلي والعيدُ ما كنت لي مرأى ومستمعا
أحرى الملابس ما تلقى الحبيب به يوم التزاور في الثوبِ الذي خُلِعــا

إنـــي لأَحسِـــدُ ناظـــــــرَيَّ عليكَـــا حتى أغـــضّ إذا نظـــرتُ إليـــك
وأراك تخـــطرُ في شمـــــــائلك الـــتي هي فتنتي فأغــار منـــك عليـــكَ
ولو قلتَ: طأ في النار بادرت نحوها سروراً لأني قد خطرت ببالكــا

والهجـــر لو سكن الجِنان تحـــولت نعم الجنان على العبيد جحيمــاً
والوصل لو سكن الجحيم تحولت نار الجحيم على العبيــد نعيمــــاً

تغنـــّــــى العـــــــــــــــودُ فاشتقنـــــــــا إلى الأحبــــــــــــابِ إذ غنّــــــــــــى
وكــــــــــــــنّـا حيثــــــــــــما كانـــــــــوا وكانــــــــــوا حيثمـــــــــا كـــنّـــــــــــا
ذكـــــــــرتك لا أنــــــي نسيتك لمحـةً وأيسـر ما في الذِّكر ذكر لســـاني
وكِـدتُ بلا وجدٍ أموت من الهوى وهام علـــيَّ القلــــــب بالخفقـــانِ
فلمّــــا أراني الوجد أنك حاضري شهدتــك موجـودا بكـــل مكـــانِ
فخاطبـــتً موجـــوداً بغـــير تكلــمٍ ولاحظـــتُ معلومـــا بغـــير عيـانِ

علــــــم التصــــــوُّفِ علم لا نفاد له علـــم سَنيٌّ سمــــــاويٌّ رُبوبــــــــيُّ
فيـــه الفوائـــدُ للألبــــــابِ يعرفهــــــا أهل الجزالـةِ والصنع الخصوصـيُّ

 

أبيات مفردة وحكمة جامعة

في ما يلي بعض الأبيات المفردة التي قالها الشبلي (ر) واشتهر الكثير منها بسبب بلاغته ورقته في الأدب الصوفي وبات يتناقل من جيل إلى جيل عبر الأزمان:

بقلــــــبي هـــــوى أذكـــــى مـــــن النـــــار حـــــرّه وأحـــــلى مـــــن التقـــــوى وأمضـــــى مـــــن السيـــــفِ
* * * *
مـــــن لــــــم يكــــــــــن للوصـــــــــال أهـــــــــــــــلا فكـــــــــــــــــــــــــل إحسانــــــــــــــــــــه ذنــــــــــــــــــــــــــوب
* * * *
إن المحبــــــــــة للرحمـــــــــــــن تســـــكرنــــــــــــــي وهـــــــــــــــل رأيـــــــــــــــت محبــــــــــّاً غيـــــرَ سكـــــرانِ
* * * *
مــــن اعــــتـــــــــــــــــز بــــــــــــــــــذي العـــــــــــــــز فـــــــــــــــذو العـــــــــــــــــــــــــــــــــــزِّ له عـــــــــــــــــــــــــــــزٌّ
* * * *
كلـمــــــا قلــــت قــــد دنـــــا حـــــــلُّ قيـــــــــدي قــــــــــــــــــــدَّمونــــــــــي وأوثقـــــــــــــــوا المِسمـــــــــــــــارا
* * * *
وتحسبـــــــــني حيـــــــــّاً وإنــــــــي لميِّـــــــــــــــــتٌ وبعضـــــي مـــــن الهجـــــران يبكـــــي علـــــى بعــــــضِ
* * * *
الصـــــــــبرُ يَجمُـــــــــلُ فـــــي المواطـــــنِ كلّهـــــــا إلا عليـــــــــــــــــــك فإنــــــــــــــــــــــــه لا يَجمُـــــــــــــــــــــلُ
* * * *

استفتاء الضحى الشبابية حول الزواج المختلط

استفتاء «الضحى الشبابية» حول الـزواج المختلط

79% لا يفكرون به و 84% لا يقبلون الخروج من الأهل

أبرز الموانع في تفكير الشباب الدرزي
العقيدة ورضا الأهل ومشكلة الأولاد

أهم مشاكل الزواج المختلط هي الندم على ترك الأهل
وتراجع الحب واختلاف الزوجين بشأن دين الأولاد

أجرت “الضحى الشبابية” استفتاء رأي ميدانياً للشباب الدروز حول موضوع الزواج المختلط، وتناول البحث عينة من 154 شخصاً وكان تركيبها كالتالي:

ذكور:45% إناث 55% أما التمثيل المناطقي فجاء كالتالي: الشوف: 38% عاليه: 23% راشيا-حاصبيا: 22% المتن: 12% وبيروت: 5%، وهو تمثيل يعكس إلى حدٍّ كبير الثقل النسبي لكل من مناطق تواجد الشباب الدروز. 93% من حجم العينة كانوا من الجامعيين أو طلاب الدراسات العليا و75% اعتبروا أنفسهم من أصحاب الدخل المتوسط، في مقابل 20% اعتبروا أنفسهم “فوق المعدل” أو من أصحاب المداخيل المرتفعة. 58% من الذين أجابوا على أسئلة الضحى الشبابية كانوا ما بين الـ 20 و24 عاماً و38% أقل من 20 عاماً، أما الفئة التي يزد عمرها على 25 سنة فلم تمثل سوى 4%.
وبهذا المعنى، فإن العينة رجحت التمثيل الشبابي والجامعي والطبقة الوسطى أو ما فوقها، وهو تمثيل يعكس إلى حد كبير الفئة المعنية بالزواج، كما أن النسبة المرتفعة للجامعيين استهدفت دراسة تأثير البيئة الجديدة على موقف الشباب الدروز من الموضوع.
نلفت النظر إلى نسب الإجابات على بعض الأسئلة تفوق الـ 100% نظراً لأن الاستفتاء سمح في بعض الأسئلة باختيار أكثر من إجابة على السؤال نفسه.

لكن، ماذا عن النتائج؟
بصورة عامة لم تكن الصورة العامة للإجابات مفاجئة، إذ عكست آراء الذين تمت مقابلتهم الرأي العام المحافظ تجاه الزواج المختلط لدى الشباب الدروز، كما هو لدى شباب الطوائف اللبنانية الباقية، مع العلم أنه لا تتوافر لدينا إحصاءات تظهر النتائج المقارنة حول الموضوع نفسه التي يمكن أن يعطيها أفراد الجماعات اللبنانية الباقية المسيحية والإسلامية.
الموقف العام من موضوع الزواج المختلط ظهر في إعلان 79% من المجيبين أنهم لن يتزوجوا من خارج البيئة الدرزية، في مقابل 11% قالوا إنهم مستعدون للزواج من طوائف أخرى و10% قالوا أنه ليس لديهم موقف من الموضوع. يلاحظ أن نسبة المعارضين للزواج ارتفعت إلى 86% عندما طرح السؤال: هل أنت مستعدٌّ للزواج من خارج الطائفة على الرغم من معارضة الوالدين. مما يعني أن عامل قبول الأهل ما زال مهماً في حياة الشباب الدروز. وقد انخفضت بسبب هذا السؤال نسبة الذين قد يفكرون بالزواج المختلط إلى 8%، كما تراجعت إلى 7% فئة الذين ليس لديهم موقف من الموضوع.
وأوضح الاستفتاء أهمية الاعتبار الاجتماعي في موقف الشباب الدرزي من الزواج المختلط، إذ اعتبر 63% من المجيبين أن المركز الاجتماعي للشريك عامل مهم في الزواج في مقابل 26% لم
يعتبروه مهماً.

الموقف من الأهل
وكشف الاستفتاء في هذا السياق عن وجود اختلاف في مفاهيم الشباب الدرزي تجاه موضوع الوالدين وأهمية أن يكونا موافقين على الزواج، إذ أن الأشخاص أنفسهم الذين اعتبروا رضا الأهل مهماً للزواج تبدلت إجاباتهم عندما سئلوا إذا كانوا يعتبرون الزواج ارتباطاً يخص الشريكين فقط، أم يخصهما مع الوالدين أو مع الأهل بالمعنى الواسع. فقد أجاب 36% أن الزواج يخص الشريكين فقط، بينما اعتبر 22% أن الزواج يخص الشريكين مع الوالدين، و31% أنه يخص الشريكين مع العائلة الأكبر بمعناها الواسع. والواقع أن هذه النسبة يمكن تفسيرها في حرص الشباب ولا سيما الفتيات منهن على تأكيد حقهن في اختيار الشريك من دون تدخل من الأهل لكن دون أن يعني ذلك الموافقة على الزواج من خارج الطائفة، إذ أن كلاً من الموضوعين يمكن اعتباره مستقلاً عن الآخر نسبياً، فقد تصر الفتاة على حقها في اختيار الزوج من دون ضغط الأهل لكن دون أن يعني ذلك التفكير بالزواج من خارج الطائفة.

الانضباط بالأسرة
بكلام آخر، فإن الشباب الدرزي يقول إن اختيار الشريك يعود إليه لكنّه يؤكد في الوقت نفسه على أن رضا الأهل عامل أساسي لإتمام الزواج، إذ وافق 85% على أن رضا الوالدين عامل أساسي لإتمام الزواج، بينما اعتبر 8% فقط أن رضا الأهل ليس ضرورياً لإتمامه. وهذه النسبة قابلة للمقارنة بالأجوبة التي حصلنا عليها على السؤال السابق وهو استعداد الشاب أو الشابة للزواج من خارج الطائفة.
وانعكست النظرة المتشككة إزاء الزواج من خارج الطائفة في مؤشر آخر مهم، إذ اعتبر 6% فقط من المجيبين بأن فرص نجاح الزواج المختلط “مرتفعة” في مقابل 46% اعتبروا فرصة النجاح منخفضة و 26% اعتبروا فرصة النجاح “متوسطة”، بينما أجاب الباقي أو نسبة 19% بأنهم لا يملكون موقفاً.


الانضباط بالعقيدة
أظهر الاستفتاء أن المعتقد أو الانتماء المذهبي يلعب دوراً مهماً في تحديد موقف الشباب من الزواج المختلط. إذ أن 70% من المجيبين قالوا إن تمسكهم بعقيدة التوحيد هي السبب الأول لرفضهم الزواج من خارج الطائفة ورد 68% السبب التعلق بالوالدين والأسرة وعدم طاقتهم على احتمال الخروج عن المنزل الأبوي. وبهذا المعنى نفسه فلقد قال 85% من المجيبين على الاستفتاء بأنهم يرفضون تبديل مذهبهم أو دينهم لتسهيل الزواج من خارج الطائفة، بينما أعلن 7% أنهم مستعدون لتبديل انتمائهم الديني أو المذهبي في سبيل الزواج بمن يختارون.

لماذا يحصل الزواج المختلط؟
كيف ينظر الشباب الدرزي إلى الزواج المختلط، وما هي في نظرهم الدوافع التي قد تجعل البعض يتجه إليه؟
الرأي العام الغالب (نحو 75%) يعطي للحب الدور الأهم في قيام علاقات تنتهي بالزواج المختلط، بينما يرد 44% ذلك الزواج إلى أفكار مثالية ترفض التمييز على أساس اجتماعي أو طائفي أو غيره. في المقابل، فإن نسبة أقل اعتبرت الزواج المختلط نتيجة لعدم الخبرة (16%) أو للنقص العاطفي (22%) أو الجهل بالنتائج (35%) أو عدم الاكتراث برضا الأهل (20%) أو عدم الاكتراث بشعور المجتمع الدرزي عموماً (24%).

لماذا يتعثر؟
إذا كان 6% من الشباب الدرزي فقط يعتقدون بنجاح الزواج المختلط، فما هو رأي الذين يعتقدون خلاف ذلك؟ وما هي أبرز الأسباب التي يعتقد المشككون أنها تؤدي إلى تعثر الزواج المختلط؟
النسبة الأهم (74%) ترد تعثر الزواج المختلط إلى اختلاف الزوجين بشأن أي دين يتعين على الأطفال إتباعه، بينما يرى51% السبب في “شعور العزلة والندم على الخروج على الوالدين” و50% في “اختفاء الحب وبدء الخلافات”، أو في ظهور الهوة على حقيقتها في القيم الثقافية والمجتمعية لكل من الشريكين.

الأهمية الخاصة لموضوع الأولاد
أظهر استفتاء “الضحى الشبابية” أن موضوع الأولاد وهويتهم الدينية ومشكلة تربيتهم ووفق أي منهج يعتبر عاملاً محورياً في تعثر الزواج المختلط. وأجاب 75% أنهم يعتبرون الهوية الدينية للأولاد موضوعاً جسيماً ومهماً (في مقابل 17% اعتبروا الأمر غير أساسي) و8% قالوا إنهم لا يملكون جواباً. وبالمعنى نفسه، فقد اعتبر 76% من المجيبين أن اختلاف الدين بين الزوجين يسبّب مشكلات للأولاد في المستقبل في مقابل 14% لم يوافقوا على ذلك.

إبن عطاء الله السكندري

الحكم العطائية

لعطاء الله السكندري

ذاعت شهرتها كأهم دليل موجز للمريد
في مجاهداته ومراقبته الدائمة لأحواله

تعتبر حكم ابن عطاء الله السكندري من أكثر النصوص الصوفية ذيوعاً في العالم وقد اكتسبت “الحكم العطائية” شهرتها الواسعة ليس فقط بسبب النظر إليها كدليل للسالكين في طريق الله، بل وبالدرجة الأولى نظراً للأسلوب المحكم والموجز الذي صيغت به تلك الحكم من دون ترتيب محدد للمواضيع لكن مع توال في السياق يجعل كلاً من تلك الحكم تمهد لما يتبعها أو تفصلها أو تشرحها.
ومن المؤكد أن ابن عطاء الله استهدف في استخدام صيغة الحكم الموجزة والمحكمة المعاني جَعْلَ كلا من تلك الحكم موضوعاً لتأمل المريد أو معيناً له على إدراك حاله ومقامه وما يعترض طريقه في السلوك من قواطع النفس أو امتحانات الحق تعالى. وأهم ما بني عليه سلوك التوحيد الصوفي هو الاعتقاد بأن الطريق إلى الله طريق مجاهدات ومراقبة وتضحية حتى المحو والموت عن النفس الترابية والقطع الكامل معها. لكن طريق المريدين إلى مرادهم محفوف بالامتحانات ومخاطر الشطط والوقوف والسقوط في حبائل الهوى وقد أراد ابن عطاء الله لذلك أن يضع بين أيدي هؤلاء دليلاً يمكن اعتباره رفيق الطريق والمعين عليها في حضور المرشد أو في غيابه..

من هو ابن عطاء الله
ولد ابن عطاء الله السكندري وعاش في القرن السابع الهجري وعاصر بذلك أعلاماً كبار مثل محي الدين ابن عربي وأبو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسي وأحمد البدوي وجلال الدين الرومي وابن الفارض وإبراهيم الدسوقي, لكن لم يلتق معظم هؤلاء في الغالب. كان رجلاً صالحاً عالماً يتكلم على كرسي ويحضر بين يديه خلق كثير، وكان لوعظه تأثير في القلوب، وكان له معرفة تامة بكلام أهل الحقائق وأرباب الطريق. تدّرج في طريق القوم على يد الشيخ ياقوت وقبله على يد الشيخ أبي العباس المرسي وقال عنه الشيخ زروق: “كان جامعاً لأنواع العلوم من تفسير وحديث وفقه ونحو وأصول وكان واعظا انتفع به خلق كثير وسلكوا طريقه”.
سلوكه طريق الصوفية
أشار ابن عطاء الله في كتابه لطائف المنن إلى حادثة التقائه بشيخة فقال إنها جاءت بعد مجادلته أحد أصحاب أبو العباس المرسي إذ قال له “ليس إلا أهل العلم الظاهر وهؤلاء القوم يدّعون أموراً عظيمة وظاهر الشرع يأباها” لكن ابن عطاء الله عاد وقال في نفسه بعد تلك، الخصومة: “دعني أذهب أنظر إلى هذا الرجل فصاحب الحق له أمارات”. ويقول:” أتيته فوجدته يتكلم في الأنفاس التي أمر الشارع بها فأذهب الله ما كان عندي” وعلى أثر ذلك تحول ابن عطاء الله إلى أحد خواص أصحاب الشيخ المرسي وقد لازمه اثني عشر عاماً حتى أشرقت أنواره عليه وصار من صدور المقربين.

مختارات من الحكم العطائية

مِنْ عَلامَةِ الاعْتِمادِ عَلى العَمَلِ نُقْصانُ الرَّجاءِ عِنْدَ وُجودِ الزَّللِ.
اجْتِهادُكَ فيما ضُمِنَ لَكَ وَتَقصيرُكَ فيما طُلِبَ مِنْكَ دَليلٌ عَلى انْطِماسِ البَصيرَةِ مِنْكَ.
لا يَكُنْ تأَخُّرُ أَمَدِ العَطاءِ مَعَ الإلْحاحِ في الدُّعاءِ مُوْجِباً لِيأْسِكَ. فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ. وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُ لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُرْيدُ.
الأَعْمالُ صُوَرٌ قَائَمةٌ، وَأَرْواحُها وُجودُ سِرِّ الإِخْلاصِ فِيها.
كَيْفَ يُشْرِقُ قَلْبٌ؛ صُوَرُ الأَكْوانِ مُنْطَبِعَةٌ في مِرْآتهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْحَلُ إلى اللهِ وَهُوَ مُكَبَّلٌ بِشَهْواتِهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَطمَعُ أنْ يَدْخُلَ حَضْرَةَ اللهِ وَهُوَ لَمْ يَتَطَهَرْ مِنْ جَنْابِةِ غَفْلاتِهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْجو أَنْ يَفْهَمَ دَقائِقَ الأَسْرارِ وَهُوَ لَمْ يَتُبْ مِنْ هَفْواتِهِ؟!
الكونُ كلُّهُ ظُلْمةٌ وإِنَّما أَنارَهُ ظُهورُ الحقِّ فيهِ. فَمَنْ رَأى الكَوْنَ وَلَمْ يَشْهَدْهُ فيهِ أَوْ عِنْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَه فَقَدْ أَعْوَزَهُ وُجودُ الأَنْوارِ. وَحُجِبَتْ عَنْهُ شُموسُ المَعارِفِ بِسُحُبِ الآثارِ.
ما تَرَكَ مِنَ الجَهْلِ شَيْئاً مَنْ أَرادَ أَنْ يَحْدُثَ في الوَقْتِ غَيْرُ ما أَظْهَرَهُ اللهُ فيِهِ.
طَلَبُكَ مِنهُ اتِّهامٌ لَهُ. وَطَلَبُكَ لَهُ غَيْبَةٌ مِنْكَ عَنْهُ. وَطَلَبُكَ لِغَيْرِهِ لِقِلَّةِ حَيائِكَ مِنْهُ. وَطَلَبُكَ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجودِ بُعْدِكَ عَنْهُ.
ما مِنْ نَفَسٍ تُبْدْيهِ إلّا وَلَهُ قَدَرٌ فيكَ يُمْضيهِ.
ما تَوَقَّفَ مَطْلَبٌ أنْتَ طالِبُهُ بِرَبِّكَ. وَلا تَيَسَّرَ مَطْلَبٌ أَنْتَ طالِبُهُ بِنَفْسِكَ.
مِنْ عَلاماتِ النُّجْحِ في النِّهاياتِ، الرُّجوعُ إلى اللهِ في البِداياتِ.
مَنْ أَشْرَقَتْ بِدايَتُهُ أَشْرَقَتْ نِهايَتُهُ.
اخْرُجْ مِنْ أوْصافِ بَشَرِيَّتِكَ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ مُناقِضٍ لِعُبوديَّتِكَ لِتَكونَ لِنِداءِ الحَقِّ مُجيباً، ومِنْ حَضْرَتِهِ قَريباً.
أَصْلُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَغَفْلَةٍ وَشَهْوةٍ؛ الرِّضا عَنِ النَّفْسِ. وَأَصْلُ كُلِّ طاعَةٍ وَيَقَظَةٍ وَعِفَّةٍ؛ عَدَمُ الرِّضا مِنْكَ عَنْها. وَلَئِنْ تَصْحَبَ جاهِلاً لا يَرْضى عَنْ نَفْسِهِ خَيرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ عالِماً يَرْضى عَنْ نَفْسِهِ
كانَ اللهُ وَلا شَيْءَ مَعَهُ، وَهُوَ الآنَ عَلَى ما عَلَيْهِ كانَ.
العَجَبُ كُلُّ العَجَبِ مِمَّنْ يَهْرُبُ مِمَّنْ لا انْفِكاكَ لَهُ عَنْهُ، وَيَطْلُبُ ما لا بَقاءَ لَهُ مَعَهُ. }فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ{.
لا تَرْحَلْ مِنْ كَوْنٍ إلى كَوْنٍ فَتَكونَ كَحِمارِ الرَّحى؛ يَسيرُ وَالمَكانُ الَّذي ارْتَحَلَ إلَيْهِ هُوَ الَّذي ارْتَحَلَ عَنْهُ. وَلكِنِ ارْحَلْ مِنْ الأَكْوان إلى المُكَوِّنِ، }وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى{.
لا تَصْحَبْ مَنْ لا يُنْهِضُكَ حالُهُ وَلا يَدُلُّكَ عَلَى اللهِ مَقالُهُ.
مِنْ عَلاماتِ مَوْتِ القَلْبِ عَدَمُ الحُزْنِ عَلَى ما فاتَكَ مِنَ المُوافَقاتِ. وتَرْكُ النَّدَمِ عَلَى ما فَعَلْتَهُ مِنْ وُجودِ الزَّلّاتِ.
لا يَعْظُمِ الذَنْبُ عِنْدَكَ عَظَمَةً تَصُدُّكَ عَنْ حُسْنِ الظَّنِّ باللهِ تَعالى، فإنَّ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ اسْتَصْغَرَ في جَنْبِ كَرَمِهِ ذَنْبَهُ.
لا صَغيرَةَ إِذا قابَلَكَ عَدْلُهُ. وَلا كَبيرَةَ إِذا واجَهَكَ فَضْلُهُ.
النّورُ جُنْدُ القَلْبِ، كَما أَنَّ الظُلْمَةَ جُنْدُ النَفْسِ. فإذا أرادَ اللهُ أنْ يَنْصُرَ عَبْدَهُ أَمَدَّهُ بِجُنودِ الأَنْوارِ وَقَطَعَ عَنْهُ مَدَدَ الظُلَمِ وَالأَغْيارِ.
لا تُفْرِحْكَ الطّاعَةُ لأَنَّها بَرَزتْ مِنَكَ، وَافْرَحْ بِها لأَنَّها بَرَزتْ مِنَ اللهِ إلَيْكَ. }قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{.
ما بَسَقَتْ أَغْصانُ ذُلٍّ إلّا عَلى بِذْرِ طَمَعٍ.
ما قادَكَ شَيْءٌ مِثْلُ الوَهْمِ.
أنْتَ حُرٌ مِمّا أنْتَ عَنْهُ آيِسٌ. وَعَبْدٌ لِما أنْتَ لَهُ طامِعٌ.
مَنْ لَمْ يُقْبِلْ عَلى اللهِ بِمُلاطَفاتِ الإحْسانِ قِيْدَ إلَيْهِ بِسَلاسِلِ الامْتِحانِ.
مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النِّعَمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوالِها، وَمَنْ شَكَرَها فَقَدْ قَيَّدَها بِعِقالِها.
إنَّما جَعَلَ الدّارَ الآخِرَةَ مَحَلّاً لِجَزاءِ عِبادِهِ المُؤْمِنينَ؛ لأَنَّ هَذِهِ الدّارَ لا تَسَعُ ما يُريدُ أنْ يُعْطِيَهُمْ. وَلِأَنَّهُ أَجَلَّ أَقْدارَهُمْ عَنْ أنْ يُجازِيَهُمْ في دارٍ لا بَقاءَ لَها.
إذا أَرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ قَدْرَكَ عِنْدَهُ فانْظُرْ في ماذا يُقيمَكَ.
خيرُ ما تَطْلُبُهُ مِنْهُ ما هُوَ طالِبُهُ مِنْكَ.
الحُزْنُ عَلى فُقْدانِ الطّاعةِ مَعَ عَدَمِ النُّهوضِ إلَيْها مِنْ عَلاماتِ الاغْتِرارِ.
رُبَّما أَعْطاكَ فَمَنَعَكَ وَرُبَّما مَنَعَكَ فأَعْطاكَ.
كَفى مِنْ جَزائِهِ إيّاكَ عَلى الطّاعَةِ أَنْ رَضِيَكَ لَها أَهلاً.
مَنْ عَبَدَه لِشَيْءٍ يَرْجوهُ مِنْهُ أَوْ لِيَدْفَعَ بِطاعَتِهِ وُرودَ العُقوبَةِ عَنْهُ، فَما قامَ بِحَقِّ أَوْصافِهِ.
مَتى أعْطاكَ أَشْهَدَكَ بِرَّهُ، وَمَتى مَنَعَكَ أَشْهَدَكَ قَهْرَهُ. فَهُوَ في كُلِّ ذلِكَ مُتَعَرِّفٌ إلَيْكَ وَمُقْبِلٌ بِوُجودِ لُطْفِهِ عَلَيْكَ.
رُبَّما فَتَحَ لَكَ بابَ الطّاعَةِ وَما فَتَحَ لَكَ بابَ القَبولِ. وَرُبَّما قَضى عَلَيْكَ بِالذَّنْبِ فَكانَ سَبَبَاً في الوُصولِ.
مَعْصِيَةٌ أَورَثَتْ ذُلاً وافْتِقاراً خَيرٌ مِنْ طاعَةٍ أوْرَثَتْ عِزّاً وَاسْتِكْباراً.
مَتى أَوْحَشَكَ مِنْ خَلْقِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُريدُ أَنْ يَفْتَحَ لَكَ بابَ الأُنْسِ بهِ.
لا تُطالِبْ رَبَّكَ بِتَأَخُّرِ مَطْلَبِكَ وَلكِنْ طالِبْ نَفْسَكَ بِتَأَخُّرِ أَدَبِكَ.
وُرودُ الإمْدادِ بِحَسَبِ الاسْتِعْدادِ. وَشُروقُ الأنْوارِ عَلى حَسَبِ صَفاءِ الأسْرارِ.
الغافِلُ إذا أَصْبَحَ يَنْظُرُ ماذا يَفْعَلُ، وَالعاقِلُ يَنْظُرُ ماذا يَفْعَلُ اللهُ بِهِ.
لولا جَميلُ سَترِهِ لَمْ يَكُنْ عَمَلٌ أهْلاً لْلْقَبولِ.
النّاسُ يَمْدَحونَكَ لِما يَظُنُّونَهُ فيكَ، فَكُنْ أنْتَ ذاماً لنَفسِكَ لِما تَعْلَمُهُ مِنها.
إذا أَرَدْتَ أنْ يَفْتَحَ لَكَ بابَ الرَّجاءِ فاشْهَدْ ما مِنْهُ إلَيْكَ. وَإذا أَرَدْتَ أنْ يَفْتَحَ لَكَ بابَ الخَوفِ فاشْهَدْ ما مِنْكَ إلَيْهِ.
حَظُّ النَّفْسِ في المَعْصِيَةِ ظاهِرٌ جَليٌّ، وَحَظُّها في الطّاعَةِ باطِنٌ خَفيَ، وَمُداواةُ ما يَخْفى صَعْبٌ عِلاجُهُ.
غَيِّبْ نَظَرَ الخَلْقِ إلَيْكَ بِنَظَرِ اللهِ إلَيْكَ، وَغِبْ عَنْ إقْبالِهِمْ عَلَيْكَ بِشُهودِ إقْبالِهِ إلَيْكَ.
مَنْ عَرَفَ الحَقَّ شَهِدَهُ في كُلِّ شَيْءٍ، وَمَنْ فَنِيَ بِهِ غابَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَمَنْ أحَبَّهُ لَمْ يُؤْثِرْ عَلَيْهِ شَيئاً.
إنَّما حَجَبَ الحَقَّ عَنْكَ شِدَّةُ قُرْبِهِ مِنْكَ.
إنَّما احْتَجَبَ لِشِدَّة ظُهورِهِ، وَخَفِيَ عَنِ الأبْصارِ لِعِظَمِ نُورِهِ.
جَلَّ حُكْمُ الأزَلِ أَنْ يَنْضافَ إلى العِلَلِ.
رُبَّما دَلَّهُمُ الأَدَبُ عَلى تَرْكِ الطَّلَبِ اعْتِماداً عَلى قِسْمَتِهِ وَاشْتِغالاً بِذِكْرِهِ عَنْ مَسْألَتِهِ.
مَنْ أُذِنَ لهُ في التَّعْبيرِ فُهِمَتْ في مَسامِعِ الخَلْقِ عِبارَتُهُ، وَجُلِّيَتْ إلَيْهِمْ إشارَتُهُ.
مِنْ عَلاماتِ اتِّباعِ الهَوى المُسارَعَةُ إلى نَوافِلِ الخَيْراتِ، وَالتَّكاسُلُ عَنِ القِيامِ بِالواجِباتِ.
مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ النِّعَمِ بِوجْدانِها عَرَفَها بِوُجودِ فُقْدانِها.
تَمَكُّنُ حَلاوَةِ الهَوى مِنَ القَلْبِ هُوَ الدّاءُ العُضالُ.
أنْوارٌ أُذِنَ لَها في الوُصولِ وَأَنوارٌ أُذِنَ لَها في الدُّخولِ.
فَرِّغْ قَلْبَكَ مِنَ الأَغْيارِ تَمْلأهُ بِالمَعارِفِ والأسْرارِ.
لا تَسْتَبْطِيءْ مِنْه النَّوالَ، وَلكِنِ اسْتَبْطيءْ مِنْ نَفْسِكَ وُجودَ الإقْبالِ.
ما فاتَكَ مِنْ عُمُركَ لا عِوَضَ لَهُ، وَما حَصَلَ لَكَ مِنْهُ لا قيمَةَ لَهُ.
ما أحْبَبْتَ شَيئاً إلا كُنْتَ لَهُ عَبْداً، وَهُوَ لا يُحِبُّ أنْ تَكونَ لِغَيْرِهِ عَبْداً.
لا يَزيدُ في عِزِّهِ إقْبالُ مَنْ أَقْبَلَ، وَلا يَنْقُصُ مِنْ عِزِّهِ إدْبارُ مَنْ أدْبَرَ.
وُصولُكَ إلى اللهِ وُصولُكَ إلى العِلْمِ بِهِ، وَإلّا فَجَلَّ رَبُّنا أنْ يَتَّصِلَ بِهِ شَيْءٌ أوْ يَتَّصِلَ هُوَ بِشَيْءٍ.
النَّعيمُ وإنْ تَنَوَّعَتْ مَظاهِرُهُ إنَّما هُوَ بِشُهودِهِ وَاقْتِرابِهِ. وَالعَذابٌ وَإنْ تَنَوَّعَتْ مَظاهِرُهُ إنَّما هُوَ لِوجودِ حِجابِهِ. فَسَبَبُ العَذابِ وُجودُ الحِجْابِ، وإتْمامُ النَّعيمِ بِالنَّظَرِ إلى وَجْهِ اللهِ الكَريمِ.
مِنْ تَمامِ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ أنْ يَرْزُقَكَ ما يَكْفيكَ وَيَمْنَعَكَ ما يُطْغيكَ.
العِلْمُ النّافِعُ هُوَ الَّذيِ يَنَبِسِطُ في الصَّدْرِ شُعاعُهُ ويُكَشَفُ بِهِ عَنِ القَلْبِ قِناعُهُ.
خَيرُ عِلْمٍ ما كانَتِ الخَشيَةُ مَعَهُ.
إذا عَلِمْتَ أنَّ الشَّيْطانَ لا يَغْفُلُ عَنْكَ فَلا تَغْفُلْ أنْتَ عَمَّنْ ناصِيَتُكَ بِيَدِهِ.
مَنْ أثْبَتَ لِنَفْسِهِ تَواضُعاً فَهُوَ المُتَكَبِّرُ حَقّاً. إذْ لَيْسَ التَّواضُعُ إلّا عَنْ رِفْعَهٍ. فَمَتى أثْبَتَّ لِنَفِسَكَ تَواضُعاً فَأنْتَ المُتَكَبِّرُ حَقّاً.
التَّواضُعُ الحَقيقيُّ هُوَ ما كانَ ناشِئاً عَنْ شُهودِ عَظَمَتِهِ وَتَجَلّي صِفَتِهِ.
المُؤْمِنُ يَشْغَلُهُ الثَّناءُ عَلى اللهِ عَنْ أنْ يَكونَ لِنَفْسِهِ شاكِراً. وَتَشْغَلُهُ حُقوقُ اللهِ عَنْ أنْ يَكونَ لِحُظوظِهِ ذاكِراً.
الكائِنُ في الكَونِ، وَلَمْ تُفْتَحْ لَهُ مَيادينُ الغُيوبِ، مَسْجونٌ بِمُحيطاتِهِ، وَمَحْصورٌ في هَيْكَلِ ذاتِهِ.
أنْتَ مَعَ الأكْوانِ ما لَمْ تَشْهَدِ المُكَوِّنَ، فَإذا شَهِدْتَهُ كانَتِ الأكْوانُ مَعَكَ.
كَيْفَ تَطْلُبُ العِوَضَ عَلى عَمَلٍ هُوَ مُتَصَدِّقٌ بِهِ عَليكَ، أمْ كَيْفَ تَطْلُبُ الجَزاءَ عَلى صِدْقٍ هُوَ مُهْديهِ إلَيْكَ؟!

ثقافة و آداب

شـــــاور ســـــواك إذا نــابتك نائبة وإن كنـــت من أهل المشـــــورات فالعـــــين تنـظر ما دنا وما نــــأى ولا ترى نفســـــــــها إلاّ بــــــــمرأة (أحد …

استفتاء «الضحى الشبابية» حول الـزواج المختلط 79% لا يفكرون به و 84% لا يقبلون الخروج من الأهل أبرز الموانع في تفكير الشباب …

sufi - in wild nature

نفائس من كتاب «سر الأسرار ومظهر الأنوار» للشيخ العارف عبد القادر الجيلاني (ر) العارِف يقول ما دونه والعالم يقول ما فوقه وعِلم …

شاعرة العشق الإلهـي عرفت رابعة العدوية خالقها، فتهذبت أخلاقها وسارت في منعرجات الرقي الروحي، فأعطتنا المثل الأعلى في التوحيد، طريق النفوس التقية …

“والإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك” ابن عمر كان الشيخ أبو اسماعيل سليم خير الدين رجلاً صادق القول …

مختـارات من ربــاعيـات شاعــر الصوفيــة الأكبــر جــلال الــدين الـرومــي هذه مختارات شعرية من رباعيات جلال الدين الرومي (المتضمنة في الجزء الثامن من …

العاصفة الشمسية المقبلة ما العمل وماذا ينتظرنا؟ عاصفة شباط عطّلت الاتصالات الفضائية وأربكت الطيران لكن العلماء يتوقعون ذروة أشد خطورة في العامين …

ثــلاث قصائـد لـ يونــس أمــري شاعــر الحـب والوحـدة الإنسانيــة باللـــه بين يدي الحبيب أكتب شعري إجلالاً وتـــذللاً تعـــال وانظـــر إلى مـــا نالـــني …

السلطان عبد الحميد الثاني آخـر حماة الخلافة وأرض فلسطين قال عنه الأفغاني: “ لو وزن بأربعة من نوابغ العصر لرجحهم” ووضعه المؤرخون …

الأرض

أشكـــــــــو إليـــــــكِ ولا أُصغـــــــــي لشكــــــــــــــــــــــــــــواكِ فتغمـــــريــــــن بلطــــــــــــــــفٍ قلبـــــــــــــــــيَ الشاكـــــــــــــــي تُعطـــــينَ وجهــــــــــَكِ عــن حــــــــبٍّ وعــــــــــــن كَــــــــــــرَمٍ وتشبعـــيـــــــــنَ المـــــــــــــلا مِـــــــــــن خيــــرِك الزاكــــــــــــــي يـــــا أمَّنـــــــــا …

العرس القروي

“الضحى” تدعو لمبادرة أهلية لإحياء تقاليد العرس القروي وإلى صندوق لتشجيع العرسان على التزام الصيغة الأصيلة والتراثية لحفل الزفاف بعض أهم العناصر …

العرس في راشيا وحاصبيا حسرة على اندثار العرس القروي وأفراحه وخروج المجوز والدبكة ومشاركة الناس يتذكَّر المواطنون في منطقتي راشيا وحاصبيا أعراساً …